منتدى الآصالة والتاريخ حريب بيحان

منتدى الآصالة والتاريخ حريب بيحان (https://www.hreeb-bihan.com/vb/)
-   النقاش العام والمواضيع العامة (https://www.hreeb-bihan.com/vb/forums/hreeb10/)
-   -   الصفعات الغادرة الخمسون (https://www.hreeb-bihan.com/vb/threads/hreeb17287/)

علاء الدين بشير 12-15-2012 07:17 AM

الصفعات الغادرة الخمسون
 
من لا يقرأ التاريخ لا يصنع التاريخ، أما من يقرأ التاريخ ولا يستنبط منه العِبر الواجبة فيدخل التاريخ ولكن ليستقر في مرتبة «المهزوم بقرار من ذاته»، هذه المرتبة هي بمثابة البرزخ ما بين القائمين خارج التاريخ من جهة، والقابعين في مقبرة التاريخ من جهة أخرى، وللتذكير فإن ما يتلو «مقبرة التاريخ» هبوطاً هو «مزبلة التاريخ»، هذا المُستقر -وخلافاً لما هو سائد- ليس حِكراً على الخونة والعملاء والقتلة، فهو يتسع أيضاً لكلَّ الحائرين بين مكاسب السلطة وشرف المعارضة، ودُعاة الذود عن الأوطان حتى يرفعوا من ثمن الخيانة، إضافة للمُتخذين أوطانهم «منتجعات» يغادرونها مع أول غيمة دخان أو زخَّة رصاص. «المهزوم بقرار من ذاته «هو ما اصطُلح على تسميته باللغة الدارجة بـ«المسكين»، أما بلغة التاريخ فهو مَن توافرت لديه كل المعطيات على أنه سيكون ضحية سهلة لمن يمحضه ثقته ومع ذلك لا يتوقف عن القيام بذلك في تصعيد شكسبيري ينتهي بصيحة يوليوس قيصر المشهدية «حتى أنت يا بروتوس».
هذه الأفكار تراودني في كل مرة اسمعهم يتحدثون عن اتفاقيات سايكس- بيكو بوصفها برهاناً عن خيانة الغرب للحليف العربي متناسين بأن الأمين لا يخون، ولكن الذي يحدث هو أن البعض موهوب بائتمان الخونة من عرب وأجانب مع فارق أن «الخونة الأجانب» تصنفهم شعوبهم بأنهم خير خادم لمصالحها الوطنية العليا.
اتفاق سايكس بيكو لا يختلف عن وعد بلفور من حيث المبدأ فكلاهما استثناء لمبدأ فاقد الشيء لا يعطيه. القراءة المتأنية للظرف التاريخي لذلك الاتفاق تشير -بما لا يدع مجالاً للشك- إلى أن الغرب نفى الاتفاق من باب «رفع العتب»، وأنَّ العرب كان لديهم استعداد مثير للصدمة لأن يصدقوا نفياً تكذبه كل الوقائع التي مارسها على الأرض المؤتمنون على حرية العرب واستقلالهم ووحدتهم: الإنكليز والفرنسيون. من المهم الإشارة هنا إلى أن «رفع العتب» يعني الكثير للعرب على حين لا يعني لفرنسا وانكلترا إلا التطبيق الفعلي لمبدأين تتبعهما حتى اليوم مع كل الدول الساعية للهيمنة على المنطقة: المبدأ الأول يعرف السياسة بأنها أن تقول للآخر ما يرغب بسماعه، والثاني مبدأ الكذب عبر إغفال الجزء الذي يناسبك من الحقيقة.
تشير مراسلات حسين- مكماهون الماراتونية إلى أن الأخير- وفي رسالة مؤرخة في تموز 1915- وعد الشريف حسين بالاعتراف باستقلال الدول العربية لكنه تحفظ على الخوض بمسألة الحدود بذريعة أن الحرب العالمية الأولى مازالت قائمة، ولكن لدى إصرار الشريف حسين أخبره مكماهون ضرورة استثناء مرسين والاسكندرونة من الحدود العربية فقبل الشريف حسين باستثناء مرسين دون الأسكندرونة، لكنه عندما علم أن الإنكليز والفرنسيين قد أبرموا اتفاق سايكس بيكو- والذي حدد نصيب كلٍ منهما من الأراضي التي ستحرر من العثمانيين- عاد ووافق على أن يتم التداول بقضية الحدود بعد الحرب، لماذا؟ لأن مكماهون قال له ما يرغب بسماعه ( المبدأ الأول) من أن «بريطانيا لن تبرم أي صلح إلا إذا كان من شروطه الأساسية حرية الشعوب العربية وخلاصها من الترك والألمان»، وعد مكماهون هذا كان صادقاً لأنه يتعهد بتحرير البلاد العربية من الترك والألمان فقط ويغفل عمداً إمكانية خضوعها لاحتلال جديد ألا وهو الاحتلال الفرنسي والإنكليزي (المبدأ الثاني).
انفضح أمر اتفاق سايكس بيكو بعد قيام الثورة البلشفية عام 1917 إذ قام الروس بتسريبه للعرب كي يكونوا على بيّنة من أي تحالف يعقدونه مع طرفيه، حينها تدخل الإنكليز وأعلنوا للعرب أن هذا الاتفاق لم يعد موجوداً، وصدَّق العرب الإنكليز لأنهم قالوا لهم ما يرغبون بسماعه، وبالمقابل كان الإنكليز يقولون نصف الحقيقة ويسقطون نصفها الآخر فاتفاق سايكس- بيكو لم يعد بالنسبة لهم موجوداً على الورق لأنه نُفِذ على الأرض بدخول قوات الجنرال «اللنبي» أرض فلسطين، وبإقدام الإنكليز على منح اليهود وعد بلفور في 2 تشرين الثاني 1917، وباستعداد الجيوش الفرنسية للنزول على الساحل السوري من بيروت إلى الاسكندرونة.
صّدق العرب «المساكين» كلام حلفائهم «المحتالين» دون أن يقيموا اعتباراً للوقائع التي تدحضه ومنها أن الإنكليز كانوا قد رفضوا -وبعد أشهر من قيام الثورة العربية بتحرير بلاد الحجاز- الاعتراف بالشريف حسين ملكاً على العرب وإنما فقط على الحجاز، وأنَّ الجنرال اللنبي قد رفض قيام الأمير فيصل بتشكيل حكومة في سورية معتبراً إياه «مجرد قائد عسكري لأحد جيوش الحلفاء وليس له الحق في تنظيم حكومة مدنية».
اليوم لا يبدو المشهد السياسي مختلفاً عما كان عليه قبل نحو مئة عام كون المبدأين سالفي الذكر ما زالا مطبقين، إذ مازالت واشنطن وحلفاؤها يتحدثون عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وحق الدول العربية باستعادة أراضيها التي احتلتها «إسرائيل»، وبالمقابل، ما زالت إسرائيل تهوّد الأراضي الفلسطينية وتتابع حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني وهي غير معنية بأي قرار دولي يلزمها بإعادة ما احتلته من الأراضي السورية واللبنانية، أما العرب فقد اختاروا أن يكونوا مهزومين إذ ما زالوا -وخلافاً لكل الوقائع القائمة- يصدقون كلام واشنطن وحلفائها طالما أنه يرضيهم لكنهم يتجاهلون أن حقيقة دعم واشنطن للحق العربي مشروطة بموافقة إسرائيل على إعادته لأصحابه تماماً كما أقر القرار 194 حق العودة للفلسطينيين لكنه ربط تطبيقه بموافقة «إسرائيل» على تلك العودة.
عندما تثق بشخص ويخدعك فعار عليه، ولكن عندما يعاود خداعك ثانية وثالثة ورابعة فعار عليك، فالصفعة الأولى يمكن أن تكون غدراً لكن الصفعة رقم خمسين تعني أحد أمرين: أما من يتلقى الصفعات فليس إلا جثّة، أو أن خدَّه قد اعتاد على «اللطم»، وإذا كان للأنظمة أن تُخدع خمسين مرة «غدراً» فممنوع على حركات المقاومة أن تقع بالخديعة، فثمة أنظمة اعتادت -منذ نعومة عمالتها- أن ترقص طرباً كلما همست لها واشنطن بما ترغب بسماعه من أنصاف حقائق، ولكن هذا مُحرَّم على حركات المقاومة فهي إن فعلت كانت ترقص على أشلاء شهدائها، لزعماء الأنظمة أن يُطنبوا في امتداح أجهزة المخابرات والقائمين عليها، ولكن هذا محظور على زعماء المقاومة حفاظاً على العفة الثورية ودرءاً للشبهات، ومحظور عليهم أيضاً أن تمرَّ صداقتهم للشعوب عبر أنظمتها فإذا اختلفوا مع تلك الأنظمة اسقطوا من حسابهم ما قدمه شعب بكامل أطيافه السياسية، من دم ولقمة فقرائه وأغنيائه لدعم ومناصرة قضية المقاومة، للأنظمة العربية كلّها أن تعتبر -خلافاً للواجب الديني والقومي والأخلاقي- أن تحرير الأراضي المقدسة «فرض كفاية» إذا قام به أحدها سقط عنها جميعاً، ولكن أن لا يجرأ بعض زعماء المقاومة على تذكير قادة الأنظمة العربية والإسلامية بأن دعم الجهاد على أرض فلسطين -وليس التوسط لإيقاف المجازر الإسرائيلية ضد مقدساتها وشعبها الأعزل- هو «فرض عين» على كل عربي ومسلم حتى قيام الساعة فهذا –باعتقادنا- «تكتيك» يغرّد خارج سرب إستراتيجية المقاومة التي رسمها ومات دونها القادة الشهداء: المهندس يحيى عياش -قائد كتائب الشهيد العربي السوري عزّ الدين القسَّام الذي اغتالته «إسرائيل» في 5 كانون ثاني 1996، صلاح شحادة قائد كتائب الشهيد العربي السوري عزّ الدين القسَّام الذي اغتالته «إسرائيل» في تموز 2002، إبراهيم المقادمة القيادي في كتائب الشهيد العربي السوري عزّ الدين القسَّام -الذي اغتالته «إسرائيل» في آذار 2003، إسماعيل أبو شنب القيادي في كتائب الشهيد العربي السوري عزّ الدين القسَّام الذي اغتالته «إسرائيل» في آب 2005، الشيخ أحمد ياسين مؤسس وقائد حركة حماس الذي اغتالته «إسرائيل» في آذار 2004، عبد العزيز الرنتيسي قائد حركة حماس الذي اغتالته «إسرائيل» في نيسان 2004، عدنان الغول وعماد عبّاس القياديان في كتائب الشهيد العربي السوري عزّ الدين القسَّام اللذان اغتالتهما «إسرائيل» في تشرين الأول 2004، نزار الريان وسعيد صيام وزير الداخلية في حكومة حماس اللذان اغتالتهما «إسرائيل» في عدوان 2009، وصولاً لأحمد الجعبري نائب القائد العام لكتائب الشهيد العربي السوري عزّ الدين القسَّام الذي اغتالته «إسرائيل» في 14 تشرين الثاني 2012.

دكتور القانون العام-
جامعة دمشق



الدكتور عصام التكروري

حريب مارب 12-15-2012 11:00 PM

مقال رائع استاذى القدير حيدرة

عندما تثق بشخص ويخدعك فعار عليه، ولكن عندما يعاود خداعك ثانية وثالثة ورابعة فعار عليك، فالصفعة الأولى يمكن أن تكون غدراً لكن الصفعة رقم خمسين تعني أحد أمرين: أما من يتلقى الصفعات فليس إلا جثّة، أو أن خدَّه قد اعتاد على «اللطم»،

اقول بان العرب تعود و على اللطم
وصار مستحب لديهم

دمت بخير حيدرة لاتحرمنا من اطلالتك الجميله


جميع الأوقات GMT +3. الساعة الآن 01:52 AM.

.
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
.


Search Engine Friendly URLs by vBSEO

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66