منتدى الآصالة والتاريخ حريب بيحان - عندما تنهض القبيلة لتطهير ساحتها

حسين العواضي -
الحقيقة المرة أنه حين تبدو الدولة مهزوزة، ضعيفة مسلوبة القرار والإرادة، عاجزة عن فرض حضورها وهيبتها يحتاج المواطن الحزين والمحتار أكثر منذ قبل إلى استدعاء القيم القبلية النبيلة.
يبحث الناس عن بديل آمن ومنقذ يحميهم من غول الجور والطمع، ويبعدهم عن حيتان التهور والجشع وفي مرات كثيرة يجدون في القبيلة الواعية الأصيلة حصنهم المنيع .. وملاذهم الشفيع .. وضالتهم المنشودة.
ولا أحد ينكر هذه الوقائع – المحزنة – زد عليها أن أصحاب النفوس المريضة .. والنوازع الشريرة، يجدون في تراخي الدولة ما يغريهم على تحدي القوانين وتجاوز القيم والأعراف.
ومثلهم – يشمر – تجار الحروب .. وأرباب الفتن، ينتهزون الفرص السانحة فيفتحون – دكاكين – جديدة ويبتكرون حيلاً خبيثة ليسوقوا بضاعتهم الدامية، وينفذون إلى مآربهم الخبيثة.
لا يردعهم وزاع ديني .. ولا ضمير إنساني .. ولا واجب وطني نفوس مظلمة .. وعقول خاوية .. وبطون سحيقة .. وذمم فاسدة ساخطة ناخطة لا يروق لها غير مناظر الدماء والدمار .. تقتات غير المصائب الفاجعة.
والدولة المدنية التي نحلم بها .. لا تزال سجينة حائرة في بهو – الموفمبيك – وحتى تفيق من السبات المقصود لا مناص من استحضار دور القبيلة كسياج وطني حامٍ يردع كل طائش ومتهور .. وخاطف ومخرب.
والمناسبة أن قبيلة مراد نهضت بعزيمة رجل واحد لتطهر ساحتها من رجس التصرفات المشينة وقدمت المثل الناصع والقدوة الراشدة التي تستحق الإشادة والتقليد.
هبت القبيلة لمطاردة الخاطفين فلم تحمهم من غضب القوم الأبية الكهوف النائية ولا البنادق الجلية .. وشاهدنا المشائخ المحترمين والعقال المسنين في طلائع الصفوف يذرعون الجبال والشعاب لملاحقة العصاة المتمردين.
أعادوا الشاب منير محمد هائل سعيد إلى أسرته مساء أمس الأول .. وقدموا أسفهم الراجح واعتذارهم الصادق عن الحادث فكبروا في عيون الجميع.
وقبيلة مراد من أعرق.. وأشجع وأكبر قبائل اليمن.. ويكفيها زهوا وفخراً أنها أنجبت الثائر الشهيد علي بن ناصر القردعي.
لم تتوان عن فعل الصواب.. ولم تقبل أن تهتز مكانتها الرفيعة بين قبائل اليمن.. ولم ترض أن يشوه تاريخها الناصع ومسيرة أبنائها الشرفاء.
برأت ساحتها من العمل الطائش الذي استهدف سمعة القبيلة وكرامتها قبل أن يضر بالمخطوف وأسرته التجارية العريقة.
ولم تقف هنا، بل طالبت الدولة بملاحقة الخاطفين وتقديمهم للعدالة.. ودولة تعجز عن ضبط أربعة خاطفين وثلاثة مخربين لا بارك الله فيها.
مراد بهذا الموقف الشهم والتصرف النبيل تستحق أن نرفع لفرسانها الشرفاء رايات الثناء والتقدير وبيض الله وجوه الحكماء الذين يمقتون الأفعال المشينة من تقطع .. واختطاف وتخريب.. وسود الله وجوه الرجال الخائفين الذين يرون الباطل المعيب في مناطقهم فلا يهشون..ولا ينشون يغمضون أعينهم.. ويصكون آذانهم عن كل فعل قبيح يؤذ الناس ويقلقهم ويعكر صفو السلام الاجتماعي المنشود.
وبئس الاتعاب حين يصبح المشيخ مجرد بطاقة مهترئة يبرزها حاملها آخر كل شهر في مصلحة شؤون القبائل.
المشيخ مغرم وليس مغنماً .. شهامة وشجاعة وبعض المشائخ مجرد قراطيس لا يهاب لهم جانب ولا يسمع لهم صوت.
إن كل قبيلة تدنس ساحتها بالخاطفين والمخربين فلا تفعل شيئاً تسقط من عيون اليمنيين.. تفقد موقعها ويصبح مشائخها وعقالها وأبناؤها عرضة للسخرية والتندر.
وحين يصبح قاطع الطريق ومخرب الأنابيب والأبراج وخاطف الأبرياء مرفوضاً من أهله منبوذاً من قبيلته فلن يجرؤ أحد على ارتكاب الأفعال المخزية.
أسرة بيت هائل سعيد واجهت المحنة بحكمة وتعقل وهدوء فلم تندب وتصرخ.. ولم تستنجد وتصرح والأهم أنها لم تخضع للابتزاز وعرفت ما يجب أن تعرف وتعلمت ما يجب أن تتعلم عرفت مقدار حبها واحترامها في قلوب اليمنيين أجمعين.. وتعلمت أن الدولة سريعة جداً في جمع الضرائب والرسوم وبطيئة جداً جداً في نجدة المستغيث.