منتدى الآصالةوالتاريخ حريب بيحان
ينتهي : 30-04-2025
عدد مرات النقر : 1,276
عدد  مرات الظهور : 28,921,925

عدد مرات النقر : 4,121
عدد  مرات الظهور : 72,942,282
عدد  مرات الظهور : 68,658,251
قناة حريب بيحان " يوتيوب "
عدد مرات النقر : 2,301
عدد  مرات الظهور : 72,943,084مركز تحميل منتديات حريب بيحان
ينتهي : 19-12-2025
عدد مرات النقر : 3,940
عدد  مرات الظهور : 69,159,011
آخر 10 مشاركات
الاذكار اليوميه في الصباح والمساء (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 542 - المشاهدات : 33597 - الوقت: 08:30 PM - التاريخ: 04-19-2024)           »          قراءة في سورة البقرة (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 1 - المشاهدات : 54 - الوقت: 08:28 PM - التاريخ: 04-19-2024)           »          صـبـــاحكم سكــر // مســـاؤكم ورد معطر (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 2383 - المشاهدات : 168459 - الوقت: 08:22 PM - التاريخ: 04-19-2024)           »          عيدكم مبارك ،، (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 1 - المشاهدات : 73 - الوقت: 08:45 AM - التاريخ: 04-10-2024)           »          تحدي المليوووون رد ،، (الكاتـب : - المشاركات : 2049 - المشاهدات : 122939 - الوقت: 05:27 PM - التاريخ: 04-08-2024)           »          ماذا ستكتب على جدران (منتديات حريب بيحان) (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 3179 - المشاهدات : 232066 - الوقت: 05:26 PM - التاريخ: 04-08-2024)           »          تعزية للاخ يمني بوفاة اخيه (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 5 - المشاهدات : 88 - الوقت: 05:53 AM - التاريخ: 04-05-2024)           »          ورد يومي صفحه من القرآن الكريم (الكاتـب : - المشاركات : 93 - المشاهدات : 943 - الوقت: 06:53 AM - التاريخ: 03-23-2024)           »          شهرمبارك كل عام وأنتم بخير (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 3 - المشاهدات : 68 - الوقت: 04:06 AM - التاريخ: 03-18-2024)           »          تدمير دبابة ميركافا الإسرائيلية (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 2 - المشاهدات : 133 - الوقت: 06:53 AM - التاريخ: 03-17-2024)


الإهداءات




تغربية بني هلال كاملة


الرد على الموضوع
 
LinkBack خيارات الموضوع
قديم 03-17-2013, 07:01 AM   #21


الصورة الشخصية لـ صدى الوجدان
صدى الوجدان غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 9
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 03-31-2014 (02:37 AM)
 المشاركات : 10,242 [ + ]
 تقييم العضوية :  570
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 5 مرة في 5 مشاركة
الإفتراضي



[align=center][tabletext="width:70%;background-image:url('http://www.hreeb-bihan.com/vb/backgrounds/20.gif');border:10px double indigo;"][cell="filter:;"][align=center]
الجزء الحادي والعشرون
مقتل سعدى وقصة اليتامى



( قال الراوي ):

لنرجع الآن الى سعدى بنت الزناتي، فإنها كانت باقية بقصر أبيها عند حريم دياب تقاسي أنواع الذل والعذاب، فلما رأت أن حسن نسيها وكذلك أبو زيد، فرأت أن تكتب للأمير حسن وتطلب خلاصها من دياب وأنها مظلومة عنده للغاية، فكتبت كتابا وسلمته لنجاب، فلما وصل الى حسن أعطاه الكتاب ففضه وقرأه، فتغيرت منه الأحوال، وحينئذ أرسل عبده جوهر الى أبي زيد وأخبره بالقضية، فحضر أبو زيد ومعه خمسة آلاف فارس من بني زحلان، فاستقبله حسن وسلم عليه وبعدما ارتاح قال لحسن: ما الخبر أيها الأمير؟ فأعطاه كتاب سعدى، فلما قرأه أمر باحضار النجاب، فلما حضر قال له أخبر الست سعدى أننا بعد ثلاثة أيام نكون عندها، فسار العبد وأخبرها بأنهما سيأتيان ليأخذاها، ففرحت وصارت تنتظر قدومهما، وأما حسن وأبو زيد فقد ركبا في ثاني الأيام وسارا حتى دخلا الى تونس الغرب، فلما رآهما دياب نزل واستقبلهما بالترحيب والاكرام وأدخلهما القصر وذبح لهما الذبائح، فاقاما بضيافته ثلاثة أيام وفي اليوم الرابع قال لهما دياب لقد شرفتمونا بهذه الزيارة، وكان الواجب ن أرحل أنا اليكم أولا، فقال حسن نحن أتينا لأمر مهم، فلما فرغ حسن من كلامه، اغتاظ الغيظ الشديد ولكنه أخفى الكمد وقال سعدى باقية كما هي، وأما قولك اني طلبت أن أتزوجها فهذا كذب، فقال حسن ذا كتاب سعدى اقرأ، فقرأه دياب فاغتاظ أكثر من الأول، وقال المرأة التي تخون أباها لايكون فيها خير لأحد، فقال هي خطيبة مرعي فاطلب أن تسلمني اياها وألا يقع بيننا أسباب ما هي في حساب.

ورد عليه دياب، فلما انتهى من كلامه، هجم عليه حسن وقال والله لو لم نكن ضيوفك لضربتك بهذا الحسام، ثم أراد أن يهجما على بعضهما، فمنعهما أبو زيد وقال ما هذه الفعال تتقاتلان لأجل بنت؟؟ اسمعا عندي رأي حسن، فقالا ما هو؟ فقال نحن نضع سعدى في مكان بعيد في آخر الميدان ونكون راكبين على خيولنا بأول الميدان ونطلق الأعنة، فالذي يصل الى سعدى قبل الآخر تكون ملكه ويأخذها، وقصد أبو زيد أن يأخذها عنده وقال في نفسه أما خضرة دياب ماتت وبنتها صغيرة ما هي مثل خيلنا، وان أخذتها أعطيتها لحسن، وينحسم الشر لأننا ضيوف عند دياب، ولا يليق أن،اخذها بغير رضاه، فقال حسن رضيت ودياب رضي أيضا، وفي اليوم الثاني أحضروا سعدى الى الميدان وأوقفوها في آخره ووقفوا هم في أوله وأعطوا لبعضهم الإشارة، فخرجوا كأنهم نشاب، وكان دياب راكبا الشهبا ابنة الخضرا وكانت أحسن من أمها، فراحت أمام الجميع ومن خلفه أبو زيد على الحصان، وخلفهما حسن على الحيصا وكانت المسافة مقدار ساعة، فلما وصل اليها دياب قالت له سعدى أنا أختك يا دياب، وكان أبو زيد علمها أن تقول ذلك، فلما سمع كلامها عرف المضمون، فشهر حسامه فجرحها جرحا بليغا، فصاح به حسن وقال لماذا عملت هكذا يا دياب؟ قال أنتم قلتم أن الذي يسبق اليها تكون ملكه، وهي صارت ملكي، فأتصرف فيها كيف أشاء، وبما أنها خائنة لا أريد أن أبقيها عندي، ثم ألوى الشهبا ورجع، وأما أبو زيد فقال الى حسن صدق دياب هذه حقه، ثم نزلا الى سعدى فاذا هي في قيد الحياة، فحملاها وسارا بها حتى دخلا القيروان واجتمعت البنات والنسوان لما عرفوا بقتل سعدى، وكذلك مرعي فانه مزق ثيابه وصار كالمجنون، وأما سعدى فانها فتحت عينيها من حلاوة الروح وأشارت تودع الدنيا بكلام يفتت الأكباد.

فلما فرغت سعدى شهقت شهقة واحدة، وماتت، فأقاموا عليها الصياح والبكاء والنواح، ثم غسلوها ودفنوهاأ وأما دياب فانه طغى في الحكم وبغى وصار يظلم الناس وما عرف كيف يتصرف بالملك، فأفسد عليه أهل الغرب بني زغبة، وصاروا يوشون لهم حتى صار أكثرهم يبغضه، ودامت الأحقاد بين دياب وحسن وأبي زيد، ولكن في الظاهر كانوا يظهرون المحبة والمودة وفي الباطن كانوا يخفون ما في قلوبهم.


( قال الراوي ):

هذا ما كان من دياب وبني هلال، واسمع ما جرى من زعيمة ست الغرب أخت الزناتي، فانها لما أعلنت بانه وقعت البغضة في بني هلال، قصدت أن ترمي الفتنة بين الأمير دياب والأمير حسن، فجمعت عشيرتها وأخو العلام وقالت لهم لقد فقدنا أخي الزناتي والعلام والجابلي وملك بنو هلال بلاد الغرب وما خلوا لنا ملجأ نسكن فيه وقد أحزنني موت سعدى وكسر ظهري، وكان كل أملي فيها أن تعزينا، والآن مرادي أن أتوجه الى بني هلال وأرمي الفتن، فقال لها أخو العلام نخاف عليك من أبي زيد لأنه مكار، فقالت لاتخف علي منه، وودعت قومها وسارت قاصدة بني هلال بصفة شاعرة، فوصلت الى تونس الخضرا فدخلت على الأمير دياب وقبلت يديه وقالت له: قد سرتني سلامتك وفرحت بقتلك الزناتي، لأنه أكبر أعدائي فقتل أهلي ويتم أولادي وأخذ مالي وعدت حزينة غريبة في أقصى البلاد، فلما علمت أنه مات، ركبت ناقتي وقصدت أن يكون الغيط من قسمتك، فقال لها ما يكون هذا الغيط وفي أي جهة، فقالت له: غدا صباحا أريك اياه، فلما أصبح الصباح ركب الأمير دياب في جماعته والعجوز دلتهم على الغيط، فانبسط الأمير دياب وانشرح لما نظر تلك الغدران التي تدهش البصر وتلك القصور العامرة والأشجار الفاخرة، وصار يجني الأثمار ويقطف الزهار، فقالت له العجوز أرجوك أن تسمح لي لأن أذهب الى أولادي وآخذ لهم حملا من الفواكه، فقال لها افعلي ما بدا لك ولكن لا تطولي علينا، فأخذت ست الغرب من أفخر أثمار الغيط، وذهبت الى الأمير حسن والأمير أبو زيد وسلمت عليهم وقدمت الهدايا وأشارت تصف لهم الغيط والبهرجان وعين سلوان.

فلما فرغت من كلامها والأمير حسن والأمير أبو زيد سمعا شعرها ونظامها، وقع الحسد عندهما من الأمير دياب، ثم أنعما على العجوز فذهبت في حال سبيلها، وقال الأمير حسن يا أبا زيد ان الأمير دياب حاز أفخر ملك العرب ومرادنا أن ننظر هذا الروض، وصار حسن يخابر أمراء الغرب على الفتك في دياب، ثم جمعوا الفرسان والأبطال وركب هو والأمير أبو زيد، ومازالوا سائرين الى أن دخلوا غيط البهرجان وعين سلوان، ولما تظر الأمير حسن وأبو زيد هذا المنظر وعلو القصر وجميع ما ذكرت عنه العجوز وزيادة، تعجبوا غاية العجب، ولما علم الأمير دياب بحضورهما استقبلهما وسلم عليهما،فقال أبو زيد يا أمير دياب نحن ماسكين البقرة من ذنبها وأنت تحلبها. فقال الأمير دياب: اذا الله أعطى فمن منع واذا منع فمن يعطي.

فقال الأمير أبو زيد: فان شئت يا أمير ديبا تعطي هذا الغيط الى الأمير حسن، فامتنع دياب فانغبن أبو زيد منه وساق الجمال وهجم على الغيط فهدمت الأسوار وردمت الأبيار وكسرت الأشجار، ولما نظر دياب هذه الأعمال جمع بني زغبة ليلا وحضر ثلاثمائة ثعلب ودهنها بالزفت والكبريت وأشعل النار في أذنابها وأطلقها بين زرع بني هلال، وكان أيام الحصاد، فاشتعل الزرع، فوصل الخبر الى الأمير حسن فخرج هو وقومه ليطفئوا الحريق ولكن كان احتراق أكثره وما بقي الا القليل، فغضب حسن وعرف أن هذا فعل دياب فجمع قومه وراح يشيرهم على حرب دياب، فقالوا الأحسن أن ترسل وراءه، فان أطاع السلطان يحرم قتاله، وان أبى حاربه، فاستدعى دياب، فلما وصل النجاب أبى ولم يحضر.

فلما فرغ دياب من الكتاب، أعطاه للنجاب وقال له أعطه الى الأمير حسن، فأخذه وسار حتى وصل اليه فقرأه على رؤوس الأمارة، فقالوا له افعل ما تريد، فعند ذلك أشار يحثهم على حرب دياب وقتله.

فلما فرغ حسن من كلامه وبقية الأمراء يسمعون نظامه، قالوا الحق معك، دياب غدار، وما علاج الغدار الا ضرب البتار!

كل هذا وأبو زيد ساكت، فقال حسن: لماذا يا أبا زيد أنت ساكت؟؟

فقال أبو زيد: أنا أرى من الموافق أن لاتقاتلوا دياب لأنه منا وفينا ونحن طول عمرنا عايشين سوا، ودايما أنا وهو نتعاون على الخير والشر، فاذا حاربته فاما أن أقتله واما أن يقتلني، ومن قتل منا تخسره بني هلال والرأي عندي أن نصلح بينكم ويذهب كل شي الى حال سبيله، فقال حسن: لا بد عن قتاله لأنه ما كفاه خرج عن طاعتي ووضع رمحه فوق سور تونس ليمرقنا من تحته وقتل سعدى خطيبة مرعي أمامي، وهي صارت من حريمنا، وقد طمع فينا وأراد أن يأخذها، فقال أبو زيد: أنا أروح معكم ولكن لا أقاتل بل أصلح، ثم أنهم جمعوا قومهم وذهبوا الى قتال دياب، فلما وصل اليه وعلم بهم، خرج بقومه لقتالهم، فلما قرب الجيشان برز حسن الى الميدان، فبرز اليه دياب فالتقى البطلان كأنهما جبلان وحان عليهما الحين وغنا على رأسيهما غراب البين، وثار الغبار وسد منافس اٌطار وقدحت حوافر الخيل نارا وكلت منهما الزنود وزهقت منهما الكبود وأطلقا الأعنة وقوما الأسنة مقدار ساعة من الزمان، طلعت من الاثنين ضربتان قاطعتان، وكان السابق بالضربة الأمير دياب، فوقعت على فرس حسن فقتلتها، فوقع السلطان حسن على الأرض فأسرع أبو زيد وخلصه، وأما مرعي لما نظر أباه السلطان وقع على الأرض هجم على دياب فضربه دياب بالحربة فجاءت على فخذه فأرماه الأرض، ثم أن دياب لوى عنان جواده ورجع وما أحد تبعه، ثم اجتمع بقومه وقال لهم:

عرفتم ما صار بيننا وبين حسن، فما الرأي عندكم؟ فقالوا: الرأي عندنا أن تغيب مدة من الزمان حتى تصلح الأحوال ويروق البال، لأنك تعديت على حسن وعلى ابنه مرعي وربما حشد الأمير أبو زيد، فتقع الحروب ونفني بعنا وتشمت الأعادي بنا.

فقال لهم الأمير: لا ارحل هذه البلاد ما لم أقتل حسن.

هذا ما كان منه، وأما حسن قام من وقته وهو مجروح، فحملوه وأخذوه الى القيروان وصار الأمير أبو زيد يلوم حسن ويقول له: أنت تعديت على دياب، وكان مرادك أن تقتله، ومن الموافق أن تصغيا لقولي وترفعا الحقد من بينكما، ثم أن أبا زيد أصلح بين حسن ودياب، ولكن بقيت البغضة كامنة الى يوم من الأيام جمع حسن قومه وسادات عشيرته وقال مرادي زف مرعي على عطر بنت أبي زيد، فنادوا في جميع العربان مدة العرس شهر تمام، لاأحد يأكل ولا أحد يشرب الا عند الأمير حسن، فذبح الذبائح وعمل الولائم، ثم استدعى عشرين فارسا من اولاد عمه، وقال: مرادي أرسلكم الى تونس لتعزموا دياب، وكتب له كتابا يعرفه بالحضور، وسلمه الى أمير من أولاد عمه وقال لهم لاترجعوا الا ودياب معكم، فأخذوا المكتوب وساروا يقطعون الروابي والهضاب قاصدين الأمير دياب، وأما دياب في تلك المدة فقد حلم حلما هائلا، فاستدعى ابن عمه مسلم، فلما سأله عن الخبر فأشار يعلمه ويقول:

يقول أبو موسى دياب ابن غانم
الأيام ما تبدي بيوم سعيد

رأيت مناما يا أمير مسلم
نكد علينا غاية التنكيد

رأيت خلخالا على ساق فضة
يدور على الرجلين بالتوكيد

ورأيت جماعة من رجالي عدمتهم
وما شفتهم بالعين يا صنديد

ورأيت أني في وسط قاعة مربعة
ومصفحة أبوابها بحديد

فسر لي منامي يا أمير مسلم
واشرح لي منامي يا أمير وفيد



فلما فرغ دياب من كلامه، قال له مسلم: لا تفكر يا عمي لأن هذه أضغاث أحلام وما هو الا من ثقل الطعام، وبعد مدة من الزمان أقبل عليه عشرون أميرا من عند حسن فدخلوا وسلموا عليه وأعلموه بعزيمة حسن وأعطوه الكتاب، فلما قرأه وعرف رموزه ومعناه، انسر وانشرح جدا وسألهم عن صحة الأمير حسن وأبي زيد وعن أخته نافلة وعن بقية نجه بني هلال، فقالوا الجميع يهدونك السلام والتحية والاكرام، وكان قد سمع بهذا الخبر فما ظن بسوء، فقال لهم: بعد ثلاثة أيام ان شاء الله أكون هناك، فسلموا على الأمير حسن، فذبح الذبائح وأولم واجتمعت القبائل عنده، وهم في بسط وانشراح الى أن كان اليوم الثالث نظروا الغبار من جهة تونس من بني زغبة الأنجاب، فخرج واستقبلهم وسلموا على بعضهم البعض، وكان دياب لابسا جبة من الحرير الأخضر وعلى رأسه عمامة من البرفيل والأرجوان ومعه ألف فارس من بني زغبي الأنجاب، ثم دخلوا على الأمير حسن فترحب بهم غاية الترحيب وجلس دياب على كرسي من العاج كأنه الذهب الوهاج، وقومه حواليه، ثم أمر الأمير حسن باحضار القهوة والكأس والشراب، وأحضر مائدة مصحوبة بألف فارس ضرغام، فلما جلسوا على المائدة وجدوا المناسف مغطاة، فرفع الأمير دياب الغطا عن المنسف فلم يجد فيه طعاما، وإنما وجد فيه قيودا من الحديد، فقال الأمير دياب ما هذا يا حسن؟؟

فقال له: الواجب أن تتقيدوا الى السلطان ولو ساعة، فعندها وضع الأمير دياب القيد برجله وفعل الباقون كفعله وبينما هم كذلك، الا واندفعت فرسان دريد لداخل المكان، بيدهم الخناجر والسيوف، فعندها أمر الأمير حسن بنصب المشانق والحبال وقال اقتلوا جميع هؤلاء الرجال، فذبحوا ستين أميرا أمام دياب وأبيه، والباقون أمر بشنقهم، أما الأمير غانم وولده دياب فكادت تفقأ مرارتهم من الخزن ولكن لم يستطيعا عمل شي، لأنهما أسيران وخاليان من السلاح والأمير حسن ينصب المشانق ويصيح بأبي الفردوس اشنق ولا تتأخر، فعندها شنق أبو الفردوس جميع أمراء بني زغبي الموجودين، فأقامت نساؤهم الصياح والبكاء والنواح حتى ارتجت من صراخهم تلك الروابي والبطاح، وبينما هم في تلك الأحوال، دخل القاضي سرور الى الديوان، فلما رأته أخته بذلا سلمت عليه وحييته بكلام جميل وأنشدت تقول:

تقول بذلا عندما شطها النيا
أيا أمير عزي ثم سعدي راح

أبات طول الليل قلقى حزينة
ودمعي يجري مثل سيل نزاح

فأول حزني فقدت بدر بن غانم
غدره الخليفة الفارس الجحجاح

ويا ما فعل فيكم الزناتي خليفة
وعان عليه الواحد الفتاح

طعنه دياب في وسط علينه
وعاد فيكم بعد التعب مرتاح

وملككم عين الخطيرة وتونس
وقابي ومغوارة وكل بطاح

انسرت امارتكم وفرحت جيادكم
وقد زاد فيكم الأنس والأفراح

وكله بهمة الأمير بن غانم
قيدوم زغبة كلها ورياح

يجازيه حسن بالعيب يا ابن فايد
يشنق أمارة خيرين ملاح

هؤلاء أولادي علقين على بكر
وحبل القضا تلعب به الأرياح

شنق الفتى زيان وهدار يا بطل
اشفع لنا بنزولهم يا صاح

نواريهم اللحود يا ابن فايد
وأجرك على رب كريم فتاح



فلما سمع سرور كلام عمته دخل لعند الأمير حسن، فاستأذن بتنزيل القتلى، فأمر حسن بتنزيلهم، فأنزلوهم وأخذهم بنو زغبة وواروهم التراب، وبعد ذلك صاح حسن على أبي الفردوس، اشنق دياب فقال القاضي الشفاعة في دياب، فقال حسن: ما في شفاعة لأنه حرق الزرع وقتل سعدى وعصى وقطع الطرقات ومشى في أمور ما شافها أحد، قال القاضي لدياب:أنت قتلت أخوته وحرقت الزرع وقتلت سعدى ابنة الزناتي خليفة ونصبت الرمح.

فقال دياب: نعم.وأنشد يقول:

يقول الفتى الزغبي دياب بن غانم
ولي عزم أمضى من حسام البواتر

بيدي قتلت الهيدبي بن زايدة
وللآن عليكم باغيا ثم ظافر

دعواتك ستة أنا لي ثمانية
شرحت منها واحدة من الضماير

وثاني دعوة قتلت العقيلي حنظل
ووليت منه يا حسن وأنت حاير

وفي حلب الشهباء نصبتم خيامكم
وجاءكم خزاعي فوق عربيد ضامر

وأردى أبو زيد بن رزق سلامة
وخلصته من خزاعي والجو عاكر

و ثالث الدعوات يا أمير أبو علي
والله عالم في عالم السرائر

ويوم مصر حميت قيس جميعكم
وتشهد بها ساير هلال وعامر

في يوم قتل خمسة وخمسين فارس
وأفنى فوارسكم بضرب الشواكر

ورابع دعوة يا أمير أبو علي
قتلت الفتى الفرمند والحق ظاهر

وخامس دعوة يا أمير أبو علي
سلمتموني البوش رسم الدفاتر

أتى أبو خريبة معتدي يا أبو علي
فأرديته لما أتى على البوش غاير

وأكلوه سباع البر مه جماعته
ومن مالكم ما نقص ولا فاطر

وسادس دعوة ذلكم مع خليفة
وأنتم معه كالغنم في المجازر

ركبت وجيته فوق خضرة مبرشمة
وجاني على أشهب أقب الحوافر

ضربته بحربة سلم الله نواظري
من حربتي قد صار أعمى النواظر

وسابع دعوة قللت من قيمتي وحظي
وغارت على مالي دريد وعامر

وثامن دعوة يا ابن سرحان هنتني
أخذتم غيطي كان نامي وزاهر

فهذا مقدر يا أمير أبو علي
ومن لا يموت اليوم يموت باكر



وتكلم ثم لما فرغ من كلامه والأمراء يسمعون نظامه، فقالوا للقاضي بماذا تصدر الحكم على دياب؟؟ فقال: الشريعة تحكم على دياب بحبس سنة كاملة، فلما سمع حسن ذلك الكلام استدعى بزحزاح السجان وقال له: خذ دياب الى السجن.

فلما فرغ الأمير حسن من هذا الأبيات سار الزحزاح بدياب الى السجن، ووضع قيود الحديد في رجليه وعنقه.


( قال الراوي ):

ولما وصل الخبر الى أبي زيد، أتى من الأندلس الى حسن، فسلم عليه ورحب به غاية الترحيب، ثم سأله أبو زيد عما فعل، فأخبره الأمير حسن بما فعل، فاغتاظ أبو زيد وأنشد يقول:

يقول أبو زيد الهلالي سلامة
نيران قلبي زايدات ضرام

يا بو علي ما خفت ربنا الباري
تفعل فعايل مجرمين طغام

عملت في قومك عمايل شنيعة
ما كان لازم تقع في الاجرام

طغيت في حكمك يا أمير أبو علي
الظلم يجعل القصور هدام

الله أوصى بالعدل يا حسن
في يوم تجري به الأحكام

غدا ينصب الميزان ونتحاسب سوا
وربك يجازي المليح قوام

ومن كان فعله بالقبيح فإنه
يجازي بنار زايدة اضرام

أخطى دياب الخيال قاصصت غيره
هذه الأفعال والله حرام

صار الذي صار وما فيه فايدة
وأمر الـهـي نافد الأحكام

قيموا عزاهم يا أمارى جميعا
فهم شهداء في أعلى مقام



فقال له حسن ما عملت مع دياب الا ما استحقه، فان كنت قتلت عمه واخوانه فهو قتل أخي وخطيبة ابني مرعي فجرح قلبي عليهم، فقابلته بمثل ما قابلني وجرحت قلبه عليهم، ثم أن الأمير حسن بعث ألف فارس الى تونس، وأمرهم أن يحضروا له خزانة تونس وسلاح دياب وأثاث بيته وكل ما يوجد في قصر الزناتي، فذهبوا وأحضروا ما أمرهم به، أما الأمير دياب فقد مضى عليه سنة وهو محبوس يقاسي الذل والهوان، فافتكر في أيام عزه وتذكر أولاد عمه وتذكر الشهبا بنت الخضرا، فطلب من الزحزاح أن يقدم له ما يلزم لكتابة مكتوب، فأحضر له الزحزاح طلبه فكتب كتابا الى والده الأمير غانم. وأنشد يقول:

يقول أبو موسى دياب بن غانم
ونيرا قلبي زايدات شرار

على أولاد عمي أحرقوني بنارهم
فيا حيف أعمار الجناد قصار

أتوني للسجن يريدوا مذلتي
بخمسة قيود ماكنات كبار

كذبوا وذلوا يا أمير بقولهم
ولو كنت ملقى في حريق نار

أنا أبو موسى صنديد من حديد
اذا ضرب الصوان يقدح نار

تسلم يا زحزاح مني رسالتي
الى عند زغبي سادة الأقطار

وقل لهم قال الأمير بن غانم
كلام وفي عنقه من الحديد قنطار

يا أولاد زغبي لاتوطوا نفوسكم
ولا تبطلوا بين الأعادي نار

ولا تبطلوا الأفراح بالنجع دايم
تشمت بكم الاعدا بوسط الدار

وأوصيكم يا غانم وصية وحوزها
أنا أنبيك والدي صادق الأخبار

أوصيك على الشهبا لأنها ركوبتي
تكرمها باللحم ليل ونهار

وانصب لها خيمة تقيها من الشتا
ورتب لها سايس من الشطار

ان عشت لا أترك الثار على المدى
وان مت ما بقي علي ثار

عليك سلام الله يا نعم والدي
في كل آن على مدى الأدهار



ولما فرغ دياب من كتابه، طواه بعد أن ختمه وأعطاه الى الزحزاح، فأخذه وسار لعند غانم وأعطاه إياه، فلما قرأه أنشد يقول:

يقول الفتى غانم بعين وجيعة
ونيران قلبي زايدات وهاج

تصبر أيا زغبي على الهم والبلا
وإياك بين القوم تكون لجاج

وإذا لم تصب يا دياب ابن غانم
يبقوا الزغابي في شقا وهجاج



فلما فرغ غانم من الشعر، طوى الكتاب وأعطاه للزحزاح وأوصاه أن يكتم السر، وأعطا خمسمائة دينار الى ولده دياب، فأخذها وسار الى أن وصل الى دياب، أعطاه الأمانة والكتاب ففضه وقرأه وعرف رموزه ومعناه، وبعدها انترك دياب من الجميع وما عاد يفتكر فيه لا شريف ولا وضيع غير أهله والخلان، وأبو غانم ليث الميدان.

هذا ما كان من هؤلاء، واسمع ما جرى للأمير أبو زيد وحسن، فقد طابت لهم الأحكام وراق لديهم الزمان ونسيتهم صروف الحدثان.

[/align]
[/cell][/tabletext][/align]



 


الرد باقتباس
قديم 03-17-2013, 07:02 AM   #22


الصورة الشخصية لـ صدى الوجدان
صدى الوجدان غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 9
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 03-31-2014 (02:37 AM)
 المشاركات : 10,242 [ + ]
 تقييم العضوية :  570
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 5 مرة في 5 مشاركة
الإفتراضي



[align=center][tabletext="width:70%;background-image:url('http://www.hreeb-bihan.com/vb/backgrounds/20.gif');border:10px double indigo;"][cell="filter:;"][align=center]
ديوان اليتامى
قصة عزيز القوم أبي زيد ورجوع عليا مع أبي زيد




( قال الراوي ):

ففي ذات يوم كانوا مجتمعين حسن وأبو زيد في الديوان ومن حولهم السادات والأعيان وأمامهم الأبطال والفرسان، فدخل عليهم نجاب وسأل عن الأمير أبي زيد فأهدوه عليه، فتقدم وتمثل بين يديه ثم قال له: أنا من نجد من عند الست عليا بنت حسن الجعبري، وهي تهديك السلام والتحية والاكرام، وهي من وقت فراقك تطلبها الأمراء والسادات والفرسان،والآن مدورين عرسها على الأمير نوفل فارس الميدان، وقد قامت الزينات في الحي من كل مكان وعليا غير راضية بهذ الشأن، غير أن نوفل كتب كتابا عن لسانك، أنه ما عاد لك بعليا مآرب ولا عدت ترجع من أرض المغارب، فزوجها لمن تريد، وعندما بلغ عليا هذا الخبر تنغص عيشها وتمرمر، ثم أخرج الكتاب وباسه وأعطاه الى أبي زيد، ففضه وقرأه، ولما وقف على معناه غرغرت عيناه بالدموع، فلما رآه حسن وبقية السادات قالوا ما جرى عليك با أبا زيد وما هذا الكتاب؟؟

فحينئذ ناول الكتاب الى ابن أخته عزيز القوم لأنه كان بجانبه، فقرأ كتاب عليا على رؤوس السادات، فلما فرغ من قراءته قال حسن: والله يا أبا زيد الحق مع عليا ذكرتها من اليوم تخاصمت هي والجازية، ورجعت من مصر مع أبيها حسن الجعبري الى نجد، وليست هذه من أفعال الأمراء الكرام، فقال أبو زيد هذا هو الحق والصواب، ثم أخذوا العبد وصاروا يضيفوه ثلاثين يوما، فعندما تحرك حج العرب للزيارة فنهض العبد الى أبي زيد وأخبره بالمسير الى بلاد نجد صحبة الحجاج، فأعطاه أبو زيد مطية وثلثمائة دينار وأشار يخبر عليا ويقول:

يقول أبو زيد الهلالي سلامة
وطير النيا حكم بقلبي مخالبه

من البعد والفرقة ياما أصابنا
وكيف حال المرء فارقوه حبايبه

أيا غاديا مني على متن ضامر
تجد السير في البر تجري ركايبه

اذا جيت جد العدية وأرضها
فسلم على عليا وباقي قرايبه

وقول لها يا منية القلب والحشا
شخصك مصور في فؤادي نصائبه

وما عاقني الا خليفة وحربه
سقيناه كاس الموت مره مشاربه

قتله أبو موسى دياب بن غانم
أدعى دماه على الثرى سكايبه

أخذنا بلاده والقصور جميعها
وأمواله تلفت وراحت ذهايبه

وأميرنا حسن الهلالي أبو علي
بكل بلاد الغرب حلت ركائبه

كتبت على صدري مسائل كثيرة
خيام وسلطان وقاضي ونايبه

ولا بد من قاضي يشرح الحكم بيننا
ويبان للمغلوب من كان غالبه

تعذيبي بالبعد والبعد خيبة
اذ طال عمر المرء تكثر متاعبه



فلما فرغ أبو زيد من انشاده، طوى الكتاب وختمه بختمه، وأيضا شيبان واخوته كتبوا مكاتيب لعليا والدتهم، وأعطوها للنجاب وساروا معه سفر يومين حتى وصل مع الحج للقدس الشريف، ومن هناك الى مكة والبيت الحرام، وبعد ذلك رجعوا وسار العبد يقطع البراري والقفار حتى وصل لنجد و دخل على عليا، فترحبت به وسألته عن أبي زيد وعن أولادها، فأجابها بكل خير، وناولها المكاتيب، فلما قرأته كتب أولادها نزلت دموعها وطلبت من الرحمن أن يفرج همومها.

هذه ما كان من أمر هؤلاء، وأما ما كان من أبي زيد فزادت بلابله وأشواقه لمشاهدة عليا، ودام على هذا الحال شهرا كاملا، ثم طلب من بعض جنوده واصحابه ان يرافقوه لبلاده نجد، فابوا وقالوا نحن ما صدقنا حتى وصلنا للغرب واسترحنا من الطعن والضرب، فاغتاظ ابو زيد وطار من عينيه الشرر، فحينئذ قام الامير عزيز القوم فارس الفرسان وحامي الميدان والذي شهدت له الاقران بالحرب في وقائع الجولان، وهو ابن خالد بن شيحا اخت ابو زيد وابوه قتل في مصر بوقعة الملك الفرمند، وربي عند امه يتيما في حمى ابي زيد، حتى اشتدت اوصاله وراقت احواله، فصار فارسا عظيما وشيطانا رجيما هابته الفرسان في الحرب والطعان، وكان ابن سبعة عشر سنة، امردا لا نبات بعارضيه، وكان يضع برقعا على راسه خوفا من النساء تطرح من حسنه.

فتقدم الى ابي زيد وقال له: يا خال انا رفيقك لنجد.

فلما فرغ عزيز من كلامه، انتخى الامير يونس وقال انا معك يا عم لنجد، ففرح ابو زيد وايقن ببلوغ الوطر، ثم ودعوا اهاليهم وجدوا في قطع الروابي والآكام، مسافة تسعين يوما، فوصلوا لأرض قفرا، فرأوا بئرا فقصده يوينس ووجدوا دلوا وحبلا على جانب البئر، فشد الحبل فانقطه بوسط البئر، فهم عزيز القوم بالنزول فمنعه أبو زيد وقال له ذا بئر مملوء بالحشرات المؤذي المسمة، فسيروا الى أن يفرجها الله تعالى، فقال يونس لابد لي من النزول الى البئر لأني كدت أتلف من شدة العطش، فقال أبو زيد: الروح ما هي حشيشة حتى ينبت موضعها، والحشرات المؤذية لا تعرف لا أميرا ولا سلطانا، فقال يونس: دعك من هذا الكلام فما أحد ينزل الا أنا، فحينذ أخذ الحبل ونزل الى البئر فشرب وملأ الدلو، ولأجل نفوذ القضاء والقدر خرج عليه من جانب البئر ثعبان شنيع المنظر ولدغه بفخذه، فلما أحس يونس بضربة الثعبان غاب عن الوجود وزعق صوتا ارتج منه ذلك المكان، فغاب الثعبان عن عيونه وكان أبو زيد واقفا على جانب البئر، فقال: مالك يا يونس وما جرى عليك؟ فقال: لدغني ثعبان، ثم نهض لخارج البير وحس أن قلبه قد احترق بنار السعير، وشكا حاله لأبي زيد وعزيز، فنزلت دموعهما حرقة عليه.

ثم تودع منهما وشهق شهقة فأسلم الروح، فبكيا عليه وكفناه وصليا عليه ودفناه، ثم سارا حتى وصلا لنجد، ودخلا لحي الأمير حسن الجعبري، فوجدا فيه نفخ ودق الطبول والحي يهوج ويموج، ومرت أمامهما عجوز شمطاء لابسة حلة بيضاء، فحياها أبو زيد بالسلام فردت عليه السلام، فقال لها: هل عندك محل للمنام؟ فقالت له: أهلا وسهلا بكما.

وسارت بهما الى منزلها، وبعد أن جلسا قال أبو زيد مالي أرى الحي في فرح وسرور وبهجة وحبور؟

فقالت له: اعلم يا وجه العرب أن هذا عرس كريم، وهو عرس الأمير نوفل على الست عليا ابنة الأمير حسن الجعبري، وكانت سابقا زوجة الأمير أبي زيد، وكان ولدي راعيا لأبله وسكن بلاد الغرب ولا عاد له بعليا مأرب ولو يصل اليه خبر زفاف عليا لكان يحضر ويقتل نوفل، فقال لها: هل عندك للسر موضع؟ قالت: بئر عميق ما له قرار، فقال لها: أنا أبو زيد. فقالت له: أهلا وسهلا بعزنا وحامينا ولكن كم تنسر عليا لو بلغها خبر قدومك بالسلامة‍. فقال لها أبو زيد: وكيف نقدر أن نصل اليها وهي بين تلك الجموع الغفيرة؟ فأجابته: عند المساء نلبس عزيز ملبوس ابنتي مايسة، ونأخذ لعند عليا، وعندما يفرغ المنزل من الجميع، يلبس عزيز ملبوس عليا ونجعله عروسا مكانها، ونحضر أنا وعليا لهنا، ولا يعلم بنا أحد، فاستصوب أبو زيد هذا الرأي، وعندما أظلم الظلام لبس عزيز أحسن ملابس ابنتها وزينته وعطرته وأخذته برفقتها الى أن دخلت به لبيت عليا، فترحبت بهما وبالغت في اكرامهما، وعند انصراف الجميع تقدمت العجوز الى عليا وبشرتها بقدوم أبي زيد وقالت لها وهذا عزيز القوم، فلما نظرت اليه وتحققت الخبر سلمت عليه وقبلته، فقالت لها الآن ليس وقت سلام بل المراد منك أن تنزعي ثيابك وتلبسيهم لعزيز القوم، لأنه نظيرك بالحسن والجمال، وهو يليق أن يقوم مقامك ثم نذهب أنا وأنت لعند الأمير أبي زيد لأنه بانتظارنا، ففعلت وسارتا فلما رآهما أبو زيد مقبلتين فرح بعليا فرحا لا يوصف، وتقدم منها وتعانقا عناقا طويلا وتشاكيا من ألم الفراق.

هذا ما كان من أمر هؤلاء، وأما ما كان من عزيز فانه كان ينتظر قدوم العريس، وبينما هو كذلك، اذ دخل عليه الأمير نوفل وجلس بجانبه ومد يده اليه، فنفر منه وقال له ليست هذه أفعال العرب يا قليل الأدب؟ فقال ما السبب حتى تبادريني بهذا الكلام يا بنت الكرام؟ فقال له: اعلم أن العروس لها على العريس نقوط، وأنا لما أخذني أبو زيد أعطاني ألف دينار وأنت أمير وابن أمير ويا حيف أبخل من طنجير، فلما سمع منه ذلك الكلام أراد أن يضربه بالحسام، فقال ورفعه على زنده وضرب به الأرض كاد يدخل طوله بالعرض، وأوثقه بالحبال وربطه بالعمود الى أن أصبح الصباح، أطلق سبيله ودام على هذا الحال مدة أربعة أيام، يأتي بالظلام طمعا بالوصال، فيربطه الى الصباح ولم يطلع أحدا على أمره، فبينما هو خارج من الدار فالتقى بعمه الهدار، وكان رجلا كبيرا وعليه سيمة الوقار، فحياه بالسلام فرد عليه وقال له مبارك يا عريس ان شاء الله تكون نلت مبتغاك، فتنهد نوفل من فؤاد حزين، فصاح به عمه ماذا دهاك؟ فقال له: اعلم يا عم أن كل يوم أذهب الى العروس طمعا ببلوغ المرام فتوثقني بالحبال والقيود وتربطني على العمود الى الصباح وها قد اطلعتك على سري وكشفت لك أمري، فأجابه الشيخ هل من يقدر عليك بالقوة؟ فقال لا يوجد أحد يقدر علي الا عزيز القوم، وهو الآن في المغارب، فهل ممكن أن يأتي الى هنا وهم يقاسون الأهوال والمتاعب؟ فأجابه الشيخ أيها الأمير ان أردت أن تزيل عنك هذا الهم اصنع لك شيشين أحدهما من دم والآخر من سم، فلما تطلب منها الوصال اضربها بشيش الدم، فان كانت أنثى تذل وتسكت وان كانت ذكرا يهوش ويتقدم، فاذا رأيتها بادرت اليك، اضربها بشيش السم وقيدها بالسلاسل والقيود، فشكره على ذلك وذهب للبيت وأخذ معه الشيشين، فلما رآه عزيز القوم قال له هل أحضرت الفلوس؟ قال له: ماعندنا يا ابنة الأنذال فلوس، فتقدم اليه ليكتفه، فضربه بشيش الدم فهاج، فلما نظره بهذه الحال أثنى عليه بشيش السم، فتقدم اليه وربطه من حلاوة الروح، ثم غير عزيز ملبوسه وتركه بحاله وذهب لعند أبي زيد وأنشد يقول:

يقول الفتى عزيز عما جرى له
ودموع عيني زايدات سكايب

ونيران قلبي كلما أقول تنطفي
يزيد لها جوا ضلوعي لهايب

جرح قديم يا خال ما ضامني
جرح الجديد يشد عليه العصائب

وقد أخبرتك يا هلالي سلامة
هيا بنا نرجع لأرض المغارب



فلما فرغ عزيز القوم من كلامه، وقع مغشيا عليه، فحزن أبو زيد وتكدر ورشوا الماء عليه حتى أفاق من غشيته، وصارت عليا تمزق القمصان والحرير وتربط الجروحات، فالتفت أبو زيد الى عليا وقال لها: اذا مات عزيز، لا أقدر أن آخذك معي لأن الطريق خطرة والمسافة بعيدة، فقالت: لابد لي من الذهاب معك وان مت أمت ولا أدع أعدائك يشمتون بك، فافتكر أبو زيد مدة من الزمن، ثم عول على أخذ عليا معه لكي ينطفي خبرهم ولا أحد من القوم يقتفي أثرهم، ثم بدأت عليا تدهن الجروحات بالمرهم، فعند ذلك راقت أحواله وسكن ألمه وقال له: قم بنا يا خال نسر قبل الصباح، والحدم لله راقت أحوالي وقاموا وركبوا مطاياهم وودعوا العجوز وأعطتها عليا عقد من الجوهر، وجدوا في قطع الروابي والقفار مقدار تسعين يوم حتى قطعوا حدود نجد، الى أن وصلوا لحدود غزة، وتلك الأراضي خالية من السكان، وفرغ الماء منهم واشتد عليهم الظمأ، فحاروا في أمرهم في تلك البيداء، فقال عزيز يا خال يوجد بئر في هذه الأطلال وهو قريب من هنا، فذهب أبو زيد اليه ومعه القربة، ولما نزل الى البئر وجد شيئا يختبط بذلك المكان له صريخ كصريخ الجان فارتد راجعا اليهما وعرفهما أن البئر جاف، فتعجبا من ذلك غاية العجب وقال له: يا خالي أنه لا يخلو من الماء لا صيف ولا شتاء، ثم أخذ الرمح بيده والقربة وتوجه الى البئر فوجد شيئا يتخبط فنكشه بالرمح، فاذا هو جدي ماعز وقع في الماء، فنزل وأطلعه وملأ القربة وذهب لعند خاله وقال ها هو ذا الماء، فشربوا وذبحوا الجدي وأكلوا، وبينما أبو زيد يغير جروحات عزيز القوم، أحس عزيز قلبه احترق بالنار وحقق أن السم وصل لقلبه، ولا فائدة من طبه، فقال لهما عن ذلك فندم أبو زيد وتحسر وقال لعزيز القوم سلامتك يا خال، فقال ما بها سلامة؟؟ ثم سالت عيناه بالدموع وصار يكتب الى أمه شيحة ويوصي خاله بهذا القصيد:

يقول عزيز القوم والنار بالحشا
دموع عيني زايدات سكايب

اسمع كلامي يا أمير سلامة
يا فارس الفرسان مذري الكتايب

فإن أتيت لأرض المغارب وشفتها
سلم على الإخوان ثم الحبايب

وسلم على الوريدي أبو علي
وقبل أياديه وحب الركايب

وسلم على أولاد خالي جميعهم
وسلم على القاضي سلام الحبايب

وسلم على زيان الأمير وأمه
وسلم على الزغبي دياب المحارب

وسلم على أمي الحزينة وقل لها
تبكي علي بالدموع السكايب

وان سألوك يا خال عني قل لهم
غدا رهين الموت تحت الترايب

هذا ترى يا خال آخر كلامنا
الله يساعدنا بوقت الحسايب



ثم أن عزيز شهق شهقة واحدة وألقى نظرة الوداع عليهما وأسلم الروح، فأقاما عليه البكاء والنواح، ثم دفناه ورحلا طالبين الديار يقطعان البراري والقفار حتى أشرفا على بلاد الغرب، فذهب الرعيان وأخبروا حسن وبقية السادات بمجيء أبي زيد، فركبوا جميعهم ورجال الحي، فلما وقعت العين على العين، ترجل حسن وباقي السادات وسلموا على أبي زيد وعليا وفرح شيبان واخواته بملاقاة عليا أمهم، أما حسن فسأل أبا زيد على يونس وعزيز، فعندا نزلت الدموع من عيني أبي زيد، وأخذ يقص عليهم ما كان من أمرهم وهم يسمعون، فوقع بينهم الصياح والبكاء، وعاد أبو زيد لمنزله وتبعه الرجال والنساء وصاروا يعزونه في يونس وعزيز ويهنئونه بعودته بالسلامة، ودامت الناس تتقاطر على أبي زيد مدة من الزمان.

[/align]
[/cell][/tabletext][/align]



 


الرد باقتباس
قديم 03-17-2013, 07:03 AM   #23


الصورة الشخصية لـ صدى الوجدان
صدى الوجدان غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 9
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 03-31-2014 (02:37 AM)
 المشاركات : 10,242 [ + ]
 تقييم العضوية :  570
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 5 مرة في 5 مشاركة
الإفتراضي



[align=center][tabletext="width:70%;background-image:url('http://www.hreeb-bihan.com/vb/backgrounds/20.gif');border:10px double indigo;"][cell="filter:;"][align=center]
الجزء الثاني والعشرون من تغريبة بني هلال



هذا ما كان من هؤلاء، وأما ما كان من أمر دياب فانه بعث كتابا الى الأمراء ليشفعوا له عند حسن وقد مضى عليه في السجن ثلاث سنين، يقاسي العذاب المهين، وفي السنة الرابعة كتب الى حسن يقول:

يقول أبو موسى دياب بن غانم
ولي مجلس بين الرجال شديد

أيا غاديا مني على متن ضامر
فسلم على حسن الفتى الصنديد

وقول له يا عز قيس وعامر
أيا من بسيفه ذل كل عنيد

أنا قتلتي مناع ما هي عداوة
وأنت في تلك الأمور شهيد

ضربته بالميدان والسوق منتصب
وقد كان في ذاك النهار عنيد

مشينا بالصلح بألفين ناقة
وألفين تبعها خدم وعبيد

من بعدها أخذت نافلة بنت غانم
شبيه الثريا في النهار تقيد

وبعد هذا أمحلت ننجد وأرضها
سبه سنين كاملة وتزيد

بعثتوا لكم رياد منكم وسافروا
وكان أبو سعدا لهم رصيد

حبس الفتى يحيى ومرعي ويونس
وأبو زيد وافاه التنكيد

وقال ارحلوا ما عاد في نجد عيشة
و لا عاد فيها يا هلال مفيد

رحل نجعنا الى أرض تونس
تقول بحارا طامية وتزيد

وجاء أبو خريبة ينهب لمالنا
وقد كان حبي بالطراد عنيد

ضربته بحد السيف رميت رأسه
وخليته تحت التراب لحد

فجاني سعيد في الحال قال لي
أعزيك في أجوادنا يا سيد

ركبت على ظهر الجواد كأني
أحاكي سكران بغير نبيذ

وجيت الى حرب الزناتي خليفة
وجتني قنوع ودمعها يزيد

ميتين عذر يا هلالي سلامة
ولا واحدة الا نظمت قصيد

تقول الزناتي اليوم أهفى لقومنا
دهانا وخلانا عالعمر في تعديد

وأنت ان أخذت الثار يا بو موسى
نعطيك ما تشتهي وتريد

ونعطيك أخت الهلالي أبو علي
مع عين تورز للشراب تريد

فقلت لهم أبشروا زال همكم
وفي ظني ما خاب منكم قصيد

وجاني أبو سعدة الزناتي خليفة
على ظهر أشهب بالطراد يكيد

ضربته بحربة سنها يخرق الحصا
وخليته تحت التراب مديد

وملكتكم كل المغارب بصارمي
ولا عاد شر ولا عاد تنكيد

جازيتني بالحبس يا أمير الملا
وهذا منك يا أمير ما يفيد

شنقت أخوتي وأولاد عمي
وخليت نساهم في بكا وتعديد



ثم طوى الكتاب وأرسله الى حسن فلما قرأه صار يرد جوابه.

ولما فرغ حسن من الكتاب، أرسله الى دياب، فعلم أن تعبه مع حسن بالمحال، وظل منتظرا الفرج من الله حتى مضت عليه السنة الخامسة، فاستدعى بقلم وقرطاس وصار يكتب الى شبل الدريدي ويرجوه أن يتشفع فيه عند حسن.

فلما فرغ دياب من تحرير الكتاب، أرسله مع الزحزاح الى الأمير شبل، فقرأه وبالحال لعند الأمير حسن وصار يتشفع بالأمير دياب. وأنشد يقول:

يقول أبو موسى دياب بن غانم
بدمع جرى فوق الخدود حدور

كنا بنجد في سرور وفي هنا
تجينا الفواكه مع جميع زهور

وكنا نصيد الوحش من واسع الفلا
والظبي في البراري شاردين نفور

ومن بعدها قد أمحلت نجد أرضها
سبع سنين كاملات وشهور

فجينا الى أض الزناتي خليفة
وقتل منكم كل قرم جسور

فجازاني حسن الهلالي أبو علي
في حبس مظلم والزمان قهور

فبالله يا زحزاح بلغ رسالتي
لشبل ابن فارسا وغيور

يسير الى حسن الهلالي أبو علي
يقول له دياب في الحيا مقبور

لعله يقبل يا أمير شفاعتك
ويطلقني وتنال أنت أجور

تخلت عني الناس يا أمير كلهم
ولا عاد يأتيني خليل يزور

متى ترجع الأيام ونرجع لأهلنا
ويحدث من بعد الأمور أمور

وأقتل حسن الهلالي أبو علي
ويمسي طعاما للوحش وطيور



فقال له: أنا ما نسيت قتل أخي مناع وحرق الحدائق وما فعل مع سعدى خطيبة ولدي مرعي، وحرق الزرع في تونس وروض البهرجان وقطع الطرق على العرب، وصار يخبر شبل بهذه القصيدة ويقول:

يقول الفتى حسن الهلالي أبو علي
والهم ما بين الضلوع شديد

ايا شبلي جيت تشفع في ابن غانم
يا أمير ترك دياب عاد بعيد

وقتله مناع أخي أنا ما نسيتها
وقد كان فارسا وفتى صنديد

وحرق حدائق البهرجان وغيره
وخلى جميع هلال بالتنكيد

وأخذ سعدا من قصرها ليعزها
فجازاها بالضرب والتشديد

نهيناه بالمعروف عن جرم فعله
عصى وانفرد عنا وعاش وحيد

وبعدها نوى يملك الغرب كله
ويبقي على أمر هلال يسيد



فلما فرغ حسن، رجع شبل وأخبر الزحزاح بما قال حسن، فرجع الزحزاح وأخبر دياب بالذي صار، فحينئذ قال دياب لا حول ولا قوة الا بالله، ودان بهذا الحال حتى مضت عليه السنة السادسة، فاستدعى بقلم وقرطاس وأشار يكتب الى سعد الرياشي ويترجاه أن يتشفع به أمام حسن ليطلقه من السجن، وأرسل الكتاب بصحبة الزحزاح، فلما وصل الى سعد الرياشي وقرأه وعرف ما حواه، سار الى حسن وقبل يديه ثم قال له:

يا ابن عمي اطلب مني ملكي، فلا أعزه عنك ولا تفتح لي سيرة اطاق دياب.

عندئذ ذهب سعد الى الزحزاح وأخبره بما قال السلطان، فرجع الزحزاح الى دياب وأخبره بما حصل، وأما بذلا فقد أخذت معها جملة من النساء وتوجهت نحو الصيوان، وصارت تتشفع في دياب وتذكر الأهل والأحباب الذين شنقهم حسن على الأخشاب، فقال لها حسن: أنا ما كنت مصدق على نفسي حتى حبست دياب، ولا أطلقه من السجن، فهذا حديث بطال، فارجعي الى الأطلال وكوني من هذا القبيل براحة بال، فحينئذ توجهت مع النساء الى محلها، وأما دياب فانه ما زال يقاسي العذاب وهو منتظر الفرج حتى بلغه خبر قدوم أبي زيد من بلاد نجد، فقال والله لا يقدر على خلاصي الا أبا زيد، وكتب كتابا الى أبي زيد وأعطاه للزحزاح وقال له سر الى نجد وأعط أبا زيد هذا الكتاب، فأخذه وسار وجد في قطع القفار، الى أن دخل لصيوان أبي زيد وسلم عليه وناوله الكتاب، فقرأه فتكدر أبو زيد من حسن، والتفت الى الزحزاح وقال له بشر الأمير دياب وقل له سيذهب الى حسن ويترجاه بدياب فان أطلقه والا أخرجته غصبا عن رقبته، فذهب الزحزاح وسار الى دياب فأخبره بكلام أبي زيد، ففرح دياب وأيقن بالفرج، هذا ما كان من حسن وبني هلال، ففي يوم من الأيام كان العربان والأمراء مجتمعين عند الأمير حسن في الديوان، فأخذوا يذكرون الوقائع المشهورة والفوارس المذكورة وصاروا يمدحون دياب وكيف ملكهم الغرب وحمى البوش من الدشمان وقتل الزناتي في ساحة الميدان، ويستحق أن يذكر مع الفرسان، وكان موجودا في الديوان أولاد الأمراء والشبان الذين لم يسمعوا بذكر دياب الا باللسان، فتشوقوا الى مشاهدته ولو ساعة، فترجوا السلطان أن يروه وساعدهم الأمراء، فقبل السلطان حسن رجاءهم وأمر أن يأتوا بدياب مكبلا بالقيود، فأحضروه أمام السلطان واذا هو أصفر اللون بهيئة الموتى، فصار أولاد الأمراء يضحكون عليه، فقال السلطان حسن كيف ترى نفسك الآن بالذل والهوان؟ فقال: أنا بخير ما دمت راضيا عني، وبعد مداولة طويلة أراد أن يرجعوه الى السجن، فقال دياب: ما أنا بمشمشة تهزني ولا قمح تكدني بغربالك، فان كان الذئب يصفو للغنم أنت تصفو لي وأنا أصفو لك، فصاح حسن خذوه الى السجن، فعند ذلك أخذ دياب يرتجف مظهرا الخوف الشديد، فوقع على الأرض مغشيا عليه كمن قارب الموت، فعند ذلك ترجى الأمراء الأمير حسن وقالوا له دياب في حالة نزاع، فأمر أن يدخلوه دار الحريم لعند أخته نوفلة، فحملوه الى بيت أخته، فلما نظرته على هذا الحال وهو محمول على أيادي الرجال، بكت وأنشدت تقول:

حرام لقد جار العداة وقد بغوا
علينا ونحن بالكروب نسير

لقد كنا في عز وكنا بنعمة
وكنا برغد ما عليه عسير

فبتنا نقاسي الهم والويل والضنا
وتجري الدموع على الخدود غزير

وقد كنت يا أمير الأمارة وسيدهم
كسبع الفلا بالماضيات تشير

اذا هاج سوق الحرب كنت أميره
تكر على الأعداء مثل الزير

وتحتك خضرا مثل فرخ نعامة
تدق الثرى في رجلها وتطير

فما كان ظني يا دياب بن غانم
أشوفك بهذا الحال والتأخير



مـقـتـل الـسـلـطـان حـسـن



وما زالت نوفلة تردد الأشعار وتسكب العبرات، حتى فتتت الأكباد وأحنت الأجساد، فبكى معها كل من حضر لأن الأمير دياب فارس مشتهر وبطل غضنفر، وأخذوا يطيبون خاطرها بسلامة دياب ويطمنونها، فما خفت مصيبتها، ثم مدت الى أخيها فرشة من ريش النعام وأخذت ترش عليه من ماء الخزام، وهو ينتفض ويرتعش، وبقي على هذه الحال ثلاثة أيام، لايذوق طعاما ولايقابل مناما، فحن عليه السلطان وفك قيده وأطلق سبيله، فصار يستغنم الفرص حتى لاحت له، فدخل على حسن وهو غارق في منامه، فسحب السكين وانطرح على حسن وذبحه وتركه يتخبط بدمه، وسار يجد السير تحت الظلام الى أن وصل الى قومه وعشيرته، ففرحوا به وانسروا لرؤيته وأخذوا يسألونه عن كيفية اطلاقه من سجن حسن، فأخذ يقص عليهم القصة ويخبرهم كيف سار من البداية الى النهاية.

هذا ما كان من الأمير دياب وهو يقص ما جرى على أولاد عمه، فلما سمعوا أنه قتل الأمير حسن، انقلبت أفراحهم الى أكدار وأظلم ف وجوههم النهار، وما منهم من أحد الا أظهر الحزن والأسف، وقالوا والله يا دياب لقد فعلت فعلا منكرا وسددت في وجوهنا الأبواب بقتلك حسن، فكيف تجاسرت على هذا العمل وهو صهرك وأمير بني هلال؟؟!

والآن قد أصبحنا عبرة عند العرب الكرام، فسوف يصير بنا كما صار مع جساس بن مرة والأمير كليب، ومن الآن أصبحت عداوة كبيرة بين عشائر بني هلال وسوف يصلون الينا، فقال دياب: لقد صار ما صار والأوفق لنا أن نرحل قبل أن تدركنا جموع بني هلال، ويقع الحرب بيننا وبينهم،فهدموا الأطناب وأودعوها ظهور الجمال وأركبوا النساء والأطفال في الهوادج وساروا يجدون في قطع الروابي والبطاح.

هذا ما كان من أمر الأمير دياب وأولاد عمه، وأما ما كان من عطور الجيد، لما انتبهت من رقادها وشاهدت الأمير حسن قتيلا فصاحت بالبكاء ومزقت ثيابها ناحت وولولت، فتراكضت جموع بني هلال على بكاها، فوجدوا الأمير حسن قتيلا، فعلت منهم الأصوات وسكبوا العبرات، فسمع أبو زيد الصراخ فوثب في الحال وأتى ينظر جموع بني هلال مزدحمة على صيوان الأمير حسن وهو قتيل، فبكى ومزق ثيابه ورمى شاشه وتقدم اليه ورمى نفسه عليه، فقبل يديه ووجنتيه، ثم وقع مغشيا عليه، فتراكض الناس وأخذوا يرشونه بالماء حتى صحي، فالتفت الى النافلة وقال لها أين كنت لما قتل أخوك سلطان العرب والعجم؟! فزادت النحيب والعويل وأقبلت أخته الجازية وهي تصيح وتبكي وتمزق ثيابها وتندب أخاها، ثم وقعت عليه تقبل قدميه وهي تولول وتصيح، فكان يوم حزن، يا له من يوم أظلمت الشمس في! ! وكثر البكاء والنواح والجازية تزيد بكاها وتندب أخاها.


( قال الراوي ):

فلما فرغت الجازية من رثائها وجموع ني هلال ناظرين مما قد دهاها، هطلت دموع بني هلال كالأمطار، وتقدمت مريم ابنة زهرة البان وزوجة أبي العوف، ووقفت فوق رأس الأمير حسن وأشارت تقول:

دمعي جرى فوق خدي وانسكب
والنار في قلبي تزيد من اللهب

يا بين شمت العدا فينا وما
كان العهد سبف الغدر ينسب

شمس المعارف أظلمت أنوارها
والليل أصبح بالمخاوف والكرب

بدر العلى يا حيف من فوق الثرى
يبقى طريقا والغربا فينا نعب

يا كوكب الاقبال يا أمير حسن
يا عزنا يا فخرنا يا منتسب

يا حيف هذا الوجه يعلاه الكدر
يا حيف هذا القد تفنيه الترب

الله يجازي دياب في حال العمى
الله يجازي دياب في هم وتعب

أرمى قلوب هلال في نار اللظى
ادعى الدموع تسيل من حرب النوب

يا مشبع الجوعان يا معزي الحزين
يا منقذ المكروب يا مولى العرب

أراه ناري بالحشا ما تنطفي
يا نكبتي يا حسرتي ركني ذهب



فلما فرغت مريم من قصيدها والكل يسمعون تعديدها، هطلت من عيونهم الدموع وزادوا في البكاء والنحيب، وكانوا يرثونه بالقصائد المحزنة ويقصفون لفراقه الرماح ويكسرون السيوف، ثم أجتمع مشايخ زحلان ودريد وتقدموا الى الأمير أبو زيد وقالوا له الأحسن رفع جثة الأمير حسن ودفنها، لأن كرامة الميت مأواه، وبذلك أمر رب الأرباب، فأجابهم أبو زيد الى ما طلبوه، ثم تقدموا بكل احترام ورفعوا الجثة وغسلوها وبروايح المسك والطيب رشوها، وتحت التراب وضعوها وذبحوا على قبره من الجزور والأغنام ما يكل عن وصفه اللسان، ثم أقاموا على القبر قبة عظيمة وزينزها بماء الذهب، وكتبوا عليها اسم الله الأعظم وتحته اسم الأمير حسن، ثم رجعوا وعملوا مناحة، وكانت تأتيهم العربان من كل مكان يعزونهم على فقد الأمير حسن، وبعد ما انقضت أيام المناحة وسكن روعهم، اجتمعوا في صيوان الأمير أبي زيد وقالوا له ماذا تأمن بأخذ ثار الأمير حسن؟؟ فاننا والله ا نرتاح ولانكف عن البكاء والنواح الا أن نأخذ بالثأر ونكشف المذلة والعار ونقتل دياب ومن معه، حتى لا يبقى منهم من ينفخ نارا ووفيتم الحريم والأولاد ونجعلهم عبرة كنسل الأوغاد، فأجابهم أبو زيد الى ما طلبوه، وقال لهم:وحق الركن والحجر والبيت المطهر أنكم لو تعلمون ما بقلبي لرثيتم لكربي، فاني أول من يتقدم لأخذ الثار وكشف العار، واني والله سوف أنزل في آل غانم الفنا ولا أبقي لهم بقاء، وسوف أطلب دياب على رؤوس الحبال وأبقيه بأوشم حال، وقد صار الأولى بنا أن نستعد للرحيل في أثر آل غانم ونوقع بهم المآثم، في هذه الليلة دوروا بين البيوت وأخبروا البنات والنسوان أن يكن على استعداد للرحيل، وتتبع أثرهم ولو طاروا، فعند ذلك طافت الرجال بين الأطناب وأخبروا القوم بهذا الأمر، وما مضت الثلاثة أيام الا وكنت ترى النساء والأطفال على ظهور الجمال والرجال على الخيول معتقلين بالرماح والسيوف، وفي مقدمة الجيش أبو زيد حامي جيوش بني هلال وهو أمامهم كالأسد الرئبال وتحته أشهب وعليه سرج مرصع بالذهب وهو فوقه يموج ببحر السرج كأنه قلة من القلل أو قطعة فصلت من جبل، بيده رمح ماضي السنان، وعلى جنبه سيف يمان، وقد أفرغ على صدره درعا من البولاد محبوكا بالزرد.

هذا وقد انتشرت البيارق والرايات ودقت الطبول، فسمع لها رجات وأخذ الخيل تتسابق، فعند ذلك أخذ أبو زيد يقول:

يقول أبو زيد الهلالي سلامة
والنار في قلبي تزيد شعال

والخيل تعرف أني ما ركبتها
الا جعلت القوم بأوشم حال

لي سيف ماضي الحد قطاع الرقاب
لو صاب صخر الصم فيه قلت مال

بالله اسمعوا بالله افهموا يا قومنا
وكونوا سباعا للقا يا هلال

اليوم آخذ الثار من زغبي دياب
ذاك الذي أرمى حسن بنكال

شدوا العزايم يا هلال تجردوا
للحرب ما تكونوا به أنذال

وتذكروا السلطان حسن كيف انقضى
وكيف قد غدا والدم منه سال

عاداتكم بالحرب ترمون العدا
فوق الثرى وتقطعوا الأوصال

ومن من مجال الطعن يلوي وينهزم
فذاك عندي من بني الأرذال

وأهدي سلامي للسلطان حسن
وأكرر الأشواق للمفضل

وحياة عينك يا حسن لازم أكيد
نأخذ لثأرك بالقنا ونصال

لازم أقطع رأس هذا الوغد اللئيم
دياب ابن غانم اللي بنا احتال

وادعي الزغابة بالذل طول المدى
وادعي النسا بالضيق والأهوال



فلما فراغ أبو زيد من كلامه، صاحوا عن فرد لسان: والله يا أبا زيد أننا نفديك بأرواحنا لأنك مضمد جراحنا، وما قمنا الا لأخذ الثأر وكشف العار، فعند ذلك ساروا وما زالوا سائرين ليلا ونهارا حتى دخلوا تونس الغرب، فلاقتهم أهل تونس وقدموا لهم الخضوع والطاعة، وما كان في تونس الا القليل من آل زغبي، فأتوا واضعين على أعناقهم المحارم وأظهروا للأمير أبو زيد الحزن والأسف على فقد حسن، وما منهم الا وكان يلعن دياب، فسألهم أبو زيد عنه، فأخبروه أنه رحل الى بلاد الحبش هو وبعض قومه، فلما سمع أبو زيد هذا الكلام، أمر الجيش أن يتابع السير خلف دياب، فجدوا في السير في أثر دياب، ومازالوا يسألون عنه الى أن ضاق بهم الحال ولم يعلموا أين رحل، فكادوا يهلكون من الجوع والعطش في ذلك البر المقفر، فرجعوا على الأعقاب، ولما وصلوا الى الأطلال نصبوا أبا زيد سلطانا عليهم وعلى جميع بلاد الغرب، أما دياب فما زال يقطع الروابي والقفار الى أن وصل الى بلاد الحبش، فسمع به ملك تلك البلاد، فخرج لملاقاته بكل استعداد، وكان راكبا على جواد أشهب، عليه سرج مرصه بالجوهر ومعه الأحشام والأعوان والعبيد والغلمان والنساء بالدفوف والمزاهر وفي أيديهم القماقم المملوءة بالمسك وماء الزهر، فلما التقت الرجال بالرجال، نزل الملك عن جواده وترجل هو ومن معه وحيوا دياب وقومه، تحيات الأصحاب والأحباب، وأخذوا يرشون عليهم الطيوب التي تشفي الكروب وعند ذلك أرسل بهم الى المضارب والخيام وذبح لهم الجزور والأغنام وأعطاهم أحسن مجلس ومقام، وقال لهم أنتم السادات ونحن العبيد.
[/align]
[/cell][/tabletext][/align]



 


الرد باقتباس
قديم 03-17-2013, 07:05 AM   #24


الصورة الشخصية لـ صدى الوجدان
صدى الوجدان غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 9
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 03-31-2014 (02:37 AM)
 المشاركات : 10,242 [ + ]
 تقييم العضوية :  570
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 5 مرة في 5 مشاركة
الإفتراضي



[align=center][tabletext="width:70%;background-image:url('http://www.hreeb-bihan.com/vb/backgrounds/20.gif');border:10px double indigo;"][cell="filter:;"][align=center]
الجزء الثالث والعشرون
مقتل الأمير أبي زيد


هذا ما كان من جوهر صاحب التاج، وأما دياب فانه شكره على ما أبداه، وقال له: اعلم أننا قد أتينا ضيوفا لنقيم عندك مدة من الزمان، وبعد ذلك نرحل، فقال: أهلا وسهلا بكم، ثم أنزل دياب في أحد قصوره وفرض لهم مكانا واسعا وأعد لهم محلا يرعون فيه المواشي، وبقي دياب مع الأمير جوهر في أعز واكرام وبسط وانشراح مدة من الزمان، أما أبو زيد فانه كان في أحد الأيام جالسا في بيته تذكر أرض نجد وعزها وما لاقى فيها من الهنا والراحة أيام الصبا، ثم تذكر الأهوال التي لاقاها في الطريق، حتى وصلوا الى بلاد الغرب، وتذكر زيدان والخفاجي عامر والقاضي بدير بن فايد وعقل ونصر وبدر بن غانم وأولاده وأولاد حسن الذين قتلهم العلام، فصار يبكي ثم تشوق الى رؤية دياب وقال: هذا رفيق عمري وحامل الشدات معي، وان كان قتل حسن فقد خلص عمره ومات بيومه، ثم خطر بباله أن يرسل يستعطف بخاطر دياب ويطلب منه أن يرجع الى بلاده، فكتب له جوابا بهذا المعنى

وختمه بختمه وأرسله مع النجاب، فأخذه وسار به يطوي الفيافي والقفار حتى وصل الى بلاد الحبش، فسأل عن دياب فأهداه عليه وأعطاه الكتاب لأخذه منه وفضه وقرأه وعرف رموزه ومعناه ورد عليه ثم طوى الكتاب وختمه وأعطاه الى النجاب، فأخذه وسار به وجد بقطع الروابي والقفار حتى وصل الى بلاد الغرب، فدخل على الأمير أبو زيد، وأعطاه الكتاب فقرأه، وبعد ذلك استدعى بعشرة أمراء من أولاد عمه وأولاد عم الأمير حسن وأرسلهم ليصالحوا الأمير دياب، ومازالوا يطوون الفيافي والقفار الى أن وصلوا لعند الأمير دياب ودخلوا عليه فلاقاهم وسلموا على بعضهم البعضوسألهم عن أبي زيد، فقالوا: أرسلنا لنرجع الصلح بينكم وتعودوا كما كنتم في القديم، فعند ذلك سار دياب الى الملك جوهر وودعه وركب بقومه ورجاله والشعرة الأمراء الى أن دخلوا بلاد الغرب، فخرج أبو زيد واستقبلهم وتصالحوا ورجعوا الى الأوطان، وعمل أبو زيد وليمة فاخرة وذبح الذبائح، فأطعم الغادي والرايح، وصار أبو زيد ودياب في محبة زايدة، ولكن أبو زيد ما أرجع لدياب ملكه وبقي هو الحاكم، فما هان على دياب وصار يقول: عسى أن يرجع لي ملكي والبلاد التي أخذوها مني وأبو زيد عاطي قفا، فاغتاظ دياب ونوى الشر لأبي زيد وقال في نفسه أنا صنعت دبوسا وسكينا، فالسكين قتلت بها حسن والدبوس لأبي زيد، فخلصنا من واحد وبقي علينا الآخر، وصار من ذلك الوقت يحمل الدبوس وكان بسبع فراشات من تحت العباية حت لا يلحظ عليه أبو زيد، الى أن خرجوا ذات يوم للصيد والقنص وكان مع أبي زيد جماعة من قومه، فوصلوا الى البر وتفرقت الفرسان ويلعب كأنه في الميدان، فصار يعمل ثله أبو زيد مقدار نصف ساعة، وبع ذلك خلى دياب ابا زيد سائرا أمامه، فصاح به: خذها من دياب، فالتفت أبو زيد مرعوبا فوجد في يد دياب سنبلة قمح، فضحك دياب وعمل الأمر ثلاث مرات ورابع مرة صاح دياب خدها من يد دياب، فلما التفت أبو زيد وظن أنها ضحكة مثل العادة، عند ذلك لكز دياب الشهبا طلعت كالريح حتى قربت من أبي زيد، فسحب الدبوس وضربه على رأسه، فطلع بزر مخه على الدبوس، فوقع أبو زيد على الأرض غميان، فوقف دياب وأخذته الشفقة فصار ينظر اليه ويبكي ويلعن الحمق ففتح أبو زيد عينيه وجد دياب واقفا، فقال له: ما كان ظني فيك يا دياب أن تغدر بي، ثم تنفس الصعداء وأشار يقول:

مقتل أبي زيد الهلالي




قال أبو زيد الحزين الهايم
دمع عيني على خدي سجايم

أيا دياب الخيل يا ولد غانم
أيا صاحب الأفضال بين العوالم

ما كان ظني يا دياب تخزنني
وتدعي صحبتك فوق الردايم

آلمتني يا دياب بضربتك
أيا حيف كنا يا أمير لزايم

ضيعت معروفي كسرت بخاطري
كم مرة خلصتك بضرب الصوارم

كم مرة أرادوا قتلك وشنقك
وأكون أنا لهم حقا مخاصم

أوصيك وصايا يا دياب احفظها
كرامة الى ربك اله العوالم

أول وصية في أولاد أبو علي
حسن سلطاننا من زمان قديم

ثاني وصية في أولادي جميعهم
رزق وريا وكل المحارم

وثالث وصية يا دياب بعليا
صبرا وشهلا راخيات الكمايم

فاحمي حريمي يا دياب من العدا
اذا جاء طارق بليل الظلايم

والجازية يا دياب أم محمد
دعها على قبري تقيم العلايم

يا ما تقضي بيننا عز وهنا
عجلت في قتلي أيا ولد غانم

اذكر أيام الحروب التي مضت
لما أصيح يا دياب ابن غانم

تجيني على الشهبا كما الريح جريها
ندعي دم الأبطال عالأرض عايم

ولما تصيح يا هلالي سلامة
ألبيك في عزم متين القوايم

ياما شربنا الكاس والسعد داير
وحسادنا في قلبهم منا سمايم

مقال الحزين ابن رزق سلامة
لقد سلمت روحي لرب العوالم



فلما فرغ أبو زيد من كلامه دمعت عينـا ديـاب وضمّه الى صدره وأنشد يقول:

يقول الفتى الزغبي دياب الماجد
ودمع العين على الخدود بحار

بغيتم علينا يا هلالي سلامة
فعايلك عندي لها أسفار

لما أتينا الغرب نحو خليفة
تركنا لنجد والفؤاد بنار

فقمتم ضربتوا الشورى يا أبو مخيمر
أنت والجازية وأبو علي المكار

قلتم دياب الخيل يرعى جمالنا
في سهلها وحرشها وقفار

أخذت أنا البوش سرت بسرعة
وقبلت على نفسي وسوم العار

جاني أبو خريبة وراح من صارمي
ومكحول مني ذاق كل بوار

لما عجزتم عن حروب خليفة
قمتم ضربتم على الزغابي شوار

عملتم عليهم قرعة يا سلامي
وأنا غايب عنهم بعيد الدار

راحوا جميعا واخزنا عليهم
وراحوا الأمار بالتراب دمار

زيدان أخويا كان شيخ شبابكم
ونصر وعقل الاثنين كالأقمار

ولا عاد فيكم يا هلال مقاوم
ولا عاد فيكم فارس جبار

أتتكم سعدة مثل شمس منيرة
بنت الزناتي تشبه الأقمار

قالت لكم أبويا يهلك جموعكم
لأن أبويا فارس مغوار

فلا بقتله الا دياب بن غانم
لأنه صميدع فارس جبار

أتاني أبوي غانم الشيخ ع العصا
وخبروني عما بالأمارا صار

قال لي قم خذ ثار أخوك
أجارك الهي من عذاب النار

وقلت له يابوي رد وارتجع
أنا ما عدت ألعب مع أولاد صغار

الزم حسن وأبو زيد يرسل مكاتبة
أجيهم على الخضرا كشعلة نار

قصيتوا شعور بناتكم يا سلامة
وخطل بيدي يا سلامة جهار

تقولوا تعال الينا يا ولد غانم
ترانا بضيقة والهموم كثار

أتيت اليكم أنا من فوق خضرة
لها جرى يسبق هوى التيار

فتحت لسوق الحرب مع ولد حمير
ثلاثين يوما ليلها ونهار

راحت الخضرا طريحة على الوطا
وعقلي وحق ربي عليها طار

من بعدها قد جيت نحو خليفة
أصليت أنا الشر مثل النار

جاني وجيته فوق شهبا أصيلة
بيضة حمامي مثل ضوء نهار

أذقته حربا كالصبر طعمه
فراح يكتب لي كتابا مستجار

يقول لي دياب الخيل بالله جيرني
وخذ الى رزقي أيا مغوار

فلما سمعت قوله ماردت صالحه
زيدان فتح لي جروح كبار

طعنت الزناتي طعنة في عينه
فراح أبو سعدة وصار دمار

أخذنا الى تونس وكل بلادها
وطاعت الينا صغارها وكبار

قسمتوا بلاد الغرب قسمة مثلثة
وكل واحد بقسمته قد صار

هذا برأيك أنت يا بو مخيمر
أما حسن بذي الأمور حمار

تعدى بقتل أولاد عمي جميعهم
مع اخوتي وقرايبي الأخيار

قاضي العرب حكم بحبسي مخالفة
في حبس مظلم يقصف الأعمار

سبع سنين كاملة في حبوسكم
أقاسي عذاب الذل والاكدار

وأنت مغمض عينك راضيا
كأن مالك بذي الأمور خبار

حتى سمح ربي باطلاق عبده
سبحان ربي كاشف الأسرار

جيت الى قصري وجدته مكنسا
أخذتم الى مالي وكل جوار

فنويت أني سوف أفني جموعكم
وأفني عبيدكم مع الأحرار

وأقتل حسن وكل من يطاوعه
وأملك بلاد الغرب بالبتار

وقد عانني ربي ونلت بغيتي
وأجريت فعلي بالذي قد صار

فأوصيك يا أبو زيد مني وصية
سلم على زيدان عز الجار

وسلم على أولاد أختي وأبوهم
عقل ونصر وعمهم نصار

وسلم على خالي بدير بن فايد
وسلم على الأمارا وأخيار

أودعتك الله يا هلالي سلامة
غدا نلتقي في آخر الأعمار



ثم ركب دياب جواده وترك أبا زيد وسار، فاجتمع بقومه فرأوه مرتبكا وسألوه عن حاله، فقال لهم: قتلتلأبا زيد وما بقي الا أن نسرح ونملك بلاد الغرب، وأصير السلطان عليه، فما بقي أحد يخاصمني، ثم أن دياب سار الى تونس ودخل الى سراية الأحكام ونادى باسمه وأخبر أنه قتل ابا زيد وأنه هو الحاكم على كل البلاد، فصار من يعانده يقتله ومن يطيعه ينعم عليه.

يرجع الكلام الى جماعة أبي زيد، لما وصلوا اليه وجدوه مطروحا على الأرض فصاحوا وناحوا وحملوه تارة يغشى عليه وتارة يصحى، حتى أوصلوه الى الحريم، فصاحت النساء وخرجن بلا براقع ومزقن ثيابهن وأقمن البكاء والمناحات، واجتمع العربان من كل ناحية ومكان، وأما الجازية فانها أرخت شعورها ونتفت خدودها.

فلما فرغت الجازية من ندبها أغمي عليها، ثم تقدمت بعدها عليا وهي تنتف شعرها وتمزق ثيابها، وقد زادت في بكاها وانتحابها وقبلته بين عينيه، وقالت له: سلامتك يا أبا الأبطال ويا زينة الرجال، وجعلت ترثيه بأبيات مؤثرة.

فلما فرغت عليا، بكت النسوان وصاروا في ضجة وأبو زيد غميان، ولما أفاق من غشوته تأسف على نفسه وكيف باق فيه دياب، وصار يودع أهله وعشيرته ومما قاله:

يقول أبو زيد الهلالي سلامة
ولي همة شاعت في كل بلاد

ولا وقعة الا وكنت بوسطها
ولا معركة الا ولي تنقاد

ولا كل رجل يكشف مهمة
ولا كل من طلب المعالي ساد



فلما فرغ أبو زيد، شهق شهقة واحدة، ففاضت روحه فكثر البكاء والنواح وغسلوه ودفنوه بجوار الأمير حسن، أما دياب فبلغه أن الأمير أبا زيد مات، فجمع ستين ألفا من قومه وسار الى بلاد القيروان، ليجري حكمه ويعمل كما عمل بتونس، ولما سمع بنو زحلان ودريد هذا الخبر، تشاوروا مع بعضهم، فاتفقوا أن يطيعوا دياب لأن ما لهم على حربه طاقة، ولما قرب منهم أتت الجازية وصارت تنخيهم، فما ردوا فبكت وقال: ما فيكم أحد يخاصم دياب وهو كبير وخرفان.

فلما انتهت أم محمد، ما أحد رد عليها الا أن بني دريد وزحلان وعامر وضعوا المناديل في رقابهم وخرجوا ينادون يا دياب أنت ملكنا ولا أحد منا يعصي لك أمرا، فدخل الأمير دياب وجلس على كرسي الأمير حسن، فهنأه الأمراء ودعوا له بالنصر، وأما الجازية والنافلة والحريم والأولاد فانهم تخلفوا، وفي الليل ركبوا وساروا مع كثير من قومهم وتسلطن دياب على بلاد الغرب، وصارت تأتيه الهدايا والتحف ورتب الأحكام وعزل ثم سأل عن اولاد حسن وأبي زيد، فأخبروه أن الجازية هربت فيهم مع بقية النسوان وتبعهم ثلاثون ألف نفس من بني دريد وزحلان، فتكدر وقال: كان بفكري أن أرتب لهم معاشا وأقوم بوصية الأمير أبو زيد، ثم ركب وتبعهم فما لحقهم، فرجع متكدرا.

يرجع الكلام الى بلاد الكوع، كان يحكمها سلطان اسمه شمعون، وكان له وزير اسمه أبو الجود، فلما قتل الزناتي وملكوا بلاد الغرب، قال لوزيره أن بني هلال وصلوا الى بلادنا وهم فرسان لا يوجد مثلهم في هذا الزمان سيما فيهم فارس اسمه أبو زيد من الأبطال العظام وفارس اسمه دياب بن غانم، وأخاف أن يصل شرهم الينا، فقال الوزير: خذ لهم الهدايا من الجواهر وسر الى الأمير حسن وقدم له الهدايا، ويصير بينك وبينه مودة وصحبة، فاستحستن شمعون هذا الرأي، فحمل الهدايا على الجمال وسار بألف فارس من أعيان قومه، ودخل على الأمير حسن وقدم له الهديا وسلم عليه، فترحب به وعملت الولائم، ووقعت المحبة والمودة، ثم عاد الى بلاده وبقي في أمان الى أن قتل الأمير حسن وأبو زيد، فعظم عليه الأمر وقال لوزيره: مرادي أن أجمع العساكر وأذهب الى بني هلال، فلا بد أن يكونوا وقعوا في بعض، فمن الموافق أن نكون حاضرين ونساعد القوي ويملك البلاد، ونكون قد قتلنا دياب لأنه صار شيخا كبيرا، ثم جمع العساكر وسار قاصدا بني هلال حتى دخل حدود الغرب، فنظر الغبار قد علا وسد منافس الأقطار، ثم انكشف عن ثلاثين ألف فارس ومعهم حريم ونسوان، فسأل عنهم فأخبروه بأن هؤلاء حريم حسن وأبو زيد وأولادهم اليتامى هاربين من دياب خوفا على أنفسهم، فاستدعاهم فحضرت الجازية فسألها عن الخبر، فأشارت تقول:

تقول فتاة الحي أم محمد
بدمع جرى فوق الخدود غزار

وأصغي لقولي يا حماة الدار
ألا يا ملك شمعون اسمع قصتي

وهؤلاء يا ملك عبيدنا وجوار
أنا بنت سرحان أخت أبو علي

نمرح فيها ليلا مع نهار
كنا بنجد في سرور وفي هنا

أتانا الزناتي مثل شعلة نار
رحلنا لأرض القيروان وقابس

برأس رمحه المرهف البتار
قتل منا تسعين قتيلا مجربا

بعزم شديد يفتت الأحجار
قتله أبو وطفا دياب بن غانم

ملكنا مداينها مع الأنهار
ملكنا بقتله سائر الغرب يا ملك

ويقعد به سلطان أيا مغوار
أراد دياب يملك القصر وحده

سبع سنين في بلاء واكدار
حبسه أخي سبع سنين كوامل

وأطلقه أبو زيد الهلالي غصيبة
وهذه حيلة منهم عليه دار

وجانا دياب مع أكابر قومه
وقلبه أسود خائنا غدار

دياب ذبح حسن فوق عال فراشه
وخلاه يتخبط ميمنة ويسار

وراح هرب هو وكل جموعه
دخل بلاد الزنج والأقفار

جابه أبو زيد طيب بخاطره
وأرسله مكتوب بالاحضار

وبعده أتوا للصيد في عز وهنا
ولعبوا بالجريد كم مشوار

فشال دياب من تحت باطه لسلامة
دبوس حديد فيه ألف مسمار

ضرب به سلامة أرماه على الثرى
ضربات دياب ما عليها عيار

فجينا الى عندك طالبين مكارمك
يا برمكي يا مكرم الزوار

وعاد دياب مالك الغرب كلها
وصار ملك والعز له صار

هذا ما جرى فينا وهذا ما اصابنا
والدهر دولاب علينا دار



فلما فرغت الجازية من كلامها أشار الملك شمعون يرد عليها ويقول:

يقول الملك شمعون والقول صادق
نيران قلبي زايدات سعار

ألا فأبشري بالخير يا أم محمد
لقد زال عنكم سائر الأكدار

وقلبي على حسن الهلالي موجعا
وأبو زيد خلا الدموع غراز

ولكن لهم أولاد يخلفوهم
ويسقوا دياب علقما ومرار

أنا كنت سائر نحوكم لأعينكم
وأنظر ماذا بينكم قد صار

ولكن أتيتم سالمين بأهلهم
فابقوا واصبروا والفلك دوار

وارعوا أراضينا واجنوا ثمارها
فأنتم والله أكرم الخطار

لكم عندنا الإكرام والخير والهنا
والعز والناموس والأوقار



فلما فرغ شمعون من كلامه والجازية تسمع نظامه، قالت له ارجع فما الآن وقت ذهاب، لأن دياب له سطوة في بني هلال وألقى الرعب في قلوب الجميع، وما أنت من رجاله، فالأوفق نصبر الى أن يأتي الفرج وهو قريب لأن دياب كبير السن وما له سوى ولد صغير يرضع، اسمه نصر الدين، أما الجازية فتركت اليتامى عند الملك شمعون، فعين لهم أرضا وصاروا يرعون المراعي، وما عاد للجازية هم الا تربية اليتامى وتعليمهم الحرب والقتال، ولما وصل خبرهم الى الأمير دياب، فأراد يجمع العساكر ويذهب اليهم، فقال له بنو زغبة: الأوفق أن لا نذهب اليهم لأن بلاد شمعون حارة، اذا طال بنا الحرب نهلك ونعطش، وربما بني دريد وزحلان اتفقوا مع الأولاد، فيطول علينا الحال، فقال: أنا خايف أن ينتظروا حتى أموت، ويأتوا ويملكوا البلاد ويذلوا ابني ويذلوكم، فقالوا له: الأوفق أن تكتب كتابا الى الملك شمعون توعده بالمال حتى يقتلهم، فاستصوب هذا الأمر وتوسل الى شمعون يقول:

يقول الفتى الزغبي دياب الماجد
ونيران قلبي زايدات سعير

يا أيها الغادي على متن ضامر
تسبق هبوب الريح عند مسير

اذا جيت للكوع فانزل بربعها
واعقل جوادك بالزمام وغير

وأعط للسلطان شمعون تقتل اليتامى
وتدعيهم على وجه التراب عفير

ولا تغرك الجازية أم محمد وحسن وجهها
أصل الفتن تأتي من الوجه المنير

وخذ أموال دريد وجمالهم
وأبقى أنا لك بالحروب نصير



فلما فرغ دياب من الكتاب، سلمه الى راشد بن نبهان ليوصله الى الملك شمعون، فسار حتى دخل بلاد الكوع، فصادفه الوزير أبو الجود، فأخذ الكتاب وقرأه فأدخل الرسول للضيافة وأخذ الخطاب واستدعى الأولاد وقال لهم: اقرءوا هذا الكتاب، فلما قرءوه خافوا وقالوا: نحن واقعين عليك يا وزير، فقال: لا تخافوا لأن الملك اذا نظر الكتاب يقتلكم، لأنه طماع ويخاف من دياب، وما لكم الا أن ترسلوا له الجازية تدلع عليه، فهو وقع في هواها، فقالوا لا يليق بنا أن نكلم الجازية هذا الكلام، فقال لهم: أنا أحضرها وفي الحال بعث رواءها فجاءت وقرأت المكتوب فتكدرت وقالت ما الرأي عندك؟ فقال: الرأي أن تذهبي الى الملك شمعون وتدخلي عليه، فانه لا يضركم فقالت له: أنا امرأة مسلمة وزوجي شريف النسب، فلما سمع أبو الجود كلامها قال في باله هذه المرأة تكرم دينها، فالأوفق أن أساعدها، ثم قال لها:

أنتم معكم ثلاثون ألف فارس، وأنا عندي اثنا عشر ألف فارس، فالجملة اثنان وأربعون ألفا، فأرسلي أولاد أخيك الى السلطان شمعون، يقولون له مرادنا نزوجك عمتنا، فيفرح بذلك أنه واقع بهواك، فمتى دخلت عليه يدخل معك شيبان ويذبحه، ثم نقتل اليهود ونملك البلاد ونقيم حاكما من أولاد أخوتك، وأنا أتزوج بك وتصير البلاد في يدنا، فاتفقوا على ذلك وذهبوا الى الملك شمعون وعرضوا طلبهم، ففرح وقال لهم: مهما شئتم فاطلبوا، فقالوا له: لا نريدك الا سالما، ثم أحضروا الحاخام فكتب كتاب الجازية على الملك شمعون، وبعد تمام الفرح دخلت على شمعون فوجدته منتظرها في قاعة النوم وعليه الملابس الخفيفة ودخل معها شيبان بن أبي زيد وبيده الخنجر، فضربه به وقطه رأسه ووقف في طاقة القصر وقال قضي الأمر، وكان الوزير والأمراء منتظرين تحت القصر، فغاروا على اليهود وأبلوهم بالذل، وقتلوا أعيانهم وملكوا القلاع وأهلكوا رؤساء العساكر وما أصبح الصباح حتى انتهوا من الأعمال ودخلوا سراية الحكومة وأجلسوا الأمير بريقع ابن السلطان حسن ملكا على بلاد الكوع، وفرق العساكر في جميع الجهات وراق له الحال، فلما شاهد الرسول ما صار، خاف على نفسه فهرب الى دياب، فأخبره بالخبر، فقال له أحد الأمراء أنت قتلت الحية وتركت رأسها، هؤلاء الأولاد لا بد ما يأتوا ويأخذوا منك بثأرهم، فضحك دياب وأخذ يكتب لليتامى كتابا، فلما وصل اليهم قرءوه، فقالت الجازية أن دياب قلبه دليله والذي له عدو لا ينام، ثم كتبت الى دياب تقول:

برق يلمع من خلال اليماني
هيج بالقلب وجدي بعد ما دهاني

والريح هبت في ضميري وخاطري
الله يقهر كل ظالم خوان

دياب يا أمير ترسل تهددنا
كنا لكم يا أمير بالوغى اخوان

نحن تركنا لك بلادا تخصنا
ولا عدت تنظرنا بطول الزمان

الله يسامحكم بها ويطول عمركم
وتدوموا بخير يا أبا الاحسان

والله يعوض أبا دياب بغيركم
فصرنا ملوكا وعاد الدهر كما كان



فلما فرغت الجازية من كلامها، طوت الكتاب وأعطته للرسول، أخذه وسار الى دياب، فناوله اكتاب ففضه وقرأه، فقال: لا بد ما أرتب وأدهمهم في بلادهم، وفي ذات الأيام أتوا شعراء فمدحوا السلطان دياب ووصفوا له بنت الأمير ماجد بن الهدهاد، فسأل دياب عنها فأخبروه أنها لم يوجد مثلها في الدنيا، وكان خاطبها السلطان حسن لابنه بريقع، فعند ذلك قال دياب والله نحن أحق بها من الغير، ثم كتب مكتوبا الى الأمير ماجد يطلب ابنته، وبعث المكتوب مع الأمير عرندس، فأخذه وسار حتى دخل على الأمير ماجد، أعطاه الكتاب فقرأه وترحب في عرندس واستشار قومه، فقالوا له ابعث وقل له بنتي مخطوبة الى الأمير بريقع، ولا يليق أن أفسخ الخطبة والأمير بريقع ابن عمك، فكتب الى دياب وأرسل المكتوب مع عرندس، ثم قال: هلموا بنا الى نجع الأمير بريقع لئلا يأتي فيقتلنا ويقتل أولادنا، فهدموا البيوت وحملوا حريمهم وساروا يقطعون الفيافي والقفار، قاصدين بلاد الكوع، أما عرندس دخل على دياب وأعطاه الكتاب ففضه وقرأه، فغضب غضبا شديدا وركب بالفرسان والأبطال، قاصدا ماجدا حتى وصل الى بلاده، وجد الأرض قفرة والمزار بعيدا، فرجع وأرسل الجواسيس تفتش عليه، وكان عند دياب بنت أخته وهي بنت الأمير حسن واسمها أمينة، وكانت لما هربت الجازية واخوتها، بقيت هي وأخذها دياب ووضعها عنده، وكانت بنت دياب تشتم لها اخوتها وأولاد أبي زيد وتقول: لا بد أبي ما يقتلهم! ! وقد سمعت أن أبي أمر يجيب اخوتك ويخدمهم عنده وان ما قبلوا يسير إليهم، فقالت: ان اخوتي صاروا ملوكا، ولا بد ما يأتون ويأخذون بالثأر من أبيك، فغضبت منها وضربتها فتركتها وراحت الى قبر أبيها، وصارت تبكي، وإذا برجلين مقبلين واحد أبيض والثاني عبد، فوصلا الى قبر الأمير حسن وأبي زيد، وصارا يبكيان، فقالت لهما: من أنتما وعلى من تبكيان؟ فقال لها أحدهما: نبكي على موالينا وأسيادنا أنا بدر بن قاشع وهذا عبد أخيك وكنا عائشين بنعمتكم حتى غدر بنا الزمان، رحنا مع اخوتك وصرنا نسافر مثل المكارية من بلد الى بلد، والآن ذاهبون الى بلاد الكوع فان كان لك غرض أو وصية فانا نوصلها لك، فأشارت تكتب الى اخوتها وتقول:

تقول أمينة بنت من ساد ذكرها
بدمع جرى من مقلة العين عايم

تعاندني الأيام والدهر هانني
وصرت حزينة والعقل صار هايم

أداري أنا روحي وأكتم بخاطري
ولا أعرف الراحات والرب عالم

يا أيها الغادي على متن ضامر
تشق فلاة الأرض مثل النسايم

فأهدي سلامي ثم أعطي رسالتي
رسالة محزونة تذوق العدايم

الى أخوتي عز الملوك اذا علوا
وسلم على أولاد عمي اللزايم

يجوني على خيل كما الريح جريها
عليها شباب كالليوث الضياغم

بكل مهندي والرديني بكفه
لسان الحنش مسقى بسم الأراقم

عسى يأخذون الثار من ولد غانم
ويدعوه فوق الأرض مرمي وعادم

تبقى بلاد الغرب طوعا بيدكم
وتحكموها مثل أبوكم حاكم



فلما فرغت أمينة من كلامها، طوت الكتاب وأعطته الى بدر، فأخذه وسار هو والعبد حتى وصل الى بلاد الكوع، ودخل على الأمير بريقع، أعطاه الكتاب وخصلة الشعر، فلما نظروا الشعر وقرءوا المكتوب، هاجوا وماجوا ووقع فيهم البكاء والنحيب وجددوا حزن أبي زيد والأمير حسن، فعند ذلك نهض الأمير شيبان وقال لهم: مالنا ولهاذا البكاء! قوموا حتى نركب ونسير الى حرب دياب، فأما أن نموت أو نأخذ ثأرنا ونخلص حريمنا ورجالنا من ذل دياب، فقال بريقع هذا هو الصواب، ثم أنهم ركبوا بستين ألف فارس وساورا واليتامى أمامهم، وعندما أمسى المساء نزلوا ليرتاحوا فسمعوا صوت عرب نازلين بالقرب منهم، وشاهدوا نيرانهم، فقال بريقع لأظن هذا دياب أتى ليقتلنا، فما لنا الا نرسل من يكشف لنا الخبر، فقالت الجازية أنا أسير وأكشف لكم الخبر، ثم قلعت ثياب النساء ولبست ملابس الرجال وتقلدت بالسلاح وأخذت معها شيبان وبريقع وأوصت الا أحد يشعل النار أو يبدي حركة قبل أن يحضروا، ثم ساروا تحت الظلام حتى قربوا من الربع، فسمعوا بكاء الأطفال ونبيح الكلاب، فعلموا أنهم عرب راحلوان بعيالهم ويمكن هاربين من دياب، ثم دخلوا بين العرب وسألوهم عن أميرهم فدخلوا عليه، فقام لهم واقفا على الأقدام وترحب بهم وأجلسهم وقدم لهم الطعام/ فأكلوا ثم قدم لهم القهوة فشبوا، وبعد ذلك قالت الجازية كثر الله خيرك يا ابن عمي ماجد، فقال أراك عرفتني أيها الشاب الظريف وأنا ما عرفتك فمن تكون، فقالت الجازية صدق المثل( من غاب عن العين سلاه الخاطر ) أنا الجازية أخت السلطان حسن، وهذا بريقع وهذا شيبان، أتينا نأخذ بثأرنا من دياب، فوصلنا الى هذا البر في هذه الساعة، فسمعناكم وقصدنا نكشف خبركم، فلما سمع ماجد كلامها، قال أهلا وسهلا بصهري، وصار يقبلهم وهو لايصدق من عظم الفرحة، ثم حكى لهم قصته مع دياب وكيف بعث طلب بنته مع عرندس، فقال له: ان ابنتي مخطوبة الى بريقع، ثم شاع الخبر، فصارت تحضر أمراء الأمير ماجد وتسلم عليهم، وبقوا مدة ساعة وبعد ذلك قال ماجد الحمد لله الذي صادفنا بعضنا في هذا المكان، فما عاد لنا الا المسير لأخذ الثأر، وقد بلغني أن دياب صار خرفانا وما عاد عزمه كالأول، وهو يظلم في الرعية من خفة عقله، وصار الكل يكرهونه، فقالت الجازية لنكتب مكتوبا الى بني دريد ونحركهم يساعدوننا لأخذ الثأر، فقالوا هذا هو الصواب، ثم ودعوا الأمير ماجد وساروا وأخبروا الباقين، ففرح الجميع، وفي الصباح ركب الأمير ماجد وأتى وسلم عليهم، فترحبوا به وقدموا له مزيد الاكرام، ثم أخذت الجازية تكتب الى الأمير طوي بن مالك وتنخى قومه لحرب دياب وتقول:

تقول فتاة الحي أم محمد
وقلبي اليوم كان مألوم

وقد كنت محزونة الهم والأسا
على فقد ابن سرحان والقيدوم

أبو زيد أنا والنبي ما نسيته
وكان الأمير الى الأسرار كتوم

أميرين والله ليس يوجد مثلهم
وكان لهم سعد قوي مخدوم

قتلهم أبو وطفا دياب عداوة
يجازيه ربي الواحد القيوم

لكن ربيت له لأخذ الثار عزوة
أمارة كراما كلهم وقروم

يكيدوا العدا بيوم كرب وملمة
وما فيهم الا كل ليث هجوم

يا أيها الغادي على متن ضامر
تسبق هبوب الريح وكل نسوم

اذا جيت لأرض القيروان وقابس
تلاقي بها الزغبي أمير حكوم

فسلم على طوي خليفة عمنا
أميرا كريم خليفة المرحوم

وسلم على أهل الدريدي جميعهم
أمارا ليوثا ما بهم ميشوم

وقال أن الجازية أم محمد
تنبيكم الأخبار ثم علوم

ان كان أنتم تحضروا وتوافقوا
تحضروا حالا لنقضي المعلوم



فلما فرغت الجازية من كلامها، أرسلت الكتاب الى ابن مالك، فأخذه النجاب وسلمه الكتاب، فقرأه على أمراء بني دريد، ففرحوا جميعا ثم أجاب يقول:

يقول طوي والدموع غزارى
والنار في قلبي تزيد سعاري

الله أكبر زال عنا همنا
وقلونا فرحت بذي الأخبار

من خمسة عشر عام في أسر وعدا
وفي القلب منهم دوم شعلة نار

لما سمعت أخباركم يا جازية
أضاء علينا الحي ثم الديار

ففرحوا بكم أهل الدريد جميعهم
ونسوانهم فرحت بأخذ الثار

اقراءوا سلامي للأمير بريقع
أيضا شيبان الفتى المغوار

يا جازية هاتي القردوم وأسرعي
لعند أبو وطفا لآخذ الثار

دياب غدا خرفان وحيله انقطع
ما عاد لع عزم على البتار



فلما فرغ طوي بن مالك من الكتاب، سلمه للنجاب فأخذه وسار حتى وصل لعند الجازية، أعطاه الكتاب فقراته بحضور الأمراء ثم قالت:

ان دياب لا بد ما يغدر بقومنا لأن هذا الخبر لا يختفي، ثم كتبت مكتوبا الى طوي بن مالك تقول له: خذوا حذركم ونهار غد العيد، اذا حضرتم لعند دياب فالبسوا دروعكم وأسلحتكم تحت ثيابكم، وحن نصل لعندكم يوم العيد، وانقسموا فرقتين، النصف يجلسوا على المائدة والنصف يكونون راكبين خيولهم، فسار الرسول الى طوي بن مالك، فقرأ الرسالة وقال نعم ان بني زغبي أخذوا الخبر عن اجتماعاتنا وأوصلوه الى دياب، فلما عرف ذلك قال لربعه، الرأي عندي أن نعمل وليمة على العيد، وعندما تجتمعوا ادهموهم بسيوفكم واقتلوهم ولا تتركوا من أكابرهم أحدا، وفي يوم العيد عمل دياب وليمة ومد السماط وكان شي يدهش العقول، وعزم بني دريد وأكابرهم، فحضروا ودخل نصفهم وجلسوا على الطعام، وبقي النصف الآخر على ظهور الخيل، وفي تلك الساعة ارتفع الصياح من كل ناح، ووقع الصوت في بني هلال، وارتجت الأرض فدقت الطبول وارتفعت الرايات وزلغطت النسا، فسأل دياب عن الخبر، فأخبروه بما جرى من اليتامى، وأنهم نهبوا البوش وقتلوا الرعيان وطافوا على البلد من كل مكان، فعند ذلك أرسل دياب الى ابن أخته بريقع، جوابا يهدده بالقتل وأعطاه الكتاب، فقرأه وقال أن خالي خرفان ومراده أن أرد له البوش ونحن لا نرضى بالبوش ولا بأخذ روح دياب، ثم أشار الأمير بريقع يرد الجواب، فلما قرأه يداب امتقع وتكدر ورد عليه بكتاب، فأمر بالركوب، فركبوا اليتامى ودقوا طبول الحرب وتقلدوا بسلاحهم ونشرت بيارقهم وزغردت لهم النساء وانضم لهم قومهم بنو دريد وبنو زحلان، ونزلت بنو زغبي الى الميدان يتقدمهم دياب وهو من الكبر صار شعره أبيض، فانتصب ميدان الحرب، فبرز الى الميدان فارس من بني زغبي اسمه الدهام، وطلب مبارزة الفرسان، فقالت الجازية ما أحد ينزل الى هذا الفارس غيري، فقالوا هذا عار علينا واذا نزلت له نخاف عليك لئلا تقتلي، فقالت لهم: ما ينزل الى هذا الفارس غيري، قال الأمير شيبان، اتركوها تبرز الى هذا الفارس ونحن نقف بالقرب منها، فان رأيناها مغلوبة ساعدناها وان رأيناها غالبة تركناها، فبرزت الجازية الى الميدان وهي مقلدة بالسلاح والدرع، فتلقاها الأمير دهام وصار بينهما كر وفر وطعن يقصف العمر، وضربت هامه أرمت رأسه قدامه، فوقع قتيلا وفي دمه جديلا، فاغتاظ الأمير دياب وقال: من هذا الفارس الذي قتل فارسنا واليتامى ما فيهم فارس الا مخيمر ابن أبي زيد، ومخيمر مات في بلاد الكوع؟؟

ثم برز من بني زغبة فارس اسمه أبو جمرة ابن الأقرع صدم الجازية وضربها بالرمح، فخلت عنها وضربته بالرمح في صدره طله من ظهره فوقع قتيلا فقالت بنو زغبة ما لهذا الفارس يا أمير سواك! !

فعند ذلك برز الأمير دياب الى الميدان وقال من أنت أيها الفارس المفتخر بنفسه على أبناء جنسه؟ فقالت له: أنا ابن هذا الميدان، فما لك وللسؤال؟ فقال لها: أنا لا أقاتل الا من كان حسبه مثل حسبي ونسبه مثل نسبي، فقال له: أنا أكثر منك حسبا ونسبا، أنا الجازية أخت الأمير حسن وقد جئت لآخذ منك بالثار، فضحك دياب حتى استلقى على قفاه، ثم قال لها: أنا لا أقاتلك لأنه عار علي أن اقتل امرأة، واذا قتلتك يقول الناس دياب يحارب امرأة، روحي أرسلي الأمراء، فقالت له: ما أروح من هنا حتى أحاربك، يا خائن يا غدار وما جزاؤك الا قطع رأسك..

[/align]
[/cell][/tabletext][/align]



 


الرد باقتباس
قديم 03-20-2013, 10:33 PM   #25


الصورة الشخصية لـ صدى الوجدان
صدى الوجدان غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 9
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 03-31-2014 (02:37 AM)
 المشاركات : 10,242 [ + ]
 تقييم العضوية :  570
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 5 مرة في 5 مشاركة
الإفتراضي



[align=center][tabletext="width:70%;background-image:url('http://www.hreeb-bihan.com/vb/backgrounds/14.gif');border:10px double indigo;"][cell="filter:;"][align=center]
الجزء الرابع والعشرون من تغريبة بني هلال



فلما سمع دياب كلامها لعبت برأسه نخوة الرجال وضربها على جبينها فوقعت على الأرض ميتة، فندم عليها ورجع من الميدان وقال ما كان لازم نقتلها، وأما اليتامى فأخذوا الجازية، كفنوها وعملوا عليها مناحة عظيمة، بكى عليها القريب والبعيد، وفي ثاني يوم برز بريقع الى الميدان، فبرز اليه دياب والتقى البطلان كأنهم جبلان وحان عليهما الحين وغنى فوق رأسيهما غراب البين، فقام دياب بعزم الركاب وضرب بريقع بقفا يده، أرماه الى الأرض، ثم صار يضحك عليهم ويقول في نفسه لولا وصية أبي زيد لي كنت أفنيتهم عن آخرهم، ولكن خليهم يعرفوا مقام أنفسهم، وأما اليتامى فانهم رفعوا بريقع واحتاروا في أمرهم ماذا يفعلون، فاجتمعوا عند ماجد يتشاورون فقال لهم ماجد الرأي عندي أن تهجموا عليه هجمة واحدة ولا بد ما تصيبه ضربة فيقع على الأرض، فلا تتركوه حتى يموت، فقالوا هذا هو الصواب، وفي الصباح برزوا يطلبون الحرب والكفاح ودقوا الطبول وتقدم بريقع أمام دياب بلا درع وما معه الا السيف والترس، فالتقاه الأمير بريقع ووقع القتال وانحدنوا اليتامى مرة واحدة، فالتقاهم وصاح فيهم صيحة ارتجت منها الجبال وأراد أن يضرب بريقع بالسيف يقطعه قطعتين، فطوحه صبي بالرمح من بعيد وقع في جنبه فمال دياب على الأرض من عظم الألم، فعند ذلك تقموا اليه وقال له بريقع كيف حالك الآن؟؟ فقال دياب: أنا شبعت من الدنيا وكل موتة ولها شبب وأشكر الله الذي مت قتيل أولاد حسن وأبي زيد ولا قتلني أحد غريب، ثم غاب عن الوجود مقدار ساعة ثم أفاق يودع الدنيا ويقول:

يقول الفتى الزغبي دياب المفارق
سبحان ربي مالك الملكوت

سبحان رب العرش جل جلاله
له الحمد والاحسان والمثبوت

سبحان من أنشأ من الطين آدم
وخرت له الأفلاك بعد خبوت

خلقهم وتكفل تقسيم رزقهم
وكل له أجل ورزق وقوت

هلال وعامر مع دريد وزغبي
اذا شافهم انسان غدا مبهوت

فكم من ملك جاهم وكم قبيلة
وراحوا من يد هلال شتوت

ندمت على فعلي بهم ندامتي
على ما جرى لي وفات الفوت

قتلت أمارتهم وأخذت بلادهم
وكم ملكت عروش وتخوت

عشرين تخت منهم ملكتها
مرصعة بالدر والياقوت

أيا نار قلبي من فراق أبو علي
وأبو زيد تغلي كالمياه وزيوت

أنا مفارق الدنيا وذاهب لغيرها
قصدت ربا حاضرا ليس يموت



فقال بريقع هذه السكين التي ذبحت بها أبي، فقطع رأس دياب وتركه ورجع، فأتى قوم دياب فأخذوه وأكثروا عليه البكاءوالعويل ومزقوا ثيابهم ورفعوا البيارق السود، واجتمع الأمراء من كل ناحية وحضر الأمير بريقع واخوته، فأخذوا خالهم ودفنوه بعد أن بكوا عليه وعادوا الى بني زغبة فوجدهم طائعين سامعين وجلس بريقع ملكا على بلاد الغرب وراقت له الأحوال وأقام أولاد شيبان ورزق وزراء عنده، وما سأل عن أولاد خاله دياب، أما نسرين زوجة دياب فانها لما قتل زوجها، قالت لإبنها لا بد وأن أولاد عمك يعملون حيلة عليك ويقتلونك ويرتاحون من نسل دياب، لأنهم يخافون من لئلا تأخذ ثأرك منهم، فقم اركب الشهبا لنذهب عند أحد من أصحاب أبيك، لبينما يصير وقت مناسب لأخذ الثأر، فركب نصر الدين على الشهبا وأردف أمه رواءه وخرجا من البلاد حتى وصلا الى غدير تحت جبل وعليه رعيان تسقي جمالها والبنات والنسوان تلعب حواليه، فحول نصر الدين بوالدته فأكلا وشربا، ورأى نصر الدين على المنهل صبية كأنها شمس منيرة بعينين زرقاوين وحاجبين مقوسين، شفتاها كالعناب تسبل من رآها بحسنها ودلالها واعتدالها، فتقدم وخاطبها بقوله:

يقول نصر الدين من ولد غانم
يا مرحبا في نجمة الصباح

أهلا وسهلا ثم ألفين مرحبا
فالعقل يا مليحة معك راح

بالله أخبريني يا مليحة بأصلك
وعن قومك عساهم قوم ملاح

لأن قلبي يا مليحة انكوى
وجسمي انضنى وقلبي مني راح

وان سألتني يا مليحة نسبتي
اسمي نصر الدين الفارس البطاح

أبوي ترى دياب الماجد المنتخب
جرى صيته في براها وبطاح

جاوا علينا أهلنا يا مليحة
قتلوا أبوي كان عزه لاح

وصرنا ضيوف الخيرين بأرضكم
حتى الهي يخفف الأتراح

ردي جوابي يا مليحة بالعجل
أخذت العقل مني مع الأرواح



فلما فرغ نصر من كلامه والصبية تسمع نظامه، بكت لحاله لما عرفت أنه ابن أكبر فرسان الزمان وأحبته، ثم أشارت تجاوبه وتقول:

قالت فتاة الحي باني التي شكت
جرى الهوى خلى الفؤاد شعال

حبك أيا نصر و الله أضناني
وادعى لقلبي فوق نار هبالي

أنا بنت صالح يا أمير بلا خفا
أبوي أمير فارس قتال

أبوي أمير ابن أمير و أميرة
حاكم على المكناس بالاجمال

أيا نصر أنا وحيدة عند أبي
ربيت في قومي بعز و دلال

هيا بنا يا أمير نحو نجوعنا
وحبك بقلبي ليس منه زوال

و أرحم فتاة يا أبن ولد غانم
تعلقت بالحب عامدا الأجيال

و نقضي بقايا العمر سوية
و نعيش في خير و صفوة بال

مقال فتاة الحي بأني شكت
نار الهوى شبت بقلبي أيا مفضال



فلما فرغت الست بأني من كلامها، تقدمت أمه إلى باني و قبلها و قالت لها اذهبي إلى أبيك و أخبريه بحالنا، فإن أراد أن يرسل يأخذنا لداره لان ذهابنا معك يشين بعرضك، فودعتها و سارت إلى أبيها و قالت له يا أبي و جدت على الغدير إمرأة غريبة و معها ولد هو إبن دياب، وهما قاصدانك من بلاد بعيدة، فلما سمع الأمير صالح كلام ابنته، أخذه العجب، لان دياب كان خلص له من بعض أمراء العرب، و قتل له خصمه و بقي حافظا له هذا المعروف، و لذلك أمر العبيد أن ينصبوا صيوانا أمام صيوانه، وركب في مائة فارس و سار إلى الغدير و تقدم إليه الأمير نصر الدين و قبل يديه و قبله صالح و قال: أهلا و سهلا بابن الأمير دياب، ثم اركبوا أمه في هودج وسار نصر الدين على شهبا، و صار الأمير صالح لا يرفع عينيه منه لانه رآه جميلا جدا وعلامة الفروسية لائحة عليه، ولما و صلوا لاقتهم البنات باحتفال زائد، فنزلوا بالصيوان الذي نصبوه و كان مفروشا بالحرير و مزركشا و مزخرفا، ولما استقروا للراحة حضر الطعام و المدام و باتوا تلك الليلة منشرحين مسرورين، و ثاني يوم إجتمع الأمراء و الأعيان عند الأمير صالح، فأتى بهم إلى صيوان نصر الدين، فقام لهم على الأقدام ولاقاهم بالترحيب والإكرام، وبعد أن جلسوا أخبرهم نصر الدين بقصة والده، فبكى الأمير صالح، و صاروا يعزون نصر الدين، وقال له الأمير صالح لا تتكدر يا ولدي، فمن خلف مثلك ما مات، و اصبر على حكم الله، و الآن حيث أنى كبرت و ما عاد لي إقتدار، فمرادي أن أنصبك مكاني حاكما على العشيرة، وقد زوجتك إبنتي بلا مهر، فتعجب الأمير نصر الدين من كرم الأمير صالح ووثب و قبل يديه و شكره على معروفه، ثم انصرفوا و صار الأمير صالح يهيء لوازم العرس، و أرسل إلى جميع القبائل يدعوهم إلى عرس إبنته، فتواردت العربان من كل جانب و مكان، و أقاموا الأفراح و الليالي الملاح ودقت الطبول و نفخت الزمور وعين الأمير صالح مدة العرس أربعين يوما، فنحروا النوق و الأغنام ودارت ليالي الأفراح، و نهار الأربعين بنوا صيوان الأمير نصر الدين و البسوه حلة من الحرير و أجلسوه على كرسي من العاج و قام الميدان ولعب الجريد بين الأبطال، وعند المساء أخرجوا العروس وهي كالشمس المنيرة وعليها من الجواهر ما يبهج الأنظار و ركبوها على هودج عال من الحرير المقصب، وبعد أن طافوا بها ادخلوها على صيوان نصر الدين، و أتى القاضي و الشهود وعملوا الفروض الدينية، ثم إنصرف الجميع وبات نصر مع العروس في هناء و سرور، وبعد ذلك جلس نصر الدين حاكما على القبيلة عوضا عن الأمير صالح، و باركت له الأمراء و الأعيان وصار يتعاطى الأحكام و يعدل في الرعية و يوهب و يعطي الشعراء و الفقراء، حتى أحبه القريب و البعيد و صارت يركب إلى الغابات يصطاد الأسود و الفهود ويسطو على كل عاص و نمرود، حتى طاعت لحكمة كل القبائل وصار له اسم وهيبة أعظم من أبيه.


( قال الراوي ):

هذا ما كان من نصر الدين، وأما ما كان من الأمير بريقع ملك تونس، فانه بعد قتل الأمير دياب كثر ظلمه وطغى وبغى وتكبر، ولا عاد يفكر بين الأمير والفقير وأكثر من جوره على بني زغبة، وانعكف على معاشرة النسوان واللهو، ولما أعياهم الأمر، اجتمعوا عند الأمير خطير، أكبر أمراء بني زغبة وقالوا: ما عاد لنا طاقة على ظلم أعداءنا وهم دائما يتسلطون على أموالنا وحريمنا، قال يال قوم أنتم عملتم بحالكم هذا العمل لأنكم تهاونتم وما أحد منكم شهر سيفا لأخذ ثأر الأمير دياب، ولا يفرجكم من هذا الضيق الا الأمير نصر الدين، فالأوفق نستخبر عنه في أي أرض ونستدعيه ويستلم قيادة الفرسان، فقالوا افعل مرادك، فكلف الأمير خطار شاعرا خبيرا بالبلاد أن يسأل عنه، فقال أعطوني رفيقين، فأعطوه واحدا اسمه حامد والثاني اسمه منصور، فلبسا ثياب الشعراء وصارا يطوفان البلدان ويمدحان الأمراء حتى وصلا الى غدير ماء في بلاد الفاس والمكناس، فوجدا جماعة من الرعيان فسألوهم عن اسم أميرهم فقالوا اسمه نصر الدين ابن الأمير دياب، فلما سمع الشاعر ناصر هذا الكلام، كاد يطير من الفرح وقال له: بالله عليك يا بن العم دلنا على هذا الأمير، فنحن من عربه فسار كبير الرعيان أمامهم حتى وصلوا، فوجدوا المجلس محبوكا، فجلسوا في الخارج، فالتفت نصر الدين وجد الشعراء خارج الباب، فقال: تفضلوا يا شعراء شرفونا، فدخلوا فأمر أن يأتوا بالزاد فأكلوا وأحضر لهم القهوة، وبعد ذلك قال لهم الأمير نصر الدين هاتوا ما عندكم من الأشعار، فعند ذلك أخذ ناصر ربابته وراح يمدحه بشعر جميل.

فلما فرغ ناصر من كلامه خلعوا ملابس الشعراء وقالوا له: نحن أولاد عمك وقد أتينا بصفة شعراء لندور عليك في البلدان حتى تجئ وتخلصنا من ظلم نبي هلال والحمد لله الذي وجدناك فلما عرفهم نصر الدين وثب اليهم يسلم عليهم ويقبلهم وقال لهم يلزم أن تبقوا عندنا ثلاثة أيام ثم تعودون وتبشرون أهلي أني بعد ثلاثين يوما أكون عندهم فأقاموا عنده ثلاثة أيام خلع على كل منهم خلعة ملوكية وساق أمامهم الأنعام فارادوا أن يستعفوا فقال لهم لا بد أن تأخذوه لأن سمحت لكم وأنا لا أرجع بما أعطيت فأخذوا كل ما وهبهم وساروا يقطعون البراري والقفار حتى وصلوا لبيوتهم فأتى بنو زغبي وسلموا عليهم ومعهم الأمير خطار وبعد أن شربوا القهوة سألهم الأمير خطار عن سفرهم فصار يخبرهم ناصر ويقول:

يقول الفتى ناصر عما جرى له
يا قوم أصغوا للحديث اللي جرى

درنا بلاد الغرب والديار كلها
حتى بلاد الفرس وأرض الكوجرا

رحلنا الى مكناس في عشرا رجب
لهم ملك والله سبع غضنفرا

أشقر ظريف القد حلو المباسم
يشبه دياب الخيل يا أهل الورى

ما شفت مثله بالكرم يا أهل الكرم
يجري عطاه مثل فيض الأبحرا

له صيوان وميتين أميرا حوله
وألفين عبدا واقفة لتؤمرا

وميتين مملوكة أمامه تخدمه
مثل الكواكب حسنهم ما أبهرا

يقضي ويمضي والأنام تطيعه
مين الذي خالف كلامه يقهرا

دخلنا عنده بالمسا وقت العشا
وأنا بصفة شاعر أحوالي منكرا

وبعد أ، أكلنا الزاد وشربنا الشراب
عدلت أنا ربابتي يا أهل الورى

وأخبرته عن قصتي وعن سفرتي
وعن حالنا يا قوم واللي جرى

وثب الينا وقال أهلا ومرحبا
أنتم أعمامي أولاد عمي الأنصرا

وقال لي روحوا لأهلي وبشروا
الى عمومنا وأخوالنا والأصهرا

لازم أجيهم فوق الشهبا مبرشمة
تشبه الى ريح الشمال اذا جرى

وأقتل عدوي وأشتفي من قتله
وأفني أكابرهم كذال الأصغرا

أنا نصر الدين ما في غبا
أدعي الفوارس بالحروب مقهقرا

أوهب لنا هذه الأموال جميعها
تعجز ملوك الأرض عنها وتقصرا

يا آل زغبي أبشروا في سعدكم
قد غاب نجم النحس عنكم وأندرا

شدوا حزام خيولكم يا قومنا
جانا الفرج من عند رب مقدرا



فلما فرغ ناصر من كلامه والزغابة تسمع نظامه، طاروا من شدة الفرح وشكروا ناصر، ودارت الأفراح وأخذوا يهيؤن حالهم، وفي اليوم المعين خرج الأمراء الى خارج البلد، وطلعوا الى تل ونظروا الى البر، فرأوا غبارا فصبروا حتى انجلى على فارس راكب، شقرا كأنها البرق، ووصل اليهم فقالوا له: من أين قادم؟؟ قال: من عند سيدي الأمير نصر الدين، وسبب قدومي لأبشر بني زغبي بتشريفه في هذا النهار، فعند ذلك أعطوا الخبر لجميع بني زغبي، فخرجوا في تسعين ألف فارس في الحديد غواطس، ومعهم الراية البيضاء التي كان ينشرها دياب، فخرجت مشيخة الشباب بستين ألف فارس، وما بقي في تونس الا بني دريد وبني زحلان، وجملتهم مائة وثمانون ألف فارس، وأما جملة الذين خرجوا للملتقى، فمائتان وأربعون ألف فارس، فنزلوا هناك الا والغبار ثار، ثم انجلى عن بيارق مغربية وخيول شامية وفرسان مكناسية ورماح خطية وسيوف عجمية وذروع داودية وخوذ سليمانية وطوارق هندية، وفي أولها فارس طويل القامة، عريض الأكتاف، أشقر اللون أزرق العينين، وعلى رأسه خوذة من عمل الهند وعلى كتفيه رمح طويل مكعب، وعلى يساره سيف ثقيل وتحته شهبا كأنها بنت الخضرا الأصيلة، واذا هو البطل الرئبال الملك نصر الدين ابن الملك دياب الذي خضعت له صناديد الرجال، وعلى يمينه عمه الملك صالح وعلى شماله ابن الأمير صالح الأمير الحازم والليث الجازم، ومن ورائه عشرون راية وتحت كل راية خمسة آلف فارس، فلما وصلوا نزل نصر الدين على علين برشان، وأخذ يسلم على كافة الفرسان، وبعدها أمر بنصب الخيام، فنصبوا له والى عمه صيوانا من الحرير الأخضر على خمسمائة عمود من النحاس الأصفر، في أعلاه تفاحة من الذهب الأحمر وفي داخل الصيوان نقوش من تواريخ الأولين، وعليه صور ملوك سالفين، فجلس نصر الدين على كرسي من الذهب وجلس عمه عن يمينه وابن عمه عن شماله، وقعدوا أمامه والخدام بين يديه , هذا ما كان من هؤلاء، وأما ما كان من بريقع بن حسن فانه اجتمع مع وزيره شيبان وقال هل أرى اليوم بني زغبة خرجت خارج البلد في ضجة عظيمة، فما يكون في ذلك؟؟ فقال ليس لي علم بشئ، وهم في الحديث دخل عليهم عيد وقال: اعلم يا ملك الزمان أن فرسانا أتوا من بلاد الغرب، يتقدمهم فارس عظيم، وخرجت بنو زغبة لإستقباله واجتمعوا على عين برشان وسلموا عليه سلام الاخوان، فلما سمع بريقع ذلك الكلام، قال لشيبان من يكشف لنا خبرهم؟؟ فأرسلوا جاسوسا، فسار ودخل بين زغبة وعرف الأمر وعاد، فأخبر بريقع، فعند ذلك صاح بقومه عليهم، أياها الأبطال ثم أمر بدق الطبول ونادى على الفرسان تعتلي فوق الخيل والتمت الفرسان وركب الشجعان، وأما بريقع لبس درع أبيه وتقلد بالسلاح وركب بنت الحيصا وشيبان، عمل مثله وخرجوا من تونس في مئة وثمانين ألف فارس، ولما قربوا الى عين برشان، ركبت الفرسان الخيول ووقعت العين على العين، واصطف العسكران وبرز شيبان ين أبي زيد الى الميدان، فنزل اليه الأمير الجازم وصدمه صدمة جبار فتلقاه شيبان فتلاطما وتزاحما حتى طلع من الاثنين ضربتان قاطعتان فكان السابق في الضربة الأمير جازم، فطعنه بين البزين، طلع الرمح من بين اللوحي، فوقع الى الأرض يتخبط ببعضه، فلما رأى بريقع أن شيبان قتيل، نزل الى الميدان وطلب مبارزة الأبطال، قال لا أريد أن ينزل لحربي غير أميركم، فما أتم كلامه حتى صار نصر الدين أمامه، فالتقيا كما تلتقي الأرض العطشانة وابل المطر والأمير نصر الدين يفتل حول بريقع في الشهبا مثل حجر الطاحون، وأما بريقع وجد حاله مع خصمه مغلوبا فسار يغتنم فرصة ليفر من أمامه ولكن نصر الدين لم يمكنه من ذلك بل هجم عليه وقال: الى أين يا كلب العرب وأنا وراءك في الطلب؟‍‍؟

وجذب سيفه الظامئ وقال الله أكبر ‍؛ ونزل به عل بريقع قسمه هو والجواد أربع قطع، وأشار بيده فانطبقوا على بني زحلان، فما كنت ترى الا رؤوسا طائرة ودماء فائرة وفرسانا غائرة، فما سلم في تلك الواقعة سوى أربعة واحد من قوم زحلان، فعندها دخل نصر الدين الى تونس وطلع الى قصر أبيه وتسلطن على كل الغرب، وصفت له الأحكام وطاعته كل الأنام، وما زالوا في بسط وانشراح مرتاحين من الحروب حتى أتاهم هادم اللذات ومفرق الجماعات.








[/align]
[/cell][/tabletext][/align]



 


الرد باقتباس
قديم 05-10-2013, 06:19 PM   #26
[" مشرف الطبي سابقاً "]


الصورة الشخصية لـ عزيزالبيحاني
عزيزالبيحاني غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1407
 تاريخ التسجيل :  Dec 2012
 أخر زيارة : 01-13-2023 (01:34 PM)
 المشاركات : 1,646 [ + ]
 تقييم العضوية :  20
 الدولهـ
Yemen
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره مرة واحدة في مشاركة واحدة
الإفتراضي



تسلم ,, نسختها في ملف وورد لقراءتها لاحقاً,,شكرا لك أخي ولاهنت



 


الرد باقتباس
الرد على الموضوع

Bookmarks

الكلمات الدلالية (Tags)
تغربية , بني , هلال , كاملة


Currently Active Users Viewing This Thread: 1 (0 members and 1 guests)
 

قوانين المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML مغلق
Trackbacks are متاح
Pingbacks are متاح
Refbacks are متاح



شات تعب قلبي تعب قلبي شات الرياض شات بنات الرياض شات الغلا الغلا شات الود شات خليجي شات الشله الشله شات حفر الباطن حفر الباطن شات الامارات سعودي انحراف شات دردشة دردشة الرياض شات الخليج سعودي انحراف180 مسوق شات صوتي شات عرب توك دردشة عرب توك عرب توك


جميع الأوقات GMT +3. الساعة الآن 08:56 PM.


.
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
.

Search Engine Friendly URLs by vBSEO