08-01-2013, 05:09 PM
|
#1 |
بيانات اضافيه [
+
] | رقم العضوية : 99 | تاريخ التسجيل : Sep 2011 | أخر زيارة : 10-26-2014 (11:16 AM) | المشاركات : 1,563 [
+
] | تقييم العضوية : 90 | | لوني المفضل : Cadetblue | شكراً: 0
تم شكره 8 مرة في 8 مشاركة
| رمضان القرية في اليمن اقرب للسماء وأنت في اليمن، ﻻ يسعك إﻻ أن تقهقه ضاحكا حينما يسألك صديق لبناني إن كنت «تصوم» رمضان. الجميع في اليمن صائم في رمضان، بمن في ذلك غير المتدينين، الذين يقولون أمام عامة الناس إنهم صائمون. وعلى كل حال، فليس من مطعم أو حتى مقهى يستقبل زوارا في نهار رمضان. وحدهم من هم دون العاشرة من العمر بإمكانهم التمرد على الوضع.في اليمن، الصيام هو كاسر اﻻحتكار الوحيد الذي تمتلكه غالبية الشعب، بمن فيها أولئك الذين يعيشون تحت خط الفقر ويجوعون طوال العام. رمضان ينهي حصرية تصريحهم بالجوع، ليتحملوا بالمقابل مستوى جديدا من النزق والﻼمساواة، يمارسه عليهم اﻷغنياء بحجة أنهم «صائمون»، ولذا فهم في حالة توتر. بل عليك أحيانا أن ترى فاسدي البلد وناهبيه يتوجهون إلى السعودية كل رمضان ﻷداء العمرة (وأغلبهم يؤدي عمرة دينية في مكة وأخرى سياسية في الرياض)، ليعودوا وقد تخلصوا من أي إحساس بالذنب تجاه سلوكهم طوال العام، محدثين العامة المسحوقين ــ بوقاحة - عن شعورهم الروحاني في مكة، مغتسلين من كل ما اقترفوه طوال العام من فساد وظلم ونهب للمال العام. أو على حد قول صديقي، فإنه ﻻ يستطيع قبول فكرة «تصفيد الشياطين» في رمضان، ما دام أعضاء الحوار الوطني مستمرين في العمل خﻼله.ذلك هو جو رمضان في أغلب المدن اليمنية الرئيسية. في صنعاء أيضا يحرق اﻷطفال إطارات السيارات المستخدمة بشكل كبير وسيئ مصيبين سماءها بالسواد. ربما يشبه ذلك محاولة السياسيين حرق ذنوبهم بالعمرة الموسمية، فحرق اﻹطارات هو احتفال طفولي بقدوم رمضان، وهو بالتأكيد فعل مستحدث. فاليمنيون عادة يحترمون مشاعر بعضهم وﻻ يتصرفون بهذه الرعونة، وإطارات السيارات لم تتراكم في شوارع المدن إﻻ أخيراً، بعد انتشار السيارات الحديثة بكثرة وسوء التخلص من نفاياتها. باﻹضافة إلى كون ذاك سلوكا ﻷطفال المدن حصراً، أي أنه غير أصيل في الذاكرة الشعبية التي تفيض من القرية، فهي اﻷصل يمنيا.مع ذلك، فاﻷقل إزعاجا من التلوث البيئي الخانق والتلوث السياسي/الطائفي المصاحب، هو اﻻزدحام الخانق المفاجئ الذي تصاب به صنعاء قبل رمضان، بسبب تسوق الناس بشكل هائل تلبية لحاجات رمضان. يتعامل الناس مع رمضان في المدن وكأنه انقﻼب عسكري مفاجئ، ﻻ مناسبة سنوية معروف وقتها، وإن تقدم يوما أو تأخر، وبإمكانهم أن يستعدوا لها ويتسوقوا لحاجاتها في وقت سابق يعفي المدينة من هذا الشلل واﻻزدحام الذي يصيب شوارعها ومحالها.شخصيا، يمثل رمضان بالنسبة لي أكثر فترات العام التي أعيش فيها تناغما وتوافقا زمنيا مع اليمن. إذ إن الليل يصبح نهاراً والنهار يصير ليﻼ، سواء في الحياة العامة أو حتى الرسمية. ويتواءم ذلك مع الجدول الزمني لحياتي النشطة ليﻼ وسلوكي الكسول صباحا. كما أنه يعفيني من التعامل مع كمية الطعام التي تقدمها لي قريباتي كلما زرتهن نهارا وعبّرن عن انزعاجهن الشديد من نحول جسدي، ليجبرنني على اﻷكل، وهو أمر لست صبورا في العادة حياله، وﻻ تعني لي الوجبات اليومية شيئا كبيرا، إﻻ بالقدر الذي يسكت احساسي بالجوع، فتكفيني وجبة واحدة يوميا في العادة.كنت في الخامس اﻻبتدائي حينما صمت للمرة اﻷولى في حياتي. كنت أعيش مع عمي (المتدين جدا) وكان يعيّرني - بالرغم من صغر سني ــ بهزالة جسدي وعدم قدرتي على الصوم مقارنة بفتية آخرين في سني. صمت ذلك اليوم ﻷثبت عكس ذلك. ﻻ أتذكر الكثير من التفاصيل سوى أني في الساعة الثالثة عصرا تقيأت شيئا أصفراً، فهمت ﻻحقا أن السبب هو خواء المعدة والجوع. وحينما سألني عمي في اليوم الثاني إن كنت سأصوم، أجبته ببراءة بأني سأصوم حتى الظهر وأفطر، ثم أصوم اليوم التالي من الظهر إلى المغرب. ضحك كثيرا، فسألته إن كان بإمكانه ارتداء ثوب والدي ــ الذي هو أكثر طوﻻ منه - فقال ﻻ. فقلت له إذا فعليك أن «تقصر» الثياب اﻷطول من مقاسك إن أردت لبسها، وكذلك هي محاولتي للصوم، عليّ تقصيرها بما يﻼئم مقاس جسدي/سني. بطبيعة الحال لم يكن يروق لعمي مثل هذا الطرح الذي اعتقدته ردا مفحما ومنطقيا وقضيت الليلة الفائتة في حبكه وملء ثغراته.تتكاثر دعوات اﻹفطار في رمضان بشكل ﻻ يصدق، إذ ان عليّ يوميا اﻻعتذار على اﻷقل عن ثﻼث دعوات صادقة لﻺفطار، ﻻستجيب لرابعة. بالمقابل، ﻻ أحد يدعوك أبدا إلى السحور، الذي يعد أساسيا وأكثر أهمية من اﻹفطار، إذا ما فكرنا بالساعات الطويلة التي ستضطر بعدها لﻼمتناع عن الطعام. واﻷمر عائد للثقافة الدينية التي تعطي ما يوازي أجر الصائم لمن منحه إفطارا ولو لم يتعد ذلك حبة تمر واحدة. وﻷن اﻹفطار يوازي وجبة الغداء الرئيسية في اﻷيام العادية، والتي عادة ما يدعو الناس بعضهم بعضا إليها في اليمن، وﻻ يتﻼقون على العشاء كما في بلدان أخرى.على إحدى مآدب إفطار هذا العام، ونحن بانتظار أذان المغرب، لم انتبه كثيرا إلى أن الجو المحيط كان مؤلفاً من إسﻼميين غليظين، ليقول أحدهم ونحن نحمل بأيدينا التمرات وننصت السمع ﻷقرب مأذنة يطل منها صوت المؤذن (وهو أجمل صوت بإمكانك سماعه في صنعاء خﻼل رمضان) بلهجة مبتورة: «ادعوا لسوريا»! سألت بخبث «لمن بسوريا؟ للجيش السوري الحر أم لجيش النظام؟». تصوبت نحوي جميع العيون على المائدة. أدركت كم كان تعليقي في المكان الخطأ فصوبت الوضع بخشوع: «اللهم انصر سوريا»، بدون تفاصيل أخرى غير الشعور بحجم خوف الغرباء مثلي من أقرانهم ذوي الرؤى التي ﻻ تقبل النقاش، وﻻ تغفر عثرات اللسان التي حصلت على نصيب اﻷسد من اﻷمثال في التراث العربي. وجدتني حينها إنسانا آخر يشفق على التمرات الصامتة من تحديق الجائعين قبل التهامها المبارك: ماذا لو تحولتُ تمرة اللحظة؟!في رمضان في اليمن أشياء كثيرة، قليل منها له عﻼقة بسلوكيات وروحانيات الصيام. وهو كالعادة له عﻼقة بالسياسة واﻻصطفاف الطائفي اﻷكثر حضورا، وبقمع الجائعين قسرا طوال العام. الفقراء ﻻ شك أقل شراسة في التصارع على متاحات الحياة، وأكثر توافقا مع الصيام بطبيعة الحال، فهم أصدقاء الجوع الحصريين بشكل قهري طوال 11 شهرا. أما رمضان فجوعه عبادة.رمضان في قريتي هو اﻷكثر قربا من الذات، واﻷحب إلى السماء. أما رمضان صنعاء، أو أي جغرافيا أخرى من اﻷرض فﻼ أفهمه جيدا، وﻻ ألمس حميميته تلك المرتبطة بشفق التل الغربي وهو يزف آخر رمق ﻷشعة الشمس نحو تهامة البحر اﻷحمر. بينما أسمع صوت المقرئ من إذاعة صنعاء، وأراقب والدتي وهي تعد اللحوح لوجبة الشفوت اﻷقرب إلى دفء اﻷسرة، واﻷخف على معدة خاوية.صﻼة التراويح في مساجد القرية طقس اجتماعي ساحر، ﻻ سياسة فيه وﻻ طوائف، وﻻ حتى نفاق التمظهر بالخشوع كما يحدث في المدن العارية من الروح، المزركشة باﻻدعاء. اﻹسﻼم في اليمن قروي بامتياز، كرمضان.
vlqhk hgrvdm td hgdlk hrvf ggslhx |
| |