منتدى الآصالةوالتاريخ حريب بيحان
ينتهي : 30-04-2025
عدد مرات النقر : 1,275
عدد  مرات الظهور : 28,900,716

عدد مرات النقر : 4,121
عدد  مرات الظهور : 72,921,073
عدد  مرات الظهور : 68,637,042
قناة حريب بيحان " يوتيوب "
عدد مرات النقر : 2,301
عدد  مرات الظهور : 72,921,875مركز تحميل منتديات حريب بيحان
ينتهي : 19-12-2025
عدد مرات النقر : 3,940
عدد  مرات الظهور : 69,137,802
آخر 10 مشاركات
عيدكم مبارك ،، (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 1 - المشاهدات : 73 - الوقت: 08:45 AM - التاريخ: 04-10-2024)           »          تحدي المليوووون رد ،، (الكاتـب : - المشاركات : 2049 - المشاهدات : 122917 - الوقت: 05:27 PM - التاريخ: 04-08-2024)           »          ماذا ستكتب على جدران (منتديات حريب بيحان) (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 3179 - المشاهدات : 231946 - الوقت: 05:26 PM - التاريخ: 04-08-2024)           »          تعزية للاخ يمني بوفاة اخيه (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 5 - المشاهدات : 88 - الوقت: 05:53 AM - التاريخ: 04-05-2024)           »          صـبـــاحكم سكــر // مســـاؤكم ورد معطر (الكاتـب : - المشاركات : 2382 - المشاهدات : 168362 - الوقت: 10:22 AM - التاريخ: 04-01-2024)           »          ورد يومي صفحه من القرآن الكريم (الكاتـب : - المشاركات : 93 - المشاهدات : 941 - الوقت: 06:53 AM - التاريخ: 03-23-2024)           »          شهرمبارك كل عام وأنتم بخير (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 3 - المشاهدات : 68 - الوقت: 04:06 AM - التاريخ: 03-18-2024)           »          تدمير دبابة ميركافا الإسرائيلية (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 2 - المشاهدات : 133 - الوقت: 06:53 AM - التاريخ: 03-17-2024)           »          قراءة في سورة البقرة (الكاتـب : - المشاركات : 0 - المشاهدات : 52 - الوقت: 06:45 AM - التاريخ: 03-17-2024)           »          بقايا الذكريات (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 18 - المشاهدات : 517 - الوقت: 06:13 AM - التاريخ: 03-10-2024)


الإهداءات



الاسلام ديننا و حياتنا واحة إسلامية لحصد الحسنات وتكفير السيئات


مرجع الفقة الميسر كل ماتحب معرفتة عن عبادتك ؟؟؟

واحة إسلامية لحصد الحسنات وتكفير السيئات


مرجع الفقة الميسر كل ماتحب معرفتة عن عبادتك ؟؟؟

بسم الله الرحمن الرحيم كتــاب الطّهــارة تعريف الطّهارة: رفعُ الحدَثِ، وزوالُ الخبثِ. والمراد بالحدثِ: الوصفُ القائمُ بالبدنِ المانعِ من الصّلاةِ وغيرها، وبالخبثِ: النّجاسةُ.

الرد على الموضوع
 
LinkBack خيارات الموضوع
قديم 08-26-2013, 06:55 PM   #1


الصورة الشخصية لـ حسين دحه
حسين دحه غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 74
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 10-09-2022 (11:14 AM)
 المشاركات : 1,022 [ + ]
 تقييم العضوية :  40
 مشاهدة أوسمتي
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 3 مرة في 2 مشاركة
مرجع الفقة الميسر كل ماتحب معرفتة عن عبادتك ؟؟؟




بسم الله الرحمن الرحيم

كتــاب الطّهــارة

تعريف الطّهارة: رفعُ الحدَثِ، وزوالُ الخبثِ.

والمراد بالحدثِ: الوصفُ القائمُ بالبدنِ المانعِ من الصّلاةِ وغيرها، وبالخبثِ: النّجاسةُ.

[بــابُ الميــاهِ]


أقسامُ المياهِ: أقسام الماء ثلاثةٌ:


أحدُها: الطَّهور:

وهو الماءُ المطلقُ الباقيّ على خلقته التي خُلق عليها؛ سواء نبع من الأرض، أو نزل من السماء على أي لون كان. وهو طاهرٌ في نفسه مطهّرٌ لغيره؛ فيرفع الحدَث، ويزيل الخبَث؛ لقوله تعالى : ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال: 11]. وقال صلى الله عليه وسلم : «اللهمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَ بالمَاءِ، والثَّلْجِ، والبَرَدِ» [متفق عليه]، وقال صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر: «هو الطَّهورُ ماؤُهُ، الحِلُّ ميتتُهُ» [رواه الخمسة: أحمد، وأبو داود، والترمذيّ، والنّسائي، وابن ماجه[.​

أنواعُــه: وهو أربعة أنواع:
1- ماءٌ يحرمُ استعمالُه، ولا يرفعُ الحدثَ، ويزيلُ الخبثَ: وهو ما ليس مباحاً؛ كمغصوب ونحوه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ؛ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا» [متّفق عليه[.

2- ماءٌ يرفعُ حدثَ الأُنْثى لا الرّجلَ البالغَ والخُنْثى: وهو ما خلت به المرأةُ المكلّفة لطهارةٍ كاملةٍ عن حدثٍ؛ لحديث الحكم بن عمرو الغفاري رضي الله عنه : «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يتوضّأ الرّجلُ بفضلِ طهورِ المرأةِ» [رواه الخمسة]. وقول عبد الله بن سَرْجَس رضي الله عنه : «توضأ أنت ها هنا وهي هاهنا؛ فأما إذا خلت به فلا تقربنّه» [رواه الأثرم[.

3- ماءٌ يكرهُ استعمالُه مع عدمِ الاحتياجِ إليه: وهو يرفع الحدث، ويزيل الخبث.

وذلك كماءِ بئرٍ بمقبرة، وماءٍ اشتدَّ حرُّه أو بردُه؛ لأنّه يُؤذي ويمنع كمال الطهارة، أو سُخّن بنجاسةٍ أو بمغصوبٍ؛ لأنّه لا يسلم غالباً من صعود أجزاءٍ لطيفةٍ إليه، وفي الحديث: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» [رواه الترمذي، والنّسائي، وقال التّرمذيّ: حديث حسن صحيح]، أو استُعمل في طهارةٍ لم تجبْ كتجديدِ الوضوءِ وغُسلِ الجمعةِ، أو تغيّر بملح مائيّ كالملح البحري؛ لأنّه منعقدٌ من الماء، أو بما لا يُمازجه كتغيّره بالكافور والدُّهن على اختلاف أنواعه؛ لأنّه تغيّر بمجاور، لا يمازج الماء، وكراهته خروجا من الخلاف. وفي معناه ما تغيّر بالقَطِران والزَّفْتِ والشَّمْعِ؛ لأنّ فيه دُهنيةً يتغيّر بها الماءُ.

ولا يكره ماء زمزم إلا في إزالة الخبَثِ؛ تعظيماً له.

4- ماءٌ لا يكرهُ استعماُله: كماء البحر، والآبار، والعيون، والأنهار؛ لحديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: قيل : يا رسول الله أنتوضأ من بئر بُضاعة وهي بئر يلقى فيها الحِيضُ ولحومُ الكلابِ والنَّتَن؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «الماءُ طَهورٌ لا ينجّسه شيءٌ» [رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن[.

ولا يُكره ماءُ الحمّام-مكان الاستحمام-؛ لأنّ الصحابة رضي الله عنهم دخلوا الحمّام ورخّصوا فيه؛ فعن عمر رضي الله عنه: أنّه كان يُسخّن له ماءٌ في قُمْقُم فيغتسل به. [الدارقطني، وصحّحه[.

ولا يُكره المسخّنُ بالشّمس؛ لعدم صحّة الحديث الذي ينهى عن ذلك، وأنّه يورث البرص.

ولا يُكره الماءُ المتغيّر بطول المكث -وهو الآجن-، وما تغيّر في آنية الأُدْم والنُّحاس؛ لأنّ الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسافرون وغالب أسقيتهم الأدم وهي تغير أوصاف الماء عادةً، ولم يكونوا يتيمّمون معها.

وكذلك ما يتغيّر بالرائحة من ميتة ونحوها، أو بما يَشُقُّ صونُ الماء منه؛ كالطُّحلب وورق شجر -ما لم يوضعا-، وكذلك ما تغيّر بمروره على كبريتٍ ونحوه، وما تلقيه الرِّيح والسُّيول في الماء من الحشيش والتِّبن ونحوهما؛ لأنّه لا يمكن صون الماء عنه.


الثاني: الطّاهرُ غيرُ المطهر.
ويجوز استعمالُه في غيرِ رفعِ الحدث وإزالةِ الخبث، ونحوِهما، وهو: ما تغيّر كثيرٌ من لونه أو طعمه أو ريحه بشيء طاهر غيّر اسمه حتّى صار صِبغاً أو خلًّا أو طُبخ فيه فصار مرقاً فيسلبه الطَّهورية؛ لأنّه أزال عنه اسم الماء فأشبه الخلّ.
فإن زال تغيُّرُه بنفسه عاد إلى طهوريّته.
ومن الطّاهر: ما كان قليلاً واستعمل في رفع حدث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صَبَّ على جابر من وضوئه [متّفق عليه]، ولكنّه غير مطهر؛ لأنّه أزال مانعاً من الصّلاة؛ فأشبه ما لو أزيلت به نجاسة.
ومنه: الماءُ القليلُ الذي انغمست فيه كلُّ يد المسلمِ المكلَّفِ النَّائمِ ليلاً نوماً ينقضُ الوضوءَ قبل غسلها ثلاثَ مراتٍ بنيّة وتسمية عند أوّل الغسل، وذلك واجب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثا فإنّ أحدكم لا يدري أين باتت يدُه» [متّفق عليه[.


الثالث: النّجس:
يحرمُ استعمالُه إلا لضّرورةِ -كعطشٍ أو دفع لقمة غصّ بها-، ولا يرفعُ الحدثَ، ولا يُزيلُ الخبثَ، وهو: ما وقعت فيه نجاسةٌ وهو قليلٌ، أو كان كثيراً وتغيّر بها أحدُ أوصافِه: طعمه أو لونه أو ريحه؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهـما قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من الدواب والسِّباع فقال صلى الله عليه وسلم : «إِذَا كَانَ المَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الخَبَثَ» [رواه الخمسة، واللّفظ للأربعة دون ابن ماجه، و الحديث صحّحه أحمد وغيره]. وفي لفظ ابن ماجه وأحمد: «لم ينجّسْه شيءٌ» يدلُّ على أنّ ما لم يبلغهما ينجس.

وما تغيّر أحدُ أوصافِه بنجاسة: نجسٌ إجماعاً.
فإن زال تغيّره بنفسِه، أو بإضافةِ طهورٍ إليه، أو بنزحٍ منه ويبقى بعده كثير: عاد إلى طهوريّته. والكثير: قلّتان، واليسير: ما دونهما.
وهما: خمسُمائةِ رطلٍ بالعراقيّ تقريباً، وثمانون رطلاً، وسُبُعان ونصفُ سبعِ رطلٍ بالقدسيّ، ومساحتهما: ذراعٌ وربْعٌ طولاً وعرضاً وعمقاً.
والقلتان تسعان خمسَ قربٍ تقريباً، وذلك يساوي بالتقريب: (160.5 لتراً).
فإذا كان الماء الطَّهور كثيراً ولم يتغيّر بالنّجاسةِ؛ فهو طهورٌ، ولو مع بقائها فيه؛ لحديث بئر بضاعة السابق.
وإن شكّ الشخص في كثرة الماء الذي وقعت فيه نجاسةٌ ولم تغيّره؛ فهو نَجِس .
وإن اشتبه الماءُ الذي تجوز به الطّهارة بماء لا تجوز به الطهارة: لم يَتَحرَّ فيهما، ويجتنبهما جميعاً، ويتيمّم بلا إراقة للماء؛ لأنّه اشتبه المباحُ بالمحظور فيما لا تبيحه الضرورة؛ فلم يجز التحرّي كما لو كان النجسُ بولاً، أو اشتبهت أختُه بأجنبيات.
ويلزمُ من علم بنجاسةِ شيءٍ من الماء أو غيره إعلامُ من أراد أن يستعمله في طهارةٍ، أو شربٍ، أو غيرهما؛ لحديث: «الدِّينُ النَّصِيحةُ» [رواه مسلم].


بــاب الآنيــة

1- تعريفُ الآنيةِ:
الآنيةُ لغةً وعرفاً: الأوعيةُ، جمعُ إناءٍ ووعاءٍ؛ كسقاءٍ وأسقيةٍ.

والوعاءُ: كلُّ ظرفٍ يمكنُ أن يستوعب غيره.


2- أحكامُ الآنيةِ:
- يُباح اتّخاذُ كلِّ إناءٍ طاهرٍ، واستعمالُه ولو ثميناً؛ لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم «اغتسل من جَفْنة-قَصْعَة-» [رواه أبو داود، والترمذي، وصحّحه]، و«توضّأ من تَوْر-قَدَح- من صُفْر-نُحاس-» [رواه البخاري]، و«من قِرْبة» [متّفق عليه].

- ويستثنى من هذا آنيةُ الذَّهبِ والفضّةِ والمموَّهِ بهما؛ لما روى حذيفة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: »لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صِحافِها؛ فإنّها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة« ]متفق عليه[. وقال صلى الله عليه وسلم قال: »الذي يأكلُ أو يشربُ في آنيةِ الفِضّةِ والذَّهبِ إنّما يُجَرجرُ في بطنِه نارَ جهنّم] «رواه مسلم[

- ويستوي في النّهي عن ذلك الرّجال والنّساء لعموم الخبر.

- ومع تحريمها تصحُّ الطهارةُ بها، وبالإناءِ المغصوبِ؛ لأنّ الوضوءَ جريانُ الماءِ على العضو؛ فليس بمعصيةٍ، إنّما المعصيةُ استعمالُ الإناءِ

- ويُباح استعمالُ الإناءِ إذا ضُبِّب بضبّةٍ يسيرةٍ من الفِضّة لغير زينةٍ؛ لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه : أنّ قَدَح النّبيّ صلى الله عليه وسلم انكسر؛ فاتخذ مكان الشَّعْب-يعني: الشَّقَّ- سلسلة من فضّة. [رواه البخاري].





3- حكمُ آنيةِ غير المسلمين وثيابِهم:

- آنيةُ غيرِ المسلمين وثيابُهم طاهرةٌ؛ لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أفرغ من مَزادَة امرأةٍ مشركةٍ ماءً؛ فسقى النّاسَ وأعطى رجلاً أصابته جنابةٌ ماءً ليغتسل به. [رواه البخاري].

- ومن يستحلّ المَيْتاتِ والنَّجاساتِ منهم فما استعملوه من آنيتِهم فهو نجسٌ؛ لما روى أبو ثعلبة الخُشَنيّ رضي الله عنه قال: «قلت : يا رسول الله ! إنّا بأرض قوم أهل كتاب؛ أفنأكل في آنيتهم؟ قال: إِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَ آنِيَتِهِمْ فَلا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا ثُمَّ كُلُوا فِيهَا» [متفق عليه]. وما نسجوه أو صبغوه فهو طاهر.

- ​ولا ينجسُ شيءٌ بالشكِّ ما لم تعلم نجاستُه يقيناً؛ لأنّ الأصلَ الطّهارةُ.



4- حكمُ أجزاءِ الميْتةِ:​

- عَظمُ الميتةِ، وقَرنُها، وظُفْرُها، وحافِرُها، وعَصَبُها، وجِلْدُها: نجسٌ، ولا يطهرُ بالدِّباغ؛ لقوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة: 3]، والجلدُ جزءٌ منها. ولما روى عبد الله بن عُكيم قال: «قُرىء علينا كتابُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في أرضِ جُهَينةَ وأنا غلام شاب: ألا تنتفعُوا من الميتةِ بإهابٍ ولا عصبٍ» [رواه الخمسة، وحسّنه الترمذيُّ، وضعّفه غيرُه].

- والشَّعْرُ، والصُّوفُ، والرِّيشُ طاهرٌ إذا كان من ميتةٍ طاهرةٍ في الحياةٍ، ولو غير مأكولةٍ كالهرِّ والفأرِ؛ قال تعالى: ﴿وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ﴾ [النّحل: 80]، والريشُ مَقيسٌ على المنصوص عليه.



5- تغطيةُ الآنيةِ:​
يُسَنُّ تغطيةُ الآنيةِ، وإيكاءُ-ربطُ- الأَسْقِيةِ؛ لحديث جابر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: »إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ - أَوْ أَمْسَيْتُمْ - فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ...وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّـه، وَلَوْ أَنْ تَعْرِضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا] «متفق عليه]. خمروا: أي غطّوا..​​​​

باب الاستنجاء وآداب التخلي
1- تعريف الاستنجاء :
الاستنجاء: إزالة ما خرج من السبيلين بماء طَهُور أو حَجَر طاهر مباح منقٍ.

والإنقاء بالماء معناه: أن يعود المكان طاهراً كما كان .

أما الإنقاء بالحجر فمعناه: أن يزيل الحجر النجاسة وبَلَّتها بحيث يخرج آخر حجر نقيًّا ولا يبقى بعده إلا أثر لا يزيله إلا الماء.


2- حكم الاستنجاء :
الاستنجاء واجب لكل ما خرج من السبيلين ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة رضي الله عنها: (إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إِلَى الغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلاثَةِ أَحْجَارٍ يَسْتَطِيبُ بِهِنَّ, فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ) [رواه أبو داود بإسناد صحيح]. ولقوله صلى الله عليه وسلم في المذي: (يَغْسِلْ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ) [رواه البخاري ومسلم] .

إلا إذا كان الخارج طاهراً كالمني والريح ، فلا يجب الاستنجاء
3- آداب الاستنجاء :
- يجزئ في الاستنجاء الماء وحده ، أو الحجر وحده ، وكذا ما كان في معنى الحجر من كل جامد طاهر مزيل للنجاسة , كالخشب والخِرَق (القماش) وما في معناهما ؛ لحديث أنس رضي الله عنه : (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُ الخَلاءَ فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلامٌ نَحْوِي إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةً ، فَيَسْتَنْجِي بِالمَاءِ) [رواه البخاري ومسلم]

- ولحديث عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إِلَى الغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلاثَةِ أَحْجَارٍ يَسْتَطِيبُ بِهِنَّ, فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ) [رواه أبو داود بسند صحيح] .

- والماء أفضل ؛ لأنه أبلغ في التنظيف ويطهر المحل , وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي أَهْلِ قُبَاءٍ ﴿ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ﴾ [التوبة 107] ، قَالَ : كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالمَاءِ ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الآيَةُ) [رواه أبوداود بسند صحيح] .

- لا يجوز ولا يجزئ الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار ؛ لحديث سلمان رضي الله عنه قال : (نَهَانَا -النبي صلى الله عليه وسلم- ... أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ) [رواه مسلم] .

- يكره الاستنجاء باليمين؛ لحديث سلمان السابق ، وفيه : (نهانا - النبي صلى الله عليه وسلم - ... أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِاليَمِينِ ...) .

- يكره استقبال القبلة واستدبارها حال الاستنجاء ؛ تعظيماً لها .

- يحرم الاستنجاء بالروث - وهو النجس - ، والعظم ، والطعام ؛ سواءً أكان طعاماً للآدمي أم للبهائم ؛ لحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تَسْتَنْجُوا بِالرَّوْثِ وَلا بِالْعِظَامِ ؛ فَإِنَّهُ زَادُ إِخْوَانِكُمْ مِنَ الجِنِّ ) [رواه الترمذي والنسائي بإسناد صحيح] . وتعليل النهي بكونه زاداً للجن تنبيه على أن طعام الإنسان وطعام دوابهم أولى بالنهي ؛ لأنه أعظم حُرمةً .

فإن فعل واستنجى بهذه الأشياء لم يجزئه بعد ذلك إلا الماء , وكذا إذا تعدى الخارج من السبيلين الموضع المعتاد ,لم يجزئه إلا الماء​.

فصـل [في آداب التخلي]

4- ما يسن لدخول الخلاء : يسن لداخل الخلاء ما يلي :
أ‌- - البعد والاستتار عن الناس لاسيما عند الغائط ؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ البَرَازَ انْطَلَقَ حَتَّى لا يَرَاهُ أَحَدُ) [رواه أبو داود بسند صحيح] . والبراز : مكان قضاء الحاجة .

ب‌- - التَّسمية والاستعاذة عند الدخول إلى الكنيف (دورة المياه), وعند تشمير الثياب حال قضاء الحاجة في الفضاء ؛ لحديث علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (سَتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُهُمُ الخَلاءَ أَنْ يَقُولَ : بِسْمِ اللهِ) [رواه الترمذي وابن ماجه بإسناد صحيح] .

ولحديث أنس رضي الله عنه قال : (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الخَلاءَ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبْثِ وَالخَبَائِثِ) [رواه البخاري ومسلم] . والخبث: بضم الباء جمع خبيث، والخبائث: جمع خبيثة، والمراد : ذكران الشياطين وإناثهم.

ج‌- - تقديم رجله اليسرى في الدخول، واليمنى في الخروج ؛ لأن اليمين تُقدَّم إلى الأماكن الطيبة ، واليسار لضدِّها , ثم يقول : غفرانك ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها ) أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الخَلاءِ قَالَ: غُفْرَانَكَ} (رواه الترمذي وأبو داود بإسناد صحيح{.

د‌- - أن لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض ؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما (أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ حَاجَةً لاَ يَرْفَعُ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الأَرْضِ) [رواه أبو داود والبيهقي بإسناد صحيح].



5- ما يكره حال التخلِّي : يكره حال التخلي ما يلي :
أ‌- استقبال الشمس والقمر ؛ تكريماً لهما .

ب‌- البول في مهب الريح ؛ لئلا يرتد عليه فيتنجس بدنه أو ثيابه.

ج- الكلام مطلقاً، إلا لما لابد منه كإرشاد أعمى يخشى عليه من التردِّي ؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما ( أَنَّ رَجُلاً مَرَّ وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَبُولُ فَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْه) [رواه مسلم] .

د- البول في الجحور والثقوب ؛ لحديث قتادة عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه قال: (نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُبَالَ فِي الجُحْرِ) . قَالُوا لِقَتَادَةَ : [مَا يُكْرَهُ مِنَ البَوْلِ فِي الجُحْرِ؟ قَالَ: إِنَّهَا مَسَاكِنُ الجِنِّ) [رواه أحمد وأبو داود وصححه ابن خزيمة).

ه- ويكره البول في نار أو في رمادٍ ؛ لأنه يورث السَّقم .

و- أن يدخل الخلاء بشيء فيه ذِكْرُ لله تعالى إلا لحاجة ؛ لأن في ذلك إكراماً وإجلالاً لاسمه جلَّ وعَلا , وقد قال الله عز وجل: ﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ ﴾ [الحج 35].

- ولا يكره له البول قائماً ؛ لحديث حذيفة رضي الله عنه (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَى سُبَاطَةِ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِماً) [رواه البخاري ومسلم] . والسُّباطة بالضم: المكان الذي يلقى فيه التراب والقمامة.​



6- ما يحرم حال التخلي : يحرم حال التخلي ما يلي :
أ- استقبال القبلة واستدبارها، في الصحراء بلا حائل؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ عَلَى حَاجَتِهِ فَلا يَسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ وَلا يَسْتَدْبِرْهَا) [رواه مسلم] .

أما إذا كان يستتر بسُترة , أو كان في البنيان أو في المرحاض ، فيباح له ذلك ؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : (ارْتَقَيْتُ فَوْقَ بَيْتِ حَفْصَةَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ (رواه البخاري ومسلم.

وعن مروان الأصغر قال: (رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ، ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ إِلَيْهَا . فَقُلْتُ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ! أَلَيْسَ قَدْ نُهِىَ عَنْ هَذَا ؟ قَالَ : بَلَى ؛ إِنَّمَا نُهِىَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضَاءِ ، فَإِذَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُكَ فَلاَ بَأْسَ) [رواه أبو داود بإسناد حسن] .

ب- البول أو التغوط في طريق الناس ، أو في مكان يستظلون به ، أو في مورد ماءٍ ، أو تحت شجرة مثمرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتَّقُوا المَلاعِنَ الثَّلاثَ: البَرَازَ فِي المَوَارِدِ , وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ , وَالظِّلَّ) [رواه أبو داود وابن ماجه بإسناد حسن] ، ولئلا يتنجس ما سقط من الشجرة المثمرة .

والملاعن : أي ما يجلب لعنة الناس .

ج- البول أو التغوط بين قبور المسلمين ؛ لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (...وَمَا أُبَالِي أَوَسْطَ القُبُوِرِ قَضَيْتُ حَاجَتِي أَوْ وَسْطَ السُّوقِ ) [رواه ابن ماجه بإسناد صحيح] .

د- البول في المُسْتَحَم، أو في الماء الراكد ؛ لحديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ) [رواه أحمد وأصحاب السنن وإسناده صحيح[.

وعن جابر رضي الله عنه (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي المَاءِ الرَّاكِدِ) [رواه مسلم] .

هـ- المكث أكثر من قدر الحاجة ؛ لأنه كشف للعورة بلا حاجة .

باب السواك​​

1- السِّواك: بكسر السين؛ اسم للعود المأخوذ من شجر الآراك، ويستعمل لتطهير الفم وتنظيفه.
2- ويسن استعماله مطلقاً في كل وقت؛ لحديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (السواك مطهرة للفم ، مرضاة للرب) [أحمد والنسائي، بإسناد صحيح].
3- وتحصل سُنَّة التسوك بعود الأراك وبغيره مما يحقق نظافة الفم من غير أذى، والآراك أفضل لوروده في السنة.

4- ويتأكد استعمال السواك في مواضع هي:

أ‌- عند الوضوء: لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء) [مالك وأحمد وابن خزيمة، بإسناد صحيح].
ب‌- عند الصلاة: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) [مسلم].
ج‌- - عند الانتباه من النوم: لحديث حذيفة قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك) [البخاري ومسلم].
ح‌- - عند تغير رائحة الفم: لعموم حديث عائشة (السواك مطهرة للفم ، مرضاة للرب) .
هـ- عند قراءة القرآن: لحديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد إذا تسوك وقام يصلي قام الملك خلفه فسمع لقراءته، فيدنو منه حتى يضع فاه على فيه، وما يخرج من فيه شيء إلا صار في جوف الملك، فطهروا أفواهكم للقرآن) [البزار، بإسناد جيد].
و- عند دخول المنزل: لما روى شريح بن هانئ قال: (سألت عائشة رضي الله عنها: بأي شيء كان يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك) [مسلم].

5- ويجوز أن يتسوك بالعود الواحد اثنان فأكثر؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: (لما دخل عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما على النبي - صلى الله عليه وسلم - ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به فأبدَّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببصره (يعني نظر إليه) وأطال النظر إليه, قالت عائشة رضي الله عنها: فعرفت أنه يريده فأخذته ثم قضمته ثم طيَّبته فدفعته للنبي - صلى الله عليه وسلم - فاستن به فما رأيت استناناً أحسن منه) [البخاري].

* وسنة استعمال السواك لا تقتصر على تنظيف الأسنان فقط، بل تشمل كل ما في الفم مما يحتاج إلى التنظيف كاللسان؛ لما روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قالمرجع الفقة الميسر ماتحب معرفتة smile.gif أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فوجدته يستن بسواك بيده يقول: أع أع ، والسواك في فيه كأنه يتهوع( ]البخاري ومسلم[.

فصل [في سنن الفطرة]

1- المقصود بسنن الفطرة: تلك الأعمال التي من فعلها والتزم بها فقد اتصف بالفطرة التي خلق الله تعالى الناس عليها، وهي من سنن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، قال تعالى: ﴿فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله﴾ .
2- وقد وردت السنة النبوية ببيان هذه السنن، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (الفطرة خمس ، أو خمس من الفطرة : الختان ، والاستحداد ، ونتف الإبط ، وتقليم الأظفار ، وقص الشارب) [البخاري ومسلم] .
عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عشر من الفطرة : قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، والاستنشاق بالماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء)، قال زكرياء: قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة [مسلم].
3- وسنن الفطرة هي :

أ‌- - الاستحداد: وهو إزالة الشعر النابت حول قُبُل الرجل والمرأة بالحلق أو النتف أو استعمال مزيل.
ب‌- نتف الإبط: وهو إزالة الشعر النابت في باطن المنكب بالنتف أو الحلق أو استعمال مزيل.
ج‌- - تقليم الأظفار: وذلك بقطع ما زاد عن اللحم في أطراف أصابع اليدين أو الرجلين.
هـ قص الشارب: وهو الشعر النابت فوق الشفة العليا. والسنة في قص الشارب حفه أي المبالغة في القص دون الحلق.

4- وإزالة هذه الأربعة يكون في مدة لا تتجاوز أربعين يوماً، لحديث أنس بن مالك قال: (وقَّت لنا في قص الشارب وحلق العانة ونتف الإبط وتقليم الأظافر أن لا تترك أكثر من أربعين ليلة) [مسلم].

ه- الختان: وهو في الرجل قطع الجلدة التي فوق رأس الذكر، وفي الأنثى قطع لحمة صغيرة زائدة فوق موضع الفرج كعرف الديك، ولا تستأصل، بل يقطع منها بعضها .

5- والختان واجب في حق الذكر عند البلوغ؛ لأمره صلى الله عليه وسلم من أسلم أن يختتن ]الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات[. أما الأنثى فالصحيح أن الختان في حقها مكرمة؛ لحديث أم عطية رضي الله عنها: أن امرأة كانت تختن بالمدينة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل( ]أبوداود، وهو صحيح بشواهده[.
6- أما وقته : فإنه يستحب في الصغر إلى سن التمييز، ويتعين وجوبه في حق الرجال بعد البلوغ؛ لحديث سعيد بن جبير قال: (سئل ابن عباس رضي الله عنهما: مثل من أنت حين قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال: أنا يومئذ مختون, وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك) [البخاري].

و- إعفاء اللحية: وهو الشعر النابت على الخدين والذقن ، بخلاف ما نبت على العنق فإنه ليس من اللحية.


7- وإعفاء اللحية واجب ويحرم حلقها؛ للأحاديث الآمرة بإعفائها ؛ كحديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: (خالفوا المشركين, أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى) [مسلم]، وفي رواية أخرى: (أرخوا اللحى) [مسلم], وفي رواية: (أوفوا اللحى) [مسلم]، وفي رواية: (وفروا اللحى) [البخاري].

8- ويجوز أخذ ما زاد عن القبضة من اللحية ؛ لما روى مروان بن سالم المقفع قال: (رأيت ابن عمر يقبض على لحيته فيقطع ما زاد على الكف). [أبو داود والنسائي، بإسناد حسن].
وعن أبي زرعة قال: (كان أبو هريرة يقبض على لحيته ثم يأخذ ما فَضُل منها ) [مصنف ابن أبي شيبة، وإسناده صحيح على شرط مسلم] .

ز- التطيب: لحديث أبي أيوب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أربع من سنن المرسلين: التعطر والسواك والنكاح والحياء) [الترمذي وهو ضعيف].
وقد ثبت التطيب عن النبي صلى الله عليه وسلم والحث عليه في أحاديث أخرى من ذلك: (حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة) . [أحمد والنسائي، بإسناد صحيح] .

ح- الاكتحال: وهو وضع الكُحل من إثمد وغيره في العين، أو دلك الأجفان به، سواء أكان للتزين أم للتداوي .

9- والسنة في الاكتحال أن يكون وتراً ، لما روي عن ابن عباس : (كان النبي صلى الله عليه وسلم يكتحل بالإثمد كل ليلة قبل أن ينام ، وكان يكتحل في كل عين ثلاثة أميال) . [أحمد وابن ماجه والترمذي، وحسنه] .​

وعن أنس في صفة اكتحال النبي صلى الله عليه وسلم قال : (كان يكتحل في عينه اليمنى ثلاث مرات واليسرى مرتين) . [ابن سعد ، والطبراني في الكبير، بإسناد صحيح].

ط- النظر في المرآة: لما روي عن عائشة قالت) :خمس لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعهن في حضر ولا سفر : المرآة والمكحلة والمشط والمدرى والسواك] (الطبراني في الأوسط، وإسناده ضعيف .[

بــاب الوضـــوء



أولاً: تعريف الوضوء :


الوضوء في الشرع: هو استعمال ماءٍ طَهُور في الأعضاء الأربعة ، (وهي الوَجْه واليَدان ، والرأس ، والرِّجْلانِ)، على صفة مخصوصة في الشَّرْع ، بأنْ َيأتي بها مُرتَّبةً مُتَواليةً مع باقي الفُروض .



ثانياً: حكم الوضوء :


الوضوء واجب على المُحْدِث إذا أراد الصلاة وما في حكمها؛ كالطواف ومسِّ المصحف؛ قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ..﴾ [المائدة 6], ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَقْبَلُ اللهُ صَلاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ) [رواه البخاري ومسلم] .



ثالثا:ً فضل الوضوء :


جاء في فضل الوضوء كثير من الأحاديث التي تُنبِّه على فضله وعِظَم أَجْرِه ومكانته عند الله عز وجل منها : ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إِذَا تَوَضَّأَ العَبْدُ المُسْلِمُ ( أَوِ الُمؤْمِنُ) فَغَسَلَ وَجْهَهُ ، خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ المَاءِ (أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ) ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ المَاءِ (أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ)، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلاهُ مَعَ المَاءِ (أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ) حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ) [رواه مسلم] .



رابعاً : شروط صحة الوضوء :


وهي ثمانية لابد من توافرها ، وإلا لم يصح الوضوء :

1- انقطاع ما يوجبه قبل ابتدائه؛ فلا يبتدئ الوضوء وهو لا يزال يَتبوَّل أو يَتغوَّط أو يخرج منه مذي ونحو ذلك مما يوجب الوضوء ، بل لابد من انقطاع كل ذلك قبل الوضوء ، وإلا لم يصح .

2, 3, 4 - الإسلام، والعقل، والتمييز؛ فلا يصح من الكافر، ولا المجنون، ولا يكون معتبراً من الصغير الذي دون سن التَّمييز.

5- النِّيـَّـة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ , وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ...) [رواه البخاري ومسلم]. و المراد بالنية هنا: قصد رفع الحدث ، أو قصد ما تجب له الطهارة ؛ كالصلاة والطواف ومَسِّ المصحف ، أو قصد ما تُسن له الطهارة؛ كقراءة له الطهارة؛ كقراءة القرآن وذكر الله عز وجل ، والآذان ، والنوم ، ورفع الشك في الوضوء، ورفع الغضب، والجلوس بالمسجد ، وتدريس العلم ، والأكل , فمتى نوى شيئاً من ذلك ارتفع حدثه .

- ولا يضرُّ سبق لسانه بغير ما نوى ؛ لأن محل النية القلب .

- ولا يضرُّ أيضاً شَكُّه في النية بعد الوضوء, أما إن شك في النية أثناء الوضوء فعليه أن ينوي ويتوضأ من جديد ؛ ليأتي بالعبادة بيقين ، ما لم يكثر الشك فيصير كالوسواس، فحينئذٍ لا يلتفت إليه .

6- الماء الطهور المباح ؛ فالماء النجس لا يصح الوضوء به, وكذا الماء المغصوب ، أو الذي تحصَّل عليه بغير طريق شرعي لا يصح الوضوء به أيضاً ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) [رواه مسلم] .

7- أن يسبقه استنجاء أو استجمار؛ وذلك في حق من لزمه الاستنجاء أو الاستجمار لخروج شيء منه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المقداد بن الأسود : (يَغْسِلْ ذَكَرَهُ , ثُمَّ لِيَتَوَضَّأْ) [رواه النسائي بإسناد صحيح].

أما إذا لم يخرج منه شيء , أو كان الخارج طاهراً كالمني أو الريح ، فلا يلزمه الاستنجاء قبل الوضوء؛ لأن الاستنجاء إنما شُرِعَ لإزالة النجاسة ولا نجاسة هنا .

8- إزالة ما يمنع وصول الماء إلى الجلد؛ فلا بد للمتوضئ أن يزيل ما على أعضاء الوضوء من طين، أو عجين ، أو شمع ، أو وسخ متراكم ، أو أصباغ سميكة؛ ليجري الماء على جلد العضو مباشرة من غير حائل.



خامساً : فروض الوضوء :


وهي ستة لابد من الإتيان بها , وإلا بَطل الوضوء :

1- غسل الوجه بكامله؛ لقوله تعالى: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾[المائدة: 6]، ومنه المضمضة والاستنشاق؛ لأن الفم والأنف من الوجه.

2- غسل اليدين إلى المرفقين؛ لقوله تعالى: ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [المائدة: 6].

3- مسح الرأس كله مع الأذنين؛ لقوله تعالى: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ [المائدة: 6], وقوله صلى الله عليه وسلم: (الأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ) [رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه بسند صحيح]. فلا يُجزئ مسح بعض الرأس دون بعض.

4- غسل الرجلين إلى الكعبين ؛ لقوله تعالى: ﴿وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة: 6].

5- الترتيب؛ لأن الله تعالى ذكر الوضوء مرتباً، وقد توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتباً على حسب ما ذكر الله سبحانه: الوجه، فاليدان، فالرأس، فالرجلان، كما ورد ذلك في صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن زيد الذي رواه الإمام مسلم.

6- المُـوالاة؛ بأن يكون غسل العضو عقب الذي قبله مباشرة بدون تأخير، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ متوالياً كما جاء في صفة وضوئه، ولحديث خالد بن معدان رضي الله عنه: (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلاً يُصَلِّي وَفِي ظَهْرِ قَدَمِهِ لُـمْعَةٌ قَدْرَ الدِّرْهَمِ لَـمْ يُصِبْهَا المَاءُ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعِيدَ الوُضُوءَ) [رواه أحمد بسند صحيح]، فلو لم تكن الموالاة فريضةً لأمره بغسل ما فاته، ولم يأمره بإعادة الوضوء كله.

واللُّمْعَة: الموضع الذي لم يصبه الماء في الوضوء أو الغسل.



سادساً: واجبات الوضوء :


الوضوء له واجب واحد وهو التسمية؛ بأن يقول : (بسم الله)؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صَلاةَ لِمَنْ لا وُضُوءَ لَهُ ، وَلا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ ) [رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه بسند حسن] .

فلو ترك التَّسمية عمداً فوضوؤه غير صحيح , أما إن تركها سهواً فلا شيء عليه ووضوؤه صحيح ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) [رواه ابن حبان وغيره بسند صحيح] , فإن تذكرها في أثناء الوضوء أتى بها وأكمل وضوءه ولا شيء عليه.​



​ سابعاً: سنن الوضوء :
للوضوء سبع عشرة سُنَّة يستحب للمتوضئ أن يفعلها , فإن فعلها أُجر عليها , وإن لم يفعلها فلا شيء عليه ووضوؤه صحيح , وهي :

1- استقبال القبلة؛ وذلك لعموم الأدلة الدالة على استحباب التوجه إلى جهة القبلة في الطاعات ؛ كالدعاء ، وكالإهلال بالعمرة أو الحج .

2- السواك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لامَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ) [رواه أحمد بإسناد صحيح] .

3- غسل الكفين ثلاثاً في أول الوضوء؛ لحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه (أَنَّهُ دَعَا بِإِنَاءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلاثَ مِرَارٍ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْإِنَاءِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا ، وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلاثَ مِرَارٍ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاثَ مِرَارٍ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ، ثُمَّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) [رواه البخاري ومسلم] .

4- البدء بالمضمضة والاستنشاق قبل غسل الوجه؛ لحديث عثمان المتقدم .

5- المبالغة في المضمضة والاستنشاق لغير الصائم؛ لحديث لَقيط بن صَبُرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَسْبِغِ الوُضُوءَ وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابِعِ وَبَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ إِلا أَنْ تَكُونَ صَائِماً) [رواه أبو دواد والترمذي والنسائي وابن ماجه بإسناد صحيح] .

6- المبالغة في غسل سائر الأعضاء مطلقاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: (أَسْبِغِ الوُضُوءَ).

والإسباغ هو الإنقاء؛ لما جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أَنَّهُ كَانَ يَرَى الوُضُوءَ السَّابِغَ , الإِنْقَاءَ) [رواه البخاري معلقاً ، وعبد الرزاق موصولاً].

7- الزيادة في ماء الوجه؛ لما ثبت عن علي رضي الله عنه أنه قال لابن عباس رضي الله عنها: ( أَلا أَتَوَضَّأُ لَكَ وُضُوءَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : بَلَى ؛ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي . قَالَ : فَوُضِعَ لَهُ إِنَاءٌ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدَيْهِ فَصَكَّ بِهِمَا وَجْهَهُ وَأَلْقَمَ إِبْهَامَهُ مَا أَقْبَلَ مِنْ أُذُنَيْهِ ، قَالَ : ثُمَّ عَادَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ ثَلاثًا ، ثُمَّ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ بِيَدِهِ الْيُمْنَى فَأَفْرَغَهَا عَلَى نَاصِيَتِهِ ثُمَّ أَرْسَلَهَا تَسِيلُ عَلَىوَجْهِهِ ..) [رواه أحمد وأبو داود بإسناد حسن] .

8- تخليل اللِّحية الكثيفة؛ لحديث أنس رضي الله عنه (أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدَخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ ، وَقَالَ : هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ) [رواه أبو داود بإسناد صحيح].

9- تخليل أصابع اليدين والرجلين؛ لحديث لقيط بن صبرة المتقدم وفيه: (وَخَلَّلْ بَيْنَ الأَصَابِعِ ..)

10- أخذ ماء جديد للأذنين؛ لما ثبت عن حبَان بن وَاسع الأنصاري أن أباه حدَّثهُ أنَّه سمع عبد الله بن زيد يذكر: (أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ فَأَخَذَ لِأُذُنَيْهِ مَاءً خِلافَ المَاءِ الَّذِي أَخَذَ لِرَأْسِهِ) [رواه البيهقي وقال: إسناده صحيح] .

و عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ إذَا تَوَضَّأَ يَأْخُذُ الْمَاءَ بِإِصْبَعَيْهِ لِأُذُنَيْهِ . رواه مالك في الموطأ .

11- تقديم اليمنى على اليسرى؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ) [رواه البخاري ومسلم] .

12- الزيادة في الغسل على محل الفرض؛ لما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه (تَوَضَّأُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ ، ثُمَّ يَدَهُ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ في السَّاقِ ، ثُمَّ قَالَ : هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ. وَقَالَ : قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : (أَنْتُمُ الْغُرُّ المُحَجَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ فَلْيُطِلْ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ) [رواه مسلم].

13- غسل الأعضاء مرتين أو ثلاثاً؛ فالواجب مرة واحدة، ويستحب مرتين أو ثلاثاً؛ لفعله صلى الله عليه وسلم ، فقد ثبت عنه كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: (تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً مَرَّةً) [رواه البخاري] , وحديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ) [رواه البخاري], وحديث عثمان الذي مَرَّ، وفيه وصف وضوئه صلى الله عليه وسلم وأنه غسل أعضاء الوضوء ثلاثاً إلا الرأس مسحها مرة واحدة . [رواه البخاري] .

14- استصحاب ذكر النية إلى آخر الوضوء؛ لتكون أفعاله مقرونة بالنية .

15- الإتيان بالنية عند غسل الكفين؛ لأنه أول مسنونات الطهارة .

16- الذكر الوارد بعد الوضوء؛ وهو ما جاء في حديث عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ - أَوْ فَيُسْبِغُ - الْوُضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ ، إِلاَّ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ) [رواه مسلم].


17- أن يتولَّى وضوءه بنفسه من غير معاون؛ لما يروى عن علي أنه قال: (رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ الله عَنْهُ يَسْتَقِي مَاءً لِوُضُوئِهِ ، فَقُلْتُ : أَنَا أَكْفِيكَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ. قَالَ: لا إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَسْتَقِي مَاءً لِوُضُوئِهِ مِنْ زَمْزَمَ فَقُلْتُ : أَنَا أَكْفِيكَ يَا رَسُولَ الله . فَقَالَ: (لا أُحِبُّ أَنْ يُعِينَنَي عَلَى وُضُوئِي أَحَدٌ)] رواه ابن حبان في كتاب المجروحين بإسناد ضعيف[.




ثامناً : صفة الوضوء :

صفة الوضوء تكون على النحو التالي :

أن ينوي ، ثم يُسمّي ، ويغسل كَفَّيه ، ثم يتمضمض ويستنشق ، ثم يغسل وجهه من منابت شعر الرأس المعتاد إلى الذقن , ويجب عليه أن يغسل ما تحت لحيته إذا كانت خفيفة بحيث تصف البشرة ، وكذا ما تحت الشارب والعنفقة والحاجبين ونحو ذلك , أما إذا كانت لا تصف البشرة فيجزئه غسل ظاهرها , ثم يغسل يديه مع مرفقيه , ولا يضر وسخ يسير تحت ظفر ونحوه؛ لأنه يسير عادة , فلو كان واجباً لبَيَّنه صلى الله عليه وسلم , ثم يمسح جميع ظاهر رأسه من حد الوجه إلى ما يسمى بالقفا, والبياض فوق الأذنين منه , ويُدخل سبابتيه في صماخ أذنيه ويمسح بإبهاميه ظاهرهما ,ثم يغسل رجليه مع كعبيه؛ وهما العظمان الناتئان في أسفل القدم.​


تاسعاً : نواقض الوضوء :

نواقض الوضوء (وهي الأشياء التي تبطل الوضوء وتفسده ) ثمانية على النحو التالي :

1- الخارج من السبيلين ؛ أي من مخرج البول والغائط، سواء كان الخارج منهما بولاً أو غائطاً أو منيّاً أو مذياً أو دم استحاضة أو ريحاً , قليلاً كان أو كثيراً ؛ لقوله تعالى: ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ ﴾[المائدة6]. وقوله صلى الله عليه وسلم : (لا يَقْبَلُ الله صَلاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ) وقد تقدَّم . وقوله صلى الله عليه وسلم : (وَلَكْنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ) [رواه أحمد بإسناد حسن] ، وقوله صلى الله عليه وسلم فيمن شكَّ هل خرج منه ريح أو لا : (فَلا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتاً أَوْ يَجِدَ رِيحاً) [رواه البخاري ومسلم] .

2- خروج النجاسة من بقية البدن ؛ فإن كان بولاً أو غائطاً نقض مطلقاً ؛ لدخوله في النصوص السابقة، وإن كان غيرهما كالدم والقيء ؛ فإن فحش وكَثُرَ انتقض الوضوء أيضاً ؛ لأن فاطمة بنت أبي حبيش لما جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت له: (إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلا أَطْهُرُ ، أَفَأَدَعُ الصَّلاةَ ؟ قَالَ : لا إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالحَيْضَةِ ...) ثم قال لها : (تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلاةٍ) [رواه الترمذي بإسناد صحيح] .

وعن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدَّرداء رضي الله عنه (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَاءَ فَتَوَضَّأَ ، فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ : صَدَقَ أَنَا صَبَبْتُ لَهُ وُضُوءَهُ) [رواه الترمذي بإسناد صحيح] ، أما إذا كان يسيراً فلا يُتوضأ منه .

3- زوال العقل أو تغطيته بإغماء أو نوم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (العَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ ، فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ) [رواه ابن ماجة وأبوداود بإسناد حسن] . والوكاء : هو الخيط الذي يربط به فم القربة , والسَّه : هو الدبر . والمعنى: أن العينين في يقظتهما بمنزلة الحبل الذي يربط به، فزوال اليقظة كزوال هذا الرباط.

- وأما الجنون والإغماء والسكر ونحوه فينقض إجماعاً.

- والنوم الناقض: هو المستغرق الذي لا يبقى معه إدراك على أي هيئة كان النوم . أما النوم اليسير فإنه لا ينقض الوضوء ؛لحديث قتادة قال : سمعت أنساً َيقول: (كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَنَامُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلاَ يَتَوَضَّؤُونَ) [رواه مسلم].

4- مَسُّ فرج الآدمي باليد لا بالظفر، أو مس حلقة الدُّبر (سواء فرجه أو فرج غيره ) بلا حائل؛ لحديث أبي أيوب وأم حبيبة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ) [رواه ابن ماجه بإسناد صحيح] .

- ولا فرق بين مسِّه لفرجه أو مسِّه لفرج غيره ؛ لأن مسَّ ذكر غيره معصية وأدعى إلى الشهوة وخروج الخارج , ثم إن حاجة الإنسان تدعو إلى مس ذكر نفسه ، فإذا انتقض بمسِّ نفسه فبِمَسِّ ذَكَر غيره أولى , وقد جاء في بعض الروايات عن بسرة بنت صفوان رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال: (وَيَتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ) [رواه أحمد والنسائي بإسناد صحيح] .

- ولا فرق في كل ذلك بين ذكر الصغير والكبير؛ لعموم الرواية السابقة .

- أما مسُّ الخِصْيتين فلا ينتقض به الوضوء ؛ لأن النبيصلى الله عليه وسلم خص الفرج بنقضه للوضوء , فدل ذلك على عدم انتقاض الوضوء بمسِّ غيره .

5- لمس بشرة الذكر الأنثى أو الأنثى الذكر لشهوة من غير حائل , ولو كان الملموس ميتاً أو عجوزاً أو مَحْرَماً ؛ لقوله تعالى : ﴿ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ ﴾[المائدة 6] .

- فإن لمسها من وراء حائل ، أو كان اللمس لشعرها ، أو لسِنِّها ، أو لظفرها ، أو كانت دون سن السابعة, لم ينتقض وضوؤه .

- ولا ينتقض وضوء الممسوس فرجه ، ولا الملموس بدنه ، ولو وجد شهوة ؛ لعدم تناول النص له. وسئل الإمام أحمد عن المرأة إذا مست زوجها ؟ فقال : ما سمعت فيه شيئاً ، ولكن هي شقيقة الرجال أحبُّ إليَّ أن تتوضأ.

6- تغسيل الميت أو بعضه ؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما: (إِذَا غَسَّلْتَ المَيِّتَ فَأَصَابَكَ مِنْهُ أَذًى فَاغْتَسِلْ، وَإِلا إِنَّمَا يَكْفِيكَ الوُضُوءُ) [رواه عبد الرزاق والبيهقي بإسناد ضعيف] .

ولما روي عن عطاء قال: (سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَعَلَى مَنْ غَسَّلَ مَيِّتاً غُسْلٌ؟ قَالَ : لا، قَدْ إِذاً نَجَّسُوا صَاحِبَهُمْ، وَلَكِنْ وُضُوءُ) [رواه عبد الرزاق والبيهقي بإسناد صحيح] .

والغاسل: هو الذي يُقلِّب الميت ويباشره ، لا من يصب الماء ونحوه .

7- أكل لحم الإبل ولو نَيِّئاً ؛ لحديث جابر بن سمرة (أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم : أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ ؟ قَالَ : إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلاَ تَوَضَّأْ . قَالَ: أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ) [رواه مسلم] .

والنقض خاص باللحم فقط ، وما عداه من كبد وقلب وكرش وكلية ولسان وسنام ومرق ، لا ينتقض به الوضوء ؛ لأنها ليست بلحم .

8- الرِّدَّة عن الإسلام ؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ﴾ [المائدة 5] ، وكل ما يوجب الغسل فإنه يوجب الوضوء ، إلا الموت .


عاشراً : ما يحرم على المُحْدِث حَدَثاً أصغر :

يحرم على المحدث حدثاً أصغر (وهو من وجب عليه الوضوء فقط ) ثلاثة أمور هي:

1- الصلاة؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لاَ تُقْبَلُ صَلاَةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ...) [رواه مسلم] .

2- الطواف؛ فرضاً كان أو نفلاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلاةٌ إِلا أَنَّ الله أَحَلَّ فِيهِ المَنْطِقَ ، فَمَنْ نَطَقَ فَلا يَنْطِقُ إِلا بِخَيْرٍ ) [رواه ابن حبان والحاكم بإسناد صحيح] .

3- مس المصحف ببشرته بلا حائل؛ فإن كان بحائل لم يحرم لأن المسَّ يكون حينئذٍ للحائل ، والأصل في ذلك قوله تعالى : ﴿لا يَمَسُّهُ إِلا المُطَهَّرُونَ ﴾[الواقعة 79 ] , ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا يَمَسُّ القُرْآنَ إِلا طَاهِرٌ) [رواه مالك والدار قطني والحاكم وإسناده صحيح] .


الحادي عشر: ما يحرم على المُحْدِثِ حَدَثاً أكبر:

يحرم على المحدث حدثاً أكبر(وهو من وجب عليه الغسل) بالإضافة إلى ما سبق أمران:

1- قِراءة القرآن ؛ لحديث علي رضي الله عنه : (وَلَمْ يَكُنْ يَحْجُبُهُ (أَوْ قَالَ : يَحْجُزُهُ) عَنِ القُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الجَنَابَةَ) [رواه أحمد وأصحاب السنن ، وصححه الترمذي وابن السكن والبغوي ، وضعفه غيرهم] .

2- المُكْثُ في المسجد بلا وضوء ؛ لقوله تعالى : ﴿ وَلا جُنُباً إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ﴾[النساء 43], والسَّبيل: هو الطريق , ولقوله صلى الله عليه وسلم : (لا أُحِلُّ المَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلا جُنُبٍ ) [رواه أبو داود وابن ماجه ، وصححه ابن خزيمة ، وحسَّنه ابن القطان , وضعفه غيرهما] .

- فإن توضأ الجُنب جاز له المكث فيه ؛ لما روي عن عطاء بن يسار قال : (رَأَيْتُ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَجْلِسُونَ فِي المَسْجِدِ وَهُمْ مُجْنِبُونَ إِذَا تَوَضَّؤُوا وَضُوءَ الصَّلاةِ) [رواه أحمد وسعيد بن منصور بإسناد حسن].​

باب مسح الخفين

1- يقصد بمسح الخفين: إمرار اليد المبلولة بالماء على ما يستعمل للرِّجل من خف ونحوه، بنية التطهر تعبداً لله تعالى .
2- ويجوز المسح على كل ما يستر القدمين سواء أكان من جلد أم صوف أم قطن أم كتان ، إذا توفرت فيها الشروط المعتبرة في المسح، وهي :
3- شروط المسح على الخفين:

أ– أن يلبسهما بعد كمال الطهارة بالماء؛ فيتوضأ وضوءاً كاملاً، ثم يلبس الخفين أو الجوربين ونحوهما، فإن انتقض وضوؤه بعد ذلك جاز له المسح؛ لحديث المغيرة بن شعبة قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فتوضأ، فأهويت لأنزع خفيه، فقال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين) [البخاري ومسلم].
ب- سترهما لمحل الفرض، بحيث لا يظهر شيء من القدم مما يجب غسله عند الوضوء؛ لأن حكم ما استتر المسح وحكم ما ظهر الغسل ولا سبيل إلى الجمع فغلب الغسل.
ج- إمكان المشي بهما. لأن الحاجة إلى لبس الخف إنما يقصد بها إمكانية المشي به.
د- ثبوتهما بنفسهما. لأن لفظ الخف إنما ينطبق على الخف المعتاد الذي يثبت بنفسه، وهو الذي وردت الرخصة فيه ، أما ما لا يثبت بنفسه فليس في معنى الخف ، فلا يلحق به .
هـ- إن يكون الخف مباحاً، فلا يصح المسح على خفٍّ مغصوب أو مسروق أو مصنوع من حرير – في حق الرجال-؛ لأن المسح رخصة، والرخص لا تستباح بالمحرمات .
و- أن يكون الخف طاهراً في عينه؛ فلا يكون مصنوعاً من جلد خنزير أو كلب أو ميتة؛ لأن النجس في عينه منهي عنه لذاته. والرخص لا تستباح بالمحرمات.
ز- أن لا يصف البشرة تحته؛ وهو ما يظهر لون الجلد تحته؛ لأنه غير ساتر لمحل الفرض، ولا تدعو الحاجة إليه.

4- مدة المسح:
وقَّت النبي صلى الله عليه وسلم للمقيم أن يمسح يوماً وليلة، وأما المسافر فإنه يمسح ثلاثة أيام بلياليهن؛ ولذلك لما روى علي رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم) [مسلم] .
وعن عوف بن مالك الأشجعي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالمسح على الخفين في غزوة تبوك ثلاثة أيام لياليهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم) [أحمد، بإسناد صحيح] .
أما المسافر سفر معصية فإنه يمسح يوماً وليلة كالمقيم؛ لأن سفر المعصية لا تستباح به الرخص، فجعل هذا السفر كعدمه، واليوم والليلة غير مختصة بالسفر ولا هي من رخصه.

5- ابتداء المسح:
يبدأ وقت المسح من بعد الحدث الذي يطرأ بعد اللبس لا من وقت المسح؛ لحديث صفوان بن عسال قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم) [أحمد والترمذي وصححه] ؛ فمفهومه أنها تنزع لثلاث يمضين من حصول الحدث الذي هو الغائط أو البول أو النوم.

6- إذا مسح المسافر ثم بلغ موضع إقامته، أو مسح المقيم ثم سافر، فيحتسب مدة المسح كالمقيم؛ لأنها عبادة تختلف بالحضر والسفر، وقد وجد أحد طرفيها في الحضر، فغلب فيها حكم الحضر .
وإذا شك الماسح في ابتداء المسح؛ هل مسح وهو مقيم أو وهو مسافر؟ فإنه يمسح مسح مقيم يوماً وليلة؛ لأنه لا يجوز المسح مع الشك في إباحته.

7- موضع المسح:
يكون المسح على ظاهر القدم، أي أعلى الخف دون أسفله أو عقبه، فيضع يده على موضع الأصابع ثم يجرها إلى ساقه خطًّا بأصابعه ماسحاً أكثر القدم؛ لما ثبت عن علي رضي الله عنه قال: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من ظاهره، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح ظاهر خفيه) [أبوداود، بإسناد صحيح].
وعن المغيرة بن شعبة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على خفيه وضع يده اليمنى على خفه الأيمن ويده اليسرى على خفه الأيسر ثم مسح إلى أعلاهما مسحة واحدة حتى كأني أنظر إلى أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخفين) [البيهقي، وهو منقطع؛ الحسن لم يسمع من المغيرة]​

8- نواقض المسح:
ينتقض المسح بعدة أمور:

أ – حصول ما يوجب الغسل؛ كالجنابة والحيض؛ لحديث صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة...) الحديث.
ب- نزع الخف أو انكشاف محل الفرض من القدم؛ وذلك لأن المسح أقيم مقام الغسل، فإذا زال محل المسح وهو الخف بطلت الطهارة .
ج- انقضاء مدة المسح؛ لأن مفهوم أحاديث توقيت المسح تفيد بأنها طهارة مؤقتة تبطل بانتهاء وقتها .

فصل [في المسح على الجبيرة[

1- الجــبيرة: أخشاب ونحوها توضع على الكسر لينجبر. وفي حكمها اللافائف والعصائب التي توضع على الجروح والحروق.
2- ويرخص المسح على الجبيرة لما جاء في حديث جابر في قصة الرجل صاحب الشَّجَّة الذي أصبح جنباً فاغتسل فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده) [أبوداود وابن ماجه، وصححه ابن السكن، والشوكاني] .

3- شروط المسح على الجبيرة:
أ – لا يشترط في المسح على الجبيرة أن يضعها على طهارة. لأن طلب الطهارة حال الإصابة ووضع الجبيرة مما يشق على الناس جداً ولا يمكن توقعه ، ويؤيد ذلك ما جاء في حديث جابر في الذي أصابته الشجة، فإنه قال: (إنما يكفيه أن يعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليها) ولم يذكر الطهارة.
ب- أن لا تتجاوز موضع الحاجة؛ فإن تجاوز موضع الحاجة وتضرر من نزعها تيمم له أيضاً.​

4- صفة المسح على الجبيرة:
يغسل المجبور ما ظهر من العضو الصحيح، ويمسح على الجبيرة بالماء بما يستوعبها كلها ؛ فإن تعذر نزع الجبيرة وجب عليه التيمم لها مع الغسل؛ لما جاء في حديث صاحب الشجة حيث قال عليه الصلاة والسلام مرجع الفقة الميسر ماتحب معرفتة frown.gifإنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده).​

باب ما يوجب الغسل



1- الغُسْل: بضم الغين، وهو سيلان الماء الطهور على جميع البدن على صفة مخصوصة.

2- حكم الغسل: الغسل مشروع ، والأصل في مشروعيته الكتاب والسنة .
فمن الكتاب قول الله تعالى : ﴿يا أيها الذين ءامنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا﴾.

ومن السنة ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغَسْلُ) [البخاري ومسلم].



3- موجبات الغسل:

يجب الغسل بواحد من سبعة أمور:



أ – خروج المني من مخرجه:

والمني هو الماء الغليظ الدافق الذي يخرج عند اشتداد الشهوة ، وهو عند الرجل أبيض ثخين ، وعند المرأة أصفر رقيق ، كما في حديث أم سليم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ ، وَمَاءُ المَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ) [البخاري ومسلم] .

وأما مخرج المني فهو ذَكَرُ الرجل وقُبُل المرأة.

ويشترط في الماء الخارج الموجب للغسل أن يكون بلذة ودفق ، فلو خرج المني بغير لذة، كمرض أو برد، فلا غسل عليه؛ لحديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (إِذَا فَضَخْتَ المَاءَ فَاغْتَسِلْ) [أبوداود والنسائي ، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والنووي].

فإن كان الخارج من مخرج المني أحمر كالدم بدفق ، فإنه يوجب الغسل، وذلك لأنه لا يخرج هكذا إذا بسبب قصور الشهوة.

والنائم لا يشترط في حقه وجود الدفق واللذة، فيغتسل بمجرد رؤية الماء؛ لحديث أم سليم عندما سألت: (هَلْ عَلَى المَرْأَةِ غُسْلٌ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : نَعَمْ ، إِذَا رَأَتِ المَاءَ) ، فعلَّق الحكم على رؤية الماء من غير اشتراط دفق أو لذة .



ب- تغييب الحشفة في فرج المرأة:

والحشفة هي رأس الذكر، فيجب الغسل إذا أدخل البالغ رأس ذكره في فرج المرأة ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ وَمَسَّ الخِتَانُ الخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ)[مسلم]. وفي رواية : (وَجَبَ عَلَيْهِ الغُسْلُ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ) [مسلم] ، وهو كناية عن مجامعة الرجل للمرأة وإن لم يحدث إنزال .

أما إذا غيب الحشفة في الفرج بحائل غير رقيق فلا يوجب الغسل إلا إذا حصل إنزال للمني؛ أما إذا كان بحائل رقيق بحيث تكمل اللذة فإنه يوجب الغسل سواء أنزل أم لم ينزل.

ويجب الغسل بتغييب الحشفة في الفرج على من بلغ عشر سنين من الذكور ، وتسع سنين من الإناث ولو لم يكونا بالغين.

ومعنى وجوب الغسل في حق الصغير أنه شرط لصحة الصلاة أو الطواف أو لإباحة مس المصحف أو قراءة القرآن لا أنه يأثم بتركه .



ج - إسلام الكافر: لحديث قيس بن عاصم قال: (أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُرِيدُ الإِسْلامَ فَأَمَرَنِي أَنْ أَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ) [ أبو داود والنسائي والترمذي وقال: حسن صحيح]. والمرتد له حكم الكافر الأصلي.



د- خروج الحيض: وهو الدم الخارج من رحم المرأة بعد البلوغ .

ويجب الغسل بخروج دم الحيض، ولا يصح إلا بعد الطهر وانقطاع الدم ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبي صلى الله عليه وسلم قالت : (إِنِّي أُسْتَحَاضُ فَلا أَطْهُرُ ، أَفَأَدَعُ الصَّلاةَ ؟ فَقَالَ : لا ، إِنَّ ذَلِكَ عِرْقٌ ، وَلَكِنْ دَعِي الصَّلاةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي)[البخاري]. وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة وسهلة بنت سهيل وحمنة بالاغتسال بعد الحيض.



ه- خروج دم النفاس؛ وهو الدم الخارج بسبب الولادة . وحكمه حكم دم الحيض بالإجماع. فيجب فيه الغسل ولا يصح إلا بعد الطهر منه .



و- المــوت؛ لحديث أم عطية الأنصاري رضي الله عنها قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته فقال: (اغْسِلْنَهَا ثَلاثاً أَوْ خَمْساً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ، بِمَاءٍ وَسِدْرٍ ، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُوراً أَوْ شَيْئاً مِنْ كَافُورٍ ...) [البخاري ومسلم].

أما شهيد المعركة فلا يغسل ؛ لحديث أنس (أَنَّ شُهَدَاءَ أُحُدٍ لَمْ يُغَسَّلُوا، وَدُفِنُوا بِدِمَائِهِمْ...) [أبو داود والترمذي وحسنه، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم].



]فصل في شروط الغسل وواجباته وسننه]

1- شروط وجوب الغسل .

يجب الغسل بسبعة شروط:



أ - انقطاع السبب الموجب للغسل. فالحائض والنفساء لا يصح منهما غسل إلا بعد انقطاع الدم عنهما، لحديث عائشة في قصة فاطمة بنت أبي حبيش حيث قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلاةَ ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي) [البخاري ومسلم] .

ب- النيَّـــة. وهو أن ينوي رفع الحدث سواء أكان جنابة أم حيضاً أم نفاساً، لحديث عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنِّمَا الأَعَمَالُ بِالنَّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) [البخاري ومسلم]

ج- الإســـلام. وهذا شرط لصحة كل عبادة ؛ إذ الكافر لا يصح له عمل مع بقائه على الكفر أو الشرك؛ لقول الله تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾

د – العقــــل . لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ؛ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ ، وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ) [أبوداود وابن ماجه، وصححه الحاكم والذهبي] . ولأن الغسل عبادة تحتاج إلى نية وفاقد العقل لا قصد له ولا نية.

هـ- التمـــييز. لأن التمييز أقل سن يعتبر فيه قصد الصغير شرعاً.

و - الماء الطهور المباح. لأن الطهارة عبادة لا تستباح بما هو محظور ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) [مسلم].

والماء الطهور هو الماء الباقي على أصل خلقته ولم يغيره شيء لا في لونه ولا طعمه ولا رائحته. فلا يصح الاغتسال بالماء النجس أو الماء الذي اختلط بشيء من الطاهرات مما غير اسمه إلى ذلكالطاهر.

والماء المباح هو الذي لا يكون مغصوباً أو مسروقاً . لأن الغسل عبادة فلا تستباح بما هو محرم.

ز - إزالة ما يمنع وصول الماء . كالطين والعجين والأصباغ ؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا﴾، ومفهوم الطهارة في الغسل تعميم البدن بالماء، وهذه الموانع تمنع وصول الماء إلى جميع البدن. فمن اغتسل مع وجود المانع لم يكن متطهراً .



2- ويجب مع الغسل التسمية.

وهي قول: (بسم الله)؛ قياساً على الوضوء ، وقد ورد الأمر بالتسمية في حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يُسَمِّ اللهَ عَلَيهِ) [أبوداود والترمذي] .

فإن نسي التسمية سقط وجوبها؛ لأن حديث التسمية يتناول الوضوء لا غيره .



3- وفرض الغسل أن يعمم المغتسل جميع بدنه بالماء.

ويشمل إيصال الماء إلى ظاهر البدن وباطنه كالفم، والأنف، والسُّرَّة ، وما تحت الذقن، والإبطين، وما بين الأليتين، وباطن الركبة، وأسفل الرجلين، وما يظهر من فرج المرأة .

ويجب غسل ظاهر الشعر وباطنه ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن (النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاةِ ، ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي المَاءِ فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعْرِهِ ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثَ غُرَفٍ بِيَدَيْهِ ، ثُمَّ يُفِيضُ المَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ) [البخاري ومسلم].

ويجب على المرأة نقض شعرها في غسل الحيض والنفاس ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها وكانت حائضاً: (انْقُضِي شَعْرَكِ وَاغْتَسِلِي) [ابن ماجه، وصححه البوصيري والمجد ابن تيمية].



ولا يجب عليها نقض شعرها في غسل الجنابة؛ لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله ، إني امرأة أشد ضفر رأسي ، فأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: (لا ، إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلاثَ حَثَيَاتٍ ، ثُمَّ تَفِيضِينَ عَلَيْكِ المَاءَ فَتَطْهُرِينَ) [مسلم].

ويكفي في إسباغ الغسل وتعميم البدن بالماء حصول غلبة الظن ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها في صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ) [البخاري].


4- سنن الاغتسال .

أ – الوضوء قبل الاغتسال؛ لحديث عائشة في صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (ثُمَّ يَتَوَضَأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاةِ) [البخاري ومسلم]

ب- إزالة ما تلوث بيده من أذى؛ لحديث ميمونة في صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (ثُمَّ دَلَكَ يَدَهُ بِالأَرْضِ) [البخاري].

ج- صب الماء على الرأس ثلاثاً؛ لحديث عائشة قالت: (ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثَ غُرَفٍ بِيَدَيْهِ) [البخاري ومسلم]

د - البدء بغسل الجهة اليمنى من جسده قبل الجهة اليسرى؛ لحديث عائشة رضي الله عنها (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ التَّيَامُنُ فِي تَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ, وَطُهُورِهِ, وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ) [البخاري ومسلم].

هـ – الموالاة . وهو غسل العضو قبل جفاف ما قبله .

ز – التدليك بإمرار اليد على الجسد؛ لأنه أنقى ويتيقن به وصول الماء إلى جميع جسده .

ح- إعادة غسل الرجلين بمكان آخر؛ لحديث ميمونة قالت: (ثُمَّ تَنَحَّى مِنْ مَقَامِهِ فَغَسَل قَدَمَيْهِ)[البخاري] .


5- تشريك النية في الطهارة .

وهو أن ينوي غسلين بنية واحدة ، أو أن ينوي بغسله رفع الحدث الأكبر والأصغر بنية واحد. ولها صور:

أ – إذا نوى غسلاً مسنوناً أو غسلاً واجباً، أجزأ ما نواه عن الآخر.

ب- أن ينوي بغسله رفع الحدثين الأكبر والأصغر معاً ، أجزأ عنهما.

ج- أن ينوي رفع الحدث مطلقاً من غير تعيين ، أجزأ عنهما.

د – أن ينوي بغسله أمراً لا يباح إلا بوضوء وغسل؛ كالصلاة والطواف ومس المصحف، أجزأه عنهما.

هـ- أن ينوي بغسله أمراً لا يباح إلا بالغسل؛ كالجلوس في المسجد وقراءة القرآن، أجزأه عن الحدث الأكبر فقط.


6- مقدار الماء الذي يستعمل في الوضوء والغسل .

يسن الوضوء بما يعادل مقدار المُدَّ ، والاغتسال بما يعادل مقدار الصَّاع ؛ لما ثبت في حديث أنس قال : (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ بِالمُدِّ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ) [البخاري ومسلم] .

والمد ربع صاع ، وهو ملئ الكفين المتوسطتين ، وهو يعادل بالمقاييس المعاصرة (0.687) ليتر، أما الصاع فهو أربعة أمداد ، ويعادل بالمقاييس المعاصرة (2.748) ليتر.

ويكره للمسلم إذا أراد الوضوء أو الاغتسال أن يسرف في استعمال الماء؛ لقول الله تعالى: ﴿ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾ ، وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على سعد وهو يتوضأ فقال : (مَا هَذَا السَّرَفُ ؟ فَقَالَ: أَفِي المَاءِ إِسْرَافٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ) [ابن ماجه بإسناد حسن].

ويجزئ في الوضوء أقل من المُد، وفي الاغتسال أقل من الصَّاع، بشرط أن يحصل بهما الإسباغ في الغسل؛ لحديث عائشة قالت : (كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ يَسَعُ ثَلاثَةَ أَمْدَادٍ أَوْ قَرِيباً مِنْ ذَلِكَ) [مسلم] .

وعن أم عمارة بنت كعب (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ فَأُتِيَ بِمَاءٍ فِي إِنَاءٍ قَدْرَ ثُلُثَي المُدِّ) [أبوداود والنسائي]

ومعنى الإسباغ في الوضوء والغسل تعميم العضو بالماء بحيث يجري عليه ولا يكون مسحاً.​


7- الاغتسال في الحمام:

وهو المكان المُعدُّ للاستحمام والاغتسال .

يباح للمغتسل أن يغتسل في الحمامات العامة التي أعدت للاستحمام وما في حكمها كحمامات السباحة ، إذا أمن الوقوع في المحرم ؛ ككشف العورة أو النظر إلى عورات الآخرين؛ لما روي عن ابن عباس (أَنَّهُ دَخَلَ حَمَّام الجُحْفَة) [مصنف ابن أبي شيبة، بإسناد صحيح].

فإن خاف الوقع في المحرم كره له دخوله، وإن علم وأيقن الوقوع في المحرم حَرُم عليه دخول الحمام ؛ لما ثبت في حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلا يَدْخُلِ الحَمَّامَ بِغَيْر إِزَارٍ) [الترمذي والنسائي].

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه كان يدخل الحمام فيقول: (نِعْمَ الْبَيْتُ الحَمَّامُ؛ يُذْهِبُ الوَسَخَ ، وَيُذَكِّرُ النَّارَ، وَيَقُولُ: بِئْسَ البَيْتُ الحَمَّامُ لانَّهُ يَكْشِفُ عَنْ أَهْلِهِ الحَيَاءَ) [البيهقي في الكبرى بإسناد صحيح].




[فصل في الأغسال المستحبة]

يستحب الاغتسال للأمور الآتية :



1- يستحب الاغتسال لصلاة الجمعة في يوم الجمعة للذكر الحاضر غير المسافر، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (غُسْلُ الجُمْعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ) [البخاري ومسلم].

2- ويستحب الاغتسال من غسل الميت؛ لحديث أبي هريرة مرفوعاً : (مَنْ غَسَّلَ مَيِّتاً فَلْيَغْتَسِلْ) [أحمد وأبو داود والترمذي]

3- ويستحب الاغتسال يوم العيد قبل الصلاة، لما ورد عن زاذان قال : (سَأَلَ رَجُلٌ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ الغُسْلِ ؟ قَالَ : اغْتَسِلْ كُلَّ يَوْمٍ إِنْ شِئْتَ . فَقَالَ : لا ، الغُسْلُ الَّذِي هُوَ الغُسْلُ . قَالَ : يَوْمُ الجُمْعَةَ وَيَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمُ الفِطْرِ) [البيهقي في الكبرى ، بإسناد صحيح ].

4،5- ويستحب الاغتسال لصلاة الكسوف والاستسقاء. قياساً على الجمعة والعيد ؛ لأنه يجتمع لها الناس .

6، 7- ويستحب الاغتسال من الإغماء؛ لما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها في قصة مرض النبي صلى الله عليه وسلم قالت : (ثَقُلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : أَصَلَّى النَّاسُ ؟ فَقُلْنَا : لا ، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ الله . قَالَ : ضَعُوا لِي مَاءً فِي المِخْضَبِ . قَالَتْ : فَفَعَلْنَا ، فَاغْتَسَلَ فَذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ . ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ : أَصَلَّي النَّاسُ ؟ قُلْنَا : لا ، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ الله . قَالَ : ضَعُوا لِي مَاءً فِي المِخْضَبِ . قُلْتُ : فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ . ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ : أَصَلَّي النَّاسُ ؟ قُلْنَا : لا ، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ الله . قَالَ : ضَعُوا لِي مَاءً فِي المِخْضَبِ . فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ) [البخاري ومسلم].

ويقاس الجنون على الإغماء لأنه آكد من الإغماء .

8- ويستحب للمستحاضة أن تغتسل لكل صلاة ، ولا يجب عليها ذلك ؛ لما جاء في حديث عائشة (أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ، فَأَمَرَهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ تَغْتَسِلَ ، فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلاةٍ) [البخاري ومسلم].
9- ويستحب أن يغتسل للإحرام بالحج أو العمرة ، لما جاء في حديث زيد أنه (رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَجَرَّدَ لإِهْلالِهِ وَاغْتَسَلَ) [رواه الترمذي وحسنه] .

11،10- ويستحب الاغتسال لدخول مكة وحرمها؛ لما ثبت عن ابن عمر أنه (كَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ بَاتَ بِذِي طُوَى حَتَّى يُصْبِحَ وَيَغْتَسِلَ ، ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ نَهَاراً، وَيَذْكُرُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ فَعَلَهُ) [مسلم] .

12- ويستحب الاغتسال للوقوف بعرفة، لما روى نافع عن ابن عمر أنه (كَانَ يَغْتَسِلُ لإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ ، وَلِدُخُولِ مَكَّةَ ، وَلِوُقُوفِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ) [مالك في الموطأ بإسناد صحيح].

14،13- ويستحب الاغتسال لطواف الإفاضة، والوداع ، والمبيت بمزدلفة ، ورمي الجمرات؛ لأن هذه أنساك يجتمع لها الناس ، ويزدحمون فيعرقون ويؤذي بعضهم بعضاً ، فيستحب الاغتسال قياساً على الإحرام ودخول مكة .

فإن تعذر الاغتسال في هذه المواضع المستحبة ، فيشرع التيمم للحاجة ، وكذلك يشرع التيمم لما يُسنُّ له الوضوء إذا تعذر استعمال الماء أو فقده ؛ لأن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَيَمَّمَ لِرَدِّ السَّلامِ [البخاري].​

بــاب التَّيمُّم

أ - تعريفُ التيمم:
مسحُ الوجهِ واليدينِ بترابٍ طَهورٍ على وجهٍ مخصوصٍ.
ب- شروطُ التيمم:
يُشترط لصحّةِ التيمّمِ ثمانيةُ شروط:

1-5: النيّةُ، والإسلامُ، والعقلُ، والتّمييزُ، والاسْتِنجاءُ أو الاسْتِجْمارُ؛ لما تقدّم في الوضوء.

6- دخولُ وقتِ الصّلاةِ: فلا يصحُّ التيمّمُ لصلاةٍ قبلَ وقتِها،ولا لِنافِلةٍ في وقت النَّهْي؛ لحديث أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعاً: «جعلت الأرضُ كلُّها لي ولأمّتي مسجداً وطهوراً؛ فأينما أدركتْ رجلاً من أمّتي الصلاةُ؛ فعنده مسجدُه وعنده طهورُه» [رواه أحمد].

7- تعذُّرُ استعمالِ الماءِ: إما لعدمِه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَد منكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم﴾ ]النساء:43 [، وقوله صلى الله عليه وسلم: » إنّ الصَّعيدَ الطيِّبَ طهورُ المسلم، وإن لم يجدِ الماءَ عشر سنين؛ فإذا وجدَ الماءَ فَلْيُمِسَّه بشرَته؛ فإنّ ذلك خير» ]رواه أحمد والترمذي وصحّحه. [

أو لخوفِ الضَّررِ من استعماله؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِن كُنتُم مَّرْضَى﴾، ولحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: احتلمتُ في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيمّمت ثم صليت بأصحابي الصبح؛ فلمّا قدمنا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ فقال: »يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟! «؛ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت الله عز وجل يقول: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾]النساء:29]؛ فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يقل شيئاً. [رواه أحمد، وأبو داود[


* وجوبُ طلبِ الماءِ وبذلِه:
- يجبُ على من عَدِم الماءَ إذا دخلَ وقتُ الصَّلاةِ: البحثُ عن الماءِ وطلبُه.
- ويجبُ بذلُ الماءِ لعطشانٍ من آدميٍّ أو بهيمةٍ محترمَيْن؛ لأنّ الله تعالى غفر لبغيٍّ بسَقْي كلبٍ؛ فالآدميُّ أولى.
قال ابنُ المنذر: أجمع كلُّ من نحفظ عنه من أهل العلم على أنّ المسافرَ إذا كان معه ماءٌ، وخشي العطشَ أنّه يُبقي ماءَه للشربِ ويتيمّم.
- ومن وجد ماءً لا يكفي لطهارتِه: استعمله فيما يكفي وجوباً، ثم تيمّم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» [متّفق عليه].
وإنْ وصلَ المسافرُ إلى الماءِ وقد ضاقَ الوقتُ، أو علمَ أنّ النوبةَ لا تصلُ إليهِ إلّا بعد خروجِ الوقت: عَدَلَ إلى التيمّم؛ محافظةً على الوقتِ.
- وأمّا غيرُ المسافرِ: فلا يعدلُ إلى التيمّم ولو فاته الوقتُ.
- ويحرم عليه إراقةُ الماءِ الذي معه، أو أنْ يمرّ به ويمكنُه الوضوءُ ولا يتوضّأ؛ إذا كان يعلم أنّه لا يجدُ غيرَه في الوقتِ؛ لما في ذلك من التّفريط.
فإن تيمّم بعد ذلك وصلّى: لم يعد الصّلاة.
- وإنْ وجدَ مُحدِثٌ -ببدنِه وثوبِه نجاسةٌ- ماءً لا يكفِي: وجب عليه غسلُ ثوبِه أوّلاً، ثمّ إنْ فضل شيءٌ غسلَ بدنَه، ثمّ إنْ فضل شيءٌ تطهّر، وإلا تيمّم، وصلّى.​

* ما يُتمّم له من الأحداثِ وغيرِها:

- يَصِحُّ التَّيمّمُ لكلِّ حدثٍ؛ لعموم آية التيمّم، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه: «عليك بالصَّعيدِ فإنّه يكفيك» [متفق عليه].
- وللنّجاسةِ على البدنِ بعد تخفيفِها ما أمكن؛ لأنّها طهارةٌ على البدن مشترطةٌ للصّلاة؛ فناب فيها التيمّمُ كطهارةِ الحدثِ.
فإن تيمّم لها قبلَ تخفيفِها: لم يصحَّ؛ كالتيمّم قبلَ الاستجمارِ.​

8- أنْ يكونَ بترابٍ طَهورٍ مباحٍ غيرِ محترقٍ له غبارٌ يعلقُ باليدِ: لقوله تعالى: ﴿ فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا﴾. قال ابن عباس رضي الله عنهما: «الصّعيدُ: ترابُ الحرثِ» [رواه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وحسنه ابن حجر].
وقال تعالى: ﴿فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم﴾؛ وما لا غبارَ له لا يُمسحُ بشيءٍ منه.
وإن ضرب يدَهُ على بساطٍ أو شعرٍ ونحوه فعلق به غبارٌ جاز؛ لأنّه صلى الله عليه وسلم ضرب بيده الجدار، ومسح وجهه ويديه. [متّفق عليه[.

* صلاةُ فاقدِ الطَّهورَيْن (الماء والتّراب):
إن لم يجد فاقدُ الماءِ التّرابَ الطّهورَ المباحَ غيرَ المحترقِ: صلّى الفريضة فقط دون النّوافل على حسبِ حالِه، ولا يزيد في صلاته على ما يجزئ في الصّلاةِ؛ من قراءةٍ وغيرها، ولا إعادة عليه؛ لأنّه أتى بما أُمر به، ولحديث عائشة رضي الله عنهـا أنّها استعارت من أسماء قلادة فهلكت-أي: ضاعت-، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناساً من أصحابه في طلبها فأدركتهم الصلاة فصلوا بغير وضوء، فلمّا أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوا ذلك إليه فنزلت آية التّيمّم. [متّفق عليه].



فصــل (واجباتُ التيمّمِ، وفروضُه، ومبطلاتُه، وصفتُه)

أ‌- - واجباتُ التيمّمِ:
واجبُ التيمّمِ: التسميةُ، وتسقط سهواً؛ قياساً على الوضوء.
ب‌- - فروضُ التيمم:
فروضُ التيمّمِ خمسةٌ:

الأوّل: مسحُ الوجهِ.

الثّاني: مسحُ اليدينِ إلى الكوعين (الرُّسْغين)؛ لقوله تعالى: ﴿ فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم﴾ ، واليد عند الإطلاق في الشرع تتناول اليد إلى الكوع؛ بدليل قطع يد السارق، ولما ثبت في حديث عمار رضي الله عنه أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال له: «إنّما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا: ثم ضرب بيديه الأرض ضربةً واحدةً، ثم مسح الشِّمال على اليمين، وظاهر كفّيه ووجهه» [متفق عليه، والسِّياق لمسلم].

الثالث: التّرتيبُ في الطّهارةِ الصُّغرى (الوضوء)، لا في الطهارة الكُبرى (الغسل): فيلزمُ مَنْ ببعض أعضاءِ وُضوئِه جُرْحٌ إذا توضّأ: أن يتيمّم له عند غسله لو كان صحيحاً.
قال في الإنصاف: قال الشيخ تقي الدين: ينبغي أن لا يرتّب، وقال أيضاً: لا يلزمه مراعاةُ التّرتيبِ، وهو الصحيح من مذهب أحمد وغيره.

الرابع: المــوالاةُ: فيلزمُه أن يعيدَ غسلَ الصَّحيحِ عند كلِّ تيمّم؛ فلو كان الجُرح في الرّجل؛ فتيمّم له عند غسلها، ثمّ خرج الوقت: بطل تيمّمه، وبطلت طهارته بالماء أيضاً؛ لفوات الموالاة؛ فيعيد غسل الصّحيح، ثمّ يتيمّم له عقبه.

الخامس: تعيينُ النِّيّةِ لما تيمّم لهُ من حدثٍ أو نجاسةٍ؛ فلا تكفي نيّةُ أحدِهما عن الآخرِ، وإن نواهما جميعاً: صحّ تيمّمه، وأجزأه؛ لحديث: «إنما الأعمال بالنيات » [متّفق عليه].​

ج- مبطلاتُ التيمم:
مبطلاتُ التَّيمُّمِ خمسةٌ:

1- كلُّ ما يُبطلُ الوضوءَ؛ لأنّه بدلٌ عنه.
2- وجودُ الماءِ إنْ كان تيمُّمه لعدمِه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : «فإذا وَجدَ الماءَ فَلْيُمِسَّه بشرَته».
3- خروجُ وقتِ الصّلاةِ؛ لما رُوي عن علي وابن عمر رضي الله عنهما في ذلك.
4- زوالُ المبيحِ لهُ.
5- خلعُ ما مسحَ عليه.
- وإن وجدَ الماءَ وهو في الصلاةِ: بَطَلَتْ؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «فإذا وَجدَ الماءَ فَلْيُمِسَّه بشرَته».
وإن انقضتْ صلاتُه لم تجبِ الإعادةُ؛ لأنّه أدى فريضةً بطهارةٍ صحيحةٍ، ولحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمّما صعيداً طيّباً فصلّيا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يعد: «أصبتَ السنّة وأجزأتكَ صلاتُك». وقال للّذي توضأ وأعاد: «لك الأجرُ مرّتين» [رواه أبو داود والنّسائي، والسياق لأبي داود].


هـ- صفةُ التيمم :
صفةُ التَّيمُّمِ: أن ينويَ، ثم يُسمِّي، ويضربُ الترابَ بيديهِ مُفَرَّجَتَيْ الأصابعِ ضربةً واحدةً؛ لحديث عمار رضي الله عنه السّابق.

والأحوطُ ضربتانِ، بعدَ نزعِ خاتمٍ ونحوهِ؛ ليصلَ التُّرابُ إلى ما تحتَهُ.

قال المرداوي: الصحيح من المذهب أن المسنون والواجب ضربةٌ واحدةٌ؛ نصّ عليه، وعليه جمهور الأصحاب، وقطع به كثيرٌ منهم.

فيمسحُ وجهَهُ بباطنِ أصابعِهِ وكفَّيْهِ براحتَيْهِ؛ إن اكتفى بضربةٍ واحدةٍ، وإن كان بضربتينِ مسحَ بأُولاهُما وجهَهُ، وبالثانيةِ يديْهِ.

ويُسَنُّ لمنْ يرجُو وجودَ الماءِ تأخيرُ التَّيمُّمِ إلى آخرِ الوقتِ المُختارِ؛ لقول علي رضي الله عنه في الجُنُبِ: «يَتَلوَّمُ-ينتظرُ- ما بينه وبين آخرِ الوقتِ» [رواه ابن أبي شيبة والدارقطني بإسناد ضعيف].
ولهُ أن يصليَ بتيمُّمٍ واحدٍ ما شاءَ من الفرضِ والنَّفْلِ، لكنْ لو تيمّمَ للنَّفلِ لمْ يستبحِ الفرضَ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم » :وإنّما لكلِّ امرئٍ ما نَوى« ] متّفق عليه[.​



باب الحيض والنّفاس

أوّلاً: الحيض:

1- تعريفُة: الحيض دم يرخيه الرحم إذا بلغت المرأة ثم يعتادها في أوقات معلومة.
2- وقـتُـه: يبدأ الحيض من بلوغ المرأة تسع سنين هجريّة، ولا حيض قبل ذلك؛ لقول عائشة - رضي الله عنها- قالت: » إِذَا بَلَغَتِ الجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَهِيَ امْرَأَةٌ « ]رواه الترمذي والبيهقي معلّقاً [.
وينقطع الحيض ببلوغ المرأة سنّ الخمسين، ولا حيض بعد ذلك؛ لقول عائشة - رضي الله عنها-: »إِذَا بَلَغَتِ المَرْأَةُ خَمْسِينَ سَنَةً خَرَجَتْ مِنْ حَدِّ الحَيْضِ« ]ذكره أحمد. [

وإذا كانت المرأة حاملاً فإنّها لا تحيض؛ لقوله صلى الله عليه وسلم» : لا تُوْطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلا حَائِلٌ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ« ]رواه أحمد وأبو داود[؛ يعني تستعلم براءتها من الحمل بالحيضة؛ فدلّ على أنّها لا تجتمع معه.

فإذا رأت الدم قبل تمام تسع سنين، أو بعد بلوغها خمسين سنة، أو أثناء حملها؛ فهو دم فساد، لا دم حيض.

3- مـدّتُه: أقلُّ الحيض يومٌ وليلةٌ، وأكثره خمسة عشر يوماً؛ لأنّ الشرع علّق على الحيض أحكاماً ولم يبيّن قدره؛ فعلم أنّه ردّه إلى العادة؛ وقد قال عطاء: »رَأَيْتُ مَنْ تَحِيضُ يَوْماً، وَتَحِيضُ خَمْسَةَ عَشَرَ .« ولم يوجد حيض معتاد أقلّ من يوم وليلة، ولا أكثر من خمسة عشر يوماً.

وغالب الحيض ستة أيّام أو سبعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لحِمْنة بنت جحش: »تَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ إِلَى سَبْعَةٍ فِي عِلْمِ الله ثُمَّ اغْتَسِلِي]... «رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح[.

4- مدّةُ الطُّهرِ بين الحيضتين: أقلُّ الطُّهر الفاصل بين الحيضتين ثلاثة عشر يوماً؛ لما رواه البخاريُّ – معلّقاً- والدّارميُّ عن علي رضي الله عنه: أنّه أقرّ شريحاً القاضي –رحمه الله- في قضائه بذلك.

وغالب الطّهر بقيّة الشهر بعد الحيض؛ لأنّ الغالب أنّ المرأة تحيض في كلّ شهر حيضة.

ولا حدّ لأكثر الطُّهر بين الحيضتين؛ لأنّه لم يرد تحديده في الشرع، ومن النساء من لا تحيض.

5- ما يحرم بالحيض: يحرم بسبب الحيض أشياء؛ منها:

أ- الجِماعُ: لقوله تعالى: ﴿فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾]البقرة:222. [

ب - الطَّلاقُ: لقوله تعالى: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ ] الطلاق:1 [

ج - الصَّلاةُ: لقوله صلى الله عليه وسلم:» إِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاةَ« ] متّفق عليه.[

د- الصَّومُ: لقوله صلى الله عليه وسلم» : أَلَيْسَ إِحْدَاكُنَّ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تَصُمْ وَلَمْ تُصَلِّ؟ قُلْنَ: بَلَى« ]متّفق عليه[.
هـ- الطَّوافُ: لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة لمّا حاضت» : افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي « ]متفق عليه[.

و- مسُّ المصحفِ: لقوله تعالى: ﴿لا يَمَسُّهُ إِلا المُطَهَّرُونَ﴾ ]الواقعة:79[

ي- اللُّبْث في المسجد: لقوله صلى الله عليه وسلم: » لا أُحِلُّ الَمسْجِدَ لِجُنُبٍ وَلا حَائِضٍ« ]رواه أبو داود، وصحّحه ابن خزيمة، وضعّفه جماعةٌ[

ويجوز للحائض المرور في المسجد إذا أمنت تلويثه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: »نَاوِلِينِي الخُمْرَةَ مِنَ المَسْجِدِ؛ فَقَالَتْ: إِنِّي حَائِضٌ؛ فَقَالَ: إِنَّ حَيْضَتَكَ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ] « رواه الجماعة إلا البخاري[

6- ما يوجبه الحيض: إذا حاضت المرأة كان ذلك علامةً على بلوغها، ويوجب الحيض أموراً؛ منها:

أ- الغسل عند انقطاع دم الحيض؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: »دَعِي الصَّلاةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا ، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي« ]متفق عليه[

ب - الكفارة على من جامع في الحيض؛ ولو كان مكرهاً أو ناسياً أو جاهلاً للحيض والتحريم. والكفارة دينار أو نصفه على التخيير؛ لما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال في الذي يأتي امرأته وهي حائض »يَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ« ]رواه أبو داود، والنّسائي، وابن ماجه]، وعلى المرأة الكفّارة أيضاً إذا هي طاوعت الرّجل على الجماع.

والدينار يساوي: 4.25غراماً من الذّهب، ونصفه يساوي: 2.13غراماً، وقيمتُه تختلف باختلاف العملة التي يشترى بها.

2- ما يُباح بعد انقطاع الدّم وقبل الغُسل أو التّيمّم: لا يباح بعد انقطاع دم الحيض وقبل غسل المرأة أو تيمّمها منه إلّا ثلاثة أشياء:

أ - الصّومُ: لأنّه يباح للجنب قبل اغتساله؛ فكذلك الحائض.

ب- الطّلاقُ: لأنه إنمّا حرم طلاق الحائض لتطويل العدّة، وقد زال ذلك.

ج- اللُّبْث بوضوء - أو بالتيمّم عند عدم الماء - في المسجد: قياساً على الجنب.

3- علامة طهر الحائض: إذا نقطع الدم عن الحائض؛ بحيث إذا احتشت بقطنة في زمن الحيض لا تتغيّر فقد طهرت.

وإذا رأت الصُّفْرةُ والكُدْرةُ في زمن الحيض فهو حيضٌ؛ لما روى علقمة عن أمّه : أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يُرْسِلْنَ بِالدِّرَجَةِ- وهو وعاء- فِيهَا الكُرْسُفُ – يعني القطن- فِيهِ الصُّفْرَةُ إِلَى عَائِشَةَ، فَتَقُولُ: » لا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيَنَ القَصَّةَ البَيْضَاءَ« ] رواه مالك وعلقه البخاري]. والقصة: ماء أبيض يأتي بعد الحيضة.

وأمّا الصُّفْرةُ والكُدْرةُ في زمن الطهر فهي طهرٌ، ولا تعتد بها المرأة: لقول أم عطية رضي الله عنها:» كُنَّا لا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالكُدْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئاً« ]رواه أبو داود والبخاري ولم يذكر بعد الطهر[

4- ما تقضيه الحائض والنّفساء بعد طهرهما: الحائض والنفساء بعد طهرهما تقضيان الصوم، ولا تقضيان الصلاة؛ لحديث معاذة أنها سألت عائشة رضي الله عنها: مَا بَالُ الحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ؟ فَقَالَتْ: » كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ « ]رواه الجماعة[

ثانياً: الاستحاضة

1- تعريفُها: سيلان الدم في غير أوقاته المعتادة من مرض وفساد، من عرق فمه في أدنى الرحم يسمى ذلك العرق: العَاذِل.

ومن جاوز دمُها خمسة عشر يوماً: فهي مستحاضة؛ لأنّه لا يصلح أن يكون دمُها حيضاً.

2- أحوالُ المستحاضة: المستحاضة لها حالات:

الأولى: أن تكون لها عادةٌ منتظمةٌ قبل الاستحاضة فإنّها تعمل عليها؛ سواءٌ كان عندها تمييزٌ لدم الحيض أو لا ؛ فما زاد على أيّام عادتها من الدّم فهو استحاضةٌ؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم لأمّ حبيبة رضي الله عنها:» امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي« ]رواه مسلم[

الثانية : أن لا تكون لها عادةٌ أو كانت لها عادةٌ ولكن نسيتها؛ فإن كان دمُها متميّزاً بعضه أسود ثخين منتن وبعضه رقيق أحمر، وكان الأسود لا يزيد على أكثر الحيض ولا ينقص عن أقلِّه؛ فهي مميّزةٌ تدع الصّلاة زمن حيضها الأسود، ثم تغتسل وتصلّي؛ لحديث فاطمة بنت أبي حُبَيش رضي الله عنها قالت: » يا رسول الله إني أُسْتحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال: لا! إِنَّ ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالحَيْضَةِ؛ فَإِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاةَ؛ فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغَسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي« ]متفق عليه]، وفي لفظ: »إِذَا كَانَ دَمُ الحَيْضِ فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلاةِ ، فَإِذَا كَانَ الآخَرُ فَتَوَضَّئِي؛ فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ« ]رواه النّسائي[

الثالثة : أن لا يكون لها عادةٌ ولا تمييزٌ؛ فهي متحيّرةٌ؛ فتجلس من كلِّ شهر ستًّا أو سبعاً تتحرّاها ثمّ تغتسل وتصوم وتصلي-بعد غسل المحلّ وتعصيبه-؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لحِمْنة بنت جحش رضي الله عنه -وكانت تستحاض حيضة شديدة »-: إِنَّمَا هَذِهِ رَكْضَةٌ مِنْ رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ؛ فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ إِلَى سَبَعَةٍ فِي عِلْمِ الله ، ثُمَّ اغْتَسِلِي«... ]رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح[

ثالثاً: النِّفاس :

1- تعريفُه: هو الدم الخارج من قبل المرأة بسبب الولادة.

2- مـدّتُه: لا حدّ لأقل النِّفاس؛ لأنه لم يرد تحديده فرجع فيه إلى الوجود الفعليّ، وقد وجد قليلاً وكثيراً.

وأما أكثره فأربعون يوماً، وما زاد على ذلك فهو استحاضة؛ لحديث أمّ سلمة رضي الله عنها قالت: »كَانَتِ النُّفَسَاءُ تَجْلِسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَرْبَعِينَ يَوْماً]«رواه الخمسة إلا النسائي[

ويثبت حكمه بوضع ما يتبين فيه خلق إنسان ولو خفياً، وأقل ما يتبين فيه إحدى وثمانون يوماً وغالبه ثلاثة أشهر.

فإن تخلّل الأربعين نقاءٌ من الدّم فهو طهر، لكن يُكره أن يجامعَها زوجُها فيه؛ لأنّه لا يُؤمنُ عودُ الدّم؛ فيكون مجامعاً في النّفاس.

ومن وضعت ولدين فأكثر فأوّل مدّة النّفاس من الأوّل كما لو وضعت واحداً؛ فلو كان بينهما أربعون يوماً فلا نفاس للثاني؛ لأنّه تبعٌ للأول.

3- ما يحرمُ بالنِّفَاس: يحرم بسبب النِّفاس جميعُ ما يحرم بسبب الحيض؛ ولذا فإنّ في جماع النُّفَساء ما في جِماع الحائض من الكفارة.

باب الأذان والإقامة

أولاً: تعريف الأذان والإقامة :

- الأذان في الشرع: هو الإعلام بدخول وقت الصلاة بذكر مخصوص.
- وأما الإقامة: فهي الإعلام بالقيام إلى الصلاة بذكر مخصوص ورد به الشرع.

ثانياً : حكم الأذان والإقامة .
- الأذان والإقامة فرض كفاية على الرجال الأحرار المقيمين في المدن والقرى , فإذا قام بهما من يكفي سقط الإثم عن الباقين ، وإن لم يقم بهما أحد أَثِمَ الجميع ؛ لحديث (إِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمُّكُمْ أَكْبَرُكُمْ) [رواه البخاري] , والأمر يقتضي الوجوب , ولأنهما من شعائر الإسلام الظاهرة، فلا يجوز تعطيلهما.

- أما النساء والعبيد : فلا يجب عليهم أذان ولا إقامة , بل يكرهان في حق النساء ولو بلا رفع صوت ؛ لأنهما وظيفة الرجال.

- ولا يجب أيضاً على المنفرد والمسافر أذان ولا إقامة ، ولكنهما سنة في حقهما ؛ أما المنفرد فلحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يَعْجَبُ رَبُّكَ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ شَظِيَّةٍ بِجَبَلٍ يُؤَذِّنُ بِالصَّلاةِ وَيُصَلِّي، فَيَقُولُ الله عَزَّ وَجَلَّ : انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ الصَّلاةَ يَخَافُ مِنِّي ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي وَأَدْخَلْتُهُ الجَنَّةَ ) [رواه أبوداود والنسائي بإسناد صحيح] , والشظية: بالشين مفتوحة هي القطعة من رأس الجبل .

- وأما المسافر؛ فلحديث مالك بن الحُوَيْرِث رضي الله عنه قَالَ : (أَتَى رَجُلانِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُرِيدَانِ السَّفَرَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : إِذَا أَنْتُمَا خَرَجْتُمَا فَأَذِّنَا ثُمَّ أَقِيمَا ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا ) [رواه البخاري].

ثالثاً : شروط صحة الأذان والإقامة :

يشترط لصحة الأذان والإقامة عشرة شروط لابد من الإتيان بها ، وهي :
1 - الإسلام: فلا يصحان من الكافر.
2- العقل: فلا يصحان من المجنون ولا من الطفل غير المميز، كسائر العبادات ؛ لأنهما من غير أهل العبادات .
3- النية: لحديث (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) [رواه البخاري ومسلم] .
4-الذكورية: فلا يصحان من الأنثى ؛لأنه يشرع فيهما رفع الصوت وليست من أهل ذلك .
5- أن يكون المؤذن أو المقيم ناطقاً: لينطق بهما .
6- العدالة: فلا يصح أذان الفاسق ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم وصف المؤذنين بالأمانة فقال: (وَالمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ) [رواه أبوداود والترمذي بإسناد صحيح] .
7- أن يكون الأذان في وقت الصلاة: فلا يصح قبل دخول وقتها، إلا الأذان الأول للفجر والجمعة، فيجوز قبل الوقت، وأن تكون الإقامة عند إرادة القيام للصلاة.
8- أن يكون الأذان مُرتَّباً مُتوالياً, وكذا الإقامة:كما وردت بذلك السنة ؛ لأنهما شُرِعا كذلك ، فلا يجوز الإخلال بهما, فإن سكت سكوتاً طويلا أو تكلم بكلام طويل , بطل الأذان أو الإقامة ؛ للإخلال بالموالاة, فإن كان يسيراً لم يبطلا , قال البخاري في صحيحه: (وَتَكَلَّمَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ - وهو من الصحابة - فِي أَذَانِهِ).
9- أن يكون الأذان والإقامة من شخص واحد: فلا يصح أن يؤذن واحد أو يقيم إلى الشهادتين مثلاً ، ثم يأتي آخر فيكمل الأذان أو الإقامة؛ لأنهما عبادتان بدنيتان فلا يصح أن يبني فعله على فعل غيره .
10- رفع الصوت بهما: ليحصل الإعلام بالصلاة؛ إذ هو المقصود من الأذان , إلا إذا كان يؤذن لنفسه, فلا يشترط رفع الصوت إلا بقدر ما يسمع نفسه أو الحاضر معه .

رابعاً : الصفات المستحبة في المؤذن

يستحب في المؤذن عدة أمور ، وهي :

1- أن يكون صَيِّتاً (أي قوي الصوت)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زيد رضي الله عنه: (...فَقُمْ مَعَ بِلالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ) [رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة بسند صحيح] . ولأن الصوت القوي أبلغ في إسماع الناس .

2- أن يكون أميناً؛ لأن المؤذن مؤتمن يُرجع إليه في الصلاة والصيام، فلا يُؤْمَنُ أن يغرَّهم بأذانه إذا لم يكن كذلك , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (أُمَنَاُء المُسْلِمِينَ عَلَى صَلاتِهِمْ وَسُحُورِهِمْ المُؤَذِّنُونَ] (رواه البيهقي وهو حسن بشواهده[

3- أن يكون عالماً بالأوقات ؛ ليتحرَّاها فيؤذن في أوَّلها، لأنه إن لم يكن عالماً ربما غلط أو أخطأ.

4- أن يكون متطهراً من الحدث الأصغر والأكبر؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال) :لا يُؤَذِّنُ إِلا مُتَوَضِّئٌ] (رواه الترمذي والبيهقي بإسناد ضعيف[

5- أن يؤذن ويقيم قائماً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لبلال) : قُمْ فَنَادِ بِالصَّلاة)] رواه البخاري ومسلم] . فإن أذَّن قاعداً لعذر فلا بأس ؛ لما رواه الحسن العبدي رحمه الله قالمرجع الفقة الميسر ماتحب معرفتة smile.gif دَخَلْتُ عَلَى أَبِي زَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ - من الصحابة - فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَهُوَ جَالِسٌ ... وَكَانَ أَعَرَجَ أُصِيبَتْ رِجْلُهُ فِي سَبِيلِ الله تَعَالَى] (رواه الأثرم والبيهقي بإسناد حسن[

خامساً: ما يُسَنُّ في الأذان والإقامة :

6- أن يؤذن في أول الوقت ؛ لحديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : (كَانَ بِلالٌ لا يُؤَخِرُ الأَذَانَ عَنِ الوَقْتِ ، وَرُبَّمَا أَخَّرَ الإِقَامَةَ شَيْئًا] (رواه ابن ماجه بإسناد حسن[

7- أن يكون على عُلُوٍّ ؛ لأنه أبلغ في الإِعلام , ولما ثبت عن بلال رضي الله عنه (أَنَّهُ كَانَ يُؤَذِّنُ عَلَى سَطْحِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ , بَيْتُهَا مِنْ أَطْوَلِ بَيْتٍ حَوْلَ المَسْجِدِ] . (رواه أبو داود بمعناه وإسناده حسن[

8- يجوز الأذان على الراحلة؛ من دابة أو سيارة أو طائرة ؛ لما رواه نافع قال) : كَانَ ابْنُ عُمَرَ رُبَّمَا أَذَّنَ عَلَى رَاحِلَتِهِ الصُّبْحَ ثُمَّ يُقِيمُ بِالأَرْضِ] (رواه البيهقي وهو حسن بشاهده [

9- أن يؤذن مستقبلاً القبلة ؛ لما رواه عبد الرحمن بن أبى ليلى عن عبد الله بن زيد في رؤيا الأذان قال: (جَاءَ عَبْدُالله بْنُ زَيْدٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله ؛ إِنِّي رَأَيْتُ رَجُلاً نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ فَقَامَ عَلَى جِذْمِ حَائِطٍ , فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ... ( فذكر الحديث . [رواه إسحاق بن راهويه فى مسنده وسنده صحيح[

10- رافعاً وجهه جاعلاً سبابتيه في أذنيه ؛ لما ثبت عن أبي جحيفة رضي الله عنه أنه قال) : رَأَيْتُ بِلالًا يُؤَذِّنُ وَيَدُورُ وَأَتَتَبَّعُ فَاهُ هَاهُنَا وهاهنا ، وَأُصْبُعَاهُ فِي أُذُنَيْهِ) ، قَالَ : (وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ)] رواه أحمد والترمذي بإسناد صحيح[

11- أن يلتفت يميناً لحي على الصلاة, وشمالاً لحي على الفلاح؛ لحديث أبي جحيفة رضي الله عنه ؛ وفيه ) :... وَأَذَّنَ بِلاَلٌ فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَا هُنَا وَهَا هُنَا - يَقُولُ يَمِينًا وَشِمَالاً - يَقُولُ حَىَّ عَلَى الصَّلاَةِ حَىَّ عَلَى الْفَلاَحِ) ]رواه مسلم[

12- أن يَتَرَسَّل في الأذان -أي يتمهل- ويَحْدُرُ الإقامة -أي يُسرع فيها- : لقوله صلى الله عليه وسلم لبلال) : يَا بِلالُ! إِذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّل فِي أذَانِكَ , وَإِذَا أَقَمْتَ فَاحْدُرْ] (رواه الترمذي والبيهقي وابن عدي والحاكم وهو ضعيف الإسناد[

13- أن يقول بعد حي على الفلاح في أذان الفجر: ( الصلاة خير من النوم ) مرتين ، ويُسمَّي التَّثْويب ؛ لحديث أبي مَحْذُورَة رضي الله عنه في الأذان وفيه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له :... (فَإِنْ كَانَ صَلاَة الصُّبْحِ قُلْتَ: الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ ، الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ] (رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح[

14- أن يتولَّى الأذان والإقامة شخص واحد ما لم يشق ؛ لأنَّ بلالاً كَانَ هو الْمُؤَذّن ،والمقيم لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم .
- ومن أراد أن يجمع بين صلاتين أو يقضي صلوات فائته فإنه يؤذن للصلاة الأولى فقط ويقيم للأخرى أو للباقي ؛لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى الظهر والعصر بعرفة بأذان وإقامتين .كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه الطويل الذي رواه الإمام مسلم في وصف حجة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (إِنَّ المُشْرِكِينَ شَغَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الخَنْدَقِ ، فَأَمَرَ بِلالاً فَأَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ ، فَصَلَّى الظُّهْرَ ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى العَصْرَ ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى المَغْرِبَ ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى العِشَاءَ] (رواه النسائي وهو صحيح بشاهده[


سادساً : صفة الأذان والإقامة

صفة الأذان والإقامة كما جاءت في حديث رؤيا الأذان التي رآها عبد الله بن زيد رضي الله عنه قالمرجع الفقة الميسر ماتحب معرفتة smile.gif لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ لِجَمْعِ الصَّلاَةِ ، طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ ، فَقُلْتُ : يَا عَبْدَ الله ! أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ ؟ فَقُلْتُ : نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلاَةِ. قَالَ : أَفَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ لَهُ : بَلَى. قَالَ : فَقَالَ : تَقُولُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَهُ ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ ، حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ ، حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ . قَالَ : ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّى غَيْرَ بَعِيدٍ ، ثُمَّ قَالَ : وَتَقُولُ إِذَا أَقَمْتَ الصَّلاَةَ : اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ أَشْهَدُ ، أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ ، حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ ، قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ . فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ فَقَالَ : إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللهُ فَقُمْ مَعَ بِلاَلٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ ؛ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ، فَقُمْتُ مَعَ بِلاَلٍ فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ وَيُؤَذِّنُ بِهِ - قَالَ - : فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ وَهُوَ في بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ وَيَقُولُ : وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالحَقِّ يَا رَسُولَ اللهِ ! لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا رَأَى. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : فَلِلَّهِ الْحَمْدُ ) ]رواه أبو دواد بإسناد صحيح[


سابعاً: ما يقوله سامع الأذان، وما يدعو به بعده:

يستحب لمن سمع الأذان , أو الإقامة أن يفعل ما يلي :

1- أن يقول مثل ما يقول المؤذن أو المقيم؛لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ المُؤَذِّنُ( ]رواه البخاري ومسلمي [

- إلا عند قول المؤذن حي على الصلاة , وحي على الفلاح، فيقول : (لا حول ولا قوة إلا بالله) ؛ لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؛ وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ...(ثُمَّ قَالَ – أي المؤذن - حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ ، قَالَ- أي السامع -: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ ، ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الفَلاحِ ، قَالَ : لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ] ... (رواه مسلم[

- وعند قول المؤذن في الإقامة قد قامت الصلاة , يقول السامع : (أقامها الله وأدامها ؛ لما روي عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (أَنَّ بِلالاً أَخَذَ فِي الإِقَامَةِ ، فَلَمَّا أَنْ قَالَ : قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (أَقَامَهَا اللهُ وَأَدَامَهَا ( ]رواه أبو داود بإسناد ضعيف[

2- يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ ويقول : (اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته) ؛ لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال) : إِذَا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللهُ عَلَيهِ بِهَا عَشْراً] (رواه مسلم[

وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ : اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ ، وَالصَّلاةِ القَائِمَةِ ، آتِ مُحَمَّداً الوَسِيلَةَ وَالفَضِيلَةَ ، وَابْعَثْهُ مَقَاماً مَحْمُوداً الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ] (رواه البخاري[

3- الدعاء ؛ لحديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدُّعَـاءُ لا يُـرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَة( ]رواه أحمد والترمذي بإسناد صحيح[

- ويحرم الخروج من المسجد بعد الأذان بلا عذر أو نية الرجوع للمسجد مرة أخرى ؛ لحديث أبي الشَّعثاء قال) : كُنَّا قُعُودًا في المَسْجِدِ مَعَ أَبِى هُرَيْرَةَ ، فَأَذَّنَ المُؤَذِّنُ ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ المَسْجِدِ يَمْشِى ، فَأَتْبَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنَ المَسْجِدِ ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم)] رواه مسلم[

باب شروط الصّلاة


* تعريف الشرط:

الشرط : ما تتوقّف عليه صحّة الشيء؛ عبادةً كان أو معاملةً أو عقداً.

وشروط الصّلاة تسعة:

3-1: الإسلامُ، والعقلُ، والتّمييزُ: فلا تصحّ الصّلاة من كافرٍ؛ لبطلان عمله، ولا مجنونٍ؛ لعدم تكليفه، ولا من طفلٍ؛ لمفهوم حديث: «مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلاةِ لِسَبْعٍ» [رواه أحمد وأبو داود].

4- الطهارةُ من الحدثِ مع القدرةِ عليها: لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يَقْبَلُ اللهُ صَلاةً بِغَيْر طُهُورٍ» [رواه مسلم ].

5- دخولُ الوقتِ: لقوله تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ [الإسراء:78]. قال ابن عباس: «دُلُوكُهَا إِذَا فَاءَ الفَيْءُ». وحديث جبريل حين أمَّ النّبيَّ صلى الله عليه وسلم بالصلوات الخمس في يومين، ثم قال: «مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ» [رواه أحمد والنسائي والترمذي].

- فوقت الظُّهر: من الزَّوال إلى أن يصير ظلُّ كلِّ شيءٍ مثلَه، سوى ظلِّ الزوال.

- ثمّ يلي وقتَ الظهر الوقتُ المختارُ للعصر حتّى يصير ظلُّ كلِّ شيء مثلَيْه، سوى ظلِّ الزَّوالِ، ثم هو وقت ضرورة إلى الغروب.

- ثم يليه وقتُ المغرب حتّى يغيبَ الشفقُ الأحمرُ.

- ثم يليه الوقتُ المختارُ للعشاءِ إلى ثُلثِ الليلِ الأوّلِ، ثم هو وقتُ ضرورةٍ إلى طلوع الفجر.

- ثم يليه وقتُ الفجر إلى شروق الشمس.


* إدراكُ وقتِ الصَّلاةِ:

يُدرك الوقتُ بتكبيرة الإحرام؛ لحديث عائشة رضي الله عنهـا مرفوعاً: «مَنْ أَدْرَكَ مِنَ العَصْرِ سَجْدَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ ، أَوْ مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا» [رواه مسلم]. والسجدة هنا: الركعة، والسجدة جزءٌ من الصّلاة؛ فدلّ على إدراكها بإدراك جزء منها.

ويحرمُ تأخير الصلاة عن وقت الجواز، ويجوز تأخيرُ فعلِها في الوقت مع العزم عليه؛ لأنّ جبريل صلّى بالنّبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني في آخر الوقت.

والصّلاةُ أوّلُ الوقتِ أفضلُ وتحصل الفضيلة بالتأهب أول الوقت؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: «كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالهَاجِرَةِ، وَالعَصْرَ وَالشَّمْسُ نَقِيَّةً، وَالمِغْرِبَ إِذَا وَجَبَتْ، وَالعِشَاءَ أَحْيَاناً يُؤَخِّرُهَا، وَأَحْيَاناً يُعَجِّلُ؛ كَانَ إِذَا رَآهُمْ قَدْ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ، وَإِذَا رَآهُمْ قَدْ أَبْطَأُوا أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ كَانُوا - أَوْ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ» [متّفق عليه]؛ فكان النبي صلى الله عليه وسلم يؤدّي الصّلوات في أوّل أوقاتها.

* قضاءُ الصَّلواتِ الفائتةِ: يجب قضاءُ الصلاةِ الفائتةِ مرتّبةً فوراً؛ لما رُوي أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم عامَ الأحزابِ صلّى المغرب فلما فرغ قال: «هَلْ عَلِمَ أَحَدٌ مِنْكُمْ أَنِّي صَلَّيْتُ العَصْرَ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ الله؛ مَا صَلَّيْتَهَا . فَأَمَرَ المُؤَذِّنَ فَأَقَامَ الصَّلاةَ فَصَلَّى العَصْرَ ثُمَّ أَعَادَ المَغْرِبَ». [رواه أحمد، وضعّفه الذهبي]، ولحديث: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا» [متفق عليه].

ولا يصحُّ النَّفلُ المطلقُ قبل قضاء الصّلاة الفائتة؛ كما لا يصحّ صومُ نفلٍ ممّن عليه قضاء رمضان، ولا يصلِّي سننها لأنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم يوم الخندق؛ إلّا إذا كانت الفائتةُ صلاةً واحدةً فلا بأس بقضاء سنتها؛ لأنّه صلى الله عليه وسلم لمّا فاته صلاة الفجر صلّى سنَّتها قبلها [رواه مسلم].

ويسقط الترتيب بالنسيان؛ لحديث: «إِنَّ اللهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» [رواه ابن ماجه، والحاكم وصحّحه، وضعّفه أحمد وغيره]، وبضيق الوقت يُقَدِّم الحاضرة؛ لأن فعلَها آكدُ.



6- سترُ العورةِ - مع القدرةِ - بشيءٍ لا يصفُ البشرةَ: لقوله تعالى: ﴿ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف:31]، وقوله صلى الله عليه وسلم : «لا يَقْبَلُ اللهُ صَلاةَ حَائِضٍ إِلا بِخِمَارٍ» [رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وقال التّرمذي: حديث حسن].


* حدودُ العورةِ: عورةُ الرّجلِ البالغِ عشرَ سنين،: ما بين السُّرَّة والرُّكْبةِ؛ لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً:« مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ عَوْرَةٌ» [رواه أحمد، والدارقطني].

وعورةُ ابنِ سبعٍ إلى عشرٍ: الفَرْجانِ؛ لقصوره عن ابن العشر، ولأنّه لا يمكن بلوغه.

والحرّةُ البالغةُ كلُّها عورةٌ في الصَّلاةِ إلّا وجهَها؛ لحديث: «المَرْأَةُ عَوْرَةٌ» [رواه الترمذي]. وقالت أمُّ سلمة: يَا رَسُولَ الله ! تُصَلِّي المَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ وَلَيْسَ عَلَيْهَا إِزَارٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِذَا كَانَ سَابِغاً يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْها» [رواه أبو داود، والصّواب أنّه موقوف من قول أمّ سلمة].

ويُشترط في الرّجلِ البالغِ سترُ أحدِ عاتقيْه في الصّلاة بشيءٍ من اللِّباس؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يُصَلِّي الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» [متفق عليه].


* الصّلاةُ فِي الثّوبِ المغصوبِ وثوبِ الحريرِ:

لا تصحّ الصّلاةُ في الثّوب المغصوب وثوب الحرير، ومن صلّى في واحد منهما عالماً ذاكراً لم تصحّ صلاتُه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» [متّفق عليه]. وإن كان ناسياً أو جاهلاً صحّت صلاتُه.



* ما يحرمُ من اللِّباس:

يحرمُ على الذُّكور لا الإناث لُبْس المنسوجِ، والمموّهِ بالذّهبِ أو الفضّةِ، ولُبس ما كلُّه أو غالبُه حرير؛ لحديث أبي موسى رضي الله عنه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «حُرِّمَ لِبَاسُ الحَرِيرِ وَالذَّهَبِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي وَأُحِلَّ لإِنَاثِهِمْ» [رواه الترمذيُّ، والنّسائي].

ويُباح ما خالطه حريرُ، وأُلْحِم -نُسِج- بغيره، أو كان الحريرُ وغيرُه متساويَيْن في الظهور؛ لقول ابن عباس: «إِنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الثَّوْبِ المُصْمَتِ، أَمَّا العَلَمُ وسَدَا الثَّوْبِ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ» [رواه أبو داود].

7- اجتنابُ النَّجاسةِ لبَدَنِه وثوبِه وبقعتِه مع القدرة: لقوله تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر:4]، وقوله صلى الله عليه وسلم : «تَنَزَّهُوا مِنَ البَوْلِ؛ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ القَبْرِ مِنْهُ» [رواه الدارقطني]، وأمره صلى الله عليه وسلم بصبِّ ذَنُوب من ماء على بول الأعرابي الذي بال في طائفة المسجد. [متّفق عليه].

وإنْ صلّى في ثوبٍ طاهرٍ فمسَّ فراشاً أو ثوباً نجساً، أو حائطاً نجساً -دون أن يستند إليه-، أو صلّى على مكانٍ طاهرٍ وكان جانِبُ المكان متنجِّساً، أو سقطتْ عليه نجاسةٌ فزالت أو أزالها بسرعة: صحّت صلاتُه؛ لأنّه ليس بحاملٍ للنّجاسة، ولا مُصَلٍّ عليها، ولحديث أبي سعيد رضي الله عنه: «بَيْنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهَا عَنْ يَسَارِهِ ، فَخَلَعَ النَّاسُ نِعَالَهُمْ؛ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم صَلاتَه قَالَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَائِكُمْ نِعَالَكُمْ؟ قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا. قَالَ: إِنَّ جِبْريلَ أَتَانِي فَأَخْبَرْنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَراً» [رواه أبو داود].

وتبطل الصّلاة إن عجز عن إزالتها في الحال، أو نسيها ثم علم بها بعد الصّلاة؛ لأنّ اجتناب النجاسة شرط لصحّة الصلاة.


* المواضع المنهي عن الصّلاة فيها:

أ- الأرضُ المغصوبةُ: لحُرْمة لُبْثِه فيها.

ب- المقبرةُ، والحمّامُ-محلُّ الاستحمام-: لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفرعاً: «الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلا المَقْبَرَةَ وَالحَمَّامَ» [رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه].

ج- المَجْزَرةُ، والمَزْبَلةُ، وقارعةُ الطّريقِ: لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: المَزْبَلَةُ، وَالمَجْزَرَةُ، وَالمَقْبَرَةُ، وَقَارِعَةُ الطَّرِيقِ، وَفِي الحَمَّامِ، وَفِي مَعَاطِنِ الإِبِلِ، وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ الله» [رواه الترمذي، وابن ماجه، وضعّفه الترمذيُّ وغيرُه]، ولأنّها مظنّة النّجاسة؛ فأشبهت الحمّام والحشّ.

د- الحُشُّ (مكان قضاء الحاجة): لاحتمالِ النجاسة، ولأنّه لما منع الشرعُ من الكلام وذكر الله فيه كان منعُ الصلاة فيه أولى.

هـ- معاطنُ الإبلِ: لحديث جابر بن سمرة رضي الله عنه : «أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ الله ! أَنُصَلِّى فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : أَنُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الإِبِلِ؟ قَالَ : لا» [رواه مسلم].

و- سُطوحُ المواضعِ المنهيِّ عنها: لأنّها تتبعها في البيع ونحوه.

ولا تصحُّ صلاةُ الفريضة داخلَ الكعبةِ- والحِجْرُ منها-، ولا على ظهرِها؛ لأنّه يكونُ مستدبراً لبعضها.

وتصحُّ صلاةُ النَّذر فيها وعليها، وكذا صلاةُ النَّفل؛ بل تسنُّ؛ لأنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي البَيْتِ رَكْعَتَينِ [متفق عليه]، وأُلحق النّذرُ بالنَّفل.


8- استقبالُ القبلةِ مع القدرةِ: لقوله تعالى: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الحََرَامِ﴾ [البقرة: 144]، وحديث: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَأَسْبِغِ الوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ» [متّفق عليه].

فإنْ لم يجد المُصلّي من يخبره عن القِبلة بيقين صلّى بالاجتهاد؛ فإنْ أخطأَ فلا إعادةَ عليه؛ لما روى عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ القِبْلَةَ؛ فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ حِيَالَهُ ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ؛ فَنَزَلَ: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّـهِ﴾ [البقرة: 115]» [رواه التّرمذيّ].

وإنْ أمكنه معاينةُُ الكعبةِ؛ فيجب عليه أن يستقبل في صلاته الكعبةَ بعينِها.

ويكفي البعيدَ إصابةُ الجهةِ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : «مَا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ قِبْلَةٌ» [رواه الترمذي، ابن ماجه وصحّحه التّرمذي].

9- النيّــةُ: ولا تسقطُ بحالٍ؛ لحديث عمر رضي الله عنه : «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» [متّفق عليه].

ومحلُّها: القلب.

وحقيقتُها: العزمُ على فعل الشيء.

وشرطُها: الإسلامُ، والعقلُ، والتّمييزُ؛ كسائر العبادات.

وزمنُها: أوّلُ العباداتِ أو قبلَها بيسير، والأفضلُ: قرنُها بالتّكبير؛ خروجاً من خلاف من شَرَط ذلك.



* تعيينُ الصَّلاةِ:

يُشترطُ مع نيّة الصّلاةِ تعيينُ ما يصلِّيه من ظهرٍ، أو عصرٍ، أو جمعةٍ، أو وترٍ، أو راتبةٍ؛ لتتميّز عن غيرها، وإلّا أجزأته نيّةُ الصّلاةِ إذا كانت نافلةً مطلقةً.

ولا يُشترطُ تعيينُ كونِ الصَّلاةِ حاضرةً، أو قضاءً، أو فرضاً؛ لأنّه إذا نوى ظهراً ونحوها عُلم أنّها فرضٌ.

* نيّةُ الإمامةِ، والائتمامِ، والمفارقةِ:

تُشترط نيّةُ الإمامةِ للإمامِ، ونيّةُ الائتمامِ للمأمومِ؛ لأنّ الجماعة يتعلق بها أحكامٌ خاصّة، وإنّما يتميّزُ المأمومُ من الإمامِ بالنيّة؛ فكانت شرطاً.

وتصحُّ نيّةُ المفارقةِ لكلٍّ من الإمامِ والمأمومِ لعُذر يبيحُ تركَ الجماعةِ-كمرضٍ أو تطويلٍ-؛ لقصّة معاذ رضي الله عنه حين أطال بالنّاس في صلاة العشاء؛ فانحرف رجلٌ فسلّم ثمّ صلّى وحده وانصرف.[متّفق عليه]. وقال الزهري -في إمام ينوبُه الدّمُ أو يرعفُ-: ينصرف وليقل: أتمُّوا صلاتَكم.

ويقرأُ المأمومُ لنفسِه إذا فارق إمامَه في حال القيام قبل قراءة الفاتحة، أو يُكْملُ على قراءة إمامِه، وبعد قراءة الفاتحة كلِّها: للمأموم الركوع في الحال؛ لأنّ قراءةَ الإمامِ قراءةٌ للمأمومِ.

* تغيير النيّة:

من أحرم بفرضٍ كالظهر، ثمّ قلبه نفلاً كراتبتها مثلاً: صحّ إن اتَّسع الوقتُ للنّفل والفرض، لكن يكره القلب لغير غرض صحيح؛ مثل: أن يحرم بالفرض منفرداً فتقام الجماعة؛ فيجعل صلاته نفلاً، ويُصلّي الفرض مع الجماعة.

وأمّا إذا لم يتّسع الوقتُ للفرضِ والنّفلِ وقلب النيّة: فإنّه لا يصحّ النّفلُ، ويبطل الفرضُ؛ لأنّه أفسد نيّته.

1- تعريف الصلاة :

الصلاة لغة هي الدعاء ، ومنه قول الله تعالى: ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دُعِيَ أحدُكُم فَلْيُجِبْ، فإنْ كانَ صَائِماً فَلْيُصلِّ ، وإنْ كانَ مُفْطِراً فَلْيُطْعِمْ – قال هشام: والصَّلاةُ الدُّعَاءُ) [مسلم وأبوداود] .

وأما تعريفها شرعاً: فهي التَّعَبُّد لله تعالى بأقوال وأفعال مُفْتَتَحَةٍ بالتَّكبيرِ مُخْتَتَمَةٍ بالتَّسْليمِ بشروط مخصوصة.

2- حكم الصلاة :

الصَّلاة رُكن من أركان الإسلام وفرض من فرائضه ، وهي واجبة بدلالة القرآن والسنة وإجماع الأمة .

فمن القرآن قول الله تعالى : ﴿إنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقًوتاً﴾ .

ومن السُّنة ما جاء في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ ، شَهادَةِ أَْنْ لا إِلَهَ إِلا الله وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَحَجِّ الْبَيْتِ لِمَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) [البخاري ومسلم].

وقد أجمعت الأمة على وجوب خمس صلوات في اليوم والليلة وهي الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء.

3- حكم تارك الصلاة :

من ترك الصَّلاة جاحداً ومُنكراً لوُجُوبها إنْ كان ممَّن لا يجهل وجوبها، فقد كفر وارتدَّ عن الإسلام؛ لأنه مكذب لله ورسوله، مخالف لما أجمعت عليه الأمة ، وقد بيَّن النَّبي صلى الله عليه وسلم حكم تارك الصلاة فقال: (العَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ) [أحمد والترمذي والنسائي، بإسناد صحيح].

وتجري عليه أحكام المرتدين ، فلا يصلى عليه ، ولا يدفن في مقابر المسلمين ، ولا يورث .

وأما من تركها تهاوناً وتكاسلاً مع الإقرار بوجوبها ، فهو مرتكب لكبيرة من الكبائر ، مُعرِّضٌ نفسه لعذاب الله وعقابه ؛ كما قال تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غيًّا﴾.

4- من تجب عليه الصلاة :

تجب الصلاة على كل مسلم بالغ عاقل سالم من الموانع .

فلا تصح الصلاة من الكافر بالإجماع ؛ لأنه لم يأت بأصل الإيمان ، والكفر محبط لجميع الأعمال؛ قال تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَنْثُوراً﴾.

ولا من الصغير غير المميز ، ولا المجنون ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ ، وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ) [أبوداود وابن ماجه] ،

أما المُمَيِّـزُ ، وهو من بلغ سبع سنين ، فتصح منه الصلاة ويثاب عليها ، وينبغي على وَليِّه أن يأمره بها إذا بلغ سبع سنين ، ويضربه على تركها إذا بلغ عشر سنين ؛ لما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْها وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ) [أحمد وأبو داود ، حديث حسن صحيح].

ولا من الحائض ولا النفساء؛ لحديث مُعاذَة العَدَويَّة قالت: (سَأَلْتُ عَائِشِةَ فَقُلْتُ : مَا بَالُ الحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ ؟ فَقَالَتْ : أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ ؟ قُلْتُ : لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ وَلَكِنِّي أَسْأَلُ. قَالَتْ : كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ ، وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ) [البخاري ومسلم].

أركان الصلاة
والمراد بالرُّكن: جزء الشيء الذي لا يتم إلا به .


فأركان الصلاة: هي أجزاء الصلاة التي لا تتحقق الصلاة إلا بها ولا توجد إلا بها ، بحيث إذا فُقد منها جزء فلا يقال لها صلاة . ولذا لا يسقط ركن من هذه الأركان عمداً ولا سهواً ولا جهلاً .

* وهي أربعة عشر ركناً :

الركن الأول: القيام في صلاة الفرض للقادر عليه منتصباً: لقوله تعالى ﴿ وَقُومُوا لله قَانِتِينَ ﴾ [البقرة :238] , وقوله صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين مرجع الفقة الميسر ماتحب معرفتة frown.gifصَلِّ قَائِماً فَإِنْ لَـمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ ) [رواه البخاري] .

- فإن وقف منحنياً أو مائلاً لغير عذر بحيث لا يُسمَّي قائماً لم تصح صلاته ؛ لأنه لم يأت بالقيام المفروض .

الركن الثاني: تكبيرة الإحرام : وهي أن يقول : (الله أكبر) ، ولا يجزئه غيرها ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء في صلاته : (إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ ...) [رواه البخاري ومسلم] .

- ولابد أن يقولها قائماً, فإن ابتدأها أو أتمها غير قائم لم تصح إذا كان في صلاة الفرض , وتصح إذا كانت في صلاة النفل ؛ لما تقدم من أن القيام في الفرض ركن .

- ويُبيّن التكبير ولا يَمُدُّ في غير موضع المد , فان فعل بحيث تغيَّر المعنى مثل : أن يمد الهمزة الأولى فيقول: (آلله) فيجعلها استفهاماً, أو يَمُدَّ (أكبر) فيزيد ألفاً فتكون : (أكبار) ونحو ذلك , لم يجز ولم تنعقد صلاته ؛ لمخالفة الأحاديث , ولأن المعنى قد تغير بذلك .

- والجهر بتكبيرة الإحرام بقدر ما يسمع نفسه , فرض , وكذا الجهر بكل ركن من أركان الصلاة وواجب من واجباتها , سواءً كان إماماً أو غيره , إلا أن يكون به عارض من طَرَشٍ أو ما يمنعه السماع فيأتي به بحيث لو كان سميعاً أو لا عارض به , سمعه ؛ لأنه ذِكْرٌ محلُّه اللِّسان ، ولا يكون كلاماً بدون الصوت , والصوت ما يُسمع وأقرب السامعين إليه نفسه , فمتى لم يسمعه لم يُعلم أنه أتى بالقول , ولا فرق بين الرجل والمرأة في ذلك .

الركن الثالث: قراءة الفاتحة ؛ فيلزمه أن يقرأ الفاتحة قراءةً صحيحةً مرتَّبةً غير ملحون فيها لحناً يُغيّر المعنى ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (لا صَلاةَ لِمَنْ لَـمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ ) [رواه البخاري ومسلم] .

- فإن ترك ترتيبها أو شَدَّةً منها أو لَحَنَ لَحْناً يُغيِّر المعنى مثل : أن يكسر كاف (إيَّاك) ، أو يضم تاء (أَنْعَمْتَ) , لم تصح قراءته , إلا أن يكون عاجزاً لا يستطيع أن يأتي بغير هذا .

- فإن لم يعرف إلا آيةً كررها سبع مرات بقدر الفاتحة ؛ لأنها بدل عنها , فإن لم يُحسن شيئاً من القرآن ولا أمكنه التعلم قبل خروج الوقت لزمه أن يقول : سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ؛ لحديث عبد الله بن أبي أوفى قال : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : إِنِّي لا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ شَيْئًا مِنَ القُرْآنِ فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي فَقَالَ : (قُلْ سُبْحَانَ الله وَالحَمْدُ لله وَلا إِلَهَ إِلا الله وَالله أَكْبَرُ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِالله ...) [رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن] .

الركن الرابع: الركـــوع ؛ لقول الله عز وجل ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا﴾ [الحج 77 ] ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء في صلاته : (... ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعاً ...) [رواه البخاري ومسلم] .

- وَأقلُّه: أن ينحني بحيث يمكنه مَسُّ رُكبتيه .

الركن الخامس: الرفع من الركوع ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته : (..ثُمَّ ارْفَعْ ...) [رواه البخاري ومسلم] .

- ولابد أن يقصد الرفع من الركوع ، فلو قصد غيره ؛ كما لو رفع فزعاً من شيءٍ مثلاً ، لم يجزئه , فعليه أن يرجع إلى الركوع ثم يرفع بقصد الرفع من الركوع .

الركن السادس: الاعتدال قائماً ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: (... ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِماً ) ، ولا تبطل الصلاة إن طال هذا الاعتدال ؛ لقول أنس رضي الله عنه : (...وَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا قَالَ : سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، قَامَ حَتَّى نَقُولَ قَدْ أَوْهَمَ ...) [رواه مسلم] .

الركن السابع: السجــود ؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا ﴾ [الحج 77 ] وقوله صلى الله عليه وسلم : (... ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِداً) .

- وأَقَلُّه : وضع جزء من كل عضو من الأعظم المذكورة على الأرض ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم مرجع الفقة الميسر ماتحب معرفتة frown.gifأُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمْ: الجَبْهَةُ ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَنْفِهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافَ القَدَمَيْنِ) [رواه البخاري ومسلم] .

- ومن عَجَزَ عن السجود على الجبهة لعارضٍ من مرض أو غيره , سقط عنه السجود على غيرها من أعضاء السجود ؛ لأنها الأصل وغيرها تبعٌ لها , فإذا سقط الأصل سقط التَّبع ؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إِنَّ اليَدَيْنَ يَسْجُدَانِ كَمَا يَسْجُدُ الوَجْهُ ، فَإِنْ وَضَعَ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ فَلْيَضَعْ يَدَيْهِ ، وَإِذَا رَفَعَهُ فَلْيَرْفَعْهُمُا) [رواه أحمد وأبو داود والنسائي بإسناد صحيح] . وعليه أن يُومئ برأسه قدر ما يمكنه ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم مرجع الفقة الميسر ماتحب معرفتة frown.gif...وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بَأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) [رواه البخاري ومسلم] .

الركن الثامن: الرفع من السجود ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته : (... ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِداً ، ثُمَّ ارْفَعْ ...) [رواه البخاري ومسلم]

الركن التاسع: الجلوس بين السجدتين ؛ للحديث السابق (... ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِساً...) .

الركن العاشر: الطمأنينة ؛ وهي سكون الأعضاء وإن قلَّ بقدر الإتيان بالواجب في كل ركن فِعْلِيٍّ ؛ لقول النبيصلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته : ( ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعاً ، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِماً ، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِداً ، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِساً...) ، ولمَّا أخلَّ بها قال له : (...ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ...)

الركن الحادي عشر: التشهد الأخير والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعده :

أما ركنية التشهد الأخير: فلحديث ابن مسعود رضي الله عنه : كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ التَّشَهُّدُ: السَّلامُ عَلَى الله , السَّلامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : (لا تَقُولُوا هَكَذَا , فَإِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ هُوَ السَّلامُ , وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لله...) [رواه النسائي والدارقطني بإسناد صحيح] . وهذا يدل على أنه فُرِض بعد أن لم يكن مفروضاً.

وصيغة التشهد: ما جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال : عَلَّمَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ : (التَّحِيَّاتُ لله وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ ، السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ الله الصَّالِحينَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا الله وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُه) وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا , فَلَمَّا قُبِضَ قُلْنَا : السَّلامُ - يعني - عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . [رواه البخاري ومسلم] .

وأما ركنية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فلقوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الحج 56]، ولحديث فَضَالَة بن عُبَيد : سَمِعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلاتِهِ لَمْ يُمَجِّدِ الله وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (عَجِلَ هَذَا) ، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ : (إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحَمِيدِ رَبِّه جَلَّ وَعَزَّ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ ، ثُمَّ يَدْعُوا بَعْدُ بِمَا شَاءَ) [رواه داود والنسائي والترمذي] .

- والقدر المجزئ من الصلاة المفروضة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد أن يقول : (اللهم صل على محمد) .

وأما صيغة الكمال فما جاء في حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه وفيه : ( ... فَقُلْنَا يَا رَسُولَ الله كَيْفَ الصَّلاةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ فَإِنَّ الله قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ ؟ قَالَ : (قُولُوا : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ) [رواه البخاري ومسلم] .

الركن الثاني عشر: الجلوس للتشهد والتسليم : لأنه صلى الله عليه وسلم فعله وداوم عليه كما جاء في صفة صلاته , وقد قال: (...صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي.. ) [رواه البخاري]. فلو تشهد غير جالس أو سَلَّم الأولى جالساً والثانية غير جالس لم تصح صلاته .

الركن الثالث عشر: التسليم : وهو أن يقول : السلام عليكم ورحمة الله ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم (.. وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ ) [رواه أبوداود والترمذي وابن ماجه بإسناد صحيح] . ولحديث ابن مسعود رضي الله عنه( أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ : السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله ، السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله ) [رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه بإسناد صحيح] .

- ويكفي في صلاة النافلة تسليمة واحدة ؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما : (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَفْصِلُ بَيْنَ الوِتْرِ وَالشَّفْعِ بِتَسْلِيمَةٍ وَيُسْمِعُنَاهَا) [رواه أحمد والطبراني وابن حبان بإسناد صحيح] .

- وكذا في صلاة الجنازة ؛ يُسنّ فيها تسليمة واحدة عن يمينه ؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه ( أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ، فَكَبَّرَ عَلَيْهَا أَرْبَعاً، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً ) [رواه الدارقطني والحاكم والبيهقي بإسناد حسن] .

الركن الرابع عشر: ترتيب الأركان على هذا النحو الذي ذُكر؛ فلو سجد مثلاً قبل ركوعه عمداً بطلت صلاته , أما إذا فعل ذلك سهواً لزمه الرجوع ليركع ثم يسجد ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها مرتبة وقال: (...صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي ...) ، وعَلَّمَها المُسيءَ في صلاته هكذا مرتبة .
فصل في واجبات الصلاة

الوَاجِبُ في الصلاة: أقل من الفرض ؛ وهو ما تبطل الصلاة بتركه عمداً مع العلم ، ولا تبطل بتركه سهواً أو جهلاً ، فإن تركه سهواً وجب عليه أن يسجد للسهو.

وواجبات الصلاة ثمانية :

الأول: التَّكبير لغير الإحرام بالصلاة : وهي تكبيرات الانتقال بين هيئات الصلاة من ركوع وسجود وجلوس وقيام ... ودليله : حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ ، ثُمَّ يَقُولُ : سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ : رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ ،ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلاةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا ، وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الجُلُوسِ ) [رواه البخاري ومسلم] .

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا...) [رواه البخاري ومسلم] . وهذا أمر منه صلى الله عليه وسلم بالتكبير , ومعلوم أن الأمر للوجوب .

- أما المسبوق : إذا كَبَّر تكبيرة الإحرام ولحق بالإمام راكعاً فتكبيرته هذه تجزئه عن تكبيرة الانتقال إلى الركوع؛ لما ثبت عن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت أنهما قالا: (إِذَا أَدْرَكَ الرَّجُلُ القَوْمَ رُكُوعاً فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ تَكْبِيرَةٌ وَاحِدَةٌ) [رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة بإسناد صحيح]، ولم يعرف لهما مخالف في ذلك من الصحابة.

- فَإِنْ كَبَّرَ للركوع بعد تكبيرة الإحرام فقد أحسن .


الثانـي: قول (سمع الله لمن حمده) للإمام والمنفرد ؛ لحديث أبي هريرة السابق (... ثُمَّ يَقُولُ سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ...) .

- أما المأموم فلا يجب عليه ذلك ، وإنما يجب عليه قول : (ربنا ولك الحمد) كما سيأتي بعده .

الثالث: قول (ربنا ولك الحمد) للجميع؛ أي الإمام والمأموم والمنفرد ؛ لحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه , وفيه (... وَإِذَا قَالَ – يعني الإمام- سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا : اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ ...) [رواه مسلم] .

الرابع والخامس: قول (سبحان ربي العظيم) مرة في الركوع , و(سبحان ربي الأعلى) مرة في السجود ؛ لحديث حُذَيْفَةَ رضي الله عنه : (أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ يَقُولُ فِى رُكُوعِهِ : سُبْحَانَ رَبِّىَ الْعَظِيمِ , وَفِى سُجُودِهِ : سُبْحَانَ رَبِّىَ الأَعْلَى) [رواه أبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجه بإسناد صحيح] .

السادس: قول (رب اغفر لي) بين السجدتين ؛ لحديث حذيفة رضي الله عنه ، وفيه ( ... وَكَانَ يَقْعُدُ فِيمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ نَحْوًا مِنْ سُجُودِهِ ، وَكَانَ يَقُولُ : رَبِّ اغْفِرْ لِي ، رَبِّ اغْفِرْ لِي ...) [رواه أبوداود والنسائي وابن ماجه بإسناد صحيح] .

السابع والثامن: التشهد الأول والجلوس له ؛ لحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قالمرجع الفقة الميسر ماتحب معرفتة frown.gif إِذَا قَعَدْتُمْ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَقُولُوا : التَّحِيَّاتُ لله وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ ...) [رواه أحمد والنسائي بإسناد صحيح] .

وحديث رفاعة بن رافع رضي الله عنه وفيه (... فَإِذَا جَلَسْتَ فِى وَسَطِ الصَّلاَةِ فَاطْمَئِنَّ ، وَافْتَرِشْ فَخِذَكَ اليُسْرَى ، ثُمَّ تَشَهَّدْ ...) [رواه أبو داود والبيهقي بإسناد حسن] . ولمّا نسي النبي صلى الله عليه وسلم التشهد الأول في صلاة الظهر سجد له سجود السهو , كما في حديث عبد الله بن بُحينة رضي الله عنه (أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَامَ فِي صَلاةِ الظُّهْرِ وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ ، فَلَمَّا أَتَمَّ صَلاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ، فَكَبَّرَ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ، وَسَجَدَهُمَا النَّاسُ مَعَهُ مَكَانَ مَا نَسِيَ مِنْ الجُلُوسِ) [رواه البخاري ومسلم] .

- ويسقط التشهد الأول عن المأموم إذا قام إمامه إلى الركعة الثالثة سهواً ؛ لوجوب متابعته لإمامه .

سنن الصلاة



1) سنن الصلاة: هي أقوال وأفعال لا تبطل الصلاة بترك شيء منها عمداً أو سهواً ، ويباح للسهو فيها سجود السهو .

2) وسنن الصلاة تنقسم إلى سنن قولية وسنن فعلية .

3) فالسنن القولية هي:

أ – دعاء الاستفتاح:
وهو الدعاء الذي يقال بعد تكبيرة الإحرام وقبل قراءة الفاتحة . وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه أكثر من صيغة ، من ذلك ما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها قالت : (كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلاَةَ قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ) [أبو داود والترمذي ، وصححه ابن الجوزي ، وابن الملقن].

ب- الاستعاذة قبل البسملة والقراءة:
وصفة الاستعاذة في الصلاة ورد بيانها في حديث أبي سعيد الخدري: (أَعُوذُ بِالله السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ) [أحمد وأبوداود، بإسناد حسن] .

ج- البسملة . لحديث أم سلمة:
(أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَرَأَ فِي الصَّلاةِ « بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ » ، فَعَدَّهَا آيَةً ، « الحَمْدُ لله رَبِّ العَالمَيِنَ » آيتين...) [الحاكم وابن خزيمة ، وصححه البيهقي] .

والسُّنة أن يقولها سراً لا جهراً لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمانَ ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَداً مِنْهُمْ يَقْرَأُ بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) [مسلم] ، وفي رواية : (لا يَجْهَرُونَ بـ « بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ») [أحمد بإسناد صحيح على شرط مسلم].

د – التأمــين:
وهو قول (آمين) بعد قوله (ولا الضالين) ، لما جاء في حديث وائل بن حجر قال : (كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا قَرَأَ : ﴿ وَلا الضَّالِّينَ ﴾ ؛ قال :« آمِينْ » . وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ) [أبو داود والترمذي، وصححه الدارقطني وابن حجر].

هـ- قراءة سورة بعد الفاتحة:
لما روى أبو قتادة قال: (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ صَلاةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ ، يُطَوِّلُ فِي الْأُولَى وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ ، وَيُسْمِعُ الْآيَةَ أَحْيَانًا ، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الْأُولَى ، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ) [البخاري ومسلم].

و – الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية:
كصلاة الصبح والجمعة ، والركعتين الأوليين من المغرب والعشاء، والعيدين؛ وهذا بإجماع السلف والخلف ، لما ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم .

أما المأموم فيكره له الجهر في القراءة الجهرية ؛ لأنه مأمور بالإنصات لقراءة الإمام، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ مِنْ صَلاةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةَ فَقَالَ : هَلْ قَرَأَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مَعِيَ آنِفاً ؟ فَقَالَ رَجُلٌ : نَعَمْ يَا رَسُولَ الله . فَقَالَ : مَا لِي أُنَازِعُ القُرْآنَ ؟ قَالَ : فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ القِرَاءَةِ مَعَهُ ، فِيمَا جَهَرَ فِيهِ مِنَ الصَّلَوَاتِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْهُ) [أحمد وأبو داود والترمذي، وحسنه] .

أما المنفرد فيُخَيَّرُ بين الجَهْرِ والإسْرَار في القراءة ؛ لأنه غير مأمور بالإنصات لغيره .

ز – الدعاء بعد التحميد (ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد):
لما روى ابن أبي أوفى قال : (كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا رَفَعَ ظَهْرَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ: سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا لَكَ الحْمْدُ مِلْءَ السَّمَاءِ وَمِلْءَ الأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيءٍ بَعْدُ) [مسلم] .

أما المأموم فيستحب له الاقتصار على قوله (ربنا ولك الحمد) لقوله صلى الله عليه وسلم : (وَإِذَا قَالَ : سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا : رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ) [مسلم] ، إذ لم يأمر المأموم بالزيادة على ذلك الدعاء.

ح- الزيادة في تسبيح الركوع والسجود وقول (رب اغفر لي) أكثر من مرة:
لما ثبت من حديث حذيفة بن اليمان (أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إِذَا رَكَعَ : سُبْحَانَ رَبِّيَ العَظِيمُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى ثَلاثَ مَرَّاتٍ) [أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح].

ولما روى حذيفة أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين : (رَبِّ اغْفِرْ لِي ، رَبِّ اغْفِرْ لِي) [النسائي وابن ماجه، بإسناد صحيح رجاله ثقات]

ط- الصلاة على آل النبي صلى الله عليه وسلم والبركة عليه وعليهم في التشهد الأخير:
لما جاء في حديث كعب بن عجرة قال: (خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ الله ، قَدْ عَلِمْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: قُولُوا : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) [البخاري ومسلم].

ي- الدعاء بعد التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله:
لما جاء في حديث أبي هريرة مرفوعاً: (إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِالله مِنْ أَرْبَعٍ : مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ ، وَمْنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ ، وَمْنْ شَرِّ المَسِيحِ الدَّجَّالِ) [مسلم] .


4) وأما السنن الفعلية ، وتسمى الهيئات ، فهي :

أ – رفع اليدين مع التكبير ؛ سواء في تكبيرة الإحرام أو تكبيرات الانتقال:
لما جاء في حديث عبد الله ابن عمر قال : (رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ فِي الصَّلاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ ، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ ، وَيَقُولُ : سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ ، وَلا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ) [البخاري ومسلم] .

ب – وضع اليمين على الشمال تحت السُّرَّة:
لما جاء في حديث وائل بن حجر (أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِى الصَّلاَةِ كَبَّرَ ، ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى) [مسلم] ، وعن علي قال: (مِنَ السُّنَّةِ في الصَّلاةِ المَكْتُوبَةِ وَضْعُ الأَيْدِي عَلَى الأَيْدِي تَحْتَ السُّرَّةِ) [أحمد وأبوداود، وضعفه أبو داود والبيهقي والنووي وابن الملقن وابن حجر] .

والرواية الأخرى في المذهب أنه يضعهما فوق السُّرَّة ؛ لما صح من حديث وائل ابن حجر(أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ ثُمَّ وَضَعَهُمَا عَلَى صَدْرِهِ] [البيهقي ، بإسناد حسن] .

ج – النظر إلى موضع السجود في الصلاة:
لما جاء في حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كَانَ إِذَا صَلَّى رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَنَزَلَتْ ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ ، فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ) [الحاكم ، وقال : صحيح على شرط الشيخين].

د – التفرقة بين القدمين أثناء القيام للصلاة:
لما جاء في حديث عبد الله بن مسعود (أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً صَفَّ بَيْنَ قَدَمَيْهِ – يَعْنِي فِي الصَّلاةِ – فَقَالَ : أَخْطَأَ السُّنَّة ، وَلَوْ رَاوَحَ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ) [النسائي وقال: والحديث جيد ].

هـ- القبض على الركبتين مع التفريج بين الأصابع أثناء الركوع:
لما جاء في حديث أبي حميد في صفة ركوع النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثُمَّ رَكَعَ فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَأَنَّهُ قَابِضٌ عَلَيْهِمَا ، وَوَتَرَ يَدِيْهِ فَتَجَافَى عَنْ جَنْبَيْهِ) [أحمد وأبو داود ، بإسناد صحيح].

و – مد الظهر في الركوع مستوياً مع الرأس:
لما جاء في حديث أبي حميد في صفة ركوع النبي صلى الله عليه وسلم : (وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ) [البخاري] ، ومعنى هَصَرَ ظهره : أي ثناه في استواءٍ من غير تَقْويسٍ، وفي حديث عائشة: (وَكَانَ إِذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأَسَهُ وَلَمْ يُصَوِّبْهُ، وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ) [مسلم].

ز – البدء بوضع الركبتين أثناء النزول إلى السجود قبل اليدين ، ثم الجبهة ثم الأنف:
لما جاء في حديث وائل بن حجر قال: (رَأَيْتُ رَسُولَ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ) [أبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي، وصححه ابن حبان والحاكم وابن الملقن ، وحسنه الترمذي].

ح – تمكين أعضاء السجود من الأرض:
لما ثبت في حديث أبي حميد أن النبي صلى الله عليه وسلم : (كَانَ إِذَا سَجَدَ أَمْكَنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ مِنَ الأَرْضِ) [الترمذي وأبو داود بإسناد صحيح]، ومعنى التمكين : أن يتحامل على جبهته وأنفه بثقل رأسه ، بحيث لو سجد على قطن أو حشيش انكبس وظهر أثره .

ط – ومن السنة أن يباشر المصلي بأعضاء السجود محل سجوده:
بأن لا يكون عليها حائل متصل به من قماش وجلد ونحوهما ، ولا يجب عليه ذلك ؛ لما روى أنس رضي الله عنه قال: (كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي شِدَّةِ الحَرِّ ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ وَجْهَهُ مِنَ الأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ) [البخاري ومسلم]

أما مباشرة الركبتين لموضع السجود فمكروه إجماعاً؛ لأن الركبتين محل لما أمر ستره من العورة في الصلاة ، فإذا باشر المصلي فيهما موضع السجود لزم منه انكشاف شيء من العورة .

ي- مجافاة العضدين عن الجنبين أثناء السجود:
لما جاء في حديث عبد الله بن بحينة قال: (كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ) [البخاري ومسلم]

ك- مجافاة الفخذين عن البطن ، والفخذين عن الساقين ؛ لحديث أبي حميد قال: (كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ فَخِذَيْهِ غَيْرَ حَامِلٍ بَطْنَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَخِذَيْهِ) [أبوداود، وهو ضعيف بهذا السياق]. وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ) [البخاري ومسلم] .

ل- التفريق بين الركبتين في السجود:
لحديث أبي حميد قال: (كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ فَخِذَيْهِ) [أبوداود ، وضعفه ابن الملقن].

م- نصب القدمين أثناء السجود وإقامتهما مع جعل باطن الأصابع على الأرض مفرقة:
لحديث أبي حميد قال: (فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلا قَابِضَهُمَا ، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ رِجْلَيْهِ القِبْلَةَ) [البخاري] ، وفي رواية : (ثُمَّ جَافَى بَيْنَ عَضُدَيْهِ عَنْ إِبْطَيْهِ وَفَتَحَ أَصَابِـعَ رِجْلَيْهِ) [الترمذي وقال : حسن صحيح] .

ن – وضع اليدين في السجود حذو المنكبين مبسوطة مضمومة الأصابع تجاه القبلة:
لحديث أبي حميد قال: (ثُمَّ سَجَدَ فَأَمْكَنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ) [أبوداود والترمذي وقال: حسن صحيح]، وفي حديث البراء قال: (فَبَسَطَ كَفَّيْهِ) [أبو داود والنسائي، وحسنه النووي] ، وعن وائل بن حجر: (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا سَجَدَ ضَمَّ أَصَابِعَهُ) [ابن خزيمة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي]، وعن البراء قال: (وَإِذَا سَجَدَ وَجَّهَ أَصَابِعَهُ قِبَلَ القِبْلَةِ) [البيهقي وإسناده صحيح] .

س – رفع اليدين أولاً عند القيام إلى الركعة:
مع القيام على صدور القدمين والاعتماد على الركبتين ؛ لحديث وائل بن حجر قال: (رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ ، وَإِذَا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ) [أبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي، وصححه ابن حبان والحاكم وابن الملقن] ، وفي رواية: (وَإِذَا نَهَضَ نَهَضَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَاعْتَمَدَ عَلَى فَخِذَيْهِ) [أبوداود ، وضعفه النووي وابن الملقن] ، وعن أبي هريرة (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي الصَّلاةِ يَنْهَضُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ) [الترمذي وضعفه] .وعن عبد الرحمن ابن يزيد قال: (رَمَقْتُ عَبْدَ الله بْنَ مَسْعُودٍ فِي الصَّلاةِ ، فَرَأَيْتُهُ يَنْهَضُ وَلا يَجْلِسْ ، قَالَ: يَنْهَضُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى وَالثَّالِثَةِ) [الطبراني في الكبير والبيهقي ، بإسناد صحيح] .

ع – الافتراش في الجلوس بين السجدتين وفي التشهد الأول:
ومعنى الافتراش : أن يثني رجله اليسرى فيبسطها ويجلس عليها ، وينصب رجله اليمنى ويجعل بطون أصابعه على الأرض أطراف أصابعها إلى القبلة ، وقد ورد بيان ذلك في حديث أبي حميد قال: (فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ اليُسْرَى وَنَصَبَ اليُمْنَى) [البخاري].

ف – التَّوَرُّك في التشهد الثاني:
وصفة التَّوَرُّك أن ينصب رجله اليمنى ، ويجعل باطن رجله اليسرى تحت فخذه اليمنى ، ويجعل أليته (مقعدته) على الأرض؛ وهذه الصفة وردت في حديث أبي حميد قال: (وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ ، قَدَّمَ رِجْلَهُ اليُسْرَى وَنَصَبَ الأُخْرَى وَجَلَسَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ) [البخاري].

ص – وضع اليدين على الفخذين مبسوطتين مضمومتي الأصابع بين السجدتين وفي التشهد:
إلا أنه في التشهد يقبض الخنصر والبنصر من يده اليمنى ، ويحلق الإبهام مع الوسطى ، ويشير بالسبابة عند ذكر الله؛ لما ثبت من حديث ابن عمر (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلاةِ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ، وَرَفَعَ إِصْبَعَهُ اليُمْنَى الَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ فَدَعَا بِهَا ، وَيَدُهُ اليُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ اليُسْرَى بَاسِطَهَا عَلَيْهَا) [مسلم].

ق – الالتفات يميناً وشمالاً عند التسليم من الصلاة مع نيته به الخروج من الصلاة:
لحديث سعد بن أبي وقاص قال: (كُنْتُ أَرَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى أَرَى بَيَاضَ خَدِّهِ) [مسلم] .

ر- ويسن الالتفات عن اليسار أكثر من اليمين:
لحديث عمار رضي الله عنه قال : (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الأَيْمَنِ ، وَإِذَا سَلِّمَ عَنْ شِمَالِهِ يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الأَيْمَنِ وَالأَيْسَرِ) [رواه الدارقطني، وصححه النسائي وابن حبان] .

فصل فيما يكره في الصلاة





1) يكره للمصلي الاقتصار في القراءة على الفاتحة؛ لأنه خلاف سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة ، إذ كان عليه الصلاة والسلام يقرأ بعد الفاتحة ما تيسر له من القرآن لا سيما في صلاة الفجر والركعتين الأوليين من الظهر والعصر والمغرب والعشاء .



2) ويكره للمصلي تكرار الفاتحة في نفس الركعة ؛ لأنه لم ينقل عنه أنه كرر قراءتها في ركعة واحدة ، فكان مخالفة ذلك أمراً مكروهاً ؛ وخروجاً من خلاف العلماء في أن من كرر ركناً متعمداً هل تبطل صلاته .



3) ويكره للمصلي الالتفات في الصلاة لغير حاجة ؛ لما ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الاِلْتِفَاتِ في الصَّلاَةِ فَقَالَ : هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ الْعَبْدِ) [البخاري].



* ومن الالتفات المكروه في الصلاة رفع البصر إلى السماء أثناء الصلاة ؛ لما ثبت من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ في الصَّلاةِ أَوْ لا تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ) [مسلم].



فإن كان التفاته لحاجة فلا يكره ، لما جاء في حديث سهل بن الحنظلية قال : (ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ - يَعْنِى صَلاَةَ الصُّبْحِ - فَجَعَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى وَهُوَ يَلْتَفِتُ إِلَى الشِّعْبِ- قال: أبوداود : وَكَانَ أَرْسَلَ فَارِسًا إِلَى الشِّعْبِ مِنَ اللَّيْلِ يَحْرُسُ) [أبوداود بإسناد صحيح].



4) ويكره تغميض العينين أثناء الصلاة ؛ لما فيه من التشبه باليهود في صلاتهم ، ولأنه مظنة جلب النوم، أما إن كان تغميض العينين لحاجةٍ ؛ كمنع نفسه من النظر إلى محرَّم أو ما يسبب في تشويش الصلاة عليه ، فلا يكره .



5) ويكره للمصلي أن يحمل ما يشغله عن الصلاة ؛ لأن ذلك يذهب خشوعه ، والله تعالى يقول : ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ .



6) ويكره للمصلي أن يفترش ذراعيه أثناء السجود ؛ والافتراش أن يبسط المصلي مرفقيه فيجعلهما ملاصقين للأرض . وقد ثبت النهي عن ذلك في حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ ، وَلا يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ) [البخاري ومسلم].



7) ويكره العبث والحركة للمصلي في صلاته ؛ لأن ذلك ينافي الخشوع المأمور به في الصلاة ، وروي عن سعيد بن المسيب أنه رأى رجلاً يعبث بالحصى في صلاته فقال: (لَوْ خَشَعَ قَلْبُ هَذَا لَـخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ) [عبدالرزاق وابن أبي شيبة].



8) ويكره للمصلي وضع يديه على خاصرته أثناء الصلاة ؛ لما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : (نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِراً) [البخاري ومسلم] .



9) ويكره للمصلي التَّمطِّي والتَّمغُّط أثناء الصلاة ؛ لأنه يخرج المصلي عن هيئة الخشوع في الصلاة ، ويوحي بالكسل ، وهو من العبث الذي يجب تنزيه الصلاة عنه .



10) ويكره التثاؤب في الصلاة ؛ لما ثبت في عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التَّثَاؤُبُ في الصَّلاةِ مِنَ الشَّيْطَانِ ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظُمْ مَا اسْتَطَاعَ) [الترمذي وقال: حسن صحيح].



11) ويكره للمصلي أن يصلي وأمامه ما يشغله أو يلهيه ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلامٌ ، فَنَظَرَ إِلَى أَعْلامِهَا نَظْرَةً ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ : اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ ؛ فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلاتِي) [البخاري ومسلم] .



12) ويكره للمصلي أن يصلي إلى صورة أو تمثال ؛ لحديث عائشة رضي الله عنه (أَنَّهُ كَانَ لَهَا ثَوْبٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ مَمْدُودٌ إِلَى سَهْوَةٍ ، فَكَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى إِلَيْهِ ، فَقَالَ : أَخِّرِيهِ عَنِّي) ، وفي رواية : (فَإِنَّهُ لا تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ فِي صَلاتِي) [البخاري] ؛ ولما فيه من التشبه بعبادة الأوثان .



13) ويكره للمصلي أن يصلي في مقابل وجه آدمي ؛ لأن ذلك مما يشغل المصلي ويلهيه عن صلاته .



14) ويكره للمصلي أن يصلي عند من يتحدِّث ، أو عند نائم ؛ لما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (نُهِيتُ أَنْ أَصَلِّي خَلْفَ المُتَحَدِّثِينَ وَالنِّيَامِ) [الطبراني بإسناد حسن].



15) ويكره للمصلي أن يصلي وأمامه نار؛ لما فيه من التشبه بالمجوس في عبادتهم النار.



16) ويكره للمصلي مسُّ الحصى أو تسوية التراب أثناء الصلاة بلا عذر ؛ لحديث معيقيب قال: (ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المَسْحَ في المَسْجِدِ – يَعْنِي الحَصَى – قَالَ: إِنْ كُنْتَ لاَ بُدَّ فَاعِلاً فَوَاحِدَةً) [البخاري ومسلم]



17) ويكره للمصلي استعمال مروحة يدوية ونحوها أثناء صلاته ؛ لأن هذا من العبث ، وهو يشتمل على حركة دائمة تشغل الإنسان عن صلاته .



18) ويكره للمصلي فرقعة أصابعه أو تشبيكها أثناء الصلاة ؛ أما كراهة الفرقعة فلأنها من العبث في الصلاة ، ولما يحدثه من تشويش على من حوله من المصلين ؛ وعن شعبة مولى ابن عباس قال: (صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَفَقَعْتُ أَصَابِعِي، فَلَمَّا قَضَيْتُ الصَّلاةَ قَالَ: لا أُمَّ لَكَ! تَفْقَعُ أَصَابِعَكَ وَأَنْتَ فِي الصَّلاةِ؟) [ابن أبي شيبة بإسناد حسن]



أما التشبيك بين الأصابع فيكره في الصلاة ، لما ورد في حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ ثُمَّ خَرَجَ عَامِداً إِلَى المَسْجِدِ فَلا يُشَبِّكَنَّ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَإِنَّهُ في صَلاةٍ) [الدارمي والحاكم وصححه ، ووافقه الذهبي] ، فإذا كان ينهى عن التشبيك عند قصد المسجد ، ففي داخل الصلاة أولى بالنهي .



19) ويكره للمصلي مسُّ لحيته أثناء الصلاة ؛ لأنه من العبث ، وعدم الخشوع في الصلاة .



20) ويكره للمصلي كفُّ ثوبه أثناء الصلاة ؛ ومعنى كف الثوب : أي جمعه وضمُّه ؛ وقد ورد النهي عنه في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ ، وَلاَ أَكُفَّ ثَوْبًا وَلاَ شَعْرًا) [البخاري ومسلم] .



21) ويكره للمصلي أن يمسح ما علق بجبهته من أثر السجود ؛ لما ثبت عن عبد الله بن مسعود أنه قال: (مِنَ الجَفَاءِ: أَنْ تَمْسَحَ وَجْهَكَ وَأَنْتَ فِي الصَّلاةِ) [البيهقي، بإسناد صحيح].



22) ويكره للمصلي أن يستند إلى شيء أثناء صلاته بلا حاجة ؛ لأنه يزيل مشقة القيام .



أما إذا استند إلى شيء بقوة بحيث لو أزيل ذلك الشيء لسقط المصلي ، فإن الصلاة تبطل بذلك .



فإن كان محتاجاً إلى الاستناد إلى شيء من جدار أو عمود بسبب مرض ونحوه، جاز له الاستناد من غير كراهة ، لما ثبت أم قيس بنت محصن: (أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لمَّا أَسَنَّ وَحَمَلَ اللَّحْمَ اتَّخَذَ عَمُودًا في مُصَلاَّهُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ) [أبو داود، وصححه الحاكم والذهبي].



23) ويكره للمصلي أن يحمد الله إذا عطس في صلاته أو وجد ما يَسُرُّه ، أو أن يسترجع إذا وجد ما يغمه؛ لأن من العلماء من يبطل الصلاة إذا أتى المصلي بكلام ليس من أذكار الصلاة ، فالقول بكراهة ذلك للمصلي خروجاً من الخلاف في هذه المسألة.



24) وتكره الصلاة بحضرة الطعام أو وهو حاقن للبول أو الغائط ؛ لما ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صَلاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ ، وَلا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ) [مسلم].



ويكره للمصلي أن يدافع ما بداخله من ريح أثناء الصلاة؛ لأنه في معنى مدافعة البول والغائط.



25) ويكره للمصلي الإقعاء في الجلوس ؛ وصفة الإقعاء المنهي عنه : أن يلصق الرجل أليتيه (مقعدته) بالأرض وينصب ساقيه وفخذيه ويضع يديه على الأرض؛ لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن (إِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ الكَلْبِ) [أحمد ، وحسنه الهيثمي].



فصل فيما يبطل الصـلاة



1) بطلان الطهارة؛ بأي سبب من الأسباب المبطلة للطهارة ؛ كخروج البول أو الغائط أو الريح أو النوم؛ لأن الطهارة شرط في صحة الصلاة ، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يَقْبَلُ الله صَلاةِ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ) [البخاري ومسلم].

2) كشف العورة عمداً؛ لأن ستر العورة أيضاً من شروط صحة الصلاة، وسواء كان الانكشاف كثيراً أو يسيراً ، طال زمانه أو قصر ، فإنه يبطل الصلاة إذا كان عمداً .

أما الانكشاف الفاحش عرفاً مع طول زمانه فيبطل الصلاة ، وإن لم يتعمد كشفها .

فإن كان الانكشاف فاحشاً عرفاً وقصر زمانه ، لم يبطل الصلاة إذا لم يتعمد كشفها . ومثله إذا انكشف شيء يسير من العورة من غير عمد ، فلا يبطل الصلاة ، لما ثبت من حديث عمرو بن سلمة رضي الله عنه ، وفيه: (فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ لِي صَغِيرَةٌ صَفْرَاءُ ، فَكُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ تَكَشَّفَتْ عَنِّى ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ النِّسَاءِ : وَارُوا عَنَّا عَوْرَةَ قَارِئِكُمْ. فَاشْتَرَوْا لِي قَمِيصًا عُمَانِيًّا...) [البخاري وأبوداود واللفظ له]

3) استدبار القبلة مع القدرة على استقبالها مبطل للصلاة؛ لأن استقبال القبلة من شروط صحة الصلاة، ولقول الله تعالى : ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾.

ويسقط استقبال القبلة في ثلاثة مواضع :

الأول: حال العجز عن استقبالها ، كما لو كان مربوطاً إلى غير القبلة ، أو مريضاً عاجزاً عن استقبال القبلة ، فيصلي على حسب حاله ؛ لقول الله تعالى : ﴿فَاتَّقُواْ الله مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾.

الثاني: حال اشتداد الخوف ، كحال التحام الصفوف في الحروب ؛ لما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا ، قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ أَوْ رُكْبَانًا ، مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا) [البخاري] .

الثالث: أداء المسافر لصلاة النافلة على الراحلة أثناء سير ، ولكن يلزمه افتتاح الصلاة إلى القبلة ؛ لما ثبت من حديث أنس بن مالك رضي الله عنهما (أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا سَافَر فَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ القِبْلَةَ ، فَكَبَّرَ ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ وَجَّهَهُ رَكَابُهُ) [أبو داود بإسناد حسن] .

4) إصابة المصلي بالنجاسة مع علم بها ولم يزلها في الحال؛ لأن إزالة النجاسة من الطهارة التي هي شرط لصحة الصلاة . فإن أزالها في الحال صحت صلاته ، لما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : (بَيْنَمَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم صَلاَتَهُ قَالَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَائِكُمْ نِعَالَكُمْ ؟ قَالُوا : رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا) [أبو داود بإسناد صحيح] .

5) العمل الكثير من غير جنس الصلاة، لغير ضرورة ؛ كالمشي والحك وتعديل الثياب والنظر في الساعة، إذا كثر وكان متوالياً ، أبطل الصلاة إجماعاً ، ولأنه يقطع الموالاة ، ويمنع متابعة الأركان، ويذهب الخشوع .

فإن كانت الحركة من غير جنس الصلاة لضرورة ؛ كالخائف من عدو أو حيوان ، أو حكة لا يصبر عنها، أو لقتل عقرب أو حية، لم تبطل الصلاة ؛ لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلاةِ العَقْرَبُ وَالحَيَّةُ) [أحمد وابن ماجه بإسناد صحيح].

ولا تبطل الصلاة كذلك إذا كانت العمل متفرقاً غير متوالٍ ؛ ويدل لذلك حديث أبي قتادة (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْرُجُ وَهُوَ حَامِلٌ ابْنَةَ زَيْنَبَ عَلَى عُنُقِهِ ، فَيَؤُمُّ النَّاسَ ، فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا) [أحمد بإسناد صحيح].

6) الاعتماد بقوة على شيء أثناء الصلاة بغير عذر، بحيث لو أزيل هذا الشيء الذي يعتمد عليه لسقط؛ لأن القيام ركن من أركان الصلاة ، والمستَنِد بقوة في حكم غير القائم.

7) إذا قام للركعة الثالثة ونسي التشهد ثم رجع إليه بعد البدء بالقراءة وهو ذاكر عالم بالحكم ؛ لأنه زاد فعلاً من جنس الصلاة ، ولما روى زياد بن علاقة قال: (صَلَّى بِنَا المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ ، فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَامَ وَلَمْ يَجْلِسْ ، فَسَبَّحَ بِهِ مَنْ خَلْفَهُ ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ قُومُوا ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ سَلَّمَ وَسَجَدَ سَجْدَتَي السَّهْوِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ: هَكَذَا صَنَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم) [الترمذي بإسناد صحيح]. أما إن رجع ناسياً أو جاهلاً ، فلا تبطل صلاته .

8) تعمد زيادة ركن فعلي في الصلاة ؛ كالركوع والسجود، فتبطل الصلاة ؛ لأن هذه الزيادة تخلَّ بنظم الصلاة وتغيّر هيأتها ، فلم تكن صلاة ولا فاعلها مصلياً؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ) [البخاري ومسلم] .

أما لو كانت الزيادة سهواً فلا تبطل الصلاة بذلك ؛ لما ثبت من حديث ابن مسعود (إِذَا زَادَ الرَّجُلُ أَوْ نَقَصَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ) [مسلم]. ولا تبطل أيضاً إذا زاد ركناً قوليًّا كقراءة الفاتحة مرتين .

9) تقديم بعض الأركان على بعض عمداً؛ كتقديم السجود على الركوع ، فتبطل الصلاة حال التعمد؛ لأن ترتيب أركان الصلاة ركن في الصلاة ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) [البخاري].

أما في حال السهو ، فلا تبطل الصلاة ، ولكن يجب عليه أن يرجع إلى الركن الذي تركه .

10) السلام قبل إتمام الصلاة عمداً ؛ فتبطل الصلاة ؛ لأنه تكلم في الصلاة في موضع غير مأذون به ، ولأنه على غير ما أمر الله به ورسوله من كون التسليم بعد إتمام الصلاة .

11) إحالة المعنى في القراءة عمداً ؛ كالذي يكسر الكاف في (إياكَ) أو يضم التاء في (أنعمتَ)، وسواء أكان اللحن في قراءة الفاتحة أو في غيرها ، فإنها تبطل الصلاة إذا تعمد ذلك ؛ لأن هذا من الاستهزاء المحرم.

12) الدخول في الصلاة عرياناً لعدم وجود ما يستر به عورته ، ثم وجد سترة بعيدة عنه أثناء الصلاة ؛ فهذا تبطل صلاته لأنه لا يمكنه أن يستتر إلا بعمل كثير ينافي حال الصلاة .

13) فسخ النية ، والتردد فيها ، والعزم على فسخها؛ مبطل للصلاة ؛ لأن استدامة النية شرط في صحة الصلاة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) [البخاري ومسلم] .

14) إذا شك هل نوى للصلاة أو لا ، فبنى صلاته على الشك ؛ بطلت صلاته ؛ لأن الأصل عدم النية.

15) الدعاء بملذات الدنيا ؛ كقوله : (اللهم ارزقني زوجة حسناء وطعاماً طيباً) ؛ لأنه من كلام الآدميين ؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ) [رواه مسلم].

* والرواية الأخرى في المذهب جواز الدعاء بحوائج الدنيا وملاذها ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنْ الدُّعَاءِ بَعْدُ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ يَدْعُو بِهِ) [النسائي بإسناد صحيح] .

16) الضحك والقهقهة بصوت مرتفع في الصلاة ؛ لما جاء عن جابر رضي الله عنه موقوفاً : (مَنْ ضَحِكَ فِي الصَّلاةِ أَعَادَ الصَّلاةَ وَلَمْ يُعِدِ الوُضُوءَ) [الدارقطني وقال: الصحيح عن جابر من قوله].

17) الكلام في الصلاة ولو سهواً ؛ لحديث زيد بن أرقم رضي الله عنه (كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلاَةِ يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ وَهُوَ إِلَى جَنْبِهِ فِي الصَّلاَةِ ، حَتَّى نَزَلَتْ ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ ، فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنِ الْكَلاَمِ) [البخاري ومسلم].

18) تقدم المأموم على الإمام ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ) [البخاري ومسلم] ، ولم ينقل تقدم المأموم على الإمام عن أحد من السلف أو الخلف.

19) بطلان صلاة الإمام تبطل صلاة المأموم خلفه ؛ لارتباط صلاة المأموم بصلاة إمامه ، وسواء كان سبب بطلان صلاة الإمام ترك ركن ، أو انتقاض طهارته .

20) تسليم المأموم قبل الإمام عمداً ، أو سهواً إذا لم يعد التسليم بعد الإمام؛ لأن مسابقة المأموم للإمام مبطلة للصلاة . فإن كان تسليمه سهواً فالواجب عليه أن يعيد التسليم بعد تسليم الإمام وإلا بطلت صلاته .

21) الأكل والشرب عالماً ذاكراً ، ولا فرق في ذلك بين القليل والكثير ؛ لأن الأكل والشرب عمل من غير جنس الصلاة. وهذا بإجماع أهل العلم إذا كانت الصلاة فرضاً.

أما ما علق بين الأسنان من طعام فلا يبطل الصلاة إذا بلعه مع الريق من غير مضغ؛ لأنه عمل يسير ، ويشق الاحتراز منه .

22) النفخ والنحنحة أثناء الصلاة بلا حاجة ، إذا ظهر منه حرفان ؛ لأنه صار كالكلام ، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : (النَّفْخُ فِي الصَّلاةِ كَلامٌ) [عبدالرزاق، قال ابن المنذر : لا يثبت عنه].

* والرواية الأخرى أن النفخ لا يبطل الصلاة ، لما جاء عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: (انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ صَلاةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ثُمَّ نَفَخَ فِي آخِرِ سُجُودِهِ فَقَالَ: أُفٍّ أُفٍّ) [أبو داود بإسناد صحيح]. ومثل النفخ النحنحة فلا تبطل الصلاة سواء بان حرفان أم لا ، لأنها لا تسمى كلاماً ، وتدعو إليها الحاجة في الصلاة.

23) الانتحاب والبكاء والتأوه والأنين أثناء الصلاة ، لا بقصد الخشوع والخشية إذا بان منه حرفان؛ فإن كان خشية لله لم يبطل الصلاة ؛ لقول الله تعالى : ﴿خَرُّوا سٌجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ ، ولحديث عبد الله بن الشخير قال: (أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي ، وَلِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ المِرْجَلِ – يَعْنِي يَبْكِي -) [أحمد والنسائي ، بإسناد صحيح]. وعن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: (سَمِعْتُ نَشِيجَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ الله عَنْهُ وَأَنَا فِي آخِرِ الصُّفُوفِ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ يَقْرَأُ مِنْ سُورَةِ يُوسُفَ..) [عبد الرزاق وابن أبي شيبة ، بإسناد صحيح].

24) إذا سبق على لسان المصلي كلام غير القرآن أثناء القراءة ، أو غلبه سعال ، أو عطاس ، أو تثاؤب ، أو بكاء ، فلا تبطل الصلاة بذلك ؛ لأن هذه الأمور لا يمكن التحرز منها ، وقياساً على الناسي . وقد جاء عن عبد الله بن السائب (أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَرَأَ (المُؤْمِنُونَ) فِي الصُّبْحِ حَتَّى جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ أَوْ ذِكْرُ عِيسَى أَخَذَتْهُ سَعْلَةٌ ، فَرَكَعَ) [البخاري تعليقاً ، ومسلم].

باب سجود السهو





أولاً: تعريف سجود السهو

السهو في الصلاة هو النسيان فيها ، بأن ينسى المصلي فينقص شيئاً من أعمال الصلاة أو يزيد فيها ، أو أن يشك هل أتى به أو لا .



وسجود السهو: عبارة عن سجدتين يسجدهما المصلي لجبْر الخلل الحاصل في صلاته بسبب النسيان أو الشك، وترغيماً للشيطان في وسوسته للعبد .



ثانياً : متى يشرع سجود السهو .

لا يُشرع سجود السهو في شيء من أعمال الصلاة إذا تركه الإنسان متعمداً ، وإنما يُشـرع حال السهو والنسيان أو الشك ؛ لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فَلَمْ يَدْرِ أَزَادَ أَوْ نَقَصَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ...) [رواه النسائي في الكبرى ، بإسناد صحيح] .



وسجود السهو قد يكون مسنوناً ، وقد يكون مستحباً ، وقد يكون واجباً .



- فيسن سجود السهو إذا سها فأتى بقول مشروع في غير محله؛ كقراءة القرآن في الركوع أو السجود أو الجلوس أو أن يأتي بالتشهد في القيام ، أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول.



- ويباح سجود السهو ولا يجب إذا سها فترك شيئاً مسنوناً كان من عادته أن يأتي به ؛ كما لو ترك دعاء الاستفتاح سهواً ؛ أما كونه مباحاً فلحديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ) [رواه أبو داود ، بإسناد حسن] .



وأما كونه يباح ولا يجب فلأنه لا يمكن التحرز من تركها لكثرتها ، ولو وجب لها سجود سهو لما خلت صلاة من سهو في الغالب .



- أما سجود السهو الواجب فيكون في الحالات الآتية :



1) أن يزيد فعلاً من جنس أفعال الصلاة سهواً ؛ كزيادة ركوع أو سجود أو قيام أو قعود ؛ لحديث عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : (صَلَّى الظُّهْرَ خَمْساً فَقِيلَ لَهُ : أَزِيدَ في الصَّلاةِ ؟ فَقَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالُوا : صَلَّيْتَ خَمْساً . فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ) [رواه البخاري ومسلم] .



2) إذا سلَّم المصلي من صلاته قبل إتمامها ، إذا تذكره في وقت قصير ، أتم الناقص وسجد للسهو؛ لحديث عمران بن حصين قال : (سَلَّمَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ثَلاثِ رَكعاتٍ مِنَ العَصْرِ ، ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ الحُجْرَةَ ، فَقَامَ رَجُلٌ بَسِيطُ اليَدَيْنِ فَقَالَ : أَقَصُرَتِ الصَّلاةُ ؟ فَخَرَجَ فَصَلَّى الرَّكْعَةَ الَّتِي كَانَ تَرَكَ ، ثُمَّ سَلَّمَ ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَي السَّهْوِ ، ثُمَّ سَلَّمَ) [رواه مسلم] .



3) إذا لحن في القراءة لحناً يُحيل المعنى ويغيره ؛ لأن اللحن المتعمد يبطل الصلاة ، فوجب السجود إذا كان اللحن عن سهو ونسيان .



4) إذا ترك المصلي واجباً من واجبات الصلاة ؛ كأن يترك التشهد الأوسط في الصلاة الرباعية ؛ لما جاء في حديث عبد الله بن بحينة (أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ في الظُّهْرِ مِنْ رَكْعَتَينِ فَلَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ ، انْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ ، كَبَّرَ فَسَجَدَ سَجْدَتَينِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ، ثُمَّ سَلَّمَ ) [أخرجه البخاري ومسلم].



5) إذا شك المصلي في زيادةٍ حَالَ فِعْلِها ؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم قال : (وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ في صَلاتِهِ ، فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُسَلِّم ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَينِ) [متفق عليه] . ولأن الشك فيه تردد وهو مضعف للنية فاحتاجت للجبر بالسجود .



أما إذا كان الشك في الزيادة بعد فعلها ، فلا يجب عليه سجود السهو ؛ لأن الأصل عدم الزيادة ، واليقين لا يزول بالشك ، فيكون المشكوك فيه والحالة هذه كالمعدوم .



ثالثاً: موضع سجدتي السهو .

يشرع سجود السهو في آخر الصلاة ، ويصح فعله قبل السلام أو بعد السلام ؛ لأن الأحاديث وردت بالأمرين .



لكن إن سجد للسهو بعد السلام ، يجب عليه بعدهما أن يتشهد ويسلم ؛ لحديث عمران بن حصين (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ فَسَهَا ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ، ثُمَّ تَشَهَّدَ ثُمَّ سَلَّمَ) [رواه أبو داود والترمذي وحسنه، والرواية الصحيحة من غير ذلك التشهد] .



والقول الآخر في المذهب أنه لا يجب عليه التشهد إذا سجد بعد السلام ، وإنما يسجد ثم يسلم مباشرة ، قال في الشرح الكبير : «ويحتمل أن لا يجب التشهد ؛ لأن الحديثين الأولين أنه سلم من غير تشهد ، وهما أصح من هذه الرواية» ، وهو اختيار ابن قدامة وابن تيمية .



رابعاً: ترك سجود السهو عمداً .

- إذا تعمد المصلي ترك سجود السهو الواجب ؛ فلا يخلو فيه الأمر من أحد حالتين :

الأولى: أن يكون موضع السجود الواجب قبل السلام ، فتبطل صلاته بتعمد تركه ؛ لأنه واجب، وترك الواجب في الصلاة متعمداً يبطل الصلاة .



الثانية: أن يكون موضع السجود الواجب بعد السلام ، فصلاته صحيحة ولا تبطل بذلك؛ لأن السجود بعد السلام خارج عن الصلاة ، فلم يؤثر تركه في إبطالها .



خامساً: نسيان سجود السهو .

- إذا نسي المصلي سجود السهو ثم ذكره قبل طول الفصل وهو ما زال في المسجد ، فإنه يسجد للسهو سواء تكلم أو لم يتكلم . لحديث ابن مسعود (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَي السَّهْوِ بَعْدَ السَّلامِ وَالكَلامِ) [رواه مسلم] .



أما إذا نسي سجود السهو حتى طالت مدة الفصل بين سلامه وتذكره لسجود السهو ، أو خرج من المسجد ، لم تبطل صلاته ويسقط عنه ؛ لأن سجود السهو إنما شرع لتكميل الصلاة فلا يأتي به مع طول الفصل ، ولأن السهو شرع للصلاة وهو خارج عنها ، فلم تفسد بتركه .



وأما سقوطه بالخروج من المسجد ؛ فلأن المسجد محل الصلاة وموضعها ، فيسقط سجود السهو بمفارقته ، كسقوط خيار البيع عند مفارقة المجلس.



- وإذا نسي المصلي سجود السهو ثم أحدث وبطلت طهارته ، فإنه يسقط عنه سجود السهو أيضاً؛ لفوات محله .



سادساً: سجود السهو في صلاة الجماعة .

- إذا سها المأموم في صلاته مع الجماعة فلا سجود عليه إذا كان قد دخل مع الإمام في أول الصلاة ، إجماعاً. وذلك لما ثبت من حديث معاوية بن الحكم أنه تكلم خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأمره بسجود السهو [رواه مسلم] .



- أما إذا وقع السهو من الإمام ، فيجب على المأموم متابعة الإمام في سجود السهو ، فـإذا نسـي الإمام السجود للسهو وجب على المأموم السجود للسهو ؛ لأنه لم يوجد من الإمام ما يكمل به صلاة المأموم .



سابعاً: رجوع المصلي إلى فعل ما سها عنه في الصلاة .

- إذا قام المصلي إلى ركعة زائدة في الصلاة ، فإنه يجب عليه الرجوع إلى الجلوس والتشهد متى تذكر ذلك من غير تكبير؛ لأنه لو ترك الرجوع لزاد في الصلاة ما ليس منها عمداً ، فتبطل صلاته بذلك .



- أما إذا قام المصلي إلى الركعة الثالثة ناسياً التشهد الأول ، فلا يخلو من ثلاثة أحوال :



أ ) أن يذكر التشهد قبل أن يعتدل قائماً ، فيلزمه الرجوع ليتشهد ؛ لما روى المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ في الرَّكْعَتَينِ ، فَلَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِماً ، فَلْيَجْلِسْ ، فَإِذَا اسْتَتَمَّ قَائِماً فَلا يَجْلِسْ وَيَسْجُدْ سَجَدَتَي السَّهْوِ) [رواه أبو داود وابن ماجه، بإسناد صحيح].



ب) أن يذكر التشهد بعد أن يعتدل قائماً وقبل الشروع في القراءة ، فيكره له الرجوع للتشهد ؛ لحديث المغيرة السابق .



ج) أن يذكر التشهد بعد اكتمال قيامه والشروع في القراءة ، فلا يجوز له الرجوع للتشهد ؛ لحديث المغيرة السابق ، ولأنه شرع في ركن ، فلا يجوز له تركه من أجل فعل واجب .



- وفي جميع الحالات السابقة يترتب على المصلي سجود للسهو .



- إذا ترك الإمام التشهد الأول ناسياً ، يلزم المأموم متابعة إمامه في القيام ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّما جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ) [رواه البخاري ومسلم] ، ولحديث عبد الله بن بحينة (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ ، فَقَامَ الرَّكْعَتَينِ الأُولَيَينِ وَلَم يَجْلِسْ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ سَلَّمَ) [رواه البخاري].



ثامناً: الشك في الصلاة .

من موجبات سجود السهو في الصلاة حصول الشك في الصلاة ، وهو أن يتردد المصلي بين أمرين في صلاته ؛ كأن يشك في ركن هل أتى به أو لا ، أو يشك في عدد ما صلى من الركعات وهو في الصلاة .

- والشك في الصلاة منه ما هو معتبر ومنه ما لا يلتفت إليه .



1- أما الشك الذي لا يلتفت إليه ، فله ثلاثة أحوال :

أ ) إذا كان بعد الانتهاء من الصلاة ، إلا إذا تقين الزيادة أو النقصان .



ب) إذا كان الشك مما يتوهمه المصلي أو طرأ على ذهنه ؛ فلا عبرة فيه لأنه من الوسواس .



ج) إذا أكثر المصلي من الشك حتى صار لا يفعل شيئاً إلا شك فيه؛ فهذا لا عبرة فيه لأنه مرض وعلّة .



2- أما الشك المعتبر في الصلاة ؛ فلا يخلو من أحد حالين :

أ ) أن يترجَّح عند المصلي أحد الأمرين ، فيعمل بما ترجح عنده ويتم صلاته بناء عليه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَينِ) [متفق عليه] .



ب) أن لا يترجَّح عند المصلي أحد الأمرين ، فيعمل باليقين ويبني على الأقل أو عدم الإتيان بالفعل ، ويتم صلاته بناء عليه ، ثم يسجد للسهو قبل أن يسلم ثم يسلم .

باب صلاة التطوع


1) تعريف صلاة التطوع وفضلها :

التّطوّع شرعاً: طاعةٌ غيرُ واجبةٍ.

وصلاةُ التّطوّعِ أفضلُ تطوُّعاتِ البدنِ بعد الجهادِ، و تعلّمِ العلمِ وتعليمِهِ ؛ لأنّ الله تعالى قال في شأن الجهادِ: ﴿فَضَّلَ اللَّـهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً﴾ [النساء: 95]، وقال صلى الله عليه وسلم في شأن العلم: «فضلُ العالمِ على العابدِ كفضلِي على أدناكُم»، وقال صلى الله عليه وسلم عن الصّلاة: «واعلمُوا أنّ خيرَ أعمالِكُمُ الصّلاةُ» [رواه ابن ماجه].

2) أفضل صلاة التطوع :

وأفضلُ صلاةِ التَّطوُّعِ: ما سُنَّ فعلُه في جماعةٍ؛ لأنّه أشبهُ بالفرائضِ.

وآكدُ ما يسنُّ جماعةً: صلاةُ الكسوفِ؛ لأنّه صلى الله عليه وسلم فعلَها وأمرَ بها، ثمّ صلاةُ الاستسقاءِ؛ لأنّه عليه الصّلاةُ والسّلامُ كان يستسقي أحياناً، ويترك أحياناً أُخرى، ثمّ صلاةُ التَّراويحِ؛ لأنّها تسنُّ لها الجماعةُ، ثمّ الوترُ؛ لأنّه تُشْرعُ له الجماعةُ في التّراويحِ، وهو سنّةٌ مؤكّدةٌ.

3) صلاةُ الوِتْـرِ:

أ – عدد ركعات الوتر :

أقلُّ الوترِ ركعةٌ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ» [رواه مسلم]، وأكثرُه إحدى عشْرةَ ركعةً؛ لقول عائشة رضي الله عنهـا: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصلِّي باللَّيلِ إحدى عشْرةَ ركعةً؛ يُوترُ منها بواحدةٍ» [متفق عليه].

- وأدنى الكمالِ ثلاثُ ركعاتٍ ؛ لحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه مرفوعاً: قال: «الوتر حَقٌّ على كلِّ مسلمٍ؛ فمن أحبَّ أن يُوترَ بخمسٍ فليَفْعَلْ، ومن أحبَّ أن يوترَ بثلاثٍ فليفعلْ، ومن أحبَّ أن يوترَ بواحدةٍ فليَفْعَلْ» [رواه أبو داود، وصحّحه ابن الملقن وابن القطان].

وصفة الثلاث ، أن يصليها بسَلامَيْنِ - يصلِّي ركعتيْنِ ويُسلِّمُ, ثم يأتي بواحدةٍ ويُسلِّمُ-؛ لما رواه نافع: «أنّ عبد الله بن عمر كان يُسلِّم بين الرّكعتيْنِ والرّكعةِ فِي الوِترِ حتّى يأمرَ ببعضِ حاجتِهِ» [رواه البخاري].

- ويجوزُ صلاةُ الثلاث سرداً بسلامٍ واحدٍ؛ لحديث عائشة: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يوترُ بثلاثٍ لا يفصلُ فيهنّ» [رواه أحمد، وضعّفه].

ب- وقت الوتر :

ووقتُ الوترِ ما بين صلاةِ العشاءِ وطلوعِ الفجرِ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً وَهِيَ الْوِتْرُ؛ فَصَلُّوهَا فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ» [رواه أحمد والأربعة إلا النّسائي، واللفظ لأحمد].

ج- موضع القنوتُ فِي الوِتْـرِ:

يستـحبُّ أن يقنتَ في الوترِ بعد الركوعِ؛ لأنّه صحَّ عنه عليه الصّلاة والسّلام من روايـةِ أبي هريرة رضي الله عنه « أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ يَدْعُوَ لِأَحَدٍ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ» [رواه مسلم].

ولَو قَنَتَ بَعدَ القِراءةِ وقبلَ الركوعِ جازَ؛ لحديث عاصمٍ عن أنسٍ قال: (سَأَلْتُهُ عَنِ الْقُنُوتِ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَ الرُّكُوعِ ؟ فَقَالَ: قَبْلَ الرُّكُوعِ. قَالَ: قُلْتُ: فَإِنَّ نَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ. فَقَالَ: إِنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم شَهْرًا يَدْعُو عَلَى أُنَاسٍ قَتَلُوا أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ) [رواه مسلم].. وروي ذلك عن عمر وعلي والبراء رضي الله عنهم، ولا يُعلم لهم مخالفٌ.

د – ما يدعو به في القنوت :

ولا بأسَ أن يدعوَ المصلِّي في قنوتِ الوترِ بما شاءَ، وممّا وردَ في السُّنَّةِ: حديث الحسن بن علي رضي الله عنه قال: علّمني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كلماتٍ أقولهنَّ في قنوتِ الوترِ: «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ؛ إِنَّكَ تَقْضِى وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلاَ يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ» [رواه الخمسة، وحسّنه الترمذي].

ويقولُ في آخرِ قُنوتِهِ ما جاء في حديث علي رضي الله عنه: أنّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يقولُ في آخر وترِهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لاَ أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» [رواه الخمسة، وقال الترمذي: حديث حسن غريب].

ثمّ يُصلِّي على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لحديث الحسن بن علي في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لدعاء القنوت، وفي آخره: «وصَلَّى اللهُ عَلَى النَّبِيِّ» [رواه النسائي، وصحّحه النووي].

* [وعن عبد الله بن الحارث (أَنَّ أَبَا حَلِيمَة مُعاذًا القَارِي كَانَ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القُنُوتِ) [رواه ابن نصر المروزي ، بإسناد صحيح] .

وهو ثابت من حديث إمامة أُبيّ بن كعب في قيام رمضان أنه (كَانَ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في آخِرِ القُنُوتِ) [رواه ابن خزيمة في صحيحه] ] .

- ويؤمِّنُ المأمومُ على دعاءِ إمامِهِ إنْ سمِعَهُ، ولا يُعلم في هذا خلافٌ.

- ثُمّ يمسحُ وجهَهُ بيديْهِ هُنَا فِي القنوتِ، وخارجَ الصَّلاةِ إذا دَعَا؛ لعموم حديث عمر رضي الله عنه: «كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ لَمْ يَحُطَّهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بِهِما وَجْهَهُ» [رواه الترمذيُّ، وصحّحه].

هـ - القنوت في غير الوتر :

ويُكرهُ القنوتُ فِي صلاةِ الصُّبحِ وفي غيرِها من الصلواتِ سوى الوترِ ، إلا إذا نزل بالمسلمين نازلة ، فيجوز للإمام وحده أن يقنت .

ويدل لكراهة القنوت في غير الوتر على الدوام حديث أبي مالك الأشجعي قال: قلت لأبي: يا أبت إنّك قد صليتَ خلفَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ ههنا بالكوفة نحواً من خمسِ سنينَ؛ فكانوا يَقْنُتون في الفجرِ؟ قال: «أي بنيّ مُحْدَثٌ» [رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه، واللفظ له، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»].

ودليل جوازه في النازلة حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : (لأُقَرِّبَنَّ بِكُمْ صَلاةَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ , فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقْنُتُ في الرَّكْعَةِ الأَخِيرَةِ مِنْ صَلاةِ الظُّهْرِ وَالعِشَاءِ الآخِرَةِ وَصَلاةِ الصُّبْحِ بَعْدَ ما يَقُولُ: سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ, فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَلْعَنُ الكُفَّارَ) [متفق عليه].

4) أفضلُ الرَّواتِبِ:

أفضلُ الـرّواتبِ سُنّةُ الفجرِ؛ لحـديث عـائشة رضي الله عنها عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «رَكْعَتا الفجرِ خيرٌ مِنَ الدُّنْيا ومَا فِيها» [رواه مسلم]. ثمّ سنّةُ المغربِ؛ لما رواه رجلٌ عن عبيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم أنّه سُئل: أكانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يأمرُ بصلاةٍ بعدَ المكتوبةِ أو سِوى المكتوبةِ؟ قال: «نَعَمْ بينَ المغربِ والعشاءِ» [رواه أحمد، وإسناده ضعيف]. ثم باقي الرّواتبِ سواءٌ في الفضيلةِ.

5) الرَّواتِبُ المُؤكَّدةُ:

الرّواتبُ المؤكَّدةُ عشرٌ، وهي: رَكْعتانِ قبلَ الظُّهرِ، ورَكْعتانِ بَعْدَها، ورَكْعتانِ بَعْدَ المَغْربِ، ورَكْعتانِ بَعْدَ العِشاءِ, ورَكْعتانِ قبلَ الفَجْرِ؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: «حَفِظتُ من النّبىِّ صلى الله عليه وسلم عشرَ رَكَعَاتٍ: رَكْعتَيْنِ قبلَ الظُّهرِ, ورَكْعتَيْن بَعْدَها, ورَكْعتَيْنِ بَعْدَ المَغْربِ فِي بَيْتِهِ, ورَكْعتَيْنِ بَعْدَ العِشاءِ فِي بَيْتِهِ، ورَكْعتَيْنِ قبلَ صلاةِ الصُّبحِ, وكانتْ ساعةً لَا يُدْخلُ على النّبىِّ صلى الله عليه وسلم فِيها؛ حَدَّثَتْنِي حفصةُ أنّهُ كانَ إذا أذَّنَ المُؤذِّنُ وطلعَ الفجرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» [متّفق عليه، واللّفظ للبخاري].

6) قَضاءُ الرَّواتِبِ والوِتْر :

ويُسَنُّ قضاءُ الرّواتبِ والوترِ؛ لحديث أنس رضي الله عنه مرفوعاً: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَن يُّصَلِيَها إذَا ذَكَرَهَا» [متفق عليه، واللّفظ لمسلم]، وهذا يعمّ كلّ صلاة، ولأنّه عليه الصّلاة والسّلام قضى الرّكعتين اللّتين قبل الظهر بعد العصر ، وقال لأمّ سلمة رضي الله عنها لما سألته عنهما: «إنّه أتاني ناسٌ من عبدِ القَيْسِ بالإِسلامِ منْ قومِهِم , فشغلُونِي عنِ الرّكعتينِ اللّتينِ بعدَ الظُّهرِ؛ فهُما هاتانِ» [متّفق عليه].

ولكنْ الأَوْلى تركُ قضاءِ ما فاتَ منَ الرّواتبِ مع فرضِهِ وكان كثيراً؛ لحُصولِ المشقّةِ بقضائِهِ، إلّا سنّةَ الفجرِ فإنّهُ يَقضِيها مطلقاً؛ لتأكُّدِها.

7) صَلاةُ التَّطَوعِ في البَيتِ :

وصلاةُ التَّطوُّعِ في البيتِ أفضلُ إلّا ما تُشرعُ لهُ الجماعةُ من النّوافل كالتراويح ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «صَلُّوا أيُّها النّاسُ فِي بيوتِكُم؛ فإنّ أفضلَ الصّلاةِ صلاةُ المرءِ فِي بيتِهِ إلّا المكتوبةَ» [متّفق عليه، واللّفظ للبخاري].

8) الفَصْلُ بَينَ الفَرْضِ وَالسُّنَّة :

ويُسَنُّ للمُصلِّي أن يفصِلَ بين الفَرْضِ وسُنّتِهِ بقِيامٍ أو كَلامٍ؛ لقول معاوية رضي الله عنه: «إِنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَمَرَنَا بِذَلِكَ أَنْ لاَ تُوصَلَ صَلاَةٌ بِصَلاَةٍ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ» [رواه مسلم].

9) صلاةُ التَّراويحِ:

وهي سنّةٌ مؤكّدةٌ، وعددُ ركعاتها عشرونَ ركعةً، تُصلّى جماعةً في ليالي شهرِ رمضانَ؛ وذلك لما جاء عن السائب بن يزيد قـال : «كُنَّا نَقُومُ في زَمَنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً وَالوِتْرِ )» [رواه البيهقي، وصححه ابن الملقن والنووي]. ولقوله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ» [رواه الخمسة، وصحّحه التّرمذي].

10) وَقتُ صَلاةِ التَّراويح:

ووَقْتُها مَا بينَ صَلاةِ العِشاءِ والوِتْرِ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْراً» [متفق عليه].

فصل في قيام الليل


أولاً: صلاةُ اللّيلِ.

صَلَاةُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» [رواه مسلم].

والنِّصْفُ الأَخِيرُ من اللَّيلِ أفضلُ للصَّلاةِ مِنَ النِّصفِ الأوّلِ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى اللهِ صَلَاةُ دَاوُدَ: كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ» [متّفق عليه].

وَالتَّهُجُّدُ هو القِيامُ للصَّلاةِ ليلاً بعد نَوْمٍ، قال تعالى: ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً﴾ [المزمل:6]. ورُوي عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت: «النَّاشِئَةُ القِيَامُ بَعْدَ النَّوْمِ».

أ) حكمها :

وَقِيَامُ اللَّيْلِ مُسْتَحَبٌّ؛ لحديث أبي أمامة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ؛ فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الْإِثْمِ» [رواه الحاكم وصحّحه].

ب) كيفيتها :

ويُسَنُّ افتتاحُ التّهجُّدِ بركعتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ؛ لحديثِ أبِي هريرةَ رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلْيَفْتَتِحْ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ» [رواه مسلم].

وَيُسَنُّ لهُ أن يَّنوِيَ القِيامَ عندَ النَّوْمِ؛ لقول أبي الدَّرْداء رضي الله عنه: «مَنْ نَامَ وَنِيَّتُهُ أن يَّقُومَ كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى وكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ» [رواه النسائي].

وَيَصِحُّ التَّطَوُّعُ بِرَكْعَةٍ؛ قياساً على الوِتْرِ، ولكنْ مَعَ الكَراهةِ.

- وأَجرُ منْ صَلَّى قاعداً منْ غيرِ عُذرٍ على النِّصفِ منْ أَجرِ منْ صلّى قائماً؛ لحديثِ عمرانَ بن حصينٍ رضي الله عنه قال: سألت النبيّ صلى الله عليه وسلم عن صلاةِ الرّجلِ وهو قاعدٌ؛ فقال: «مَنْ صَلّى قائماً فهُوَ أَفْضَلُ، ومَنْ صَلّى قَاعِداً فلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَائمِ» [رواه البخاري].

قال المرداوي: « فَأَمَّا إِنْ كانَ مَعْذُورًا لِمَرَضٍ أو نَحْوِهِ؛ فَإِنَّهَا كَصَلَاةِ الْقَائِمِ في الْأَجْرِ» [(الإنصاف) (2/188)].

وكَثْرةُ الرُّكوعِ والسُّجودِ أفضلُ منْ طُولِ القِيامِ؛ لأنّ السُّجودَ في نفسِهِ أفضلُ وآكَدُ؛ فإنّه يجبُ في الفرضِ والنّفلِ، والقِيامُ يسقُطُ في النّفلِ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وهُوَ سَاجِدٌ» [رواه مسلم].

ثانياً : صَلاةُ الضُّحَى.

أ ) حكمها :

وهي مستحبّةٌ غير مؤكّدة؛ لحديثِ أبِي هريرةَ رضي الله عنه قال: «أَوْصَانِي خَلِيلِي بثَلاثٍ: صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَي الضُّحَى، وأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنامَ» [رواه مسلم].

ولكن لا تستحبُّ المُداومةُ عليها، بل يُصَلِّيها في بعضِ الأَيّامِ دُونَ بَعْضٍ؛ لحديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: «كان النّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الضُّحَى حَتَّى نَقُولَ لَا يَدَعُهَا وَيَدَعُهَا حَتَّى نَقُولَ لَا يُصَلِّيهَا» [رواه الترمذي وحسّنه]، ولأنّها دونَ الفرائضِ والسُّننِ المُؤكَّدةِ؛ فلا تُشبَّه بها.

ب) عدد ركعاتها :

وأَقَلُّهَا رَكْعَتانِ؛ لحديثِ أبي هريرةَ السّابقِ؛ فإنّ فيه: « وَرَكْعَتَي الضُّحَى».

وأَكْثَرُهَا ثَمَانِ رَكَعَاتٍ؛ لحديث أم هانئ رضي الله عنها: (أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى يومَ فتحِ مكّةَ ثمانِ ركعاتٍ سُبحةَ الضُّحَى) [رواه الجماعة].

ج) وقتــها :

ووَقْتُ صلاةِ الضُّحَى: منْ خُروجِ وقتِ الكَراهةِ إلى قُبَيْل الزَّوالِ؛ لحديث أبي الدرداء وأبي ذر رضي الله عنهما عن النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجلّ قال: «ابنَ آدمَ اركعْ لِي مِنْ أَوَّلِ النَّهارِ أَرْبَعَ رَكَعاتٍ أَكْفِكَ آخِرَهُ» [رواه التّرمذي، وحسّنه].

وأَفْضَلُ أَوْقَاتِها: إِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «صَلَاةُ الأَوّابينَ حِينَ تَرْمَضُ الفِصَالُ» [رواه مسلم].أي: حين يجد الفصيل من الإبل حرّ الشمس من الرَّّمْضاءِ.

ثالثاً : تحيّة المسجد وتطوّعات أخرى.

1) تحية المسجد :

- تُسَنُّ تحيّةُ المسجدِ عندَ الدُّخولِ إليهِ؛ لحديث أبي قتادة رضي الله أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ فلَا يَجْلِسْ حتّى يُصَلّيَ رَكْعَتَيْنِ» [متّفق عليه].

- وتُجزِئُ صلاةُ الرّاتبةِ والفرِيضَةِ عن تحيّةِ المسجدِ.

- وَإنْ جلسَ قبلَ صلاةِ التّحيّةِ قامَ فأتَى بها إنْ لمْ يطلِ الفصلُ؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: «جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فَجَلَسَ فَقَالَ لَهُ: يَا سُلَيْكُ قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ» [متفق عليه، واللفظ لمسلم]، فإنْ طالَ الفصلُ فاتَ محلُّها.

2) سنة الوضوء :

وتُستحبُّ سنّةُ الوُضوءِ، وهيَ ركعتانِ عَقِبَه؛ لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلالٍ: «يا بِلالُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْته فِي الْإِسْلَامِ؛ فَإِنِّي سَمِعْت دَفَّ نَعْلَيْك بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ؛ فَقَالَ: مَا عَمِلْت عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي مِنْ أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إلَّا صَلَّيْت بِذَلِكَ الطَّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ » [متفق عليه].

3) الصلاة بين المغرب والعشاء :

ويُستحبُّ إِحْياءُ مَا بينَ العِشاءَيْنِ – المغرب والعشاء -؛ لحذيفة رضي الله عنه قال: «صَلَيْتُ مَعَ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم المَغْرِبَ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَامَ فَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي حَتَّى صَلَّى العِشَاءَ» [رواه أحمد، واللّفظ له، والترمذيّ، وصحّحه].

وهذه الصّلاةُ تُعدُّ منْ قِيامِ اللَّيلِ؛ لأنّ اللّيلَ من المغربِ إلى طلوعِ الفجرِ، وقد ثبت عن أنسٍ رضي الله عنه في قوله تعالى: ﴿كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾ [الذاريات:17]: «كَانُوا يُصَلُّونَ فِيمَا بينَ المغربِ والعِشاءِ» [رواه أبو داود].

أولاً : سجودُ التِّلاوةِ:

أ- حكمُهُ:

سجودُ التِّلاوةِ سنّةٌ مؤكّدةٌ، وليس واجباً؛ لحديثِ زيدِ بن ثابتٍ رضي الله عنه قالَ: «قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ﴿وَالنَّجْمَ﴾ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا» [متّفق عليه].

وهو سُنَّةٌ لِلْقَارئِ والمُسْتمِعِ بشَرْطِ أن لَّا يَطولَ الفاصلُ بين قِراءةِ السّجدةِ والسُّجودِ؛ لحديثِ ابنِ عمرَ رضي اللهُ عنهما قال: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ السَّجْدَةَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ؛ فَنَزْدَحِمُ حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا لِجَبْهَتِهِ مَوْضِعاً يَسْجُدُ عَلَيْهِ» [متفق عليه].

وإِنْ طَالَ الفصلُ بين القِراءةِ والسُّجودِ لمْ يشرعِ السُّجودُ؛ لفَواتِ محلِّهِ.

ب- شروطُهُ:

يُشْترطُ لِسُجودِ التِّلاوةِ ما يُشترطُ لِصلاةِ النَّافلةِ من النِّيّةِ، والطّهارةِ، وسترِ العورةِ، واستقبالِ القِبلةِ؛ لأنَّهُ سُجودُ قُربةٍ لله تعالى؛ فكانَ صلاةً؛ يُشترطُ لها ما ذُكرَ كسُجودِ الصّلاةِ.

ج- صفتُهُ:

يُكبِّرُ إذا أرادَ السُّجودَ بلا تكبيرةِ إحرامٍ، ولو كان خارجَ الصّلاةِ؛ لقولِ ابنِ عمرَ: «كانَ النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ؛ فَإِذَا مَرَّ بِالسَّجْدَةِ كَبَّرَ وَسَجَدْنَا مَعَهُ» [رواه أبو داود، وحسّنه ابن القطان] ، ولأنَّهُ سُجودٌ مُفردٌ فشُرع التّكبيرُ في ابتدائِهِ وفي الرّفعِ منه؛ كسُجودِ السَّهوِ.

ويقولُ في سُجودِهِ ما يقوُلُ في سجودِ الصَّلاةِ، وإنْ زادَ غيرَهُ ممّا ورد فحسنٌ، وممّا ورد: «سَجَدَ وجهي الذي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ» [رواه الخمسةُ، وصحّحه الترمذيُّ].

وإذا رفعَ رأسَهُ من السُّجودِ كبّرَ؛ لأنّهُ رفعٌ من سجودٍ؛ فأشْبَه سجودَ الصّلاةِ وسجودَ السَّهوِ.

ويجلسُ ويُسلّمُ إذا رفعَ رأسَه تسليمةً واحدةً بلا تَشهُّدٍ؛ لعُمومِ حديثِ عليٍّ رضي الله عنه مرفوعاً: «تحريمُها التّكبيرُ، وتَحلِيلُها التّسليمُ» [رواه أبوداود والتّرمذي وابنُ ماجه].

د- سجودُ التِّلاوةِ خلفَ الإمامِ:

إذا سَجَد المأمومُ لِقراءةِ نفسِهِ، أو لقِراءةِ غيرِ إمامِهِ مُتَعمِّداً بَطَلتْ صلاتُه؛ لحديث: «إنَّما جُعِلَ الإِمَامُ ليُؤتَمَّ بِهِ؛ فَلا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» [متّفق عليه]، ولأنّهُ زاد في صلاتِهِ سجوداً.

ويجبُ على المأمومِ أن يُّتابعَ إمامَه إذا سجدَ للتِّلاوةِ فِي صلاةِ الجهرِ، ولوْ تَرَك متابعتَهُ عمداً بَطَلتْ صَلاتُهُ؛ للحديثِ السّابقِ.

- ويُشترطُ لاستحبابِ السّجودِ في حقِّ المُسْتمعِ: أن يكونَ القارئُ ممّن يَصلحُ إماماً للمُستمعِ، وأنْ يسجُدَ هو للتّلاوةِ؛ فلا يسجُدُ المستمعُ إنْ لمْ يسجُدِ القارئُ، كما لا يسجدُ قُدّامَهُ، ولا عن يسارِهِ مع خُلُوِّ يمينِهِ؛ لأنّه إمامٌ لهُ، وقد جاء في حديثِ عطاءٍ بن يسارٍ: أنّ غُلاماً قرأ عند النّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّجْدةً؛ فانتظر الغلامُ النّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يّسجدَ؛ فلمّا لمْ يسجدْ قال: يا رسولَ اللهِ أليسَ في هذه السُّورةِ سجدةٌ ؛ فقال – عليه الصّلاةُ والسّلامُ-: «بلى! ولَكِنَّكَ كُنْتَ إِمَامَنَا فِيهَا؛ فَلَوْ سَجَدتَّ سَجَدْنَا» [رواه الشافعيُّ وابنُ أبي شيبة والبيهقيُّ، قال ابن حجر : رجاله ثقات إلا أنه مرسل].

- ولا يسجدُ الرَّجلُ المستمعُ لتِلاوةِ المرأةِ والُخْنثى؛ لأنّهُ لا يصحُّ ائتمامُهُ بهما.

ويسجدُ لتِلاوةِ أمِّيٍّ وزَمِنٍ ومميِّزٍ؛ لأنّ قراءةَ الفاتحةِ والقِيامَ ليسا ركناً فِي السُّجودِ، ولأنّ المميِّزَ تَصِحُّ إمامتُهُ فِي النّافلةِ؛ فكذلك هُنا.

ثانياً : سجودُ الشُّكرِ .

يُسَنُّ سُجودُ الشُّكرِ للهِ تعالى عندَ تَجَدُّدِ النِّعَمِ وانْدفاعِ النِّقمِ؛ سواءٌ كانتْ النِّعمُ عامّةً أو خاصّةً؛ لحديث أبي بكرة رضي الله عنه «أنّ النّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ إذَا أتاهُ أمرٌ يُسَرُّ بِهِ خَرَّ سَاجِداً شُكْراً للهِ تَبَارَكَ وتَعَالَى» [رواه أبو داود وابنُ ماجه والترمذيُّ وحسَّنه].

ولحديثِ البراءِ بنِ عازبٍ رضي الله عنه : أنّ النّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث عليًّا إلَى أهلِ اليمنِ يدعُوهُم إلَى الإسلامِ... فأسْلمتْ همدانُ جميعاً, فكتب عليٌّ رضي الله عنه إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بإسلامِهِمْ؛ فلمّا قرأَ الكتابَ خرَّ ساجداً ثمّ رَفَعَ رأسَهُ فقالَ: «السَّلَامُ عَلَى هَمْدَانَ, السَّلَامُ عَلَى هَمْدَانَ» [رواه البيهقيُّ، وصحّحه].

وإنْ سجدَ للشُّكرِ فِي صلاتِهِ وهو عالمٌ ذاكرٌ - غير جاهلٍ ولا ناسٍ- بَطَلتْ صلاتُهُ؛ لأنّ سببَ الشُّكرِ ليس له تعلُّقٌ بالصّلاة ِبخِلافِ سُجودِ التِّلاوةِ.


- وصفةُ سجودِ الشُّكرِ وأحكامُه مثلُ سجودِ التِّلاوةِ.​

فصل في أوقات النهي



* ما هي أوقات النهي :

يقصد بأوقات النهي، هي الأوقات والأزمان التي نهى الشرع عن صلاة التطوع فيها . وهي:

أ ) من طلوع الفجر حتى ارتفاع الشمس قيد رمح؛ لحديث أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (وَلا صَلاةَ بَعْدَ صَلاةِ الفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) [رواه البخاري ومسلم] .

ب) من صلاة العصر إلى غروب الشمس؛ لحديث أبي سعيد ، وفيه : (لا صَلاةَ بَعْدَ صَلاةِ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ) [رواه البخاري ومسلم].

ج) وعند قيام الشمس في وسط السماء حتى تزول . لحديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال : (ثَلاثُ سَاعَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُصَلِّي فِيهِنَّ, وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا : حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ, وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ, وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ) [رواه مسلم].

* حكم الصلاة في أوقات النهي:

يحرم على المسلم في هذه الأوقات أن يصلي التطوع المطلق غير المقيد بسبب ، فإذا صلى فيها تطوعاً مطلقاً لا تصح صلاته ولا تنعقد ، حتى ولو كان جاهلاً بوقت النهي أو جاهلاً بتحريم الصلاة فيه ؛ وذلك لعموم النهي الوارد عن الصلاة في هذه الأوقات ، والنهي يقتضي فساد تلك الصلاة .

* ما يصح فعله من الصلوات في أوقات النهي:

يصح أداء صلاة التطوع في أوقات النهي إذا كان لها سبب؛ وهي :

أ ) سنة الفجر: لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَيْنَ النِّدَاءِ وَالإِقَامَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ) [رواه البخاري].

ب) ركعتي الطواف : لحديث جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يَا بَنِىعَبْدِ مَنَافٍ! لاَ تَمْنَعُوا أَحَدًا يَطُوفُ بِهَذَا البَيْتِ وَيُصَلِّى أَيَّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ) [رواه أبو داود والترمذي؛ بإسناد صحيح] .

ج) سنة الظهر البَعديَّة إذا جمع الظهر مع العصر ، سواء كان جمع تقديم أو جمع تأخير ؛ لحديث أم سلمة قالت : (صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ ، وَقَالَ : شَغَلَنِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ) [متفق عليه].

د ) صلاة جماعة مرة أخرى إذا أقيمت وهو في المسجد ؛ لحديث يزيد بن الأسود عن أبيه قال : (شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الفَجْرِ في مَسْجِدِ الخِيفِ ، فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ إِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ في آخِرِ القَوْمِ لَمْ يُصَلِّيا مَعَهُ ، قَالَ : عَلَيَّ بِهِما تَرْعَدُ فَرائِصُهُما ، فَقَالَ : مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيا مَعَنا ؟ قَالا : يا رَسُولَ الله إِنَّا قَدْ صَلَّيْنا في رِحَالِنا . قَالَ : فَلا تَفْعَلا ، إِذَا صَلَّيْتُما في رِحَالِكُما ثُمَّ أَتَيْتُما مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيا مَعَهُمْ ، فِإِنَّها لَكُما نَافِلَةٌ) [رواه أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد صحيح].

وحديث أبي ذر : (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ فَخِذَهُ وَقَالَ لَهُ : كَيْفَ أَنْتَ إِذَا بَقِيتَ فِي قَوْمٍ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ ، ثُمَّ قَالَ : صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا ، ثُمَّ انْهَضْ ، فَإِنْ كُنْتَ فِي المَسْجِدِ حَتَّى تُقَامَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ مَعَهُمْ) [رواه أحمد ومسلم]

هـ) قضاء الفرائض : لحديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (مَنْ نَسِيَ صَلاةً أَوْ نَامَ عَنْها فَكَفَّارَتُها أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا) [رواه البخاري ومسلم] .

و) فعل الصلاة المنذورة: لأن الوفاء بالنذر واجب ، فأشبهت الصلاة المفروضة من حيث لزوم أدائها .

* المعتبر في النهي بعد الفجر والعصر :

الاعتبار في النهي بعد الفجر هو دخول وقت الفجر ، فلا يجوز التطوع في هذا الوقت مطلقاً ، إلا ما كان له سبب كتحية المسجد وسنة الفجر؛ لما جاء عن يسار مولى ابن عمر قال : رآني ابن عمر وأنا أصلي بعد طلوع الفجر ، فقال : يا يسار! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج علينا ونحن نصلي هذه الصلاة، فقال : (لِيُبَلِّغْ شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُم ، لا تُصَلُّوا بَعَدَ الفَجْرِ إِلاَّ سَجْدَتَينِ) – أي ركعتي الفجر- [رواه أبو داود، بإسناد صحيح]

أما الاعتبار في النهي بعد العصر فبفراغ المصلي من صلاته ، لا بدخول وقتها أو بشـروعه في الصلاة ؛ فلو شرع في صلاة العصر ثم قلبها نفلاً لسبب من الأسباب ، صح تنفله ذلك ؛ لأنه لا يدخل النهي في حقه إلا بعد الانتهاء من صلاة العصر وهو لم يصلها بعد .​

فصل في قرأة القرآن وحفظه



أ ) تباح قراءة القرآن في الطريق ؛ لما ورد عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال : (كُنْتُ أَعْرِضُ عَلَيْهِ وَيَعْرِضُ عَلَيَّ فِي السِّكَّةِ ، فَيَمُرُّ بِالسَّجْدَةِ فَيَسْجُدُ ، قَالَ : قُلْتُ أَتَسْجُدُ فِي السِّكَّةِ ؟ قَالَ : نَعَمْ) [رواه أحمد ومسلم].


ب) تباح قراءة القرآن مع الحدث الأصغر - من غير وضوء - ؛ لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : (كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ مِنَ الخَلاءِ فَيَقْرَأُ القُرْآنَ وَيَأْكُلُ مَعَنَا اللَّحْمَ ، وَلَمْ يَكُنْ يَحْجُبُهُ عَنِ القُرْآنِ شَيءٌ لَيْسَ الجَنَابَةَ) [رواه أبو داود والترمذي والنسائي ، وصححه الترمذي والحاكم والذهبي ، وحسنه ابن حجر] .


ج) تباح قراءة القرآن مع نجاسة الثوب أو البدن أو الفم ؛ وذلك لحديث علي رضي الله عنه السابق ؛ إذ لم يكن يمنعه مانع من قراءة القرآن إلا حصول الحدث الأكبر وهو الجنابة .


د ) حفظ القرآن فرض على الكفاية ، إذا قام به البعض سقط عن الباقين ، وذلك بالإجماع .

أما ما لا تصح الصلاة إلا به وهو حفظ الفاتحة فواجب على كل مكلف بعينه ؛ لأنها ركن في الصلاة ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .

باب صلاة الجماعة


أحكام تتعلق بصلاة الجماعة

1- حكم صلاة الجماعة :

تجبُ صلاةُ الجماعةِ على الرِّجالِ الأحرارِ القادرينَ؛ سواءً كانوا في الحضرِ أو في السّفرِ؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ﴾ [النّساء:102]. والأمر للوجوب، وإذا كان ذلك مع الخوف؛ فمع الأمن من باب أولى.

ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «إنّ أثقلَ صلاةٍ على المنافقينَ: صلاةُ العشاءِ، وصلاةُ الفجرِ، ولو يعلمون ما فيهما لأَتَوْهُما ولو حبواً، ولقد هممتُ أن آمرَ بالصّلاةِ فتقامَ، ثمّ آمرَ رجلاً يصلِّي بالنّاسِ، ثم أنطلقَ معي برجالٍ معهم حُزَم من حطبٍ إلى قومٍ لا يشهدون الصلاةَ؛ فأحرِّق عليهم بيوتَهم بالنّارِ» [متفق عليه، واللفظ لمسلم].

2- أقلُّ ما تنعقدُ به الجماعةُ:

أقلُّ ما تنعقدُ به الجماعةُ اثنانِ: إمامٌ، ومأمومٌ -ولو أُنْثى-؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث رضي الله عنه: «إذا حضرتِ الصلاةُ؛ فأَذِّنا ثم أَقِيما، وليؤُمَّكُما أكبرُكُما» [متّفق عليه، واللفظ لمسلم].

ولا تنعقدُ بالمميِّز – وهو ابنُ سبعٍ- في الفَرْض؛ لأنّ ذلك يروى عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما.

3- الجماعةُ في المسجدِ:

تُسَنُّ الجماعةُ في المسجدِ؛ لقوله ابن مسعود رضي الله عنه: «من سرّهُ أن يلقى اللهَ غداً مسلماً فليحافظْ على هؤلاءِ الصلواتِ حيثُ يُنادى بهنّ؛ فإنّ اللهَ شرع لنبيّكم صلى الله عليه وسلم سُنن الهُدى، وإنّهنّ من سنن الهدى» [رواه مسلم].

وتُسَنُّ الجماعةُ للنِّساءِ منفرداتٍ عن الرِّجال؛ لفعلِ عائشةَ وأمِّ سلمة رضي الله عنهما [رواهما عبد الرّزاق والدّارقطني]، وأمرِه صلى الله عليه وسلم أمَّ وَرَقةَ أن تؤمَّ أهلَ دارِها [رواه أبو داود].

ويحرمُ على الرَّجلِ أن يؤمَّ النّاسَ في مسجدٍ له إمامٌ راتبٌ، إلا مع إذنِه إنْ كان يكرهُ ذلك؛ ما لم يضقِ الوقتُ؛ لأنّه بمنزلةِ صاحبِ البيتِ، وهو أحقُّ بالإمامةِ ممّن سواهُ؛ لحديث: «لا يؤمَنَّ الرجلُ الرجلَ فيسلطانه، ولا يقعدُ في بيتِه على تكرمتِه إلا بإذنِه» [رواه مسلم].

فإن كان لا يكرهُ ذلك أو ضاقَ الوقتُ صحَّتْ؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه صلّى حين غاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وفعله عبدالرحمن بن عوف فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «أحسنتم» [رواه مسلم].

4- إدراكُ الجماعةِ:

منْ كبَّر قبلَ سلامِ الإمامِ التّسليمةَ الأولى فقد أدركَ الجماعةَ؛ لأنّه أدركَ جزءًا من صلاةِ الإمامِ؛ فأشبه ما لو أدركَ ركعةً.

ومن أدركَ الرُّكوعَ -غيرَ شاكٍّ- أدركَ الرَّكعةَ، واطمأنَّ في ركُوعِه، ثمّ تابعَ إمامَه؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفرعاً: «إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجودٌ فاسجُدوا، ولا تعدُّوها شيئاً، ومن أدركَ ركعةً فقد أدركَ الصلاةَ» رواه أبو داود، وفي لفظ له: «من أدركَ الرُّكوعَ أدركَ الركعةَ».

ويُسنُّ دخولُ المأمومِ مع إمامِه كيف أدركَهُ؛ لما تقدم.

وإنْ قامَ المسبوقُ لقضاءِ ما فاته قبلَ تسليمةِ إمامِه الثانيةِ، ولم يرجعْ: انقلبتْ صلاتُه نفلاً؛ لتركِه العَوْدَ الواجبَ لمتابعةِ إمامِه بلا عذرٍ؛ فيخرجَ عنِ الائتمامِ، ويبطلَ فرضُه.

وإذا أقيمتِ الصلاةُ الّتي يريدُ أن يصليَ مع إمامِها، وشرعَ في نافلةٍ: لم تنعقد نافلتُه؛ لحديث: «إذا أقيمتِ الصَّلاةُ فلا صلاةَ إلا المكتوبةَ» [رواه الجماعة إلا البخاري].

وإن أقيمتْ وهو في النّافلةِ: أتمّها خفيفةً؛ لقوله تعالى: ﴿وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾[محمد:33].

ومنْ صلّى فرضَهُ، ثمّ أقيمتِ الجماعةُ وهو في المسجدِ: سُنَّ أن يعيدَ الصّلاةَ معهم، وصلاتُه الأُولى هي الفريضة؛ لحديث أبي ذر رضي الله عنه أنّ صلى الله عليه وسلم قال له : «صلِّ الصلاةَ لوقتِها؛ فإن أدركتْكَ الصلاةُ معهم فصلٍّ، ولا تقلْ: إنّي قد صليتُ فلا أصليِّ» [رواه مسلم].

5- ما يتحمّله المأمومُ عن الإمامِ:

يتحمل الإمامُ عن المأمومِ جملةَ أمورٍ؛ منها:

أ- القراءةُ: لقوله تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾[الأعراف:204].

ب- سجودُ السَّهوِ: إذا دخلَ مع الإمامِ من أولِّ الصَّلاةِ.

ج- سجودُ التِّلاوةِ: إذا قرأَ في صلاتِه آيةَ سجدةٍ، ولم يسجدْ إمامُه.

د-السُّتْرةُ: لأنّ سترةَ الإمامِ سترةٌ لمن خلفه، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي بأصحابِه إلى سترةٍ، ولم يأمرْهُم أن يستتروا بشيء.

هـ- دعاءُ القنوت: حيث سمعه المأمومُ؛ فيؤمِّن فقط.

و- التّشهدُ الأوّلُ: إذا سُبق بركعةٍ في رباعيةٍ؛ لئلا يختلفَ على إمامِه.

6- ما يسنُّ للمأمومِ خلفَ إمامِه:

يُسنُّ للمأمومِ أن يستفتحَ ويتعوَّذَ في الجهريّةِ؛ لأنّ مقصودَ الاستفتاحِ والتّعوُّذِ لا يحصلُ باستماعِ قراءةِ الإمامِ لعدمِ جهرِهِ بهما بخلافِ القراءةِ.

ويُسَنُّ له أن يقرأَ الفاتحةَ وسورةً حيثُ شُرعتْ -أي السورةُ- في سكتاتِ إمامهِ، وهي:

قبلَ الفاتحةِ في الركعةِ الأُولى فقطْ -حيث يستفتحُ ويستعيذُ-.

وبعد الفاتحةِ -حيث يقرأُ الفاتحةَ-.

وبعد الفراغِ من القراءةِ -حيث يقرأ السُّـورةَ-؛ وذلك لحديث سمرة رضي الله عنه: «أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يسكتُ سكتَتَيْن: إذا استفتح، وإذا فرغ من القراءةِ كلِّها». وفي رواية : «سكتةٌ إذا كبّر، وسكتةٌ إذا فرغ من قراءةِ غيرِ الغضوبِ عليهم ولا الضّآلين» [رواه أبو داود ، والتّرمذيّ بنحوه، وحسّنه، وضعّفه الدارقطنيُّ وغيرُه].

ويقرأُ فيما لا يجهرُ فيه الإمامُ متى شاءَ، وكذلك فيما لم يسمعْه لبعدِهِ؛ لقول جابر رضي الله عنه: «كنّا نقرأُ في الظُّهرِ والعصرِ خلفَ الإمامِ في الرّكعتينِ الأُوليَيْنِ بفاتحةِ الكتابِ وسورةٍ، وفي الآخِرتَيْن بفاتحةِ الكتابِ» [رواه ابن ماجه].


فصل في متابعة المأموم للإمام


إذا أحرمَ المأمومُ مع إمامِه: بطلتْ صلاتُه، ولم تنعقدْ؛ لأنّه يُشترط أن يأتي بها بعدَ إمامِه وقد فاتَه. وكذا إذا أحرم قبلَ إتمامِ إمامِهِ تكبيرةَ الإحرامِ؛ لأنّه يكون قد ائتمَّ بمن لم تنعقدْ صلاتُه.

والأَوْلى للمأمومِ أن يشرعَ في أفعالِ الصَّلاةِ بعد إمامِه؛ لحديث: «إنّما جُعل الإمامُ ليُؤتمَّ به؛ فلا تختلفوا عليه؛ فإذا كبَّر فكبِّرُوا، وإذا ركعَ فاركعُوا، وإذا قال: سمعَ اللهُ لمن حمدَهُ؛ فقولُوا: اللّهمّ ربَّنا ولك الحمدُ، وإذا سجدَ فاسجُدُوا، وإذا صلّى جالساً فصلُّوا جلوساً أجمعون» [متفق عليه، واللّفظ لمسلم].

فإنْ وافقَهُ في أفعالِ الصّلاةِ، أو في السَّلامِ كُرِه؛ لمخالفةِ السُّنّةِ، ولم تفسدْ صلاتُه؛ لأنّه اجتمع معه في الرُّكنِ.

ويحرمُ سبقُ الإمامِ بشيءٍ من أفعالِ الصّلاةِ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : «لا تسبقُونِي بالرُّكوعِ، ولا بالسُّجودِ، ولا بالقِيامِ» [رواه مسلم].

فمنْ ركعَ، أو سجدَ، أو رفعَ قبلَ إمامِه عمداً لزمَهُ أن يرجعَ ليأتيَ بهِ معَ إمامِه؛ ليكونَ مؤتمًّا به؛ فإنْ أبى عالماً عمداً بطلتْ صلاتُه؛ لترك المتابعةِ الواجبةِ بلا عذرٍ، ولحديثِ أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «أمَا يخشى الّذي يرفعُ رأسَه قبلَ الإمامِ أن يحولَ اللهُ رأسَه رأسَ حمارٍ» [متّفق عليه، واللّفظ لمسلم].

ولا تبطلُ صلاةُ النّاسِي والجاهلِ؛ لحديث: «إنّ اللهَ وضعَ عن أمّتي الخطأَ، والنِّسيانَ، وما استكرهُوا عليهِ» [رواه ابن ماجه، والحاكم وصحّحه، وضعّفه أحمد وغيره].

ويُسَنُّ للإمامِ التَّخفيفُ مع الإتمامِ للصّلاةِ؛ لحديثِ أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «إذا صلّى أحدُكم للنّاسِ فليخفِّفْ؛ فإنّ فيهم السقيمَ، والضعيفَ، وذا الحاجةِ، وإذا صلّى لنفسه فليطوِّل ما شاء» [رواه مسلم].

فإذا آثرَ واختارَ المأمومُ التطويلَ فلا بأس؛ لزوالِ علّةِ الكراهةِ، وهي التَّنفيرُ.

ويسنُّ للإمامِ أن ينتظرَ الداخلَ إلى الصّلاة إذا أحسّ به في ركوعٍ ونحوِه؛ بشرط أن لا يشقّ على من معه من المصلِّين؛ لأنّه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم الانتظارُ في صلاةِ الخوفِ لإدراكِ الجماعةِ، ولكن حُرمةُ من مع الإمامِ أعظمُ؛ فلا يشقُّ عليهم لنفعِ الدّاخلِ.

ومن استأذنَت امرأتُه أو أمتُه في الذّهابِ إلى المسجِدِ كُرِه لهُ منعُها، وصلاتُها في بيتِها خيرٌ لها؛ لحديث: « لا تمنعُوا إماءَ اللهِ مساجدَ اللهِ، وبيوتهنّ خيرٌ لهنّ» [رواه مسلم].


lv[u hgtrm hgldsv ;g lhjpf luvtjm uk ufh]j; ??? hglosv



 


الرد باقتباس
قديم 08-27-2013, 11:14 AM   #2


الصورة الشخصية لـ حسين دحه
حسين دحه غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 74
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 10-09-2022 (11:14 AM)
 المشاركات : 1,022 [ + ]
 تقييم العضوية :  40
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 3 مرة في 2 مشاركة
الإفتراضي رد : مرجع الفقة الميسر كل ماتحب معرفتة عن عبادتك ؟؟؟



فصل في الإمامة


1- الأحقُّ بالإمامةِ:

الأولى بالإمامةِ: الأجودُ قراءةً الأفقهُ؛ لجمعِه المرتبتينِ، ثمّ يليهِ الأجودُ قراءةً الفقيهُ؛ لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كانوا ثلاثةً فليؤمَّهُم أحدُهم، وأحقُّهم بالإمامةِ أقرؤُهم » [رواه مسلم].

ثمّ يليه الأقرأُ جودةً وإنْ لم يكن فقيهاً؛ إنْ كان يعرفُ فقهَ صلاتِه حافظاً للفاتحةِ؛ للحديث المذكور.

ويُقدَّمُ القارئُ الّذي لا يعلمُ فقهَ صلاتِه على الفقيه الأُمِّيِّ الذي لا يقرأ ولا يكتب؛ لحديث: «يؤمُّ القومَ أقرؤُهم لكتابِ اللهِ؛ فإن كانوا في القراءةِ سواءً فأعلمُهم بالسُّنّةِ؛ فإن كانوا في السُّنّةِ سواءً؛ فأقدمُهم هجرةً» [رواه مسلم].

ثمّ يُقَدَّمُ الأسنُّ؛ لقوله: «إذا حضرتِ الصلاةُ؛ فليؤذِّنْ لكم أحدُكم وليؤمَّكم أكبرُكم» [متفق عليه].

ثمّ الأشرفُ نسباً؛ إلحاقاً للإمامة الصغرى بالكبرى، وحديث: «الأئمّةُ من قُريشٍ» [رواه أحمد، والنّسائي في السّنن الكبرى].

ثمّ الأَتْقى والأَوْرعُ؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾[الحجرات: 13].

ثم يُقرع بينهم إذا تساووا فيما سبق؛ قياساً على الأذانِ.

وصاحبُ البيتِ الصّالحِ للإمامةِ أحقُّ بها ممّن حضره في بيتِهِ؛ لحديث: «لا يُؤَمَّنَّ الرَّجلُ الرَّجلَ في بيتِهِ» [رواه مسلم].

وإمامُ المسجدِ أحقُّ بالإمامةِ فيهِ؛ لأن ابن عمر أتى أرضاً له وعندها مسجد يصلي فيه مولى له فصلى ابن عمر معهم فسألوه أن يؤمهم فأبى، وقال للمولى: «أنتَ أحقُّ أن تصلِّيَ في مسجدِك منِّي» [رواه الشّافعيُّ والبيهقيُّ].

والحاضرُ أولى من المسافرِ؛ لأنّه ربّما قصَّر؛ ففاتَ المأمومينَ بعضُ الصَّلاةِ جماعةً.

والبصيرُ أولى من الأَعْمى؛ لأنّه أقدرُ على توقِّي النّجاسةِ، واستقبالِ القبلةِ بعلمِ نفسِهِ.

والمتوضِّئ أولى من المتيمِّمِ؛ لأنّ الوضوءَ يرفعُ الحدثَ، بخلاف التيمّم فإنّه مبيحٌ.

وتكرهُ إمامةُ غير الأَوْلى بلا إذنٍ من الأَوْلى بالإمامة ؛ لما في ذلك من الافْتئاتِ-التعدي- عليهِ.

2- شروطُ صِحّةِ الإمامة:

أ- العدالةُ: فلا تصحُّ إمامةُ الفاسقِ إلا في جمعةٍ وعيدٍ تعذّر إقامتُهما خلفَ غيرِه؛ لقوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ﴾ [السجدة: 18]، ولحديث جابر رضي الله عنه مرفوعاً: «لا تَؤُمَّنَّ امرأةٌ رجلاً، ولا أعرابيٌّ مهاجراً، ولا فاجرٌ مؤمناً إلا أن يقهرَه بسلطانٍ يخافُ سوطَه وسيفَه» [رواه ابن ماجه والبيهقي، وهو حديث ضعيف].

وتصحُّ إمامةُ الأعمى والأصمِّ؛ لأنّ النبيَّ r كان يستخلفُ ابنَ أمِّ مكتومٍ يؤمُّ الناسَ، وهُو أعمَى [رواه أبو داود]، وقِيسَ عليه الأصمُّ.

وتصحُّ إمامةُ الأقلفِ- الذي لم يختتن-؛ لأنّه ذكرٌ، مسلمٌ، عدلٌ؛ قارئٌ؛ فصحتْ إمامتُه.

وتصحُّ إمامةُ كثيرِ اللَّحْنِ إذا كان خطؤه لا يُحيلُ ولا يغيّر المعنى، وإِمامةُ التَّمْتامِ الذي يكرِّرُ التاءَ، ولكنْ مع الكراهةِ في الكلِّ-الأعمى، والأصمّ، والأقلف، وكثير الّلحن-؛ للخلافِ في صحةِ إمامتِهم.

ب- القدرةُ على الإتيانِ بالشروطِ والأركانِ: فلا تصحُّ إمامةُ العاجزِ عن شرطٍ أو ركنٍ إلا بمثلِه -لإخلالِه بفرضِ الصَّلاةِ-، إلا الإمامُ الرّاتبُ بمسجدٍ ويُرجى زوالُ عجزِه وعلّتِه فيصلِّي جالساً ويجلسون خلفَه، وتصحُّ قياماً؛ لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم صلّى بهم جالساً فصلّى وراءَهُ قومٌ قياماً ، فأشار إليهم أن اجلِسُوا، ثمّ قال: «إنّما جُعل الإمامُ ليؤتمَّ بهِ...، وإذا صلّى جالساً فصلُّوا جلوساً أجمعُونَ» [متفق عليه].

وإنْ تركَ الإمامُ ركناً أو شرطاً مختَلَفاً فيه مقلِّداً لغيرِه: صحَّتْ صلاتُه، ومن صلّى خلفَه معتقداً بطلانَ صلاتِه أعادَ؛ لأنّه تركَ ما تتوقّفُ عليه صحَّةُ صلاتِهِ.

والرواية الأظهر في المذهب واختارها الأكثر عدم الإعادة؛ لأن الصحابة كان يصلي بعضهم خلف بعض مع الاختلاف، ولأن صلاته لنفسه صحيحة ، فجاز الائتمام به ، والله قد رفع الإثم عن المجتهد ، وبذلك يحصل الغرض في مسائل الخلاف وهو الاجتهاد أو التقليد، ولا إنكارَ في مسائلِ الاجتهادِ؛ لعدمِ الدّليلِ.

ج- الذُّكورةُ في حقِّ الرّجال: فلا تصحُّ إمامةُ المرأةِ بالرِّجالِ؛ لما تقدّم.

د- البلوغُ: فلا تصحُّ إمامةُ المميِّزِ بالبالغِ في الفرضِ؛ لقول ابن مسعود رضي الله عنه: «لا يَؤُمَّنَّ الغلامُ حتّى تجبَ عليه الحدودُ» [رواه الأثرم]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: «لا يؤمنّ الغلامُ حتّى يحتلمَ» [رواه عبد الرّزاق والبيهقي بإسناد ضعيف]، ولم ينقل عن غيرِهما من الصحابة y خلافُه.

وتصحُّ إمامتُه في النَّفلِ، وفي الفرضِ بمثلِه من غير البالغين؛ لأنّها نفل حقِّ كلٍّ منهم.

هـ- الطّهارة من الحدثِ والخبثِ (النّجاسة): فلا تصحُّ إمامةُ محدِثٍ، ولا نجسٍ يعلمُ ذلك؛ فإنْ جهلَ هُو والمأمومُ حتّى انقضتْ الصّلاةُ: صحّت صلاةُ المأمومِ وحدَهُ؛ لما ثبت عن عمر رضي الله عنه «أنّه صلّى بالنّاسِ الصُّبحَ، ثمّ خرج إلى الجُرْفِ فوجدَ في ثوبِه احتلاماً؛ فأعاد الصلاةَ، ولم يعد الناسُ». [رواه مالك وعبد الرّزاق].

و- إحسانُ القراءة: فلا تصحُّ إمامةُ الأمِّيِّ -وهو من لا يحسنُ الفاتحةَ - إلا بمثلِه؛ لعجزِهِ عن ركنِ الصَّلاةِ.

- ويصحُّ النَّفلُ خلفَ من يُصلِّي الفرض؛ لحديث مِـحْجَن بن الأدرع رضي الله عنه قالت: «أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد؛ فحضرتِ الصلاةُ فصلّى فقال لي: ألا صليتَ؟ قال: قلت: يا رسول الله قد صليتُ في الرَّحْلِ ثمّ أتيتُك. قال: فإذا فعلتَ فصلِّ معهُم، واجعلْها نافلةً» [رواه أحمد].

- ولا يصحُّ الفَرضُ خلفَ من يصلّي نافلةً؛ لحديث: «إنمّا جُعلَ الإمامُ ليؤتمَّ به فلا تختلفُوا عليهِ» [متفق عليه].

وفي رواية عن الإمام أحمد يَصحُّ؛ لأنّ جابراً روى أن معاذاً كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثمّ يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة [متفق عليه]، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم في الخوف بطائفة ركعتين ثم سلّم ثم صلّى بالأخرى ركعتين ثم سلم [رواه أبو داود]، وهو في الثانية متنفِّلٌ يؤمُّ مفترضين.

- وتصحُّ الصّلاةُ المقضيّةُ خلفَ الصّلاةِ الحاضرةِ، والحاضرةُ خلفَ المقضيّةِ حيثُ تساوتا في الاسمِ -كظهرٍ خلف ظهرٍ-؛ لأنّ الصلاةَ واحدةٌ، وإنّما اختلفَ الوقتُ.

ولا يصحُّ عصرٌ خلف ظهرٍ، ولا عكسُه.

فصل في مكان وقوف الإمام والمأموم


يصحُّ وقوفُ الإمامِ وسطَ المأمومينَ؛ لأنّ ابنَ مسعود رضي الله عنه صلّى بين علقمةَ والأسودِ، وقال: «هكذا رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فعل» [رواه أبو داود].

والسُّنَّةُ وقوفُه متقدِّماً عليهم؛ لما ثبت أنّ جابراً وجبّاراً رضي الله عنهما وقفا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الصّلاة: أحدُهما عن يمينِه، والآخرُ عن يسارِه؛ فأخذ بأيديهما حتّى أقامَهُما خلفَهُ [رواه مسلم].

ويَقِفُ الرّجلُ الواحدُ عن يمينِ الإمامِ محاذياً لهُ؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما حين صلّى مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في بيته، وفيه: «فقمتُ عن يسارِه فأخذَ بيدِي فأدارَني عن يمينِه » [متفق عليه، واللفظ لمسلم].

ولا تصحُّ صلاةُ المأمومِ وحدَهُ خلفَ الإمامِ، ولا عن يسارهِ مع خلو يمينِه؛ لحديثِ وابصةَ بنِ معبدٍ: «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يُصلِّي خلفَ الصَّفِّ وحدَهُ فأمرهُ أن يعيدَ» [رواه أبو داود، والترمذيّ].

وتَقف المرأةُ خلفَ الإمام؛ لحديث أنس رضي الله عنه: أنَّ جَدَّتَه مليكةَ دعتْ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لهم: « قوموا فلأصلّي لكم»، قال أنس: «وصففتُ أنا واليتيمُ وراءَهُ، والعجوزُ خلفَنا فصلّى بنا ركعتَيْنِ» [متفق عليه].

وإنْ صلّى الرجلُ ركعةً خلفَ الصّفِّ منفرداً فصلاتُه باطلةٌ؛ لحديث وابصة السَّابق.

وإنْ أمكنَ المأمومَ الاقتداءُ بإمامِهِ ولو كان بينَهُما فوقَ ثلاثِ مائةِ ذراعٍ (140متراً تقريباً) صَحَّ الائتمامُ؛ بشرط أن يَرى الإمامَ أو يَرى من وراءَهُ، وإلا لم يصحّ؛ لأنّ عائشة رضي الله عنها قالت لنساءٍ كنّ يصلِينَ في حُجْرتِها: «لا تُصلِيَنَّ بصلاةِ الإمامِ فإنّكنّ دونَهُ في حجابٍ» [رواه الشافعي بإسناد ضعيف].

وإنْ كان الإمامُ والمأمومُ في المسجدِ لم تُشترطِ الرُّؤيةُ، ويَكفي سماعُ التّكبيرِ؛ لأنّ المسجدَ كلَّه موضعٌ للجماعةِ.

وإن كان بينَ الإمامِ والمأمومِ فاصلٌ عريضٌ كطريقٍ لم يصحَّ الاقتداءُ؛ لما تقدّم عن عائشة رضي الله عنها؛ إلا لضرورةٍ ؛ كازدحام المسجد بالمصلين يوم الجمعة والعيد إذا اتّصلتِ الصفوفُ.

ويُكرهُ علوُّ الإمامِ عنِ المأمومِ ؛ لأنّ حذيفة رضي الله عنه أمّ الناس بالمدائن على دُكانٍ؛ فأخذ أبو مسعود رضي الله عنه بقميصِهِ فجَبَذَه؛ فلمّا فرغ من صلاتِه قال : «ألم تعلم أنّهم كانوا يُنْهونَ عن ذلك؟ قال : بلى! قد ذكرتُ حين مدَدتَّني» [رواه أبو داود].

ولا يُكرهُ علوُّ المأمومِ على الإمامِ؛ لأنّ أبا هريرة رضي الله عنه صلّى على سطحِ المسجدِ بصلاةِ الإمامِ [رواه الشافعي وغيره].

ويُكرهُ لمنْ أكلَ بصلاً أو فُجْلاً ونحوهَ حضورُ المسجدِ؛ لحديث جابر رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «منْ أكلَ الثُّومَ والبصلَ والكُرّاثَ فلا يقربنَّ مسجدَنا؛ فإنّ الملائكةَ تتأذّى ممّا تتأذّى منه بنُو آدم» [متفق عليه، واللفظ لمسلم].

فصل في الأعذار المبيحة لترك الجمعة والجماعة


يُعذرُ بتركِ الجمعةِ والجماعةِ من يأتي:

1- المريضُ: لأنّه صلى الله عليه وسلم لمّا مرضَ تخلّفَ عن المسجدِ، وقال: «مُرُوا أبا بكرٍ فليصلِ بالنّاسِ» [متفق عليه].

2- الخائفُ حدوثَ المرضِ: لأنّه في معنى المريضِ.

3- المُدافِعُ أحدَ الأخبثيْنِ: لحديث عائشة رضي الله عنه مرفوعاً: «لا صلاةَ بحضرةِ الطّعامِ، ولا هو يدافعهُ الأخبثانِ» [مسلم]. والأخبثان: البول، والغائط.

4- منْ لهُ ضائعٌ يَرْجُو وجودَهُ، أو يخافُ ضياعَ مالِه أو فواتَه أو ضرراً فيه، أو يخافُ على مالٍ استُؤجِرَ لحفظِهِ كنِظارةِ بستانٍ: لحديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاةَ لهُ إلّا من عُذرٍ» [رواه ابن ماجه، وصحّحه جماعةٌ، وأعلّه بعضهم بالوقف]. وفي رواية: «قالوا : فما العذر يا رسول الله؟ قال: خوفٌ أو مرضٌ» [رواها أبو داود، وضعّفها المنذريُّ وغيره].

والخوفُ ثلاثةُ أنواعٍ: على المالِ من لصٍّ ونحوِهِ، وعلى نفسِهِ من عدوٍّ وغيرِهِ، وعلى أهلِهِ وعيالِهِ؛ فيعذر في ذلك كلِّه؛ لعمومِ الحديثِ.

وكذا إن خاف موتَ قريبِهِ؛ لأنّ ابنَ عمر استُصْرخَ على سعيدِ بنِ زيدٍ y وهو يتجمّرُ للجمعةِ؛ فأتاه بالعقيقِ، وترك الجمعةَ [رواه البيهقيّ، وهو صحيحٌ].

5- منْ تأذَّى بمطرٍ، ووَحْلٍ، وثَلْجٍ، وجليدٍ، وريحٍ باردةٍ بليلةٍ مُظْلمةٍ: لحديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنّه كان يأمرُ المناديَ فينادِي بالصَّلاةِ: صلُّوا في رحالِكُم في الليلةِ الباردةِ، وفي الليلةِ المطيرةِ في السّفرِ» [متفق عليه]، وفي الصحيحين عن ابن عباس: «أنّه قال لمؤذنه في يوم مطيرٍ: إذا قلت : أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أنّ محمداً رسولُ اللهِ، فلا تقلْ: حيّ على الصّلاةِ، قل : صلُّوا في بيوتكم. قال : فكأنّ الناسَ استنكروا ذلك. فقال : أتعجبون من ذا؟ قد فعل ذا من هو خيرٌ منِّي، إن الجمعةَ عزمةٌ، وإني كرهتُ أن أخرجَكُم فتمشونَ في الطِّينِ والدَّحَضِ». والسياق لمسلم.

6- منْ تأذَّى بتطويلِ الإمامِ: لأنّ رجلاً صلَّى مع معاذٍ، ثمّ انفردَ فصلّى وحدَهُ لمّا طوّلَ معاذٌ؛ فلم ينكرْ عليه صلى الله عليه وسلم حينَ أخبرَهُ [متّفق عليه].

صلاة أهل الأعذار


1) المقصود بأهل الأعذار

الأعذار جمع عذر ، وهو الحجة التي يعتذر بها ، مما يرفع اللوم عما حقه أن يُلام ؛ كالمرض ، والسفر ، والخوف .

وهذه الأعذار إذا وجدت في المصلي ، فإن الصلاة تختلف في بعض أحكامها من حيث الهيئة والعدد .

والأصل في ذلك قول الله تعالى : ) لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا (، وقوله سبحانه : ) مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (.

2) العاجز عن القيام :

- يجب على المصلي صحيحاً كان أو مريضاً أن يصلي قائماً ولو بالاستناد إلى شيء كعصا أو جدار ؛ لأن القيام في الفريضة ركن من أركان الصلاة ، فيجب الإتيان به عند القدرة وعدم المشقة ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : (إِذَا أَمَرْتُكُمْ بَأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم) [متفق عليه] .

- أما إذا عجز عن القيام مطلقاً أو شق عليه ، بسبب المرض أو خشية زيادته أو تأخر شفائه ، فإنه يصلي قاعداً ؛ لما جاء في حديث عمران بن حصين ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (صَلِّ قَائِماً ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِداً ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) [رواه البخاري] .

3) العاجز عن الجلوس :

- فإن عجز المصلي عن الصلاة قاعداً ، صلى على جنبه ، ويكون وجهه إلى القبلة ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) .

والأفضل أن يصلي على جنبه الأيمن ؛ لما روي عن علي مرفوعاً : (... فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِداً ، صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ الأَيْمَنَ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ...) [رواه الدارقطني، وإسناده ضعيف].

فإن شق عليه الجنب الأيمن صلى على جنبه الأيسر ووجهه إلى القبلة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد الجنب الذي يصلي عليه فقال : (فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) ، فأي الجنبين كان أيسر له صلى عليه ، أما عند التساوي فالجنب الأيمن أفضل ؛ لعموم حديث عائشة رضي الله عنها (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ التَيَمُّنُ في تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ وفي شَأْنِهِ كُّلِّهِ) [رواه البخاري ومسلم].

- وإن عجز عن الصلاة على جنبه ، صلى مستلقياً على ظهره ، وجعل رجليه إلى القبلة ؛ لحديث علي السابق : (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَلَّى مُسْتَلْقِياً، رِجْلاهُ مِمَّا يَلي القِبْلَةَ) . وروي في زيادة من حديث عمران : (فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَمُسْتَلْقِياً) [عزاه المجد ابن تيمية والزيلعي وابن حجر للنسائي ، وهي ليست في سننه الصغرى ولا الكبرى، فلعل عزوهم هذا وهم].

4) العاجز عن الركوع والسجود والذكر في الصلاة :

- إذا كان صاحب العذر قادراً على الركوع والسجود مع عجزه عن القيام ، فإنه يجب عليه الإتيان بالركوع والسجود على صفتهما الكاملة .

- وإذا كان قادراً على الإتيان بأحدهما ، فإنه يجب عليه فعل ما يقدر عليه ، ويومئ فيما يعجز عن الإتيان به .

- أما إذا عجز عن الإتيان بهما ؛ كحال من يصلي على جنبه ، فإنه يومئ بالركوع والسجود برأسه ويجعل سجوده أخفض من ركوعه ؛ لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (صَلِّ عَلَى الأَرْضِ إِنِ اسْتَطَعْتَ ، وَإِِلا فَأَوْمِئْ إِيمَاءً ، وَاجْعَلْ سُجُودَكَ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِكَ) [رواه البيهقي، بإسناد قوي] . وفي حديث علي السابق : (... فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَسْجُدَ أَوْمَأَ وَجَعَلَ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ...) .

- أما إذا عجز المصلي عن الإيماء في الركوع والسجود ؛ كمن أصيب بشلل كامل ؛ فإنه يومئ بعينيه مع استحضار الفعل بقلبه ؛ لأنه قادر على الإيماء فأشبه من يومئ برأسه ، ولا تسقط الصلاة عنه ما دام سليم العقل ؛ لقدرته على الإيماء مع النية

- وإذا كان المصلي عاجزاً عن القول بلسانه في أثناء الصلاة لخرس أو قطع لسان ، فإنه يستحضـر القول بقلبه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إِذَا أَمَرْتُكُمْ بَأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم) .

6) تبدل حال العاجز أثناء الصلاة :

- من صلى على حالٍ ثم قَدِرَ على ما هو أعلى منها ، انتقل إليها ؛ كمن صلى جالساً ، ثم قدر على القيام في أثناء الصلاة، فإنه ينتقل إلى القيام ، أو صلى على جنبه ثم قدر في أثناء الصلاة على الجلوس ، انتقل إليه ؛ لأن العلّة التي من أجلها عمل بالرخصة قد زالت ، فتعين أن يعمل بالأصل .

- وكذا إن صلى على حال ثم احتاج إلى ما هو أدنى منها ، انتقل إلى الحال الأدنى ؛ كمن صلى قائماً ثم شق عليه القيام ، أو صلى قاعداً ثم شق عليه القعود ، انتقل إلى القعود أو الاستلقاء بحسب حاله .

- ومن قدر على القيام إذا صلى منفرداً ، ويعجز عنه إذا صلى في الجماعة ، فإنه يخير بين الصلاة منفرداً أو حضور الجماعة ؛ لأنه يفعل في كل منهما واجباً ويترك واجباً ، فاستويا .

7) الصلاة على الراحلة للعذر :

- تجوز صلاة الفريضة على الراحلة إذا تعذر النزول عنها بسبب التأذي بالمطر أو الوحل ؛ لما روي عن يعلى بن أمية (أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ انتَهَى إِلى مَضِيقٍ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ ، وَالسَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ ، وَالبِلَّةُ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُم ، فَحَضَرَتِ الصَّلاةُ ، فَأَمَرَ المُؤَذِّنَ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَصَلَّى بِهِم ، يُومِئُ إِيماءً ؛ يَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ) [رواه أحمد والترمذي، وإسناده ضعيف] .

- كما تجوز الصلاة على الراحلة كذلك لمن خاف على نفسه من عدوٍّ أو سَبُعٍ ، أو يخشى العجز عن الرجوع إن نزل ، أو يخاف الانقطاع عن الرفقة في السفر؛ لأن من هذا حاله يعدُّ خائفاً على نفسه ، فأشبه الخائف من عدوه .

ولكن يجب عليه استقبال القبلة ، والإتيان بكل ما يقدر عليه من أعمال الصلاة .

- وإذا كان المصلي في ماء أو طين ولم يمكنه الخروج منه ، ولا السجود عليه إلا بالتلوث والبلل ، فله أن يصلي بالإيماء ويجعل سجوده أخفض من ركوعه ؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : (إِذَا أَمَرْتُكُمْ بَأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم) .

أما إذا كان البلل يسيراً لا أذى فيه ، لزمه السجود ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاته وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين [متفق عليه] .

فصل في صلاة المسافر




1) قصر الصلاة في السفر :

- يقصد بقصر الصلاة هو أن يؤدي المصلي الصلاة الرباعية – وهي الظهر والعصر والعشاء – ثنائية؛ فيصلي كل واحدة منها ركعتين ركعتين .

أما صلاة المغرب والصبح ، فيصليهما تامَّتين من غير قصر ، إجماعاً .

- وقصر الصلاة قد دلت نصوص الشرع على مشروعيته ؛ فقال تعالى : )وَإِذَا ضَرَبْتُم في الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ( [النساء:101] ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : (فَرَضَ اللهُ الصَّلاةَ حِينَ فَرَضَهَا رَكْعَتَينِ رَكْعَتَينِ في الحَضَرِ والسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ في صَلاةِ الحَضَرِ) [رواه البخاري ومسلم] .

- وقصر الصلاة في السفر أفضل من إتمامها ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده داوموا على قصر الصلاة في أسفارهم ، ومن ذلك حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (صَحِبْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ لا يَزِيدُ في السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَينِ ، وأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثمانَ كذلك رضي الله عنهم) [رواه البخاري ومسلم].

2) شروط صحة القصر في السفر :

يشترط لقصر الصلاة في السفر عدة شروط ، هي :

أ ) أن يكون السَّفر مُباحاً .

ويقصد بالسفر المباح كل سفر أجازه الشرع سواء كان واجباً أو مندوباً أو مباحاً ؛ كالسفر إلى الحج أو الجهاد ، أو صلة الأرحام أو زيارة الأصدقاء ، أو التجارة أو السياحة ونحو ذلك ؛ وذلك لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ الله وَضَعَ عَنِ المُسَافِرِ الصَّوْمَ ، وَشَطْرَ الصَّلاةِ) [رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه] .

أما المسافر سفر معصية سواء كان مكروهاً أو محرماً ، فلا يباح له القصر ؛ لأن الرخص الشرعية شرعت تخفيفاً وإعانة على المقصد ، فلم تشرع في سفر المعصية حتى لا يعان العاصي على معصيته .

ب) أن يكون المُسافِرُ قاصِداً السَّفَر إلى محلٍّ مُعَيَّن .

فلا يجوز القصر لمن هَامَ على وجهه لا يدري أين يذهب ، ولو بلغ في سَيره مسافة تقصر معها الصلاة ؛ وذلك لانتفاء القصد والنية ؛ فهو لم يقصد السفر ابتداءً ولم ينوه ، ولذا لم يبح له القصر لا في ابتدائه ولا في أثنائه.

ج) أن يَبلغ سفره مَسَافة قَصْرٍ .

وتُقَدَّر مسافة القصر بسِتَّة عَشَر فَرْسَخاً، أو ثَمانِيةً وَأربَعينَ مِيلاً ، وبالمقاييس المعاصرة ما يعادل (81) كيلومتراً تقريباً ، سواء كان السَّفَرُ بَرًّا أو بَحْراً أو جَوًّا ؛ وذلك لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (يَا أَهْلَ مَكَّةَ ! لا تَقْصُرُوا في أَدْنَى مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ ، مِنْ مَكَّةَ إِلى عُسْفَانَ) [رواه الدارقطني والبيهقي بإسناد ضعيف، والصحيح أنه من قول ابن عباس] .

د) أن يغادر عمران البلد .

وهو أن يفارق بيوت المدينة أو البلدة أو القرية ؛ لقول الله تعالى : )وَإِذَا ضَرَبْتُم في الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ( [النساء:101] ، ومن لم يفارق البيوت لم يضرب في الأرض ، فلا يسمى مسافراً إلا إذا ارتحل ؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يقصر صلاته إلا إذا ارتحل كما في حديث أنس رضي الله عنه قال : (صَلَّيتُ مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِالمَدِينَةِ أَرْبَعاً وَصَلَّيْتُ مَعَهُ العَصْرَ بِذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَينِ) [رواه البخاري ومسلم] .

- ومن خرج مسافراً مسافة تبيح القصر ، ثم بدا له أن يرجع قبل استكمال المسافة ، فلا يعيد الصلاة التي صلاها أثناء سفره ؛ لأن المعتبر نية قطع مسافة القصر لا قطع المسافة نفسها، بدليل أنه يبتدئ القصر بعد مغادرة عمران البلد ، وهي ليست مسافة قصر .

3) الأحوال التي لا يشرع فيها القصر للمسافر :

يجب على المصلي أن يتم صلاته في الحالات الآتية :

أ ) إذا دخل وقت الصلاة وهو مقيم ثم سافر ؛ لأن الصلاة وجبت في ذمته وهو مقيم غير مسافر ، ومن كان هذا حاله فحقه الإتمام لا القصر ؛ لحديث أنس رضي الله عنه قال : (صَلَّيتُ مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِالمَدِينَةِ أَرْبَعاً وَصَلَّيْتُ مَعَهُ العَصْرَ بِذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَينِ) [متفق عليه] .

* [القول بالإتمام من مفردات المذهب ، وفي رواية موافقة لجمهور العلماء أنه يباح له القصر ؛ لأن العبرة بفعل الصلاة لا بالزمن ، وقد حكاه ابن المنذر إجماعاً] .

ب) إذا اقتدى المسافر بإمام مقيم ؛ لما روى موسى بن سلمة قال : (كُنَّا مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَكَّةَ فَقُلْتُ إِنَّا إِذَا كُنَّا مَعَكُمْ صَلَّيْنَا أَرْبَعًا وَإِذَا رَجَعْنَا إِلَى رِحَالِنَا صَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ ؟ قَالَ : تِلْكَ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ) . [رواه أحمد، بإسناد حسن] . وقال نافع : كان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلاها أربعا وإذا صلى وحده صلاها ركعتين [رواه مسلم] .

ج) إذا لم ينو المسافر قصر الصلاة عند الإحرام بالصلاة ؛ لأن الأصل الإتمام ، وإطلاق النية وعدم تحديدها ينصرف إلى الأصل .

د ) إذا نوى المسافر الإقامة مطلقاً من غير تحديد ؛ كالعُمَّال المقيمين للعمل ، والتاجر المقيم للتجارة ، والطالب المقيم للدراسة ونحوهم ، فهؤلاء حكمهم حكم المقيمين؛ لأن السفر المبيح للقصر قد انقطع بنيَّة الإقامة .

هـ) إذا نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام ، أو أقام لحاجة وظن أنها لا تنقضي إلا بعد أربعة أيام ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة صبيحة اليوم الرابع من ذي الحجة وأقام فيها إلى فجر اليوم الثامن ، يقصر الصلاة ، ثم خرج إلى منى ، كما ثبت في الصحيحين من حديث جابر وأبي هريرة رضي الله عنهما ، فيكون بذلك قد صلى إحدى وعشرين صلاة قصراً .

و ) إذا أخَّر المسافر الصلاة بلا عذر حتى ضاق وقتها عنها ؛ لأنه صار بتأخيره عاصياً ، والرخص لم تبح ليتوسل بها إلى فعل المعاصي .

4) الأحوال التي يشرع فيها القصر للمسافر :

ويشرع للمسافر مسافة تبيح القصر أن يقصر الصلاة في الحالات الآتية :

أ ) إذا أقام في بلد لحاجة فوق أربعة أيام وهو لا ينوي الإقامة فيها ولا يدري متى تنقضي حاجته .

كمن يأتي مسافراً إلى بلد لحاجة ويقول اليوم أخرج ، غداً أخرج ، فهذا له أن يقصر الصلاة ولو بقي أكثر من أربعة أيام ؛ لما جاء عن جابر قال : (أَقَامَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِتَبُوكَ عِشْرينَ يَوْماً يَقْصُرُ الصَّلاةَ) [رواه أحمد وأبو داود بإسناد صحيح]

ب) إذا أقام في بلد بسبب الحبس ظُلماً أو لعُذر المطر ، ولو أقام سنين ؛ لما جاء عن نافع عن ابن عمرقال: (أَرْتَجَ عَلَيْنَا الثَّلْجُ وَنَحْنُ بِأَذْرَبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فِى غَزَاةٍ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ : فَكُنَّا نُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ) [رواه البيهقي بإسناد صحيح] .

فصل في الجمع




1) المقصود بالجمع :

- المقصود بالجمع هو: ضم إحدى الصلاتين إلى الأخرى تقديماً أو تأخيراً ، فيجمع المصلي بين الظهر والعصر في وقت إحداهما، وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما ، إذا كان هناك عذر معتبر شرعاً .

2) الأحوال التي يباح فيها الجمع بين الصلاتين :

الأصل في المسلم أن يصلي الصلاة على وقتها لقول الله تعالى : ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الُمؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً﴾ ، ولا يجوز للمسلم أن يخرج الصلاة عن وقتها إلا من عذر شرعي ، والأعذار المبيحة للجمع بين الصلاتين ، تنقسم إلى نوعين :

النوع الأول : أعذار تبيح الجمع بين صلاتي الظهر والعصر ، وصلاتي المغرب والعشاء تقديماً أو تأخيراً، وهي :

أ ) السَّفر الذي تُقصَر فيه الصَّلاة . وهو السفر الطويل الذي يبلغ (81 كم) فأكثر ؛ فيجوز أن يجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء ، جمع تقديم أو جمع تأخير ؛ وذلك لما ثبت من حديث معاذ ابن جبل رضي الله عنه قال : (أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ فى غَزْوَةِ تَبُوكَ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ، وَإِنْ يَرْتَحِلْ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعَصْرِ ، وَفِى المَغْرِبِ مِثْلَ ذَلِكَ إِنْ غَابَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ، وَإِنْ يَرْتَحِلْ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ أَخَّرَ المَغْرِبَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعِشَاءِ ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا) [رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح] .

ب) المقيم المريض الذي تلحقه مشقة وضعف بترك الجمع؛ لما ثبت عن ابن عباس قال : (جَمَعَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَينَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ وَالمَغْرِبِ وَالعِشَاءِ بِالمَدِينَةِ ، مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلا مَطَرٍ) ، وفي رواية (مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلا سَفَرٍ) [رواه مسلم] . فإذا كان الجمع لا يجوز لغير عذر ، كان العذر الذي من أجله جَمَع في هذا الحديث هو عُذر المرض .

ج) المرأة المرضع؛ إذا كان يشق عليها غسل ثوبها الذي تصيبه النجاسة في وقت كل صلاة . بشرط أن لا يتخذ ذلك عادة .

د ) العاجز عن الطهارة أو التيمم لكل صلاة؛ كالمستحاضة، ومن به سلس بول ، ومن ينزف جرحه على الدوام ؛ وذلك لحديث حمنة حين استفتت النبي صلى الله عليه وسلم في الاستحاضة فقال : (وَإِنْ قَوِيتِ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ ، وَتُعَجِّلِي العَصْرَ ، فَتَغْتَسِلِينَ ثُمَّ تُصَلِّينَ الظُّهْرَ وَالعَصْرَ جَمِيعاً ، ثُمَّ تُؤَخِّرِي المَغْرِبَ وَتُعَجِّلِي العِشَاءَ ، ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلاتَينِ فَافْعَلِي) [رواه أحمد وأبو داود والترمذي ، بإسناد حسن] .

هـ) الشغل الذي يبيح ترك الجمعة والجماعة، إذا كان يخاف بتركه ضرراً ؛ كالطباخ والخباز والحارس ، بحيث لا يتخذ ذلك عادة ؛ لحديث ابن عباس السابق ، وفيه أنه لما سئل عن سبب جمع النبي صلى الله عليه وسلم في غير الأعذار المعروفة ، قال : (أَرَادَ أَنْ لا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ) ؛ ففهم منه أنه إذا دعت الحاجة إلى الجمع بين الصلاتين جمع بينهما إذا كان في عدم الجمع مشقة وحرج .

النوع الثاني: أعذار تختص بإباحة الجمع بين المغرب والعشاء فقط ، وهي :

أ ) المطر الذي يبل الثياب وتوجد معه مشقة؛ لما روى نافع (أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُما كَانَ إِذَا جَمَعَ الأُمَرَاءُ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ في المَطَرِ جَمَعَ مَعَهُمْ) [رواه مالك، بإسناد صحيح] ، ولما ثبت عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب ، وأبي بكر بن عبد الرحمن المخزومي (أَنَّهُم كَانُوا يَجْمَعُونَ بَينَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ في اللَّيلَةِ المَطِيرَةِ إِذَا جَمَعُوا بَينَ الصَّلاتَينِ وَلا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ) [رواه البيهقي] .

ب) الثَّلج والبَرَد؛ لأنهما في معنى المطر .

ج) الوَحْل والطين؛ لأن المشقة تلحق المصلي في تلويث نعله وثيابه ، ويتعرض فيه الإنسان للزلق فيتأذى في نفسه وثيابه ، وهو في ذلك أعظم من البلل الذي يلحقه بالمطر .

د ) الجليد؛ لأنه يجتمع فيه معنيان ؛ أحدهما : المشقة بسبب شدة البرد ؛ إذ الجليد لا يتكون إلا مع البرودة الشديدة . والثاني : أنه التعرض للزلق فيتأذى به الإنسان كالوحل والطين .

هـ) الريح الشديدة الباردة؛ لأنه عذر في ترك الجمعة والجماعة كما في حديث ابن عمر : (كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُنادِي مُنادِيهِ في اللَّيلَةِ المَطِيرَةِ أَو اللَّيلَةِ البَارِدَةِ ذَاتِ الرِّيحِ : صَلُّوا في رِحَالِكُمْ) [رواه ابن ماجه ، بإسناد صحيح] . فدل ذلك على أن شدة البرد مما يلحق المشقة بالمصلي ، فجاز الجمع بسببه .

3) المفاضلة بين جمع التقديم وجمع التأخير :

لا مفاضلة بين جمع التقديم وجمع التأخير ، وإنما الأفضل ما كان أرفق بالمعذور ؛ لأن الجمع إنما شرع لرفع الحرج والمشقة ، وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم الأمرين بحسب الأرفق به كما في حديث معاذ (أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ في غَزْوَةِ تَبُوكَ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ، وَإِنْ يَرْتَحِلْ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعَصْرِ ، وَفِى المَغْرِبِ مِثْلَ ذَلِكَ إِنْ غَابَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ، وَإِنْ يَرْتَحِلْ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ أَخَّرَ المَغْرِبَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعِشَاءِ ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا) [رواه أبو داود والترمذي، بإسناد صحيح] .

4) شروط جمع التقديم :

إذا جمع المعذور جمع تقديم، فإنه يشترط لذلك ما يأتي :

أ ) نية الجمع عند الإحرام بالصلاة الأولى؛ لأن الجمع عمل وهو مفتقر إلى النية ؛ كما في الحديث: (إِنَّما الأَعْمالُ بِالنِّيَّاتِ) [متفق عليه] .

ب) أن لا يفرِّق بين الصلاتين بنافلة؛ فينبغي لصحة الجمع أن يوالي بين الصلاتين ولا يفصل بينهما بفاصل يسير عرفاً ؛ كقدر الإقامة أو الوضوء؛ لأن معنى الجمع المقارنة والمتابعة ، وقد ثبت ذلك من حديث أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة جمعه في مزدلفة قال : (فَلَمَّا جَاءَ المُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى المَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ في مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الْعِشَاءُ فَصَلاَّهَا وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا) [متفق عليه] .

- فإن فصل بين الصلاتين بأداء السُّنة بطل الجمع ؛ لأنه فرق بينهما بصلاة .

ج) أن يوجد العذر عند ابتداء الصلاتين ويستمر إلى الفراغ منهما؛ لأن وجود العذر هو السبب المبيح للجمع ، فإذا زال العذر في قبل افتتاح الأولى أو في أثنائها أو قبل الفراغ من الثانية لم يصح الجمع لزوال سببه .

- وإن زال العذر في أثناء الأولى ثم عاد قبل تمامها ، أو انقطع بعد افتتاح الثانية ، جاز الجمع ، ولم يؤثر انقطاعه ؛ لأن العذر وجد في وقت اشتراطه ، فلا يضر عدمه في غيره .

5) شروط جمع التأخير :

وإذا جمع المعذور جمع تأخير ، فإنه يشترط لذلك ما يأتي :

أ ) نية الجمع بوقت الأولى ما لم يضق الوقت عن فعلها؛ لأن تأخيرها حرام ، والتأخير ينافي الرخصة ، كما أن التأخير يفوت فائدة الجمع وهو التخفيف بالمقاربة بين الصلاتين .

ب) بقاء العذر إلى دخول وقت الثانية؛ لأن وجود العذر سبب إباحة الجمع ، فإذا لم يستمر إلى وقت الثانية زال سبب الجمع .

6) ما لا يشترط لصحة الجمع :

لا يشترط لصحة الجمع بين الصلاتين اتحاد الإمام والمأموم ؛ فيصح الجمع في الأحوال الآتية :

أ ) أن يصلى المأموم الظهر خلف إمام والعصر خلف إمام آخر .

ب) أن يجمع إمام العصر بمأموم غير الذي صلى معه الظهر .

ج) أن يجمع المأموم خلف إمام لم يجمع .

د ) أن يصلى إحدى الصلاتين منفرداً والأخرى في جماعة .

هـ) أن يجمع الإمام بمأموم لم يجمع .

7) صلاة السُّنة والوتر حال جمع التقديم :

- إذا جمع المصلي جمع تقديم ، فله أن يصلي سنة الأولى وسنة الثانية بعد الجمع ؛ لأن السنة الراتبة تابعة لفرضها ، وهو قد صلى الفرض .

- وإذا صلى المغرب والعشاء جمع تقديم ، فله أن يوتر قبل دخول وقت العشاء ؛ لأن الوتر وقته ما بين صلاة العشاء إلى الفجر ، وقد صلى العشاء فدخل وقته .

صلاة الخوف




* حكمُ صلاةِ الخوفِ:

تُباحُ وتصحُّ صلاةُ الخوفِ -إذا كان القتالُ مباحاً- حضراً وسفراً؛ لقوله تعالى [فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً] [البقرة:239]، ولفعلِ رسولِ اللهِ r؛ حيث صلّاها في غزوةِ ذاتِ الرِّقاعِ وغيرِها منَ الوقائِعِ [أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما]، ولإجماعِ الصّحابةِ yعلى فعلِها. ولا تجوزُ في قتالٍ محرّمٍ؛ لأنّها رخصةٌ فلا تُباحُ بمعصيةٍ.

* صفةُ صلاةِ الخوفِ:

لا تأثيرَ للخوفِ في تغييرِ عددِ ركعاتِ الصّلاةِ؛ فيَقْصُرُ الخائفُ صلاتَهُ في حالِ سفرِهِ، ويُتِمُّ في حالِ إقامتِهِ، ولكنْ يؤثّرُ الخوفُ في صفةِ الصّلاةِ، وفي بعضِ شروطِها على نحوِ ما وردَ عنِ النّبيّ r من كيفياتِ صلاتِها؛ فقد قال الإمامُ أحمدُ -رحمه الله-: «صحّتْ صلاةُ الخوفِ عن النّبيّ r من ستّةِ أوجهٍ، أمّا حديثُ سهلٍ فأنا أختارُهُ».

وحديثُ سهلٍ -وهو ابن أبي حَثْمةَ t- الّذي أشار إليه الإمامُ أحمدُ هو صلاتُهُ r يومَ ذاتِ الرِّقاعِ: «أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ وَطَائِفَةٌ وِجَاهَ الْعَدُوِّ؛ فَصَلَّى بِالَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا فَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى؛ فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ، ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا، وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ» [متّفق عليه].

ووجهُ اخيارِهِ: كونُه أنْكَى للعَدُوِّ، وأقلُّ في الأفعالِ، وأشبهُ بكتابِ الله تعالى، وأحوطُ للصّلاةِ والحربِ.

وإذا اشتدَّ الخوفُ بأنْ تواصلَ الضَّربُ والطَّعنُ، والكرُّ والفرُّ، ولم يمكنْ تفريقُ القومِ صفَّيْن، ولا صلاتُها على وجهٍ من وُجوهِها الأخرى، وحضَرَ وقتُ الصّلاةِ: لمْ تؤخّر، وصلُّوا رجالاً أو رُكباناً متوجّهين للقبلةِ وغيرِها؛ للآيةِ السّابقةِ، ولقولِ ابنِ عمر -رضي اللهُ عنهما-: «فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ أَوْ رُكْبَانًا؛ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا» قال نافعٌ: لا أرى عبدَ الله بنَ عمر حدّثه إلا عن رسول الله r. [رواه البخاري].ولا يلزمُهم في هذِهِ الحالةِ افتتاحُ الصّلاةِ إلى القبلةِ؛ ولو أمكنهُم ذلكَ.

وتكونُ صلاتُهم بالإيماءِ؛ يُومِئون بالرُّكوعِ والسُّجودِ بقدرِ طاقتِهم؛ لأنّهم لو أتمُّوا الرّكوعَ والسّجودَ لكانُوا هدَفاً لأسلحةِ العَدوِّ، معرّضين أنفسَهم للهلاكِ.

ويكونُ سجودُهم أخفضُ من ركوعِهِم، ولا يجبْ السّجودُ على ظهرِ الدّابّةِ.

* الحالاتُ الّتي تلحق بالصّلاةِ في شدّةِ الخوفِ :

يلحقُ بالصّلاةِ في شدّةِ الخوفِ الحالاتُ التاليةُ:

1- حالةُ الهرَبِ من عدوٍّ -إذا كان الهربُ مباحاً-، أو الهربِ من سَيْلٍ، أو سَبُعٍ- وهو كلُّ حيوانٍ مفترسٍ-، أو هربٍ من نارٍ، أو غريمٍ ظالمٍ.

2- الخوفُ من فواتِ وقتِ الوقوفِ بعرفةَ؛ إذا كان الحاجُّ قاصداً إليها، ولم يبقَ من وقتِ الوقوفِ إلا مقدارٌ يسيرٌ؛ بحيث لو صلّاها على الأرضِ فاتَهُ الوقوفُ؛ لأنّ الضّررَ الّذي يلحقُه بفواتِ الحجِّ لا ينقصُ عن الضّررِ الحاصلِ من الغريمِ الظّالمِ.

3- الخوفُ على نفسِهِ أو أهلِهِ أو مالِهِ، أو الذَّبِّ عن ذلك كلِّه، أو عن نفسِ غيرهِ؛ لما في ذلك من الضّرَرِ.

4- الخوفُ من فَوْتِ عدُوٍّ يطلبُهُ؛ لحديث عبد الله بن أنيس قال: «بَعَثَنِى رَسُولُ اللَّـهِ r إِلَى خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ الْهُذَلِىِّ - وَكَانَ نَحْوَ عُرَنَةَ وَعَرَفَاتٍ-؛ فَقَالَ: « اذْهَبْ فَاقْتُلْهُ». قَالَ: فَرَأَيْتُهُ وَحَضَرَتْ صَلاَةُ الْعَصْرِ؛ فَقُلْتُ: إِنِّي لأَخَافُ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَا إِنْ أُؤَخِّرُ الصَّلاَةَ؛ فَانْطَلَقْتُ أَمْشِي وَأَنَا أُصَلِّى أُومِئُ إِيمَاءً نَحْوَهُ...» الحديث [رواه أبو داود، وحسّنه الحافظُ ابنُ حجر].

- وإنْ خافَ شخصٌ عدواً إنْ تخلّفَ عن رفقتِهِ فصلّى صلاةَ خائفٍ ثمّ بانَ لهُ أمنُ الطَّريقِ: لمْ يُعدْ؛ لعمومِ البَلوى بذلك.

- ومن دخلَ في صلاتِه وهو آمنٌ، ثمّ خافَ في أثنائِها لطارئٍ: كمّلها على هيئةِ صلاةِ الخائفِ، وبنى على ما صلّاهُ منها وهو آمنٌ، وإنْ دخلَ فيها وهو خائفٌ ثمّ أمنَ: كمّلها على هيئةِ صلاةِ الآمنِ، وبنى على ما صلّاهُ منها وهو خائفٌ؛ لأنّ بناءَه في كلا الحالتين على صلاةٍ صحيحةٍ.

* ما يجوزُ فعلُه للمصلِّي أثناءَ صلاةِ الخوفِ:

1- الكَرُّ والفَرُّ، والتّقدُّمُ والتّأخُّرُ، والطّعنُ والضّربُ بحسَبِ المصلحةِ، ولا تبطلُ الصّلاةُ بطولِ ذلك؛ لما ثبت في حديث ابن عمر في صلاةِ الخوفِ قال: «صلّى رسولُ اللهِ r صلاةَ الخوفِ بإحدى الطائفتينِ ركعةً، والطائفةُ الأخرى مواجهةَ العدوِ، ثمّ انصرفُوا وقامُوا في مقامِ أصحابِهم مقبلينَ على العَدُوِّ، وجاء أولئك ثمّ صلّى بهم النّبيُّ r ركعةً، ثمّ سلّمَ النّبيُّ r، ثمّ قضى هؤلاءِ ركعةً، وهؤلاءِ ركعةً» [متّفق عليه]، وهذا فيه عملٌ كثيرٌ في الصّلاةِ.

2- حملُ نجسٍ لحاجةٍ؛ كسِلاحٍ مُلوّثٍ بدمِ؛ لقوله تعالى ]وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ[[النساء: 102].

ولا يلزمُ المصلِّيَ إعادةُ صلاتِهِ.


باب صلاة الجمعة




باب صلاة الجُمُعةِ

* حُكمُها:

صلاةُ الجمعةِ فرضُ عينٍ على الرِّجال؛ لقوله عز وجل :]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ[ [الجمعة: 9].

* على من تجبُ صلاةُ الجمعةِ؟

أ- تجب صلاةُ الجمعةِ على كلِّ ذكرٍ، مسلمٍ، مكلّفٍ (عاقلٍ بالغٍ)، حرٍّ، لا عذر لهُ في تركِها؛ لحديث طارقِ بنِ شهابٍ t مرفوعا: « الْـجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إلَّا أَرْبَعَةً: عَبْدٌ، أَوْ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ » [رواه أبو داود].

ب- تجبُ الجمعةُ كذلك على كلِّ مسافرٍ لا يباحُ له قصرُ صلاتِه؛ كالسّفرِ لمسافةٍ دون مسافةِ القصرِ، أو السَّفرِ في معصيةٍ.

ج- تجبُ على المقيمِ خارجَ البلدِ إذا كان بينه وبين موضعِ إقامةِ الجمعةِ وقتَ فِعلِها فَرْسَخٌ (وهو يقدّر بـ: 5544 متراً عند الجمهور) فأقلّ؛ لحديث: « الْـجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ » [رواه أبو داود].

والعبرةُ بمظنّةِ السّماعِ لا بالسّماعِ نفسِهِ، وقُدِّر الموضعُ بالفرسخِ؛ لأنّه الموضعُ الّذي يسمع منه النداءُ في الغالبِ إذا كان المؤذّنُ صيِّتاً، والموضعُ عالٍ، والرياحُ ساكنةٌ، والأصواتُ هادئةٌ، والعوارضُ منتفيةٌ.

* من لا تجبُ عليهِ صلاةُ الجمعةِ:

أ- لا تجبُ صلاةُ الجمعةِ على من يباحُ له القصرُ؛ لأنّه عليه الصّلاةُ والسّلامُ سافر هو وأصحابُه في الحجّ فلمْ يصلِّ أحدٌ منهم الجمعةَ فيه [ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما].

ب- لا تجبُ الجمعةُ على امرأةٍ.

ج- لا تجبُ الجمعةُ على عبدٍ، ولا مُبَعَّضٍ (الّذي أُعتقَ بعضُه)؛ لحديث طارق بن شهاب السّابق.

ومنْ حضرَ الجمعةَ من هؤلاءِ أجزأتْهُ عن صلاةِ الظُّهر إجماعاً؛ لأنّ إسقاطَ الجمعةِ عنهم من بابِ التّخفيفِ؛ فإذا حضرُوها أجزأتْهُم.

* شروطُ صحّةِ صلاةِ الجمعةِ:

يشترطُ لصحّةِ صلاةِ الجمعةِ أربعةُ شروطٍ:

الأوّلُ: الوقتُ: وهو من أوّلِ وقتِ العيدِ إلى آخرِ وقتِ الظُّهرِ؛ لحديث جابر t قال: « كانَ رسولُ اللهِ r يُصَلِّي الجمعةَ، ثمّ نذهبُ إلى جمالِنا فنُرِيحُها حين تزولُ الشّمسُ » [رواه مسلم]، ولما رُويَ عن ابن مسعود ومعاوية وغيرهما من الصحابة y: « أنّهم صَلَّوا الجُمُعةَ ضُحًى » [رواها ابن أبي شيبة]، ولم يُنكرْ عليهم.

وتجبُ الجمعةُ بالزَّوالِ؛ لأنّها بدلٌ عن الظُّهرِ، ولأنّه الوقتُ الّذي كان النبيُّ r يصلّي فيه الجمعةَ أكثرَ أوقاتِهِ؛ ففي حديثِ سلمةَ بن الأَكْوَع t قال: « كنّا نُجمِّعُ مع النّبيّ r إذا زالتِ الشَّمسُ، ثمّ نرجعُ فنتتبّعُ الفيءَ » [متّفق عليه].

وفعلُ الجمعةِ بعدَ الزّوالِ أفضلُ من فعلِها قبلَ الزّوالِ؛ خروجاً من الخلافِ. وما قبلَ الزوالِ وقتٌ للجوازِ لا للوُجوبِ.

الثّاني: أنْ تكونَ بقريةٍ مبنيّةٍ بما جرتْ عادةُ أهلِها به، ولو كانَتْ من قصبٍ؛ فأمّا الخيامُ وبيوتُ الشّعرِ فلا جمعةَ على ساكِنيها؛ لأنّ ذلك لا ينصبُ للاستيطانِ غالباً، ولأنّه ثبت بالاستقراء أنّ قبائل العرب حول المدينة لم يكونوا يقيمون الجمعة، ولم يأمرهم النبي r بذلك، لكن إذا كانوا مقيمين بموضعٍ يسمعون منه النداءَ: لزمَهُمْ السعيُ إليها.

ويُشترطُ في القريةِ أن يستوطنَها أربعون رجلاً استيطانَ إقامةٍ؛ فلا يرحلون عنها صيفاً ولا شتاءً.

وتصحُّ صلاةُ الجمعةِ فيما قاربَ البنيانَ من الصحراءِ، لا فيما بعد عن البُنيانِ؛ لشِبْهِهم بالمسافرين.

الثّالثُ: حضورُ أربعين ممّن تجبُ عليهم الجمعةُ؛ بما فيهم الإمام: لما ثبت في حديث عبد الرّحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أنّه t قال: « أوّلُ من جمَّعَ بنا أسعدُ بنُ زرارةَ...» قال: قلت: كم أنتم يومئذ؟ قال: « أربعونَ » [رواه أبو داود].

فإن نقص العددُ عن أربعين قبل إتمام الجمعةِ: استأنفوا ظهراً؛ لأنّ العددَ شرطٌ لصحّتها؛ فاعتُبر في جميعها كالطّهارة.

ولا يحسبُ العبدُ والمرأةُ ونحوُهما، ولا من ليس من أهلِ البلدِ من الأربعين الّذين تنعقدُ بهم الجمعةُ، ولا تصحُّ إمامتُهم فيها؛ لأنّهم من غيرِ أهلِ الوجوبِ، وإنّما صحتْ منهم تبعاً.

الرّابعُ: تقدُّمُ خطبتينِ: لحديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما قال: « كَانَ النَّبِيُّ r يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا » [متّفق عليه]. ومداومتُه عليه الصّلاةُ والسّلامُ على الخطبتينِ دليلٌ على وجوبِهما.

* شروطُ صحّةِ الخطبتينِ:

يُشرطُ لصحّةِ الخُطبتينِ خمسةُ أشياءَ:

1- الوقتُ: فلا تصحُّ الخطبةُ قبلَ الوقتِ؛ لأنّهما بدلٌ عن ركعتينِ؛ فقد رُوي عن عمر بن الخطّاب t أنّه قال: « إنّما جعلتِ الخطبةُ مكان الرّكعتينِ » [رواه ابنُ أبي شيبة بإسناد ضعيف].

2- النيّةُ: لحديث: « إنّما الأعمالُ بالنيّاتِ » [متّفق عليه].

3- وقوعُ الخُطبتينِ حضَراً: فلو خطب الإمامُ في أربعينَ في سفينةٍ أو طائرة، ولم يصلُوا إلى القريةِ حتّى فرغ من الخُطبتينِ: أعادهما؛ لوقوعِهما في السّفرِ.

4- حضورُ الأربعينَ فأكثر مع الإمام: لما تقدم في شروطِ صحّةِ الجمعةِ.

5- أن يكونَ الخطيبُ ممّن تصحُّ إمامتُهُ فيها: فلا تصحُّ خطبةُ من لا تجبُ عليه الجمعةُ؛ كالمسافرِ والمرأةِ.

* أركانُ الخطبتينِ:

أركانُهما ستّةٌ:

1- حمدُ اللهِ تعالى: وهو قول الخطيب: « الحمد لله »؛ لحديث جابر t قال: « كـان رسول الله r يخطبُ النّاسَ؛ فيحمدُ اللهَ ويُثنِي عليهِ بما هو أهلُهُ » [رواه مسلم].

2- الصّلاةُ على رسولِ اللهِ r: لأنّ كلَّ عبادةٍ افتقرتْ إلى ذكرِ اللهِ U افتقرتْ إلى ذكرِ رسولِ اللهِ r؛ كالأذان. ويتعيّنُ لفظُ الصّلاةِ.

3- قراءةُ آيةٍ كاملةٍ من كتابِ اللهِ تعالى: وذلك في كلّ خطبةٍ؛ لأنّهما بدلٌ عن ركعتينِ، ولحديثِ جابرِ بنِ سمرةَ t قال: « كَانَتْ لِلنَّبِيِّ r خُطْبَتَانِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا؛ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَيُذَكِّرُ النَّاسَ » [رواه مسلم].

4-الوَصيّةُ بتقوى اللهِ U: لأنّ ذلك هو المقصودُ بالخطبةِ؛ فلمْ يَـجُزْ للخطيبِ الإخلالُ بهِ.

5- موالاةُ جميعِ الخطبتينِ مع الصلاةِ: لفعلِهِ عليه الصّلاةُ والسّلامُ، ولم ينقلْ عن النّبيِّ r خلافُ ذلك، وقد قال r : « صَلُّوا كما رأيتمُونِي أُصَلِّي » [رواه البخاري]. فلا يفصلْ بين أجزاءِ الخطبتينِ، ولا بينَ إحداهما والأخرى بغيرِ الجلسةِ اليسيرةِ، ولا بين الخطبتينِ والصّلاةِ.

6- جهرُ الخطيبِ بالخُطبتينِ؛ بحيث يسمعهُ العددُ المعتبرُ للجمعةِ حيثُ لا مانعَ لهم من سماعِهِ كنومٍ أو غفلةٍ أو مطرٍ؛ لحديث جابر t قال: « كانَ رسولُ اللهِ r إذا خطبَ احمرّتْ عيناهُ، وعَلَا صوتُهُ » [رواه مسلم]. فإنْ لم يسمعوه لخفضِ صوتِهِ أو لبعدهم عنه لمْ تصحّ؛ لعدمِ حصولِ المقصودِ من الخطبةِ.

* سننُ الخطبتينِ:

يسنُّ في الخطبتين الأمورُ التّاليةُ:

1- الطّهارةُ من الحدثِ: فتُجزئُ خطبةُ الجنُبِ على الصّحيحِ؛ لأنّ لبثَه بالمسجدِ لا تعلُّقَ له بالعِبادةِ. ودليلُ السُّنيّةِ: أنّه لم ينقلْ عنه r أنّه تطهّر بين الخطبةِ والصّلاةِ؛ فدلّ على أنّه كان لا يخطبُ إلّا متطهّراً.

2،3- سترُ العورةِ، وإزالةُ النّجاسةِ: قياساً على حالِ الصّلاةِ؛ لأنّ الخطبتينِ بدلٌ عن ركعتينِ.

4- الدُّعاءُ للمسلمينَ: لأنّ الدعاءَ لهم مسنونٌ في غيرِ الخطبةِ؛ ففيها من باب أولى.

5- أن يتولاهما مع الصّلاةِ رجلٌ واحدٌ: لأنّه لا يُشترطُ اتّصالُهما بها؛ فلمْ يُشترطْ أن يتولاهما واحدٌ؛ كصلاتينِ.

6- رفعُ الصوتِ بهما حسبَ الطّاقةِ: لحديث جابر t السّابق، ولأنّه أبلغُ في الإعلامِ.

7- أن يخطبَ قائماً على مرتفعٍ؛ لقوله تعالى: ] وَتَرَكُوكَ قَائِماً [ [الجمعة:11]، ولحديث جابر بن سمرة t السّابق، ولأنّ النّبيّ r كان يخطب على منبره؛ كما جاء في أحاديث كثيرة عن جماعةٍ من الصحابة t [رواها البخاري ومسلم وغيرهما].

8- أن يعتمدَ على سيفٍ أو عصاً أو قوسٍ: لحديثِ الحكمِ بنِ حزنٍ الكُلَفِيّ t قال: « وفدتُّ إلى رسولِ اللهِ r سابعَ سبعةٍ أو تاسعَ تسعةٍ...فأقمنا بها أياماً شهِدنا فيها الجمعةَ مع رسولِ اللهِ r فقام متوكِّئاً على عصا أو قوسٍ فحمد اللهَ، وأثنى عليه » الحديث. [رواه أبو داود].

9- أن يجلسَ بين الخُطبتينِ قليلاً: لحديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما قال: « كَانَ النَّبِيُّ r يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا » [متّفق عليه].

فإنْ أَبَى الخطيبُ أن يجلسَ فصل بينهما بسكتةٍ قدرَ جلوسِهِ، أو خطبَ جالساً فصلَ بينهما بسكتةٍ حتّى يحصلَ التّمييزُ بينهما؛ لأنّه ليس في الجلسةِ ذكرٌ مشروعٌ.

10- تقصيرُ الخطبتين: لحديث عمار t مرفوعا: « إِنَّ طُولَ صَلاَةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ؛ فَأَطِيلُوا الصَّلاَةَ، وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ » [رواه مسلم]. وتكونُ الخطبةُ الثانيةُ أقصرَ من الأولى.

- ولا بأس أن يخطبَ من صحيفةٍ؛ كالقراءةِ من المصحفِ في الصلاةِ.



فصلٌ (في بعضِ أحكامِ الجُمُعةِ)

1- إنصاتُ المأمومينَ للخُطبةِ:

يجبُ الإنصاتُ للخطبةِ، ويحرمُ الكلامُ من المأمومين والإمامُ يخطبُ إذا كان المتكلِّمُ قريباً من الخطيبِ بحيثُ يسمعُهُ؛ لقوله r: « إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ أَنْصِتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ » [متفق عليه]. بخلافِ البعيدِ الذي لا يسمعُ الخطيبَ؛ لأنّ وجوبَ الإنصاتِ للاستماعِ، وهذا ليس بمستمعٍ.

وتباحُ الصلاةُ على النّبيّ r سرّاً، ويجوزُ التّأمينُ على الدُّعاءِ، وحمدُهُ خُفيةً إذا عطَس، ويجوزُ تشميت العاطسِ، وردُّ السّلامِ نطقاً.

ويباحُ الكلامُ إذا سكتَ الخطيبُ بين الخُطبتينِ؛ لأنّه لا خطبةَ ينصتُ لها حينئذٍ، أو إذا شرع في الدُّعاءِ؛ لأنّه يكونُ قد فرغ من أركانِ الخطبةِ، والدُّعاءُ غيرُ واجبٍ؛ فلا يجبُ الإنصاتُ لهُ.

2- تعدُّد صلاةِ الجمعةِ في البلد:

تحرمُ إقامةُ صلاةِ الجمعةِ وإقامةُ صلاةِ العيدِ في أكثرَ من موضعٍ واحدٍ من البلدِ؛ لأنّ « النّبيَّ r وخلفاءَهُ لمْ يُقيمُوا إلا جمعةً واحدةً » [قال ابن الملقّن في (البدر المنير): صحيح متواتر]. إلّا لحاجةٍ؛ كضيقِ مسجدِ البلدِ عن أهلِهِ، أو بُعدِهِ عن بعضهم ، أو خوفِ فتنةٍ بين المصلّينَ إذا اجتمعوا في مسجدٍ واحدٍ لعداوةٍ بينهم ؛ وذلك لأنّها تُفعل في الأمصارِ العظيمةِ في جوامعَ من غيرِ نكيرٍ فصار إجماعاً.

فإنْ تعددتِ الجمعةُ لغيرِ ما ذُكر من الأسبابِ: فالصّحيحةُ ما باشَرَها الإمامُ، أو أذنَ فيها لهم، وإلّا فالسّابقةِ بالإحرامِ هي الصحيحةُ منهنّ؛ وذلك لحصولِ الاستغناءِ بها؛ فأُنيط الحكمُ بها دون غيرها.

3- أحكامُ المسبوقِ في صلاةِ الجمعةِ:

إذا أحرمَ المصلِّي بصلاةِ الجمعةِ في وقتِها وأدرك مع الإمامِ ركعةً منها أتمّ صلاتَهُ جُمُعةً؛ لحديث أبي هريرة t : « مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ » [متفق عليه]، ولما صحّ عن ابن مسعود t وغيره: « إذا أدركتَ ركعةً من الجمعةِ فأضفْ إليها أُخرى؛ فإِذا فاتَك الركوعُ فصلِّ أربعاً » [رواه ابن أبي شيبة].

وإنْ أدركَ المأمومُ مع إمامِه أقلَّ من ركعةٍ نوى ظهرا عند إحرامِهِ.

4- الرّواتبُ يومَ الجمعةِ:

أقلُّ السُّنَّةِ الرّاتبةِ للجمعةِ بعدَها ركعتانِ؛ لحديث ابنِ عمر رضي الله عنهما : « أَنَّ النَّبِىَّ r كَانَ يُصَلِّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ » [متفق عليه، واللّفظ لمسلم].

وأكثرُها ستُّ ركعاتٍ؛ لحديثِ عطاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه: « كَانَ إِذَا كَانَ بِمَكَّةَ فَصَلَّى الْجُمُعَةَ تَقَدَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَلَّى أَرْبَعًا، وَإِذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ صَلَّى الْجُمُعَةَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يُصَلِّ فِى الْمَسْجِدِ؛ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّـهِ r يَفْعَلُ ذَلِكَ » [رواه أبو داود].

5- قراءةُ سورةِ الكهفِ والسّجدةِ:

يُسنُّ قراءةُ سورةِ الكهفِ في يومِ الجمعةِ؛ لحديث أبي سعيد t قال: « مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِى يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَهُ وبَيْنَ الْبَيْتِ العَتِيقِ » [رواه الدارمي والبيهقي].

ويُسنُّ أن يقرأَ في صلاةِ الفجرِ يومَ الجمعةِ بعد الفاتحةِ في الرّكعةِ الأولى: [ألـمّ، السجدة]وفي الرّكعةِ الثانية: [هَلْ أَتَى]؛ لحديث أبي هريرة t: « أَنَّ النَّبِيَّ r كَانَ يَقْرَأُ في الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِـ[ألم تَنْزِيل] » فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى، وَفي الثَّانِيَةِ: [هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا] [متفق عليه، واللّفظ لمسلم].

وتكرهُ مداومتُهُ عليهما؛ لئلا يُظنَّ الوجوبُ، أو يظنَّ أنّها مفضّلةٌ بسجدةٍ.

ويكرهُ القِراءةُ في عشاءِ ليلةِ الجمعةِ بسورةِ الجمعةِ.

باب صلاة العيدين


باب صلاة العيدين

1- العيدان : مثنى عيد ، من العود وهو التكرار ، فكونه يعود ويتكرر في أوقاته السنوية المعلومة سمى عيداً لذلك . وعيدا المسلمين : عيد الفطر وعيد الأضحى .

2- صلاة العيدين : فرض كفاية على المسلمين , فإذا قام بها بعض المسلمين ممن يظهر بهم هذه الشعيرة فإنه يسقط الإثم عن الباقين وإلا أثم الجميع ؛ لأن الله عز وجل أمر بها في قوله تعالى ) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ( [الكوثر:2] , والمراد بالصلاة هنا , صلاة العيد كما قال عكرمة وعطاء وقتادة , ولأنها من شعائر الإسلام الظاهرة فكانت واجبة كالجمعة , ولأنه ثبت بالاستقراء أن النبي r كان يواظب عليها , وهذا يدل على الوجوب .

3- شروطها : كشروط صلاة الجمعة – وقد مرت - ؛ لأن صلاة العيد شبيهة بصلاة الجمعة فاشترط لها ما اشترط لصلاة الجمعة , إلا الخطبتين فإنهما سنة في صلاة العيد ؛ والدليل على ذلك حديث عبد الله بن السائب رضي الله عنه قَالَ : (شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ الله r الْعِيدَ فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ قَالَ: إِنَّا نَخْطُبُ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ فَلْيَجْلِسْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَذْهَبَ فَلْيَذْهَبْ) [رواه أبوداود والنسائي وابن ماجة بإسناد صحيح] . فلو كانت واجبة لأمر النبي r بالجلوس لها والاستماع إليها .

4- وقتها : كوقت صلاة الضحى : ويكون ذلك من طلوع الشمس بارتفاعها قيد رمح إلى زوال الشمس ؛ لفعله r كما يدل عليه حديث يَزِيدُ بْنُ خُمَيْرٍ الرَّحْبِىُّ قَالَ : (خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ صَاحِبُ رَسُولِ الله r مَعَ النَّاسِ فِى يَوْمِ عِيدِ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى فَأَنْكَرَ إِبْطَاءَ الإِمَامِ فَقَالَ إِنَّا كُنَّا قَدْ فَرَغْنَا سَاعَتَنَا هَذِهِ وَذَلِكَ حِينَ التَّسْبِيحِ) [رواه أبوداود وابن ماجة بإسناد صحيح] . وعند الطبراني وصححه ابن حجر: (وَذَلِكَ حِينَ تَسْبيحِ الضُّحَى ) أي حين صلاة الضحى .

فإن لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوال فإنها تصلى في اليوم الثاني في وقتها قضاءً ؛ لحديث أَبِى عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ r (أَنَّ رَكْبًا جَاءُوا إِلَى النَّبِىِّ r يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ رَأَوُا الْهِلاَلَ بِالأَمْسِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا وَإِذَا أَصْبَحُوا أَنْ يَغْدُوا إِلَى مُصَلاَّهُمْ) [رواه أبوداود والنسائي وابن ماجة بإسناد صحيح]

5- سننها :

أ - أن تصلى بالصحراء: لحديث أبي سعيد الخدري قال: (كَانَ رَسُولُ الله r يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إِلَى الْمُصَلَّى ...) [رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري] .

ب- التبكير إليها في حق المأموم: وذلك ليحصل له الدنو من الإمام , وانتظار الصلاة فيكثر ثوابه .

ج- التأخير في حق الإمام إلى وقت الصلاة : لفعله r كما في حديث أبي سعيد الخدري السابق قَالَ: (كَانَ رَسُولُ الله r يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إِلَى الْمُصَلَّى فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلَاةُ ...) [رواه البخاري ومسلم] .

د- أن يذهب المصلي إليها من طريق ويرجع من طريق أخرى : لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كَانَ النَّبِيُّ r إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ ) [رواه البخاري].

هـ- أن يخرج المصلي إليها ماشياً : لحديث ابن عمر رضي الله عنهما (كَانَ رَسُولُ الله r يَخْرُجُ إِلى العِيدِ مَاشِيًا وَيَرْجِعُ مَاشِيًا) [رواه ابن ماجة، وإسناده حسن بشواهده] .

6- مكروهاتها :

يكره التنفل قبلها وبعدها قبل مفارقة المصلى : لحديث ابن عباس رضي الله عنهما (أَنَّ النَّبِيَّ r خَرَجَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا وَمَعَهُ بِلَالٌ) [رواه البخاري ومسلم] .

7- صفتها :

- صلاة العيد ركعتان: لقول عمر رضي الله عنه : (صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْأَضْحَى رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْفِطْرِ رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ r ) [رواه أحمد وابن ماجة بإسناد صحيح] .

- يكبر في الركعة الأولى بعد تكبيرة الإحرام وقبل التعوذ ست تكبيرات , وفي الركعة الثانية يكبر قبل القراءة خمس تكبيرات ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها (أَنَّ رَسُولَ الله r كَانَ يُكَبِّرُ فِى الْفِطْرِ وَالأَضْحَى في الأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَفي الثَّانِيَةِ خَمْسًا) [رواه أبوداود بإسناد صحيح] .

- يرفع يديه مع كل تكبيرة: لحديث وائل بن حُجر قَالَ : (رَأَيْتُ رَسُولَ الله r يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرِ) [رواه أحمد بإسناد حسن] , وقال – يعني أحمد - : ( أرى أنه يدخل فيه هذا كله ) أي يدخل فيه تكبيرات العيد وتكبيرة صلاة الجنازة لعموم هذا الأثر .

- يقول بين كل تكبيرتين : الله أكبر كبيرا , والحمد لله كثيرا , وسبحان الله بكرة وأصيلا, وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليما ؛ لما ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه (أنه كان يحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي r بين كل تكبيرتين من تكبيرات العيد) [رواه الأثرم والطبراني بمعناه وإسناده صحيح] .

- ثم يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم , ثم يقرأ جهراً ؛ في الركعة الأولى: سورة الفاتحة , وسورة الأعلى , وفي الركعة الثانية : سورة الفاتحة وسورة الغاشية ؛ لحديث النعمان بن بشير قال: (كَانَ رَسُولُ الله r يَقْرَأُ فِى الْعِيدَيْنِ وَفِى الْجُمُعَةِ بِـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) وَ (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) [رواه مسلم] .

- ثم يُسلِّم , ويخطب الإمام خطبتين : لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كَانَ رَسُولُ الله r وَأَبُوبَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ الله عَنْهُمَا يُصَلُّونَ الْعِيدَيْنِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ ) [رواه البخاري ومسلم].

- وخطبتي العيد كخطبتي الجمعة : والدليل على ذلك حديث جابر رضي الله عنه في وصف خطبته r في العيد , وفيه: (...ثُمَّ قَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى بِلاَلٍ فَأَمَرَ بِتَقْوَى الله وَحَثَّ عَلَى طَاعَتِهِ وَوَعَظَ النَّاسَ وَذَكَّرَهُمْ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ فَقَالَ: تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ...) [رواه مسلم].

لكن يُسنُّ أن يستفتح الخطبة الأولى في العيد بتسع تكبيرات, ويستفتح الخطبة الثانية بسبع تكبيرات؛ لحديث عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد المؤذن قال :حدثني أبى عن أبيه عن جده قال : (كَانَ النَّبِيُّ r يُكَبِّرُ بَينَ أَضْعَافِ الخُطْبَةِ , يُكْثِرُ التَّكْبيرَ في خُطْبَةٍ العِيدَيْنِ) [رواه ابن ماجة بإسناد ضعيف] .

وأيضاً أثر عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: (يُكَبِّرُ الإِمَامُ إِذَا صَعَدَ المِنْبَرَ يَومَ العِيدِ قَبْلَ الخُطْبَةِ الأُولَى تِسْعَ تَكْبِيراتٍ وَقَبْلَ الثَّانِيَةِ سَبْعَ تَكْبيراتٍ) [رواه سعيد بن منصور بإسناد ضعيف] .

* تنبيهان :

1- إذا صلى العيد كصلاة النافلة -أي بدون التكبيرات الزوائد , ودون الذكر بينهم- فصلاته صحيحة ؛ لأن التكبيرات الزوائد والذكر بينها سنة لا تبطل الصلاة بترك شيء منه .

2- يسن لمن فاتته صلاة العيد مع الإمام أن يصليها ولو بعد الزوال : لحديث عبيد الله بن أبي بكر بن أنس بن مالك خادم رسول الله r قال : (كَانَ أَنَسٌ إِذَا فَاتَتْهُ صَلاَةُ الْعِيدِ مَعَ الإِمَامِ جَمَعَ أَهْلَهُ فَصَلَّى بِهِمْ مِثْلَ صَلاَةِ الإِمَامِ فِى الْعِيدِ) [رواه البيهقي وإسناده ضعيف] . ولأن صلاة العيد فرض على الكفاية فتكون على أفراد المكلفين على الاستحباب ، وما كان مستحباً فإن قضائه مستحب .

فصــل

[في التكبير في العيدين]

- يسن للمسلم أن يكبر الله عز وجل جهراً في العيد , والتكبير في العيد على قسمين :

القسم الأول : التكبير المطلق : وهو الذي لم يقيد بأدبار الصلوات, فيكبر في سوقه وممشاه ومجلسه وفي بيته ونحوه, وهذا يستحب الإتيان به في ليلتي العيدين إلى فراغ الخطبة ؛ لقول الله عز وجل: )وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ( [البقرة: 185]، فهذه الآية فيها أن التكبير يكون عند تمام عدة الشهر ويكون ذلك من رؤية الهلال، أو من ثبوت دخول الشهر الآخر بتمام عدة رمضان, فيكبر الله عند ثبوت رؤية الهلال وليلته تلك وصبيحته حتى يغدو إلى المسجد . وثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما (أَنَّهُ كَانَ إِذَا غَدَا يَوْمَ الأَضْحَى وَيَوْمَ الفِطْرِ يَجْهَرُ بِالتَّكْبيرِ حَتَّى يَأْتِيَ المُصَلَّى ثُمَّ يُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَ الإِمَامُ) [رواه الدارقطني بإسناد صحيح] .

- ويستحب الإتيان به كذلك في كل عشر ذي الحجة ؛ لما ثبت عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهما (أَنَّهُما كَانَا يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا) [رواه البخاري معلَّقاً ووصله عبد بن حميد] .

القسم الثاني : التكبير المقيد: وهو الذي يكون عقب كل فريضة صلاها في جماعة , وهذا يستحب الإتيان به في عيد الأضحى ابتداءً من صلاة فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق, وهو يوم الثالث عشر من ذي الحجة ؛ ودليله إجماع الصحابة رضي الله عنهم على ذلك كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .

- إلا إذا كان مُحرِماً فيبتدئ التكبير من صلاة ظهر يوم النحر إلى عصر آخر أيام التشريق ؛ لأنه مشغول قبل ذلك بالتلبية . وتجدر الإشارة إلى أن الإمام يُكبِّر وهو مستقبل الناس؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: (كَانَ رَسُولُ الله r إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ مِنْ غَدَاةِ عَرَفَةَ يُقْبِلُ عَلَى أَصْحَابِهِ فَيَقُولُ: عَلَى مَكَانِكُمْ، وَيَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَلله الحَمْدُ ...) [رواه الدارقطني بإسناد ضعيف] .

- صفة التكبير :

صفة التكبير أن يقول : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله , والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ؛ فقد ثبت عن ابن مسعود رضى الله عنه (أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَلله الحَمْدُ) [رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح] .

- ولا بأس بالتهنئة بالعيد بقوله: (تقبل الله منا ومنك)؛ لثبوت ذلك عن أصحاب النبي r, فقد روى محمد بن زياد قال : (كُنْتُ مَعَ أَبِي أُمَامَةَ البَاهِليِّ وَغْيرِهِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ r فَكَانُوا إِذَا رَجَعُوا مِن العِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكَ) [رواه ابن التركماني وقال: قال أحمد بن حنبل: إسناده إسناد جيد].

باب صلاة الكسوف
1) تعريف الكسوف :
الكسوف والخسوف شيء واحد وهو: ذهاب ضوء أحد النيِّرين (الشمس أو القمر) أو بعضه, يقال: انكسفت الشمس أو انخسفت, وانكسف القمر أو انخسف، إذا ذهب نورهما أو شيء منه, وإن كان الغالب أن الكسوف يطلق على الشمس، والخسوف على القمر.

2) حكم صلاة الكسوف :
صلاة الكسوف سُنة مؤكدة عند وجود سببها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها وأمر بها كما في حديث المغيرة بن شعبة قال: انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ فَقَالَ النَّاسُ انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : (إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ) [رواه البخاري ومسلم] .
3) وقت صلاة الكسوف :
يبدأ وقت صلاة الكسوف من حين ابتداء الكسوف حتى ذهابه وانجلائه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث السابق : (... فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ )؛ فجعل الانجلاء غاية للصلاة ونهايتها .
فإن انجلت وهو في الصلاة أتمها وخففها .

4) صفة صلاة الكسوف :
- صلاة الكسوف ركعتان جهراً؛ لحديث عائشة رضي الله عنها (أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم جَهَرَ في صَلاَةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ...) [رواه البخاري ومسلم] .

- في كل ركعة ركوعان ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها (أَنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَعَثَ مُنَادِيًا «الصَّلاَةَ جَامِعَةً»، فَاجْتَمَعُوا وَتَقَدَّمَ فَكَبَّرَ، وَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ في رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ) [رواه مسلم] .

- يقرأ في الركعة الأولى: الفاتحة وسورة طويلة، ثم يركع ويطيل في ركوعه، ثم يرفع رأسه من الركوع ويقول: سمع الله لمن حمده, ربنا ولك الحمد, ولا يسجد بل يقرأ الفاتحة وسورة طويلة لكنها دون الأولى، ثم يركع طويلاً لكنه دون الأول، ثم يرفع رأسه ويقول: سمع الله لمن حمده, ربنا ولك الحمد، ثم يسجد سجدتين طويلتين .

- يصلى الركعة الثانية كالركعة الأولى ، لكنها تكون أخف منها , ثم يتشهد ويُسلِّم . والدليل على هذه الكيفية حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (خَسَفَتِ الشَّمْسُ في حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَسْجِدِ فَقَامَ وَكَبَّرَ وَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ، فَاقْتَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ». ثُمَّ قَامَ فَاقْتَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً هِيَ أَدْنَى مِنَ الْقِرَاءَةِ الأُولَى، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً هُوَ أَدْنَى مِنَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ». ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى اسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَانْجَلَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ...) [رواه مسلم].

- ويجوز له أن يأتي في كل ركعة بثلاثة ركعات أو أربعة أو خمسة على الكيفية السابقة :

* أما الثلاثة؛ فلحديث عائشة رضي الله عنها: (كُسِفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم قِيَامًا شَدِيدًا يَقُومُ بِالنَّاسِ ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ يَقُومُ ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ يَقُومُ ثُمَّ يَرْكَعُ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلاَثُ رَكَعَاتٍ يَرْكَعُ الثَّالِثَةَ ثُمَّ يَسْجُدُ...) [رواه مسلم وأبو داودي .

* وأما الأربعة؛ فلحديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم (أَنَّهُ صَلَّى في كُسُوفِ الشَّمْسِ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ، وَالأُخْرَى مِثْلُهَا) [رواه مسلم].

* وأما الخمسة؛ فلحديث أُبيِّ بن كعب رضي الله عنه قال : (انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمْ فَقَرَأَ بِسُورَةٍ مِنَ الطُّوَلِ وَرَكَعَ خَمْسَ رَكَعَاتٍ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ الثَّانِيَةَ فَقَرَأَ سُورَةً مِنَ الطُّوَلِ وَرَكَعَ خَمْسَ رَكَعَاتٍ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ كَمَا هُوَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَدْعُو حَتَّى انْجَلَى كُسُوفُهَا) [رواه أبوداود وسكت عنه, وضعفه النووي] .

- والقيام الثاني وكذا الركوع الثاني سُنة ، ولذا من أدرك الإمام في القيام الثاني أو في الركوع الثاني لا يُعتبر مدركاً للركعة، وكذا لا تبطل الصلاة بتركه؛ لأنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاة الكسوف ركعتين كل ركعة بركوع واحد؛ كما في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: (انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الصَّلاةِ وَقَامَ الَّذِينَ مَعَهُ فَقَامَ قِياماً فَأَطَالَ القِيامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَسَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَجَلَسَ فَأَطَالَ الجُلُوسَ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَامَ فَصَنَعَ في الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ مَا صَنَعَ في الرَّكْعَةِ الأُولَى مِنَ القِيَامِ وَالرُّكُوع وَالسُّجُودِ وَالجُلُوسِ ...) [رواه أحمد والنسائي بإسناد صحيح] .

- ويجوز له أن يصليها كصلاة النافلة: ركعتين في كل ركعة ركوع واحد؛ للحديث السابق, ولأن ما زاد عليه سنة لا تبطل الصلاة بتركه كما مرَّ.

* تنبيهان :
1- صلاة الكسوف سنة من غير خطبة بعدها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالصلاة والدعاء والتكبير والصدقة فقال: (إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا...) [رواه البخاري ومسلم] . ولم يأمرهم بخطبة، ولو كانت سنّة لأمرهم بها, وإنما خطب النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة ليعلمهم حكمها.
2- إذا فاتت صلاة الكسوف فلا تُقضَى؛ لأنه قد فات سببها, وقد مرّ قول النبي صلى الله عليه وسلم: (...فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ)؛ فجعل الانجلاء غاية للصلاة, ولأن الصلاة إنما سُنّت رغبةً إلى الله في ردِّها، فإذا حصل ذلك حصل مقصود الصلاة .

باب صلاة الاستسقاء

1) تعريف الاستسقاء :
الاستسقاء طلب السقي وذلك بنزول المطر ونحوه .
فصلاة الاستسقاء : هي الصلاة المشروعة لطلب السقي من الله تعالى .

2) حكم صلاة الاستسقاء :
صلاة الاستسقاء سنة مؤكدة ؛ لحديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَقَلَبَ رِدَاءَهُ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) [رواه البخاري ومسلم] .

3) وقتها وصفتها وأحكامها :
- وقت صلاة الاستسقاء كوقت صلاة العيد؛ من طلوع الشمس بارتفاعها قيد رمح إلى زوال الشمس.
- وصفتها كصفة صلاة العيد؛ تُصلّى في المصلى ركعتين, يُكّبر في الأولى سبعاً بتكبيرة الإحرام، وخمساً في الثانية دون تكبيرة الانتقال، ويقرأ جهراً في الأولى: الفاتحة وسورة الأعلى, وفي الثانية: الفاتحة وسورة الغاشية، ثم يخطب الإمام لكنها تكون خطبة واحدة؛ ودليل ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما لما سُئل عن استسقاء النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مُتَبَذِّلاً مُتَواضِعاً مُتَضَرِّعاً حَتَّى أَتَى المُصَلَّى فَلَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ وَلَكِنْ لَمْ يَزَلْ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالتَّكْبِيرِ وَصَلَّى رَكْعَتَينِ كَمَا كَانَ يُصَلِّي فِي العِيدِ) [رواه أبو داود والترمذي بإسناد حسن] ، ولحديث عائشة رضي الله عنها في الاستسقاء: (...فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ...) [رواه أبو داود والبيهقي بإسناد حسن] .

4) آداب الخروج للاستسقاء :
- إذا أراد الإمام الخروج للاستسقاء فعليه أن يراعي الآداب الآتية :

أ - أن يعظ الناس ويأمرهم بالتوبة والخروج من المظالم؛ لأن المعاصي والمظالم سبب للقحط وزوال النعم , قال النبي صلى الله عليه وسلم: (... وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا القَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلاَ البَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا...) [رواه ابن ماجة والبيهقي بإسناد صحيح] . والطاعة وتقوى الله عز وجل سبب للبركات, قال الله تعالى: )وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ( [الأعراف: 95] .

ب- يتنظَّف لها بالغسل والسواك وإزالة الرائحة وتقليم الأظفار ونحوه ؛ لئلا يؤذي الناس وهو يوم يجتمعون له فأشبه الجمعة , ولا يتطيب ؛ لأنه يوم استكانة وخضوع .

ج- يخرج متواضعاً متخشعاً متذللاً متضرعاً؛ لحديث ابن عباس السابق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (خَرَجَ مُتَبَذِّلاً مُتَواضِعاً مُتَضَرِّعاً حَتَّى أَتَى المُصَلَّى...) , ومتبذلاً : أي غير متزيِّن في الهيئة .

د- يدعو أهل الصلاح والخير والمشهورين بالتقوى والعبادة والعلم ونحو ذلك لحضورها؛ لأن ذلك أسرع للإجابة؛ إذ يُتوسل إلى الله عز وجل بدعائهم وتأمينهم لإنزال المطر, كما كان عمر رضي الله عنه يفعل مع العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم , فعن أنس رضي الله عنه (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيكَ بِنَبِيِّنا فَتَسْقِيَنَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنا فَاسْقِنَا، قَالَ: فَيُسْقَوْنَ) [رواه البخاري] , وكما فعل معاوية رضي الله عنه مع يزيد بن الأسود؛ فعن سليم بن عامر (أَنَّ النَّاسَ قَحَطُوا بِدِمَشْقَ ، فَخَرَجَ مُعَاوِيَةُ يَسْتَسْقِي بِيَزِيد بن الأسود) [رواه ابن عساكر بإسناد صحيح] .

هـ- ولا بأس بخروج الأطفال والعجائز ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ) [رواه البخاري] .

و- فيصلي الإمام بهم ركعتين كركعتي العيد كما تقدم، ثم يخطب خطبةً واحدة يفتتحها بالتكبير؛ لحديث عائشة رضي الله عنها السابق في الاستسقاء (...َفخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَكَبَّرَ صلى الله عليه وسلم وَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ قَالَ: « إِنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيَارِكُمْ وَاسْتِئْخَارَ الْمَطَرِ عَنْ إِبَّانِ زَمَانِهِ عَنْكُمْ وَقَدْ أَمَرَكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَدْعُوهُ وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ ...) .
ز- ويكثر في خطبته من الاستغفار, وقراءة الآيات التي فيها الأمر به؛ لقوله تعالى: )اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ( [هود:52], ولقوله تعالى أيضاً: )اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ( [نوح: 10, 11] .

ح- ثم يرفع يديه ويجعل ظهورهما نحو السماء؛ لحديث أنس رضي الله عنه (أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَسْقَى فَأَشَارَ بِظَهْرِ كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاءِ) [رواه مسلم] .

ط- ويدعو بدعاء النبي في الاستسقاء, ويُؤمّن المأمومون على دعائه؛ ومن دعائه صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء : ما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْغَنِىُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلاَغًا إِلَى حِينٍ) [رواه أبوداود والبيهقي بإسناد حسن] .
ومنه : ما جاء في حديث جابر رضي الله عنه: (اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ عَاجِلاً غَيْرَ آجِلٍ) [رواه أبو داود والبيهقي بإسناد صحيح] .
ومنه : ما جاء في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَسْقَى قَالَ: «اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَكَ وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ وَأَحْىِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ) [رواه أبو داود والبيهقي بإسناد حسن] .

ي- ثم يستقبل القبلة في أثناء الخطبة ويقول سراً : اللهم إنك أمرتنا بدعائك, ووعدتنا إجابتك, وقد دعوناك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا ؛ لحديث عبَّاد بن تيم المازني عن عمِّه قال: (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي، قَالَ: فَحَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَدْعُو...) [رواه البخاري ومسلم] .
وإنما يُستحب الإسرار؛ ليكون أقرب من الإخلاص, وأبلغ في الخشوع والخضوع والتضرع, وأسرع في الإجابة, قال تعالى: )ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً( [الأعراف:55] .

ك- ثم يُحوّل رداءه بأن يجعل أيمن الرداء الواقع على الكتف الأيمن على الكتف الأيسر، ويجعل أيسره وهو الواقع على الكتف الأيسر على الكتف الأيمن؛ لحديث عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد, وفيه: (... وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ فَجَعَلَ عِطَافَهُ الأَيْمَنَ عَلَى عَاتِقِهِ الأَيْسَرِ، وَجَعَلَ عِطَافَهُ الأَيْسَرَ عَلَى عَاتِقِهِ الأَيْمَنِ ثُمَّ دَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ) [رواه أبو داود والبيهقي بإسناد صحيح].
وكذا الناس يفعلون ذلك؛ تأسياً به صلى الله عليه وسلم؛ لأن ما ثبت في حقه عليه الصلاة والسلام يثبت في حق سائر الأمة إلا إذا قام دليل على اختصاصه به .
والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم حوّل رداءه تفاؤلاً بأن تتحول الأرض من جدبها إلى الخصب، ومن انقطاع المطر فيها إلى هطوله؛ كما قال جابر رضي الله عنه. [رواه بمعناه البيهقي وإسناده صحيح] .

ل- ويتركون أرديتهم على هذه الحالة, فلا يردونها إلى ما كانت عليه حتى ينزعوا ثيابهم؛ لأنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من صحابته أنهم غيروا أرديتهم حين رجعوا من الاستسقاء .

م - فإن سقاهم الله عز وجل, وأجاب دعاءهم, وإلا عادوا للاستسقاء مرة ثانية وثالثة؛ لأن في ذلك مبالغةً في الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل .
- وإذا منّ الله عز وجل عليهم بنزول المطر , فيستحب ما يلي :

ن - الوقوف في أول المطر ليصيب بدنه؛ لحديث أنس رضي الله عنه قال : (أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَطَرٌ فَحَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ الْمَطَرِ. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ: لأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى) [رواه مسلم] .

س- الوضوء والاغتسال منه؛ لحديث يزيد بن الهاد: (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا سَالَ السَّيْلُ قَالَ: اخْرُجُوا بِنَا إِلَى هَذَا الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ طَهُورًا فَنَتَطَهَّرُ مِنْهُ وَنَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهِ) [رواه البيهقي بإسناد ضعيف] .

ع- أن يبدي شيئاً من ثيابه أو أثاثه أو متاعه ليصيبه المطر ؛ لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما (أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَمْطَرَتِ السَّمَاءُ يَقُولُ : يَا جَارِيَة! أَخْرِجِي سَرْجِي, أَخْرِجِي ثِيَابِي, ويقول: )وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً( [رواه البخاري في الأدب المفرد بإسناد صحيح] .
والسَّرج : ما يكون على الدابة مما يضعه الراكب عليها .

ف- إذا كثرت الأمطار وزادت حتى خيف منها الضرر على البيوت أو المتاجر ونحو ذلك, فيستحب له أن يدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الحالة: (اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ) [رواه البخاري ومسلم] .
والآكام بفتح الهمزة تليها مَدَّة : جمع أكمة وهي التل , والظِّراب بكسر الظاء : جمع ظرب وهو الجبل الصغير, وبطون الأودية: هي الأماكن المنخفضة في الأودية , ومنابت الشجر:أي أصولها .

ص- ويسن له أن يقول : مُطرنا بفضل الله ورحمته ؛ لحديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قَالَ : (صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ...) [رواه البخاري ومسلم] .
- ويحرم عليه أن يقول : مطرنا بنوء كذا وكذا ؛ للحديث السابق , وفيه: (...وَأَمَّا مَنْ قَالَ: بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ) , لكن له أن يقول: مطرنا في نوء كذا وكذا , يقصد في وقت كذا وكذا؛ لأنه ليس فيه إضافة المطر إلى النوء .
والنوء : جمعه أنواء؛ وهي نجوم تظهر في السماء على مدار السنة, ولها أسماء يعرفها العرب قديماً, كالثريا والدبران والسِّماك, فإذا أنزل الله عز وجل المطر, وصادف ذلك وجود نجم من هذه النجوم, نسب أهل الجاهلية هذا المطر إلى ذاك النجم, فقال: مطرنا بنجم كذا, فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك .

كتاب الجنائز
1) تعريف الجنائز :
الجنائز جمع جنازة – بفتح الجيم وكسرها - ، اسم للميت أو للنعش الذي عليه ميت . وهو مشتق من جَنَزَ بمعنى ستر .

2) الاستعداد للموت :
يُسنُّ للمسلم أن يكثر من تذكُّر الموت ، وأن يستعد لملاقاته بالمبادرة إلى التوبة والإقبال على الخير ومجانبة الشر ، خشية أن يفجأه ؛ فيمتثل أوامر ربه ويجتنب نواهيه ؛ وقد ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أَكْثرُوا مِنْ ذِكْرِ هَادِم اللَّذَّات ، يَعْنِي المَوْت) . [رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه، بإسناد صحيح] .

3) الصبر على المرض والابتلاء :
- ويستحب للمريض أن يصبر على مرضه ووجعه لما وعد الله الصابرين من الأجر ؛ قال تعالى : ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيرِ حِسَابٍ﴾ .
- ويكره الأنين – وهو صوت التوجع – إلا إذا غلبه لشدة الوجع ؛ لما فيه من إظهار التشكي وعدم الصبر؛ ولما روي عن ليث قال : قلت لطلحة : (إن طاوساً كان يكره الأنين ، قال : فما سمع له أنين حتى مات) [رواه ابن أبي شيبة] .
- ويكره للمسلم تمني الموت بسبب ما نزل به من الضر والمرض ؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : (لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ المَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الحَيَاةُ خَيْرًا لِي ، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي) [متفق عليه] .
- ويجوز تمني الموت إذا خشي الإنسان على نفسه الفتنة في دينه ؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (...وَإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ) [رواه الترمذي، وهو صحيح] .
- كما يجوز تمني الشهادة في سبيل الله ؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ) [متفق عليه] .

4) أحكام عيادة المريض :
- يسن للمسلم أن يعود أخاه المسلم إذا مرض ؛ لحديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال : (أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ المَرِيضِ...) الحديث [متفق عليه] .
- ويسن له إذا دخل عليه أن يسأله عن حاله ويدعو له ويرقيه ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم (كَانَ يُعَوِّذُ بَعْضَ أَهْلِهِ يَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَيَقُولُ : اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبْ الْبَاسَ ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي ، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا) [رواه البخاري] .

5) ما يستحب فعله عند المحتضر :
- يستحب لمن حضر عند المحتضر أن يلقنه قول (لا إله إلا الله) مرة واحدة عند مرض موته ؛ لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) [رواه مسلم] .
- ولا ينبغي له أن يزيد عن مرة واحدة حتى لا يتسبب في ضجره وملله ، إلا إذا تكلم المريض ، فيعيد تلقينه لتكون آخر كلامه ؛ كما في حديث معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ) [رواه أبو داود وأحمد، وهو صحيح] .
- وأن يقرأ عنده الفاتحة ؛ تخفيفاً عنه وتذكيراً له ؛ قال الإمام أحمد : « ويقرؤون عند الميت إذا حضر ليخفف عنه بالقرآن » ، وأمر بقراءة الفاتحة .
- أن يقرأ عنده سورة (يس)؛ لما روي عن معقل بن يسار مرفوعاً : (اقْرَؤُوا (يَس) عَلَى مَوْتَاكُم) [رواه أبو داود والنسائي، صححه ابن حبان والحاكم وحسنه السيوطي، وضعفه جمع كبير من أهل التحقيق].
- أن يوجهه إلى القبلة على جنبه الأيمن إذا كان في المكان متسع ، وإلا فعلى ظهره ؛ لقول حذيفة رضي الله عنه قال : (وَجِّهُونِي إِلى القِبْلَةِ) [رواه ابن أبي الدنيا بإسناد صحيح] ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عن البيت الحرام : (قِبْلَتُكُمْ أَحْياءً وَأَمْوَاتاً) [رواه أبو داود والنسائي ، بإسناد حسن].

6) ما يفعل عند الميت :
- تغميض عيني الميت ؛ لحديث أم سلمة قالت : (دَخَلَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ...) [رواه مسلم] .
- قول : « بسم الله وعلى ملة رسول الله » ؛ لقول بكر بن عبد الله المزني : (إِذَا غَمَّضَتَ المَيِّتَ فَقُلْ : بِسْمِ الله ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ) [رواه البيهقي ، بسند صحيح] .
- لا بأس بتقبيل الميت والنظر إليه ، ولو كان ذلك بعد تكفينه ؛ لما ثبت عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما (أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَبَّلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَيِّتٌ) [رواه البخاري] .

فصل في غسل الميت
1) حكم تغسيل الميت :
أجمع المسلمون على أن غسل الميت - أو تيممه لعذر - فرض على الكفاية ، إذا قام به البعض سقط عن الباقين ؛ لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : (بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ ، أَوْ قَالَ : فَأَوْقَصَتْهُ . قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ) [متفق عليه] .

2) شروط تغسيل الميت :
يشترط في غسل الميت عدَّة شروط بعضها يتعلق بما يغسل به الميت ، وبعضها يتعلق بمُغَسِّله .

أولاً : ما يغسل به الميت :
- أجمع المسلمون على وجوب تغسيل الميت بالماء مع القدرة على استعماله ، ويشترط في الماء المستعمل للغسل ما يأتي :

أ ) أن يكون ماءً طهوراً ، كما في الوضوء وأنواع الغسل الأخرى ؛ولأن الماء الطهور هو الذي يرفع الحدث .

ب) أن يكون الماء مباحاً ؛ فلا يصح غسله بماء مغصوب أو مسروق ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم : (مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيسَ عَلَيهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) [رواه مسلم].

ثانياً : ويشترط في الغاسل ما يأتي :

أ ) أن يكون مسلماً : لأن الغسل عبادة تحتاج إلى نية ، والكافر لا تصح منه النيَّة .

ب) أن يكون عاقلاً : لأن المجنون فاقد للأهلية فلا تصح منه النيَّة .

ج) أن يكون مُميِّزاً : لا يشترط أن يكون المغسِّل بالغاً وإنما يكفي أن يكون مميِّزاً ؛ لأن المميِّز يصح غسله لنفسه ، فصح غسله لغيره.

د ) ويستحب أن يكون المغسِّل ثقة أميناً؛ ليستر ما يطلع عليه .

هـ) أن يكون عارفاً بأحكام الغسل ؛ ليحتاط فيه .

3) الأولى بتغسيل الميت :

- أولى الناس بتغسيل الميت وَصيُّه ؛ لأن الوصيَّة حق الميت فيجب تنفيذها ، وقد رُوي أنَّ (أَبَا بَكْرٍ أَوْصَى أَنْ تَغْسِلَهُ أَسْماءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ امْرَأَتُهُ) [رواه البيهقي ، بإسناد ضعيف] .
- ثم أبو الميت ؛ لما يختص به من الحنو والشفقة ، ثم جَدُّه وإن علا ، ثم الأقرب فالأقرب من عصبته بحسب ترتيب الميراث ، ثم ذووا أرحامه. وقد رُوي في الحديث عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (... لِيَلِهِ أَقْرَبُكُم مِنْهُ) [رواه أحمد والطبراني ، بإسناد ضعيف] .
- وإن كان الميت امرأة ، فأولى الناس بغسلها وصيها ، ثم الأقرب فالأقرب من نسائها .

4) ما ينبغي فعله عند الغسل :

أ ) ستر عورة الميت :
فيجب على الغاسل ستر عورة الميت ، من غير خلاف . وحدُّ العورة ما بين السرة والركبة ؛ ورُوي عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : (لا تُبْرِزْ فَخِذَكَ وَلا تَنْظُرْ إِلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ) [رواه أبو داود، وهو صحيح بشواهده]

ب) أن يَلُفَّ يده بخِرقة وينجِّيه بها :
لأنه لا يجوز له مس عورته ، كما أنه ممنوع من النظر إليها ؛ وقد روي عن عبدالله بن الحارث قال : (غَسَّلَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَليٌّ وَعَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَمِيصُهُ وَعَلَى يَدِ عَليٍّ خِرْقَةٌ يَغْسِلُهُ بِهَا يُدْخِلُ يَدَهُ تَحْتَ القَمِيصِ فَيَغْسِلُهُ وَالقَمِيصُ عَلَيهِ) [رواه ابن أبي شيبه ، وإسناده ضعيف] .
وعن محمد بن سيرين قال : (غَسَّلْتُ أَنَسَ بن مَالِكٍ ، فَلَمَّا بَلَغْتُ عَوْرَتَهُ ، قُلْتُ لِبَنِيهِ : أَنْتُمْ أَحَقُّ بِغَسْلِ عَوْرَتِهِ ، دُونَكُمْ فَاغْسِلُوهَا ، فَجَعَلَ الَّذِي يَغْسِلُهَا عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً وَعَلَيْهَا ثَوْبٌ ، ثُمَّ غَسَلَ الْعَوْرَةَ مِنْ تَحْتِ الثَّوْبِ) [رواه الطبرني في الكبير ، وحسنه الهيثمي].
- يحرم على الغاسل مس عورة من بلغ سبع سنين من غير حائل؛ لأنه لا يجوز له أن ينظر إليها ، فمن باب أولى أن لا يمسها .

ج) غسل ما به من النجاسة ؛ لأن المقصود من غسل الميت هو تطهيره حسب الإمكان .
- ويسن أن لا يمس الغاسل سائر بدن الميت إلا بخرقة ؛ وذلك لحديث عليٍّ المتقدم.

5) تغسيل الرجل امرأته والمرأة زوجها :
- يجوز للرجل أن يغسِّل زوجته ؛ لما ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (مَا ضَرَّكِ لَو مِتِّ قَبْلي فَغَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ وَصَلَّيْتُ عَلَيْكِ ثُمَّ دَفَنْتُكِ) [رواه أحمد والنسائي وابن ماجه، وهو صحيح] .
- ويجوز للمرأة تغسيل زوجها ؛ وذلك لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : (لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ الأَمْرِ مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا نِسَاؤُهُ) [رواه أحمد وأبو داود ، بإسناد حسن] .
- ويجوز للرجل أن يغسل أمَتَه ، وللمرأة أن تغسل سيِّدَها ؛ لوجود معنى الزوجية فيهما .
- ويجوز للرجل والمرأة غسل من له دون سبع سنين ؛ إجماعاً ، لأنه لا عورة له .
- وأحكام غسل الميت فيما يجب ويسن كغسل الجنابة ؛ فيراعي في غسله النية والتسمية وجوباً ، ثم يغسل عورته ، ثم يوضئه كوضوء الصلاة ندباً ، ثم يبدأ بغسل رأسه ، ثم بشقه الأيمن ، ثم بشقه الأيسر ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للنساء اللاتي غسلن ابنته : (ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الوُضُوءِ مِنْهَا) [رواه البخاري ومسلم] .
- ويستثنى من ذلك غسل الفم والأنف ، فلا يدخل الماء فيهما ، بل يأخذ خرقة مبلولة فيمسح بها أسنانه ومنخريه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إِذَا أَمَرْتُكُمْ بَأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [متفق عليه] ، ولأن إدخال الماء إلى فمه أو أنفه ربما أدى إلى تحريك النجاسة في جوفه ، وربما أدى إلى المثلة به.

6) عدد مرات الغسل :
- يُسن غسل الميت ثلاث مرات ، ويُكره الاقتصار في غسله على مرة واحدة ولو لم يخرج منه شيء ؛ لما ثبت في حديث أم عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك وتراً إن رأيتن بماء وسدر ...) [متفق عليه] .
- أما إن خرج من الميت نجاسة من قُبُله أو دُبُره بعد الثلاث ، وجب إعادة الغسل إلى سبع مرات؛ لأن المقصود من غسل الميت أن يكون خاتمة أمره الطهارة الكاملة .
- فإن خرج منه شيء بعد السبع حُشي محل الخارج بقطن ليمنع خروجه .
- فإن لم يستمسك الخارج بعد الحشو بالقطن ، فإنه يحشى بطينٍ خالص ؛ لأن فيه قوة تمنع الخارج ، ثم يغسل محل النجاسة ، ويوضَّأ الميت وجوباً ، ولا يعاد غسله ؛ لأن الجنب إذا أحدث بعد غسله أعاد وضوءه دون الغسل ، والميت كذلك .
- وإن خرج من الميت شيء بعد تكفينه لم يُعد الوضوء ولا الغسل ؛ لما في إخراجه من الكفن وإعادة غسله وتطهير أكفانه وتجفيفها أو إبدالها من المشقة والحرج ، لا سيما وأنه لا يُؤمن أن يخرج منه شيء بعد ذلك .

7) تغسيل الشهيد :
شهيد المعركة - وهو الذي مات بفعل العدو - يختص عن غيره من الأموات بجملة من الأحكام ، وهي :
أ - لا يغسل ولا يزال دمه وجوباً ؛ لما يتضمنه الغسل من إزالة أثر العبادة المستطاب شرعاً ، وفي الحديث عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (أَمَرَ بِدَفْنِ شُهَدَاءِ أُحُدٍ في دِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ) [رواه البخاري]. وعن جابر رضي الله عنه قال : (رُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فِي صَدْرِهِ فَمَاتَ فَأُدْرِجَ فِي ثِيَابِهِ كَمَا هُوَ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) [رواه أحمد وأبو داود، وإسناده حسن] .

ب - لا يكفَّن وإنما يُدرج في ثيابه ؛ لحديث عبد الله بن ثعلبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في شهداء أُحد : (زَمِّلُوهُمْ في ثِيَابِهِم ...) [رواه أحمد، بسند صحيح] . ولحديث جابر - السابق - في الرجل الذي رُمي بسهم في صدره فأدرج في ثيابه .
- لا يُصلَّى عليه ؛ لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم (أَمَرَ بِدَفْنِ شُهَدَاءِ أُحُدٍ في دِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ) .

ج- المقتول ظلماً كالشهيد في الحكم ؛ لا يُغسَّل ولا يُكفن ولا يُصلَّى عليه ؛ لحديث سعيد بن زيد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) [رواه أبو داود والترمذي ، بإسناد صحيح].

د - أما غيرهما من الشهداء ؛ كالمبطون والمحروق والغريق ، فإنهم يُغسَّلون ويُكفَّنون ويُصلَّى عليهم ، باتفاق أهل العلم .

هـ - إذا أصيب المسلم في المعركة ثم حُمِل فأكل أو شرب أو نام أو بال أو تكلم أو عطس أو طال بقاؤه عُرفاً فإنه يأخذ حكم الميت غير الشهيد ، فيغسل ويكفن ويصلى عليه ؛ لأن هذه الأحوال تدل على استقرار حياته ؛ وقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ غُسِّل وكُفِّن وصُلِّي عَلَيهِ ، وَكَانَ شَهِيداً) [رواه مالك ، بإسناد صحيح] .
- ومن قتل وعليه ما يوجب الغسل ؛ كالجنب والحائض والنفساء ، فإنه يُغسَّل كغيره ؛ لحديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ صَاحِبَكُمْ حَنْظَلَةَ تُغَسِّلُهُ المَلَائِكَةُ ، فَسَلُوا صَاحِبَتَهُ . فَقَالَتْ : خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ لَمـَّا سَمِعَ الهَائِعَةَ ...) [رواه ابن حبان والحاكم بسند صحيح] .

8) أحكام السِّقْط :
السِّقْطُ – بكسر السين وفتحها وضمها – هو المولود الذي سقط من بطن أمه قبل تمامه . وله أحكام تخصه ، وهي :
أ – إذا بلغ السقط أربعة أشهر غُسِّل وصُلِّي عليه وإن لم يستهلَّ صارخاً ؛ لأنه ينفخ فيه الروح في هذه المدة كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه (ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ) [متفق عليه] ؛ أي بعد الأربعة أشهر وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه مرفوعاً : (وَالسِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيهِ) [رواه أبو داود والترمذي، بإسناد صحيح] .

ب- أما إذا كان دون أربعة أشهر ، فلا يُغسَّل ولا يُصلَّى عليه بلا خلاف، وإنما يُلفُّ في خرقة ويُدفن؛ لانتفاء حياته أصلاً ؛ إذ هو قبل الأربعة أشهر لا يكون نسمة .

9) تغسيل المسلم للكافر :
- يحرم على المسلم تغسيل الكافر ولو كان ذمياً ، أو تكفينه أو الصلاة عليه أو اتباع جنازته ، ولا فرق في ذلك بين الكافر القريب أو الأجنبي ؛ لأن في ذلك من التعظيم والتطهير والتولِّ له ، وقد نُهي المسلم عن ذلك قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ﴾؛ وقال تعالى : ﴿وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ﴾.
- فإن لم يوجد من يواري الكافر من جنسه ، جاز للمسلم أن يواريه ؛ لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قتلى المشركين يوم بدر قال : (فَوَالله لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ ، ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ) [رواه البخاري] ، وعن علي رضي الله عنه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ( إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخُ الضَّالُّ قَدْ مَاتَ قَالَ : اذْهَبْ فَوَارِ أَبَاكَ ...) [رواه أبو داود والنسائي، بإسناد صحيح].

تكفين الميت
1) حكم تكفين الميت :
تكفين الميت فرض كفاية على المسلمين , إذا قام به بعضهم سقط الإثم عن الجميع , وإلا لم يقم به أحد آثم الجميع ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتكفين الميت فقال النبي صلى الله عليه وسلم – كما جاء في قصة الأعرابي الذي وَقَصَتْه ناقته فمات – (...وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ ...) [أخرجه البخاري ومسلم] .
2) صفة الكفن وما يجب فيه :
أ - يجب أن يكون الكفن ساتراً لجميع بدن الميت ؛ لأن هذه هي حقيقة التكفين , ولحديث أم عطيَّة الأنصارية رضي الله عنها قالت : (...فَلَمَّا فَرَغْنَا- يعني من غسل ابنته - أَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ فَقَالَ: أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ...) [رواه البخاري ومسلم]. والحِقْوُ : الإزار . وأشعرنها إياه : أي الففنها فيه.
إلا إذا كان الميّت مُحْرِمَاً أو مُحْرِمَةً , فحينئذٍ لا يُغطّي رأس المحرم بل يبقى مكشوفاً ؛ لأنه مٌحْرِم , والمرأة لا يغطى وجهها ؛ لأنها مُحْرِمة, وإحرام المرأة في وجهها , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حق من مات محرماً - كما في قصة الأعرابي الذي وقصته ناقته فمات وهو مُحرِم - (... وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا ) .
ب- ألا يكون الكفن شفّافاً بحيث يصف البشرة ؛ وذلك حتى يستر الميت, فالكفن الذي يصف البشرة غير ساتر فيكون وجوده كعدمه .
ج- أن يكون الثوب الذي يُكفّن به الميت من جنس ما يلبسه مثله , فلا يكون مُكْلفاً بحيث يكون إجحاف في حق الورثة , ولا يكون رديئاً بحيث يكون فيه إجحاف في حق الميت , إلا إذا كان الميت قد أوصى قبل موته أن يكون كفنه أقل من ملبوس مثله , فحينئذٍ تُنفّذ وصيته ؛ لأن هذا حقه وقد أسقطه , كما فعل أبو بكر رضي الله عنه , كما تقول عائشة رضي الله عنها – وأبو بكر في مرض الموت – (... فَنَظَرَ إِلَى ثَوْبٍ عَلَيْهِ كَانَ يُمَرَّضُ فِيهِ بِهِ رَدْعٌ مِنْ زَعْفَرَانٍ، فَقَالَ: اغْسِلُوا ثَوْبِي هَذَا وَزِيدُوا عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ فَكَفِّنُونِي فِيهَا. قُلْتُ: إِنَّ هَذَا خَلَقٌ - أي صار قديماً بالياً – قَالَ: إِنَّ الحَيَّ أَحَقُّ بِالجَدِيدِ مِنْ المَيِّتِ ...) [رواه البخاري] .
3) ما يستحب في التكفين :
أ - أن يكفَّنَ الرَّجلُ في ثلاث لفائف بيض من القطن ، ليس فيها قميص ولا عمامةٌ , ولا يُزاد عليها ولا يُنقص منها , ثم تُوضع هذه اللفائف على الأرض بعضها فوق بعض , ثم يُوضع عليها الميت مستلقياً على ظهره , ثم يُردُّ طرف اللفافة العليا من الجانب الأيسر على شقه الأيمن , وطرفها من الجانب الأيمن على شقه الأيسر , وهكذا اللفافة الثانية والثالثة ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : (أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَةٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهِنَّ قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ ) [رواه البخاري ومسلم] , وفي رواية : (... أُدْرِجَ فِيهَا إِدْرَاجًا) [رواه أحمد بسند حسن].
ب- أن تكفَّنَ المرأةُ في خمسة أثواب من قطن (إزار - ويقوم مقامه السِّروال - , وخِمَار يُغطى به الوجه والرأس , وقميص - وهو الثوب المعروف - ولفافتين) ؛ لحديث ليلى بنت قانِف الثقفية قالت: ( كُنْتُ فِيمَنْ غَسَّلَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عِنْدَ وَفَاتِهَا، فَكَانَ أَوَّلُ مَا أَعْطَانَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْحِقَاءَ ثُمَّ الدِّرْعَ ثُمَّ الْخِمَارَ ثُمَّ الْمِلْحَفَةَ، ثُمَّ أُدْرِجَتْ بَعْدُ في الثَّوْبِ الآخِرِ. قَالَتْ: وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ عِنْدَ الْبَابِ مَعَهُ كَفَنُهَا يُنَاوِلُنَاهَا ثَوْبًا ثَوْبًا ) [رواه أحمد وأبو داود بإسناد حسن] .
والحِقَاء : بكسر الحاء وتخفيف القاف , جمع الحِقْو وهو الإزار . والدرع : هو القميص .
ج- أن يُكفَّنَ الصَّبيُّ في ثوب واحد ؛ لأنه دون الرجل , وإن كُفّن في ثلاثة أثواب فلا بأس؛ لأنه ذكر فأشبه الرجل .
د - أن تُكفَّنَ الطفلةُ الصغيرة في قميص ولفافتين بلا خمار ؛ لأنها دون المرأة , ولأن ابن سيرين رحمه الله كفَّن بنتاً له قد أعصرت - أي قاربت المحيض- في قميص ولفافتين . [رواه ابن أبي شيبة بمعناه , ورجاله ثقات].
4) ما يكره في التكفين :
أ - تكفين الميت بشعر وصوف ؛ لأنه خلاف فعل السلف .
ب- التكفين بمُزَعْفَرٍ ومُعَصْفَرٍ ومَنْقُوشٍ، ولو كان الميّت امرأةً ؛ لأن هذا خلاف فعل السلف , ولأنه أيضاً لا يليق بحال الميت .
5) ما يحرم في التكفين :
أ - تكفين الميت بجلد ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بنزع الجلود عن الشهداء وأن يدفنوا في ثيابهم كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أَمَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمُ الحَدِيدُ وَالجُلُودُ وَأَنْ يُدْفَنُوا بِدِمَائِهِمْ وَثِيَابِهِمْ ) [رواه أبوداود وسكت عنه] .
ب- التكفين بحرير ومُذَهَّبٍ ولو كان الميّت امرأةً ؛ فيحرم تكفين الرجل بذلك ؛ لأن الحرير والذهب محرَّمان عليه في الدنيا , وأما المرأة فلأن الحرير والذهب إنما أُبيحا لها في حال الحياة لأنها محل الزينة والشهوة وقد زال ذلك بموتها.

الصلاة علي الميت
1) حكم الصلاة على الميت :
الصلاة على الميّت فرض كفاية ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة على موتى المسلمين فقال – كما في حديث الذي مات مَدِيناً – ( صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ ) [رواه البخاري ومسلم] , ولما مات النجاشي قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَخًا لَكُمْ قَدْ مَاتَ فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَيْهِ ) [رواه مسلم], ولما أسلم الغلام اليهودي الذي كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ثمّ مات قال: (صَلُّوا عَلَى أَخِيكُم ) [رواه الحاكم والنسائي في الكبرى وإسناده صحيح] . والأمر للوجوب كما هو معلوم .
- ويسقط هذا الفرض الكفائي : بأن يُصلّي على الميّت رجل واحد مكلّف أو امرأة واحدة ؛ لأن الصلاة على الميّت ليس من شروطها الجماعة بل هي سنّة .
2) شروط الصلاة على الميت :
يشترط لصحة الصلاة على الميت ثمانية شروط :
أ - النية : بأن ينوي الصلاة على الميّت.
ب- التكليف : بأن يكون الذي يصلي على الميّت بالغاً عاقلاً .
ج- استقبال القبلة .
د - ستر العورة .
هـ- اجتناب النجاسة .
وذلك لأن صلاة الجنازة من الصلوات فيشترط لصحتها ما يشترط لغيرها من الصلوات .
و - حضور الميّت إن كان موجوداً بالبلد , بأن يكون بين يدي المصلين عند الصلاة عليه, فلا تصح الصلاة على جنازة محمولةٍ على الأعناق أو على دابة , أو من وراء حائل كحائط ونحوه.
ز - إسلام المصلِّي والمصلَّى عليه ؛ فلا يُصلى على كافر؛ لقوله تعالى : ﴿ وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ﴾ [التوبة: 85].
ح- طهارة المصلِّي والمصلَّى عليه ولو بالتراب في حالة العذر (كفقد الماء , أو عدم القدرة على استعماله ) ؛ لأن الطهارة شرط لصحة الصلاة كما هو معلوم .
3) أركان الصلاة على الميت :
أركانها سبعة :
أ - القيام للقادر عليه ؛ لأنها صلاة مفروضة فوجب القيام فيها كسائر الصلوات المفروضة , إلا إذا عجز عن القيام .
ب- التكبيرأربع تكبيرات ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كبّر على النَّجاشي أربعاً , كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه ( أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَعَى النَّجَاشِيَّ في الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى المُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ ) [رواه البخاري ومسلم] .
ج- قراءة الفاتحة ؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) [رواه البخاري ومسلم] , ولحديث طلحة بن عبد الله بن عوف قال: (صَلَّيْتُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى جَنَازَةٍ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَقَالَ: إِنَّهَا مِنَ السُّنَّةِ ) [رواه البخاري وأبوداود] .
د - الصلاة على صلى الله عليه وسلم بعد التكبيرة الثانية ؛ لحديث أبي أُمامَة بن سَهْلٍ : أنه أخبره رَجُلٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : (أَنَّ السُّنَّةَ في الصَّلاَةِ عَلَى الجَنَازَةِ أَنْ يُكَبِّرَ الإِمَامُ ، ثُمَّ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الأُولَى سِرًّا في نَفْسِهِ ، ثُمَّ يُصَلِّى عَلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم...) [رواه البيهقي والشافعي بإسناد صحيح] .
وصفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة, كصفة الصلاة عليه في التشهد الأخير من الصلوات ( اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم ...) .
هـ- الدعاء للميّت - بعد التكبيرة الثالثة - ؛ لحديث أَبِى هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى المَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ ) [رواه أبوداود وابن ماجة بإسناد حسن] .
و - السَّلام ؛ بأن ُيسلّم تسليمةً واحدةً عن يمينه ؛ لحديث أَبي هريرة : ( أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فَكَبَّرَ عَلَيْهَا أَرْبَعًا وَسَلَّمَ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً ) [رواه الدارقطني والبيهقي بإسناد حسن] .
وإن اقتصر على قول: السلام عليكم أجزأه ذلك؛ لحديث الحارث الأعور قال: (صَلَّيْتُ خَلْفَ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى جَنَازَةٍ فَسَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ حِينَ فَرَغَ : السَّلامُ عَلَيكُمْ ) [رواه ابن أبي شيبة بإسناد ضعيف] .
ز - الترتيب ؛ بأن يُرتّب هذه الأركان على هذا النحو , وسيتضح هذا أكثر عند بيان صفة صلاة الجنازة .
4) صفة الصلاة على الجنازة :
صفة صلاة الجنازة على النحو التالي :
ينوي الصلاة على هذا الميّت أو هؤلاء الموتى إن كانوا جماعة, ثمّ يكبر التكبيرة الأولى ويقرأ بعدها بفاتحة الكتاب , ثم يكبر الثانية ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كما يصلي عليه في التشهد , ثم يكبر الثالثة ويدعو للميّت بنحو اللهم اغفر له وارحمه... والأفضل أن يدعو بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّهِ مِنَ الخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلاً خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ أَوْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ ) [رواه مسلم] .
ويدعو لنفسه ولوالديه وللمسلمين بما تيسر أو بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل : (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِسْلاَمِ، اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلاَ تُضِلَّنَا بَعْدَهُ ) [رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح] , ثم يكبر الرابعة ويقف بعدها قليلاً لا سيما الإمام ؛ ليُكبر آخر الصفوف , ثم يُسلّم .
وقد دل على هذه الكيفية لصلاة الجنازة حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف: أنه أخبره رَجُل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : (أَنَّ السُّنَّةَ في الصَّلاَةِ عَلَى الجَنَازَةِ أَنْ يُكَبِّرَ الإِمَامُ ، ثُمَّ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الأُولَى سِرًّا في نَفْسِهِ ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيُخْلِصُ الدُّعَاءَ لِلْجَنَازَةِ في التَّكْبِيرَاتِ لاَ يَقْرَأُ في شَيْءٍ مِنْهُنَّ ، ثُمَّ يُسَلِّمُ سِرًّا في نَفْسِهِ) [رواه الشافعي والبيهقي بإسناد صحيح] , وفي رواية عند البيهقي: ( وَالسُّنَّةُ أَنْ يَفْعَلَ مَنْ وَرَاءَهُ مِثْلَ مَا فَعَلَ إِمَامُهُ ) .
* تنبيهان :
الأول : يجوز لمن فاتته الصلاة على الميّت قبل الدَّفن أن يُصلّي على قبره , ما لم يمض على دفنه شهر وشيء, كيوم ويومين؛ لما رواه قتادة عن سعيد بن المُسيب (أَن أمّ سعد بن عبادة مَاتَت وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غَائِب، فَلَمَّا قدم صَلَّى عَلَيْهَا وَقد مَضَى لذَلِك شهر) [رواه الترمذي والبيهقي , وقال: وهو مُرْسل صحيح] .
فإن مضى على دفنه أكثر من ذلك فتحرم الصلاة عليه ؛ لأن الميّت لا يتحقق بقاؤه بعد ذلك على حاله .
الثاني : المَذْهَبُ : أن يقف الإمام – عند الصلاة على الميّت – عند صدر الرجل , وعند وسط المرأة , والرواية الثانية في المَذْهَبِ : أن يقف عند رأس الرجل , ووسط المرأة ؛ لحديث أبي غالب قال: (صَلَّيْتُ مَعَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَلَى جَنَازَةِ رَجُلٍ فَقَامَ حِيالَ رَأْسِهِ، ثُمَّ جَاءُوا بِجَنَازَةِ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالُوا : يَا أَبَا حَمْزَةَ ! صَلِّ عَلَيهَا فَقَامَ حِيالَ وَسْطِ السَّريرِ فَقَالَ لَهُ العَلاءُ بْنُ زِيادٍ هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَامَ عَلَى الجَنَازَةِ مَقَامَكَ مِنْهَا وَمِنَ الرَّجُلِ مَقَامَكُمْ مِنْهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ) [رواه أبو داود والترمذي (واللفظ له ) بإسناد صحيح] .

أحكام دفن الميت
1) حكمُ حملِ الميّتِ ودفنِهِ:
حملُ الميّتِ ودفنُهُ فرضُ كفايةٍ؛ لقول الله عز وجل: ﴿ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ﴾ [عبس: 21] قال ابن عباس رضي الله عنهما: « معناهُ: أكرمَهُ بدفنِهِ »، ولأنّ في تركِ الحملِ والدَّفنِ هتكاً لحرمةِ الميّتِ.
لكنْ يسقطُ الحملُ والدّفنُ والتّكفينُ إذا وليَهم كافرٌ؛ لأنّه لا يُشترطُ الإسلامُ فيمَنْ يتولّى ذلك.
2) حكمُ أخذِ الأجرةِ على ذلك:
يُكرهُ أخذُ الأجرةِ على الحملِ والدّفنِ، كما يكرهُ على الغَسلِ والتّكفينِ؛ لأنّها عبادةٌ، وأخذُ الأجرةِ عليها يُذهِبُ الأجرَ.
3) آدابُ حملِ الجنازةِ:
أ - يُسَنُّ أن يكونَ الماشِي أمامَ الجنازةِ؛ لحديثِ ابن عمر رضي الله عنهما قال: « رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ » [رواه الخمسة]. ولا يكرهُ خلفَها.
ويُسنُّ أن يكونَ الراكبُ خلفَ الجنازةِ؛ لحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: « الرَّاكِبُ يَسِيرُ خَلْفَ الجَنَازَةِ، وَالمَاشِي حَيْثُ شَاءَ مِنْهَا » [رواه التّرمذيّ]، ويكرهُ أن يكونَ أمامَها؛ لحديث ثوبان رضي الله عنه قال: « خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي جَنَازَةٍ فَرَأَى نَاساً رُكْبَاناً؛ فَقَالَ: أَلَا تَسْتَحْيُونَ؟ إِنَّ مَلَائِكَةَ الله عَلَى أَقْدَامِهِمْ، وَأَنْتُمْ عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ » [رواه التّرمذيُّ، وأشار إلى ضعفه].
والقربُ من الجنازةِ أفضلُ من البعدِ عنها؛ كالقربِ من الإمامِ في الصّلاةِ.
ب- يُكرَهُ القيامُ للجنازةِ؛ لحديث مسعودِ بنِ الحكمِ الأنصاريّ أنّه سمع عليَّ بنَ أبِي طالبٍ رضي الله عنه يقول فِي شأنِ الجنائزِ: « إِنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَامَ ثُمَّ قَعَدَ » [رواه مسلم].
ج- يُكرَهُ رفعُ الصّوتِ والصِّياحُ مع الجنازةِ وعندَ رفعِها ولو بالذِّكرِ والقرآنِ؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: « لاَ تُتْبَعُ الجَنَازَةُ بِصَوْتٍ وَلاَ نَارٍ » [رواه أبو داود]. وعن قيس بن عباد أنّه قال : « كانَ أَصْحابُ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَكْرهُونَ رَفعَ الصَّوتِ عِندَ الجَنَائِزِ » [رواه البيهقيّ].
4) أحكامُ دَفْنِ الميّتِ:
أ - يُسَنُّ أن يعمّقَ القبرُ ويوسّعَ؛ لحديث هشامِ بن عامرٍ رضي الله عنه أنّ النّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ لهُمْ يومَ أحدٍ: « احْفِرُوا وَأَعْمِقُوا »، وفي روايةٍ: « وَأَوْسِعُوا » [رواه أبو داود والترمذيُّ، وصحّحه]. والتّوسعةُ: هي الزّيادةُ في الطّولِ والعرضِ. والعمقُ: هو الزِّيادةُ في النّزولِ.
وليس لذلك حَدٌّ؛ لعمومِ الحديثِ، وقال الإمام أحمدُ : « يُعمّقُ القبرُ إلى الصّدرِ؛ الرّجلُ والمرأةُ في ذلك سواءٌ؛ كان الحسنُ وابنُ سيرينَ يستحبّانِ أن يعمّقَ القبرُ إلى الصّدرِ ».
ويكفِي ما يَمنعُ السِّباعَ والرَّائحةَ؛ لأنّه يحصلُ به المقصودُ.
ب- يُكرَهُ إدخالُ القبرِ خشباً إلّا لضرورةٍ، وأيِّ شيءٍ مسّتهُ نارٌ كآجُرٍّ - تفاؤلاً أن لا يمسَّ الميّتَ نارٌ-، ودفنٌ في تابوتٍ، ولو كان الميّتُ امرأةً. قال إبراهيمُ النخعيُّ -رحمه الله-: « كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ اللَّبِنَ ويكرهُونَ الآجُرَّ، وَيَسْتَحِبُّونَ القَصَبَ ويكرهُونَ الخَشَبَ » [رواه ابنُ أبي شيبة].
ج- يُكرَهُ وضعُ فِراشٍ تحتَ الميّتِ، وجعلُ مِخَدَّةٍ تحتَ رأسِهِ؛ لأنّه لم ينقلْ عن أحدٍ من السّلفِ، ولما رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما: « أنّه كَرِهَ أن يُلقَى تَحتَ المَيِّتِ فِي القَبرِ شَيءٌ» [رواه الترمذيّ معلّقاً بلا إسناد].
د - يُسنُّ لمُدخِلِهِ القبرَ أن يقولَ: « بِسمِ اللهِ وَعَلَى مِلّةِ رَسُولِ اللهِ »؛ لحديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : « كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَضَعَ الَميِّتَ فِي الْقَبْرِ قَالَ: بِسْمِ اللهِ، وبِاللهِ، وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ » [رواه الترمذي، وقال : «وقال مرة : وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ »].
هـ- يجبُ أن يستقبلَ بالميّتِ القبلةَ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم عنِ البيتِ الحرامِ: « قِبْلَتُكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً» [رواه أبو داود والنّسائي]. ويُسَنُّ أن يكونَ على جنبِهِ الأيمنِ؛ لأنّ الميّتَ يُشبِهُ النّائمَ، والنّائمُ سُنّتُه النّومُ على جنبِهِ الأيمنِ.
و- يحرمُ دفنُ غيرِ الميّتِ عليهِ أو مَعَهُ في القبرِ إلاّ لضرورةٍ أو حاجةٍ؛ ككثرةِ الموتى وقلّةِ من يدفنُهم؛ لحديثِ هشامِ بنِ عامرٍ رضي الله عنه قال : «لمّا كانَ يومُ أحدٍ شَكَوا إلى رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ القَرْحَ؛ فقالُوا : يا رسولَ اللهِ علينا الحَفرُ لكلِّ إنسانٍ؟ قال: احفِرُوا وأعمِقُوا وأحسِنُوا وادفِنُوا الاثنينِ والثلاثةَ فِي قبرٍ » [رواه النّسائي].
ز- يُسنُّ لكلِّ من حضرَ الدَّفنَ أن يَحْثُوَ التُّرابَ على الميّتِ ثلاثاً؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: « أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ، ثُمَّ أَتَى قَبْرَ المَيِّتِ فَحَثَى عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ ثَلَاثًا » [رواه ابن ماجه]. ثمّ يهالُ عليهِ التُّرابُ؛ لأنّ مُواراتَه فرضٌ، وبالحثو يصيرُ ممّن شارك في المُواراةِ.
5) أحكامُ الـقَـبْرِ:
أ - يُسنُّ رَشُّ القبرِ بالماءِ، ووضعُ حصًى صغارٍ عليه؛ ليحفَظَ ترابَه؛ لحديث جعفرِ بن محمّد عن أبيه: « أنّ النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَشَّ عَلَى قَبْرِ ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ مَاءً، ووَضَعَ عَلَيْهِ حَصْبَاءَ » [رواه الشافعي، وهو مرسلٌ].
ب- يُسنُّ رفعُ القبرِ قدرَ شِبرٍ؛ لحديث جابر رضي الله عنه: « أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رُفِعَ قَبْرُهُ مِنَ الْأَرْضِ نَحْواً مِنْ شِبْرٍ » [رواه ابن حبّان والبيهقيّ].
ويُكره رفعُه فوقَ شبرٍ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعليّ رضي الله عنه: « لاَ تَدَع تِمْثَالاً إِلاَّ طَمَسْتَهُ، وَلاَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاَّ سَوَّيْتَهُ » [رواه مسلم].
ج- يُكرَهُ تزويقُ القبرِ، وتجصِيصُهُ، وتبخيرُهُ؛ لحديث جابر رضي الله عنه: « نَهَى النّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ، وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ » [رواه مسلم]، ولأنّ ذلكَ من زينةِ الدُّنيا فلا حاجةَ بالميّتِ إليهِ.
د - يُكرهُ تقبيلُ القبرِ؛ لأنّه منَ البدعِ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: « وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ » [رواه مسلم].
هـ- يحرمُ الطّوافُ بالقبر؛ لحديثِ عائشةَ رضي الله عنها عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: « لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ » قالت عائشةُ: « يُحذِّرُ مَا صَنَعُوا، وَلَولا ذَلِك لأُبْرِزَ قَبرُهُ؛ غَيرَ أَنَّه خُشي أَن يُتَّخَذَ مَسْجِداً » [متّفق عليه، اللّفظ للبخاريّ].
قال في (شرح منتهى الإرادات) (1/594): « ويحرمُ الطوافُ بها؛ أي الحجرةُ النبويةُ؛ بل بغيرِ البيتِ العتيقِ اتفاقاً ».
و- يُكرهُ الاتّكاءُ على القبرِ؛ لحديثِ عمرو بن حزمٍ رضي الله عنه قال: « رَآنِي رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مُتَّكِئٌ عَلَى قَبْرٍ؛ فَقَالَ: لَا تُؤْذِ صَاحِبَ الْقَبْرِ » [رواه النّسائي وأحمد].
ز- يُكرهُ المبيتُ عند القبرِ، والضَّحِكُ، والحديثُ فِي أمرِ الدُّنيا عنده؛ لأنّه غيرُ لَائِقٍ بالمحلِّ وحُرمتِهِ.
ح- تُكرهُ الكتابةُ على القبرِ، والجلوسُ، والبناءُ عليه؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: « نَهَى النّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُجَصَّصَ الْقُبُورُ، وَأَن يُّكْتَبَ عَلَيْها، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهَا، وأَنْ تُوطَأَ » [رواه التّرمذي، وقال: حديث حسن صحيح].
ط- يُكرَهُ المشيُ بالنّعلِ بين القبورِ إلّا لخوفِ شَوْكٍ ونحوِهِ ممّا يُتأذى به؛ لحديثِ بشيرِ ابن الخصاصية رضي الله عنه قال: « بَيْنَمَا أَنَا أُمَاشِي رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقُبُورِ المُشْرِكِينَ... وَحَانَتْ مِنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَظْرَةٌ فَإِذَا رَجُلٌ يَمْشِي في الْقُبُورِ عَلَيْهِ نَعْلاَنِ فَقَالَ: « يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ وَيْحَكَ أَلْقِ سِبْتِيَّتَيْكَ »؛ فَنَظَرَ الرَّجُلُ، فَلَمَّا عَرَفَ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَلَعَهُمَا فَرَمَى بِهِمَا » [رواه أبو داود]، ولأنّ خلعَ النّعلينِ أقربُ إلى الخُشوعِ، وزِيِّ أهلِ التّواضعِ، واحترامِ أمواتِ المسلمينَ.
ي- يحرمُ إِسْراجُ المقابرِ، والدَّفنُ بالمساجدِ، وبناءُ المساجدِ على القبورِ؛ لحديثِ ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما : « لَعَنَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ ، وَالمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا المَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ» [رواه أبو داود وسكت عنه، والنسائي، والتّرمذيّ وحسّنه، وضعّفه ابنُ حجرٍ وغيرُه]، ولحديثِ عائشةَ رضي الله عنها السّابق: « لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ » [متّفق عليه]، ولأنّ في إسراجها تضييعاً للمالِ في غيرِ فائدةٍ، وتعظيماً لها يُشبه تعظيمَ الأصنامِ.
ك- يحرمُ الدّفنُ في مُلكِ الغيرِ ما لمْ يأذنْ مالكُهُ ، ويُنبَشُ من دُفنَ فيهِ، والأولى تركُهُ.
والدَّفنُ بالصحراءِ أفضلُ من الدّفنِ بالعُمرانِ؛ لما ثبتَ بالاستقراء: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَدفِنُ أصحابَهُ رضي الله عنهم بالبَقيعِ، ولم تزلِ الصحابةُ والتّابعونَ ومن بعدهم يُقبِرونَ في الصَّحارِي.
6) أحكـامُ دفـنِ الحاملِ:
إنْ ماتتِ المرأةُ الحاملُ بمَنْ تُرجى حياتُهُ حَرُمَ شَقُّ بطنِها من أجلِهِ؛ لأنّ فيه هَتكاً لحُرمةٍ مُتيَقّنةٍ لإبقاءِ حياةٍ مُتوَهّمةٍ؛ إذ الغالبُ أنّ الولدَ لا يعيشُ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : « كَسْرُ عَظْمِ المَيِّتِ كَكَسْرِ عَظْمِ الحَيِّ » [رواه أبو داود وابن ماجه].
قال ابنُ قُدامةَ في (المغني) (2/413): « ويحتملُ أن يُشقَّ بطنُ الأمِّ إنْ غلبَ على الظّنِّ أنّ الجنينَ يحيا وهو مذهبُ الشّافعي؛ لأنّه إتلافُ جزءٍ من الميّتِ لإبقاءِ حيٍّ؛ فجاز كما لو خرج بعضُهُ حيًّا ولم يمكنْ خروجُ بقيّتِهِ إل


أحكام التعزية
1) تعريفُ التَّعزيةِ:
التّعزيةُ: تسليةُ أهلِ الميّتِ، وحثُّهم على الصّبرِ بوعدِ الأجرِ، والدُّعاءِ للميّتِ المسلمِ والمصابِ.
2) حكمُ التّعزيةِ:
تُسنُّ تعزيةُ المسلمِ المصابِ بميّتٍ ؛ لحديثِ عمرو بن حزمٍ رضي الله عنه مرفوعا: « مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ إلَّا كَسَاهُ اللهُ عز وجل مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » [رواه ابن ماجه]. وتشرعُ قبل الدّفنِ وبعده.
3) مدّةُ التّعزيةِ:
تمتدُّ التّعزيةُ ثلاثةَ أيّامٍ بليالِيهنّ؛ لإذنِ الشّارعِ في الإحدادِ إلى ثلاثٍ؛ بقوله صلى الله عليه وسلم : « لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا » [متّفق عليه]. وتكرهُ بعدها إلا لغائبٍ؛ حتّى لا يتجدَّدَ له الحُزنُ.
4) ما يُقالُ في التّعزيةِ:
يُقالُ للمسلمِ المُصابِ بميّتٍ في التّعزيةِ: « أَعْظَمَ اللهُ أَجْرَكَ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ، وَغَفَرَ لِمَيّتِكَ »، ولا يتعيّنُ ذلك؛ بل إن شاءَ قالَهُ، وإن شاءَ قالَ غيرَه؛ إذ الغرضُ الدُّعاءُ للمصابِ وميّتِهِ. ويقولُ المُصابُ: « اسْتَجَابَ اللهُ دُعَاءَكَ، وَرَحِمَنَا وَإِيَّاكَ »؛ فقد ردَّ به الإمامُ أحمدُ رحمه الله.
5) البُكاءُ والنَّدبُ والنِّياحةُ على الميّتِ:
أ - لا بأسَ بالبُكاءِ على الميّتِ قبلَ الموتِ وبعدَهُ؛ بلا ندبٍ، ولا نياحةٍ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ اللهَ لاَ يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلاَ بِحُزْنِ الْقَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا - وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ - أَوْ يَرْحَمُ » [متفق عليه].
ب- يَحرمُ النَّدبُ، وهو: البُكاءُ مع تَعدادِ مَحاسنِ الميّتِ. والنِّياحةُ، وهي: رفعُ الصّوتِ بذلكَ برَنّةٍ؛ لحديثِ أمّ عطيّة رضي الله عنها قالت: « لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا﴾ ﴿وَلاَ يَعْصِينَكَ فيِ مَعْرُوفٍ ﴾ كَانَ مِنْهُ النِّيَاحَةُ » [رواه مسلم]؛ فسمّاهُ معصيةً. وعنها رضي الله عنها قالت: « أَخَذَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْبَيْعَةِ أَنْ لَا نَنُوحَ » [متفق عليه، واللّفظ للبخاريّ].
ج- يَحرمُ شَقُّ الثّوبِ، ولَطمُ الخدِّ، والصُّراخُ، ونَتفُ الشَّعرِ، ونَشْرُهُ، وحَلْقُهُ؛ لحديثِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: « لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الخُدُودَ، وَشَقَّ الجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ » [متّفق عليه]. وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: « أَنَا بَرِيءٌ مِمَّنْ بَرِئَ مِنْهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ، إِنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَرِئَ مِنْ الصَّالِقَةِ، وَالحَالِقَةِ، وَالشَّاقَّةِ » [متفق عليه]. والصّالقةُ: بالصّادِ وفيها لغةٌ بالسّين، أي: الّتي ترفعُ صوتَها عند المصيبةِ، وقيل: الّتي تضربُ وَجْهَها. والحالقةُ: الّتي تحلِقُ شعرَها. والشّاقّةُ: الّتي تَشُقُّ ثوبَها.
6) زيارةُ القُبورِ:
أ - تُسَنُّ زيارةُ القبورِ للرِّجالِ؛ لحديث سليمان بن بريدة عن أبيه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: « قَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ؛ فَقَدْ أَذِنَ لمُحَمَّدٍ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّهِ؛ فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الْآخِرَةَ» [رواه التّرمذي، وأصلُه في مسلمٍ].
ب- تُكرَهُ زِيارةُ القُبُورِ للنِّساءِ؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: « لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ... » [رواه أبو داود وسكت عنه، والنسائي، والتّرمذيّ وحسّنه، وضعّفه آخرون]، ولأنّ المـرأةَ قليلـةُ الصّبرِ، كثيرةُ الجزعِ، وفي زيارتِها للقبورِ تهييجٌ للحـزنِ، وتجـديدٌ لـذكرِ مصـابِها؛ فـلا يؤمنُ أن يفضيَ بها ذلك إلى فعلِ ما لا يحلُّ؛ بخلافِ الرّجلِ.
وإنْ مرَّتِ المرأةُ بقبرٍ فِي طريقِها فسلّمتْ عليهِ، ودعتْ لهُ فحسنٌ؛ لأنّها لمْ تخرجْ لذلك.
ج- يُسَنُّ لمنْ زارَ القبورَ أو مرَّ بها أن يقولَ: « السّلامُ عليكُمْ دارَ قومٍ مؤمنينَ، وإنّا إنْ شاءَ اللهُ بكم للَاحِقُونَ، ويرحمُ اللهُ المُستقدِمينَ منكُمْ والمُستأخِرينَ، نسألُ اللهَ لنا ولكُم العافيةَ، اللّهُمّ لا تحرِمْنا أجرَهم، ولا تفتِنّا بعدَهُم، واغفرْ لنا ولهُم »؛ لمجموعِ الأحاديثِ الواردةِ في ذلك عنِ النّبيِّ صلى الله عليه وسلم من روايةِ أبي هريرةَ وعائشة وبريدةَ رضي الله عنهم [رواها أحمدُ ومسلمٌ وغيرُهما].
د- قال ابن القيم: الأحاديثُ والآثارُ تدلُّ على أنّ الزائرَ متى جاء علِمَ به المزورُ، وسمع سلامَه وأنِس به، وهذا عامٌّ في حقِّ الشهداءِ وغيرِهم، وأنّه لا توقيتَ في ذلك » [شرح منتهى الإرادات1/384].

كتاب الزكاة
1) تعريف الزكاة :
الزكاة في اللغة : النماء والزيادة والتطهير. وسمي المال المخرج زكاة لأنه يزيد في المخرَج منه بالبركة، ويقيه من الآفات، ويطهر صاحبه بالمغفرة .
وفي الاصطلاح: اسم لإخراج شيء مخصوص ، من مال مخصوص ، على وجه مخصوص .
2) حكم الزكاة :
الزكاة أحد أركان الإسلام ، وفرض من فرائضه العظام، وهي واجبة بالكتاب والسنة والإجماع.
قال تعالى : )وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ( ، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله، وَإِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَالحَجُّ وَصَوْمُ رَمَضَانَ) [رواه البخاري ومسلم] .
3) حكم مانع الزكاة :
- يحرم على من وجبت عليه الزكاة الامتناع عن أدائها؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلاَ فِضَّةٍ لاَ يُؤَدِّى مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِىَ عَلَيْهَا في نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ ...) الحديث [رواه مسلم].
- ومن امتنع عن أدائها بخلاً أو تهاوناً وجب على ولي الأمر أخذها منه عنوة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ) [رواه أبو داود، بإسناد حسن] . وعلى ولي الأمر أن يعاقبه ويعزره لارتكابه أمراً مُحرَّماً.
- فإن كانوا جماعة ولهم منعة وقوة ، قاتلهم الإمام حتى يُؤدُّوها؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه قاتل مانعي الزكاة وقال : (وَالله لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، وَالله لَوْ مَنَعُونِى عِقَالاً كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ) [رواه البخاري ومسلم] .
- ومن جحد وجوب الزكاة وهو عالم بوجوبها فقد كفر وارتد عن الإسلام ، ولو أخرجها ؛ لتكذيبه لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة ، ويجب استتابته ، فإن تاب وإلا قُتل .
4) الأموال التي تجب فيها الزكاة :
تجب الزكاة في خمسة أصناف من المال ، وهي :
أ - بهيمة الأنعام : وهي الإبل والبقر والغنم .
ب- الخارج من الأرض : وهي الزروع والثمار .
جـ - الأثمان : وهي الذهب والفضة .
د - عروض التجارة : وهي السلع والبضائع التي أعدت للتجارة .
وسيأتي بيان أحكامها مفصلة فيما يأتي .
5) شروط وجوب الزكاة :
لا تجب الزكاة إلا عند تحقق شروطها ، وهي :
الشرط الأول : الإسلام ؛ فيشترط في المزكي أن يكون مسلماً ، ولا تصح من الكافر الأصلي أو المرتد؛ لحديث معاذ رضي الله عنه حينما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال له : (إِنَّكَ تَأْتِى قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنِّى رَسُولُ الله، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ الله افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فى فُقَرَائِهِمْ ...) [متفق عليه]. فلم يأمرهم بالزكاة قبل أن يكونوا مسلمين .
الشرط الثاني : الحريِّة ؛ فلا تصح من العبد الرقيق ولو كان مُكاتَباً ؛ لما روي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لَيْسَ في مَالِ المُكاتَبِ زَكَاةٌ حَتَّى يُعْتَقَ) [رواه الدارقطني، بإسناد ضعيف] ، ولأن ما يملكه من المال هو ملك لسيده فتجب زكاة ماله على سيده.
- أما العبد المُبعَّض – وهو الذي أعتق بعضه - فتجب الزكاة في القدر الذي يملكه باعتبار جزئه الحر .
الثالث : مِلْك النِّصاب ؛ فلا تجب الزكاة فيما دون النصاب ، وهو مقدار المال الذي لا تجب الزكاة في أقل منه ، وهو يختلف باختلاف أجناس الأموال الزكوية ، وسيأتي مفصلاً عند الحديث عنها .
الرابع : المِلْك التام للمال ؛ بأن يكون له التصرف فيه على حسب اختياره، وفوائده عائدة عليه ، ولا يتعلق به حق غيره .
الخامس : تمام الحَوْل؛ وهو إتمام السنة الهجرية. وهذا في غير الزروع والثمار ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا زَكَاةَ في مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيهِ الحَوْلُ) [رواه ابن ماجه، وهو صحيح بشواهده] .
- واحتساب الحول يبدأ عند اكتمال النصاب ووجوده من أول الحول إلى تمامه ؛ لحديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (فَإِذَا كَانَتْ لَكَ مِئَتَا دِرْهَمٍ، وَحَالَ عَلَيْها الحَوْلُ؛ فَفِيهَا خَمْسَة دَرَاهِمَ، وَلَيْسَ عَلَيْكَ شَيءٌ- يَعْنِي: في الذَّهَبِ- حَتَّى يَكُونَ لَكَ عِشْرُونَ دِيناراً، فَإِذَا كَانَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَاراً، وَحَالَ عَلَيْهَا الحَوْلُ؛ فَفِيهَا نِصْفُ دَينَارٍ) [رواه أبو داود، بإسناد صحيح] .
فإن نقص النصاب في أثناء الحول ، بسبب بيعٍ أو هِبةٍ أو سَداد دَينٍ، انقطع الحول ، ولم تجب الزكاة فيما بقي . فإن عاد إليه المال واستكمل النصاب استأنف حولاً جديداً ، ما لم يكن قد أنقص النصاب حِيلَةً لإسقاط الزكاة ؛ فلا يستأنف وإنما يبني على ما سبق ؛ لقوله تعالى : )إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الجَنَّةِ...( الآية ، حيث عاقبهم الله لفرارهم من الصدقة .
- أما الزروع والثمار فتجب الزكاة فيها بحصادها؛ لقوله تعالى : )وَءَاتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ( .
- ولا يؤثر في تمام الحول نقصانه نصف يوم ونحوه ؛ لأنه يسير .
6) زكاة مال الصغير والمجنون :
لا يشترط في وجوب الزكاة كون المكلف بالغاً أو عاقلاً ؛ فتجب الزكاة في مال الصغير والمجنون ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (أَلا مَنْ وَلِيَ يَتِيماً لَهُ مَالٌ ، فَلْيَتَّجِرْ فِيهِ وَلا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ) [رواه الترمذي، وضعفه]؛ وعن عمر قال: (ابْتَغُوا بِأَمْوَالِ اليَتَامَى ، لا تَأَكُلْهَا الصَّدَقَةُ) [رواه الدارقطني والبيهقي ، وصححه] .
7) الدَّيْن وأثره في الزكاة :
- إذا كان الدَّينُ ينقص النصاب ، فإنه لا تجب الزكاة ، سواء أكانت الأموال ظاهرة كالنقدين وعروض التجارة ، أم باطنة كالمواشي والحبوب والثمار؛ لما روي عن السائب قال : سمعت عثمان يقول : (هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ، فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيُؤَدِّ دَيْنَهُ، حَتَّى تَحْصُلَ أَمْوَالُكُمْ فَتُؤَدُّونَ مِنْها الزَّكَاةَ) [رواه مالك ، بإسناد صحيح].
- من كان له دين على مِليءٍ أو غير مَليءٍ، فتجب زكاته ، إلا أنه لا يلزمه إخراج زكاته حتى يقبضه ، ويزكيه لما مضى من السنين؛ لأن الزكاة تجب على طريق المواساة، وليس من المواساة أن يخرج زكاة مال لا ينتفع به.
- ومن مات قبل أن يزكي ماله الذي وجبت فيه الزكاة ، أخذت من تركته قبل تقسيمها بين الورثة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (فَدَيْنُ الله أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى) [متفق عليه].
8) زكاة المال المكتسب أثناء الحول :
من استفاد مالاً من جنس أموال الزكاة مما يعتبر له الحول؛ كالذهب والفضة وبهيمة الأنعام وعروض التجارة ، فلا يخلو من أحوال :
أ ) أن يكون المال المكتسب ليس له سواه وقد بلغ نصاباً ، فيكون حوله من حين تملَّكه .
ب) أن يكون المال المكتسب له غيره ومن نفس جنسه ، فبلغ المال نصاباً باجتماع المالين معاً ، فيكون حوله من حين اكتمال النصاب.
ج) أن يكون المال الذي عنده بلغ نصاباً ، واستفاد مالاً إضافياً أثناء الحول ، فهذا على ثلاثة أحوال :
الأول: أن يكون المال المستفاد من نماء الأصل ؛ كربح التجارة ونتاج السائمة ، فيضم المال المستفاد إلى أصله ويزكى زكاة مال واحد ؛ لقول عمر رضي الله عنه لساعيه : (اعْتَدَّ عَلَيهِمْ بِالسَّخْلَةِ يَرُوحُ بِهَا الرَّاعِي عَلَى يَدَيْهِ) [رواه مالك والبيهقي، وإسناده ضعيف].
الثاني: أن يكون المال المستفاد من غير جنس النصاب ، فهذا لا يضم إلى الأصل ، وإنما يحسب له حول جديد منذ ملكه إن كان بلغ نصاباً .
الثالث: أن يكون المال المستفاد من جنس النصاب، ولكن استفاده بسبب مستقل عن الأصل؛ كالميراث أو الهبة. فيحسب له حول جديد من حيث تملكه، ولا يزكى مع النصاب الذي عنده؛ لقول ابن عمر : (مَنِ اسْتَفادَ مَالاً فَلا زَكَاةَ حَتَّى يَحُولَ عَلَيهِ الحَوْلُ ) [رواه الترمذي، وصحح وقفه].

باب زكاة السائمة
1) تعريف السائمة :
السائمة : مأخوذة من السَّوْم ؛ وهو الرعي . فالسائمة هي الماشية من الإبل أو البقر أو الغنم التي ترسل فترعى بنفسها ولا تعلف في أكثر أيام السنة .
وتسمى أيضاً : بهيمة الأنعام ؛ لأن لا تتكلم .
2) شروط الزكاة في بهيمة الأنعام :
أ ) أن تتخذ للدَّرِّ والنَّسل والتَّسمين ، لا للعمل ؛ لحديث علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَيْسَ في البَقَرِ العَوَامِلِ صَدَقَةٌ) [رواه الدارقطني، وصححه ابن الملقن]، وعن جابر قال: (لا يُؤْخَذ من الْبَقر الَّتي يُحْرَثُ عَلَيْهَا مِنَ الزَّكَاة شَيْءٌ) [رواه الدارقطني والبيهقي ، وصححه].
ب) أن تسوم وترعى أكثر السنة ؛ لحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مرفوعاً : (في كُلِّ إِبِلٍ سَائِمَةٍ في كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ) [رواه أحمد وأبو داود، بإسناد حسن] ، وعن أبي بكر رضي الله عنه مرفوعاً : (وَفِي الغَنَمِ في سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا شَاةُ ...) [رواه البخاري وغيره]
ج) أن تبلغ نصاباً ؛ فلا تجب الزكاة في أقل من النصاب الذي قرره الشرع ، وهو يختلف باختلاف نوع السائمة ، على النحو الآتي :
أولاً: نصاب الإبل :
- لا تجب الزكاة في الإبل إذا كانت أقل من خمس ، فالإبل من واحد إلى أربعة لا زكاة فيها، فإن زادت عن الأربع فتجب فيها الزكاة حسب الجدول الآتي :
عدد الإبل
مقدار الزكاة الواجبة
مقدار السن
5-9
شاة واحدة
-
10-14
شاتان
-
15-19
ثلاث شياه
-
20-24
أربع شياه
-
25-35
بنت مخاض
لها سنة واحدة
36-45
بنت لبون
لها سنتان
46-60
حِقَّة
لها ثلاث سنوات
61-75
جَذَعَة
لها أربع سنوات
76-90
بنتا لبون
-
91-120
حِقَّتان
-
121-129
ثلاث بنات لبون
-
* فإذا بلغت الإبل مائة وثلاثين فأكثر ، ففي كل أربعين بنتُ لبون ، وفي كل خمسين حِقَّة ، على النحو الآتي :
عدد الإبل
مقدار الزكاة الواجبة
130-139
حِقَّة وبنتا لبون
140-149
حقتان وبنت لبون
150-159
ثلاث حِقاق
160-169
أربع بنات لبون
والدليل على نصاب الإبل ما جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في فريضة الصدقة (... فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الإِبِلِ فَمَا دُونَهَا مِنْ الْغَنَمِ مِنْ كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ ، إِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلاثِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الجَمَلِ ، فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ ، فَإِذَا بَلَغَتْ يَعْنِي سِتًّا وَسَبْعِينَ إِلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ ، فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الجَمَلِ ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلاَّ أَرْبَعٌ مِنْ الإِبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا ...) [رواه البخاري] .
فصل
[في زكاة البقر]
ثانياً : نصاب البقر :
- لا تجب الزكاة في البقر الأهلي أو الوحشي إذا كان يملك أقل من ثلاثين بقرة ، فإن بلغت ثلاثين فأكثر ففيها الزكاة على النحو الآتي :
عدد البقر
مقدار الزكاة الواجبة
مقدار السن
30-39
تبيع
ما له سنة واحدة
40-59
مُسنَّة
ما لها سنتان
60-69
تَبيعان
-
- فإذا بلغت الأبقار سبعين فأكثر؛ ففي كل ثلاثين : تَبِيع ، وفي كل أربعين : مُسنَّة .
عدد البقر
مقدار الزكاة الواجبة
70-79
تبيع ومسنة
80-89
تبيعان
90-99
ثلاثة أتبعه
100-109
تبيعان ومسنة
110-119
تبيع ومسنتان
120-129
أربعة أتبعة وثلاث مسنات
ودليل نصاب البقر ما جاء في حديث معاذ رضي الله عنه قال : (أَمَرَنِي رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَعَثَنِي إِلَى اليَمَنِ أَنْ لا آخُذَ مِنَ البَقَرِ شَيئاً حَتَّى تَبْلُغَ ثَلاثِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ ثَلاثِينَ فَفِيهَا عِجْلٌ تَابِعٌ جَذَعٌ أَوْ جَذَعَةٌ، حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ ، فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا بَقَرَةٌ مُسِنَّةٌ) [رواه النسائي وابن ماجه بإسناد صحيح].

فصل
[في زكاة الغنم]
ثالثاً : نصاب الغنم :
- لا تجب الزكاة في الغنم سواء كانت أهلية أو وحشية إذا كانت أقل من أربعين ، فإذا بلغت أربعين فأكثر ففيها الزكاة على النحو الآتي :
عدد الغنم
مقدار الزكاة الواجبة
مقدار السن
40-120
شاة
لها سنة واحدة
أو
جذعة من الضأن لها ستة أشهر
121-200
شاتان
- ثم بعد المائتين في كل مائة من الغنم شاةٌ ، على النحو الآتي :
عدد الغنم
مقدار الزكاة الواجبة
201-399
ثلاث شياه
400-499
أربع شياه
500-599
خمس شياه
600-699
ست شياه
700-799
سبع شياه
ودليل هذا التقسيم في الغنم ، حديث أنس رضي الله عنه - السابق – : (وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِين وَمِائَةٍ شَاةٌ ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إِلَى مِائَتَيْنِ شَاتَانِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلاثِ مِائَةٍ فَفِيهَا ثَلاثُ شِيَاهٍ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلاثِ مِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا ...) [رواه البخاري].

فصل في خلطة الماشية
1) معنى الخُلطة وحكمها :
- الخُلطة بضم الخاء : الشركة، وهي أن يشترك اثنان أو أكثر من أهل الزكاة في النصاب، بحيث يكون مجموع ما يملكانه من الماشية يبلغ نصاباً ، فيكون مالهما كمال الرجل الواحد من حيث وجوب الزكاة فيه . لحديث أنس رضي الله عنه : (أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَتَبَ لَهُ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ) [رواه البخاري].
- لا يختلف حكم الخلطة بين كونها خلطة أعيان بأن يكون المال نصيباً مشاعاً بينهما ، أو خلطة أوصاف بأن يكون مال كل واحد منهما مميزاً فخلطاه واشتركا فيه .
- كما لا يختلف حكم الخلطة بين كون نصيب كل واحد منهما متساوياً أو متفاوتاً .
2) شروط وجوب الزكاة في المال المختلط :
أولاً : يشترط في وجوب الزكاة في المال المختلطة خلطة أوصاف اشتراكهم في خمسة أوصاف وهي : المَبِيتُ والمَسْرَحُ والمَحْلَبُ والفَحْلُ والمَرْعَى ؛ لأن تميز كل مال بشيء من هذه الأمور لا يجعلهما كالمال الواحد في المؤنة، وقد رُوي عن سعد بن أبي وقاص قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (لا يُفَرَّقُ بَينَ مُجْتَمِعٍ وَلا يُجْمَعُ بَينَ مُفَرَّقٍ ، وَالخَلِيطَانِ مَا اجْتَمَعَ في الحَوْضِ وَالرَّاعِي وَالفَحْلِ) [رواه الدارقطني، بإسناد ضعيف] . فالتنصيص على هذه الثلاثة تنبيه على سائرها .
أ ) المَبِيتُ : وهو المراح الذي تروح إليه الماشية .
ب) المَسرَح : وهو ما تجتمع فيه الماشية لتذهب إلى المرعى .
جـ) المَحْلَب : وهو الموضع الذي تحلب فيه الماشية ، فيشترط أن يكون مكاناً واحداً وليس المقصود خلط اللبن في إناء واحد .
د ) الفَحْل : وهو أن لا يكون الفحولة أحد المالين لا تتطرق غيره .
هـ) المَرْعَى : وهو موضع الرعي ووقته ، كما يشترط اشتراكهما في الراعي ، فلا يكون لكل مال راع ينفرد برعايته دون الآخر .
ثانياً : أن يكون الشريكان من أهل الزكاة ، فإن كان أحدهما ذميًّا أو مكاتباً لم يعتد بخلطته .
ثالثاً : أن يكون الاختلاط في جميع الحول، فإن ثبت لهم حكم الانفراد في بعض الحول زكوا زكاة المنفردين؛ لأنه مال ثبت له حكم الانفراد ، فكانت زكاته زكاة المنفرد .
- لا تشترط النية لصحة الخلطة في المالين؛ لأن المقصود من الخلطة هو الارتفاق وتخفيف المؤنة، وهذا يحصل بدون النية ، فلم يعتبر وجودها، كعدم اشتراطها في نية السوم في السائمة، ونية السقي في الزروع والثمار .
3) أثر الخلطة في الزكاة :
للخلطة أثر في الزكاة إما تغليظاً أو تخفيفاً :
- فصورة التغليظ : أن يكون للخليطين أربعين شاة ، لكل منهما عشرين ، فيلزمهما شاة واحدة حال اجتماعهما ، في حين أنه لا يجب عليهما شيء حال تفرقهما .
- وصورة التخفيف : أن يكون ثلاثة خلطاء اشتركوا في مائة وعشرين شاة ، لكل واحد منهما أربعون، فيلزمهم مجتمعين شاة واحدة ، في حين أنه يجب على كل منهم شاة واحدة حال تفرقهم .
4) زكاة المال المتفرق :
- لا أثر لتفريق المال أو خلطته إن كان من النقدين أو الزروع والثمار أو عروض التجارة ؛ فلا يضم إلى بعضه البعض في الزكاة ، وإنما يزكى كل مال على حسبه في جميع الأحوال سواء اشتركوا فيه أم لم يشتركوا . وذلك لأن هذه الأموال إنما تجب فيها الزكاة فيما زاد على النصاب بحسابه ، فلا أثر لجمعها ، بخلاف الماشية التي تقل تارة وتكثر أخرى ، والخلطة فيها تؤثر في النفع والضرر .
- أما السائمة فيختلف حكمها بالنظر إلى المسافة بين الموضعين اللذين يوجد فيهما المال ، فإذا كان للرجل سائمة؛ في محلَّين بينهما مسافة قصر، فيزكى كل مال لوحده . وإن كان المال في بلدين لا يقصر بينهما الصلاة ، فحكمهما حكم المال المجتمع يزكيه كالمال المختلط بلا خلاف .
مثاله : إذا كان لرجل شياه في ثلاثة مواضع متباعدة بينها مسافة تقصر فيها الصلاة ، وفي كل محل أربعون شاة ، فعليه ثلاث شياه، لكل موضع شاة. وإن كان في كل موضع أقل من أربعين، فلا شيء عليه.
أما إذا كانت المواضع غير متباعدة، فتعامل معاملة المال المختلط، فيلزمه زكاة مجموعها.

باب الخارج من الأرض
1) زكاة الحبوب والثمار :
تجب الزكاة في كل حَبِّ وثمر يُكال (أي يقدّر بالكيل وهو الصاع), ويُدَّخر (أي ييبس ويبقى مدة طويلة لينتفع به) .
فالحبّ: كالقمح والشعير والأرز والذرة والحمص والعدس وبزر القطن والكتّان وحبّ البطيخ ... وغير ذلك من الحبوب التي تُكال وتُدَّخر .
والثمر: كالتمر والزبيب واللوز والفستق والبندق... وغير ذلك مما يُكال ويُدَّخر؛ وذلك لعموم قول الله عز وجل: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ...( البقرة ( 267) , ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : (فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ) [رواه البخاري] . والعَثَرِيّ ُ: هو الذي يَشرب بعُرُوقِه من غير سَقي .
- وإنما وجبت الزكاة في الَحبِّ والثمر دون غيرهما مما تخرجه الأرض ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلاَ ثَمَرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ ...) [رواه مسلم] . فدل هذا بمفهومه على وجوب الزكاة في الحبّ والثمر وانتقائها عن غيرهما .
- واشتُرط في الحبّ والثمر أن يكون مما يُكال ويُدّخر .
أما الكيل: فلقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لَيْسَ فِيمَا أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ) [رواه البخاري ومسلم] . فدل ذلك على اعتبار التوسيق , وهو الكيل , فما لم يكن مكيلاً من الحبوب أو الثمار ، فإنه لا زكاة فيه .
وأما الادخار: فلأن غير المدَّخر لا يُتمكن من الانتفاع به في المآل , ولذا لا تجب فيه زكاة.
2) زكاة الفواكه والخضروات :
- لا تجب الزكاة في الفواكه ولا في الخضروات ؛ كالعنب والتين والمشمش والتفاح والرمّان والكمثرى والخوخ والموز, والخيار والجزر والباذنجان... إلى غير ذلك من سائر الفواكه والخضروات ؛ لعدم توافر الأوصاف السابقة فيها , ولأثر موسى بن طلحة عن معاذ رضي الله عنه : (أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ اليَمَنَ لَمْ يَأْخُذِ الزَّكَاةَ إِلاَّ مِنَ الحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ) [رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح] .
3) ما يشترط في زكاة الحبّ والثمر :


يشترط في زكاة الحب والثمر – مما يُكال ويُدّخر – شرطان :


الشرط الأول : أن يبلغ النصاب .


ومقدار النصاب – بعد تصفية الحبّ وجفاف الثمر- : خمسة أوسق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ...) [رواه البخاري ومسلم].


والوسْق :يساوي ستين صاعاً نبوياً إجماعاً . فعلى ذلك يكون النصاب: ثلاثمائة صاعاً نبوياً, والصاع يساوي: أربع حفنات بحفنة الرجل الوسط, وبالكيلوات الحديثة يساوي: كيلوين وأربعين جراماً تقريباً من القمح الجيد . فعلى ذلك يكون النصاب بالكيلو جرام: ستمائة واثني عشر كيلو تقريباً من القمح الجيد . وهذا التقدير للنصاب على الأحوط , وإلا فهناك خلاف بين الفقهاء المعاصرين في مقدار الصاع بالكيلو جرام .


- أما غير القمح من الحبوب والثمار: فيمكن تقدير النصاب فيها بالكيلوات الحديثة أيضاً , وذلك بأن تُملأ كفَّان بكفيّ الرجل الوسط أربع مرات من الحَبِّ أو الثمر الذي تريد أن تُقَدِّره , ثم تزنه بالكيلو جرام , ثم تضرب الناتج في ثلاثمائة صاع , ويكون الناتج هو النصاب الخاص بهذا النوع من الحبِّ , أو بذاك النوع من الثمر .


فمثلاً : لو قلنا أربع حفنات من الأرز تساوي كيلوين ونصف, فتحسب على النحو التالي : 2,5× 300 = 750 كيلو جرام , فيكون النصاب في الأرز : سبعمائة وخمسين كيلو جرام تقريباً, وهكذا في باقي الحبوب والثمار.


الشرط الثاني : أن يكون مالكاً للنصاب وقت وجوبها .


ووقت الوجوب : هو بدوّ صلاح الثمر ، واشتداد الحبّ في الزرع ، فإذا اشتد الحبّ وأصبح قوياً صلباً , وظهر صلاح الثمر , وذلك بأن تحمرّ أو تصفرّ ثمار النخيل مثلاً ، فإن الزكاة تصبح واجبة ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ - وَهِىَ تَذْكُرُ شَأْنَ خَيْبَرَ-: (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إِلَى يَهُودِ خَيْبَرَ فَيَخْرِصُ النَّخْلَ حِينَ يَطِيبُ قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ) [رواه أبو داود وسكت عنه , وذكر البليهي في السلسبيل أنه صحيح بشواهده] . ولأن الحبَّ حين يشتد , والثمر حين يظهر صلاحه, يقصدان حينئذٍ للأكل والاقتيات .


ويخرص النخل معناه : يُقدِّر ما على النخيل من الثمار؛ وذلك حتى تُحْصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمار وتُفَرَّق .

4) المقدار الواجب إخراجه في زكاة الزروع والثمار


يجب إخراج العشر إذا كان الزرع أو الشجر يُسْقى بلا كلفة , كأن يسقي من مياه الأمطار أو الأنهار أو العيون , أو كان يشرب بعروقه , أما إذا كان يُسْقى بكلفة , كأن يسقى بالآلات ونحوها مما فيه كلفة فيجب فيه نصف العشر ؛ للحديث السابق: (فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ) رواه البخاري . والنضح : ما سقى بالسواقى .


5) وقت إخراج زكاة الزروع والثمار :


تقدم أن وقت وجوب الزكاة هو : اشتداد الحب , وظهور صلاح الثمر , فإذا اشتد الحب , وظهر صلاح الثمر فقد وجبت الزكاة , لكنها لا تستقر في ذمة صاحب الحب أو الثمر إلا إذا وضعها في البيدر : و هو الموضع الذي تجمع فيه الثمار والحبوب ، أما الحبوب فلتصفيتها وإزالة القشر عنها , وأما الثمار فلتجفيفها لتذهب عنها الرطوبة ، فتكون جافة . فلا يستقرّ الوجوب في ذمته إلا إذا جعلها في البيدر؛ لقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}الأنعام ( 141) , وعلى ذلك فلو تلفت بعد بدو الصلاح واشتداد الحب، وقبل جعلها في البيدر، فإنها تسقط عنه ؛ لأنها في حكم ما لم ثبت اليد عليه , ما لم يكن ذلك بتعدٍ منه أو تفريط، فإنها لا تسقط عنه , وإذا جعلها في البيدر فإنها تجب عليه ، حتى لو تلفت بغير تعد ولا تفريط ؛ لأنه قد استقر الوجوب في ذمته فصارت ديناً عليه. يقول صاحب الروض المربع ( 1/376 ) : « وإذا اشتد الحب، وبدا صلاح الثمر وجبت الزكاة ؛ لأنه يقصد للأَكل والاقتيات كاليابس , فلو باع الحبَّ أو الثمرة ، أو تلفا بتعديه بعد ، لم تسقط , وإن قطعهما أو باعهما قبله فلا زكاة إن لم يقصد الفرار منها . ولا يستقر الوجوب إلا بجعلها في البيدر ونحوه ، وهو موضع تشميسها وتيبيسها ؛ لأنه قبل ذلك في حكم ما لم تثبت اليد عليه , فإن تلفت الحبوب أو الثمار قبله أي قبل جعلها في البيدر بغير تعد منه ولا تفريط , سقطت ؛ لأنها لم تستقر »


-إذا صُفِّي الحب من قشره وتبنه , وجفّ الثمر ويبس بحيث أصبح الرطب تمراً والعنب زبيباً ؛ فحينئذٍ يجب إخراج الزكاة ؛ لأنه أوان الكمال وحال الادخار, ولحديث عتَّاب بن أَسِيدٍ رضي الله عنه ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَمَرَه أَنْ يُخْرَصَ الْعِنَبُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ ، ثُمَّ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا تُؤَدَّى زَكَاةُ النَّخْلِ تَمْرًا ) رواه الدارقطني والبيهقي بإسناد ضعيف . ولا يُسمَّى العنب زبيباً , ولا الرطب تمراً إلا إذا يبسا , وَقِيس باقي الحبوب والثمار عليهما . فلو خالف المزكِّي وأخرج الزكاة من الحبِّ قبل تصفيته , أو من الثمر قبل جفافه ويُبْسِه , لم يجزئه عن الزكاة الواجبة , ويكون ما أخرجه صدقة .


- يسن للإمام أن يبعث من يخرص (يُقدِّر) ثمار النخيل والكرم (شجر العنب ) فقط دون غيرهما , وذلك إذا ظهر صلاحها ؛ حتى يعرف قدر الزكاة , ويعرف المالك ذلك أيضاً , ويكفي خارص واحد , بشرط أن يكون مسلماً أميناً خبيراً ؛ لأنه صح عنه r أنه خرص حديقةً لامرأةٍ بمكان يُقال له وادي القرى . والحديث بتمامه رواه البخاري ومسلم . وأجرة الخارص تكون على صاحب الثمر ؛ لأن الخارص يعمل في ماله عملاً مأذوناً فيه .


-يجب على الإمام أن يبعث السُّعَاة قرب زمن وجوب الزكاة ؛ وذلك لقبض زكاة المال الظاهر , كالماشية والزرع والثمر ؛ لفعله r , فقد صح عنه أنه كان يبعث السعاة لقبض الزكاة , كما في بعثه عمر رضي الله عنه لقبض الزكاة , وكما في بعثه معاذاً رضي الله عنه إلى أهل اليمن . رواهما البخاري ومسلم , واسْتَعْمَلَ النَّبِىُّ r ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ - رَجُلاً مِنَ الأَزْدِ - عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ . رواه البخاري ومسلم أيضاً , وغير ذلك كثير , ولانّ في الناس من يملك المال ولا يعرف ما يجب عليه , وفيهم من يبخل , فوجب أن يبعث الإمام من يأخذ الزكاة .


6) زكاة العسل :


تجب الزكاة في العسل إذا بلغ نصاباً , لحديث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده عبد الله بن عَمْرو رضي الله عنهما «أَن النَّبِي r أَخذ من الْعَسَل الْعشْر» رواه ابن ماجة بإسناد صحيح .


نصاب العسل : عشرة أَفْرَاق ؛ لما يُروى عن عمر رضي الله عنه أنه أتاه ناس من أهل اليمن فسألوه وادياً فأعطاهم إياه فقالوا يا أمير المؤمنين إن فيه نحلاً كثيراً قال فإن عليكم في كل عشرة أفْرَاق فَرَقاً . رواه عبد الرزاق بإسناد ضعيف , واحتج به الإمام أحمد .


والفَرَق بفتح الراء يساوي : ثلاثة آصع ( جمع صاع ) , فيكون مجموع العشرة أفْرَاق يساوي : ثلاثين صاعاً , فإذا كان عنده هذا المقدار وجب عليه أن يخرج العُشْر؛ للحديث السابق .


7) زكاة الرِّكاز :


الركاز : هو ما وُجد من دفن الجاهلية , ومعنى الجاهلية : أي ما قبل الإسلام .


فما يوجد مدفوناً في الأرض من الكنوز إن وجد فيه علامات الكفار : من كتابة أسمائهم , أو صورهم , أو صور ملوكهم , أو يكون عليها تاريخ ما قبل الإسلام ، وما أشبه ذلك , فهو الركاز .أما إن وجدت فيه علامات المسلمين , أو كان في البلاد الإسلامية وليس فيه علامة , فليس بركاز , وإنما هو لُقَطة .


- تجب الزكاة في الركاز ( قليله وكثيره ) ؛ لقول النبي r: (... وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ ) رواه البخاري ومسلم . فلا يشترط فيه النصاب ؛ لعموم الحديث , ولا يشترط فيه كذلك مرور الحول , بل بمجرد إخراجه من الأرض يجب إخراج زكاته .


- المقدار الواجب إخراجه من الركاز : الخُمْس ؛ للحديث السابق .


- يصرف هذا الخمس من الركاز : كما يصرف خمس الغنيمة ؛ أي في مصالح المسلمين : من بناءٍ للمساجد , وإقامةٍ للطرق والجسور , وتأليفٍ لقلوب بعض أعيان المسلمين ,ونحو ذلك مما يكون فيه مصلحة , فليس مصرفه مصرف الزكاة ؛ وذلك لأنه مال كافر أُخذ في الإسلام فأشبه الغنيمة , ولما روي عن الشعبي ، أن رجلاً وجد ألف دينارٍ مدفونةٍ خارجاً من المدينة ، فأتى بها عمر بن الخطاب ، فأخذ منها الخمس مائتي دينار ، ودفع إلى الرجل بقيتها ، وجعل عمر يقسم المائتين بين مَنْ حضره من المسلمين ، إلى أن أفضل منها فضلة ، فقال عمر : أين صاحب الدنانير ؟ فقام إليه ، فقال له عمر : خذ هذه الدنانير فهي لك . رواه أبو عبيد في كتاب الأموال بإسناد ضعيف . فلو كان مصرفه مصرف الزكاة لخَصَّ به عمر رضي الله عنه أهل الزكاة , ولم يرده على واجده .


باب زكاة الأثمان
1) تعريفُ الأثمانِ:
المرادُ بالأثمانِ: الذّهبُ والفضّةُ اللّذانِ تُقوّمُ بهما الأشياءُ.
2) القدرُ الواجبُ فيهما:
القدرُ الواجبُ في الذّهبِ والفضّةِ رُبعُ العشرِ؛ إذا بلغتْ نصاباً؛ لحديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهم: (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَاراً فَصَاعِداً نِصْفَ دينارٍ) [رواه ابن ماجه]، ولحديثِ أنسٍ رضي الله عنه مرفوعاً: ( وَفِي الرِّقَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ) [رواه البخاريّ]. والرِّقّة: الفضّةُ الخالصةُ؛ سواءٌ كانت مضروبةً، أو غيرَ مضروبةً.
3) نصابُ الذّهبِ:
نصابُ الذّهبِ بالمثاقيلِ عشرونَ مثقالاً ؛ لحديثِ عمرِو بنِ شعيبٍ عن أبيهِ عن جدِّهِ مرفوعاً: ( لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ مِثْقَالاً مِنَ الذَّهَبِ، وَلا فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ صَدَقَةٌ) [رواه أبو عبيد والدارقطنيُّ، واللّفظُ للأوّل].
والمثقالُ في الأصلِ: مقدارٌ من الوزنِ، وقدّرُه المعاصرون بتقديراتٍ متقاربةٍ؛ أرجحُها أنّه يعادلُ (25‚4) غراماً؛ فيكونُ نصابُ الذّهبِ (85) غراماً من الذّهبِ الخالصِ.
4) نصابُ الفِضّةِ:
نصابُ الفضّةِ: مائتا درهمٍ إسلاميّة؛ لحديثِ عمرو بن شعيبٍ السّابقِ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ) [رواه مسلم]. والورِقُ: الفضّةُ، والأوقيةُ: أربعُونَ درهماً.
والدِّرهمُ قدَّره المعاصرُون بتقديراتٍ متقاربةٍ؛ أرجحُها أنّه (975‚2) غراماً ؛ فيكون نصابُ الفضّةِ (595) غراماً من الفضّةِ الخالصةِ.
5) ضمُّ الأثمانِ لتَكْميلِ النِّصابِ:
يُضمُّ الذَّهبُ إلى الفضّةِ في تكميلِ النِّصابِ؛ لأنّ نفعَهما واحدٌ، والمقصودَ منهما متّحدٌ؛ فإنّهما أثمانُ الأشياءِ وقيمُها. فعلى هذا: إذا ملك نقداً من الذهب، ونقداً من الفضة ، وكان كلُّ واحد منهما لا يبلغُ نصاباً، وبمجموعِهما يبلغانِ النِّصابَ؛ فإنّ الزكاةَ تجبُ عليهِ.
ويُخرجُ الزّكاةَ من أيِّهما شاءَ؛ فمنْ وجبتْ عليه زكاةُ عشرينَ مثقالاً من الذّهبِ أجزأَ إخراجُ قيمةِ ربعِ عشرِها من الفضّةِ، ومنْ وجبتْ عليه مائتي درهمٍ من الفضّةِ أجزأَ إخراجُ قيمةِ ربعِ عشرِها من الذّهبِ.
6) زكـاةُ الحُـلِيّ:
لا زكاةَ في حُلِيٍّ مباحٍ مُعدٍّ لاستعمالٍ أو إعارةٍ؛ لأثرِ جابر رضي الله عنه : « لا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ » [رواه ابنُ أبي شيبة، ورُوي مرفوعاً ولا يصحّ]. وقال الإمام أحمد -رحمه الله-: « خمسةٌ من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم يقولون: ليس في الحُلِيّ زكاةٌ؛ زكاتُه إعارتُه؛ وهم: أنسٌ، وجابرٌ، وابنُ عمر، وعائشةُ، وأسماءُ أختُها »؛ وذلك لأنّه معدولٌ به عن جهةِ الاسْتِرباحِ إلى الاستعمالِ المباحِ؛ فأشبه ثيابَ البذلةِ، والبقرَ العواملَ.
وتجبُ الزّكاةُ في الحليِّ المحرّمِ؛ كآنيةِ الذّهبِ والفضّةِ؛ لأنّ الأصلَ وجوبُ الزكاةِ في الذّهبِ والفضّةِ، والصِّناعةُ لما كانتْ لمحرَّمٍ جُعلتْ كالعدمِ، ولم تصلحْ لإخراجِه عن أصلِهِ.
وتجبُ الزّكاةُ كذلك في الحليِّ المباحِ المعدِّ للتّأجير أو النّفقةِ؛ إذا بلغ وزنُه نصاباً؛ لأنّ سببَ سقوطِ الزّكاةِ فيما اتُّخذَ لاستعمالٍ أو إعارةٍ هو خروجُه عن جهةِ النّماءِ؛ فيبقى ما عداهُ على الأصلِ.
وتُخرجُ زكاةُ الحليِّ المعدِّ للتّأجيرِ أو للنّفقةِ منْ قيمتِهِ إنْ زادتْ عنْ وزنِهِ ؛ لأن الصناعة تزيد في قيمة الذهب والفضة؛ فتراعى القيمة لأنّ ذلك أحظُّ للفقراءِ.

باب زكاة العروض
1) تعريفُ العُروضِ:
هي: ما يُعَدُّ للبيعِ والشِّراءِ لأجلِ الرِّبحِ؛ من المتاعِ، والعقاراتِ، وأنواع الحيوانِ، وغيرِ ذلك.
2) حكمُ زكاتِها:
تجبُ الزّكاةُ فيِ عروضِ التِّجارةِ؛ إذا بلغتْ قيمتُها نِصاباً؛ لحديثِ سمرةَ بنِ جُندُبٍ رضي الله عنه قال: (أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنَ الَّذِي نُعِدُّ لِلْبَيْعِ» [رواه أبو داود، وسكت عنه، وضعّفه الذّهبيُّ وابنُ حجرٍ]. وحكى الإمامُ ابنُ المنذرِ إجماعَ العلماءِ على وجوبِ الزّكاةِ فيها؛ فقال في (الإجماع) (ص/47): « وأجمعُوا على أنّ في العُروضِ الّتي تُدارُ للتِّجارةِ الزّكاةُ؛ إذا حالَ عليها الحولُ » .
3) كيف تُزَكَّى العُروضُ؟
تُقوَّمُ العروضُ إذا حالَ عليها الحولُ بالأحظِّ للمساكينِ من ذهبٍ أو فضةٍ، ولا يعتبرُ ما اشتُريتْ بهِ؛ فلو كانتْ قيمتُه تبلغُ نصاباً بأحدِ النّقدينِ دونَ الآخرِ؛ فإنّه يقوّمُ بما يبلغُ به نصاباً.
واستُدلّ على تقوِيمها بما رواهُ عبدُ الله بن أبي سلمة: أنّ أبا عمرو بن حِماسٍ أخبرهُ: أنّ أباهُ حِماساً كانَ يبيعُ الأَدَمَ والجِعابَ، وأنّ عمرَ رضي الله عنه قالَ لهُ: « يا حِماسُ أدِّ زكاةَ مالِكَ. فقال: واللهِ مالِي مالٌ إنّما أبيعُ الأَدَمَ والجِعابَ. فقال: قوِّمْهُ وأدِّ زكاتَهُ » [رواه ابن أبي شيبة]. والأَدَمُ: جمعُ أَدِيم؛ وهو الجلدُ المدبوغُ. والجِعابُ: جمعُ جُعْبة؛ وهي: وعاءُ السِّهام والنِّبالِ.
ويُحسَبُ أولُ الحولِ منْ حينِ بلوغِ القيمةِ نصاباً؛ فإذا بلغتِ القيمةُ نصاباً: وجبَ رُبعُ العشرِ؛ وإلا فلا زكاةَ فيها.
والنّصابُ مطلوبٌ في جميعِ الحولِ؛ فلو نقصتْ قيمةُ النِّصابِ في بعضِ الحولِ؛ ثمّ زادتْ القيمةُ فبلغتْ النِّصابَ: ابتُدئ حينئذ حَولٌ جديدٌ؛ كسائرِ أموالِ الزّكاةِ.
- ومن العروضِ: أموالُ الصّيارفِ؛ لأنّها مُعدَّةٌ للبيعِ والشراءِ؛ لأجلِ الرِّبحِ.
- ولا عبرةَ بقيمةِ صنعةِ آنيةِ الذّهبِ والفضّةِ؛ لتحريمِها، بلِ العبرةُ بوزنِها.
- وكذا لا عبرةَ بما فيه صناعةٌ محرمّةٌ من غيرِ الآنيةِ - كبعضِ آلاتِ الملاهي-؛ فيُقَوّمُ عارياً عنِ الصّناعةِ؛ لأنّ وجودَها كالعدمِ.
- ومنْ كانَ عنده عرْضٌ مُعدٌّ للتِّجارةِ، أو ورِثهُ فنواهُ للقُـِنْيةِ - للانتفاعِ الشّخصيِّ-، ثمّ نواهُ للتِّجارةِ: لم يصرْ عرضاً تجاريًّا بمجرّدِ النِّيّةِ حتّى يحولَ عليه الحولُ على نيّةِ التِّجارةِ؛ وذلك لأنّ القُنيةَ هيَ الأصلُ؛ فلا يُنتقلُ عنها إلا بالنيّةِ؛ لحديثِ سمرةَ رضي الله عنه السّابقِ: (مِنَ الَّذِي نُعِدُّ لِلْبَيْعِ). واعتُبرتِ النيّةُ في جميعِ الحولِ؛ قياساً على النِّصابِ.
ولكنْ يستثنى من ذلك: حُلِيُّ اللُّبسِ؛ لأنَّ التِّجارةَ أصلٌ فيهِ؛ فإذا نوَاهُ للتّجارةِ فقد ردَّهُ إلى الأصلِ؛ فيكفِي فيهِ مجرّدُ النِّيَّةِ؛ من غيرِ اشتراطِ الحولِ فيها.
4) زكاةُ المعادنِ:
أ- تعريفُها: المعدنُ: كلُّ متولِّدٍ من الأرضِ؛ ممّا ليسَ من جنسِها، ولا نباتٍ؛ كالذّهبِ، والفضّةِ، والكبريتِ، والحديدِ، والنُّحاسِ، والرّصاصِ، والنِّفطِ، وغيرِها. وهو غير الرِّكازِ؛ لأنّ الرِّكازَ: دفينُ الجاهليّةِ.
ب- حكمُ زكاتِها:
ما استُخرجَ منَ المعادنِ: ففِيهِ بمجرّدِ إخراجِهِ ربعُ العُشرِ؛ إذا بلغتْ قيمتُه نصاباً بعدَ السَّبكِ والتّصفيةِ؛ لقوله تعالى: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ (، ولما رواهُ ربيعةُ بنُ أبي عبدِ الرّحمنِ عن غيرِ واحدٍ: ( أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَقْطَعَ بِلاَلَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ - وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْفُرْعِ-؛ فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا إِلاَّ الزَّكَاةُ إِلَى الْيَوْمِ) [رواه مالك وأبو داود، وسكت عنه، وضعّفه الشّافعيُّ وغيرُه].
- وقُدِّرَ النِّصابُ فيها رُبعَ العُشرِ؛ لأنَّها زكاةٌ في أثمانٍ؛ فأشبه نِصابُها نصابَ سائرِ الأثمانِ.
- ولم يشترطْ في إخراجِها الحولُ؛ لأنّها مالٌ مستفادٌ من الأرضِ؛ فلا يعتبرُ في وجوبِ حقِّه حولٌ؛ كالزَّرعِ والثِّمارِ.

بابُ زكاةِ الفِطْرِ.
1- حُكمُها:
زكاةُ الفطرِ صدقةٌ واجبةٌ بالفطرِ من رمضانَ على كلِّ مسلمٍ؛ لحديثِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما قال: « فَرَضَ رَسُولُ اللهِ r زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» [متّفق عليه].
2- وقتُ وجوبِها:
تجبُ زكاةُ الفطرِ بغُروبِ الشّمسِ من ليلةِ العيدِ؛ فمنْ ماتَ أو أعسَرَ قبلَ الغُروبِ؛ فلا زكاةَ عليهِ. وإن حصلَ الموتُ أو الإعسارُ ونحوُهما بعد الغُروبِ؛ فإنّ الزّكاةَ تستقرُّ في ذمّتِه؛ لقولِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ r زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ...» [رواه التّرمذيّ، وصحّحه]. والفطرُ من جميعِ رمضانَ يكونُ بغروبِ الشَّمسِ ليلةَ العيدِ.
3- على من تجبُ زكاةُ الفِطرِ؟
تجبُ زكاةُ الفطرِ على كلِّ مسلمٍ يجدُ ما يَفْضُلُ عنْ قُوتِهِ، وقُوتِ عِيالِه يومَ العيدِ وليلتَهُ؛ زائداً عمّا يحتاجُه منْ مسكنٍ، وخادمٍ، ودابّةٍ، وثيابِ بَذْلَةٍ -ما يمتهنُ من الثِّيابِ-، وكُتبِ علمٍ؛ لأنّ النّفقةَ أهمُّ فيجبُ البداءةُ بها؛ لقولِه r: « ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا؛ فَإِنْ فَضَلَ شَيءٌ فَلأَهْلِكَ...» [رواه مسلمٌ].
- وتلزمُهُ عن نفسِه وعنْ منْ يمونُهُ من المسلمينَ؛ كزوجتِهِ، وولدِهِ؛ لحديثِ ابنِ عمرَ رضي اللهُ عنهما: « أَمَرَ رَسُولُ اللهِ r بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ؛ مِمَّنْ تَمُونُونَ» [رواه الدارقطنيُّ].
فإنْ لمْ يجدِ المُعيلُ فِطْرةً تكفي لجميعِ من يعُولهم: بدأ بنفسِهِ؛ لأنّ الفطرةَ تنبني على النّفقةِ، وفي الحديث «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ» [رواه مسلم]، ثمّ بزوجتِهِ؛ لأنّ نفقتَها مقدّمةٌ على سائرِ النّفقاتِ، وواجبةٌ مع اليسارِ والإعسارِ، فرقيقِهِ ؛ لوجوبِ نفقتِه مع الإعسارِ بخلافِ الأقاربِ، فولدِه؛ لأنّ نفقتَه منصوصٌ عليها، ومجمعٌ عليها، فأمِّه؛ لأنّها مقدّمةٌ في البرِّ؛ لحديث أبي هريرة t قال: «قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ-وفي رواية: من أبرُّ؟- قَالَ: أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبُوكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ » [متّفق عليه، والرواية لمسلم]، فأبيهِ؛ للحديثِ السّابقِ، فالأقربَ في الميراثِ؛ لأنّ الأقربَ أولى من الأبعدِ؛ فيُقَدَّمُ.
- وتجب الفِطرةُ على من تبرّعَ بمُؤنةِ شخصٍ-كمَنْ يكفلُ يتيماً- شهرَ رمضانَ؛ لعُمومِ حديثِ ابنِ عمر السّابقِ: «أَمَرَ رَسُولُ اللهِ r بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ... مِمَّنْ تَمُونُونَ ». فإنْ تبرّعَ بمُؤنتِهِ بعضَ رمضانَ؛ ولو آخرَهُ لمْ تلزمْهُ.
ولا تجبُ الفِطرةُ على منِ استأجرَ أجيراً بطعامِهِ؛ لعدمِ دخولِه في نصِّ الحديثِ، ولأنّ الواجبَ ها هُنا الأجرةُ المشترطةُ في العقدِ؛ فلا يُزادُ عليها.
4- زكاةُ الفطرِ عنِ الجنينِ:
تُسنُّ زكاةُ الفطرِ عنِ الجنينِ؛ لما رواهُ حميدٌ الطويلُ: « أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يُعْطِي صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنِ الْحَبْلِ» [رواه ابن أبي شيبة]، ولأنّها صدقةٌ عمّن لا تجبُ عليهِ؛ فكانتْ مستحبّةً كسائرِ صدقاتِ التّطوّعِ.
فصلٌ
في إخراجِ زكاةِ الفطرِ
1- وقتُ إخراجِها:
يبدأُ وقتُ إخراجِها بغُروبِ الشَّمسِ ليلةَ العيدِ، وينتهي بغروبِ شمسِ يومِ العيدِ.
أ- والأفضلُ إخراجُ الفِطرةِ يومَ العيدِ قبلَ الصّلاةِ؛ لحديثِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما قال: « فَرَضَ رَسُولُ اللهِ r زَكَاةَ الْفِطْرِ...وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلى الصَّلاَةِ» [متّفق عليه].
ب- ويُكرهُ إخراجُها بعدَ الصّلاةِ؛ خروجاً من الخِلافِ في تحريمِها، ولحديثِ ابنِ عمر مرفوعاً: « أَغْنُوهُمْ عَنْ طَوَافِ هَذَا الْيَوْمِ » [رواه الدارقطنيُّ، وضعّفه النّوويُّ وابنُ حجرٍ وغيرُهما]؛ فإذا أخّرها إلى ما بعدَ الصلاةِ لمْ يحصلِ الإغناءُ للفقراءِ في اليومِ كلِّهِ.
ج- ويحرمُ تأخيرُ الفطرةِ عن يومِ العيدِ مع القُدرةِ؛ لأنّه تأخيرٌ للحقِّ الواجبِ عن وقتِهِ؛ فلا يجوزُ.
2- قضاؤُها بعد وقتِها:
منْ أخّرَ الفِطرةَ عن يومِ العيدِ فإنّه يقضِيها مع الإثمِ إن كانَ عامداً؛ لأنّها عبادةٌ؛ فلمْ تسقُطْ بخروجِ الوقتِ كالصّلاةِ، وهي حقٌّ ماليٌّ وجبَ في الذِّمّةِ؛ فلا يسقطُ بفواتِ وقتِه كالدَّيْنِ.
3- تعجيلُها:
تُجزئُ الفِطرةُ قبلَ العيدِ بيومينِ لا أكثرَ؛ لقولِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما: « وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ » [ رواه البخاري].
3- مقدارُها:
الواجبُ في الفِطرةِ عنْ كلِّ شخصٍ: صاعُ تمرٍ، أو زبيبٍ، أو بُرٍّ، أو شعيرٍ، أو أقِطٍ؛ لحديث أبِي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه قال: « كُـنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَـاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَـاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ - اللّبنُ المجفّفُ -، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيب » [متفق عليه]. والصّاعُ يساوي كيلوين وأربعين غراما (2.040كغ) من القمح الجيِّد.
ويجزئُ دقيقُ البُرِّ والشَّعيرِ؛ إذا كانَ بمقدارِ وزنِ الحبِّ؛ لزيادةِ ابنِ عيينة في حديثِ أبي سعيدٍ السّابقِ: «أَوْ صَاعًا مِنْ دَقِيقٍ» [رواه أبو داود، وقال: الزِّيادةُ وهمٌ من ابنِ عُيينة]. ولأنّ الدّقيقَ قد كُفيَ الفقيرُ مُؤنتَه فهو أولى بالإِجزاءِ؛ كتمرٍ نُزِعتْ نَواهُ.
- ومنْ عدِمَ الأصنافَ الخمسةَ المذكورةَ: يُخرج ما يقومُ مقامَها من حبٍّ يُقتاتُ؛ كذُرَةٍ، وأرزٍ، وعدسٍ؛ لأنّه أشبهُ بالمنصوصِ عليهِ؛ فكانَ أولى من غيرِهِ.
[قال المرداويُّ في الإنصاف (3 / 182):
« وَقِيلَ: يُجْزِئُ كُلُّ مَكِيلٍ مَطْعُومٍ. وقال ابنُ تَمِيمٍ: وقد أَوْمَأَ إلَيْهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يُجْزِئُهُ من قُوتِ بَلَدِهِ مِثْلُ الأُرْزِ وَغَيْرِهِ؛ وَلَوْ قَدَرَ على الأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ في الحديث. وَذَكَرَهُ رِوَايَةً، وَأَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَجَزَمَ بِهِ ابنُ رَزِينٍ وَحَكَاهُ في الرِّعَايَةِ قَوْلاً »].
4- إعطاءُ الجماعةِ فطرتَهم لواحدٍ:
يجوزُ أن تُعطيَ الجماعةُ فِطرتهم لواحدٍ؛ لأنّها صدقةٌ واجبةٌ؛ فجازَ أن يُدفعَ للواحدِ فيها ما يلزمُ الجماعةَ؛ كصدقةِ المالِ.
ويجوزُ أن يعطيَ الواحدُ فطرتَه لجماعةٍ؛ لإطلاقِ آيةِ: ) إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء ( [التّوبة: 60].
[قال ابنُ قدامةَ في (الشرح الكبير) (2/667): « أمّا إعطاءُ الجماعةِ ما يلزمُ الواحدَ؛ فلا نعلمُ فيه خلافاً »].
4- إخراجُ القِيمةِ:
لا يجزئُ إخراجُ القيمةِ في الزّكاةِ مطلقاً؛ سواء كانت في المواشِي أو المعشّراتِ أو زكاةَ فطرٍ؛ لمخالفتِه للنُّصوصِ الواردةِ في بيانِ ما تُخرجُ منه زكاتُها.
5- شراءُ الزّكاةِ:
يحرمُ على الشَّخصِ شِراءُ زكاتِهِ وصدقتِهِ؛ ولوْ اشْتَراها مِن غيرِ مَنْ أخذَها منه؛ لقولِ النّبيّ r لعمرَ بن الخطابِ t -حين أراد أن يشتريَ فرساً جعله في سبيلِ اللهِ-: « لا تَشْـتَرِي، وَلا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ، وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ؛ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ » [متّفق عليه].
[وإنْ رجعتْ إليهِ زكاتُهُ أو صدقتُهُ بإرثٍ، أو هبةٍ، أو وصيّةٍ: جازَ بلا كراهةٍ؛ لحديث بُريدة t قال: « قَالَ بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ r إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ؛ فَقَالَتْ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ، قَالَ: فَقَالَ: وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ » [رواه مسلم]. ].

باب إخراج الزكاة.
1) إخراج الزكاة على الفور :
يجب إخراج الزكاة على الفور عند وجود سببها وانتفاء موانعها ؛ لأن الشرع أمر بإخراجها ، والأمر المطلق يقتضي الفور .
2) حالات تأخير الزكاة :
يجوز لمن وجبت الزكاة في ماله أن يؤخرها زمناً يسيراً إذا كانت هناك حاجة لمثل هذا التأخير ، ومن صور ذلك :
أ - انتظار محتاج قادم من سفر، أو الانتظار ليدفعها لمن حاجته أشد ممن هو حاضر
ب- القريب والجار ؛ لأن الصدقة على القريب له فيها أجران ، أجر الصدقة وأجر القرابة ، والجار في معنى القريب .
جـ- تعذر إخراج الزكاة من النصاب، بسبب غياب المال ، أو المنع من التصرف فيه بسبب غصبه أو سرقته أو كونه دَيناً. فله تأخير الزكاة إلى حين قدرته عليها .
فإن كان له مال آخر جاز له أن يخرج الزكاة منه ولا يجب ؛ لأن الأصل إخراج الزكاة من عين المال الذي وجبت فيه الزكاة ، وإخراجها من غيره رخصة ، والرخصة لا تنقلب تضييقاً.
3) ادعاء المزكي إخراج الزكاة :
من طلب منه الزكاة فادعى إخراجها ، أو أن المال لم يمض عليه الحول كاملاً ، أو أن نصاب زكاة المال نقص ، أو أن ملكه زال عن ذلك المال في أثناء الحول ، أو أن ما بيده لغيره ، فإنه يصدق في قوله من غير أن يحلف يميناً ؛ لأن الزكاة عبادة مؤتمن عليها، فالقول قول من تجب عليه بغير يمين كالصلاة والكفارات .
4) إخراج الزكاة من مال الصغير والمجنون :
يجب على ولي الصغير أو المجنون أن يخرج زكاة مالهما الذي وجبت فيه الزكاة، لقول عمر رضي الله عنه: (ابْتَغُوا – وفي رواية: اتَّجروا - بِأَمْوَالِ اليَتَامَى، لا تَأَكُلْهَا الصَّدَقَةُ) [رواه الدارقطني والبيهقي، وصححه]؛ لأن الزكاة تتعلق بعين المال، والنصوص الآمرة بإخراج الزكاة لم تفرق بين المال الذي يملكه الصغير والكبير ، أو العاقل والمجنون ، أو الذكر والأنثى؛ لا سيما وأن إخراج الزكاة حق تدخله النيابة ، كالنفقة عليهما أو تغريمهما .
5) سنن وآداب في إخراج الزكاة :
أ – يسن إظهار الزكاة عند إخراجها ؛ لتنتفي عنه التهمة ويقتدى به .
ب- أن يقوم رب المال بتفريقها بنفسه ؛ ليتيقن وصولها إلى مستحقيها .
ج- ويُسن لآخذ الزكاة أن يدعو للمزكي كأن يقول : (آجرك الله فيما أعطيتَ ، وبارك لك فيما أبقيت ، وجعله لك طهوراً) ؛ لقوله تعالى : )خُذْ مِنْ أَمْوَالِهمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ( [التوبة:] ، ولما ثبت من حديث عبدالله بن أبي أوفى قال : (كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ : «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيهِمْ...»، فَأَتَاهُ أَبي أبو أَوْفَى بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ: « اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى ») [متفق عليه].
فصل
[في شروط إخراج الزكاة]
1) الشرط الأول :
النيَّة من المكلف ؛ لأن الزكاة عبادة ، فاشترط لها النية لقوله صلى الله عليه وسلم : (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) [متفق عليه] . فإن أخذت قهراً أجزأت من غير نية .
- فإن كان المال مملوكاً لصغير أو مجنون فينوي وليهما عنهما، لعدم أهليتهما لأداء الواجبات ، ولأن أداء الزكاة تصَرُّف مالي يشترط له التكليف كما هو الحال في سائر التصرفات المالية من بيع وشراء وإجارة وغيرها .
- الأفضل في حق المزكِّي أن يَقْرِنَ نيَّة إخراج الزكاة بزمن دفعها ، ولو تقدمت النية على الدفع بزمن يسير جاز .
- ويجب أن تكون النيَّة محدَّدة؛ فينوي بإخراجها زكاة المال أو الصدقة الواجبة، ولا يجزئه أن ينوي صدقة مطلقة ولو تصدق بجميع ماله ؛ لأن من الصدقة ما يكون نفلاً فوجب تمييز الواجب عن النفل ، وهذا لا يتعين إلا بالنية .
- ولا تجب نية الفرضية ، لأن الزكاة لا تكون إلا فرضاً ، ولا يجب تعيين المال المزكَّى عنه.
* التوكيل في إخراج الزكاة :
- يجوز للمسلم أن يوكل غيره من المسلمين الثقات في إخراج الزكاة عنه ، وتجزئ نية المُوكِّل مع قرب زمن إخراج الزكاة ؛ لأن الفرض متعلق بالموكِّل ، ولا يضر تأخير الأداء زمناً يسيراً .
- وإذا كان الفاصل الزمني بين قرب زمن الإخراج وزمن التوكيل طويلاً ، نوى الوَكيل عند الدفع أيضاً .
2) الشرط الثاني :
أن يجعل الزكاة في فقراء بلد المال الذي وجبت فيه الزكاة : فالأفضل في حق المزكِّي أو من ينوبه أن يجعل زكاة كل مالٍ في فقراء بلده .
- ويَحرُم على المزكي نقل الزكاة إلى بلد غير بلد المال إذا كان بينهما مسافة قصر، وكان في بلد الوجوب مستحق؛ لحديث معاذ بن جبل لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال له : (أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيهِمْ صَدَقَةً ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيائِهِمْ فَتُردُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ) [متفق عليه] .
فإن أخرجها إلى غير بلد المال أجزأته ؛ لأنه دفعها إلى مستحقها فبرئت ذمته ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لقبيصة بن مخارق : (أَقِمْ حَتَّى تَأْتِينَا الصَّدَقَةُ ، فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا) [رواه مسلم] ، فدل على أن الصدقة كانت تُنقل إلى المدينة من غيرها من البلاد ، فيفرِّقها في فقراء المهاجرين والأنصار .
4) تعجيل إخراج الزكاة قبل موعدها :
- يجوز للمزكي أن يُعجِّل إخراج زكاة ماله لسنتين فقط ، إذا كَمَل النصاب ؛ لحديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (أَنَّهُ تَعَجَّلَ مِنَ العَبَّاسِ صَدَقَةَ سَنَتَينِ) [رواه أبوعبيد في الأموال ، بإسناد حسن].
- وإن كان المال الذي وجبت فيه الزكاة ينقص فيه النصاب إذا أخرج زكاة سنة لا يصح إخراجه عن سنتين ؛ كمن كان له أربعون شاة ، فلا يصح أن يخرج عن سنتين ؛ لأنه إذا أخرج زكاة سنة نقص الباقي عن النصاب فلا تجب فيه الزكاة . فإن زادت عن الأربعين جاز أن يخرج عن سنتين .
- إذا تلف النِّصاب بعد إخراج الزكاة المعجَّلة ، أو نقص قبل تمام الحول ، كان ما دفعه صدقة تطوع في حَقِّه .


باب أهل الزكاة.


باب أهل الزكاة.
أهل الزكاة : أي الذين يجزئ دفع الزكاة لهم , وهم ثمانية ؛ لقول الله تعالى: )إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ الله والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ( [التوبة: 60] . وكلمة (إنما) تفيد الحصر , والحصر يقتضي إثبات الحكم في المذكور، ونفيه عمن سواه .
وهم على النحو التالي :
1- الفقير : وهو الذي لا يجد شيئاً, أو يجد شيئاً يسيراً, لكنه لا يبلغ نصف كفايته, كأن يجد ربع كفايته أو ثلثها, فهو أشد حاجةً من المسكين؛ لأن الله عز وجل بدأ به, وإنما يُبْدأ بالأهم فالأهم .
2- المسكين :وهو الذي يجد نصف كفايته , أو أكثرها وذلك عن طريق الكسب ونحو ذلك ؛ لقول الله تعالى )أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ ...( [الكهف: 79] .
فأخبر الله عز وجل أن لهم سفينة يعملون بها , ولأن النبي r سأل الله تعالى المسكنة واستعاذ به من الفقر فقال : (اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِيناً وَأَمِتْنِي مِسْكِيناً وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ المَسَاكِينِ يَوْمَ القِيامَةِ ) [رواه الترمذي وابن ماجة بإسناد صحيح] . واستعاذ من الفقر فقال : (اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ ... ) [رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح] . ولا يجوز أن يسأل شدة الحاجة , ويستعيذ من حالة أصلح منها , فدل ذلك على أن الفقر أشدّ من المسكنة .
3- العامل على الزكاة : كالجابي : وهو الذي يجمع الزكاة من الأغنياء , والحافظ : وهو الذي يقوم بحفظ أموال الزكاة في المستودعات وغيرها , والكاتب , والقاسم : وهو الذي يقسم الزكاة ويصرفها إلى مستحقيها , فهولاء جميعاً يدخلون تحت قول الله تعالى )وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا( . ويُشترط في العامل على الزكاة : أن يكون مسلماً مكلفاً أميناً من غير ذوي القربى .
4- المؤلَّف : وهو السيد المطاع في عشيرته ممن يرجى إسلامه , أو يخشى من شره , فيُعطى منها تأليفاً لقلبه أو دفعاً لشره ؛ لحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى النَّبِيِّ r بِذُهَيْبَةٍ فَقَسَمَهَا بَيْنَ الأَرْبَعَةِ الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيِّ ثُمَّ الْمُجَاشِعِيِّ وَعُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ وَزَيْدٍ الطَّائِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ الْعَامِرِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلَابٍ فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ وَالْأَنْصَارُ قَالُوا يُعْطِي صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا قَالَ : (إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ) [رواه البخاري] .
-وكذا يعطى منها من كان يرجى بعطيته قوة إيمانه ؛ كأن يكون مسلماً ضعيف الإيمان , متهاون في فرائض الإسلام , لكنه لو أُعطي من الزكاة قوي إيمانه وحَسُن؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله عز وجل: )وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ( : هم قوم كانوا يأتون رسول الله قد أسلموا فكان رسول الله يرضخ لهم من الصدقات، فإذا أعطاهم من الصدقات فأصابوا منها خيراً قالوا: هذا دين صالح، فإن كان غير ذلك عابوه وتركوه. [رواه ابن جرير الطبري في تفسيره وإسناده ضعيف] .
- وكذا يعطى منها من كان يرجى بعطيته قوة على جباية الزكاة ممن امتنع من أدائها ؛ لأن ذلك من المصالح الشرعية .
- توقف إعطاء المؤلفة قلوبهم في عهد عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم؛ وذلك لقوة الإسلام وظهوره, واحتيج إليه في زمن النبي r وأبي بكر رضي الله عنه. وتَوَقُّفُه في عهد الخلفاء الثلاثة لا يعني تركه ، وإنما لزوال الحاجة الداعية إليه ، فإذا تكررت الحاجة الداعية فإن هذا الحكم يثبت .
5- المكاتب : وهو العبد الذي اشترى نفسه من سيده , وذلك بأن يتفق مع سيده على تحرير رقبته مقابل أقساط معلومة من المال يدفعها له , فإذا وفَّى له صار حراً . فهذا المكاتب يجوز أن يُعان على مكاتبته من الزكاة ، فيُعطى من الزكاة ما يتم به فكاك رقبته .وكذلك الرقيق غير المكاتب : يجوز أن يُعتق من مال الزكاة , وكذا الأسير المسلم يجوز أن يُفدى من مال الزكاة ؛ لعموم قول الله عز وجل : )وَفِي الرِّقَابِ( , ولأنَّ فك رقبة المسلم من الأسر كفك رقبة العبد من الرق .
6- الغارم : وهو الذي استدان من أجل الإصلاح بين الناس كأن يتحمل ديةً أو مالاً ؛ لتسكين فتنة وقعت بين طائفتين ويتوقف صلحهم على من يتحمل ذلك , أو استدان لنفسه وعجز عن السداد ؛ لفقره , فهذا يُعطى من الزكاة لسداد دينه ؛ لعموم قول الله تعالى )وَالْغَارِمِينَ( , ولحديث قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلاَلِىِّ رضي الله عنه قَالَ: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r أَسْأَلُهُ فِيهَا فَقَالَ : (أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا) [رواه مسلم] . والحمالة بفتح الحاء وتخفيف الميم : هي المال الذي يتحمله الإنسان ,أي يستدينه ويدفعه في إصلاح ذات البين .
7- الغازي في سبيل الله : والمراد به الغازي المتطوع الذي ليس له راتب في الديوان أي في بيت المال على غزوه , فيجوز إعطاؤه من الزكاة ولو كان غنياً ؛ لأنه لحاجة المسلمين , ولقول لله تعالى )وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ( , أما إذا كان له راتب في الديوان فلا يُعطى من الزكاة , إلا إذا كان لا يكفيه فحينئذٍ له أن يأخذ تمام ما يكفيه -يجوز إعطاء الفقير ما يحج به حج الفريضة ويعتمر؛ لقول النبي r: (الحَجُّ وَالعُمْرَةُ مِنْ سَبِيلِ اللهِ) [رواه أحمد وإسناده صحيح بدون لفظ العمرة] .
8- ابن السبيل : وهو الغريب الذي انقطع به الطريق بغير بلده, وليس معه ما يوصله إلى بلده أو إلى منتهى قصده؛ لقول الله تعالى وَابْنِ السَّبِيلِ( أي : ابن الطريق , فيُعطى من الزكاة ولو كان غنياً في بلده؛ لأنه عاجز عن الوصول إلى ماله وعن الانتفاع به فأشبه مَنْ سقط متاعه في البحر أو ضاع .
- يُعطى جميع من ذكر من أهل الزكاة من الزكاة بقدر الحاجة , إلا العامل عليها فيُعطى بقدر أجرته ؛ فيعطى الفقير والمسكين ما يكفيهما لمدة عام , ويعطى الغارم والمكاتب ما يقضيان به دينهما , ويعطى الغازي بقدر ما يحتاج إليه لغزوه ، ويعطى ابن السبيل بقدر ما يوصله إلى بلده , ويعطى المؤلف بقدر ما يحصل به التأليف , أما العامل عليها فيعطى بقدر أجرته حتى لوكان غنياً ؛لأن الذي يأخذه بسبب العمل فوجب أن يكون بمقداره . ولحديث ابْنِ السَّاعِدِىِّ الْمَالِكِىِّ أَنَّهُ قَالَ : اسْتَعْمَلَنِى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضى الله عنه عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْهَا وَأَدَّيْتُهَا إِلَيْهِ أَمَرَ لِي بِعُمَالَةٍ فَقُلْتُ : إِنَّمَا عَمِلْتُ لِلَّهِ وَأَجْرِى عَلَى اللَّهِ , فَقَالَ : خُذْ مَا أُعْطِيتَ فَإِنِّى عَمِلْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r فَعَمَّلَنِى فَقُلْتُ مِثْلَ قَوْلِكَ فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ r : (إِذَا أُعْطِيتَ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَسْأَلَ فَكُلْ وَتَصَدَّقْ). [رواه البخاري ومسلم واللفظ له]. فهذا يدل على أنها تدفع للعامل ولو كان غنياً .
-يجزئ دفع الزكاة إلى الخوارج والبغاة ؛ لما يروى عن ابن عمر وسلمة بن الأكوع رضي الله عنهما أنهما كانا إذا أتاهما سعاة نجدة الحروري الخارجي دفعا إليهم زكاة أموالهما . ذكره ابن قدامة في المغني .
- من أخذها من السلاطين قهراً أو اختياراً سواءً عدل فيها أو جار فإنها تجزئ عن صاحبها ؛ لحديث سُهَيِلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ : (أَنَّهُ أَتَى سَعْدَ بْنَ أَبِى وَقَّاصٍ فَقَالَ : إِنَّهُ قَدْ أُدْرِكَ لِى مَالٌ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَؤْدِّىَ زَكَاتَهُ وَأَنَا أَجِدُ لَهَا مَوْضِعًا وَهَؤُلاَءِ يَصْنَعُونَ فِيهَا مَا قَدْ رَأَيْتَ فَقَالَ : أَدِّهَا إِلَيْهِمْ قَالَ وَسَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ بمِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ : أَدِّهَا إِلَيْهِمْ قَالَ وَسَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ بمِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ : أَدِّهَا إِلَيْهِمْ) [رواه ابن أبي شيبة والبيهقي واللفظ له بإسناد صحيح] .

فصل في الذين لا يجزئ دفع الزكاة لهم.
تقدم في الفصل السابق بيان أهل الزكاة المستحقون لها , أما هذا الفصل ففيه بيانُ الأصناف الذين لا يُجزئ دفع الزكاة لهم , وهم على النحو التالي :
1- الكافر : فلا يجزئ دفع الزكاة له ؛ لقول النبي r في حديث معاذ رضي الله عنه (... فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ...) [رواه البخاري ومسلم] . فنص على أن الزكاة تُرَدُّ على فقراء المسلمين. إلا إذا أريد تأليفه كما سبق, فيعطي عند الحاجة إلى تأليفه .
2- الرقيق : وهو العبد ؛ لأن نفقته واجبة على سيده , فهو غني بغناه وما يُدفع إليه لا يملكه وإنما يملكه سيده فكأنه دُفع إلى سيده , إلا إذا كان مكاتباً فيجوز إعانته على أداء الكتابة كما تقدم .
3- الغني : وهو الذي عنده ما تحصل به الكفاية على الدوام من كسبٍ أو تجارةٍ أو عقارٍ أو نحو ذلك ؛ لحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنِ النَّبِىِّ r قَالَ : (لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِىٍّ وَلاَ لِذِى مِرَّةٍ سَوِيٍّ) [رواه أبوداود والترمذي وغيرهما بإسناد صحيح] . وذو مِرَّةٍ سَوِىٍّ معناه : قوي صحيح الأعضاء .
4- مَنْ تلزمه نفقته : كزوجته وأولاده وأولاد أولاده وإن سَفلوا , وكذا والديه وجديه , وإن عَلَوا, فهولاء لا يجوز دفع الزكاة لهم ؛ لأن نفقتهم واجبة عليه , وقد نقل ابن المنذر رحمه الله الإجماع على ذلك , ولأن دفع زكاته إليهم تغنيهم عن نفقته وتسقطها عنه , ويعود نفعها إليه , فكأنه دفعها إلى نفسه فلم تجز , كما لو قضى بها دينه .
أما سائر الأقارب ممن لا تلزمه نفقتهم , فيجوز دفع الزكاة لهم , قال ابن قدامة رحمه الله : « قال الإمام أحمد في رواية اسحق بن إبراهيم واسحق بن منصور , وقد سأله : يُعْطَي الأخ والأخت والخالة من الزكاة ؟ قال : يعطي كل القرابة إلا الأبوين ». أهـ [المغني 2/509] وذلك لقول النبي r : (إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى المِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ؛ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ) [رواه النسائي والترمذي بإسناد حسن] . فلم يشترط نافلة ولا فريضة , ولم يفرق بين الوارث وغيره .
4- الزوج : وفيه روايتان في المذهب: رواية بجواز أن تعطيه الزوجة زكاتها, ورواية بالمنع , وقدَّم صاحب الإنصاف رواية الجواز وقال : «هي المذهب» ؛ وذلك لأن الزوجة لا يجب عليها نفقته , فلا يُمنع دفع الزكاة إليه كالأجنبي , ولأن الأصل جواز الدفع ؛ لدخول الزوج في عموم الأصناف الذين تحل لهم الزكاة , وليس في المنع نص ولا إجماع , ويستأنس لذلك بما ثبت عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود أنها قالت : يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّكَ أَمَرْتَ الْيَوْمَ بِالصَّدَقَةِ وَكَانَ عِنْدِي حُلِيٌّ لِي فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَوَلَدَهُ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ فَقَالَ النَّبِيُّ r: (صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ) [رواه البخاري] .
5- بنو هاشم : وهم ذرية هاشم بن عبد مناف؛ لأنهم من آل محمد r ، وآل محمد أشرف الناس نسباً، ولذا لا يُعْطون من الزكاة إكراماً لهم؛ لقول النبي r لبعض بني هاشم : (إِنَّ الصَّدَقَةَ لاَ تَنْبَغِى لآلِ مُحَمَّدٍ. إِنَّمَا هِىَ أَوْسَاخُ النَّاسِ) [رواه مسلم] . إلا إذا كانوا غزاةً أو مؤلَّفون أو غارمون , فيعطون حينئذٍ من الزكاة ؛ للمصلحة العامة .
- فإن دفعها المزكِّي لغير من يستحقها ؛ كما لو دفعها إلى كافرٍ أو إلى هاشميٍّ وهو يجهل ذلك ثم علم , لم يجزئه ذلك عن الزكاة , وعليه أن يستردَّها بنمائها ؛ لأنه دفعها لمن لا يستحقها ولا يخفى حاله غالباً, فلا يعذر بجهالته . بخلاف ما لو دفعها لمن ظنه فقيراً , ثم تبين أنه غنيٌّ فحينئذٍ تجزئه ؛ لقول النبي r للرجلين اللذين سألاه الصدقة : (إِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا وَلاَ حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ ...) [رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح] . فاكتفى النبي r بالظاهر, ولأن الغِنَى يَخْفى .
- يسن له أن يُفرِّق الزكاة على أقاربه الذين لا تلزمه نفقتهم , وعلى ذوي أرحامه ؛ كعمته وخالته وبنت أخيه , وذلك على قدر حاجتهم ؛ للحديث السابق: (إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى المِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ؛ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ).
- هل يجوز دفع الزكاة لمن ضمَّه إلى عياله وتبرع بنفقته ؟
يقول ابن قدامة رحمه الله : « فان كان في عائلته من لا يجب عليه الإنفاق عليه ؛ كيتيم أجنبي فظاهر كلام أحمد أنه لا يجوز له دفع زكاته إليه ؛ لأنه ينتفع بدفعها إليه لإغنائه بها عن مؤنته , والصحيح إن شاء الله : جواز دفعها إليه ؛ لأنه داخل في أصناف المستحقين للزكاة ولم يرد في منعه نص ولا إجماع ولا قياس صحيح فلا يجوز إخراجه من عموم النص بغير دليل» . أهـ [المغني 2/509] .
تنبيهان :
1- لا يجوز صرف الزكاة لغير هذه الأصناف الثمانية , فلا يجوز صرفها في بناء المساجد، ولا في بناء المدارس، ولا في إصلاح الطرق، ولا في تكفين الموتى , ونحو ذلك ؛ لأن الله عز وجل فرضها لهؤلاء الأصناف فقال: )فَرِيضَةً مِنَ الله وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ(.
2- يجوز للمزكي أن يقتصر على صنفٍ واحدٍ من الأصناف الثمانية , ويجوز أن يعطيها شخصاً واحداً ؛ ويدل على ذلك حديث معاذٍ رضي الله عنه السابق (... تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ...) فأخبر أنه مأمور برد جملتها في الفقراء وهم صنف واحد ولم يذكر سواهم , ولحديث قبيصة السابق : (أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا) .

فصل في صدقة التطوع.
- تستحب صدقة التطوع في جميع الأوقات ؛ لأن الله تعالى أمر بها ورغّب فيها وحث عليها, فقال عز وجل: ) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً( [البقرة 245], وقال r: (مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ، وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ) [رواه البخاري ومسلم] . والفلو : الصغير من أولاد الفرس .
- صدقة السر أفضل من صدقة العلانية ؛ لقول الله تعالى : )إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ( [البقرة 271] , ولقول النبيr : (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ... وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ...) [رواه البخاري ومسلم] .
- صدقة التطوع في الأماكن الفاضلة والأزمان الشريفة أفضل منها في غيرها, كالحرمين الشريفين, والمسجد الأقصى, وشهر رمضان, وعشر ذي الحجة؛ وذلك لمضاعفة الحسنات في هذه الأماكن, وتلك الأزمان, ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ r حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ) . [رواه البخاري ومسلم] . وعن ابن عباس أيضاً عَنْ النَّبِيِّ r أنه قال مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ – يعني أيام عشر ذي الحجة - قَالُوا : وَلا الْجِهَادُ ؟ قَالَ: وَلا الْجِهَادُ ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ ) رواه البخاري .
- الصدقة على ذوي الأرحام أفضل من الصدقة على غيرهم ؛ لأنها صدقة وصلة ؛ قال r : ( إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى المِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ؛ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ) [رواه النسائي والترمذي بإسناد حسن] . ثمَّ على الجار أفضل من غيره ؛ لقوله تعالى )... وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ ...( [النساء 36] , ولقول النبي r : ( مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ ) [رواه البخاري ومسلم] .
- تستحب صدقة التطوع بالفاضل عن حاجته وحاجة من ينفق عليه من زوجة وولد ونحو ذلك ؛ لقول النبي r خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ) [رواه البخاري ومسلم] . أي : أفضل الصدقة ما كان زائداً على حاجتك وحاجة من تعوله وتنفق عليه .
فإن تصدق بما يُنْقص من حاجته أو حاجة من يعولهم , أو تصدق بما يلحقه أو يُلحق من يعولهم ضرراً أثم بذلك ؛ لقول النبي r: ( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ ) [رواه أبو داود بإسناد حسن] , ولقوله r: ( لاَ ضَرَر وَلاَ ضِرَارَ) [رواه مالك وأحمد وغيرهما وإسناده صحيح بمجموع طرقه] . فإن وافقه عياله على الإيثار فهو أفضل ؛ لقول الله تعالى ) وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ...( [الحشر 9].
- يكره لمن لا صبر له على الضيق أو لا عادة له به أن يُنْقص نفسه عن الكفاية التامة ؛ لأنه نوع إضرار به , ولقول النبي r لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : (... إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ ...) [رواه البخاري ومسلم] .
- يحرم المنُّ بالصدقة , بل هو من كبائر الذنوب , ويبطل به الثواب ؛ لقول الله عز وجل: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى ( [البقرة 264], ولقول النبي r: ( ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ، قَالَ فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّه ِr ثَلاَثَ مِرَارٍ, قَالَ أَبُو ذَرٍّ : خَابُوا وَخَسِرُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ) [رواه مسلم] .


كِتَابُ الصِّيَامِ

1- تعريفُ الصِّيامِ:
هو إمساكٌ بنيّةٍ عن أشياءَ مخصوصةٍ، في زمنٍ مخصوصٍ، مِنْ شخصٍ مخصوصٍ.
والمرادُ بالأشياءِ المخصوصةِ: مفسداتُه الآتي بيانُها. وبالزّمنِ المخصوصِ: مِنْ طلوعِ الفجرِ الثّانِي إلى غروبِ الشّمسِ. وبالشّخصِ المخصوصِ: المسلمُ العاقلُ غيرُ الحائضِ والنُّفَساءِ.
2- حكمُهُ:
صومُ شهرِ رمضانَ فرضٌ؛ لقول الله عز وجل: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ( [البقرة: 183]، وهو أحدُ أركانِ الإسلامِ، ومبانيهِ العظامِ؛ لحديثِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ » [متّفقٌ عليه، واللّفظ للبخاريّ]. وقد فُرضَ الصِّيامُ في السّنةِ الثانيةِ من الهجرةِ النبويّةِ.
3- متى يجبُ صومُ رمضانَ؟
يجبُ صومُ رمضانَ على جميعِ المسلمينَ والمسلماتِ برؤيةِ هلالِهِ؛ لقولِهِ تعالى: )فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ( [البقرة: 185]، وقولِه صلى الله عليه وسلم: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» [متفق عليه]. أوبكمالِ شعبانَ ثلاثينَ؛ قال شمسُ الدينِ ابنُ قدامة في (الشرح الكبير) (3/4): « كمالُ شعبانَ ثلاثينَ يوماً يجبُ به الصومُ؛ لأنّه يُتيقّنُ به دخولُ شهرِ رمضانَ؛ ولا نعلمُ فيه خلافاً ».
4- صومُ يومِ الشّكّ:
يجبُ الصومُ احتياطاً بنيّةِ رمضانَ على من حالَ دونهُم ودونَ مطلعِ الهلالِ غيمٌ أو قَتَرٌ-أي: غبارٌ- ليلةَ الثلاثينَ من شعبانَ؛ لحديثِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما مرفوعاً: «إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا؛ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» [متفق عليه]؛ يعني: ضيّقُوا له العِدّةَ؛ من قوله: ) وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ( [الطلاق: 7]؛ أي ضُيِّق عليه، وتضييقُ العدّةِ له أن يحسبَ شعبانُ تسعةً وعشرين يوماً.
قال نافعٌ: « فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا كَانَ شَعْبَانُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ نُظِرَ لَهُ؛ فَإِنْ رُئِيَ فَذَاكَ، وَإِنْ لَمْ يُرَ وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ وَلاَ قَتَرَةٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا؛ فَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرَةٌ أَصْبَحَ صَائِمًا ». وابنُ عمر هو راوي الحديثِ، وعملُه بهِ تفسيرٌ لهُ.
وعن الإمامِ أحمدَ روايةٌ أخرى: أنّه لا يجبُ الصومُ إذا حالَ دون رؤيةِ هلالِ رمضانَ غيمٌ أو قَتَرٌ؛ قال المرداويُّ في الإنصافِ (3 / 269-باختصار):
« وَعَنْهُ: لا يَجِبُ صَوْمُهُ قبل رُؤْيَةِ هِلالِهِ، أو إكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلاثِينَ.
وَرَدَّ صَاحِبُ (الْفُرُوعِ)-ابنُ مُفلح- جَمِيعَ ما احْتَجَّ بِهِ الأَصْحَابُ لِلْوُجُوبِ، وقال: لم أَجِدْ عن أَحْمَدَ قَوْلاً صَرِيحًا بِالْوُجُوبِ، وَلا أَمَرَ بِهِ؛ فَلا يَتَوَجَّهُ إضَافَتُهُ إلَيْهِ ».
ونقلَ قبلَ كلامِ ابنِ مفلحٍ قولَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ ابنِ تيمية: « هذا مَذْهَبُ أَحْمَدَ الْمَنْصُوصُ الصَّرِيحُ عنه. وقال: لا أَصْلَ لِلْوُجُوبِ في كَلامِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، وَلا في كَلامِ أَحَدٍ من الصّحابةِ».
- ما يترتّبُ على القولِ بوجوبِ صيامِهِ:
يترتّبُ على القولِ بوجوبِ صومِ يومِ الشّكِّ إذا حالَ دون رؤيةِ الهلالِ حائلٌ ما يلي:
1- يُجزئُ صيامُ هذا اليومِ إنْ ظَهَر أنّه منْ رمضانَ؛ بأن ثبتتْ رؤيةُ الهلالِ بموضعٍ آخرَ؛ لأنّ صيامَهُ وقعَ بِمُستنَدٍ شرعيٍّ.
2- تُصَلّى التراويحُ ليلتَهُ احتياطاً للقِيامِ؛ الّذي ورد الحثُّ عليه في قولِه صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» [متّفق عليه].
3- تثبتُ تبعاً لوجوبِ صومِهِ بقيّةُ توابعِ الصّومِ؛ كوجوبِ الكفّارة على من وطئَ امرأتَه فيهِ، ووجوبِ الإمساكِ على من لمْ يبيّتِ النيّةَ، أو قدمَ من سفرٍ، ونحوِ ذلكَ؛ إلاَّ أن يُّتحقّقَ أنّ اليومَ من شعبانَ.


4- لا تثبتُ بقيّةُ الأحكامِ الشهريّةِ؛ فلا يحلُّ دينٌ مؤجّلٌ بدخولِهِ، ولا يقعُ طلاقٌ وعتقٌ معلَّقين بهِ، ونحو ذلك؛ عملاً بالأصلِ الّذي خولفَ في رمضانَ احتياطاً للعبادةِ.


5- إثباتُ رؤيةِ الهلالِ:
تثبتُ رؤيةُ هلالِ رمضانَ بخبرِ مسلمٍ مُكلَّفٍ عَدْلٍ - ولو كان عبداً أو أنثى-؛ لحديثِ ابنِ عمرَ رضي اللهُ عنهما قال: « تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلاَلَ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ » [رواه أبو داود].
وتثبتُ بشهادةِ الواحدِ بقيّةُ الأحكامِ الشّهريّةِ؛ تبعاً للصِّيامِ.


ولا يقبلُ في بقيّةِ الشُّهورِ-كشوّالٍ وغيرِه- إلاَّ رجلانِ عَدْلانِ بلفظِ الشّهادةِ؛ لقولِهِ صلى الله عليه وسلم: « صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، وانْسِكُوا لها؛ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا ثَلاثِينَ؛ فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا » [رواه النّسائيّ]. ولما رُوي عن ابن عمرَ وابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما أنّهما قالا: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لا يُجِيزُ عَلَى شَهَادَةِ الإِفْطَارِ إِلاَّ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ » [رواه البيهقيُّ، وضعّفه]، وفارقَ هلالُ رمضانَ بقيّةَ الشّهورِ؛ لما فيه منَ الاحتياطِ للعبادةِ.

فصل في شُروطِ وجوبِ الصّومِ، وشُروطِ صحّتِه، وفرائضِهِ، وسننِهِ
أوّلاً: شروطُ وجوبِ الصومِ:
شُروطُ وجوبِ الصّومِ أربعةُ أشياءَ:
1- الإسلامُ: لأنّ الله تعالى كتبَه على المسلمين؛ بقوله عز وجل: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ( [البقرة: 183]؛ فلا يجبُ على كافرٍ بحالٍ، ولو أسلمَ في أثناءِ الشّهرِ لمْ يلزمْهُ قضاءُ الأيّامِ السّابقةِ لإسلامِهِ.
2- البلوغُ: لقولِ النّبيِّ صلى الله عليه وسلم : « رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ » [رواه الأربعةُ، واللّفظُ لأبي داود]؛ فلا يجبُ الصّومُ على منْ لمْ يبلغْ.
3- العقلُ: فلا يجبُ الصّومُ على مجنونٍ؛ لقولِه صلى الله عليه وسلم في الحديثِ السّابقِ: «وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ» .
4- القدرةُ على الصّيامِ: فلا يجبُ الصيامُ على من لا يقدرُ عليهِ؛ لقولِ اللهِ تعالى: ) لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ( [البقرة: 286].
ومنْ عجزَ عنِ الصِّيامِ لكِبَرٍ أو مرضٍ لا يُرجى زوالُه: أفطرَ وأطعمَ عنْ كلِّ يومٍ مسكيناً مُدَّ بُرٍّ أو نصفَ صاعٍ منْ غيرِ البُرِّ؛ لما رواهُ عطاء عن ابنِ عبّاسٍ رضي اللهُ عنهما - في قوله تعالى : ) وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ( [البقرة: 184]-: « لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ؛ هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا؛ فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا » [رواه البخاري]. وروى مجاهدٌ عنه أنّه قال في تفسير هذه الآيةِ : « هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي لا يَسْتَطِيعُ الصِّيَامَ؛ فَيُفْطِرُ وَيُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِيناً؛ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ »، وروى عكرمةُ عن ابنِ عبّاسٍ أيضاً قال : « إِذَا عَجَزَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ عَنِ الصِّيَامِ أَطْعَمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا مُدًّا » [رواهما الدارقطنيُّ، وصحّحهما]. والحنطةُ: القمحُ. والمدُّ: حفنةٌ بكفَّي الرّجلِ المعتدلِ الكفّينِ.
والمريضُ غيرُ المأيوسِ من بُرئِهِ إذا خافَ من صومِهِ ضرراً -كزيادةِ المرضِ أو طولِه-، أو كان صحيحاً فمرِضَ في يومِهِ، أو خافَ مرضاً لأجلِ عطشٍ أو غيرِه: سُنَّ له الفطرُ، وكُرهَ له الصومُ وإتمامُه؛ لقولِه تعالى: ) فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ( [البقرة: 184]؛ أي: فليُفطرْ، وليقضِ عددَ ما أفطرَ.
فإنْ صامَ المريضُ مع ما سبقَ: أجزأَهُ صومُه؛ لصدُورِه من أهلِه في محلِّهِ؛ كما لو أتمَّ المسافرُ.
ولا يفطرُ المريضُ الّذي لا يتضرّرُ بالصومِ؛ كمنْ بهِ جرَبٌ،أو وجعُ ضِرسٍ أو أصبعٍ، ونحوِه.
ثانياً: شروطُ صحّةِ الصّومِ:
شروطُ صحّةِ الصّومِ ستّةٌ:
1- الإسلامُ: فلا يصحُّ من كافرٍ؛ لأنّ منْ شرطِ قَبولِ العملِ الإسلامَ؛ قال الله تعالى: ) وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ ( [التوبة:54].
2- انقطاعُ دمِ الحيضِ: لأنّ الحائضَ يحرُمُ عليها الصّومُ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : «أَلَيْسَ إِحْدَاكُنَّ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تَصُمْ وَلَمْ تُصَلِّ؟ قُلْنَ: بَلَى» [متّفق عليه].
3- انقطاعُ دمِ النِّفاسِ: لأنّه يحرم بسبب النِّفاس جميعُ ما يحرُمُ بسببِ الحيضِ؛ كما تقدّمَ في بابِه.
4- التّمييزُ: فيجبُ على وليِّ المميّزِ المطيقِ للصّومِ أمرُه به لسبعِ سنينَ، وضربُه عليه لعشرٍ ليعتادَهُ؛ قياساً على الصّلاةِ.
5- العقلُ: لأنّ حقيقةَ الصّومِ الإمساكُ عن المفطّراتِ مع النيّةِ؛ لقولهِ سبحانه في الحديثِ القدسيّ: « يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي» [متّفق عليه، واللّفظ للبخاريّ]؛ فأضافَ تركَ المفطّراتِ إليه، والمجنونُ لا يُضافُ الإمساكُ إليهِ؛ فلمْ يجزِئه.
لكنْ لو نَوى العاقلُ ليلاً، ثمّ جُنَّ أو أُغميَ عليه جميعَ النَّهارِ، وأفاقَ منهُ جزءاً قليلاً: صحَّ صومُه؛ لوجودِ الإمساكِ فِي جُزءٍ من النّهارِ؛ كما لو نامَ بقيّةَ النّهارِ.
6- النِّيّةُ منَ اللّيلِ لكلِّ يومٍ في صومٍ واجبٍ :-سواءً كانَ واجباً بأصلِ الشّرعِ، أو أوجبَهُ الإنسانُ على نفسِهِ؛ كالنّذرِ-؛ لحديثِ حفصةَ رضي اللهُ عنها مرفوعاً: « مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلاَ صِيَامَ لَهُ » [رواه الأربعةُ].
* فروعٌ تتعلّق بالنيّة:
أ- مَنْ خطَرَ بقلبِهِ -من غيرِ تردُّدٍ- ليلاً أنّه يصومُ غداً، أو أكلَ وشربَ بنيّةِ الصومِ؛ فقد نَوى؛ لأنّ النّيّةَ محلُّها القلبُ.
ب- لا يَضرُّ إنْ أتّى بعدَ النيّةِ بمنافٍ للصّومِ -من أكلٍ وشربٍ وجماعٍ وغيرِها-؛ لأنّ اللهَ عز وجل أباحَ الأكلَ إلى آخرِ اللّيلِ؛ فلو بطلتِ النّيّةُ بهِ لفاتَ محلُّها.
ج- لا يضرُّ أيضاً إنْ قالَ: « غداً أصومُ إنْ شاءَ اللهُ » غيرَ متردِّدٍ؛ كما لا يفسدُ إيمانُه بقولِه: «أنا مؤمنٌ إنْ شاءَ اللهُ »؛ فإنْ قصدَ بالمشيئةِ الشَّكَّ أو التّردُّدَ في العزمِ والقصدِ: فسدتْ نيّتُه؛ لعدمِ الجزمِ بها.
د- لا يضرُّ لو قالَ ليلةَ الثّلاثينَ منْ رمضانَ: « إنْ كانَ غداً منْ رمضانَ فهو فَرْضي، وإلاَّ فأنا مفطرٌ »، وبانَ أنّه من رمضانَ، ويجزئُه؛ لأنّه بنى على أصلٍ لم يثبتْ زوالُه؛ وهو بقاءُ الشَّهرِ؛ فلا يضرُّ التردُّدُ في النيّةِ.
ويضرُّ إنْ قالَ ذلك في أوّلِ رمضانَ-ليلةَ الثّلاثينَ من شعبانَ-، ولا يجزئُه؛ لأنّه ليس هناك أصلٌ ينبني عليهِ.
ثالثاً: فرائضُ الصّومِ:
فرضُ الصِّيامِ – سواءً كان فرضاً أو نفلاً-: الإمساكُ عنْ جميعِ المفطِّراتِ منْ طلوعِ الفجرِ الثّانِي إلى غروبِ الشّمسِ؛ لقول الله عز وجل: ) وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ( [البقرة: 187]، وحديثِ عمر رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: « إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا، وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ » [متفق عليه].
رابعاً: سننُ الصّيامِ:
سننُ الصِّيامِ ستّةٌ:
1- تعجيلُ الفطرِ إذا تحقّقَ الغروبُ؛ لحديثِ سهلِ بنِ سعدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَـالَ: « لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ » [متّفق عليه].
ويباحُ له الفطرُ إذا غلبَ على ظنِّه غروبُ الشّمسِ؛ لحديثِ أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ الصدِّيقِ رضي الله عنها قالت: « أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ غَيْمٍ ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ » [رواه البخاري]. ويحرمُ فطرُه مع شكِّهِ في الغروبِ؛ فإن أفطرَ لزِمَه القضاءُ.
والفطرُ قبلَ صلاةِ المغربِ أفضلُ؛ لقولِ أنسٍ رضي الله عنه: « كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ قَبْلَ أَن يُّصَلِّيَ ...» [رواه أبو داود والتّرمذي].
2- تأخيرُ السُّحورِ ما لمْ يخشَ طلوعَ الفجرِ الثّانِي؛ لحديثِ زيدِ بنِ ثابتٍ رضي الله عنه قالَ: « قَالَ تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قُمْنَا إِلَى الصَّلاَةِ. قُلْتُ: كَمْ كَانَ قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: خَمْسِينَ آيَةً » [متفق عليه، واللفظ لمسلم].
والسُّحورُ سنّةٌ بإجماعٍ؛ قال الإمامُ ابنُ المنذرِ في (الإجماعِ) (ص/48): « وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ السُّحُورَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ ».
3- الزيادةُ فِي أعمالِ الخيرِ؛ كقراءةِ القرآنِ، والذّكرِ، والصّدقةِ، وغيرِها؛ لحديثِ ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما قال: « كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ؛ فَلَرَسُولُ الله r أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ » [متّفق عليه، واللّفظ للبخاري].
4- قولُه جهراً إذا شُتِمَ: « إنِّي صائمٌ »؛ لحديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه مرفوعاً، وفيه: «وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ وَلا يَصْخَبْ؛ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ» [متفق عليه].
5- قولُه عند فطرِهِ: « اللّهمَّ لكَ صمتُ، وعلى رزقِكَ أفطرتُ؛ سُبحانَكَ وبحمدِكَ؛ اللّهمَّ تقبّلْ منِّي إنّكَ أنتَ السّميعُ العليمُ »؛ لحديثِ ابنِ عباسٍ وأنسٍ رضي الله عنهم قالا: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَفْطَرَ ، قَالَ : بِسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ؛ تَقَبَّلْ مِنِّي؛ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » [رواه أبوداود مختصراً، وسكت عنه، ورواه بهذا التّمام: الطبرانيُّ في (الدُّعاء)، وضعّفه الهيثميُّ وغيره]. ويقولُ ما رواه ابنُ عمرَ رضي اللهُ عنهما قال: « كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللهُ » [رواهُ الدّارقطنيّ، وحسّن إسنادَه].
6- فطـرُهُ على رُطَبٍ؛ فإنْ لمْ يجِدْ فعلى تمرٍ؛ فإنْ لمْ يجدْ فعلى ماءٍ؛ لحـديثِ أنسٍ رضي الله عنه قال: « كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ قَبْلَ أَن يُّصَلِّيَ عَلَى رُطَبَاتٍ؛ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَعلى تَمَرَاتٍ؛ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَمَراتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِن مَّاءٍ » [رواه التّرمذي].

فصل في صيام أهل الأعذار
1) أقسام الناس في صيام رمضان :
ينقسم الناس في صيام رمضان إلى أقسام ثلاثة :
الأول : من يحرم عليه الفطر ويجب عليه الصوم .
وهو المسلم البالغ العاقل المقيم القادر عليه . فمن لم يكن له عذر يبيح الفطر ، يجب عليه الصوم ويحرم عليه الفطر ؛ لأن صوم رمضان فريضة واجبة ، لا تبرأ الذمة إلا بأدائه .
- فإن أفطر عامداً في نهار رمضان ، فيجب عليه ثلاثة أمور :
أ ) الإمساك بقية اليوم ؛ تعظيماً لشهر رمضان ومراعاة لحرمته ، ولأنه مأمور بالإمساك جميع النهار، فمخالفته في بعضه لا يبيح له المخالفة في الباقي .
ب) قضاء اليوم الذي أفطر فيه ؛ لحديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (... وَمَنْ اسْتَقَاءَ فَعَلَيهِ القَضَاءُ) [رواه الترمذي وابن ماجه، بإسناد صحيح] ، فبين أن من تعمد إبطال صومه فإن ذمته لا تبرأ إلا بصيام يوم مكانه قضاءً .
ج) التوبة والاستغفار ؛ لأنه بتعمده الفطر قد أتى بمنكر عظيم وارتكب كبيرة من الكبائر ، فيلزمه أن يتوب إلى الله تعالى توبة نصوحاً .
الثاني : من يجب عليه الفطر ويحرم عليه الصوم .
فهؤلاء يحرم عليهم الصوم ويجب عليهم الفطر ، وهم :
أ ) الحائض والنفساء : لحديث مُعاذة قالت : (سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: مَا بَالُ الحَائِضِ تَقْضِى الصَّوْمَ وَلاَ تَقْضِى الصَّلاَةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ قُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ وَلَكِنِّى أَسْأَلُ. قَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلاَ نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاَةِ) [رواه مسلم] .
ب) من يحتاج إلى الفطر لإنقاذ معصوم من مهلكة ؛ كإنقاذ الغريق أو المحاصر بالنيران : لأن هذه ضرورة أبيح معها فعل المحظور، ولأن الصوم يمكن تداركه بالقضاء ، بخلاف النفس المعصومة فلا يمكن تداركها إذا هلكت .
الثالث : من يُسنُّ أو يُباح له الفطر . وهم :
أ ) المسافر الذي يباح له قصر الصلاة : وذلك لقول الله تعالى : ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فعدَّة من أيَّام أُخَرَ﴾ [البقرة:184].
- والأفضل في حق المسافر الفطر ؛ لحديث جابر بن عبدالله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَيْسَ مِنَ البِرِّ أَنْ تَصُومُوا في السَّفَرِ) [رواه مسلم] ، فإن صام أجزأه لحديث حمزة بن عمرو الأسلمي أنه قال: (يَا رَسُولَ الله أَجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ في السَّفَرِ، فَهَلْ عَلَىَّ جُنَاحٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: هِيَ رُخْصَةٌ مِنَ الله فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ) [رواه مسلم].
ب) المريض : وهو الذي أصيب بعلة أو مرض يشق معه الصوم أو يؤدي إلى تأخر شفائه. فيباح له الفطر لقول الله تعالى : )فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فعدَّة من أيَّام أُخَرَ( [البقرة:184]. وقد سبق تفصيل أحوال المريض وما يترتب عليه من قضاء أو إطعام .
ج) الحامل والمرضع : يباح للحامل والمرضع الإفطار في نهار رمضان لأحد سببين:
- أن تخافا على نفسيهما : فيباح لهما الفطر وعليهما القضاء فقط من غير إطعام ؛ لأنهما بمنزلة المريض الذي يخاف على نفسه.
- أن تخافا على ولديهما : فيباح لهما الفطر ويجب عليهما القضاء؛ لأنهما يطيقان الصيام، وعلى وليِّ الولد أن يطعم عن كل يوم أفطرتاه مسكيناً ، ؛ لقول الله تعالى : )وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ( [البقرة: 184] ؛ قال ابن عباس : (... وَالحُبْلَى وَالمُرْضِعُ إِذَا خَافَتا – قال أبو داود: يعني عَلَى أَولادِهِما- أَفْطَرَتا وَأَطْعَمَتا) [رواه أبو داود، وإسناده صحيح].
2) أحكام زوال أعذار الصيام في نهار رمضان :
وكل من زال عذره المانع من الصيام في أثناء نهار رمضان وهو مفطر؛ كالكافر إذا أسلم، والحائض والنفساء إذا طهرتا ، والمريض إذا برئ من مرضه ، والمسافر إذا قدم من سفره إلى محل إقامته ، والمجنون إذا أفاق من جنونه ، فيلزمه أمران :
أ ) الإمساك بقية النهار ؛ مراعاة لحرمة الشهر ، وزوال السبب المبيح للفطر. ولأن الإمساك لو وجد قبل الفجر أوجب الصيام، فإذا طرأ بعد الفجر أوجب الإمساك، كما لو ثبت الشهر بالرؤية في أثناء النهار .
ب) القضاء ؛ فمن زال عذره قبل غروب الشمس عليه قضاء اليوم الذي زال عذره فيه ؛ لأنه أدرك بعض وقت العبادة فلزمه قضاؤها ، كالذي يدرك بعض وقت الصلاة .
- ومن أفطر لعذر في رمضان ، ليس له أن يصوم غيره فيه ؛ كصيام كفارة أو تطوع؛ لأن صيام رمضان عبادة وقتها لا يسع غير الفرض الذي فيه .

فصل في المفطِّرات
يفسد الصوم بإتيان شيء من مفطرات الصيام ، وهي :
1) خروج دم الحيض والنفاس :
يبطل صيام المرأة إذا خرج دم الحيض أو النفاس قبل الغروب ولو بلحظة بإجماع أهل العلم؛ والأصل في بطلان الصيام حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَم تُصَلِّ وَلَم تَصُمْ) [رواه البخاري ومسلم] ، وحديث معاذة لما سألت عائشة عن قضاء الحائض الصوم دون الصلاة ، فقالت : (كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلاَ نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاَةِ) [رواه مسلم].
2) المـوت :
وهو مفسد للصوم ؛ لأن الموت يقطع عمل الإنسان ويسقط التكليف ؛ وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاثٍ) [رواه الترمذي والنسائي ، بإسناد صحيح]
3) الـرِّدَّة :
وهي الرجوع عن الإسلام إلى الكفر باختياره، فمن ارتد عن دين الله وكان صائماً ، فسد صيامه؛ لأن الكفر يحبط الأعمال كلها؛ قال تعالى: )لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ( [الزمر:65]، وقال سبحانه : )وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجمَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً( [الفرقان:23].
4) العزم على الفطر والتردد فيه :
إذا نوى الصائم الإفطار في أثناء النهار فقد فسد صومه؛ لأن الصوم عبادة تشترط لها النية في جميع أجزائها ، فإذا فسدت النية فسدت معها العبادة .
ويفسد الصوم أيضاً إذا تردد في نية الصوم؛ لأنه لا بد من الجزم بالنية بأن يكون عازماً على الصوم.
5) القيء عمداً :
يفطر الصائم إذا تعمد القيء قليلاً كان أو كثيراً ، ويستوي في ذلك تعمده القيء بوضع أصبعه في حلقه أو شم رائحة تثيره ؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (... وَمَنِ اسْتَقَاءَ عَمْداً فَلْيَقْضِ) [رواه الترمذي وابن ماجه ، بإسناد صحيح].
6) الاحتقان من الدُّبر :
يفسد الصوم إذا استعمل الصائم حقنة يحقن بها الدواء من الدبر – وهو ما يسمى بالحقن الشرجية -؛ لأن الدبر طريق موصل إلى الجوف، والمدخل غير المعتاد للجوف كالمدخل المعتاد في حكم الواصل إليه .
7) بلع النخامة إذا وصلت إلى الفم :
النخامة: ما يلقيه الرجل من الصدر ، وهو البلغم اللزج ، وتسمى النخاعة .
فإذا خرجت النخامة من الصدر ووصلت إلى الفم فبلعها الصائم متعمداً فقد أفسد صومه ؛ لأنه لا يشق التحرز منها ، وهي تختلف عن الريق والبصاق؛ لأن مصدره الفم بخلاف النخامة.
8) الحجامة :
- وهي امتصاص الدم بالمحجم – وهي القارورة التي يجمع فيها دم الحجامة - .
- والحجامة يفطر بها الحاجم والمحجوم ؛ لحديث شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ) [رواه أبو داود وابن ماجه ، بإسناد صحيح].
9) إنزال المني بتكرار النظر إلى ما يثير الشهوة :
- فيفسد الصوم بذلك ؛ لأنه إنزال بسبب التلذذ الذي يمكن التحرز منه .
- فإن أنزل من نظرة واحدة أو بالتفكير أو الاحتلام ، لم يفسد الصوم ؛ لأن ذلك لا يمكن التحرز منه .
- ولا يفسد الصوم بخروج المذي أيضاً ولو كان بسبب تكرار النظر ؛ لأنه ليس فيه نص يدل على الفطر به ، وهو يختلف في طبيعته وأحكامه عن المني ، فيبقى على الأصل .
10) خروج المني بشهوة:
يفسد الصائم صومه إذا خرج منه المني بشهوة بسبب تقبيل أو لمس أو استمناء أو مباشرة دون الفرج؛ لأنه إنزال عن مباشرة ، فأشبه الجماع، وقد أومأت عائشة رضي الله عنها إلى هذا المعنى فقالت : (كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَلَكِنَّهُ أَمْلَكُكُمْ لإِرْبِهِ) [رواه البخاري ومسلم].
11) الأكل والشرب :
من أكل أو شرب في نهار رمضان متعمداً فقد أبطل صومه بالإجماع، لقول الله تعالى : )وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ( [البقرة:187]، وفي الحديث عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (... يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلي) [رواه مسلم وأحمد].
12) كل ما وصل إلى الجوف أو الحلق أو الدِّماغ :
فكل ما يدخله الصائم إلى جوفه ويصل إلى معدته باختياره وكان مما يمكنه التحرز منه ، فإنه يبطل الصوم؛ كالقطرة في الأنف والأذن والعين، أو الكحل في العين ، أو الدواء الذي يصل إلى الدماغ كما في الجروح العميقة للرأس ، أو مضغ العلكة (اللبان) ، أو ذاق طعاماً ، أو بلع ريقه بعد أو وصل إلى بين شفتيه . فكل ذلك يفطر به إذا علم أنه يصل إلى جوفه أو وجد طعمه في حلقه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة : (وَبَالِغْ في الاسْتِنْشَاقِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صَائِماً) [رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح]. فدل على أن المبالغة في الاستنشاق مظنة دخول الماء إلى الجوف فيفسد به الصيام .
- وكل ما سبق من المفطرات إذا فعله الصائم ناسياً أو مكرهاً ؛ فإنه لا يفسد صومه ؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ ، فَإِنَّما أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ) [رواه البخاري ومسلم] . فنص على الأكل والشرب ، ويقاس عليهما بقية المفطرات.
وأما عدم الفطر بالإكراه على تناول المفطرات ، فقياساً على من ذرعه القيء وغلبه ؛ قال عليه الصلاة والسلام : (مَنْ ذَرَعَهُ القَيْءُ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيهِ قَضَاءٌ ...) [رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه].
- لا يفسد الصوم بدخول الغبار أو الذباب ونحوهما إلى الحلق بغير قصد ، وكذا إذا الصائم جمع ريقه فبلعه ؛ لأن هذه الأمور مما يشق التحرز منها ، والله تعالى لا يكلف نفساً إلى وسعها.
13) الجِــمَاع :
والجماع المفسد للصوم ما يكون بالتقاء الختانين وتغيب الحشفة في أحد السبيلين ، سواء أنزل أم لم ينزل، فإذا جامع الصائم في نهار رمضان فسد صومه ، وترتب عليه القضاء والكفارة. وسيأتي مزيد بيان لأحكامه في الفصل الآتي .
فصل في كفارة الجماع في رمضان
1) حكم الرجل المجامع في نهار رمضان :
مَنْ جامع في نهار رمضان في قُبُلٍ أو في دُبُرٍ , وهو في حالةٍ يلزمه فيها الإمساك؛ بأن لا يكون مسافراً ولا مريضاً , لزمه القضاء والكفارة , سواءً كان عامداً أم ناسياً , مختاراً أم مكرهاً , وسواءً كان من جامعه أدمياً - ولو ميتاً - أم غيره؛ كبهيمة وطير ونحو ذلك؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ قَالَ : مَا لَكَ ؟ قَالَ : وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لا قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لا, فَقَالَ: فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لا, قَالَ: فَمَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ- وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ- قَالَ : أَيْنَ السَّائِلُ؟ فَقَالَ: أَنَا, قَالَ: خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ, فَقَالَ الرَّجُلُ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا - يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ - أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي. فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ: أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ) [رواه البخاري ومسلم] .
وأما وجوب القضاء ؛ فلقول النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل الذي جامع أهله - كما جاء في بعض روايات هذا الحديث (... وَصُمْ يَوْمًا وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ) [رواه أبو داود وإسناده صحيح بمجموع طرقه] .
وأما كون الساهي كالعامد والمكره كالمختار ؛ فلأنه صلى الله عليه وسلم أمر هذا الأعرابي بالكفارة ولم يستفصله : أهو ناسي أم ذاكر؟ أهو مكره أم لا؟ أهو جاهل أم عالم؟ ولو افترق الحال لسأله واستفصله ؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز, وأيضاً فإن الصوم عبادة يحرم الوطء فيها فاستوى فيه العمد وغير العمد كالجماع في الحج .
2) حكم المرأة التي جامعها زوجها في نهار رمضان :
أما الزوجة التي جامعها زوجها في نهار رمضان : فإن طاوعته على الجماع ولم تكن ناسيةً أنها في نهار رمضان, أو جاهلةً بحكم الجماع في نهار رمضان , فعليها كذلك القضاء والكفارة؛ لأنها هتكت صوم رمضان بالجماع, فوجب عليها القضاء والكفارة كالرجل .
أما إذا كانت المرأة مكرهةً أو ناسيةً أو جاهلةً فعليها القضاء فقط دون الكفارة ؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) [رواه ابن ماجة بإسناد صحيح].
3) كفارة الجماع في نهار رمضان :
والكفارة هي: عتق رقبة مؤمنة , فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين , فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً , فإن لم يجد سقطت عنه الكفارة , ووجب عليه القضاء فقط؛ والدليل على ذلك حديث الأعرابي السابق, بخلاف سائر الكفارات الأخرى؛ ككفارة الظِّهار واليمين، وكفارات الحج؛ فإنها لا تسقط بالعجز عنها, وإنما تبقى في الذمة .
- الكفارة لا تكون في شيء من المُفَطِّرات في رمضان إلا في الجماع سواءً أنزل أم لم ينزل, والمساحقة – وهي التي تكون بين امرأتين – في حال الإنزال ؛ قياساً على الجماع , وما عدا ذلك من المُفطِّرات ففيه القضاء فقط على التفصيل الذي سبق .
- الكفارة على الترتيب كما جاء في الحديث ، فإذا قدر على العتق فلا يجوز له الصيام، وإذا عجز عن العتق وقدر على الصيام فلا يجوز له الإطعام .


فصل في قضاء ما فات من رمضان
1) حكم قضاء رمضان :
من فاته صيام رمضان كله أو بعضه لعذر أو لغير عذر, وجب عليه قضاء هذه الأيام الفائتة ؛ لقول الله عز وجل: )وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ( [البقرة 185].
2) كيفية قضاء صيام رمضان :
يستحب له أن يقضي ما فاته من رمضان متتابعاً على الفور – أي بعد انتهاء رمضان وزوال العذر–؛ لأنه أحوط وأسرع في إبراء الذمة, ويجوز له أن يقضيه مُفَرَّقاً؛ لأن قول الله عز وجل: )فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ (جاء مطلقاً غير مقيد بالتتابع, وأيضاً لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قضاء رمضان : (صُمْهُ كَيفَ شِئْتَ) [رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح] .
- إلا إذا لم يبق من أيام شعبان إلا ما يتسع للقضاء فقط فحينئذٍ يجب عليه القضاء متتابعاً؛ وذلك لضيق الوقت. ولحديث عائشةَ رضى الله عنها قالت : (كَانَ يَكُونُ عَلَىَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلاَّ فِى شَعْبَانَ) [رواه البخاري ومسلم] .
3) تأخير قضاء صيام رمضان :
إن أخَّر القضاء لغير عذر حتى دخل عليه رمضان آخر, فعليه القضاء وإطعام مسكينٍ عن كل يوم؛ لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (مَنْ فَرَّطَ فِي صِيامِ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى يُدْرِكَهُ رَمَضَانٌ آخَرُ، فَلْيَصُمْ هَذَا الَّذِي أَدْرَكَهُ، ثُمَّ لْيَصُمْ مَا فَاتَهُ وَيُطْعِمْ مَعَ كُلِّ يَومٍ مِسْكِينًا) [رواه الدارقطني وإسناده صحيح كما قال النووي في المجموع] .
- فإن مات دون أن يقضي ما عليه , فالواجب حينئذٍ أن يُطْعم عنه لكل يوم مسكين؛ لحديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ مَاتَ وَعَلَيهِ صِيامُ شَهْرٍ فَلْيُطْعِمْ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكينًا) [رواه الترمذي وقال : الصحيح أنه موقوف على ابن عمر] . ولا يُصام عنه ؛ لأن الصوم الواجب بأصل الشرع لا يُقْضَى عنه ؛ لأنه لا تدخله النيابة في الحياة فكذا بعد الموت كالصلاة .
- أما إن كان التأخير لعذرٍ كمرض أو سفر ونحو ذلك، فلا يجب عليه الإطعام؛ لعدم الدليل على وجوبه, وإنما يجب عليه القضاء بعد زوال العذر. فان مات قبل زوال العذر فلا شيء عليه؛ لأنه حق لله تعالى وجب بالشرع, وقد مات مَنْ وجب عليه قبل أن يتمكن من فعله، فيسقط إلى غير بدل؛ كالحج .
4) تقديم القضاء على صيام التطوع :
لا يصح صوم التطوع قبل أن يقضي ما عليه من رمضان؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (... وَمَنْ صَامَ تَطَوُّعاً وَعَلَيهِ مِنْ رَمَضَانَ شَيءٌ لَمْ يَقْضِهِ فَإِنَّهُ لا يُتَقَبَّلْ مِنهُ حَتَّى يَصُومَهُ ) [رواه أحمد بإسناد ضعيف] . وقياسًا على الحجِّ في عدم جواز أن يحجَّ عن غيره أو يحج تطوُّعًا قبل حجِّ الفريضة .
5) تغيير نية الصوم من الواجب إلى النفل :
إذا نوي صوماً واجباً أو قضاءً ثم قلبه نفلاً صح ذلك ؛ كما في الصلاة .

في صيام التطوع
1) أفضل صيام التطوع :
يُسنُّ صوم التطوع , وأفضله أن يصوم يوماً ويفطر يوماً؛ لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال لي رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا...) [رواه البخاري ومسلم] .
2) ما يستحب صيامه من الأيام :
أ - يستحب صوم ثلاثة أيام من كل شهر, ويستحب أن تكون أيام البيض؛ وهي يوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر قمري؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِثَلاثٍ: صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ) [رواه البخاري ومسلم] . ولحديث أبي ذر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يَا أَبَا ذَرٍّ ! إِذَا صُمْتَ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فَصُمْ ثَلاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ) [رواه الترمذي والنسائي بإسناد حسن].
وسميت هذه الأيام بيضاء ؛ لأنها تبيضُّ ليلاً بالقمر , ونهارًا بالشَّمس .
ب - يستحب صوم يوم الاثنين والخميس؛ لحديث أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: (إِنَّ نَبِىَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، وَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : إِنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ تُعْرَضُ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ) [رواه أبو داود بإسناد صحيح] .
ج - يستحب صوم ستة أيام من شوال؛ لحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) [رواه مسلم] .
د - يستحب صوم شهر الله المُحرَّم؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاَةُ اللَّيْلِ) [رواه مسلم] .
هـ - ويتأكد استحباب صوم يوم عاشوراء – وهو يوم العاشر من محرَّم -؛ لأنه يُكفِّرُ سنة كاملة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ) [رواه الترمذي وابن ماجة بإسناد صحيح] .
و - يستحب صوم التسعة أيام الأولى من ذي الحجة؛ لحديث هُنَيدَة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم قالت: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ تِسْعَ ذِى الْحِجَّةِ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ...) [رواه أبو داود بإسناد صحيح].
ز - ويتأكد استحباب صوم يوم عرفة – وهو يوم التاسع من ذي الحجة – ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِى بَعْدَهُ) [رواه مسلم] . إلا في حق الحاج فيستحب له الفطر يوم عرفة ؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم .
3) ما يكره صيامه من الأيام :
أ - يكره إفراد شهر رجب بالصوم؛ لأن أهل الجاهلية كانوا يُعظِّمونه, وقد ثبت عن عمر رضي الله عنه (أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ أَكُفَّ الرِّجَالِ فِي صَوْمِ رَجَبٍ حَتَّى يَضَعُونَهَا فِي الطَّعَامِ وَيَقُولُ: رَجَبٌ وَمَا رَجَبٌ، إِنَّمَا رَجَبٌ شَهْرٌ كَانَ يُعَظِّمُهُ أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلامُ تُرِكَ) [رواه الطبراني في الأوسط وابن أبي شيبة وإسناده صحيح] .
- فإن أفطر فيه يوماً أو عدة أيام زالت الكراهة, قال ابن قدامة رحمه الله : «قال أحمد: وإن صامه رجل أفطر فيه يوماً أو أياماً بقدر ما لا يصومه كله» [المغني (3/105)] .
ب - يكره صيام يوم الجمعة منفرداً ؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول : (لا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلاَّ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ) [رواه البخاري ومسلم] .
ج - وكذلك يكره صيام يوم السبت منفرداً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلاَّ فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ ...) [رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح] . ولأنه يوم تُعظِّمه اليهود ففي إفراده تشبه بهم.
- فإن صام معه غيره لم يُكْره؛ لحديث جُوَيرِيَة بنت الحارث رضي الله عنها – أم المؤمنين – (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَقَالَ: أَصُمْتِ أَمْسِ؟ قَالَتْ: لا. قَالَ: تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا؟ قَالَتْ: لا. قَالَ: فَأَفْطِرِي) [رواه البخاري] .
- وكذلك إذا وافق يوم السبت يوماً اعتاد على صيامه كيوم عرفة ويوم عاشوراء فلا كراهة حينئذٍ ؛ لأن العادة لها تأثير في ذلك .
د - يكره صوم يوم الشك (وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا لم يكن في السماء غيم, أو غبار ولم يتراءى الناس الهلال)؛ لقول عمار رضي الله عنه : (مَنْ صَامَ اليَومَ الِّذِي يَشُكُّ بِهِ النَّاسُ فَقَدْ عَصَى أَبَا القَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ) [رواه الترمذي والنسائي بإسناد صحيح] .
إلا إذا وافق هذا اليوم يوماً تعوَّد الشخص صيامه؛ كيوم الاثنين أو الخميس ونحو ذلك، فلا كراهة حينئذٍ ؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (لا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ، فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ) [رواه البخاري ومسلم] .
4) ما يحرم صيامه من الأيام :
أ - يحرم صوم يوم العيدين؛ لحديث أبى هريرة رضى الله عنه (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الأَضْحَى وَيَوْمِ الْفِطْرِ) [رواه البخاري ومسلم واللفظ له].
ب - يحرم صوم أيام التشريق (وهي يوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة) ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ) [رواه مسلم] .
* تنبيـه :
- إذا صام الإنسان يوماً تطوعاً لم يجب عليه إتمامه ؛ لحديث عائشة رضي الله عنه قالت: (قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ : يَا عَائِشَةُ هَلْ عِنْدَكُمْ شَىْءٌ ؟ قَالَتْ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَنَا شَىْءٌ. قَالَ : فَإِنِّى صَائِمٌ , قَالَتْ : فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَأُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ - أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ (أي زائرون) - قَالَتْ : فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ - أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ - وَقَدْ خَبَأْتُ لَكَ شَيْئًا. قَالَ « مَا هُوَ ». قُلْتُ حَيْسٌ قَالَ : هَاتِيهِ , فَجِئْتُ بِهِ فَأَكَلَ، ثُمَّ قَالَ : قَدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا) [رواه مسلم] .
والحيس : هو الخليط من التمر والسمن والأقط .
- أما إذا صام صوماً واجباً ؛ كقضاء رمضان أو صيام كفارة , أو نذر ونحو ذلك فيجب عليه أن يُتمَّه , ولا يجوز له أن يخرج منه بغير عذر ؛ لأنه واجب في ذمته , وقد تعين بدخوله فيه , فوجب عليه أن يتمه حتى تبرأ ذمته , ويخرج من عهدته . إلا إذا قلبه تطوعاً فحينئذٍ يثبت له حكم التطوع .

كتـاب الاعتكـاف
1) تعريفُ الاعْتِكافِ:
هو: لزومُ المسجدِ لطاعةِ اللهِ عز وجل على صفةٍ مخصوصةٍ منْ مسلمٍ عاقلٍ، طاهرٍ ممّا يوجبُ غُسلاً.
2) حُكمِ الاعتكافِ:
الاعتكافُ مستحبٌّ في كلِّ وقتٍ، وهو في رمضانَ آكدُ؛ خصوصاً في العشرِ الأواخرِ؛ لحديثِ عائشةِ رضي اللهُ عنها: « أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ » [متفق عليه].
ويجبُ الاعتكافُ بالنَّذْرِ؛ لحديثِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما: « أَنَّ عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي نَذَرْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ. قَالَ: أَوْفِ بِنَذْرِكَ » [رواه البخاريّ].
قال الإمامُ ابنُ المنذرِ في (الإجماع) (ص/49): « وَأَجمعُوا على أنّ الاعتكافَ لا يجبُ على النّاسِ فرضاً إلّا أن يُّوجبَه المرءُ على نفسِهِ؛ فيجبُ عليهِ ».
3) شروطُ صحّةِ الاعتكافِ:
شروطُ صحّتِهِ سبعةُ أشياءَ:
1- النيّةُ.
2- الإِسلامُ.
3- العقلُ.
4- التّمييزُ.
كما هو الشّأنُ في سائرِ العباداتِ؛ فلا يصحُّ من كافرٍ، ولا مجنونٍ، ولا طفلٍ؛ لعدمِ النيّةِ المعتبرةِ شرعاً.
5- عدمُ ما يوجبُ الغسلَ: لقولِه صلى الله عليه وسلم : « لا أُحِلُّ الَمسْجِدَ لِجُنُبٍ، وَلا حَائِضٍ » [رواه أبو داود، وصحّحه ابن خزيمة، وضعّفه جماعةٌ]. فلا يصحُّ من جنبٍ ولو متوضّئاً.
6- كونُ الاعتكافِ بمسجدٍ: لقولِه عز وجل: ﴿ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ ﴾ [البقرة: 187]. فلا يصحُّ بغيرِ مسجدٍ؛ باتّفاقِ العلماءِ.
7- أن يَّكونَ المسجدُ ممّا تقامُ فيهِ الجماعةُ؛ في حقِّ منْ تلزمُه الجماعةُ؛ لئلّا يتركَ الجماعةَ، وهي واجبةٌ عليهِ، أو يتكرّرُ منه الخروجُ المنافِي للاعتكافِ، وهو يمكنه التّحرُّزُ منه.
* ما يدخلُ فيِ المسجدِ:
1- يدخلُ فيِ المسجدِ ما زِيدَ فيهِ؛ حتّى في الثّوابِ؛ كالمسجدِ الحرامِ، ومسجدِ المدينةِ أيضاً لعمومِ الحديثِ: « صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا المَسْجِدَ الحَرَامَ » [متّفق عليه].
2- سَطْحُهُ؛ لعمومِ الآيةِ: ﴿ فِي المَسَاجِدِ ﴾.
3- رَحْبَتُهُ المَحُوطَةُ؛ لأنّها معَهُ، وهي تابعةٌ لهُ.
4- منارتُهُ الّتِي هيَ أو بابُها في المسجِدِ؛ لأنّها في حكمِهِ، وهي تابعةٌ لهُ.
* نذرُ الاعتكافِ في مسجدٍ معيّنٍ:
منْ نذَرَ الاعتكافَ بمسجدٍ معيّنٍ غيرِ المساجدِ الثّلاثةِ (المسجد الحرام، والنّبويّ، والأقصى): لم يتعيّنْ، ويخيّرُ بين الاعتكافِ بهِ أو بغيرِهِ؛ لأنّ اللهَ تعالى لمْ يعيّنْ لعبادتِهِ مكاناً؛ فلمْ يتعيّنْ بالنّذرِ؛ كمنْ نذَرَ صلاةً بغيرِ المساجدِ الثلاثةِ.
ومن نذر اعتكافاً في أحدِ المساجدِ الثّلاثةِ لم يجزِئْهُ في غيرِهِ إلّا أن يّكونَ أفضلَ منهُ؛ فمن نذرَ فِي المسجدِ الحرامِ لمْ يجزِئْهُ غيرُهُ، ومنْ نذَرَ في مسجدِ المدينةِ أجزأَهُ فيهِ وفيِ المسجدِ الحرامِ ومنْ نذَرَ فيِ الأقصى أجزأَهُ في الثلاثةِ؛ لحديث جابر رضي الله عنه : « أَنَّ رَجُلاً قَامَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي نَذَرْتُ لِله إِنْ فَتَحَ اللهُ عَلَيْكَ مَكَّةَ أَنْ أُصَلّيََ فِى بَيْتِ المَقْدِسِ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ : صَلِّ هَا هُنَا. ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ؛ فَقَالَ: صَلِّ هَا هُنَا. ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ؛ فَقَالَ: شَأْنَكَ إِذًا » [رواه أبو داود].
4) مبطلاتُ الاعتكافِ:
أ- الخروجُ منَ المسجدِ لغيرِ عُذْرٍ؛ لحديثِ عائشة رضي الله عنها قالت: « كَانَ -تعني: النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لاَ يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلاَّ لِحَاجَةِ إِذَا كَانَ مُعْتَكِفًا » [متّفق عليه]. وقولِها: « السُّنَّةُ عَلَى المُعْتَكِفِ أَنْ لاَ يَعُودَ مَرِيضًا، وَلاَ يَشْهَدَ جَنَازَةً، وَلاَ يَمَسَّ امْرَأَةً وَلاَ يُبَاشِرَهَا، وَلاَ يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ إِلاَّ لِمَا لاَ بُدَّ مِنْهُ » [رواه أبو داود]. وإذا خرَجَ ناسياً لم يبطُلْ.
ب- نيّةُ الخروجِ من المسجدِ، ولَوْ لمْ يخرُجْ؛ لقولِه صلى الله عليه وسلم: « إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ » [متّفق عليه].
ج- الوطءُ فِي الفرجِ ولو ناسياً؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾ [البقرة: 187]. وإذا حرُمَ الوطءُ في عبادةٍ أفسدَها؛ كالصّومِ والحجِّ.
د- الإنزالُ بالمباشرةِ دونَ الفَرْجِ؛ لعمومِ الآيةِ السّابقةِ.
هـ- الرِّدَّةُ؛ لقولِه تعالى: ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ﴾ [الزمر:65].
و- السُّكْرُ؛ لخروجِ السَّكرانِ عن كونِهِ منْ أهلِ العبادةِ.
* حكمُ الاعتكافِ إذا فسَد:
إذا بطلَ الاعتكافُ بخُروجٍ ونحوِهِ؛ فلا يخلُو من أن يكونَ تطوّعاً أو نذراً:
فإنْ كانَ الاعتكافُ تطوّعاً: خُيّرَ بين الرجوعِ وعدمِهِ؛ لعدمِ وجوبِ الاعتكافِ بالشُّروعِ فيهِ.
وإن كانَ الاعتكافُ نذراً؛ فلا يخلُو من أحدِ ثلاثةِ أحوالٍ:
الأوّلُ: أن يكونَ النّذرُ غيرَ متتابعٍ ولا مقيّدٍ بزمنٍ؛ كنذرِ عشرةِ أيّامٍ مع الإطلاقِ؛ فهذا لا يلزمُهُ قضاءٌ إلاّ اليوم الّذي أفسده، ويُتمُّ ما بقيَ عليهِ من الأيّامِ؛ محتسباً بما مضى، ولا كفّارةَ عليهِ؛ لأنّه أتى بالمنذورِ على وجهِهِ.
الثّاني: أن يكونَ النّذرُ متتابعًا غيرَ مقيّدٍ بزمنٍ؛ كأن يّقولَ: « لله عليّ أن أعتكفَ عشرةَ أيّامٍ متتابعةٍ»
-فاعتكفَ بعضَها، ثمّ خرج مثلاً-؛ فيخيّرُ بين البناءِ على ما مضى؛ بأن يقضيَ ما بقِيَ من الأيامِ فقط، وعليهِ كفارةُ يمينٍ؛ جبراً لفواتِ التّتابعِ، أو استئنافِ الاعتكافِ من جديد، ولا كفارةَ عليهِ؛ لأنّه أمكنَهُ الإتيانُ بالمنذورِ على وجهِهِ؛ فلمْ يلزمْهُ شيءٌ.
الثّالثُ: أن يكونَ النّذرُ مقيّداً بزمنٍ معيّنٍ-كالعشرِ الأواخرِ من رمضانَ-؛ فعليهِ قضاءُ ما تركَ بعد رمضانَ؛ ليأتيَ بالواجبِ، وعليه كفارةُ يمينٍ؛ لتركِهِ فعلَ المنذورَ في وقتِهِ.
5) ما يُباحُ للمعتكفِ ، ولا يُبطِلُ الاعتكافَ:
أ- الخروجُ من المسجد لبولٍ، أو غائطٍ، أو طهارةٍ واجبةٍ، أو لإزالةِ نجاسةٍ، أو لجمعةٍ تلزمُهُ، ولا قضاءَ لزمنِ خروجِهِ، ولا كفارةَ عليهِ.
ب- الخروجُ للإتيانِ بمأكلٍ أو مشربٍ؛ لعدمِ من يأتيهِ بهِ؛ لأنّ ذلك لا بُدَّ له منهُ؛ فيدخلُ في عمومِ الحديثِ السّابقِ: « كَانَ لاَ يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلاَّ لِحَاجَةِ إِذَا كَانَ مُعْتَكِفًا ».
ج- يجوزُ للمعتكفِ أن يّسألَ عنِ المريضِ وغيرِهِ فِي طريقِهِ؛ دونَ أن يّقفَ؛ لقولِ عائشةَ رضي اللهُ عنها: « إِنْ كُنْتُ لأَدْخُلُ الْبَيْتَ لِلْحَاجَةِ وَالمَرِيضُ فِيهِ فَمَا أَسْأَلُ عَنْهُ إِلاَّ وَأَنَا مَارَّةٌ » [متّفق عليه].
د- يجوزُ للمعتكفِ إذا خرجَ لعذرٍ أن يّمشيَ على عادتِهِ منْ غيرِ عجلةٍ؛ لأنّ ذلكَ يشقُّ عليهِ.
6) الاعتكافُ مدّةَ اللُّبثِ في المسجدِ:
يستحبُّ لمن قصدَ المسجدَ

كتـاب الحــج
1) تعريف الحج
الحَجُّ : - بفتح الحاء وكسرها والفتح أشهر - لغة : القَصْد .
وشرعاً: قصد مكة للنسك في زمن مخصوص .
2) حكم الحج :
الحج أحد أركان الإسلام الخمسة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم بُنِىَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْت ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ ) [رواه البخاري ومسلم واللفظ له] .
والحج واجب مع العمرة مرةً واحدةً في العُمُر على كل مسلم ومسلمة إذا توفرت شروط وجوبهما ؛ لقول الله تعالى : ﴿وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ...﴾ [البقرة : 97] ، ولحديث أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ الله عَلَيْكُمُ الحَجَّ فَحُجُّوا . فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ الله؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلاَثًا . فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ...) [رواه مسلم] . ولحديث ابن عبَّاس عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قَدْ دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِى الحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) [رواه أبو داود والترمذي واللفظ له] .
3) شروط وجوب الحج :
يشترط لوجوب الحج خمسة شروط :
1- الإسلام : فالكافر لا يجب عليه الحج ؛ لأنه ليس من أهل العبادات , ولأنه ممنوع من دخول الحرم .
2- العقل : فلا يجب الحجّ على المجنون ولا يصح منه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ ... وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ ) [رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة] .
3- البلوغ : فلا يجب الحج على الصبي للحديث السابق , وفيه (... وَعَنِ الصَّبِىِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ...) . لكن يصح منه الحج حتى لو كان غير مميِّزٍ؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : (رَفَعَتِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا لَهَا فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله ! أَلِهَذَا حَجٌّ ؟ قَالَ : نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ ) [رواه مسلم] . ولا يجزئه ذلك عن حجة الإسلام وعمرته, فإذا بلغ فعليه الحج والعمرة إذا وجد إلي ذلك سبيلاً ؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أَيُّمَا صَبِىٍّ حَجَّ ، ثُمَّ بَلَغَ الْحِنْثَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى ...) [رواه الحاكم والبيهقي والطبراني] .
4- كمال الحرية : فلا يجب الحج على العبد , لكنه لو حجَّ فحَجُّه صحيح , إلا أنه لا يجزئه عن حجة الإسلام وعمرته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (...وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ ، ثُمَّ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى ) [رواه الحاكم والبيهقي والطبراني] .
- إذا بلغ الصبي أثناء الحجِّ وأدرك الوقوف بعرفة فإن ذلك يجزئه عن حجة الإسلام ؛ لأنه أتى بالنسك حال الكمال فيجزئه , وأيضاً لما ثبت عن قتادة وعطاء أنهما قالا: «إِذَا احْتَلَمَ الغُلامُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فَشَهِدَ المَوْقِفَ أَجْزَأَ عَنْهُ) [رواه أبوبكر القطيعي عن سعيد بن أبي عروبة في كتاب المناسك] .
إلا في حالة ما لو أحرم الصبيّ بالحج فقط, أو قارناً الحج مع العمرة لكنه سعى بين الصفا والمروة بعد طواف القدوم , ثم بلغ الصبي, فحينئذٍ لا يجزئه هذا الحجّ عن حجة الإسلام ؛ لوقوع السعي في غير وقت الوجوب , كما لو كبَّر للإحرام بالصلاة ثم بلغ . حتى لو أعاد السعي بعد البلوغ فإنه كذلك لا يجزئه ؛ لأنه لا يشرع تكرار السعي ولا مجاوزة عدده.
- إذا بلغ الصبي أثناء العمرة قبل طوافها , ثم طاف وسعى فإن ذلك يجزئه عن عمرة الإسلام.
5- الاستطاعة : وهي مِلْك زَادٍ - من مأكل ومشرب وملبس - وراحلةٍ – أي ما يركبه في رحلته إلى الحج - تصلح لمثله , أو يكون معه من المال ما يستطيع به تحصيل ذلك ؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ...﴾ ، وقد جاء بيان السبيل في حديث أنس رضي الله عنه قال : (قِيلَ : يَا رَسُولَ الله ، مَا السَّبِيلُ ؟ قَالَ : الزَّاد وَالرَّاحِلَة) [رواه الحاكم والدارقطني] . ولأن الحج عبادة تتعلق بقطع مسافة بعيدة فاشُترط لوجوبه الزاد والراحلة كالجهاد .
- لكن يُشترط أن يكون ذلك فاضلاً عما يحتاجه من كتب ومسكن وقضاء دَيْنٍ ونحو ذلك ؛ لأن هذه تعتبر حوائج أصلية له فتُقدَّم على الحج . وكذا أن يكون فاضلاً عن نفقته ونفقة عياله على الدوام ؛ لأن النفقة متعلقة بحقوق الآدميين وهم أحوج وحقهم آكد , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (كَفَى بِالمَرْءِ إِثْماً أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ) [رواه أبو داود] .
6- المَحْرَم بالنسبة للمرأة : فيشترط لوجوب الحج على المرأة أن تجد مَحْرَماً يخرج معها للحج؛ سواءً كان زوجاً أو غيره من محارمها كأبٍ أو أخٍ أو عمٍّ أو ابنٍ ...، فإن لم تجد مَحْرماً فلا يجب عليها الحج ؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (لَا تُسَافِرْ المَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ ) [رواه البخاري] .
- يُشترط في هذا المَحْرَم شرطان :
1- أن يكون مُكَلَّفاً : بأن يكون بالغاً عاقلاً, فلا يصح أن يكون الصغير والمجنون مَحْرَمين؛ لأنه لا يحصل بهما المقصود من حفظ المرأة وصيانتها. ويشترط كذلك أن يكون مسلماً؛ لأن الكافر لا يُؤمن عليها.
2- أن تَقْدر المرأة على نفقته ونفقتها في الحج ؛ لأن ذلك من السبيل إلى الحج فيُشترط القدرة عليه . فإذا قدرت على نفقتها ولم تقدر على نفقته فلا يجب الحج عليها . وكذا لو تبرع المَحْرَم بنفقته فلا يجب عليها الحج أيضاً ؛ لأن في ذلك مِنَّة عليها .
- فإذا حجت المرأة بدون محرم فهي آثمة ؛ لأنها سافرت بلا محرم , وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك كما في الحديث السابق , لكنه يجزئها عن حجة الإسلام .
- فمن اكتملت له هذه الشروط وكان الطريق آمناً لزمه السعي بنفسه إلى الحج فوراً – أي في نفس العام – وإلا لو أخَّره بدون عذرٍ يكون آثماً ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( تَعَجَّلُوا إلَى الحَجِّ - يَعْنِي الْفَرِيضَةَ - فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ) [رواه أحمد] . واعتبار أمن الطريق ؛ لأن إيجاب الحج مع كون الطريق غير آمنٍ فيه ضرر , والضرر منفيُّ شرعاً كما هو معلوم .
4) النيابة في الحج :
- إذا توافرت هذه الشروط لكنه عجز عن الذهاب إلى الحج لعذرٍ ؛ كأن يكون كبيراً في السن , أو يكون مريضاً مرضاً لا يُرجى برؤه فحينئذٍ يلزمه أن يُقيم نائباً يحج ويعتمر عنه , حتى لو كان هذا النائب امرأة ؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما عن الفَضْل بن عباس (أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ : يَا رَسُولَ الله ! إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ عَلَيْهِ فَرِيضَةُ الله في الحَجِّ، وَهُوَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِىَ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهِ . فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : فَحُجِّى عَنْهُ) [رواه البخاري ومسلم واللفظ له] . فهذا يدل على جواز نيابة المرأة عن الرجل في الحج عند العذر , فالرجل من باب أولى .
- ويجزئه حجّ النائب عنه , إلا إذا زال عذره قبل إحرام نائبه فحينئذٍ لا يجزئه حج النائب عنه ؛ لقدرته على الحج قبل شروع نائبه في الإحرام بالحج عنه .
- إذا مات- مَنْ لزمه الحج - قبل أن يستنيب فحينئذٍ يجب أن يُخْرجَ من تركته ما يكفي لحجة وعمرة , وتدفع لمن يحج ويعتمر عنه ؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما ( أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا ، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَةً؟ اقْضُوا اللهَ فَاللهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ ) [رواه البخاري] .
5) شروط صحة النيابة في الحج :
- يشترط في النائب الذي يحج عن غيره ما يلي :
1- أن يحج من بلد الذي أنابه؛ لأنه وجب عليه الحج فيه , فمثلاً : إذا كان من أهل الكويت ، ووجب عليه الحج وهو في الكويت ، فيجب عليه أن يقيم النائب من الكويت ، فلو أقام نائباً من بلد آخر فإن ذلك لا يجزئه .
2- أن يكون قد حجَّ عن نفسه, فإن لم يكن قد حج عن نفسه فلا يصح حجه عن غيره , فإن فعل انصرفت هذه الحجة إلي نفسه ؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ : لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ , قَالَ: مَنْ شُبْرُمَةَ ؟ قَالَ أَخٌ لِي أَوْ قَرِيبٌ لِي .قَالَ : حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ ؟ قَالَ لاَ. قَالَ : حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ ) [رواه أبو داود وابن ماجة] . ولفظه عند ابن ماجة : (فَاجْعَلْ هَذِهِ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ ) .

بــاب الإحــــرام
1) معنى الإحرام :
المقصود بالإحرام : هو نية الدخول في أحد التسكين الحج أو العمرة. وهي نية خاصة تختلف عن نية المسافر ليحج أو يعتمر أو نية التجرد من المحيط أو الامتناع عن المحظورات.
2) مواقيت الإحرام المكانية :
- المواقيت المكانية : هي تلك الأماكن التي لا يجوز لمن أراد الحج والعمرة أن يتجاوزها إلا وهو محرم.
- فيجب على من أراد الحج أو العمرة أن لا يتجاوز المواقيت التي حدَّدها النبي صلى الله عليه وسلم إلا وهو محرم ؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لأَهْلِ المَدِينَةِ ذَا الحُلَيْفَةِ ، وَلأَهْلِ الشَّأْمِ الجُحْفَةَ ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ المَنَازِلِ ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ . هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ ...) [متفق عليه]
والمواقيت المكانية خمسة ، ورد بيانها في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (مُهَلُّ أَهْلِ المَدِينَةِ مِنْ ذِى الحُلَيْفَةِ ، وَالطَّرِيقُ الآخَرُ الجُحْفَةُ ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ ، وَمُهَلُّ أَهْلِ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ) [رواه مسلم]. وبيانها على التفصيل :
1) ذو الحُلَيْفَة : وتسمى الآن (أبيار علي) ، وهو ميقات أهل المدينة ومن مر بها من غير أهلها متجهاً إلى مكة.
2) الجُحْفَة : وتقع قرب مدينة رابغ التي أصبحت فيما بعد ميقات أهل الشام ومصر والمغرب ومن جاء من طريقهم .
3) قَرْنُ المَنازِل : ويطلق عليها اسم (السيل الكبير) ، وهو ميقات أهل نجد ومن جاء من طريقهم.
4) يَلَمْلَمْ : وتسمى الآن (السعدية) ، وهو ميقات أهل اليمن ومن جاء من طريقهم.
5) ذات عِرْق : ويسمى الآن (الضريبة) وهو ميقات أهل العراق وشمال نجد ومن في حكمهم.
ومن كان منزله دون هذه المواقيت ، فميقاته منزله ، فيجب عليه أن يحرم منه ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عباس السابق : (... وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأ ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ) [متفق عليه].
3) ما لا ينعقد معه الإحرام :
لا ينعقد الإحرام إذا كان المحرم في حال الجنون أو الإغماء أو السُّكر ؛ لأن من كان هذا حاله فلا يتصور وجود النية منه مع غياب عقله .
4) ما يُبطل به الإحرام :
إذا انعقدت نية الإحرام ، فلا تبطل إذا ارتد المحرم عن الإسلام ؛ لقوله تعالى : ﴿وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر:65].
5) ما يُفسد الإحرام :
أجمع العلماء على أن الإحرام يفسد بالجماع عمداً أو سهواً ، فإذا جامع المحرم في الحج وكان قبل التحلل الأول يلزمه إتمام نسكه وعليه القضاء ؛ لما روي عن عمر وعلي وأبي هريرة أنهم سئلوا عن رجل أصاب أهله وهو محرم بالحج ، فقال : (يَنْفُذَانِ لِوَجْهِهِمَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا، ثُمَّ عَلَيْهِمَا حَجٌّ مِنْ قَابِلٍ وَالهَدْيَ) [رواه مالك في الموطأ بلاغاً، وضعف أسانيدها ابن الملقن].
6) أنواع النسك :
يقع الإحرام بالنسك على ثلاثة وجوه هي :
أ - الإِفْرادُ : وهو أن يحرم بالحج وحده ، فيقول : (لبيك الله حجًّا).
ب- القِران : وهو أن يحرم بالحج والعمرة معاً ، أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الإحرام بالحج قبل الطواف .
فإن أحرم بالحج أولاً ثم أراد أن يدخل عليه العمرة لم يصح ولا يُعد قارناً بهذه الصفة ، ولا يترتب عليه شيء؛ لأنه لم يرد به النص الشرعي ، ولم يستفد به فائدة .
ج- التَّمَتُّعُ : وهو أن يحرم الحاج بالعمرة من الميقات في أشهر الحج ، فإذا فرغ منها وتحلل أحرم بالحج من مكة في عامه .
- والمسلم مخيَّر بين هذه الأنساك الثلاثة ، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت : (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مُوَافِينَ لِهِلاَلِ ذِي الْحِجَّةِ . قَالَتْ : فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : « مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ ، فَلَوْلاَ أَنِّي أَهْدَيْتُ لأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ ». قَالَتْ : فَكَانَ مِنَ الْقَوْمِ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِالحَجِّ . قَالَتْ : فَكُنْتُ أَنَا مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ ...) [رواه مسلم] .
- وأفضل هذه الأنساك الثلاثة التمتع ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه ممن أهل بالحج أن يتحللوا ويجعلوها عمرة إلا من كان قارناً وساق الهدي وقال : (وَلَولا هَدْيِي لَحـَلَلْتُ كَمَا تَحِلُّونَ ، وَلَو اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَم أَسُقِ الهَدْيَ . فَحَلُّوا فَحَلَلْنَا وَسَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) [رواه مسلم]. فنقلهم من الإفراد والقِران إلى التمتع ، ولا ينقلهم – عليه الصلاة والسلام – إلا إلى الأفضل.
- ومن أحرم وأطلق من غير تحديد نسكه ، صح إحرامه ، وصَرَفه إلى ما شاء ؛ لأن الإحرام يصح مع الإبهام وهو أن يقول : أحرم بما أحرم به فلان - ، فيصح مع الإطلاق .
وما عمل قبل التحديد فلغو ؛ لقول طاووس : «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة لا يُسمِّي حَجًّا ينتظر القضاء، فنزل عليه القضاء وهو بين الصفا والمروة ، فأمر أصحابه من كان منهم أهلَّ ولم يكن معه هدي أن يجعلوها عمرة» [رواه الشافعي مرسلاً، في متنه نكارة] .
- والسنة لمن أراد نسكاً أن يُعَيِّنَه ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها وفيه : (فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالحَجِّ...) [متفق عليه].
- ويُسنَّ له أن يشترط فيقول : (اللهم إني أريد النُّسك الفلاني، فيسِّره لي وتقبَّله منِّي ، وإن حَبَسَني حابِسٌ، فَمَحِلِّي حيث حَبَسْتني) ؛ لما روت عائشة رضي الله عنها قالت : (دَخَلَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ لَهَا : لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الحَجَّ ؟ قَالَتْ : وَالله لَا أَجِدُنِي إِلَّا وَجِعَةً . فَقَالَ لَهَا : حُجِّي وَاشْتَرِطِي وَقُولِي : اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي) [متفق عليه]

باب محظورات الإحرام
1) تعريفُها:
محظوراتُ الإحرامِ: هي الأشياءُ الّتي يحرمُ على المحرمِ فعلُها شرعاً.
2) أقسامُ المحظوراتِ:
هي تسعةُ أشياءَ:
أحدُها: تَعمُّدُ لُبسِ المخيطِ على الرّجالِ حتّى الخُفّينِ أو القُفّازينِ؛ لحديثِ ابنِ عمرَ رضي اللهُ عنهما قال: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: مَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ؟ قَالَ: ( لاَ يَلْبَسُ المُحْرِمُ الْقَمِيصَ، وَلاَ الْعِمَامَةَ، وَلاَ الْبُرْنُسَ، وَلاَ السَّرَاوِيلَ، وَلاَ ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَلاَ زَعْفَرَانٌ، وَلاَ الخُفَّيْنِ إِلاَّ أَنْ لاَ يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا؛ حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ ) [متفق عليه]. ويلحقُ بهذهِ الأشياءِ ما في معناها مما يحيطُ بالبدنِ أو ببعضِهِ؛ مثلُ: الجُبّةِ، والدَّرَّاعةِ، والتُّبانِ، ونحوِ ذلك. وإذا لم يجدِ المحرمُ إزاراً فلهُ لُبسُ السّراويلِ، وإذا لم يجدِ نَعلينِ فلهُ لُبسُ الخُفّينِ، وإذا لبِسهما لا يقطعُهما ولا فديةَ عليهِ؛ لحديثِ ابنِ عبّاسٍ رضي اللهُ عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يَخطُبُ بعَرَفاتٍ: (مَنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الخُفَّيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ؛ لِلْمُحْرِمِ ) [متفق عليه].
وفي روايةٍ عن الإمامِ أحمدَ: أنّه يقطعُهما حتّى يكونَا أسفلَ من الكعبينِ؛ لقولِهِ صلى الله عليه وسلم في ابنِ عمرَ السّابقِ: ( فَلْيَقْطَعْهُمَا؛ حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ ).
الثّاني: تَعمُّدُ تغطيةِ الرّأسِ من الرّجلِ؛ ولو كانتِ التّغطيةُ بحِنّاءٍ ونحوِها، أو استظلالٍ بمَحمَلٍ(وهو المظلّةُ) ؛ لقولِه صلى الله عليه وسلم في المُحرمِ الّذِي وقَصَتهُ -كسرَتْ عنقَهُ- ناقتُه: (وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» [متفق عليه]، ولقولِ ابنِ عمر t : « أَضْحِ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ » [رواه البيهقيُّ]؛ أي: ابرُزْ للشّمسِ.
وفي روايةٍ عنِ الإمامِ أحمدَ: أنّه يجوز له الاستظلالُ بالمحمَلِ؛ كما يجوزُ له الاستظلالُ بالخيمةِ، والثّوبِ على عودٍ أو شجرةٍ؛ لحديثِ جابر t في صفةِ حجّتِهِ r، وفيه: ( وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ ) [رواه مسلم]، وحديثِ أُمِّ الْحُصَيْنِ رضي اللهُ عنها قالت: (حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ؛ فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ وَبِلاَلاً وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَالآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنَ الْحَرِّ؛ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ [رواه مسلم]. وإنْ حملَ المُحرمُ على رأسِهِ طبقاً، أو وضع يدَهُ عليهِ؛ فلا بأسَ بذلك؛ لأنّه لا يُقصدُ به السَّترُ.
كما يحرمُ تعمُّدُ تغطيةِ الوجهِ من الأُنثى بنقابٍ وغيرِهِ؛ لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَr: ( لَا تَنْتَقِبِ المَرْأَةُ المُحْرِمَةُ، وَلَا تَلْبَسِ الْقُفَّازَيْنِ ) [رواه البخاري].
ولكنْ يجوزُ لها أن تسدلَ على وجهِها للحاجةِ -كمرورٍ رجالٍ بها-؛ لقولِ فاطمةَ بنتِ المنذرِ: (كُنَّا نُخَمِّرُ وُجُوهَنَا وَنَحْنُ مُحْرِمَاتٌ، وَنَحْنُ مَعَ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) [رواه مالك]، ولا يضرُّ لَمسُ المسدولِ لوجهِها.
الثّالثُ: قصدُ شمِّ الطِّيبِ، أو مسِّ ما يعلَقُ منه بالممسوسِ، أواستعمالِه في أكلٍ أوشربٍ؛ بحيثُ يظهرُ طعمُه أو ريحُه؛ لقولِه صلى الله عليه وسلم في الّذِي وقَصَتهُ ناقتُه: ( وَلَا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ ) [متّفق عليه].
كما لا يجوزُ له لُبسُ ثوبٍ مطيّبٍ؛ لقولِ النّبيِّ صلى الله عليه وسلم: ( لَا يَلْبَسْ مِنْ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ أَوْ وَرْسٌ ) [متفق عليه].
فمنْ لبِس أو تطيّبَ أو غطَّى رأسَه ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً؛ فلا شيءَ عليهِ؛ لقولِه صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ اللهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ) [رواه ابن ماجه].
ومتى زالَ عُذرُه؛ بأن ذكرَ النّاسي، أو علمَ الجاهلُ، أو زالَ الإكراهُ: وجب عليهِ إزالةُ المحظورِ في الحالِ، وإلّا وجبتْ عليهِ الفديةُ؛ لاستدامتِهِ المحظورَ من غيرِ عُذرٍ.
الرابعُ: إزالةُ الشَّعرِ من جميعِ البدنِ بحلقٍ أو بغيرِهِ، ولوْ من الأنفِ؛ لقولِه عز وجل: ﴿ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ ﴾ [البقرة: 196]؛ فنصَّتِ الآيةُ على حلقِ شعرِ الرّأسِ، وأُلحقَ بهِ سائرُ شعرِ البدنِ.
الخامسُ: تقليمُ الأظفارِ من يدٍ أو رجلٍ بلا عُذرٍ؛ للإجماعِ على تحريمِ ذلكِ؛ فإنِ انكسَر فلهُ إزالتُه.
السّادسُ: قتلُ صيدِ البرِّ الوحشيِّ المأكولِ؛ لقولِهِ تعالى: ﴿لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾ إلى قولِه: ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ﴾ [المائدة:96].
وتحرمُ على المحرمِ الدِّلالةُ على الصّيدِ، والإعانةُ على قتلِهِ؛ لحديث أبي قتادة رضي الله عنه؛ حيثُ اصطادَ حماراً وحشيًّا ولم يكنْ محرماً؛ فخشي الصّحابةُ الّذين كانوا محرمينَ حُرمةَ أكلِها؛ فلمّا سألُوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: ( أَمِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا، أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا؟ قَالُوا: لَا! قَالَ: فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لـَحْمِهَا ) [متفق عليه].
ويحرمُ عليهِ إفسادُ بيضِ الحيوانِ الوحشيِّ؛ لما رواهُ عكرمةُ ابنِ عبّاسٍ رضي اللهُ عنهما أنّه قال: (في بَيْضِ النَّعَامِ يُصيبُهُ المُحْرِمُ ثَمَنُهُ » [رواه عبد الرّزاق].
ويحرمُ عليهِ قتلُ الجَرادِ، والقَمْلِ؛ لأنّ الجرادَ طيرٌ بريٌّ؛ فأشبَهَ العصافيرَ. والقمْلَ يُترفَّهُ بإزالتِهِ كإزالةِ الشّعرِ. ولا يحرمُ على المحرمِ قتلُ البراغيثِ ونحوِها؛ بل يُسنُّ قتلُ كلِّ مُؤذٍ مطلقاً في الحرمِ والإحرامِ، ولا جزاءَ فيهِ؛ لحديثِ عائشةَ رضي اللهُ عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: « خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الحَرَمِ: الْفَأْرَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالحُدَيَّا، وَالْغُرَابُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ » [متّفق عليه]. والعَقورُ: ما يَعْقِرُ: أي يجْرحُ ويَقْتُلُ؛ كالأسدِ، والنّمرِ، والذِّئبِ.
السّابعُ: عقدُ النِّكاحِ؛ فلا يتزّوجُ المحرمُ، ولا يزوِّجُ غيرَهُ، ولا تُزوَّجُ المحرمةُ، ولا يصحُّ النِّكاحُ في شيءٍ من ذلكَ؛ لقولِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ( لاَ يَنْكِحُ المُحْرِمُ وَلاَ يُنْكَحُ وَلاَ يَخْطُبُ ) [رواه مسلم]، وعن أبي غطفانَ عن أبيهِ: (أَنّ عُمَرَ فَرّقَ بَيْنَهُمَا؛ يَعْنِي رَجُلًا تَزَوَّجَ وَهُوَ مُحْرِمٌ ) [رواه مالك، والدارقطنيُّ، واللفظُ له].
الثّامنُ: وهو المحظورُ الوحيدُ الّذي يفسدُ به الحجُّ؛ وهو الوطءُ فِي الفرجِ؛ لقول الله عز وجل: ﴿ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الحَجِّ ﴾ [البقرة: 197]. قال ابنُ عبّاسٍ رضي الله عنهما: « الرَّفَثُ: الجِمَاعُ » [رواه البخاريُّ معلّقاً،ووصله ابنُ أبي شيبة وغيرُه].
التّاسعُ: المباشرةُ فيما دون الفرجِ، ودواعي الجماعِ، والاستمناءُ؛ فإنْ لمْ يُنزلْ لمْ يفسدْ حجُّهُ.
وإنْ أنزلَ فعليهِ بَدَنةٌ، ولا يفسُدُ حجُّهُ في المذهبِ؛ لأنّه استمتاعٌ لا يجبُ بنوعِهِ الحدُّ؛ فلمْ يُفسدِ الحجَّ؛ كما لوْ لمْ يُنزلْ.
3) جزاءُ المحظوراتِ:
يجبُ في جميعِ المحظوراتِ المتقدِّمةِ الفديةُ إلا قتلَ القملِ؛ لما رواهُ سالمٌ عن أبيهِ: (أَنَّ رَجُلاً أَتَاهُ فَقَالَ : إِنِّي قَتَلْتُ قَمْلَةً وَأَنَا مُحْرِمٌ؛ فقال ابنُ عمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَهْوَنُ قَتِيلٍ »، وإلاّ عقدَ النِّكاحِ؛ لأنّه عقدٌ فسدَ لأجلِ الإحرامِ؛ فلمْ تجبْ بهِ الفديةُ؛ كشراءِ الصّيدِ.
- وفي البَيضِ والجرادِ: قيمتُه مكانَ الإتلافِ؛ لما تقدّمَ عنِ ابنِ عبّاسٍ رضي اللهُ عنهما في بيضِ النّعامِ، ولقولِ عمرَ رضي الله عنه لكعبٍ الأحبار حين أخذَ جَرادَتينِ فشَوَاهُما وهو محرمٌ: (مَا جَعَلْتَ فِي نَفْسِكَ؟ قَالَ : دِرْهَمَيْنِ. قَالَ: بَخٍ! دِرْهَمَانِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ جَرَادَةٍ؛ اجْعَلْ مَا جَعَلْتَ فِي نَفْسِكَ) [رواه الشّافعيُّ، والبيهقيُّ، واللّفظُ له].
- وفي الشَّعرةِ الواحدةِ أو الظُّفرِ الواحدِ: إطعامُ مسكينٍ، وفي الاثنينِ: إطعامُ مسكينينِ اثنينِ؛ لأنّ أقلَّ ما يجبُ هو المُدُّ، وهو طعامُ مسكينٍ.
- والضروراتُ تُبيحُ للمُحرمِ المحظُوراتِ؛ ويفدي إذا فعلَها؛ لحديثِ كعبِ بنِ عُجرةَ رضي الله عنه : (أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ عَلَيْهِ وَرَأْسُهُ يَتَهَافَتُ قَمْلاً؛ فَقَالَ: أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَاحْلِقْ رَأْسَكَ. قَالَ: فَفِيَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾؛ فَقَالَ لِي رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ تَصَدَّقْ بِفَرَقٍ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، أَوِ انْسُكْ مَا تَيَسرَ» [متّفق عليه]. والفَرَقُ: مِكيالٌ معروفٌ؛ يسعُ ثلاثةَ آصعٍ.

بــاب الفديــة
1) تعريف الفدية :
المراد بالفدية في الحج : ما يجب بسبب فِعل محظورٍ, أو ترك واجبٍ أو إحصارٍ أو بسبب النسك (كالتمتع والقِرَان).
2) أقسام الفدية :
الفدية تنقسم إلى قسمين : فدية على التخيير , وفدية على الترتيب .
- القسم الأول : فدية التخيير : فهي نوعان :
النوع الأول: يُخَيَّر فيه المُحْرِم بين ثلاثة أمور : ذبح شاة أو صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين مُدُّ من القمح , أو مُدِّين من غير القمح كالتمر والشعير والزبيب . والمُدُّ : ملئ كفتي الرجل الوسط .
وهذا النوع من فدية التخيير يجب في نوعين من المحظورات :
الأول : محظورات يستوي فيها العمد وغير العمد ( الخطأ والنسيان والإكراه ) وهي ما يلي :
أ - إزالة ثلاث شعرات فأكثر من رأسه أو من بدنه : فتجب فيها الفدية ؛ لقول الله عز جل(... وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ..) [البقرة : 196] . ولحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : (أَتَى عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الحُدَيْبِيَةِ وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي فَقَالَ: أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَاحْلِقْ وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ أَوْ انْسُكْ نَسِيكَةً) [رواه البخاري ومسلم] . ولفظة ( أو ) تفيد التخيير . وقوله (أو انسك نسيكة ) أي: اذبح شاة .
ب- إزالة ثلاثة أظفار فأكثر من أظافر يديه أو قدميه : فتجب فيها الفدية ؛ قياساً على حلق الشعر ؛ لأن حلق الشعر حَرُم للآية , ولأنه نوع من الرفاهية في الحج وهذا ينافي الإحرام لكون المحرم أشعث أغبر, فقيس عليه إزالة الأظفار ؛ لأنه كذلك يحصل به الرفاهية .
ج- أما إذا أزال أقل من ثلاث شعرات أو أقل من ثلاثة أظفار فيجب عليه في كل شعرةٍ أو ظفرٍ إطعام مسكين ؛ لأنه أقل ما وجب شرعاً كفدية .
د - خروج المني بسبب نظرةٍ واحدةٍ إلى النساء : فتجب فيه الفدية ؛ لأنه فعل محرم حال الإحرام فوجبت فيه الفدية . فإن لم يُنزل فلا شيء عليه. وكذا إن فكَّر فأنزل فلا شيء عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِى مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ ) [رواه البخاري ومسلم].
هـ- المباشرة – من تقبيل وضمِّ ونحو ذلك – بغير إنزال : فتجب فيها الفدية ؛ لأنها أفعال محرمة بالإحرام فوجبت فيها الفدية .
الثاني : محظورات يجب فيها هذا النوع من الفدية في حال العمد فقط وهي :
أ - لُبس المخيط أثناء الإحرام : فتجب فيه الفدية ؛ قياساً على حلق الشعر ؛ لأنه حَرُم في الإحرام لأنه نوع من التَرَفُّه , فأشبه حلق الشعر . أما الناسي أو الجاهل – الذي لا يعلم أن هذا محظور في الإحرام – أو المكره فلا فدية عليه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيهِ ) [رواه ابن ماجة] .
ب- التطيب : تجب فيه الفدية أيضاً ؛ قياساً أيضاً على حلق الشعر .
ج- تغطية الرأس : تجب فيها الفدية أيضاً ؛ قياساً أيضاً على حلق الشعر .
- وإنما اُعتبر الخطأ والنسيان والإكراه في لبس المخيط وتغطية الرأس والتطيب , ولم يُعتبر ذلك في الحلق وتقليم الأظفار ؛لأن الحلق والتقليم حصل فيهما إتلاف , فاستوى فيهما العمد والخطأ كما لو أتلف مال أدمي فإنه يضمنه سواءً كان الإتلاف عمداً أو خطأً.
النوع الثاني من فدية التخيير: وهو خاص بقتل الصيد سواءً قتله وهو مُحْرِم أو قتله في الحرم وسواءً كان عمداً أو خطأً أو نسياناً . فيخير بين ثلاثة أمور :
الأمر الأول : أن ينظر إلى هذا الصيد الذي صاده ، ويأتي بما يماثله من بهيمة الأنعام -الإبل والبقر والغنم - ويحكم بالمماثلة ذوا عدل من المؤمنين ، فيحكمان بأن هذه البهيمة من النعم تماثل هذا الصيد , ثم يذبحه ويوزعه على فقراء الحرم .
الأمر الثاني : أن يُقَوِّم هذا المثل من بهيمة الأنعام ويشتري بقيمته طعاماً – من جنس ما يُخْرَج في زكاة الفطر - ثم يوزع على المساكين لكل مسكين مدُّ من القمح أو الأرز أو مُدَّين من غيرهما .
الأمر الثالث : أن يصوم عن كل مسكينٍ يوماً, بمعني أن ينظر كم عدد المساكين الذين كان سيطعمهم لو اختار الإطعام – وكمية الطعام تختلف حسب قيمة الصيد الذي قتله – ثم يصوم عن كل مسكينٍ يوماً .
والدليل على هذا النوع من الفدية هو قول الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ ﴾ [المائدة : 95] .
وأما وجوب الفدية في الصيد مع الخطأ والنسيان والجهل ؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل في الضبع إذا صاده المحرم كبشاً . رواه أبو داود عن جابر رضي الله عنه . ولم يُفِّرق بين العمد وغيره , ولأن فيه إتلاف فيستوي فيه العمد والخطأ كما سبق . قال ابن قدامة قال الزهري : ( على المتعمد بالكتاب وعلى المخطئ بالسنة) يعني : وجوب الفدية في قتل الصيد ثابتة على المتعمد بنص الآية وعلى المخطئ بالسنة .
القسم الثاني من الفدية : الفدية على الترتيب : بمعنى أنه يجب عليه دَمٌ ( ذبح شاة أو سُبْع ناقة أو سُبْع بقرة , حيث تجزئ الناقة عن سبعة والبقرة كذلك عن سبعة) , فإن لم يجد أو وجد لكنه غير قادر على الثمن فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج , وسبعة أيام إذا رجع إلى أهله . وهذا يكون عند ارتكاب محظور من المحظورات التالية:
أ - إذا حج متمتعاً أو قارناً , أو ترك واجباً من واجبات الحج ؛ لقول الله عز وجل : ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ﴾ [البقرة: 196] . والقِرَان داخل في حكم التمتع .
- يستحب في صيام الثلاثة أيام التي تكون في الحج أن يكون آخرها يوم عرفة ؛ لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول : (الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج ممن لم يجد هدياً ما بين أن يهل بالحج إلى يوم عرفة ...) رواه مالك في الموطأ .
- يصح صيام هذه الأيام الثلاثة في أيام التشريق ؛ لقول ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم : (لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ ) رواه البخاري .
ب- المُحْصَر : وهو الذي مُنع من تمام النسك فيجب عليه دم ؛ لقول الله تعالى : ﴿وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالَعُمْرَةَ لِلَّـهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ﴾ [البقرة :196] . فإن لم يجد صام عشرة أيام بنية التحلل من إحرامه ؛ قياساً على المتمتع .فإذا صام عشرة أيامٍ فقد تحلل .
ج- الجماع قبل التحلل الأول : فمن جامع قبل التحلل الأول فسد حجه وعليه بَدَنة – بعيراً أو بقرة –؛ لما ثبت عن عبد الله بن عباس (أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَقَعَ بِأَهْلِهِ وَهُوَ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْحَرَ بَدَنَةً) [رواه مالك في الموطأ] ، ولأنه جِمَاعٌ صادف إحراماً تاماً فوجبت به البدنة .
- وكذا من أنزل مَنِيًّا بسبب تكرار النظر أو اللمس لشهوة , أو تقبيل ونحو ذلك فعليه بدنة ؛ قياساً على الجماع . فإن لم يجد بدنة أو كان لا يستطيع ثمنها فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ؛ كما في حج التمتع .
فإن كان الجماع بعد التحلل الأول فعليه شاة؛ لأن الإحرام قد خفَّ بالتحلل الأول فينبغي أن يكون موجبه دون موجب الإحرام التام .
- أما إذا جامع في العمرة قبل أن يتحلل منها فعليه شاة(1) ؛ لأن العمرة دون الحج فكان حكمها دون حكمه .
- التحلل الأول يحصل إذا فعل المُحْرم اثنين من هذه الأفعال : رمي جمرة العقبة والحلق والطواف , فإذا فعل اثنين منها فقد تحلل التحلل الأول , ويحل له به كل شيءٍ مما كان محظوراً عليه بالإحرام إلا النساء ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ فَقَدْ حَلَّ لَكُمُ الطِّيبُ وَالثِّيَابُ وَكُلُّ شَىْءٍ إِلاَّ النِّسَاءَ) [رواه أحمد والبيهقي وهو صحيح دون لفظة (وحلقتم)] . وعنها أيضاً رضي الله عنها قالت: ( طَيَّبْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ هَاتَيْنِ حِينَ أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ حِينَ أَحَلَّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ وَبَسَطَتْ يَدَيْهَا) [رواه البخاري ومسلم] .
- فإذا رمى جمرة العقبة وحلق وطاف وسعى بين الصفا والمروة فقد تحلل التحلل الأكبر ويحل له به كل شيء حتى النساء ؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما في حجة النبي صلى الله عليه وسلم: (...ثُمَّ لَمْ يَحْلِلْ- يعني رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَفَاضَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ... ) [رواه البخاري ومسلم] .


فصـــــل في صيد المُحْرِم
1) ما يجب على المحرم بقتل صيد البر :
إذا قتل المحرم صيد البر فعليه جزاؤه؛ لقول الله تعالى : ﴿وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً﴾ [المائدة:95].
2) ما يخرجه المحرم في جزاء الصيد :
ينقسم الجزاء في صيد المحرم إلى قسمين :
القسم الأول : صيدٌ له مِثلٌ من النَّعَم .
وهو ما له مثل ونظير من حيث الصورة لا من حيث الحقيقة أو القيمة، فيجب على المحرم إخراج مثله ؛ لقوله تعالى : ﴿ فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ﴾. وهذا القسم على نوعين :
أ – ما قضى به الصحابة رضوان الله عليهم : فيجب إخراج مثل ما قضوا به ؛ لأن المسلم مأمور بالاقتداء بهم ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : (فَعَلَيكُم بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيهَا بِالنَّوَاجِذِ) [رواه أحمد الترمذي وابن ماجه].
- ففي صَيد النَّعَامَة : بَدَنَة ؛ لأنها تشبه البعير في الخلقة ، وقد حكم بذلك عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت ومعاوية [رواه الشافعي في الأم، وابن أبي شيبة وعبدالرزاق في مصنفيهما، بإسناد ضعيف] .
- وفي حِمَارِ الوَحْش : بَقَرَة ، قضى بذلك عمر وابن مسعود [رواه عبدالرزاق].
- وفي بَقَرِ الوَحْش : بَقَرَة ، قضى بذلك ابن مسعود . [رواه عبدالرزاق في المصنف، والبيهقي] .
- وفي الضَّبُع : كَبْشٌ . وقضى به عمر وعلي وابن عباس [رواه مالك والشافعي وعبدالرزاق]. وقد ثبت تحديد جزاء صيد الضَّبُع عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر قال : (جَعَلَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم في الضَّبُعِ يُصِيبُهُ المُحْرِمُ كَبْشاً ، وَجَعَلَهُ مِنَ الصَّيْدِ) [رواه أبو داود وابن ماجه].
- وفي الغزال : شاة أو عنز. قضى به عمر وعبدالرحمن بن عوف [رواه مالك وعبدالرزاق] ، وابن عباس [رواه البيهقي في الصغرى].
- وفي الضَّبِّ والوَبْر : جَدْيٌ له نصف سنة . قضى به عمر وأَرْبَد في الضَّبِّ [رواه الشافعي في الأم، وعبدالرزاق في مصنفه] . وأما الوبر فبالقياس على الضب .
والوَبْر دويبة كحلاء أصغر من السِّنَّور ولا ذنب له .
- وفي اليربوع : جَفْرَة لها أربعة أشهر . قضى به عمر وابن مسعود وجابر [رواه الشافعي في المسند، وعبدالرزاق في المصنف].
- وفي الأرنب : عَنَاق . قضى به عمر [رواه عبدالرزاق] . وروي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (وَفي الأَرْنَبِ عَنَاقٌ، وَفي اليَرْبُوعِ جَفْرَةٌ) [رواه الدارقطني، بإسناد ضعيف].
والعَناق : الأنثى من ولد المعز ، وهي التي لها دون سنة .
والجَفْرَة : الأثنى من ولد المعز ، وهي التي بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها.
- وفي الحَـمَام : شاة . حكم به عمر وعثمان وابن عباس وعلي [رواه عبدالرزاق].
والمقصود بالحَمام : كل ما عَبَّ الماء ؛ أي وضع منقاره في الماء فيَكْرَعُ كما تَكْرَعُ الشاة ، ولا يأخذ قطرة قطرة كالدجاج والعصافير .
ويدخل في الحمام القَطَا والوَرَشين والفَواخِت والقُمْرِي ، ففيها شاة . لأن العرب تسميها حماماً . وهو مروي عن ابن عباس [رواه عبدالرزاق]
القَطَا : طائر مشهور، سميت بصوتها حيث تقول : قطا قطا .
والوَرَشِين ؛ ويقال : الوَرَاشين ووِرْشان: جمع وَرَشَان بالتحريك ، طائر يشبه الحمام ، أكبر منه قليلاً ، لحمه أخف من الحمام ، كنيته أبو الأخضر ، ويسمى أيضاً : ساق َحُرٍّ .
والفَوَاخِت : جمع فاخِتَة ، نوع من الحمام المُطوَّق إذا مشى توسع في مشيه وباعد بين جناحيه وإبطيه وتمايل.
ب- ما لم يقض به الصحابة : فيرجع فيه إلى قول عدلين من أهل الخبرة ؛ لقوله تعالى :
﴿ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾
القسم الثاني : ما لا مثل له من النَّعم .
فكل ما لا مثل له من النَّعَم كالطيور التي دون الحمام أو أكبر منه؛ كالأوز والحُبارى والحَجَل والكُرْكي، فتجب فيه قيمته في موضعة الذي أتلفه فيه ، لما روى النجاد عن ابن عباس قال : (مَا أُصِيبَ مِنَ الطَّيْرِ دُونَ الحَمَامِ فَفِيهِ الدِّيَةُ) [ذكره ابن مفلح في الفروع] أي القيمة.
3) ما يفعله المحرم في جزاء الصيد :
إذا كان الصيد الذي قتله مما له مثل ونظير ، فإن القاتل يخير بين إخراج المثل من النعم وبين إخراج قيمة النظير والمثل. فإن اختار إخراج المثل فيذبحه ويتصدق به على مساكين الحرم ؛ لأن الله تعالى سماه هدياً ، والهدي يجب ذبحه ، قال تعالى : ﴿ هَدْياً بَالِغَ الكَعْبَةِ ﴾ ، وذبحه يكون في الحرم .
وإن اختار القيمة ؛ فإنه يشتري بقيمته طعاماً فيطعمه المساكين ، لكل مسكين مُدٌّ من البُرِّ أو نصف صاع من غيره ، أو يصوم مقابل كل مُدٍّ يوماً ؛ لقول الله تعالى : ﴿ هَدْياً بَالِغَ الكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً ﴾.
أما إذا لم يكن للصيد مثل أو نظير ؛ فيُخيَّر قاتله بين أن يشتري بقيمته طعاماً فيطعمه مساكين الحرم ، أو يصوم مقابل كل مُدٍّ يوماً .

ـــل في صيد الحَـرَم ونباته
1) تحريم صيد الحرم :
أ – يحرم الصيد في حرم مكة على المُحْرِم والمُحِلِّ بالإجماع ؛ لما روى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (حَرَّمَ اللهُ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلي وَلَا لأَحَدٍ بَعْدِي ، أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ، لا يُخْتَلَى خَلَاهَا ، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا ، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُعَرِّفٍ) [رواه البخاري].
ومن أتلف شيئاً من صيد الحرم سواء بالمباشرة أو بالدلالة أو بالإشارة ، فحكمه حكم صيد المُحْرم من حيث لزوم جزاء المثل فيما له مثل ، أو القيمة فيما لا نظير له ولا مثل ؛ وذلك لأن الصحابة رضي الله عنهم قضوا في حمام الحرم بشاة ؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما : (أَنَّهُ قَضَى في حَمَامَةٍ مِنْ حَمَامِ مَكَّةَ بِشَاةٍ) [رواه البيهقي] .
2) تحريم قطع نبات الحرم وحشيشه :
يحرم على المُحْرِم والمُحِلِّ قطع شجر الحَرَم وحَشيشه الرَّطب الذي لم يزرعه الآدمي ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس : (ولَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا ، وَلا يُخْتَلَى خَلاهَا) [رواه البخاري].
فقوله (لا يُعضَد شجرها) أي : لا يقطع ، وقوله : (لا يختلى خَلاها) الخَلا : الرَّطب من الحشيش ، والمعنى : لا يُجزُّ الحشيش ولا يقطع .
فمن أتلف شيئاً من شجر الحرم أو نباته فعليه ضمانه ؛ الشجر الصغير – عُرفاً – فيه شاة ، والكبير فيه بقرة ؛ لما روي عن ابن الزبير رضي الله عنهما قال : (في الدُّوحَةِ بَقَرَةٌ ، وَفي الجَزْلَةِ شَاةٌ) [ذكره الشافعي في الأم ولم يسنده] . و(الدوحة) : الشجرة العظيمة ، و(الجزلة) : قطعة كبيرة من شجرة .
أما الحشيش والورق فيُضمن بقيمته ؛ لأنه مُتقوَّم .
3) ما يباح قتله من الحيوان في الحرم :
أ - يباح في الحَرَم قتل خمس من الدَّواب ؛ وهي الواردة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (خَمْسٌ لا جناح على من قتلهُنَّ في الحَرَمِ والإِحْرَامِ: الْفَارَةُ ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْغُرَابُ، وَالحِدَأَةُ ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ ) [رواه مسلم] . و(الحِدَأة) : نوع من الطيور الجوارح ينقض على الجرذان والدواجن والأطعمة .
ب- ويباح قتل الحيَّة ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ في الحِلِّ وَالحَرَمِ : الحَيَّةُ ، وَالغُرَابُ الأَبْقَعُ ...) [رواه مسلم].
ج- ويباح قتل كل مؤذن من الحيوان ؛ كسباع البهائم والطير والمستخبث من الحشرات ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة (خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ) ؛ حيث دل وصف الفسق على إباحة قتل كل ما فيه هذه الصفة . والمراد بـ (الفسق) هنا : هو كل ما من طبعه الإيذاء أو الفساد .
د - ويباح من الحيوان ما ليس وحشيًّا ؛ كبهيمة الأنعام والخيل والدجاج ، بالإجماع. ولقول الله تعالى : ﴿وَحُرِّمَ عَلَيكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً﴾ [المائدة:96] ، فدلت الآية على تحريم صيد الوحشي من الحيوان بالنص ، وإباحة غير الوحشي بالمفهوم .
4) ما يباح قطعه من نبات الحرم :
يباح من نبات في الحرم :
أ ) اليابس : فيجوز قطع اليابس من الشجر والحشيش ؛ لأنه بمنزلة الميت . كما يجوز الانتفاع بما انكسر من الأغصان وانقلع من الشجر بفعل غير الآدمي .
ب) ما زرعه الآدمي : كالبقول والزروع والرياحين ، فيباح أخذه ؛ لأن في تحريمه ضرراً على من زرعه ، وقد جرى عمل المسلمين على أخذه والانتفاع بكل ما زرعه الآدمي .
ج) الإِذْخِر : وهو حشيشة طيبة الرائحة تُسقَّف بها البيوت فوق الخشب ، وقد استثناها الشرع من التحريم كما في حديث ابن عباس – السابق - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا يُخْتَلَى خَلَاهَا ، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُعَرِّفٍ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَّا الْإِذْخِرَ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا فَقَالَ إِلَّا الْإِذْخِرَ) . فأبيح لحاجة الناس إليه في بنائهم وقبورهم .
5) ما يجزئ من بهيمة الأنعام في الدم الواجب :
- الدم الواجب : هو ما يترتب على الحاج أو المعتمر من فدية بسبب ارتكابه محظوراً من محظورات الإحرام ، أو جزاء الصيد ، أو الإحصار .
- ولا يكون الدم الواجب إلا من بهيمة الأنعام ، وهي : الإبل والبقر والغنم .
- ويجزئه أن يخرج الفدية من أي نوع من بهيمة الأنعام ، على النحو التالي :
أ – يجزئ إخراج بقرة بدلاً عن بدنة ، ويجزئه إخراج بدنة بدلاً عن بقرة ؛ لما ثبت من حديث جابر رضي الله عنه قال : (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُهِلِّينَ بِالحَجِّ ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْتَرِكَ في الإِبِلِ وَالْبَقَرِ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا في بَدَنَةٍ) [رواه مسلم] . حيث جعل البقر مساوياً للإبل من حيث إجزاء كل منهما عن سبعة ، فدل ذلك على أن إحداهما تجزئ عن الأخرى .
ب- ويجزئ إخراج بدنة أو بقرة عن سَبْع شياه مطلقاً ؛ سواء وجد الشياه أو لم يجدها ، و إخراج سُبْع بدنة أو سُبْع بقرة عن شاة ، لحديث جابر السابق ، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما : (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ : إِنَّ عَلَيَّ بَدَنَةً وَأَنَا مُوسِرٌ لَهَا وَلَا أَجِدُهَا فَأَشْتَرِيَهَا ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْتَاعَ سَبْعَ شِيَاهٍ فَيَذْبَحَهُنَّ) [رواه أحمد وابن ماجه، بإسناد ضعيف].
6) المقصود بالدم الواجب عند الإطلاق :
المراد بالدم الواجب عند الإطلاق : ما يجزئ في الأضحية ؛ وهو الجَذَعُ من الضأن ، أو الثَّنِيُّ من المعز ، أو سُبْع بدنة أو سُبْع بقرة ؛ لقول الله تعالى : ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ﴾ [البقرة:196] قال ابن عباس في تفسير الهدي: «جَزُورٌ أَو بَقَرَةٌ أَو شَاةٌ أَو شِرْكٌ في دَمٍ » [رواه البخاري وأحمد] .
7) الأفضل في الدماء الواجبة :
ذبح البدنة أو البقرة أفضل من ذبح الشاة ؛ لأنهما أكثر لحماً وأنفع للفقراء . فإن اختار ذبح البدنة أو البقرة وجبت كلها ؛ لأنه اختار الأعلى لأداء فرضه ، فكان واجباً كله .

فصـــــل في صيد الحَـرَم ونباته
1) تحريم صيد الحرم :
أ – يحرم الصيد في حرم مكة على المُحْرِم والمُحِلِّ بالإجماع ؛ لما روى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (حَرَّمَ اللهُ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلي وَلَا لأَحَدٍ بَعْدِي ، أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ، لا يُخْتَلَى خَلَاهَا ، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا ، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُعَرِّفٍ) [رواه البخاري].
ومن أتلف شيئاً من صيد الحرم سواء بالمباشرة أو بالدلالة أو بالإشارة ، فحكمه حكم صيد المُحْرم من حيث لزوم جزاء المثل فيما له مثل ، أو القيمة فيما لا نظير له ولا مثل ؛ وذلك لأن الصحابة رضي الله عنهم قضوا في حمام الحرم بشاة ؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما : (أَنَّهُ قَضَى في حَمَامَةٍ مِنْ حَمَامِ مَكَّةَ بِشَاةٍ) [رواه البيهقي] .
2) تحريم قطع نبات الحرم وحشيشه :
يحرم على المُحْرِم والمُحِلِّ قطع شجر الحَرَم وحَشيشه الرَّطب الذي لم يزرعه الآدمي ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس : (ولَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا ، وَلا يُخْتَلَى خَلاهَا) [رواه البخاري].
فقوله (لا يُعضَد شجرها) أي : لا يقطع ، وقوله : (لا يختلى خَلاها) الخَلا : الرَّطب من الحشيش ، والمعنى : لا يُجزُّ الحشيش ولا يقطع .
فمن أتلف شيئاً من شجر الحرم أو نباته فعليه ضمانه ؛ الشجر الصغير – عُرفاً – فيه شاة ، والكبير فيه بقرة ؛ لما روي عن ابن الزبير رضي الله عنهما قال : (في الدُّوحَةِ بَقَرَةٌ ، وَفي الجَزْلَةِ شَاةٌ) [ذكره الشافعي في الأم ولم يسنده] . و(الدوحة) : الشجرة العظيمة ، و(الجزلة) : قطعة كبيرة من شجرة .
أما الحشيش والورق فيُضمن بقيمته ؛ لأنه مُتقوَّم .
3) ما يباح قتله من الحيوان في الحرم :
أ - يباح في الحَرَم قتل خمس من الدَّواب ؛ وهي الواردة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (خَمْسٌ لا جناح على من قتلهُنَّ في الحَرَمِ والإِحْرَامِ: الْفَارَةُ ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْغُرَابُ، وَالحِدَأَةُ ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ ) [رواه مسلم] . و(الحِدَأة) : نوع من الطيور الجوارح ينقض على الجرذان والدواجن والأطعمة .
ب- ويباح قتل الحيَّة ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ في الحِلِّ وَالحَرَمِ : الحَيَّةُ ، وَالغُرَابُ الأَبْقَعُ ...) [رواه مسلم].
ج- ويباح قتل كل مؤذن من الحيوان ؛ كسباع البهائم والطير والمستخبث من الحشرات ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة (خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ) ؛ حيث دل وصف الفسق على إباحة قتل كل ما فيه هذه الصفة . والمراد بـ (الفسق) هنا : هو كل ما من طبعه الإيذاء أو الفساد .
د - ويباح من الحيوان ما ليس وحشيًّا ؛ كبهيمة الأنعام والخيل والدجاج ، بالإجماع. ولقول الله تعالى : ﴿وَحُرِّمَ عَلَيكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً﴾ [المائدة:96] ، فدلت الآية على تحريم صيد الوحشي من الحيوان بالنص ، وإباحة غير الوحشي بالمفهوم .
4) ما يباح قطعه من نبات الحرم :
يباح من نبات في الحرم :
أ ) اليابس : فيجوز قطع اليابس من الشجر والحشيش ؛ لأنه بمنزلة الميت . كما يجوز الانتفاع بما انكسر من الأغصان وانقلع من الشجر بفعل غير الآدمي .
ب) ما زرعه الآدمي : كالبقول والزروع والرياحين ، فيباح أخذه ؛ لأن في تحريمه ضرراً على من زرعه ، وقد جرى عمل المسلمين على أخذه والانتفاع بكل ما زرعه الآدمي .
ج) الإِذْخِر : وهو حشيشة طيبة الرائحة تُسقَّف بها البيوت فوق الخشب ، وقد استثناها الشرع من التحريم كما في حديث ابن عباس – السابق - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا يُخْتَلَى خَلَاهَا ، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُعَرِّفٍ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَّا الْإِذْخِرَ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا فَقَالَ إِلَّا الْإِذْخِرَ) . فأبيح لحاجة الناس إليه في بنائهم وقبورهم .
5) ما يجزئ من بهيمة الأنعام في الدم الواجب :
- الدم الواجب : هو ما يترتب على الحاج أو المعتمر من فدية بسبب ارتكابه محظوراً من محظورات الإحرام ، أو جزاء الصيد ، أو الإحصار .
- ولا يكون الدم الواجب إلا من بهيمة الأنعام ، وهي : الإبل والبقر والغنم .
- ويجزئه أن يخرج الفدية من أي نوع من بهيمة الأنعام ، على النحو التالي :
أ – يجزئ إخراج بقرة بدلاً عن بدنة ، ويجزئه إخراج بدنة بدلاً عن بقرة ؛ لما ثبت من حديث جابر رضي الله عنه قال : (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُهِلِّينَ بِالحَجِّ ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْتَرِكَ في الإِبِلِ وَالْبَقَرِ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا في بَدَنَةٍ) [رواه مسلم] . حيث جعل البقر مساوياً للإبل من حيث إجزاء كل منهما عن سبعة ، فدل ذلك على أن إحداهما تجزئ عن الأخرى .
ب- ويجزئ إخراج بدنة أو بقرة عن سَبْع شياه مطلقاً ؛ سواء وجد الشياه أو لم يجدها ، و إخراج سُبْع بدنة أو سُبْع بقرة عن شاة ، لحديث جابر السابق ، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما : (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ : إِنَّ عَلَيَّ بَدَنَةً وَأَنَا مُوسِرٌ لَهَا وَلَا أَجِدُهَا فَأَشْتَرِيَهَا ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْتَاعَ سَبْعَ شِيَاهٍ فَيَذْبَحَهُنَّ) [رواه أحمد وابن ماجه، بإسناد ضعيف].
6) المقصود بالدم الواجب عند الإطلاق :
المراد بالدم الواجب عند الإطلاق : ما يجزئ في الأضحية ؛ وهو الجَذَعُ من الضأن ، أو الثَّنِيُّ من المعز ، أو سُبْع بدنة أو سُبْع بقرة ؛ لقول الله تعالى : ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ﴾ [البقرة:196] قال ابن عباس في تفسير الهدي: «جَزُورٌ أَو بَقَرَةٌ أَو شَاةٌ أَو شِرْكٌ في دَمٍ » [رواه البخاري وأحمد] .
7) الأفضل في الدماء الواجبة :
ذبح البدنة أو البقرة أفضل من ذبح الشاة ؛ لأنهما أكثر لحماً وأنفع للفقراء . فإن اختار ذبح البدنة أو البقرة وجبت كلها ؛ لأنه اختار الأعلى لأداء فرضه ، فكان واجباً كله .

كان الحجِّ وواجباته وسننه
أوّلاً: أركانُ الحجِّ
الرُّكنُ: جُزءُ الشيءِ الّذي لا يَتمُّ إلّا بهِ.
وأركانُ الحجِّ أربعةٌ:
الرُّكن الأوّلُ: الإحرامُ؛ وهُو: نيّةُ الدُّخولِ في النُّسُكِ؛ فمنْ تركَ الإحرامَ لمْ ينعقدْ حجُّهُ؛ لقولِهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) [متّفق عليه].
الرُّكن الثّاني: الوقوفُ بعرفةَ؛ لقولِهِ صلى الله عليه وسلم: ( الحَجُّ عَرَفَةُ ) [رواه الخمسةُ].
أ ) مكانُ الوقوفِ:
عرفةُ كلُّها موقفٌ إلّا بطنَ عُرنةَ؛ لقولِهِ صلى الله عليه وسلم : ( وَقَفْتُ هَا هُنَا، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ ) [رواه مسلم]، وقولِه: ( وارْفَعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ ) [رواه أحمد وابن ماجه]. وبطنُ عُرَنةَ: هو الوادِي الّذِي قبلَ عرفات، و عليه بُنيَتْ مقدِّمةُ مسجدِ نمرةَ، ومؤخّرتُهُ في داخلِ عرفات.
ب) وقتُ الوقوفِ:
يبدأُ منْ طُلوعِ فجرِ يومِ عرفةَ إلى طلوعِ فجرِ يومِ النّحرِ؛ فمَنْ وُجدَ في هذا الوقتِ بعرفةَ لحظةً واحدةً - وهُو أهلٌ للوقوفِ-؛ ولو كان مارًّا، أو نائماً، أو جاهلاً أنّها عرفةُ، أو كانتِ المرأةُ حائضاً: صحَّ حجُّهُ؛ لحديثِ عُروةَ بنِ مضرِّسٍ رضي الله عنه قال: (أَتَيْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بالموقفِ - يَعْنِى بِجَمْعٍ (مزدلفة)- قُلْتُ: جِئْتُ يَا رَسُولَ الله مِنْ جَبَلِ طَيِّئٍ؛ أَكْلَلْتُ مَطِيَّتِي، وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي، وَاللهِ مَا تَرَكْتُ مِنْ جَبَلٍ إِلاَّ وَقَفْتُ عَلَيْهِ؛ فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله: مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلاَةَ، وَأَتَى عَرَفَاتٍ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا؛ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ ) [رواه الخمسة]. والتَّفثُ: فعلُ ما كان محرّماً على المحرمِ؛ من إزالةِ الشّعرِ، وقصِّ الأظفارِ.
وفي روايةٍ عن الإمامِ أحمدَ: أنّ الوقوفَ يَبدأُ من زوالِ الشّمسِ يومَ عرفةَ؛ لأنّ النّبيَّ صلى الله عليه وسلم وقَفَ بعد الزّوالِ.
ولا يصحُّ الوقوفُ إن كانَ الواقفُ سكرانَ، أو مجنوناً، أو مغمى عليهِ- إلّا أن يفيقوا وهم بها، أو يعودُوا إليها قبلَ خُروجِ وقتِ الوقوفِ-؛ لأنّهم ليسوا من أهلِ العباداتِ.
- ولو وقَفَ النّاسُ كلُّهم، أو كلُّهم إلّا قليلاً في اليومِ الثَّامنِ أو العاشرِ خطأً لا عمداً: أجزأَهم الوقوفُ؛ لأنّه لو وجبَ القضاءُ لمْ يُؤمنُ وقوعُ الخطأ فيه أيضاً؛ فيشُقُّ عليهم.
وإن فعَل ذلكَ نفرٌ قليلٌ منهُم: فاتَهُمُ الحجُّ؛ لتفرِيطِهم، ولما ثبـتَ: (أنَّ هَبَّارَ بْنَ الأَسْوَدِ جَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ وَعُمَرُ رَضِيَ الله عَنهُ يَنْحَرُ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَخْطَأْنَا؛ كُنَّا نَرَى أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ؛ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ الله عَنهُ: اذْهَبْ إِلَى مَكَّةَ فَطُفْ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ، ثُمَّ انْحَرْ هَدْيًا إِنْ كَانَ مَعَكَ، ثُمَّ احْلِقُوا أَوْ قَصِّرُوا، وَارْجِعُوا؛ فَإِذَا كَانَ حَجٌّ قَابِلٌ فَحُجُّوا وَأَهْدُوا... ) [رواه مالك في (الموطأ)].
الرُّكن الثالثُ: طوافُ الإفاضةِ- ويُسمّى: طوافَ الزِّيارةِ-؛ لقولِهِ عز وجل: ﴿ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: 29]؛ وعنْ عائشةَ رضي اللهُ عنها قالتْ: (حَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ بَعْدَ مَا أَفَاضَتْ؛ فَذَكَرْتُ حيضَتَهَا لِرَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ؛ فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهَا قَدْ كَانَتْ أَفَاضَتْ وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَ الإِفَاضَةِ. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: فَلْتَنْفِرْ » [متفق عليه، واللّفظ لمسلم]؛ فهذا يدلُّ على أنّ طوافَ الإفاضةِ لا بُدَّ منهُ، وأنّ منْ لمْ يأتِ بهِ يُحبسُ لأجلِهِ.
- وأوّلُ وقتِ طوافِ الإفاضةِ: منْ نصفِ ليلةِ النحرِ لمنْ وقفَ قبلَ ذلكَ بعرفاتٍ؛ لوُجوبِ المبيتِ بمزدلفةَ إلى ما بعدَ نصفِ اللّيل. ومنْ لمْ يكنْ وقفَ قبلَ نصفِ اللّيلِ؛ فأوّلُهُ في حقِّهِ بعد الوقوفِ.
ولا حدَّ لآخرِ وقتِهِ، وفعلُهُ يومَ النحرِ أفضلُ؛ لقولِ ابنِ عمرَ رضي اللهُ عنهما: (أَفَاضَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ » [متفق عليه].
الرُّكن الرّابعُ: السَّعيُ بين الصَّفا والمروةِ؛ لقولِ النّبيِّ صلى الله عليه وسلم: ( اسْعَوْا؛ فَإِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ ) [رواه أحمد، وابن ماجه]، وقولِ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها: ( مَا أَتَمَّ اللهُ حَجَّ مَنْ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ ) [رواه مسلم].
ثانياً : واجباتُ الحجِّ:
واجباتُ الحجِّ سبعةٌ:
1- الإحرامُ منَ الميقاتِ المعتبرِ؛ لأنّ النّبيَّ صلى الله عليه وسلم وقّتَ المواقيتَ للمحرمِ.
2- الوقوفُ بعرفةَ إلى الغُروبِ لمنْ وقفَ نهاراً؛ لقولِ جابرٍ رضي الله عنه في حديثِهِ في صفةِ حجِّ النّبيِّ صلى الله عليه وسلم: ( فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفاً حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ ) [رواه مسلم]، وقولِهِ صلى الله عليه وسلم فيها: ( لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ؛ فَإِنِّي لاَ أَدْرِي لَعَلّي لاَ أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ ) [رواه مسلم].
3- المبِيتُ ليلةَ النّحرِ بمزدلفةَ إلى ما بعدَ نصفِ اللّيلِ؛ لقولِ جابرٍ رضي الله عنه في حديثِهِ: (حَتَّى أَتَى المُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا المَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ؛ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ ) [رواه مسلم]. مع قولِهِ صلى الله عليه وسلم: ( لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ ).
4- المبِيتُ بمنىً في ليالِي أيامِ التَّشريقِ؛ لقولِ عائشةَ رضي اللهُ عنها فيِ صفةِ حجِّهِ صلى الله عليه وسلم : ( ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ) [رواه أبو داود]، ولمفهومِ حديثِ ابنِ عمرَ رضي اللهُ عنهما: ( أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللهِ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ) [متفق عليه]؛ فإذنُهُ له يدلُّ على أنّه واجبٌ في حقِّ غيرِهِ.
5- رميُ الجمارِ مرتّباً؛ بأنْ يرمِيَ يومَ النّحرِ جمرةَ العقبةِ بسبعِ حصياتٍ؛ كما فعلَ النّبيُّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّمَ في حجّتِهِ [رواه مسلم].
ويرميَ الجمراتِ الثّلاثِ في أيّامِ التشريقِ بعدَ الزّوالِ كلَّ جمْرةِ بسبعِ حَصَياتٍ؛ يبدأُ بالجمرةِ الأُولى (الصُّغرى)، ثمَ الوُسْطى، ثمّ جمرةِ العقبةِ (الكُبرى)؛ لقولِ عائشةَ رضي اللهُ عنها: « ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ يَرْمِى الْجَمْرَةَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ؛ كُلَّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ؛ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ » [رواه أبو داود]. فإنْ خالفَ هذا التّرتيبَ لم يجزِهِ.
6- الحلقُ أو التّقصيرُ؛ لقولِهِ عز وجل: ﴿ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ﴾ [الفتح: 27]، ولأنّ النّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمر بذلك من لم يسُقِ الهديَ من أصحابِهِ؛ بقولِهِ : ( وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحْلِلْ ) [متّفق عليه]، وفي حديثِ ابنِ عمر رضي اللهُ عنهما: أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (رَحِمَ اللهُ المُحَلِّقِينَ. قَالُوا: وَالمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ الله. قَالَ: رَحِمَ اللهُ المُحَلِّقِينَ. قَالُوا: وَالمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ الله. قَالَ: رَحِمَ اللهُ المُحَلِّقِينَ. قَالُوا: وَالمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ الله. قَالَ: وَالمُقَصِّرِينَ ».
7- طوافُ الوَداعِ؛ لقولِ ابنِ عبّاسٍ رضي اللهُ عنهما: ( أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْمَرْأَةِ الحَائِضِ ) [متفق عليه].
ثالثاً: أركانُ العمرةِ وواجباتُها:
1) أركانُ العمرةِ:
أركانُ العمرةِ ثلاثةٌ:
أ- الإحرامُ: لقولِهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) [متّفق عليه].
ب- الطوافُ بالبيتِ: لقولِهِ عز وجل: ﴿ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: 29].
ج- السّعيُ بين الصّفا والمروةِ؛ لقوله عز وجل: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾ [البقرة: 158] ، وقولِ النّبيِّ صلى الله عليه وسلم: ( اسْعَوْا؛ فَإِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ ) [رواه أحمد، وابن ماجه].
2) واجباتُ العمرةِ:
واجباتُ العمرةِ شيئانِ:
أ- الإحرامُ بها منَ الحِلِّ؛ لقولِهِ صلى الله عليه وسلم لعائشةَ رضي الله عنها: ( اعْتَمِرِي مِنْ التَّنْعِيمِ ) [متّفق عليه، واللّفظ للبخاري].
ب- الحلقُ أو التّقصيرُ: لما سبق في واجباتِ الحجِّ.
رابعاً: سننُ الحجِّ:
يُسَنُّ للحاجِّ ما يلي:
1- المبيتُ بمنىً ليلةَ عرفةَ؛ لفعلِهِ صلى الله عليه وسلم ؛ ففي حديث جابرٍ رضي الله عنه قـال: ( فَـلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى؛ فَأَهَلُّوا بِالحَجِّ وَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ؛ فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ ) [رواه مسلم].
2- طوافُ القُدومِ للمُفردِ والقارنِ؛ لحديثِ عُروةَ قال: أخبرتني عائشةُ رضي اللهُ عنها: ( أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ ) [متفق عليه].
3- الرَّمَلُ في الثلاثةِ الأشواطِ الأُوَل ِمنْ طوافِ القُدومِ؛ لحديثِ جابرٍ رضي الله عنه : ( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ طَافَ سَبْعاً؛ رَمَلَ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعاً ) [رواه النّسائي]. والرَّملُ: إسراعُ المشيِ مع مقاربةِ الخُطى.
4- الاضطباعُ يِ طوافِ القدومِ؛ بأنْ يجعلَ وسطَ الرِّداءِ تحتَ عاتقِهِ الأيمنِ، وطرفيهِ على عاتِقهِ الأيسرِ؛ لحديثِ ابن عباس: ( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ اعْتَمَرُوا مِنَ الْجِعْرَانَةِ؛ فَرَمَلُوا بِالْبَيْتِ وَجَعَلُوا أَرْدِيَتَهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ؛ قَدْ قَذَفُوهَا عَلَى عَوَاتِقِهِمُ الْيُسْرَى ) [رواه أبو داود].
5- تجرُّدُ الرّجلِ من المَخيطِ عندَ الإحرامِ، ولُبسُ إزارٍ ورداءٍ أبيضَيْنِ نظيفَيْنِ؛ لحديثِ ابنِ عمرَ مرفوعاً: ( لِيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ ) [رواه أحمد]. ولقولِهِ صلى الله عليه وسلم: ( الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ الْبَيَاضَ ) [رواه أبو داود والتّرمذيّ والنّسائيّ].
6- التَّلبيةُ منْ حينِ الإحرامِ إلى رميِ جمرةِ العقبةِ؛ لحديثِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما: (أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِى الحُلَيْفَةِ أَهَلَّ فَقَالَ:لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ؛ إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ ) [رواه مسلم]، وحديثِ الفضلِ بنِ عبّاسٍ رضي اللهُ عنهما: ( لَمْ يَزَلْ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ ) [متّفق عليه].
خامساً: حكمُ تركِ الرُّكنِ والواجبِ والمسنونِ:
1- منْ ترَكَ رُكناً من الأركانِ في الحجِّ أو العُمرةِ لمْ يتمَّ حجُّهُ إلّا بهِ؛ لما تقدَّمَ بيانُهُ.
2- منْ ترَكَ واجباً لحجٍّ أو عمرةٍ ولو سهواً؛ فعليهِ دمٌ، وحجُّهُ صحيحٌ؛ لقولِ ابنِ عبّاس رضي اللهُ عنهما: ( مَنْ تَرَكَ نُسُكاً فَعَلَيْهِ دَمٌ ) [رواه مالك في (الموطأ)].
3- منْ ترَكَ مسنوناً؛ فلا شيءَ عليهِ؛ لعدمِ ورودِ النّصِّ في ذلكَ.

شروط صحة الطواف وسننه
أولاً : شروط صحة الطواف :
يشترط لصحة الطواف أحد عشر شرطاً لابد من الإتيان بها وإلا بطل الطواف، وهي على النحو التالي :
الأول : الإسلام : فلا يصح الطواف من الكافر ؛ لأنه ليس من أهل العبادة .
الثاني : النية ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّما الأَعْمالُ بِالنِّيَّاتِ) [رواه البخاري ومسلم]
الثالث : العقل ؛ فلا يصح الطواف من المجنون ؛ لأنه لا نية له .
الرابع : دخول وقت الطواف ؛ فلابد أن يوقع طواف الإفاضة – وهو الركن - في وقته , ووقته كما مرَّ يبدأ من منتصف ليلة النحر لمن وقف بعرفة , وإلا فبعد الوقوف .
الخامس: ستر العورة ؛ لحديث (... وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ ) [رواه البخاري ومسلم] .
السادس والسابع: اجتناب النجاسة, والطهارة من الحدث الأصغر والأكبر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (الطَّوَافُ حَوْلَ البَيْتِ مِثْلُ الصَّلاةِ، إِلاَّ أَنَّكُم تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ، فَمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ فَلا يَتَكَلَّمَنَّ إِلاَّ بِخَيرٍ) [رواه الترمذي والبيهقي] . فجعل الطواف مثل الصلاة, والصلاة يشترط لها الطهارة من الحدثين واجتناب النجاسة لبدنه وثوبه , فكذلك في الطواف . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت في الحج : (افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي ) [رواه البخاري ومسلم] .
الثامن: أن يطوف سبعة أشواط ؛لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف سبعاً وقال: ( يَا أَيُّها النَّاسُ خُذُوا مَنَاسِكَكُم فَإِنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بَعْدَ عَامِي هَذَا ) [رواه مسلم والنسائي واللفظ له] . فلو طاف أقل من سبعة أشواط فطوافه غير صحيح .
ولابد أن يكون الطواف بجميع البيت وإلا كان الطواف غير صحيح ؛ لقول الله تعالى : ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: 29] . وهذا يقتضي الطواف بجميعه .
- والْحِجْرِ من البيت ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( سَأَلْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحِجْرِ أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ : نَعَمْ ) [رواه البخاري ومسلم واللفظ له] .
التاسع : أن يجعل البيت عن يساره أثناء الطواف ؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر الطويل في وصف حجته عليه الصلاة والسلام, وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : (يَا أَيُّها النَّاسُ خُذُوا مَنَاسِكَكُم فَإِنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بَعْدَ عَامِي هَذَا ) .
العاشر : أن يطوف ماشياً إذا كان قادراً على المشي ؛ فلو طاف راكباً لغير عذرٍ فطوافه غير صحيح ؛ لأن الطواف بالبيت صلاة كما سبق. أما إذا طاف راكباً لعذرٍ فطوافه صحيح ؛ لحديث أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: ( شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَشْتَكِي. قَالَ: طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ ) [رواه البخاري ومسلم] .
الحادي عشر : الموالاة في الطواف ؛ وذلك بأن يوالي بين الأشواط السبعة فلا يفصل بينها ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف كذلك وقد قال : ( خُذُوا مَناسِكَكُم) . فلو ترك المولاة بين أشواط الطواف فطوافه غير صحيح , وعليه أن يعيد الطواف .
إلا إذا كان الفصل يسيراً عُرْفاً أو أقيمت الصلاة أو حضرت جنازة أثناء الطواف فإنه يصلي ثم يكمل طوافه ولا يستأنفه من جديد ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ صَلاَةَ إِلاَّ المَكْتُوبَةُ) [رواه مسلم] . والطواف صلاة فيدخل تحت عموم هذا الحديث .
- إذ أَحْدَث أثناء الطواف فعليه أن يقطع الطواف ثم يتطهر ويبتدئ الطواف من جديد ؛ لأن الطهارة شرط لصحته كالصلاة كما سبق , فإذا أحدث فقد بطل الطواف .
ثانياً : سنن الطواف :
يسن في الطواف ما يلي :
أ - استلام الحجر الأسود - أي مسحه باليد - وتقبيله ؛ لحديث نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لاَ يَدَعُ أَنْ يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِىَ وَالْحَجَرَ فِى كُلِّ طَوْفَةٍ .قَالَ- نافع- وَكَانَ عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ) [رواه أبو داود] .
وأما التقبيل ؛ فلما ثبت عن عمر رضي الله عنه (أَنَّهُ جَاءَ إِلَى الحَجَرِ فَقَبَّلَهُ فَقَالَ: إِنِّى أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لاَ تَنْفَعُ وَلاَ تَضُرُّ، وَلَوْلاَ أَنِّى رَأَيْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ) [رواه أبو داود] .
فإن شقَّ عليه تقبيله , استلمه بيده وقبَّل يده ؛ لما رواه نافع قَالَ : (رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَسْتَلِمُ الحَجَرَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَبَّلَ يَدَهُ، وَقَالَ : مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ) [رواه مسلم] .
فإن شقَّ استلامه بيده فإنه يشير إليه بيده أو بعصا دون تقبيل لليد أو للعصا ؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما ( أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ طَافَ بِالْبَيْتِ وَهُوَ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ وَكَبَّر ) [رواه البخاري] .
ب- استلام الركن اليماني دون تقبيله ؛ لحديث ابن عمر السابق (كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لاَ يَدَعُ أَنْ يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِىَ وَالْحَجَرَ فِى كُلِّ طَوْفَةٍ ) . وأما تقبيله : فلم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يُسنُّ . قاله ابن قدامة .
ج- الاضطباع : مأخوذ من الضبع وهو عضد الإنسان , وهو تعرية المنكب الأيمن وجمع الرداء على الأيسر؛ وذلك لحديث يعلى بن أمية رضي الله عنه (أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ طَافَ بالْبَيْتِ مُضْطَبِعًا وعليه بُرْد ) [رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة] . فإذا فرغ من الطواف أعاد إحرامه إلى هيئته الطبيعية .
د - الرَّمَل : وهو إسراع المشي مع تقارب الخُطَى بلا وثب . ويكون ذلك في الأشواط الثلاثة الأولى فقط أما الأربعة الأخيرة فيمشي فيها؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ : ( رَمَلَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنَ الحَجَرِ إِلَى الحَجَرِ ثَلاَثًا وَمَشَى أَرْبَعًا ) [رواه مسلم] .
- الرَّمَل والاضطباع مُستحَبَّان لغير أهل مكة في طواف القدوم والعمرة - لمن حجَّ متمتعاً - فقط دون غيرهما من المناسك ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إنما اضْطَبَعوا ورَمَلوا فيهما فقط . ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرْمُلْ فِى السَّبْعِ الَّذِي أَفَاضَ فِيهِ ) [رواه أبو داود وابن ماجة] .
هـ - صلاة ركعتين بعد الطواف : فيُسنُّ للطائف أن يصلي ركعتين بعد فراغه من الطواف , ويستحب أن يركعهما خلف المقام ؛ لقوله تعالى : ﴿ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾ [البقرة : 125] . ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما (قَدِمَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، ثُمَّ صَلَّى خَلْفَ اْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ ...) [رواه البخاري] . ويستحب أن يقرأ فيهما : ﴿قل يا أيها الكافرون﴾ في الأولى , و﴿قل هو الله أحد﴾ في الثانية ؛ لحديث جابر الطويل في وصف حجة النبي صلى الله عليه وسلم (كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِى الرَّكْعَتَيْنِ بِـ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) وَبِ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)) [رواه البخاري مسلم واللفظ له].



فصل في شروط صحة السعي بين الصفا والمروة وسننه
أولاً : شروط صحة السعي بين الصفا والمروة :
يُشْترط لصحة السعي بين الصفا والمروة ثمانية شروط :
- ( الإسلام , العقل , النية ): وهذه الشروط الثلاثة شرط في سائر العبادات, وقد سبق الكلام عليها .
- الشرط الرابع : الموالاة : فيلزمه أن يوالي في سعيه بين الأشواط السبعة ولا يفصل بينها وإلا بطل السعي ؛ قياساً على الطواف . إلا إذا كان الفصل يسيراً عُرْفاً , أو أُقيمت الصَّلاة , أو حضرت جنازة للصلاة عليها ، فله أن يصلي ويكمل سعيه كما مرَّ في الطواف .
- الشرط الخامس : المشي مع القدرة : فلا يجوز له أن يسعى راكباً إلا لعذرٍ وإلا بطل سعيه ؛ قياساً على الطواف .
- الشرط السادس : أن يكون السعي بعد طوافٍ – حتى لو كان هذا الطواف سنَّة كطواف القدوم - ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سعى بعد طوافه وقد قال : ( يَا أَيُّها النَّاسُ خُذُوا مَنَاسِكَكُم فَإِنَّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بَعْدَ عَامِي هَذَا) [رواه مسلم والنسائي واللفظ له] .
فلو سعى دون أن يُسْبق هذا السعي بطواف فسعيه غير صحيح . وكذا إذا سعى بعد طوافٍ لكن هذا الطواف لم يكن على طهارةٍ ، فسعيه أيضاً غير صحيح ؛ لبطلان الطواف الذي تقدمه .
- لا يُشْترط أن يكون السعي بعد الطواف مباشرةً بل ذلك سنَّة , فلو أخَّر السعي إلى الليل فلا بأس. قال الإمام أحمد: «لا بأس أن يؤخر السَّعي حتى يستريح أو إلى العَشيّ» [المغني ( 3/411 )] .
الشرط السابع : أن يكون السعي سبعة أشواطٍ : فيجب عليه أن يسعى بين الصفا والمروة سبع مرات ؛ لفعله صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عمر (... وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ سَبْعًا...) [رواه البخاري ومسلم] .
- يبدأ بالصفا ويختم بالمروة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالصفا كما في حديث جابر وفيه: (...فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ الله ﴾ أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ . فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقِىَ عَلَيْهِ ...) [رواه البخاري ومسلم] . فلو بدأ بالمروة قبل الصفا لم يُعتد بذلك الشوط ولا يُحتسب .
- ويكون ذهابه من الصفا إلى المروة شوطاً ورجوعه من المروة إلى الصفا شوطاً آخر ؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر في وصف حجتة عليه الصلاة والسلام .
الشرط الثامن : استيعاب ما بين الصفا والمروة : فيجب عليه أن يستوعب جميع المكان الذي بين الصفا والمروة بالسعي ؛ لفعله صلى الله عليه وسلم . وقد قال : (يَا أَيُّها النَّاسُ خُذُوا مَنَاسِكَكُم ...) . فلو ترك خطوة منه لم يصح سعيه .
ثانياً: سنن السعي:
يستحب في السعي بين الصفا والمروة ما يلي:
1- الطهارة من الحَدَثين: فيُستحب له أن يسعى على طهارة، لأنه ذكر لله عزوجل، والذكر يستحب الإتيان به على طهارة. فلو سعى وهو مُحْدث فسعيه صحيح ويُجزئه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت: (افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحاجُّ غَيْرَ أَنْ لاََََ تَطُوفيِ بِالبَيَتِ حَتَّى تَطْهُرِي) [رواه البخاري ومسلم]. فمنعها النبي صلى الله عليه وسلم من الطواف فقط وهي حائض فدلَّ ذلك على جواز السعي وغيره من المناسك بغير طهارة.
2- الموالاة بينه وبين الطواف: وذلك بأن يسعى بعد الطواف وصلاة الركعتين خلف المقام مباشرةً فلا يُفَرِّق بينهما طويلاً ؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في وصف حجته.
ثالثاً: سنن وآداب في الحج :
ومن السنَّه في الحج ما يلي:
1- أن يَشْرب من ماء زمزم لما أحبَّ من أمور الدين والدنيا ويرش منه على بدنه وثوبه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ ) [رواه أحمد وابن ماجة]. ولحديث علي رضي الله عنه (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِسَجْل - الدَّلْوِ المَمْلُوءِ بِالمَاءِ - مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، فَشَرِبَ مِنْهُ وَتَوَضَّأَ) [رواه عبدالله بن الإمام أحمد في زوائده على المسند].
2- يدعو عند الشُّرْب منه ويقول : «بسم الله، اللهم اجعله لنا علماً نافعاً ورزقاً واسعاً ورِيَّاً وشِبِعاً وشفاءً من كل داءٍ، واغسل به قلبي واملأه من خشيتك» ؛ لأن هذا الدعاء لائق بهذا الفعل، وهو شامل لخيري الدنيا والآخرة. ولأثر عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِذَا شَرِبَ مَاءَ زَمْزَم قال: اللَّهُمَّ إِنَّي أَسألَك عِلْماً نَافِعاً، وَرِزْقاً وَاسِعاً، وَشِفاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ) [رواه الحاكم والدارقطني بإسناد ضعيف].
3- الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (صَلاَةٌ فِى مَسْجِدِى هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ ) [رواه مسلم]. ولحديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فَضْلُ الصَّلاَةِ في المَسْجِدِ الحَرَامِ عَلَى غَيْرِهِ مائَةُ أَلْف صَلاَةٍ ، وَفي مَسْجِدِي أَلْفُ صَلاَةٍ ، وَفي مَسْجِدِ بَيْتِ المَقْدِسِ خَمْسُمائَةِ صَلاَة ) [رواه البَزَّار والطحاوي والبيهقي في شُعَب الإيمان].
4- زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبريّ صاحبيه (أبي بكر وعمر رضي الله عنهما) ؛ لحديث ( مَنْ زَارَ قَبْرِي ، أَوْ قَالَ : مَنْ زَارَنِى كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا) [رواه أبو داود الطيالسي والبيهقي بإسناد ضعيف].

ضحية
1) تعريفُ الأُضحِية:
الأضحية : ما يُذبحُ من الإبلِ أو البقرِ أو الغنمِ الأهليّةِ أيّامَ النَّحرِ الثّلاثةِ بسببِ العيدِ؛ تقرُّباً إلى اللهِ تعالى.
2) حكمُ الأُضحية:
أ - هِيَ سُنّةٌ مؤكَّدةٌ؛ لحديثِ أنسٍ رضي الله عنه قال: ( ضَحَّى رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ) [متفق عليه]، والأملحُ: الأبيضُ الّذي يخالطُهُ سوادٌ.
ويُكرَهُ تركُ التّضحيةِ مع القدرةِ عليها .
ب- تجبُ الأضحيةُ بالنذرِ؛ لقولِهِ صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ ) [رواه البخاريُّ].
وتتعيّنُ الأضحيةُ بقولِهِ: « هذِه أضحيةٌ، أو هذِهِ للهِ »؛ لأنّ ذلكَ يقتضي الإيجابَ؛ فتتعيّنُ عليهِ كتعيُّنِ الهديِ.
3) الأفضلُ في الأضحيةِ:
الأفضلُ في الأضحيةِ: الإبلُ، فالبقرُ، فالغنمُ؛ لحديث أبي هريرة أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: ( مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فيِ السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فيِ السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ ) [متفق عليه].
ولا تُجزئُ الأضحيةُ من غيرِ الإبلِ، والبقرِ، والغنمِ؛ لقولِهِ عز وجل: ﴿ لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ﴾ [الحج: 34].
4) الأضحيةُ الواحدةُ تجزئُ عن أهلِ البيتِ:
تجزئُ الشّاةُ الواحدةُ عن الرّجلِ الواحدِ، وعن أهلِ بيتِه وعيالِهِ؛ لقولِ أبي أيّوبٍ رضي الله عنه: ( كَانَ الرَّجُلُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُضَحِّي بِالْشَّاةِ عَنْهُ، وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ ) [رواه الترمذي وابن ماجه].
وتُجزىُ البَدَنةُ والبقرةُ عن سبعةٍ؛ لحديثِ جابرٍ رضي الله عنه قال: ( نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَامَ الحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ ) [رواه مسلم].
5) السِّنُّ المُجزِئةُ في الأضحيةِ:
أ - أقلُّ ما يجزئُ من الضَّأنِ: ما لهُ نصفُ سنةٍ (ستّةُ أشهرٍ)؛ لحديثِ عقبةَ بنِ عامرٍ رضي الله عنه قال: (قَسَمَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِينَا ضَحَايَا فَأَصَابَنِي جَذَعٌ؛ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ أَصَابَنِي جَذَعٌ؛ فَقَالَ: ضَحِّ بِهِ ) [متفق عليه].
ب- أقلُّ ما يُجزئُ منَ المعزِ: ما لهُ سنةٌ؛ لحديثِ جابرٍ رضي الله عنه مرفوعاً: ( لاَ تَذْبَحُوا إِلاَّ مُسِنَّةً إِلاَّ أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ ) [رواه مسلم]. والمرادُ بالمُسِنَّةِ الثَّنيُّ، وهو في المَعزِ ما لهُ سنةٌ.
ج- أقلُّ ما يُجزئُ منَ البقرِ والجامُوسِ: ما لهُ سنتانِ؛ للحديثِ السّابقِ.
د- أقلُّ ما يُجزئُ منَ الإبلِ: ما لهُ خمسُ سنينَ؛؛ للحديثِ السّابقِ أيضاً.
6- ما يُجزئُ من الصفات وما لا يُجزِئُ في الأضحيةِ:
أ- ما يُجزئُ في الأضحيةِ:
يُجزئُ في الأضحيةِ:
- الجَمّاءُ : وهي الّتي لم يخلقْ لها قرنٌ.
- والبَتْراءُ : وهي الّتي لا ذنبَ لها خِلْقةً أو مقطوعاً.
- والخصيُّ : وهو ما قطعتْ خصيتاهُ أو سلّتا أو رُضّتا.
- والحامِلُ: وما خُلقَ بلا أذنٍ، أو ذهب نصفُ إليتِهِ أو أُذنِهِ؛ لدخولِ ذلك كلِّهِ في عمومِ أحاديثِ الأضحيةِ، ولحديثِ أبي رافعٍ رضي الله عنه قال: (ضَحَّى رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجِيَّيْنِ خَصِيَّيْنِ ) [رواه أحمد وابن ماجه]. والمُوجِيُّ: الخصيُّ.
- وتكرهُ المعيبةُ بخَرْقِ أذنِها أو شقِّها، أو قُطعَ منها أقلَّ من النِّصفِ؛ لقولِ عليٍّ رضي الله عنه : «أَمَرَنَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالأُذُنَيْنِ » [رواه الأربعةُ].
ب- ما لا يجزئُ في الأضحيةِ:
1- لا تُجزئُ في الأضحيةِ: بَيِّنةُ المرضِ، ولا بيّنةُ العَوَرِ- بأن انخَسَفتْ عينُها-، ولا قائمةُ العينينِ مع ذَهابِ إِبصارِهما، ولا عجفاءُ - وهي الهزيلةُ الّتي لا مُخَّ فيها-، ولا عَرْجاءُ - وهي الّتي لا تطيقُ مشياً مع صحيحةٍ-؛ لحديثِ البراءِ بنِ عازبٍ رضي الله عنه مرفوعاً (أَرْبَعٌ لاَ تَجُوزُ فِى الأَضَاحِي: الْعَوْرَاءُ بَيِّنٌ عَوَرُهَا، وَالمَرِيضَةُ بَيِّنٌ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ بَيِّنٌ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرُ - وفي روايةٍ: العَجْفاءُ- الَّتِي لاَ تَنْقَي» [رواه الأربعة، واللّفظُ لأبي داود، والرّوايةُ الأخرى للتّرمذيّ والنّسائيّ]. ومعنى لا تُنقِي: أي لا مخَّ فيها.
2- ولا تجزئُ الهَتْماءُ؛ وهي الّتي ذهبَتْ ثناياها من أصلِها؛ لقُصورِها عن تغذيةِ نفسِها؛ فصارتْ في معنى العَجفاءِ.
3- ولا تُجزئُ العضباءُ - وهي ما ذهبَ أكثرُ أذنِها أو قرنِها-، ولا العصماءُ - وهي ما انكسرَ غلافُ قرنِها-؛ لحديثِ علي رضي الله عنه: (أنّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَن يُّضَحَّى بِأَعْضَبَ الْقَرْنِ وَالْأُذُنِ » [رواه الأربعة]. وقيستْ عليها العصماءُ.
4- ولا يُجزئُ خصيٌّ مَجْبوبٌ؛ وهو ما قُطع ذكرُهُ وأُنثياهُ؛ لفقدِ عضوٍ من أعضائِهِ؛ فأشبهَ الغضباءَ.

ل في سنن ذبح الأضحية وآدابها
1) صفة نحر أو ذبح الأضحية :
أ - يُسْتحبُّ في نحر الإبل : أن تُنحر- أي تطعن في الوهدة التي بين عنقها وصدرها - قائمةً معقولة – مربوطة – اليد اليسرى ؛ لقول الله تعالى : ﴿ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ﴾ [الحج : 36] . قال ابن عباس:﴿صَوَافَّ﴾ قِيَامًا. [رواه البخاري] . ولحديث زياد بن جُبَير قَالَ: (رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَنَاخَ بَدَنَتَهُ يَنْحَرُهَا، قَالَ : ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً سُنَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ) [رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري] . ولحديث عبد الرحمن بن سابط (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يَنْحَرُونَ الْبَدَنَةَ مَعْقُولَةَ الْيُسْرَى قَائِمَةً عَلَى مَا بَقِىَ مِنْ قَوَائِمِهَا) [رواه أبو داود] .
ب - أما في البقر والغنم : فيستحب ذبحه بعد إضجاعه على جنبه الأيسر موجهاً إلى القبلة ؛ لقوله تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ﴾ [البقرة : 67] . ولحديث أنس رضي الله عنه قال: (ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا) [رواه البخاري ومسلم] . والصِّفاح : جمع صَفْحة؛ وهى الجانب .
- ويقول عند الذبح : باسم الله (وجوباً) ؛ والله أكبر اللهم هذا منك ولك (استحباباً ) ؛ لقول الله عز وجل ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ﴾ [الأنعام : 121] . ولفعل النبي صلى الله عليه وسلم لما ذبح الكبشين يوم الأضحى قال : (اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ ، بِاسْمِ الله وَاللهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ ذَبَحَ) [رواه أبو داود] .
- يستحب له أن يتولى الذبح بنفسه هدياً كانت أو أضحية ؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ذبح أضحيته بيده كما في الحديث السابق , ونحر من البُدُن التي أهداها في حجة الوداع ثلاثاً وستين بدنة بيده . ولأن فعل الذبح قُرْبة وتَوَلِّي القربة بنفسه أولى من الاستنابة فيها . فإن وكَّل من يذبح عنه فلا بأس ؛ لأنه صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ استناب علياً رضي الله عنه في نحر ما بقي من بُدُنه .
2) وقت ذبح الأضحية :
وقت الذبح يبدأ بعد أول صلاة عيد بالبلد ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ ضَحَّى قَبْلَ الصَّلاَةِ فَإِنَّمَا ذَبَحَ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ المُسْلِمِينَ) [رواه البخاري ومسلم واللفظ له] .
- فإن ذبح قبل ذلك لم يجزئه عن الأضحية وإنما هو لحم لأهله ؛ لحديث أنس رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ : (مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَلْيُعِدْ) [رواه البخاري ومسلم] .
- ويستمر وقت الذبح- ليلاً أو نهاراً - إلى آخر اليوم الثاني من أيام التشريق - وهو يوم الثاني عشر من ذي الحجة – وعليه فلا يجزئ الذبح في اليوم الثالث من أيام التشريق ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نَهَى أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الأَضَاحِى بَعْدَ ثَلاَثٍ) [رواه البخاري و مسلم واللفظ له] . ومن غير الجائز أن يكون الذبح مشروعاً في وقت يحرم فيه الأكل .
- فإذا انتهى وقت الذبح – وذلك بغروب شمس يوم الثاني عشر من ذي الحجة – دون أن يُضحِّي وكانت الأضحية واجبة بأن كانت نذراً ونحو ذلك، فإنها لا تسقط بل يجب ذبحها قضاءً ؛ لأن الذبح أحد مقصودي الأضحية فلا يسقط بفوات وقته . أما إذا لم تكن واجبه فحينئذٍ تسقط ؛ لأنها سنَّة قد فات محلها .
3) الأكل من الأضحية وتقسيمها :
- يُسْتحب للمضحي أن يأكل من أضحيته حتى لو كانت واجبة كالمنذورة مثلاً ؛ لحديث ثوبان رضي الله عنه قال : ( ذَبَحَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ضَحِيَّتَهُ ثُمَّ قَالَ: يَا ثَوْبَانُ أَصْلِحْ لحْمَ هَذِهِ. فَلَمْ أَزَلْ أُطْعِمُهُ مِنْهَا حَتَّى قَدِمَ المَدِينَةَ) [رواه مسلم] .
- والسنَّةُ في الأضحية أن يقسمها ثلاثاً : ثلث له ولأهله , وثلث يهديه , وثلث يتصدق به ؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما في صفة أضحية النبي صلى الله عليه وسلم قال : (وَيُطْعِمُ أَهْلَ بَيْتِهِ الثُّلُثَ، وَيُطْعِمُ فُقَرَاءَ جِيرَانِهِ الثُّلُثَ، وَيَتَصَدَّقُ عَلَى السُّؤَّالِ بِالثُّلُثِ ) [ذكره ابن قدامة في المغني وقال : رواه الحافظ أبو موسى الأصفهاني وقال حديث حسن] . ولأن الله تعالى قال : ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالمُعْتَرَّ ﴾ [الحج : 36] . والقانع : السائل , والمعتر: هو الذي يعتريك أي: يتعرض لك لتطعمه دون أن يسأل . فذكر ثلاثة أصنافٍ فينبغي أن تُقَسَّم بينهم أثلاثاً .
- يجب عليه أن يتصدق بشيء منها ولو بأقل ما يُطلق عليه اسم اللحم ؛ لقول الله عز وجل : ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالمُعْتَرَّ ﴾ والأمر يقتضي الوجوب . فإن لم يفعل ضَمِن هذا القدر المُجزئ ، ومن ثَمَّ يجب عليه أن يشتري ما يعادله لحماً ويتصدق به ؛ لأنه حق يجب عليه أداؤه . والمعتبر هو إعطاء الفقير منها كالزكاة , فلا يكفي إطعامه .
4) ما يَحْرُم في الأضحية :
أ - يحرم على من أراد الأضحية أن يأخذ شيئاً من شعره أو أظفاره إذا دخلت عشر ذي الحجة حتى يَذْبح ؛ لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت : قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذَا أُهِلَّ هِلاَلُ ذِى الْحِجَّةِ فَلاَ يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلاَ مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّىَ) [رواه مسلم] .
فإذا ذبح فيُسن له الحلق بعده ؛ قال الإمام أحمد وهو على ما فَعَلَ ابن عُمَرَ رضي اللهُ عنهما تَعْظِيمٌ لِذَلِكَ الْيَوْمِ) ، ولأنه كان ممنوعاً من ذلك قبل أن يُضَحِّي فَاسْتُحب له ذلك بعده كالمُحْرِم .
ب- يحرم بيع شيء من الأضحية حتى شعرها وجلدها، وكذا يحرم إعطاء الجازر منها شيئاً على سبيل الأجرة ؛ لحديث عليٍّ رضي الله عنه (قَالَ أَمَرَنِى رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا، وَأَنْ لاَ أُعْطِىَ الجَزَّارَ مِنْهَا. قَالَ : نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا ) [رواه البخاري ومسلم] . والأَجِلّة : جمع جلٍّ , وهو الكساء الذى يُطرح على ظهر البعير.
لكن يجوز له أن يعطيه منها على سبيل الهدية , أو على سبيل الصدقة إن كان فقيراً ؛ لدخوله في عموم من يحق له الأخذ منها , بل هو أولى ؛ لأنه باشرها وتاقت نفسه إليها
5) الأكل من الهَدْ ي :
- إذا ذبح الحاج هَدْياً على سبيل التطوع فيُستحب له أن يأكل منه شيئاً يسيراً ويتصدق بالباقي ؛ لفعله صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر الطويل في وصف حجته صلى الله عليه وسلم وفيه : (... ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِى قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلاَ - أي هو وعليُّ رضي الله عنه - مِنْ لَحمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا... ) [رواه البخاري ومسلم واللفظ له] .
- وأما إذا ذبح هَدْياً من أجل أنه حجَّ متمتعاً أو قارناً – وهذا الهَدْي واجب كما سبق- فيُباح له الأكل منه ؛ لأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تمتعن معه في حجة الوداع وأدخلت عائشة الحج على العمرة فصارت قارنة ثم ذبح النبي صلى الله عليه وسلم عنهن البقر فأكلن من لحومها . [رواه البخاري ومسلم بمعناه عن عائشة رضي الله عنها] . ولأنهما دَمَا نُسك فأشبها دم التطوع .
- وأما ما عدا هَدْي التمتع والقِرَان من الدماء الواجبة فلا يحل له الأكل منها ؛ لأنها وجبت بسبب فعل محظور فأشبه جزاء الصيد .

فصـــل في العقيقــة
أولاً : معنى العقيقة :
هي الذبيحة التي تذبح عن المولود .
ثانياً : حكم العقيقة :
العقيقة سنة مؤكَّدة على الأب غنياً كان أو فقيراً ؛ لما ثبت عن سلمان بن عامر الضَّبِّي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى) [رواه البخاري] ، وعن سمرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (كُلُّ غُلاَمٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُدَمَّى) [رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه] .
ثالثاً : ما يجزئ في العقيقة :
1) يجزئ في العقيقة ما كان من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم ، ولا تجزئ العقيقة من غير هذه الأجناس.
2) إذا كان العقيقة من الغنم ؛ فيذبح عن الغلام شاتان ، وعن الجارية شاة واحدة ؛ لحديث أم كُرْز الكَعْبية قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (عَنِ الْغُلاَمِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ ، وَعَنِ الجَارِيَةِ شَاةٌ، لا يَضُرُّكُم أَذُكْرَاناً كُنَّ أَمْ إِنَاثاً) [رواه أبو داود والنسائي].
- ويستحب أن تكون الشاتان متماثلتين لقوله صلى الله عليه وسلم (شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ) قال الإمام أحمد : يعني متقاربتين أو متساويتين .
- فإن تعذر ذبح شاتين عن الغلام ، أجزأه ذبح شاة ؛ لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنِ الحَسَنِ وَالحُسَينِ كَبْشاً كَبْشاً) [رواه أبو داود].
- ولا فرق في الشاة أن تكون ذكوراً أو إناثاً ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أم كرز (لا يَضُرُّكُم أَذُكْرَاناً كُنَّ أَمْ إِنَاثاً).
3) إذا كانت العقيقة من الإبل أو البقر ، فلا يجزئ فيها إلا ما كان كاملاً؛ لأنها فدية عن النفس فلا تقبل التشريك .
4) يستحب في العقيقة أن يقطعها من المفاصل ولا يكسر عظمها تفاؤلاً بسلامة أعضاء المولود ؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت : (تُقَطَّعُ جُدُولاً ، وَلا يُكْسَرُ لَهَا عَظْمٌ ، فَيَأْكُلُ وَيُطْعِمُ وَيَتَصَدَّقُ) [رواه ابن أبي شيبة والحاكم]. والجُدُول : جمع جِـَدْل بالكسر والفتح ، وهو العضو .
رابعاً : وقت العقيقة :
يُسنُّ ذبح العقيقة عن المولود في اليوم السابع من ولادته ؛ لحديث سَمُرة بن جُندب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كُلُّ غُلامٍ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ، تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ، وُيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى) [رواه أبو داود والنسائي] ، فإن فات اليوم السابع فيذبح في اليوم الرابع عشر ، فإن فات ففي اليوم الحادي والعشرين ، لقول عائشة رضي الله عنها : (وَلْيَكُنْ ذَاكَ يَومُ السَّابِعِ ، فَإِنْ لَم يَكُنْ فَفِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ ، فَإِنْ لَم يَكُنْ فَفِي إِحْدَى وَعِشْرِينَ) [رواه الحاكم] . ثم بعد ذلك يذبحها متى تيسر له من غير اعتبار للأسابيع.
- يكره تلطيخ رأس المولود بدم العقيقة ؛ لما ثبت عن بريدة قال : (كُنَّا فِى الجَاهِلِيَّةِ إِذَا وُلِدَ لأَحَدِنَا غُلاَمٌ ذَبَحَ شَاةً وَلَطَّخَ رَأْسَهُ بِدَمِهَا ، فَلَمَّا جَاءَ اللهُ بِالإِسْلاَمِ كُنَّا نَذْبَحُ شَاةً وَنَحْلِقُ رَأْسَهُ وَنَلْطَخُهُ بِزَعْفَرَانٍ) [رواه أبو داود] . و عن عائشة رضي الله عنها قال : (وَكَانَ أَهْلُ الجَاهِلِيَةِ يَجْعَلُونَ قُطْنَةً فِى دَمِ الْعَقِيقَةِ وَيَجْعَلُونَهُ عَلَى رَأْسِ الصَّبِىِّ ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجْعَلَ مَكَانَ الدَّمِ خَلُوقًا) [رواه أبو يعلى والبيهقي] .
خامساً : آداب وسُنَن تتعلق بالمولود :
1) يُسنُّ حين ولادة المولود الأذان في أذنه اليمنى ، والإقامة في أذنه اليُسرى ؛ لما روى أبو رافع رضي الله عنه قال : (رَأَيْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَذَّنَ فِى أُذُنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِىٍّ - حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ - بِالصَّلاَةِ) [رواه أبو داود والترمذي].
2) ويُسنُّ تحنيك المولود ، وهو مضغ التَّمر ونحوه ثم دلكه بحنك المولود ؛ فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : (وُلِدَ لِي غُلَامٌ فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ ، فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ ، وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ ...) [رواه البخاري] .
3) يُسنُّ أن حَلْق رأس الغلام في اليوم السابع، ويُتصدَّق بوزنه فضة؛ لحديث سمرة بن جندب السابق. أما الأثنى فلا يُسنُّ حلق رأسها .
4) يسنُّ تسمية المولود في اليوم السابع ؛ لحديث سمرة بن جندب السابق.
ويجوز تسميته قبل اليوم السابع ؛ لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (وُلِدَ لِيَ اللَّيْلَةَ غُلاَمٌ فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِى إِبْرَاهِيمَ) [رواه مسلم] ، وعن أنس أيضاً أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِابْنٍ لأَبِي طَلْحَةَ مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ يَوْمَ وَلَدَتْهُ، فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ وَمَسَحَ وَجْهَهُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ الله [متفق عليه] .
سادساً : ما يُستحب التسمِّي به من الأسماء :
1) يُسنُّ تحسين اسم المولود ؛ وأفضل الأسماء وأحبها إلى الله ما تضمن تعبيداً لله تعالى ؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أَحَبُّ الأَسْمَاءِ إِلَى الله تَعَالَى عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُالرَّحْمَنِ) [رواه أبو داود والترمذي] .
2) ويُستحب التسمي بحَارث وهمَّام ؛ لحديث أبي وهب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَأَحَبُّ الأَسْمَاءِ إِلَى الله عَبْدُ الله وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ، وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ) [رواه أبو داود] .
3) يباح التسمي بأسماء الملائكة والأنبياء ؛ لحديث ابن وهب السابق ، وفيه : (تَسَمُّوا بِأَسْمَاءِ الأَنْبِياءِ ...) [رواه أحمد أبو داود والنسائي] ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي) [متفق عليه] ، وقد سمَّى النبي صلى الله عليه وسلم ولده إبراهيم ، وسمَّى ولد أبي موسى الأشعري إبراهيم .
سابعاً : ما يحرم التسمِّي به من الأسماء :
1) يحرم التسمي بشيء من أسماء الله تبارك وتعالى ؛ لحدي هانئ بن شريح (أَنَّهُ لَمَّا وَفَدَ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَعَ قَوْمِهِ سَمِعَهُمْ يَكْنُونَهُ بِأَبِى الحَكَمِ ، فَدَعَاهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ اللهَ هُوَ الحَكَمُ وَإِلَيْهِ الحُكْمُ ...) [رواه أبو داود والنسائي] ، وقد كناه النبي صلى الله عليه وسلم بأبي شريح أكبر أولاده .
2) ويحرم التسمِّي بما فيه تعبُّد لغير الله تعالى ؛ كعبد النبي ، وعبد الكعبة ، وعبد المسيح ؛ لأن العبودية لا تنبغي إلا لله تعالى ، وقد ثبت عن هانئ بن شريح قال : (وَفِدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في قَوْمِهِ ، فَسَمِعَهُمْ يُسَمُّونَ رَجُلاً عَبْدَ الحَجَرِ، فَقَالَ لَهُ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ : عَبْدُ الحَجَرِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: إِنَّما أَنْتَ عَبْدُ الله) [رواه ابن أبي شيبة] .
ثامناً : ما يُكره التسمِّي به من الأسماء :
1) يُكره التسمِّي بالأسماء القبيحة والتي فيها معصية ؛ كحَرْب ، والعَاص ، وشِهَاب ، وحَنْظَلَة ، ومُرَّة، وَحَزَن ؛ لحديث أبو وهب - فيما يستحب ويكره من الأسماء -: (وَأَقْبَحُهَا : حَرْبٌ ومُرَّة) [رواه أبو داود].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما (أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ غَيَّرَ اسْمَ عَاصِيَةَ ، وَقَالَ : أَنْتِ جَمِيلَةُ) [رواه مسلم].
2) ويكره التسمِّي بالأسماء التي فيها تَزْكِية أو تَفْخِيم أو تَعْظِيم ؛ كيَسَار ، ومُبارك ، ومُفْلح ، وخَيْر ، وسُرور ؛ لحديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لَا تُسَمِّ غُلَامَكَ أَفْلَحَ، وَلَا نَجِيحًا ، وَلَا يَسَارًا ، وَلَا رَبَاحًا ؛ فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ : أَثَمَّ هُوَ ، أَوْ أَثَمَّ فُلَانٌ ؟ قَالُوا : لَا) [رواه مسلم وأحمد واللفظ له] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه : (أَنَّ زَيْنَبَ كَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ ، فَقِيلَ : تُزَكِّي نَفْسَهَا . فَسَمَّاهَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ) [متفق عليه].
تاسعاً : اجتماع العقيقة والأضحية :
إذا اتفق وقت ذبح العقيقة مع وقت الأضحية ، فعق أو ضحَّى ونواهما جميعاً ، أجزأ ما ذبحه عن الأخرى ؛ لأنهما عباداتان من جنس واحد فصح دخول إحداهما في الأخرى ؛ كما لو اتفق يوم عيد ويوم جمعة فاغتسل لأحدهما ، وكما لو صلى ركعتين ينوي بهما تحية المسجد وسنة المكتوبة، أو ذبح المتمتع والقارن شاة يوم النحر أجزأ عن دم المتعة أو القرآن وعن الأضحية .


نقلت لتعم الفائدة ومن اجل ان نعبد الله كما يحب ويرضى وان يكون مرجع يقصدة الاعضاء والزوار

اسال الله لي ولكم التوفيق وان ينفعنى الله بما نقول ونسمع



 


الرد باقتباس
قديم 08-27-2013, 11:18 AM   #3


الصورة الشخصية لـ ملاذ الطير
ملاذ الطير غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 760
 تاريخ التسجيل :  Jun 2012
 أخر زيارة : 03-30-2014 (10:59 PM)
 المشاركات : 2,849 [ + ]
 تقييم العضوية :  20
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره مرة واحدة في مشاركة واحدة
الإفتراضي رد : مرجع الفقة الميسر كل ماتحب معرفتة عن عبادتك ؟؟؟



جزاك الله خير ونفع بك الاسلام والمسلمين



 


الرد باقتباس
قديم 08-27-2013, 03:22 PM   #4


الصورة الشخصية لـ حصيان
حصيان غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1979
 تاريخ التسجيل :  Jul 2013
 أخر زيارة : 01-16-2015 (07:47 AM)
 المشاركات : 431 [ + ]
 تقييم العضوية :  10
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
الإفتراضي رد : مرجع الفقة الميسر كل ماتحب معرفتة عن عبادتك ؟؟؟



[align=center]جزاك الله خير على هذه الموسوعة الدينية
وجعلها في موازين حسنـاتك

تحيــاتي [/align]



 


الرد باقتباس
قديم 08-29-2013, 12:33 AM   #5


الصورة الشخصية لـ شامخ منيف
شامخ منيف غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1088
 تاريخ التسجيل :  Oct 2012
 أخر زيارة : 04-10-2022 (09:38 AM)
 المشاركات : 7,610 [ + ]
 تقييم العضوية :  2483
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 60
تم شكره 246 مرة في 153 مشاركة
الإفتراضي رد : مرجع الفقة الميسر كل ماتحب معرفتة عن عبادتك ؟؟؟



جزاكم الله خير



 


الرد باقتباس
قديم 02-28-2014, 07:04 PM   #6


الرهيب غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2389
 تاريخ التسجيل :  Jan 2014
 أخر زيارة : 07-13-2014 (01:20 PM)
 المشاركات : 125 [ + ]
 تقييم العضوية :  10
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
الإفتراضي رد : مرجع الفقة الميسر كل ماتحب معرفتة عن عبادتك ؟؟؟



حسين دحه

جزاك الله خير

وكتب ذلك في ميزان حسناتك



 


الرد باقتباس
قديم 03-05-2014, 07:25 PM   #7


المرشح غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2437
 تاريخ التسجيل :  Feb 2014
 أخر زيارة : 03-20-2014 (08:37 PM)
 المشاركات : 403 [ + ]
 تقييم العضوية :  10
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
الإفتراضي رد : مرجع الفقة الميسر كل ماتحب معرفتة عن عبادتك ؟؟؟



جزاك الله خير



 


الرد باقتباس
قديم 10-24-2014, 03:38 PM   #8
مشرف الاقسام الأدبيه


أمين النصيري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2874
 تاريخ التسجيل :  Aug 2014
 أخر زيارة : 04-02-2015 (07:09 PM)
 المشاركات : 1,996 [ + ]
 تقييم العضوية :  33
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره مرة واحدة في مشاركة واحدة
الإفتراضي رد : مرجع الفقة الميسر كل ماتحب معرفتة عن عبادتك ؟؟؟



حسين
مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه



 


الرد باقتباس
قديم 01-05-2015, 02:06 AM   #9


الصورة الشخصية لـ روح السراب
روح السراب غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1000
 تاريخ التسجيل :  Dec 2013
 أخر زيارة : اليوم (08:11 AM)
 المشاركات : 27,045 [ + ]
 تقييم العضوية :  32906
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Brown
شكراً: 3,895
تم شكره 2,682 مرة في 1,724 مشاركة
الإفتراضي رد : مرجع الفقة الميسر كل ماتحب معرفتة عن عبادتك ؟؟؟



أخي العزيز حسين دحه

جزاك الله خيرالجزاء

وكتب ذلك في ميزان حسناتك



 
  مـواضـيـعـي


الرد باقتباس
الرد على الموضوع

Bookmarks

الكلمات الدلالية (Tags)
ماتحب , معرفتة , المخسر , الفقة , عبادتك , عن , ؟؟؟ , كل


Currently Active Users Viewing This Thread: 1 (0 members and 1 guests)
 

قوانين المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML مغلق
Trackbacks are متاح
Pingbacks are متاح
Refbacks are متاح


مواضيع مشابهة
الموضوع الكاتب المنتدى المشاركات آخر مشاركة
توتر قبلي بين دهم واشراف المجزر راعي الاوله أخبار اليمن السعيد 1 05-03-2014 10:23 PM
الصديق المخسر عدومبين زعيم المدينة النقاش العام والمواضيع العامة 5 03-01-2013 11:05 PM
سعودي يكافئ سائق تاكسي أرجع له 36 ألفاً بـ10 دراهم ! وادي العوهل النقاش العام والمواضيع العامة 10 09-29-2012 07:29 AM
من بستان الفقة الاسلامى الطارق الاسلام ديننا و حياتنا 0 08-02-2012 04:26 AM


شات تعب قلبي تعب قلبي شات الرياض شات بنات الرياض شات الغلا الغلا شات الود شات خليجي شات الشله الشله شات حفر الباطن حفر الباطن شات الامارات سعودي انحراف شات دردشة دردشة الرياض شات الخليج سعودي انحراف180 مسوق شات صوتي شات عرب توك دردشة عرب توك عرب توك


جميع الأوقات GMT +3. الساعة الآن 08:56 AM.


.
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
.

Search Engine Friendly URLs by vBSEO