عن الحكواتي صاحب "المغازي"

"المغازي" , الحكواتي , ساحة , عن

عن الحكواتي صاحب "المغازي"

عن الحكواتي صاحب "المغازي"

والكلام القليل.. الكثير

لو لم أكن مؤلفًا ومترجمًا وملخصًا للكتب، لوددت – وربما اضطررت – أن أكون حكواتيًا. فكلما هممت في كتابة مقالة أو بدء محاضرة، تداعت القصص والمواقف والطرائف إلى خاطري. عندما كتبت مقدمة كتاب "السبب قبل الذهب" قبل عقد من الزمن، وجدتني وبلا تخطيط مسبق أسرد بعضًا من سيرة حياتي. قلت في المقدمة: "من المهم أن يعرف الإنسان أنه ليس موهوبًا بما يكفي لكي لا يستريح ويتراخى معولاً على موهبته، وليس غبيًا بما يكفي لكي ييأس فلا يحاول." فمن خلال خمس وعشرين كلمة فقط، لخصت سر النجاح في "الكفاح."



وقبل عشرين عامًا ترجمت كتاب "الخروج من الصندوق" ولم تشبع نصائح المؤلف فضولي، فأضفت إليها بعض أفكاري، وعندما أعدت قراءتها اكتشفت أنني كتبت واحدة من أجمل مقولاتي، ونصها: "إذا لم يكن لديك ما تعمله، اعمل أي شيء، فالزمن لا يتوقف عن العمل. وإذا لم يكن لديك ما تقوله، لا تقل شيئًا، فالزمن يعمل بصمت." فهل كانت فلسفة العمل الجاد والحكمة العملية بالنسبة إليَّ فطرة أم صناعة؟



حضرت في عام 2004 محاضرة لمدرب مبيعات فذ اسمه "مارك فيتزجيرالد"، وعندما قدم نفسه قال بأنه درس الفلسفة في الجامعة ولم يكن يتوقع أبدًا أن يكون بائعًا أو أن يُعلِّم الناس كيف يبيعون. وأضاف: "لا أرى أية علاقة بين الفلسفة والبيع على أية حال؛ فالفلسفة تفكير تجريدي وأفلاطوني، والبيع ممارسة عملية ومادية صرفة." ورغم أن المحاضرة كانت في بدايتها، فقد رفعت يدي معلقًا وقلت: "اسمح لي أن أختلف معك، فمن الصعب أن نتخيل عملية بيع واحدة من دون جدل واستنباط وإقناع ومنطق يضفي على المادة معنى وقيمة." فضحك وقال: "أنت تقول هذا لأنك تفكر كفيلسوف ولا يمكنك أن تكون بائعًا."



لقد جمعت أنا الحكواتي – بمعونة زملائي من محرري إدارة.كوم – مائتين من مقولاتي، وأعدت قراءتها متمعنًا في مغازيها ومعانيها، وها أنا أنشرها في كتاب. وما إن قرأت نصفها أو يزيد، حتى تذكرت اختبارات "التمتين" التي طبقتها على نفسي، فوجدت مواطن قوتي وبواعث شغفي المعرفي تتمحور حول: "النظرة بعيدة المدى، والربط بين العناصر والأشياء، وتداعي الأفكار، والعمق الثقافي، ورؤية الكل قبل الأجزاء." ولهذا، وبغض النظر عن العلاقة الممتدة أو المنبتة بين "الفلسفة" و"البيع"، فإنني أرى أن "الإنسان حيوان يتفلسف."



لا أرى أن مقولات "الإنسان حيوان ناطق" أو "حيوان مفكر" أو "حيوان ضاحك" يمكن أن تفرق فعلاً بين الإنسان والحيوان. فالحيوانات تفكر بغريزتها، وتضحك وتعبر عن فرحها بفطرتها، وهي تتكلم وتتخاطب كالإنسان؛ بلغاتها. وهي لا تصمت ولم تعبر عن خيباتها وانتصاراتها وتطلعاتها بمائة وأربعين حرفًا كما يفعل بنو البشر؛ سكان إمبراطورية "تويتر." الفعل الإنساني الوحيد الذي يميز الإنسان عن الحيوان وعن الآلي والصناعي واللاإبداعي هو "التفلسف". فالإنسان يتفلسف ليضفي قيمة ومعنى على كل شيء.



في عام 1991 بدأت أشتري كل كتاب إيجابي تقع عليه عيني؛ كان ذلك في مرحلة الإعداد لإصدار "خلاصات"، حينما وقع بين يدي كتاب "جاكسون براون" الذي ضمَّنه أكثر من 500 نصيحة وجَّهها لابنه وهو يرحل عن البيت ويلتحق بالجامعة. قرأت كتاب "براون" وعنوانه "كتاب نصائح وإرشادات الحياة" عدة مرات، وأعرته لابني، ثم استعدته، ثم فقدته. وبينما كنت أعيد تنظيم مكتبتي، وجدت الكتيب الصغير حبيسًا بين دفتي كتاب كبير، فأعدت قراءته، ممسكًا بالقلم، وكتبت كلمة "نعم" أمام كل نصيحة طبقتها، وعندما أحصيتها وجدتها لا تزيد عن مائة من خمسمائة.



في واحدة من مغازي هذا الكتاب قلت: "يمكنك أن تؤلف وتنشر ألف كتاب ولا تضيف فكرة واحدة جديدة، ويمكنك بكتاب واحد أن تغير العالم." أما مقولتي المفضلة فهي: "بعض الناس يصعدون القمم ليراهم العالم، وبعض الناس يصعدون القمم ليروا العالم." لقد أثَّر كتاب "براون" كثيرًا في حياة ابنه وحياة ابني وحياتي؛ فقيمة الكتب لا تنبع من اسمها أو حجمها، بل من مغازيها ومعانيها. وها أنذا أدعوكم قرائي الأعزاء، لنصعد معًا إلى بعض القمم، لا ليرانا الناس، بل لنرى أنفسنا؛ فلربما نرى معًا.. أبعد مما أرى ومما ترون.

نسيم الصمادي
المصدر [URL="http:// -[/URL]