و كسابق عهدنا نأتي لنخوض غمار وجهة ثانية .. قد نراها قليلة الفائدة . و لكن أن تتبعنا أحوالها ودناها بحاخام كبرى .. و لك أن تسأل قائلا ترى ما هذه الصغيرة التافهة ظهرت ماردا يناطح السماء..
و العيب ليس في تناميها بيننا براحة و عافية بل العيب في أننا وظفنا لها أجواء ساعدت على كبرها .. و الكل له نصيبا في ذلك سواء اعترف أم ظل كاتما ..
و أناس ليس منا و لا من ملتنا عرفوا أسرارها و سبروا أغوارها فرشوا مكان تكاثرها بمبيد قاتلا لطفيلياتها حتى لا تكون لها حياة . و نحن لبلادتنا ان اعترفنا او لنباهة ان أنكرنا تركناها تعمر و بأجنتها فصار لها هيكلا يصعب تحطيمه و الانتهاء منه .
و البون شاسع بين من لا ينام من الليل الا ثلثه و بين النائم الساهر عمدا ..فالاول رتب وقته و أحال بنظره إلى دنيا فانية و حياة باقية .. السير يبدأ من هنا و الوصول يكون هناك .. و صاحبنا الثاني و الذي لم يترك أحدا وراءه نسي نفسه في سريرتها و اصطحب قرينا مفلسا . فلا قدم له عون و لا كان ناصحا له يوما ..
و تتوالى المعصرات نسفا على جثامين موتى تراها تدب دب الهوام في ظلام قاتما و تحسب كل ما لامس مجساتها نفعا تلتهمه في سكون .. بعيدا عن اعين عمشاء .. و قد تعثر على مخلفات لأخرى مثلها فتنغمس فيها بلا شم و لا ذوقا ..
و منها من تكون ضحية لاعين تبرق ليلا فلا تترك متحركا الا و كبدته سقطا .. وهي على جوعتها تنساب رواحا و إيابا كأنها خفير جند طلب منه حراسة ليلا . فلا تجده يتوقف لحظة لأن توقفه ببليلة باردة قد يسبب له عجزا و يرزقه عقابا من رئيسه الذي أطلق عيونه في كل مكان لينام نومه أهل الكهف سهدا .
و ما يريح القائم على شؤون لم يختارها رغبا الا كدا و عناء و تعبا .. و يبقى الحال على ما ترك ليوم قد لا يعرف صباحه بين كائنات لا تعرف سبيلا و دربا .. و يبقى الحكيم يجول في ذاكرة ما مضى عله يستنسخ شيئا يحي به رمقا .