منتدى الآصالةوالتاريخ حريب بيحان
ينتهي : 30-04-2025
عدد مرات النقر : 1,275
عدد  مرات الظهور : 28,858,778

عدد مرات النقر : 4,119
عدد  مرات الظهور : 72,879,135
عدد  مرات الظهور : 68,595,104
قناة حريب بيحان " يوتيوب "
عدد مرات النقر : 2,299
عدد  مرات الظهور : 72,879,937مركز تحميل منتديات حريب بيحان
ينتهي : 19-12-2025
عدد مرات النقر : 3,940
عدد  مرات الظهور : 69,095,864
آخر 10 مشاركات
عيدكم مبارك ،، (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 1 - المشاهدات : 70 - الوقت: 08:45 AM - التاريخ: 04-10-2024)           »          تحدي المليوووون رد ،، (الكاتـب : - المشاركات : 2049 - المشاهدات : 122853 - الوقت: 05:27 PM - التاريخ: 04-08-2024)           »          ماذا ستكتب على جدران (منتديات حريب بيحان) (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 3179 - المشاهدات : 231766 - الوقت: 05:26 PM - التاريخ: 04-08-2024)           »          تعزية للاخ يمني بوفاة اخيه (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 5 - المشاهدات : 88 - الوقت: 05:53 AM - التاريخ: 04-05-2024)           »          صـبـــاحكم سكــر // مســـاؤكم ورد معطر (الكاتـب : - المشاركات : 2382 - المشاهدات : 168189 - الوقت: 10:22 AM - التاريخ: 04-01-2024)           »          ورد يومي صفحه من القرآن الكريم (الكاتـب : - المشاركات : 93 - المشاهدات : 940 - الوقت: 06:53 AM - التاريخ: 03-23-2024)           »          شهرمبارك كل عام وأنتم بخير (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 3 - المشاهدات : 68 - الوقت: 04:06 AM - التاريخ: 03-18-2024)           »          تدمير دبابة ميركافا الإسرائيلية (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 2 - المشاهدات : 132 - الوقت: 06:53 AM - التاريخ: 03-17-2024)           »          قراءة في سورة البقرة (الكاتـب : - المشاركات : 0 - المشاهدات : 51 - الوقت: 06:45 AM - التاريخ: 03-17-2024)           »          بقايا الذكريات (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 18 - المشاهدات : 516 - الوقت: 06:13 AM - التاريخ: 03-10-2024)


الإهداءات




تغربية بني هلال كاملة


الرد على الموضوع
 
LinkBack خيارات الموضوع
قديم 03-17-2013, 06:45 AM   #11


الصورة الشخصية لـ صدى الوجدان
صدى الوجدان غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 9
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 03-31-2014 (02:37 AM)
 المشاركات : 10,242 [ + ]
 تقييم العضوية :  570
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 5 مرة في 5 مشاركة
الإفتراضي



[align=center][tabletext="width:70%;background-image:url('http://www.hreeb-bihan.com/vb/backgrounds/20.gif');border:10px double indigo;"][cell="filter:;"][align=center]
قصة البردويل بن راشد( الجزء الثاني عشر )




( قال الراوي ):

أنه كان في العريش ملك من الملوك العظام، صاحب بطش وإقدام، يقال له البردويل بن راشد وكان فارسا شديدا وبطلا عنيدا، له قصر مشيد الأركان عالي البنيان وحوله العساكر والفرسان، وكان مجوسيا يعبد النار دون الجبار ويسجد للشمس كل نهار ويلبس طاقية الإخفا ويقرأ الطلاسم ولم يعد أحد يراه، وبهذا الشأن يقهر الأبطال والفرسان، ففي بعض الأيام أخذ خبر بنت ملك سنبس مرصاد حاكم هاتيك البلاد وعنده ثلاثة آلاف فارس،ما بين مدرع ولابس، والبنت اسمها عليا وكانت ذات حسن وجمال وبهاء وكمال، فلما سمع البردويل بوصفها ما بقي يملك من العقل ولا درهم، فكتب الى أبيها الملك مرصاد، يطلب ابنته عليا الى الزواج، فأبى الملك مرصاد ذلك، فحاربه البردويل وقتله وقتل وزيره وأخذ بنته عليا زوجة له، هذا ما كان من أمر البردويل والملك مرصاد، ولنرجع بالكلام الى بني هلال، فانهم لا انتهوا من حرب السركسي في غزة، قصدوا وادي العريش فنصبوا فيها المضارب والخيام وسرحوا مواشيهم في تلك البراري والآكام التي يحكم عليها البردويل، فلما سمع بقدوم بني هلال ونزولهم في وادي العريش يأكلون الأثمار ويتلفون الأشجار، اغتاظ وتكدر وشخر ونخر وأقسم أن لايبقي أحدا من بني هلال الأعداء الأشرار.

فقال له الوزير اكتب الى الأمير حسن في طلب عشر المال والنوق والجمال، فان أعطى كان قتالهم حراما وان لم يعط يكون قتالهم حلالا، فطلب البردويل قلما وقرطاسا ودواية من الذهب الخاص وأخذ يكتب الى الأمير حسن في طلب عشر المال والخيل والجمال.

ثم طوى الكتاب وأعطاه لعبده سعيد، فأخذه وسار الى أن وصل الى بني هلال وسلم الكتاب للسلطان حسن، فقرأه وفهم معناه، فاسودت الدنيا في وجهه، فكان أبو زيد موجودا، فأخذ الجواب وقرأه وقال انا والله علي في قتل البردويل وستشهد لي جميع العربان بذلك، فأشار دياب أن يأخذوا العبد لدار الضيافة لئلا يفهم ما يتكلمون، فمضوا به الى دار الضيافة، حينئذ قال الأمير دياب لا تحسب الأكلات كلها زلابية يا أبا زيد.
وراح دياب يهدد ويتوعد، فقال أبو زيد أصحيح ما تقول يا دياب، فقال دياب كلا يا أبا زيد وانما أنا أمزح حتى أنظر ما يكون عندك من التدبير، فحينئذ قال أبو زيد للعبد سعيد، قل لسيدك ليس لك عندهم غير الحرب ورمي الرقاب، فسار سعيد وأخبر مولاه البردويل بذلك، فغضب غضبا شديدا وفي الحال أمر وزيره المنصور أن يركب في ماية ألف فارس وينزل الى الحرب وأن لا يترك من بني هلال صغيرا ولا كبير الا قتله، فسار المنصور بمائة ألف فارس حتى وصل الى الميدان فأسرع اليه الأمير دياب وجالا وصالا، وطعن منصور الأمير دياب بالرمح تخلى عنها وضربه دياب بالحربة، خرجت تلمع من ظهره، فحين ما نظرت عساكر البردويل ما حل بالوزير انطبقوا على الأمير دياب مثل سباع الغاب، فتلقتهم مثل الأسود الكواسر بالسيوف والرماح، ولله در الأمير دياب فانه برى الرؤوس وجز الرقاب فولت رجال البردويل وهي مكسورة مدحورة، وأخبرته بما جرى فلبس البردويل ثلاثة دروع ووضع في جيبه طاقية الإخفاء ونزل الى الميدان بأربعمائة ألف فارس وهجم على بني هلال وقد أوقع في قلوبهم الرعب، ولكن لله در أبطالهم، فانهم أظهروا الجلد وأخفوا الكمد ومع كل ما جاهدوا وعانوا، استظهرت عليهم العساكر وكسروهم في آخر النهار، فرجعوا على أعقابهم مشتتين ثم اجتمعوا وأخذوا يتشاورون في دفع الجزية للبردويل، فقال أبو زيـد والله يا حـسـن قد اعتراكم الوهن وأنا لاأطاوعكم أبدا ولاأدفع الجزية ما دمت قادرا على ركوب الجواد وأتقلد في آلة الحرب والجلاد، وراح يفتخر بقتل البردويل وهو يقول:

قال أبو زيد الهلالي يا حسن
اسمع كلامي أنت مع من حضر

لاتخافوا من طعان البردويل
انني أطفي لكم منه الخبر

وغدا باكرا أنا أنزل اليه
فوق مهر مثل طير أو صقر

سوف أسقيه المنية عاجلا
ثم أتركه حديثا يتذكر

وكفى التسليم في كل الأمور
وهنيئا للذي باغ الوطر



فلما فرغ أبو زيـد من كلامه، توجهوا للصيوان وبقي عند السـلطان حسن دياب و القاضي بدير وطي بن مالك وأبو عوف وعامر وحماد وعرندس فتشاوروا مع بعضهم وقالوا غدا يذهب أبو زيـد للبردويل فيقتله ونبقى بعده في حزن طويل، ثم نهض الأمير حسن ودخل الى خزانة السلاح فأخرج قيد المملكة وهو أربعة أرطال فضة ووضعه في منديل وأعطاه لدياب وقال اذهب الى أبي زيد أنت وخالك القاضي بدير و الأمير وطي بن مالك و أبو عوف وعـامر و حماد وعمك عرندس، وقل له ان كنت تطيع الله والأمير ضع رجليك هذا القيد الى الغد ونحن نجيء غدا ونفتح لك، فان حسن خايف عليك أن تذهب الى البردويل ويقتلك فأخذوا القيد وساروا الى أبـي زيـد رحب بهم وأجلسهم ثم قال لهم ما سبب مجيئكم؟ فقام دياب ووضع المنديل قدام أبي زيد وقال له قد أرسله لك ابن عمك حسن ففتحه أبو زيد فوجد فيه القيد، فقال ما هذا؟ قالوا لأجل أن تضعه في رجليك الى الغد وأخبروه بما قال حسن، قال صبر جميل ثم قال بنفسه ان خالفت حسن فمن يطيعه ومن يقدر أن يسفه كلام الأجاويد ثم أنه أخذ القيد ووضعه في رجليه وقال سمعا وطاعة لله والأمير ولكن لي عليكم واحدة أن تجيؤا وتحلو لي القيد غدا من صلاة الصبح، فقالوا سمعا وطاعة، وذهبوا وأعلموا حسن فخاف حسن أن يعوقوا على أبي زيد فبعث وراء أم مخيمر وقال لها يا أم مخيمر خذي مفتاح هذا القيد حطيه معك ولما تشوفي الفجر لاح افتحي القيد من أقدام أبي زيد واياك أن تخبريه عن المفتاح، فقالت سمعا وطاعة ثم ذهبت الى أبي زيد وقعدت قباله، أما البردويل الهمام فانه في الصباح دق طبول الحرب والكفاح وبرز الى الميدان، فانحدر إليه الأمير حسن وانطبق عليه وتقاتلا من الصباح الى وقت الظلام، فافترقا على سلام ورجع كل منهم الى الخيام، ولما أصبح الصباح وأضاء بنوره ولاح، برز البردويل الى ساحة الميدان، فبرز إليه قاضي العربان، فلما نظره البردويل، قال أنت قاضي العربان تريد أن تحارب الفرسان، فقال له اليوم أريك أفعالي وحربي ونزالي، وهجم عليه وتقاربا وتصادما ولم يمض عليهما ساعتان حتى برم البردويل الدبوس في يده وضرب القاضي بين كتفيه ظن أن روحه خرجت من بين جنبيه، فدار رأس جواده وولى هاربا والى النجاة طالبا، فانحدر اليه الأمير زيدان وانطبق عليه انطباق الغمام، فما طال عليه المطال حتى كال في الحال فولى هاربا فبرز اليه مخيمر وبعده عكرمة ثم مفلح وأيضا عقل حتى برز إليه خمسة وعشرون أميرا من الفرسان ولم يمكث الواحد منهم أكثر من ساعة الا ويولي هاربا والى النجاة طالبا وما زالوا هكذا حتى أمسى المساء ودقت طبول الانفصال، أخذ كل منهم يشكو ما أصابه وفي ثاني أيام برز الأمير دياب وطلب مبارزة الفرسان، فبرز اليه البردويل، فالتقى البطلان كأنهما جبلان، وكان عليهما الحين وغنى فوق رأسيهما غراب البين وأخذا في كر وفر واقتراب وابتعاد، فلما شاهد الأمير دياب أن خصمه شديد وقرم عنيد، أشار الى بني زغبة فطبقوا على قوم البردويل فتلقوهم اولئك في ضرب مثل النار حتى ما عدت تنظر في ذلك النهار الا رؤوسا طائرة ودماء فائرة وفرسانا غائرة والرؤوس تتساقط مثل ورق الشجر، فيا لها من وقعة مهولة تشيب رؤوس الأطفال وتحير عقول الأبطال، وكان ذلك اليوم على بني هلال أشد الأيام، فقد كسرتهم عساكر البردويل وأرجعوهم الى الخيام ينوحون على مصائب الأيام، ورجع البردويل الى قصره فرحان، هذا كله والأمير أبو زيد مقيد، فلما عرف أبو زيد ما جرى على بني هلال، اغتاظ وتكدر وصارت عيناه تقدحان الشرر وصار يتقلب على الفراش مثل الثعبان، فقالت له أم مخيمر لماذا أنت حامل كل هذا الهم وأنت عندك مال أكثر من غيرك وأن الأمراء لا يدفعون غفارة، فلأي شئ ترمي روحك في المهالك ولكن من غيظي من حسن ودياب لازم أروح للبردويل أقتله واني بعون الله أسرع بقتله بكل ما يمكن، فقالت البردويل قد طلب مالا وخيلا وجمالا وعبيدا وجوارا وسلاحا وبنتا، وأول ما طلب بنتك جمال الظعن، فقال كيف نعطيه إياها؟ قالت لا قدر الله، ولكن كيف تقدر عليه وعلى طلامسه وسحره؟ فقال لها ان شاء الله تعالى أقتله وأنت تعرفين بعلك يا أم مخيمر و الأمير حسن كل يوم عند الصباح يعطيك المفتاح ومرادي الآن في هذا الليل أن تسيري إليه وتسرقي المفتاح من جيبه وتجيئي تفتحي القيد وأتوجه الى البردويل وأقتله وأفوز على بني هلال.

فقال ماذا تعطي الذي يعطيك المفتاح؟؟ فقال لها أما تريدين أن أنام عند أربعين ليلة؟! فإذا كنت تريدين أن تفرجي كربتي افتحي القيد وأطلقي الباز للصيد، فقالت أن الأمير حسن أقسم على أن لا أفتح لك في هذا الليل، فاني أخاف عليك من البردويل أن يقتلك، فقال لها أن قتلني تزوجي غيري وان قتلوك بعدي فما أنت أحسن مني، فقالت لـه يا ذلنا من بعدك يا بـو شيبان، وأخرجت المفتاح وفتحت له قيد، فوثب في الحل وشد على ابن الحيصا ولبس الدرع المصفح واعتلى على ظهر الجواد كأنه كتلة من الكتل أو قطعة فصلت من جبل وحفظ نفسه وحصانه بهياكل الطلاسم والأقسام وتحوط بآيات الله العظام وجد السير الى أن وصل قصر البردويل ودار حوله فوجده عالي البنيان رفيع الأركان، وكان وصوله عند طلوع الشمس، فكان البردويل نائما على ركبة عليا، فعند وصول أبي زيد الى الباب، وجده مصفحا في ألواح من البولاد، كأنه من بنيان ثمود وعاد فرفع يده وضرب الباب في دبوس الحديد، فما أحد رد عليه، فدق الباب ثانيا وثالثا فأتاه سعيد عبد البردويل وطل من الشباك فرأى أبا زيد راكبا على ظهر الجواد، فقال ما تريد أيها الفارس العنيد؟ فقال له أبو زيد أريد مولاك البردويل أيها العبد الذليل، فاذهب إليه وقل له على الباب فارس طالبك للحرب والكفاح، فاندهش العبد من هذه الجسارة ورجع وأخبر سيدته علـيـا بأن فارسا بالباب أسمر اللون قال لي قل لمولاك البردويـل أن يبرز الى الحرب والكفاح، فقالت له ما قال اسمه؟ أجابها لا، ولكن هيئته تدل على أنه أعرابي، وبينما العبد يخبرها بذلك، سمعت صوتا يقول قم يا بردويل من نومك الآن واني سأدعك تنام الى الأبد، فلما سمعت عـلـيـا هذا الصوت رفعت رأس البردويل عن ركبتها ووضعته على مخدة وأشرفت من فوق الباب فرأت الأمير أبو زيد فإذا هو مثل الصقر وقلبه أشد من الصخر فلما رآها أبو زيد وهي كأنها البدر لمنير حول نظره عنها لئلا يفتنه حسنها وجمالها، فقالت له ما مرادك ومن أنت؟ فقال لها أنا أبو زيد من بني هـلال ومرادي أحارب البردويل فدعيه ينزل الى حربي، فلما سمعت هذا الكلام أخذت تخبره عن حالها.
فلما رد عليها أبو زيد، استبشرت عليا بالخير والفرج ولكنها قالت له أنا خايفة عليك من البردويل أن يذيقك الحرب الوبيل لأنه فارس ما له مثيل، قال أبـو زيـد، نبهيه أن يأتيني من دون إطالة كلام واليوم تنظرين فعالي والسلام، فعند ذلك توجهت عليا الى البردويل، فرأته غارقا في المنام فنبهته، فلما أفاق قصت عليه ما سمعت من الكلام وأخبرته عن قدوم البطل أبي زيد الصنديد وأنه عن قتله لا يحيد، فلما سمع كلامها من الأول الى الآخر، فقام وقعد وأرغى وأزبد وقال لها بغضب: كيف أقلقتني وفي هذا الكلام أزعجتني؟؟

وقال لها لو كان غيرك ضربته بالحسام فكيف تخيفينني من فارس أو من مئة فارس أو من ألف فارس؟ فقالت له ما كل الرجال رجال ولا الثعالب مثل أسد الدحال، فما زالت النساء تحبل وتلد فما على وجه الأرض شاطر، فلما سمع من عليا هذا الكلام، صار الضيا في عينيه ظلاما، وصرخ صوتا دوت له الجبال واهتزت من حوله التلال وقال لها: كفاك هذيان يا بنت اللئام، وإلا قطعت رأسك بهذا الحسام فلما سمعه أبو زيد من خارج الدار صاح عليه بصوت مرعب قائلا له اسكت يا حمار وانزل الى قتالي وإلا أهدم عليك القصر قبل أن يأتي وقت العصر، فلما سمع البردويل هذا الكلام، صار الضياء في وجهه ظلام فقام لساعته ولبس آلة حربه وعدته وفرد على بدنه درعا داووديا مصفحا وتقلد سيفا كأنه البرق اللامع أو الموت الماحق، ووضع على جنبه طاقية الاخفاء ونادى على عبده مسعود وقال شد لي جوادي، فشد عليه وأحضره اليه فوثب راكبا عليه وقال للعبد افتح لي الباب ففتح العبد الباب وكان مصفحا بالحديد وحصل أبو زيد على فرح ما عليه من مزيد وأخذ يقرأ آيات الله العظام ويقول عونك يا رب الأنام، وحينئذ خرج البردويل مثل سبع كاسر أو أسد ظافر وأخذ يلاعب حصانه وكأنه فرخ جان أو من عفريت سليمان، وناداه قائلا: تعال يا أعرابي حتى انظر ما مرادك ومن الذي إلينا قادك، فأخذت أبا زيد الحمية الجاهلية والنخوة العربية وهجم عليه هجمة الأسود، فالتقى البطلان وكأنهما جبلان أو أسدان ضرغامان وعلت منهما الصيحات حتى ملأت الفلوات، فعندما رأى البردويل أنه تعبان من صدمات أبي زيد طلب سعفه من ملوك الجان وكان أبو زيد أثناء كلامه، رافعا عينيه الى السماء غير مكترث بل كان يقرأ الفاتحة ويذكر كلام الله، ثم التفت الى البردويل فوجده لابسا الطاقية فقال له أراك مضيعا عقلك.

فاستشاط البردويل غضبا وغيظا، فما عدت تسمع الا صياحا وهديرا ودمدمة في الـسـن مخـتلـفة، وكنت تسمع الصوت ولا ترى الـزول، والبردويل لما وجد حاله مغلوبا ولم يقدر أن يختفي من قدام أبي زيد حيث أن الملائكة العلوية طردت ملوك الجان السفلية الى سابع أرض وأبطلت عزيمتهم، ندم على ما فرط منه في حرب أبي زيد وكانت علـيا زوجة البردويل تتفرج من الشباك، فلما نظرت زوجها انقطع أمله وأبو زيد غلبه، فرحت وصارت تزغرد وتغني، فظن البردويل أن هذا الغناء لأجله ولم يعلم أنه لأجل عجزه وفشله، فأخذنه الحماسة والنخوة وهجم على أبي زيد مثل النمر اذا خطر فتلقاه أبو زيد كما تتلقى الأرض العطشانة وابل المطر وعلا منهما الصياح حتى ملأ الروابي والبطاح، وصار الأمير أبو زيد يدور حول البردويل وهو مشرع سيفه الثقيل ورمحه الطويل، فحينئذ تيقن البردويل في ذهاب روحه وزوال سعادته، فرفع أبو زيد يده وقال اللهم استر عبدك يا من رفعت السماء وبسطت الأرض، وضرب البردويل بالسيف على هامه، ألقى رأسه قدامه ووقع البردويل على الأرض يختلط طوله بالعرض، وحالا نزل أبو زيد عن ظهر الجواد وسحب لسانه وأزال أسنانه وأخذ الطاقية والدرع والسيف والخوذة والرمح، والتفت الى عليا وقال لها الوداع، فقالت له خذ هذه بدلة البردويـل فأنت أحق بها من غيرك، لأنك قتلت هذا الشيطان، فأخذها أبو زيد وعلق الجميع في قربوس ابن الحيصا وأتى نحو باب القصر وختمه بختمه وركب على ظهر الجواد وقال خاطرك يا ست عليا يا بنت الكرام، فأرجوك عندما تطلبين للشهادة تظهرين واقعة الحال وتتكلمي كما نظرت، فقالت أرجوك أن تدخل القصر لترتاح ثم تتناول الطعام أيها البردويل في الصندوق وقيد نفسه بالقيد الذهبي وتظاهر بأن لا له ولا عليه، هذا ما كان منه، وأما ما كان من الأمير حسن وهو في الديوان وحوله الأمراء والأعيان فقال البارحة قد التهينا بالضيوف وتركنا أبا زيد وما عرفنا كيف حاله والبردويل ما عاد طلبنا للحرب فقوموا واذهبوا ودعوه يأتي حتى ننظر ما هو رأيه، فراح الأمير فايد وأخذ معه مفتاحا ودخل على أبي زيد وقال له قد أمر السلطان برفع القيد من رجليك وأن تذهب إليه، فـقـال أبو زيد: صار لي ثلاثة أيام ما رأيت أحدا منكم، نسيتم أبا زيد فقال الأمير فايد: والله يابو زيد ما نسيناك ولكن كان المانع من زيارتك وجود ضيوف عند الأمير البطل الدرغام فانك تعبت من الحرب والكفاح، فقال الأمير أبو زيد أنا لا أدخل الدار خوفا من العار، لأن كلام الناس أمر من ضرب السلاح، وأما أنت فأعطيني المفتاح لكي أقفل عليك القصر، حينئذ حققت عليا شهامته وعرفت نخوته فأعطته المفتاح، فأخذه وقفل باب القصر وعاد الى بني هلال فوصل في نصف الليل ثم دخل الى صيوان أم مخيمر فرآها تبكي، فقال لها لماذا تبكين؟ الحمد لله على اجتماع شملنا، وقام ووضع ما أتى به من أمتعة حسن ثم فك القيد من رجليه فقام أبو زيد وركب من دون سلاح وما حمل معه سوى عصاه وتوجه نحو الأمير حسن، فحين وصل الى الخيام قاموا له وحيوه بأحسن تحية، ثم قال أبو زيد لابأس ولكن ماذا عملتم من المصالح في حرب البردويل؟ فقال نحن أرسلنا وراءك لنأخذ رأيك، فقال أبو زيد والله ان البردويل فارس من الفرسان ولا أحد يقدر يحاربه فما أرى الا أن ترسل له عشر المال والنوق والجمال والنساء والعيال ونذهب إليه والمحارم في رقابنا، فقال حسن: في هذا الوقت قد قلت الصواب وبارك الله فيك.


( قال الراوي ):

في صباح اليوم الثاني بعد قتل البردويل، أخذت الرعيان في تسريح المواشي حسب العادة، فسار منهم ثلاثة رعيان وسرحوا بقرب قصر البردويل، وكان لهم عادة ينامون في ظل القصر، فقبل أن يبلغوا المكان المقصود رأوا شخص البردويل على الثرى ممدودا، وكان منهم عبد اسمه مسعود، قال لهم مرادي أذهب إليه وأقول له أنا أتيت بهذا الطرش من عند العرب، وأريد أن أعيش في ظلك، فقالوا رأيك مناسب، فتوجه مسعود الى أن وصل الى قرب القصر، فرأى البردويل مقتولا وعلى الثرى مغلولا، فأخذه الرعب وصار يلتفت يمينا وشمالا، فلم يجد أحدا، فقوى قلبه، وكانت عليا تنظر من الشباك، فصاح مسعود يا أصحاب القصر علام سيدكم قتيل وأنتم نيام؟؟ فطلت عليا من الشباك فسألها عن زوجها البردويل فأشارت تقول:

تقول فتاة الحي عليا بما جرى
والنار جوا الحشا زادت اضرام

اسمع كلامي أيا مسعود وافتهم
ما أتى راع و لا قد جاء غلام

هذا بعلي البردويل بلا خفا
من أين أتاه السهم هل من الغمام

بان لي بأنك أنت غريمه
باين عليك أنت من فوارس عظام

افتخر بقتله بين الملوك
يبقى لك هيبة كما سبع آجام




فلما فرغت الست عليا من نظامها ومسعود يسمع نظامها، ظن أنه يخدعها وقال أنا الذي قتلته ومرادي آخذ رأسه الى أميرنا حسن الهلالي، وافتخر في قتله على جميع العربان، فقالت افعل ما تريد، فأخذ مسعود الرأس فربطه في مرسة وعلقه في كتفه وهو مسرور، وراح يترنم بقوله ما كل العبيد عبيد ولا كل الموالي موالي، فلما رآه العبيد قالوا ماذا عملت يا ابن الخالة؟ فأجاب لقد قتلت البردويل وسأصير سيدكم ومولاكم، وها أنا آخذ رأسه الى الأمير حسن وأنتم اشهدوا لي بذلك، فمشوا معه الى النجع وشاعت الأخبار بأن مسعود العبد قتل البردويل، فعندها اجتمعت الناس ولاقوه بالأغاني والأفراح وأخذوا يثنون عليه والعبيد حوله يغنون له الأغاني وينشدون النشائد، وهو حامل رأس البردويل على كتفه، حتى وصل الى صيوان الأمير حسن ورمى الرأس قدام الصيوان، فخرج الأمير حسن والأمارة يتفرجون، وقد تعجب الجميع من مسعود البطل المعدود، فقال حسن والله ان الذي أتى برأس البردويل هو بطل ما له مثيل وله مني الإنعام الجزيل، فوثب مسعود وقال لعينيك يا سيدي عبدك مسعود أتى بالرأس وأخمد من ذلك الشقي الأنفاس، فقال الأمير حسن من كان يقول أن منية البردويل على يد عبدنا مسعود، وقد كان هذا يخطف الأرواح ويتركها كالأشباح، وذقنا من حربه البلا والكرب وأنواع الذل والتعب، ثم سأله قائلا وكيف عملت في قتل البردويل؟؟

فقال: كنا في البر والجمال سارحة، فأخذتها هجعة من النوم فنمنا ثم استيقظنا فلم نجد الحلال حولنا، ففتشنا عليه فوجدناه قد بلغ قصر البردويل، فتوجهت بنفسي لأرده فرآني البردويل ونهرني، فلم أرد عليه وتقدمت الى الجمال لأردها فأتاني وهو كالسبع الكاسر ورفع يده بالدبوس ورمان به، فراحت الضربة خائبة غير صائبة، فوضعت حجرا في مقلاعي وفعلت فعل داوود في جالوت وأذقت البردويل الحسرات لأنه بالقضاء والقدر أتت الضربة بين عينيه، فخرج الدم يتدفق منه، وحالا تقدمت إليه وطرحته على الأرض وسحبت السكين وقطعت رأسه وأخمدت أنفاسه، وجميع العبيد يشهدون لي بذلك، فقال العبيد نعم انه قطع رأس ابن راشد أمامنا، فقال مسعود أريد منك يا سيدي أن تجعلني سيدا على كافة العبيد وأن تزوجني ابنة بيضاء وأربع جواري سود وأن تعطيني جوادا من خواص الخيل وعدة حرب كاملة وألف دينار ومواشي وعبيد، وغلمان، فقال القاضي تستاهل يا مسعود أزود من ذلك، فقال أبـو زيـد كفاك يا عبد السوء هذيان أما تستحي أنك تقول قتلت الـبردويل أيها الهبيل؟ قال العبد نعم وحياة رأسك ورأس الأمير حسن، فقال له يا عبد السوء هل أنت أفرس مني ومن دياب؟ فقال مسعود ان لكل إنسان منية، ومنية البردويل على يدي، فقال أبو زيد في أي شي قتلته؟ فقال حسن: كيف ما كان قتله أما أراحنا منه؟ ربما كان يلعب في الميدان وقنطر فيه الحصان ومسعود جز رأسه! فقام أبو زيد وفتح فم البردويل وقال أظنه كان أخرس، لأن ليس له لسان، فقام الجميع ونظروا ذلك وتعجبوا، فقال حسن يا مسعود لما طلع البردويل ما كلمك، فقال نعم كلمني وكان صوته مثل الرعد القاصف، فقال أبو زيد أين طاقيته وسيفه ورمحه وبدلته وحصانه؟
وقد أخذت من أبي زيد الحدة وأنشد شعرا:

يقول أبو زيد الهلالي ســـلامة
وعزمي أمضى من سيوف ورماح

يا أمارا اسمعوا شرح قصتي
وأصغوا لقولي واتركوا الهزل والمزاح

وهذا العبد مسعود يضحك عليكم
فأين عقولكم والفكر قد راح

أين لسان البردويل يا جماعــة
طوله شبرين يشبه الألواح

أين درع البردويل أين عدته
أين رمحه ثم سيفه والسلاح

أين طاقية الاخفا وأين الحصان
يطوي بسرعته برها وبطاح

ابن راشد كان خيالا عظيم
ما أحد يلقاه في وقت الكفاح

تحته أدهم مضمر يا حسن
عندما يركض يسبق الريح

كيف عبدك جاب رأس البردويل
وما معه يا أمير سيف ولا رماح

انما سيفي الذي قد قده
ورمحي بين بزيه خش وراح

آلة الحرب شهود والجواد
وكذا الطاقية والدرع الصفاح

اسألوا عليا زوجة البردويل
فهي تنبيكم بأخبار الكفاح



ثم ركب جواده وسار الى عند أم مخيمر وأتى بعدة البردويل والحصان والطاقية والسيف والرمح وكل ما كان عنده من أمتعة البردويل الى صيوان حسن، ووضع الجميع أمام الأمراء، ثم رمى بلسان البردويل أمام دياب وقال له تفرج هذا اللسان، فبهتوا وتعجبوا من هذا الأمر، وأما مسعود العبد فحين نظر ما جرى صار ينسحب بحاله الى أن هرب من الصيوان لعند الرعيان وأما الأمراء فركبوا خيولهم وكانوا ألفي أمير من الفرسان المعدودة والرجال المشهورة وقالوا الى أبي زيد اركب معنا، فقال أنا لاأريد حتى ينكشف لكم الخبر، فبادروا وفي أوائلهم الأمير حسن الى قصر البردويل فوجدوه قصرا عالي البنيان مشيد الأركان، فتقدم حسن نحو باب القصر فوجدوه مختوما بختم أبي زيد، فقال حسن يا ترى هل يوجد أحد في هذا القصر؟ فما أتم كلامه الا وعليا أشرفت من الشباك فشاهدت حسن وأمراء بني هلال، وكان للقصر باب صغير غير الذي قفله أبو زيد، فاتت عليا منه وأقبلت أمام الأمير حسن وقبلت يديه، فسألها عن قتل ابن راشد فحكت له ما جرى لأبي زيد معه وما فعل العبد مسعود بعد ذلك، فقال الأمير حسن والله ما فعل هذه الأفعال الا أبا زيد، ثم قال وأين المفتاح؟ فقال له مع أبي زيد، وبينما هم في الحديث اذ أقبل أبو زيد راكبا على ابن الحيصا فعندما أقبل استقبلوه وحيوه وقالوا له لله درك من بطل لا تخشى نوائب الأيام، وحينئذ تقدم أبو زيد وأخرج مفتاح الباب المصفح بالحديد وفتح لهم وأدخلهم الى القصر، فتفرجوا على ما فيه من التحف والجواهر والأشياء الثمينة التي لا تقدر بقيمة، فحملوها لبيت مال المسلمين ورجعوا للديوان، أما قوم البردويل عندما علموا بموت مليكهم، ساروا الى ابن أخته سعيد وكان نازلا في أطراف العريش، فأخبروه بقتل خاله البردويل، فقال لهم سعيد ما الرأي عندكم في بني هلال؟ فقالوا أن بني هلال نجم سعدهم في صعود وأميرهم حسن الهلالي قد ارتقى الى ما لا يرتقي غيره من درج المعالي، وأننا نشير عليك أن نركب جميعا ونسير اليه ونقع بين يديه ونطلب منه أن يجلسك مكان خالك، فاستصوب سعيد كلامهم وسار معهم لعند الأمير حسن، فلما وصلوا طلبوا الإذن بالدخول على حسن، فدخلوا عليه وقبلوا الأرض بين يديه وأخبروه عن حالهم فترحب بهم حسن غاية الترحيب، وأهدى الأمير سعيد خلعة سنية وحلة ملوكية ولبسه اياها وأجلسه مكان خاله، وعين عليه الجزية وكتبوا كتاب سعيد على الست عليا امرأة خاله البردويل، وتمتع بالحسن والجمال وبعد ذلك أمر بدق الطبول وأن يرحلوا من تلك التلال، فنشرت الرايات وركبت العماريات على الهوادج واعتلى الفرسان ظهور الخيول، وأخذوا يجدون السير حتى وصلوا الى مصر القاهرة.
[/align]
[/cell][/tabletext][/align]



 


الرد باقتباس
قديم 03-17-2013, 06:46 AM   #12


الصورة الشخصية لـ صدى الوجدان
صدى الوجدان غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 9
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 03-31-2014 (02:37 AM)
 المشاركات : 10,242 [ + ]
 تقييم العضوية :  570
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 5 مرة في 5 مشاركة
الإفتراضي



[align=center][tabletext="width:70%;background-image:url('http://www.hreeb-bihan.com/vb/backgrounds/20.gif');border:10px double indigo;"][cell="filter:;"][align=center]
( الجزء الثالث عشر ) قصة الملك الفرمند




( قال الراوي ):

كان في بلاد مصر ملك يقال له الملك الفرمند بن متوج، وكان ملكا عظيم الشأن يحكم على أبطال وفرسان يكل عن وصفها اللسان، ولما قتل بنو هلال البردويل وولوا مكانه ابن أخته سعيد، قاموا وتهيأوا على الرحيل، ثم ساروا يقطعون كل سهل وبر، حتى وصلوا الى مصر فنزلوا في تلك النواحي والأطراف ورعوا الزرع حتى حصدوه حصدا، وأما ما كان من فرمند ملك مصر فانه رأى مناما هائلا، فقام مرعوبا فأحضر الرمال وأشار يخبره عن ذلك.

ففسر له الرمال منامه، ولما فرغ من كلامه اضطرب الفرمند اضطرابا عظيما وهو في هذه الحال اذ دخل عليه المهلهل حاكم الصالحية وسلم عليه وبكي بين يديه وأشار يعلمه بواقعة الحال ويذكر قدوم بني هلال الى تلك الأطلال.

عندئذ فهم الفرمند فحوى كلامه، اشتدت عليه المصائب، وخاف من العواقب فأحضر الوزراء والأعيان وعقد مجلسا بهذا الشأن، وبعد جلسة طويلة، استقر الرأي على أن يطلب منهم عشر المال والنوق والجمال، فان أجابوه حصل المراد والا فانه يبادرهم بالحرب والقتال.

ثم طوى الفرمند الكتاب وأعطاه الى النجاب ليأخذه الى السلطان ويأتيه بالجواب، فأخذه وسار وجد في قطع القفار حتى وصل الى قوم في ذلك اليوم، فدخل على السلطان حسن وهو في الصيوان وكان عنده جملة من الأمراء والأعيان، فتقدم وسلم وناوله الكتاب ووقف بانتظار الجواب، فلما فتحه وقرأه وعرف معناه اغتاظ الغيظ الشديد وقال لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، كل ما وصلنا الى اقليم يبادرنا أميره بالتهديد ويطلب منا عشر المال أو الحرب والقتال، ثم أمر الخدام أن تأخذ الرسول الى دار الضيافة وبعد ذلك قرأ الكتاب على أرباب الديوان واستشارهم، فقال أبو زيد أرى من الصواب أيها الملك المهاب أن ترسل له الجواب وتوعده باجراء الطلب وتطلب منه مهلة عشرة أيام لبينما نكون قد أخذنا الاستعداد التام للحرب والصدام، فاستحسن هذا الخطاب وكتب له الجواب.

وطو الكتاب وختمه بختمه وأعطاه الى الرسول، فسار به الى أن وصل الفرمند، فسلمه اياه ففتحه وقرأ وعرف رموزه ومعناه ففرح واستبشر وزال عنه الهم والكدر وأيقن ببلوغ الأمل وظن أنه سينال ما يطلبه المواشي والفضة والذهب، ولم يعلم أن دون هذا الطلب الهلاك والعطب، ولما مضى الوقت المعين ولم يقف على افادة من السلطان، نما غيظه وزاد عليه الحال، وكتب للسلطان حسن يطلب منه عشر المال بخطاب وأعطاه الى نجاب وأمره أن يسير به الى السلطان ويأتيه بالجواب، فأخذه وسار وجد في قطع القفار حتى وصل لبني هلال، فدخل على السلطان حسن وسلم وبأفصح لسان تكلم وأعطاه الكتاب وطلب منه الجواب، فلما قرأه وعرف فحواه التفت الى من حوله من الأمراء والأعيان وأعلمهم بما كتب الفرمند وقال ما رأيكم في هذا الشأن؟؟

فقال أبو زيد للنجاب سر بأمان وقل لمولاك بأنه في هذا النهار ينال المطلوب، ففرح النجاب بهذا الخبر ورجع وأخبر مولاه بما سمع، ففرح واستبشر وزال عنه القلق والضجر، وبعد ذهاب النجاب قال السلطان حسن الى أبي زيد على ماذا عولت أن تفعل يا ابا الحيل؟!

قال: مرادي أن أحتال على الفرمند بحيلة يكون ما سبقني اليها أحد، وهي أن أختار أربعين بنتا من بنات العرب ومن جملتهن الجازية أم محمد وأحضر أربعين صندوقا يكون كل صندوق من طبقتين، فأجعل الطبقة الأولى للقماش والحرير والطبقة الثانية للفرسان المغاوير، ونحملهم على ظهور الجمال وأركب أنا مع البنات والأحمال ونسير الى الفرمند على سبيل تقديم المال وندخل السرايا وهو لا يعلم بهذا الحال، حتى اذا وصلنا الى هناك، احتلنا عليه وبنجناه وبلغنا منه ما نتمناه ما في قصره من الأموال، ثم ارتحلنا بالحريم والعيال من هذه الأطلال، وليس لنا غير هذا التدبير، فلما انتهى أبو زيد من هذا الخطاب، التفت ايه دياب وقال له ليس هذا الرأي بصواب، لأننا نخاف أن ينكشف الحال، والرأي عندي أن نبادر بالقتال ونشغل فيهم ضرب السيوف والنصال، فتعهد أبو زيد أمام السادات في النساء والبنات وأنه يرجعهن سالمات، فقال له السلطان حسن افعل ما تريد أيها الفارس الصنديد، فعند ذلك تجهزت البنات في الحال وفعل أبو زيد كما قال وكان بين هذه البنات وطفا بنت أبي زيد زبنت القاضي بدير والست ريما وبدر النعام وجوهرة العقول وسعد الرجا، ولبس أبو زيد فروا من جلد الثعالب والذئاب وتقلد بالسيف من تحت الثياب وأرجى له سوالف طوالا ومسك بزمام ناقة الجازية أم محمد، فتعجبوا من أفعاله وقال له السلطان حسن لله درك على هذه الحيلة التي لم يسبقك اليها أحد، ثم جعل يوصيه بالبنات، فودعهم وسار بمن معه من البنات والصناديق ومن داخلهن الأقمشة الحسان والأبطال والفرسان، حتى دخل المدينة وطلع قصر الفرمند، فوجده مزينا بأحسن الزينة، وكان الفرمند قد بلغه قدومهم فالتقاهم بالترحاب والاكرام، فسلمت البنات عليه وجلسن حواليه، فقال أهلا بالكواكب والأحباب، وكان أبو زيد أمام الجميع وهو يرقص ويلعب ويضحك ويطرب، وهو بالصفة التي وصفناها، فسأل الفرمند البنات من يكون هذا الإنسان؟ فقلن هذا مهرج يزيل الغموم، فانسر غاية السرور وسأله عن اسمه قال اسمي قشمر بن منصور، قال مثلك من يصلح لمسامرة الملوك لما فيك من الحركات وحسن السلوك، فاملأ لي هذا الكأس حتى يزول عني البأس، فملأه وناوله اياه فأخذه منه وظن أنه بلغ المراد، ولم يعلم أن دون ذلك خرط العتاد، فعند ذلك غنت البنات ودقت على الآلات حتى كاد يرقص القصر ويطير من شدة الطرب والفرح، وكان الملك وقعت عيناه على الجازية، فهام بها وتعلقت نفسه فيها لأنها جميلة المنظر ولطيفة المحضر، فأجلسها بجانبه، وسأل أبو زيد من تكون هذه الحسناء؟ فقال له هذه الجازية أخت الأمير حسن، فالتفت اليها وقال لها غني لي على هذه الكأس يا صبية فان قلبي اليك مال، فأجابته الى مقاله وأخذت تغني له بهذه الأبيات:

تقول الجازية من قلب جريح
فنحن اليوم قد جئنا هدية

هدية من أبي مرعي الهلالي
أمير في البوادي والرعية

أيا حيف الغلا يأتي بلادي
ونجد يا ملك أرض عدية

نشف ماؤها وقل الخير منها
وصارت مقفرة أرضا رزية

رحلنا نبتغي أرض المغارب
أنا في هودجي وسط الخبية

جئنا لمصر صرنا لك حلائل
و لا عاد في رواح ولا مجية

ألا يا جازية حني عليا
فعقلي راح كله بالسوية

ألا يا مرحبا فيكم جميعا
وزال الشر عنكم والرزية

ألا يا جازية حسنك سباني
ومثلك ما رأينا في البرية

فعيناك كما عين الغزالة
حواجبك مثل قوس منحنية

مقالات الفتى فرمند صادق
ونيرانا بقلبي مصطلية



فلما فرغ الفرمند من كلامه، شرب الكأس على اسمها وهو يتأمل في محاسنها وبياض جسمها، ثم أمر قشمر أن يملأ له كأسا آخر، فملأه وناوله فأخذه وتقدم الى وطفا بنت الأمير دياب وقال لها غني لي على هذا الكأس يا بنت الأمجاد، فغنت.

فلما فرغت من الغناء انشرح الفرمند وشرب الكأس على اسمها وأعطاه لقشمر فملأه وقد زاد عشقه وهواه ثم سأل جمال الظعن من تكونين يا رية الحسن؟ قالت أنا بنت أبو زيد قال أنت بغية المراد وأنا أسأل رب العباد أن يرزقني منك بولد يكون مثل جده الأسد ثم قال بحياة رأسي أن تغني لي على كأسي فأخذت تسقيه الخمر بيديها، وغنت له فطرب طربا عظيما، ومن كثر ما سقته بيدها المدام ما عاد يميز بين النور والظلام، ثم أنه صرف الأغوات والخدام حتى لا يكون أحد في هذا المقام، وبعد ذلك سقته كأسا آخرا على اسمها وشكرها على نظامها، ثم أعطتها لقشمر ليملأه فملأه وأعطاه اياه، فجلس أمام نجلا ثم جلس أمام جميع البنات الأبكار وهن ينشدنه الأشعار وهو يشرب العقار، حتى غاب عن الوجود وصار بصفة مفقود، فعند ذلك بنجه أبو زيد ونزع ما كان عليه من الثياب ولفه بحرام، ثم فتح الصناديق فخرجت الأبطال مثل الأسود، فنهبوا ما في القصر من الأموال والتحف الغوال ولم يتركوا شيئا في القصر الا أخذوه، وكانت وطفا قد أخذت خاتم الفرمند، ولو أرادوا قتله لقتلوه وأسقوه كأس الحمام، وساروا حتى وصلوا الى باب البلد فاعترضهم الحارس، فأرته وطفا خاتم الفرمند وقالوا نحن من جملة الخدام قاصدين الآن أهلنا لأجل المنام، فعند ذلك فتح لهم الباب، ولم يعرف حقيقة الأسباب، فساروا وقد استبشروا بالفوز والنجاح الى أن وصلوا الى بني هلال، ففرحوا بقدومهم، ودخل أبو زيد على الأمير حسن فالتقاه بالترحاب والإكرام وسأله عما فعل فأجابه يقول:

يقول الفتى أبو زيد الهلالي
يابو علي جبت البنات وجيت

وجبت لك مال كثير وعدة
تحف وجواهر يا ملك عبيت

وجبت معادن مع سيوف مسقطة
وديباج مع كتان لك شديت

دخلت الى قصر الملك يابو علي
وأركانه يا أمير لك هديت

رقصت للملك وطيبت خاطره
ومن بعد ذلك كاسه سقيت

انقلب فرمند على الأرض واقع
فقمت أنا من ساعتي فزيت

جئنا بعون الله يا أمير كلنا
فلا تحسبوني نمت وانسريت

وجبت البنات والأموال جميعها
وهذه فعالي والذي سويت

قول أبو زيد الهلالي سلامة
وقط يوم الروع ما ذليت



فلما انتهى أبو زيد من كلامه، قالوا الأرفق لنا أن نرحل قبل أن تدهمنا الأبطال والفرسان، فأمر حسن بدق الطبول للإرتحال، فدقت الطبول وركبت الفرسان ظهور الخيل ورتحلوا من تلك الأطلال بالحريم والعيال حتى ابتعدوا مسافة يومين عن البلد خوفا من أمر يتجدد، وكان الأمير دياب وزيدان في أول الظعن، أما وزراء الفرمند وأكابر الأعيان فانهم استبطأوا حضور ملكهم الى الديوان، فلما فات الوقت ولم يحضر، أخذهم القلق والضجر وقالوا لابد لهذه العاقة من سبب، وكان له ابن أخت اسمه محمود الغضنفر وكان وزيره الأكبر وقائد العسكر، فصعد الى القصر في جماعة من الحجاب ودخل الى القاعة فوجدها خالية ووجد خاله ملفوفا بالحرام ومطروحا على الأرض، فغاب عن الصواب، واستعظم هذا المصاب فأرسل وأحضر أرباب الديوان، فلما نظروا ملكهم على هذا الحال، اعتراهم الانذهال، ثم أعطاه ضد البنج فعطس ورأى نفسه ملفوفا في ذلك الحرام وهو في حالة الذل والهوان، ولم يحد البنات والنسوان، فزاد مصابه وعظم اكتئابه وأتوه بحلة من أفخر الحلل فلبسها وقد اعتراه الخجل لما رأى نفسه على تلك الحال وهو بين الوزراء والسادات، ثم أخبرهم بواقعة الحال وطلب منهم أن يكونوا مستعدين للحرب والقتال.

وهكذا استعظموا الأمور ودقت طبول الحرب واجتمعت الفرسان والأبطال، وكانت مائتي ألف مقاتل فركبوا واستعدوا للقتال وركب محمود في مقدمة الجنود، فقال له الفرمند اتبع بني هلال الأنذال، وامنعهم عن الارتحال بضرب السيوف والنصال وأنا أتبعك بباقي الرجال، فسار الوزير بالفرسان والأبطال وراء بني هلال حتى أدركوهم، فلما رأت بنو هلال العساكر المصرية قد أقبلت، استعدوا للحرب والقتال وركبت الفرسان والأبطال وخرج الوزير محمود من بين الأبطال، فصال وجال في ساحة المجال وطلب مبارزة الفرسان والأبطال، وقال لهم هل من مبارز هل من مناجز فلا يبرز لي كسلان ولا عاجز اليوم يوم الهزاهز، فنزل اليه أبو زيد فالتقاه الوزير بالعجل وهجم عليه وحمل، وأخذا في الطعن والصدام والمهاجمة والاقدام والمفارقة والالتزام، واستمرا على تلك الحال الى وقت الزوال، فعند ذلك دقت طبول الانفصال، فافترقا على سلامة، وعند رجوع أبي زيد الى الخيام، سأله الأمير حسن على خصمه فقال هو بطل همام وليث درغام، فقال الأمير حسن لابد من ثاني الأيام أن نهجم عليه بالمواكب، لأن الحريم والعيال سبقونا مع الأمير دياب، وفي ثاني الأيام استعدت العساكر للحرب والصدام، وتطاعنوا بالرماح والقواضب وما زال السيف يعمل والدم يبذل والرجال تقتل الى الزوال، فعند ذلك دقت طبول الانفصال، فارتدت عن بعضها الأبطال واستمر الحال كذلك مدة ثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع انكسرت عساكر الوزير ولم يعد لها أدنى ثبات، فولت جوانب البراري والفلوات، واتفق لها في ذلك اليوم قدوم الفرمند بباقي الجند، فلما أشرف الى ذلك المكان ورأى ما جرى، فاغتاظ وحمل على بني هلال بمن معه من العساكر.

وكانت العساكر المنكسرة، لما رأت جماعتها ظافرة، ارتدت الى المعركة الصدام وقاتلت بعد ذلك الانهزام، وكان الملك الفرمند قد التقى بالأمير حسن في ساحة الميدان وهو ينخى الفرسان، فتقدم أاليه وهجم عليه، فالتقاه حسن في ساحة بالعجل وتطاعنا بالرماح وتضاربا بالسيوف حتى اختلف بين الاثنين ضربتان قاطعتان وكان السابق الفرمند، فراحت خائبة بعد ما كامت صائبة، وأما ضربة حسن فالتقاها الفرمند في درقة البولاد، فسقطت على رقبة الجواد فبرتها، فوقع الفرمند على الأرض، فعند ذلك هجمت فرسانه مثل سيل المطر وخلصوه من الخطر، وفي الحال التقت الرجال بالرجال والأبطال بالأبطال وتقاتلوا الى الزوال، فعند ذلك دقت طبول الانفصال فافترقت العساكر عن بعضها ونزلت كل طائفة في أرضها، ولما أصبح الصباح وأضاء بنوره ولاح، جمع الأمير حسن أكابر الديوان وقال لهم مرادي الآن استدعي الأمير دياب ليساعدنا على الحرب والطعان، والا طال الحال وقتلت الفرسان فاستصوبوا رأيه وقالوا اكتب اليه، فعند ذلك كتب اليه يقول:

يقول الفتى حسن الهلالي أبو علي
ونيران قلبي زايدات لهاب

على ما جرى فينا وما أصابنا
وصرنا بحيرةوالأمور صعاب

أيا غاديا مني على متن ضامر
فقل الى الزغبي الأمير دياب

أتونا جموع كالجراد كثيرة
قروم شداد مثل سيل سحاب

نزل الى الميدان فرمند وانتخى
وقال أين الفرسان أين النجاب

فأين المسمى الأمير سلامة
وأين حسن ثم الأمير دياب

فقلت له لبيك يا فارس الوغى
ونزلت أنا لحربه ما حسبت حساب

ضربته بالقرضاب يا أمير ضربة
قتلت جواده وكاد هو ينصاب

والتقى الجيشان في ساحة الوغى
وياما قتلنا من شيوخ وشباب




فلما انتهى الأمير حسن من هذا الخطاب، ختمه وسلمه الى النجاب وأمره أن يسير به الى دياب ويعود بالجواب، فامتثل وسار حتى وصل الى دياب، فسلمه الجواب وطلب منه رده، فلما فتحه وقرأه وعرف فحواه، أمر بدق الطبول فدقت في الحال وأقبلت اليه الفرسان والأبطال، فأعلمهم بجلية الأحوال وقال لهم استعدوا لمساعدة بني هلال قبل أن يحل بكم الوبال وتسبي الحريم والعيال، فلما سمعوا منه هذا الخطاب تحمست جميع الجهال والشباب، وركبوا في ساعة الحال وفي مقدمتهم البطل دياب ليث الغاب والبطل زيدان شيخ الشباب، حتى أشرفوا على بني هلال فالتقوهم بالاكرام والترحاب وشكروهم على ذلك الاهتمام، وفي ثاني الأيام ركبت الأبطال والفرسان وطلبت معركة الطعان، وكان أول من برز ساحة الميدان الوزير محمود ابن أخت الفرمند، ولما صار دياب أمامه، فعند ذلك أشار يهدده فرد عليه دياب وانطبق على خصمه مثل صاعقة الغمام والتقاه الوزير كسبع الآجام وأخذا في العراك والصدام، وما زالا في قتال شديد وضرب يشيب الطفل الوليد نحو ساعة من النهار، وقد اختلف بين الاثنين ضربتان قاطعتان وكان السابق الأمير دياب ليث الغاب، فجاءت الضربة على رأس الوزير فوقع على الأرض ومات، فلما رأى العساكر ما حل بوزيرها، انقضوا على بني هلال مثل الصقور وأحاطوا بهم من اليمين واليسار، فالتقتهم بنو هلال وتقاتلوا أشد قتال حتى جرى الدم وسال وعظمت الأهوال، وما زالوا على تلك الحال الى وقت الزوال، فعند ذلك دقت طبول الانفصال فرجعت العساكر عن ساحة المجال، أما الفرمند فانه بات مشغول البال على ما فقد منه من الرجال ولا سيما قتل محمود ابن أخته، فما طلع الصباح، حتى برز الى ساحة الكفاح كأنه ليث البطاح، ثم صال وجال في ساحة المجال وقال لا يبرز لي من الأبطال غير أبي زيد، فما أتم كلامه حتى صار أبو زيد زيد قدامه، وانطبق عليه بقلب أشد من الحديد وأخذ معه في الحرب فالتقاه الفرمند بقلب كالجبال،فثبت أبو زيد لقتاله، وما زالا في الحرب والصدام مدة عشرة أيام، وفي اليوم الحادي عشر ظفر به أبو زيد، فهجم عليه هجمة جبار وضربه على عنقه بالسيف البتار واذا برأسه قد طار فلما رأى قومه تلك الأحوال خابت منهم الآمال وأيقنوا بالهلاك والوبال واجتهدوا أن يخلصوا جثة ملكهم فما قدروا، وانحلت عزائمهم، وتأخروا ورجعوا الى مصر وهم على أسوأ حال لايعرفون اليمين من الشمال، فتبعهم بنو هلال وفي مقدمتهم أبو زيد ودياب وزيدان أبو الشباب وحكموا فيهم ضرب السيف القرضاب على الأجسام والرقاب حتى دخلوا البلد وكيف أن الفرمند شرب كاس الهوان، خرجوا الى عند السطان حسن بن سرحان وطلبوا منه العفو والأمان، فأجابهم الى ذلك الشأن وأوصى الأبطال والفرسان أن لاينهبوا شيئا من أمتعة المدينة لارخيصة ولا ثمين، وأن يكونوا في هدوء واحتشام اكراما لمزارات الأولياء والعلماء، وكان للفرمند ولد مقتدر اسمه الأمير منذر، فولاه مقام أبيه بحضور أكابر البلد والذوات بعد أن أوصاه أن يتصرف بحسن السلوك ويتخلق بأخلاق الملوك، ثم قامت الأفراح وزالت الهموم والأتراح ورقص الشباب رقصات عربية وهم يحملون السيوف الهندية، وكان السلطان حسن قد استحسن مصر كل الاستحسان نظرا لكبرها وما فيها من الأبنية الحسان، فصمم أن يبني له فيها جامعا ليكون ذكرا له على طول الزمان، فأمر البنائين والمنهدسين ببناء الجامع المذكرو في ظرف ستة شهور، فأجابوه الى ذلك المرام وبعد أن تم، أمر أن يفرشوه بنفيس الفرش وينقشوا حيطانه بأحسن النقوس، فامتثلوا أمره وفعلوا كما قال، فكان جامعا عظيما المثال وكان مكتوبا على بابه بماء الذهب هذا جامع الأمير حسن الهلالي سيد العرب.
[/align]
[/cell][/tabletext][/align]



 


الرد باقتباس
قديم 03-17-2013, 06:47 AM   #13


الصورة الشخصية لـ صدى الوجدان
صدى الوجدان غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 9
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 03-31-2014 (02:37 AM)
 المشاركات : 10,242 [ + ]
 تقييم العضوية :  570
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 5 مرة في 5 مشاركة
الإفتراضي



[align=center][tabletext="width:70%;background-image:url('http://www.hreeb-bihan.com/vb/backgrounds/20.gif');border:10px double indigo;"][cell="filter:;"][align=center]
( الجزء الرابع عشر ) غريق بني هلال في أرض المخاضة



وبعد ذلك أمر الأمير حسن بهد المضارب والخيام وركبت الأبطال ظهور الخيل والجمال وساروا بالنساء والعيال أمام الفرسان والأبطال قاصدين بلاد العرب والماضي بن مقرب، وما زالوا سائرين حتى وصلوا الى مكان يقال له المخاضة، وكان الماء مغدرا في السهول والبساتين والحقول، وكان الأمير زيدان والنساء والعيال سائرين أمام الفرسان والأبطال وكان أبو زيد خلف الجميع، فعند وصولهم الى هذا المكان تضعضعت الرجال والنساء، فوقعت الأحمال عن ظهور الجمال وصاحت النساء وصرخت الأطفال خوفا من الغريق، فلما شاهد الأمير حسن تلك الحال، خاف على الحريم والعيال وأيقن بالهلاك والوبال، فسأل عن أبي زيد فقالوا هو مع عمه حسن الجعبري في آخر الظعن مع حريمه وعياله، فأرسل واستدعاه اليه، فقال له قد اشتدت علينا المحن وأنا خايف على الحريم والعيال من الغريق وقال شعرا أجابه أبو زيد بمثله.

فلما انتهى أبو زيد مقاله، قالوا له نجي يا أبا زيد العربان من الغرق والطوفان فلكز الحصان وبين لهم طرق الأمان لأنه كان يعرف المكان، وكان أول من عبر الجازية وعليا زوجة الأمير أبو زيد، فاتفق أن الهجن قد تزاحمت حتى كادت النساء تقع على الأرض، فتشامتت الجازية وعليا بالكلام وتخاصمتا أشد خصام وكانت الجازية ازدرت فيها وتكلمت معها كلاما لا يرضيها، فاغتاظت عليا من الكلام ورجعت الى الوراء وأعلمت أباها غانم بما جرى.

فلما فرغت عليا من قولها وفهم أبوها فحوى كلامها، اغتاظ الغيظ الشديد الذي ما عليه من مزيد، وعلم أن هذا كان من الجازية عدوا وافتراء وأمر عربه في الحال أن ترد الظعن وترجع الى الوراء، فامتثلوا أمره في الحال ورجعت العربان بالنوق والجمال، فلما رأى أبو زيد الظعون راجعة، اندهش وتعجب وسأل عن السبب، فقالوا هذا ظعن عمك حسن مراده أن يرجع بالحريم والعيال، فلما سمع أبو زيد هذا الكلام، صار الضياء في عينيه كالظلام، ثم قصد عمه وقال له لماذا أنت راجع الى الوراء؟ فبكى عمه وأنشد يقول:

قال الأمير الجعبري بما جرى
العرض مني هتك بين الملا

اسمع كلامي يا أمير سلامة
النار في قلبي تهب وتشعلا

عند المخاضة اجتمعت نساؤكم
وبناتكم فوق الهوادج تنجلا

فتزاحمت عليا وجازية المها
عند الخروج من المخاضة للفلا

شتمت لعليا الجازية بكلامها
وزادت عليها بالمصائب والبلا

قال لها عليا ما هذا الأمل
منك أيا بنت سرحان العلا

أنا زوجة أبو زيد الفتى
هو ابن عمك في الرجال مكملا

قالت فروحي يا عشيقة عبدنا
سأقطع الرأس ما أخاف من الملا

زادت على عليا كلام يغيظها
كسرت لحرمتها أتتني ترفلا

فبكت وشكت ثم قالت ارتجع
فرديت ظعني يا سلامة عاجلا



فلما فرغ حسن الجعبري من كلامه وفهم أبو زيد فحوى شعره ونظامه، كان ذلك عليه أقوى من ضرب السيف، ولكنه أخفى الكمد وأظهر الصبر والجلد وقال له اعلم أيها العم المحترم أنه ليس على كل النساء ارتباط، والتفت الى زوجته وقال أعلميني بما جرى بينك وبين الجازية من النفور والخصام، فأعلمته بواقعة الحال وكيف شتمتها بدون سبب وجعلتها معيرة بين نساء العرب، فقال اخزي الشيطان وقومي بنا حتى نرجع الأن، قالت اذا رجع أبي رجعت أنا، فجعل يتلطف بخاطر عمه ويطلب منه الرجوع، فقال كلامك على العين والرأس الا في هذا، فانه غير مقبول الا بشرط أن تقطع رأس الجازية وتعدمها الحياة، فعند ذلك أرجع وأكون قد بلغت ما أتمناه، فقال أبشر بما طلبت يا عماه، فعند ذلك رجع أبو زيد والسيف بيده ودخل على الأمير حسن وهو في الصيوان وحوله الأمراء والأعيان، فسلم عليه وهو عابس، فقال له السلطان حسن علامك يا زين الفوارس فاني أراك غضبان، فأعلمه بما جرى ثم قال له مرادي أقتل الجازية بحد الحسام على ما بدا منها من كلام الذم والافتراء وحدثه بما فعلت من الأول الى الآخر، فقال السلطان دع عنك كلام النسوان وقم بنا الآن حتى نستعطف بخاطر عمك ونعود، فأجابه الى ذلك المرام وركب هو واياه وعند وصولهما المضارب والخيام، استقبلهما حسن الجعبري بالترحاب والاكرام، فأخذ حسن يستعطف خاطره ويقول له ارجع يا ابن الكرام ودع عنك كلام النسوان ولا تشمت بنا الأعداء في هذا المكان لأننا غرباء الأوطان ولا يجوز أن نختلف في هذا المكان، فقال وحق الواحد الأحد لا أرجع الا برأس الجازية، فقال أبشر مما طلبت فاني أبلغك القصد والأمل، فعند ذلك رجه معهما ولما بلغ الجازية هذا الخبر، أخذها القلق والضجر وخافت من الخطر، فسارت الى عند القاضي بدير وترامت على قدميه وقالت أنا في جيرتك لأنك كهف الأنام ومن يلتجئ اليك فلا يضام، فقال لها أبشري بالسلامة والخير فقد صرت في جوار القاضي بدير، ثم أخذها الى عند الحريم وزادها في التكريم والتعظيم لأنها من أشراف نساء العربان وهي أخت الأمير حسن عظيم الشأن، وبينما هو كذلك أقبل الأمير حسن وأبو زيد فالتقاهما بالبشاشة والترحاب وأخذ معهما في الحديث والخطاب، وقال لهما مالكما متكدران، فأعلماه بذلك الشأن وأن مرادهما قتل الجازية، فقال نفسي فداها فكيف يمكنني أن أسلمكم اياها وقد دخلت داري وصارت في زمامي، فهذا لايصير ولو شربت كاس حمامي، فقال أبو زيد لابد من قتلها على وقاحتها وفعلها، فقال من الصواب أيها الأحباب أن تحضر عليا والجازية للمحاكمة والاستنطاق فالتي تكون مذنبة منهما تستوجب العقاب ولا يعود يلومنا أحد من الناس، وهكذا استقر الحال، ورجع مع ابنته عليا الى الديوان، وكذلك حضرت الجازية فجلست خلف الستار خوفا من أن يقتلها أبو زيد، فعند ذلك سألها القاضي عن سبب اهانتها لعليا وما هو الداعي الموجب لذلك المقال الذي يورث القيل والقال، فأنكرت الجازية أمام الحاضرين بأنها ما قالت كلاما يغيظ ولا يهين، بل كان كلامها على سبيل العتاب كما جرت عادة الأحباب، فالتفت الى عليا وقال يظهر من هذا المقال بأن الجازية لم تتكلم في حقك بشئ يورث القيل والقال، فان كان معك شهود فأحضريهم ليشهدوا عليها، فذهبت عليا الى البنات اللواتي كن في ذلك الوقت حواليها وطلبت منهن أن يحضرن معها للديوان فقلن نحن لا نذهب معك ولا نترك الجازية ونتبعك، فعادت عليا وأعلمت القاضي بذلك الخبر فقال أن الجازية بريئة ليس عليها أدنى حق، ثم دخلت الجازية لعند الحريم ورجعت عليا لعند أبيها وهي في غم عظيم فلما رآها أبو زيد راجعة مداح يترنم ببعض الشعر.

ثم ركب ظهر الجواد وقال لقد مللت من الحرب وليس لي حاجة الى بلاد الغرب، فرأته الأمراء والفرسان قد رجع الى الوراء، فازدادوا غما وكدرا واستعظموا الحال، وعلموا أنهم بدونه لا ينفعون في القتال، فعند ذلك تقدم الأمير زيدان وقال للسادات نحن والله بدون أبي زيد لانقدر على عمل حيلة ولولاه ما كنا قطعنا كل هذه المسافة الطويلة.

فلما فرغ زيدان من شعره وسمعه الأمير حسن وباقي الأمراء، قالوا لقد تكلمت بالصواب لأن أبا زيدا سيفنا الصقيل ورمحنا الطويل، ثم ركب الأمير حسن مع جماعة من الأبطال وسار الى عند حسن الجعبري فالتقاه بالتعظيم والاحترام وأكرمه كل الاكرام، فقال له الأمير حسن ان كان مرادك أن ترجع الى بلادك، فـدع أبا زيد يوصلنا الى بلاد الغـرب ولا تشتت شملنا ثم أشار يقول:

يقول الفتى حسن الهلالي أبو علي
ولي قلب بين الجوانح طار

يا أمير قد جيناك نرجو لهمتك
أيا ليت عمرك أطول الأعمار

فأولادنا بالقيروان وقابس
رهاين وهم في قلعة وحصار

نريدك ترد أبو زيد يا ملك
يدلنا للقيروان جهار

فأدخل عليه لا بد يقبل عزيمتك
يا برمكي يا مكرم الخطار

حتى نروح الى بلاد نجيبهم
ونجعل بلاد القيروان دمار

فقلبي على مرعي قد ذاب وانكوى
وشبت بقلبي والضمائر نار

علشان مرعي هنت حالي وجيتكم
وأتوك هلال كبارهم وصغار



فلما فرغ الأمير حسن من شعره ونظامه وفهم حسن الجعبري فحوى كلامه، قال أنا لا بد لي من الرجوع الى دياري، ثم أنه التفت الى أبي زيد وقال بحياتي أن ترجع الى قومك بني هلال وتذهب معهم الى بلاد الغرب، فقال سمعا وطاعة، ثم ودع زوجته ورجع، وكان قد نأثر على فراق عليا لأنها كانت عزيزة عليه، فعز عليه الفراق واشتد عليه الحزن، فاجتمعت الأمراء والأعيان ودخلوا على الأمير حسن في الصيوان وقالوا له: ان أبا زيد كثير القلق والغم فمن الصواب أن يتزوج فتزول عنه الشدة ويحصل على الفرح، فصار كل واحد منهم يقول أنا أزوجه ابنتي ثم جمعوا بنات أمراء القبيلة وزينوهن بأحسن زينة وكان من جملتهن بنت الأمير دياب وبنت الأمير حسن وبنت الرياشي وبنت عرندس وبنت الليث الكندي وبنت القاضي بدير والجازية أم محمد التي بسببها حصل النكد، وأحضروهن أمام أبي زيد وأوقفوهن بين يديه وقالوا له اختر لك واحدة منهن زوجة لك عوضا عن عليا، فان كل واحدة منهن أجمل منها وأحلى، فلم يرض ولم يقبل أي واحدة منهن، ثم تقدمت الجازية بين يديه وعرضت نفسها عليه، وكان كما تقدم عنها الخبر جميلة المنظر ومحبوبة من جميع البشر، فقال لها ارجعي والا جعلتك بسيفي قطعتين، فاغتاظت من هذا الكلام وكانت تظن أن تتزوج به وتبلغ المرام، ثم خرجت هي والبنات الى المضارب والأبيات.

ديوان الماضي بن مقرب



في اليوم الثاني عبرت بنو هلال نهر النيل، ومازالوا يقطعون البراري حتى وصلوا الى بلاد الصعيد، وكان الحاكم عليها في تلك الأيام رجل صاحب قدر ومقام وفضل واحترام، اسمه الماضي بن مقرب، وكان صاحب حسب ونسب وأصله من بلاد العرب، وكانت اقامته في بلاد نجد العدية الى أن تملكها بنو هلال بالقوة الجبرية، وقتلوا ملكها الهديبي ابن عطية واستوطنوا فيها، فاصطحب الماضي مع الأمير حسن وسادات بني هلال، غير أنه لكثرة الرجال وازدحام المراعي والجمال ارتحل الماضي من تلك الأرض وسار بأهله وعياله الى أرض الصعيد وسكن فيها، وكان يملكها رجل جبار يقال له نصار، فائتلف مع الماضي أشد ائتلاف وجعله نائبه في تلك البلاد وشاركه في ماله ونعمته، وبعد موت الملك نصار تسلطن الماضي على الديار وكان محبوبا من الكبار والصغار، فلما وصلت بنو هلال الى تلك الديار التقاهم بالترحاب والاحترام وأجلسهم في أعز مقام وذبح لهم الطيور والأغنام، فشكرته الأمراء على حسن اهتمامه ثم أخذهم الى أبياته فأقام الأمير حسن في ضيافته مع أهله وسادات عشيرته مدة عشرة أيام في الاعزاز والاكرام وشرب مدام وأكل طعام، ثم تفرقوا في بلاد الصعيد وانتشروا في البيد وهم في سرور وأفراح وبسط وانشراح، فاتفق في بعض الأيام بينما كان الماضي جالسا على الطعام، قال أحد الأعوان اعلم يا ملك الزمان قد بلغني من بعض النسوان أنه يوجد في بني هلال امرأة بديعة الجمال عديمة المثال في الحسن والكمال والقد والاعتدال وفصاحة المقال لا يوجد مثلها في الخلق، لا في الشرق ولا في الغرب، واسمها الجازية، كأنها الشمس الضاحية، ان خطبتها منهم حصلت على السرور والأفراح لأن طلعتنا تنعش الصدور والأرواح، فقال الماضي ان طلبتها منهم يقولوا الماضي يريد حق ضيافته منا بنتا من بناتنا، فقال الوزير يا ملك الزمان بين الناس ما هو عيب والذي يتقرب من الناس خير من الذي يبتعد عنهم، فقال بعض الوزراء لقد سمعت أنا أيضا بخبر هذه الصبية وما فيها من المحاسن البهية، ولكن اعلم أنهم لا يزوجونها بأحد ولو كان من الملوك، فاذا كان لابد لك أيها الملك من ذلك فاطلب أولا الخضرا فرس دياب التي لايوجد مثلها في جميع المماليك وأنا أعلم أنه لا يعطيها لأن نفسه معلقة فيها، وبهذه الحيلة تطلب الجازية وتنال المراد، فلما سمع الماضي هذا الكلام تعلق قلبه بالجازية فكتب بذلك الى الأمير حسن.

فلما قرأ الأمير حسن الكتاب احتار من هذا الطلب، ثم أعطى أبا زيد الكتاب وقال له كيف الرأي عندك، أنا أعلم أن دياب ما يطلع عن الخضرا ولو ذهبت كل بني هلال.

فقال الأمير أبو زيد، الرأي عندي أن أذهب أنا وأنت والقاضي بدير الى الأمير دياب وندفع عوضها من الأموال والخيول الجياد ما يريد، فقال الأمير حسن هيا بنا، فركبوا وساروا حتى أشرفوا على تلك الأطلال، فالتقاهم الأمير دياب وقال أهلا وسهلا يا سادات الأكارم، وبعد أن جلسوا قليلا قال الأمير حسن لدياب، لنا عندك حاجة نريد أن تقضيها لنا، وعرض عليه ما اتفقا عليه، فقال دياب: يا أمير حسن كل شئ عندي في قبضة يدك الا الخضرا لأن روحي وروحها سوا.

قال له خاله القاضي بدير، هتكت الأمراء وكيف يجيؤن اليك وما تقضي لهم غرضهم، قال له يا خالي ان الخضرا أعز علي من البنين، فخذ عوضها مهما تريد من الخيول السوابق لأني لا أعطيها لأحد ولو اجتمعت كل الخلائق، فاغتاظ حسن من هذا المقال وعول على الرجوع الى بني هلال، فمنعه ألأمير غانم وأضافه عنده بمن معه، وذبح لهم الأغنام وأكرمهم غاية الاكرام، ثم دخل على ابنه دياب وعاتبه أشد عتاب وأمره أن يعطيه الخضرا، فأجابه لذلك المرام ولم يقدر أن يخالفه، ثم أنه أسرج الخضرا وقادها الأمير حسن، فشكره الأمير حسن، وقال أبو زيد اكتب كتاب الى الماضي وأرسل له الخضرا في الحال، فكتب اليه يقول:

يقول الفتى حسن الهلالي أبو علي
فحاشا لمثلي أن يكون بخيل

أيا ماضي أنا الفتى حسن الهلالي
أرسلت أنا خضرة دياب عجيل

أرسلت لك خضرة دياب بسرجها
والدرع والدبوس بالتكميل

أيا ليتها يا ابن عمي مباركة
فوكل عليها يا أمير وكيل

مقال الفتى حسن الهلالي أبو علي
تمنيت عمرك أن يكون طويل



فلما انتهى حسن من هذا الخطاب، سلمه الى النجاب وأمره أن يسير بالخضرا لعند الماضي ويعطيه الكتاب، فبكى على فراقها وتقدم اليها وعانقها، فأخذها النجاب الى الماضي فقدمها له وأعطاه الكتاب، فلما قرأه ورأى الخضرا، تعجب من كرم الأمير دياب ثم سلمها الى السياس، والتمت حوله أكابر القوم وهنؤوه بها، لأنهم ما رأوا لها نظير بين سائر الخيول، وقالوا له بارك الله لك فيها، فقال بارك الله فيكم وأريد أن تركبوا خيلكم وأنا أركب الخضرا ونطلع الى الصيد ونجربها، فركبوا وساروا الى أن وصلوا الى مكان الصيد، فأطلقها الماضي وأرخى لها العنان، فعرفت الخضرا أن راكبها ليس خيالها، فكانت ترفعه عن ظهرها مقدار خمسة أذرع الى أن اختل توازنه فوقع عن ظهرها الى الأرض، فارتض جسمه وتألم، ولما أتمت الخضرا مشوارها عادت الى الماضي ووقفت عنده، فقام وقادها من رسنها وما تجرأ أن يركبها الى أن وصل الى قومه، فسألوه عن أفعال الخضرا فأجاب يقول:

قال الفتى الماضي بن مقرب
الرجل لا يأمن هموم الدهر

جتني ترى الخضرا فرحت بشوفها
وانشرح مني الحشا والصدر

ركبتها حت أشوف أحوالها
طارت شبيه الطير يم الوكر

وراحت كما الغزلان غابت بالفلا
رمتني فوق الثرى عند الصخر

غبت عن نفسي وحيلي انقطع
وتكسرت عظامي من الظهر

أنا أرسلها غدا لأهلها
لعند أبو مرعي من الفجر



فبينما هم بالكلام واذا بنجاب مقبل قاصدا الماضي، فحول على باب الصيوان وسلمه كتابا، ففتحه الماضي وقرأه بين السادات واذا به من عند شكر الشريف بن هاشم زوج الجازية أم محمد، يتضمن على سلام وافر وأشواق، ومن عجب ما تضمنه وحواه، تنازله عن الجازية وتقديمها له لتكون من جملة نسائه، وكان السبب لهذا الأمر المستغرب الذي لم يسمع مثله في العرب هو أن بني هلال عند وصولهم الى مدينة الشام وحروبهم مع شبيب التبعي كانت الجازية أرسلت الى بعلها المشار اليه كتابا تسلم عليه وتعلمه عن مسيرهم الى بلاد الغرب وأنهم سيمرون في طريقهم على الماضي بن المقرب وأنه بالكاد أن ترجع اليه وتراه، فلما اطلع زوجها عل هذا التحرير أوجبه الحال أن يكتب للماضي ذلك المقال لأنه كان يحبه، فتنازل له عن زوجته وأرسل له أيضا صورة الكتاب على سبيل العهد والميثاق.

فلما فرغ الماضي من قراءة الكتاب وفهمه الحاضرون، اعتراهم العجب وأخذهم الطرب وقالوا وحق علام الغيوب لقد جاء هذا الكتاب طبق المرغوب لأنه لم يخطر في البال بأن شكر الشريف يتنازل عن الجازية أم محمد.

فاتفق رأيهم على أن الماضي يرسل الخضرا الى بني هلال ويعلمهم بواقعة الحال ويطلب منهم الجازية، فاستصوب الماضي هذا القرار وأيقن ببلوغ الأوطار وأرسل الخضرا الى السلطان حسن وطلب منه الجازية أم محمد.


( قال الراوي ):

ثم أن الماضي كتب الكتاب وبعد قراءته على وزرائه وكبار دولته، وجدوه مناسبا، فسلمه الى النجاب وسلمه الخضرا فرس دياب وأمره أن يسير الى عند الأمير حسن ويأتيه بالجواب، فامتثل وسار حتى وصل الى بني هلال، فدخل على الأمير حسن وسلمه الكتاب، فقرأه وفهم معناه ثم التفت الى الأمير دياب وقال له أن فرسك قد رجعت اليك، فقم وخذها، فقال دياب أنني ما وهبت قط شيئا في حياتي وعدت استرجعه، فخذها أنت واجعلها من جملة خيولك، فقال هذا لا يكون فأنت صاحب المعروف وأحق بها من غيرك، فعند ذلك أخذها دياب وسار وهو في غاية الفرح والاستبشار، وبعد ذهاب الأمير دياب استدعى السلطان حسن أخته الجازية، فأتت ودخلت عليه وقالت له ماذا تريد أيها الملك السعيد؟ فأخبرها كيف أرسل الماضي يطلبها ومارده أن يتزوج بها، ولما سمعت هذا الخطاب، تكدرت وقالت كيف يتم هذا الأمر وبعلي شكر الشريف أبو أولادي محمد وعمر؟ وأنشدت تقول:

تقول فتاة الحي الجازية أم محمد
بدمع جرى فوق الخدود بداد

الا يا أخي اسمع شرح قصتي
وافهم ما أقول من الانشاد

ترى الحرمة ما تأخذ اثنين يا فتى
بأي مذهب حل وبأي اسناد

أنا بعلي شكر الشريف بن هاشم
سلطان مكة من أب وأجداد

وفارقت أولادي بغير ارادتي
وطاوعتك ما كان ذا بمرادي

وما فرقة الأولاد الا مصيبة
قما يدخل عيني قط سهاد

وما طلقني حتى أريد بداله
وصار بقلبي لهيب ووقاد

مقال فتاة الحي الجازية أم محمد
وهكذا حكم ربي عالعباد



فلما فرغت الجازية من كلامها والأمير حسن يسمع نظامها، كتب مكتوبا الى الماضي يعتذر فيه عن ارسال الجازية، ثم سلمه الى نجاب ليأخذه اليه ويأتيه بالرد، فامتثل وجد في قطع القفار حتى وصل الى الماضي، فأعطاه الكتاب، فلما قرأه كتب الى حسن أن شكره الشريف قد تنازل عن الجازية أم محمد، ثم أرسل كتاب الشريف مع الرسول الذي حضر معه، فلما وصل اليه سلم عليه بحضوره جماعة من الأمراء والأعيان، وكانت الجازية أم محمد من جملة الحاضرين، ففتح حسن الكتاب وقرأه فتعجب من ذلك الخبر الذي لم يخطر على قلب بشر، ثم التفت الى النجاب وقال له كيف أحوال شكر الشريف؟

فقال الحمد لله بخير وعافية وهو يهديكم جزيل السلام والأشواق، فعند ذلك أخبر الحاضرين بما كتبه شكر الشريف، فلما اطلعت الجازية على تلك الحال اعتراها الاندهاش وقالت هذا لا يكون أبدا ولو شربت كاس الردى، فقال أبو زيد من الصواب يا بنت الكرام أن نرسلك الى الماضي لأن له علينا جميل واحسان ولا سيما أن زوجك قد رخص له بك، فمتى صرت عنده حاوليه بأمر الزواج وأنا أخلصك من هذا القضية وتذهبين معنا الى الغرب، فتضمخت الجازية بالأطياب ولبست أحسن الثياب وكانت بديعة المنظر تزهو كالقمر، فازداد حسنها عن الأول لما تزينت بأفخر الحلل ولبست الجواهر، فأذهلت البصائر، ثم ركبت في هودجها بجماعة من النسوان، وركب معها الأمير حسن وعدة من الفرسان، وجدوا في السير طالبين الماضي، وأرسلوا يعلموه بقدوم الجازية والأمير حسن، فأخذ الكتاب، فلما قرأه زادت أفراحه وكثر انشراحه وأيقن بلقاء الحبيب بوقت قريب وأمر أحد وزرائه أن يستقبل الأمير حسن والجازية بالعساكر، فركب في الحال بثلاثة آلاف من الفرسان، وسار يقطع الطريق بالأغاني والأشعار وسار مع جماعة من النسوان اللواتي لهن قدر وشأن، فكانت النساء تدق بالدفوف والمزاهر والفرسان تلعب بالرماح والسيوف الى أن التقوا بالأمير حسن والجازية، فزادت بينهم الأفراح وكان يوم يستحق الاعتبار لم يسمع مثله في سالف الاعصار، وكان الماضي قد زين القصر بأنواع الحرير والقماش الفاخر، وعند وصولهم استقبلهم أحسن استقبال وأجلس حسن في صدر المقام وجلست حوله الأمراء الفخام ونزلت العروس عند الحريم ودارت الحلويات وكاسات الشراب على مائدة الأمراء والسادات، ثم حضرت سفرة الطعام وفيها من جميع اللحومات طالضأن والدجاج وبعد أن أكلوا وشربوا ولذوا وطربوا، رقصت النساء والبنات وغنت المغنيات بأنواع الأصوات، فكانت حفلة لم يسمع بمثلها ولم يفعل أحد كشكلها، وداموا في فرح وسرور وغبطة وحبور ثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع، استأذن الأمير حسن من الماضي بالمسير الى بلاد الغرب، فقال الماضي أيها الملك الا تقيم عندي في هذه الأطلال، فبلادي واسعة وهي كثيرة المراعي، فشكره حسن على اهتمامه وقال لابد من المسير، ولما صمموا على الرحيل جعلت الجازية تبكي بدمع غزير لأنه لم يكن لها صبر ولا سلوان على فراقهم ساعة من الزمان، فلما زاد عليها الحال أكثرت من النحيب فانزعج الماضي وسمح لها بالذهاب معهم، ففرح بذلك الأمير حسن وأمر الفرسان بالركوب، فركبوا ظهور الخيول وركب الماضي بالفرسان وساروا بصحبتهم، فحلف عليه حسن بالرجوع، فترجلت حينئذ الفرسان وودعوا بعضهم فدعى لهم الماضي بالتوفيق والانتصار وسارت بنو هلال لبلاد تونس لخلاص مرعي ويحيى ويونس.
[/align]
[/cell][/tabletext][/align]



 


الرد باقتباس
قديم 03-17-2013, 06:49 AM   #14


الصورة الشخصية لـ صدى الوجدان
صدى الوجدان غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 9
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 03-31-2014 (02:37 AM)
 المشاركات : 10,242 [ + ]
 تقييم العضوية :  570
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 5 مرة في 5 مشاركة
الإفتراضي



[align=center][tabletext="width:70%;background-image:url('http://www.hreeb-bihan.com/vb/backgrounds/20.gif');border:10px double indigo;"][cell="filter:;"][align=center]
الجزء الخامس عشر
ديوان الزناتي خليفة



ومازالت تقطع السهول والبراري حتى وصلوا لبلاد الغرب ودخلوها، ونزلوا في واد، اسمه وادي الرشاش، وكان ذلك الوادي بين جبلين، فلما نزلوا فيه جفلت منهم الوحوش، وكان للزناتي خليفة ابن أخن يقال له العلام بن غضبة فالتفت الوناتي للعلام وقال له أخرج للصيد واتنا بما تصيده، فأجابه بالسمع والطاعة، فقام وركب وأخذ الكلاب والصقارة وطلع اللا الصيد، فما مشوا الا قليلا واذا بالوحوش من كل جنس بين أرجلهم، فاصطادوا حتى حملوا خيلهم ورجع هو ومن معه وألقوا الصيد أمام الزناتي، قال له العلام ما هذا أنا أرى أن ما جاب هذا الصيد الا العجايب، فقال العلام وأنا أقول أن ذاك العبد الذي حبست رفقاه راح وأتى لنا بقومه، فصار الزناتي في حساب وأمور صعاب، ثم ذهب الى قصره ونام فرأى في منانه ولذيذ أحلامه، أن أتته عربان مثل الجان ولهم سلطان كبير الشأن ومعهم العبد الذي أتى الى عنده وراح وخلى رفاقه ورأى فارسا أشقر اسمه على اسم الديب وقاضي العرب وقد ملكوا بلاده فقام من منامه طايش العقل، فاستدعى ابن أخته العلام وقال له رأيت مناما وأريد أن تفسره لي فقال العلام يكون خيرا فاستحضر الرمل وحرر الأشكال على شرح البال وولد البنات من بطون الأمهات فبان عنده أهوال وضرب رماح ونصال من عرب كالرمال، ثم أنشد يقول:

يقول الفتى علام ولد غضبة
لقد بان عندي يا أمير حروف

كلامك صحيحا ما به قط ريبة
وعلم ما يحصل بدون مكلوف

فهذي عربان الهلالي أبو علي
عليهم الذهب وهم عاقدين دفوف

وهذا ملكهم ابن سرحان يا ملك
أمير بن أمير سيد معروف



فلما فرغ من كلامه، عاد الزناتي في هم ونكد، واذا بالهصيص أقبل وأخوته بصحبته، فقام الزناتي لملاقاته واستقباله وأنزله في أعز مقام، ثم جلسوا على الطعام وأخذوا يتفاوضون بالكلام، فقال الهصيص يا اخوان مالي أراكم مغيرين الأحوال، فأخبره بما حلمه من الأهوال فقال وأنا حلمت كذلك.

فلما فرغ الهصيص من كلامه، كان حاضرا رجل اسمه سليمان خبير في طرق وأراضي البلدان، فقال له الزناتي اذهب واكشف لنا هؤلاء العرب واتنا بالخبر عن حقيقة أمرهم، فأجاب سمعا وطاعة وركب جواده وسار حتى وصل وادي الرشاش، فوجدهم قد ملأوا الأرض وراياتهم تخفق بين ألوف بيوتهم كالبحر الزاخر ولا ينظر لها أول من آخر، فسأل عن بيت أمير العربان، فأرشدوه فدخل على الصيوان فرآه مثل زهرة البستان، وصاحبه الأمير حسن يترحب بكل من جاء ويودع من ذهب وأدهشه كرم بن سرحان، فعاد الى أن وصل الى الزناتي فسلم عليه وأنشد شعرا بين يديه. فلما فرغ سليمان من كلامه، صار الزناتي في حساب وأمور صعاب من هؤلاء العربان، فقال له الهصيص علامك يا أخي تغير لونك وأنت سلطان هذه البلاد وتحت يدك أربعة وعشرون أميرا وكل أمير يحكم على مائة ألف عنان! فقال الزناتي اكتب يا أخي الى ملوك بلادنا.

فبعث الزناتي الى جميع الأمراء وأعلمهم في هؤلاء العرب الذين هم مثل الجراد ويرجع الكلام الى الهصيص، فركب هو العلام وجردوا ثلثمائة ألف، وقال لأخيه ابق مكانك وأنا أريح أفكارك، وكل ما جاءك فزعه أرسلها حتى ما تخلي العرب تخترق جدارنا، وسار الهصيص في القوم الى أن وصلوا الى وادي الرشاش، فقال الهصيص لابن عمه العلام، سر قدامنا يا فارس واكشف لنا العرب أين نازلون، فأخذ العلام ألف فارس وسار قليلا واذا مقبل عليهم فرسان مثل الجراد وكان عقيد القوم الأمير أبو زيد ومعه الخفاجي عامر وزيدان بن غانم، فلما نظر أبو زيد اللا العلام قال لرفاقه، احترسوا من هؤلاء القوم، فهم قوم العلام ابن عم الزناتي، ووقعت العين على العين ونزل العلام الميدان وسقط اليه أبو زيد مثل السبع، فقال له العلام من أنت؟ ألست عبد المحابيس؟ قال نعم يا جبان، فقال له أين الرجال؟ قال أنا معي ألف والباقون خلف، وأنا أبو زيد الهمام، فلما سمع العلام هذا الكلام صار الضيا في وجهه ظلاما، والتقى البطلان كأنهما جبلان، وحان عليهما الحين وزعق فوق رأسيهما غراب البين فاختلف بينهما ضربتان قاتلتان، وكان السابق في الضربة الأمير أبو زيد، فأخذها العلام في ترس البولاد، فسقطت على رقبة الجواد، فبرتها كما يبري الكاتب القلم، فأدركه قومه وأخذوه من قدام أبي زيد، فمال أبو زيد من اليمين والشمال، وأهلك الأبطال فولوا هاربين وللنجاة طالبين ولحقهم بنو هلال حتى أدخلوهم في الجبال، وبقيت حالتهم في أسوأ حال، فرجع عنهم بنو هلال كاسبين الخيل والأموال، ولما أقبل العلام وقومه على الهصيص وهم على تلك الحال، فصاح فيهم وقال أعلموني بما جرى من هؤلاء العربان؟ فأخبروه فطلع الهصيص ومن معه على الجبل ونزلوا مثل السيل اذا سال حتى أقبلوا على بني هلال، فنظر أبو زيد واذا بغبار قد حجب الأبصار فقال لقومه، كثرت عليكم القوم يا شجعان، فقالوا نحن فداك ونلقى عداك، ثم جالوا في الطول والعرض وشنوا الغارة على الأعداء وعاثوا في القوم والامارة وأرموهم في الذل والخسارة والغبار ملأ الأقطار والعماريات تنخى الفرسان على قتل الدشمان،فلما نظر ذلك الهصيص وقومه، أعطوا كسرة وأرادوا الهرب، فلما تكاملت العربان الا وأبو زيد كسرهم في آخر النهار ورد الخيل هو وقومه وكسبوا بني هلال وأقاموا فيهم الرعبة، فقامت في العرب الصيحات وعلت الضجات من كل الجهات وأدخلوا بني هلال البيوت وأخذ قوم الهصيص خيلهم والبنات والنوق، فجمع أبو زيد أربع كرات وركبت معه العماريات وسبق القوم ومسك لهم الطريق، فأقبلت عليهم الأعداء فتلاقوا على الجارية البنات فرد عليهم الأمير دياب فالتقاه الهصيص وضربه بالدبوس على الطاسة فحرك خضرته وولى من الهصيص هارب والى النجاة طالب، ولحقه قوم بنو زغبة، فمر على البنات فنظرته فنادته بنته وطفا: علامك يا أبي هارب فما رد وخلاها واذا بالقاضي بدير مهزوم هو وقومه، فنادته الجازية لا تروح وتخلينا، فقال ورائي أخوك واذا حسن وقومه هاربين، فنادته الجازية لاتذهب وتتركنا، فقال لها أبو زيد يخلصكم من الأسر، فاذا أبو زيد أتى، فلما نظرته البنات صحن فيه، فلما رأى أبو زيد ذلك، عادت نيرانه مشتعلات ورجه هو وقومه وأطلق العنان على لقاء الأعداء، فالتقاه الهصيص في الميدان فوقع بينهما ضرب شديد، فقام أبو زيد في عزم الركاب وضرب الهصيص في الرمح، فشك ذراعه ورماه على الأرض، فهجمت عليه قومه وخلصوه وصار طعن يفك زرد الحديد والبنات تنادي وتنخى قوم أبي زيد وتزغرد لهم وأبو زيد في أولهم، فولى قوم الهصيص شرايد وأخذ منهم بنو هلال خيلهم وأموالهم وخلصوا البنات وعادوا الى أهلهم فلاقتهم الأولاد والبنات بالدفوف والضجات وراح قوم الهصيص شتات وأما بنو هلال فاجتمعوا في صيوان الأمير حسن وصارت الجازية تشتم وتوبخ من هرب وتمدح من ثبت، فقال لهم أبو زيد يا أجاويد هلال لا تحسبوا أن الهصيص قد انكسر وراح، فلموا بعضكم وأعطوا بالكم الى حالكم واجعلوا حرسا يحرس في الليل، وأما أبو زيد فكان تعبا وبرد في الليل، فاعتراه وجع في جوفه وما عاد يقدر يجلس على ظهر الجواد، فوقف الخفاجي عامر موضع أبي زيد، أما الهصيص أخو الزناتي فجمع قومه وقال لهم، سأعمل حيلة تسوى قبيلة وأرمي الأسمر بينهم حتى ننال مرادنا منهم، ولو يدري أبو زيد نايم لغار عليهم بالنهار جهرا، ثم قال لقومه اركبوا والحقوني وأتى لبني هلال من ناحية الشرق وأرسل الى الأمير حسن يخبره أن الزناتي عدونا ونحن جئنا نجدة معكم وسمى روحه الأمير مقلد وأشار يقول:

يقول الفتى المسمى الأمير المقلد
من أرض كورج والكبار جميع

أتينا نغزي يا حسن مع قومكم
أمارة هلال كل قرم شجيع

أريد أسلفكم جميلا طيبا
ومن سلف الأجواد ليس يضيع

لما سمعنا بسيطكم جينا لكم
نكسب غنايم وكل تخت رفيع

فلا تحملوا هم الزناتي خليفة
أما لكم عونا سريع مطيع

و لا بد نملك أرض تونس بلادهم
وندعي خليفة في المجال يضيع



فلما فرغ مقلد من كلامه، طوى الكتاب وختمه في ختمه وأرسله الى الأمير حسن فقرأه وعرف معناه، وكان أبو زيد له ثلاثة أيام مريضا وكان دياب حاضرا وبني هلال جميعهم، فقرأ عليهم حسن الكتاب وأعلم بني هلال ما فيه، فقال دياب أتزنا في وقتهم وأشار حسن يكتب الى المقلد بالأمر.


( قال الراوي ):

وركب الأمير حسن ودياب والقاضي بدير وأكابر بني هلال نحو ألف فارس يلاقوهم، فلما قاربوا الهصيص دق طبله ونشر الأعلام وهجم على بني هلال مثل السبع الغضبان وتفرقت قومه في كل مكان وغاروا على البيوت ونهبوا الأموال وأخذوا الخيل والجمال ومائة بنت فايقات الجمال وأخذوا البيوت من أهلها، قال الهصيص أنا ما نظرت الأسمر ولا سمعت صوته لعله يكون قد قتل اليوم، وأما أبو زيد فكان نايما من الضعف فسمع الضجة فقام من نومه وقال ما الخبر وما هذه الصرخات؟؟ فأخبروه في حيلة الهصيص وما فعل في بني هلال وكيف نهب البوش والمال وسبى النساء والعيال، فصاح من قلب جريح ودق طبله فاجتمع عنده بني هلال اثنا عشر ألف فارس والباقون كانوا هاربين على رؤوس الجبال وأخذ الحاضرين وساروا الة القوم وربطوا لهم في الطريق وصاح فيهم، فرفرفت النساء على أبي زيد مثل رف الحمام، وقلن الينا الينا، فصاح في القوم وقال خلوا عن الحريم والمال، وهجم عليهم بالحال، وكانت ساعة تحير الإنس والجان وغار على الفرسان كفرخ الحمام وهو يميل على الميامن وعلى المياسر، فأتى الهصيص الى ناحية أبي زيد كالسبع الكاسر، وتقاتل مع أبي زيد واصطفت الجيوش ووقعت العين على العين وقال الهصيص أنت حي الى الآن وفي كل موضع أراك، وقال أبو زيد في هذا الوقت أريك أفعالي.

فعندها التقى البطلان كأنهما جبلان، وطار من تحتهما الغبار وقدحت حوافر الخيل نارا، والفريقان ينظران الى حربهما وحريم بني هلال تنخى أبو زيد لكي يخلصهم من الأعداء، فعندها صرخ الهصيص صوتا دوت له الجبال وقام باعه في الزارق وطوحه الى أبي زيد، فأخذه بالسيف أبراه كما يبري الكاتب القلم وأبو زيد ضايق الهصيص ولاصقه وسد عليه طرقه وطرايقه وهز بيد عود الزان وطعنه بين بزيه طلع من بين لوحيه، ثم ثنى عليه بالسيف فطير رأسه، ولما نظر جماعته ما صار ولوا الأدبار وتبعهم القوم الأخيار، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة وعاد أبو زيد وجماعته الى الخيل الشاردة والعدد المبددة واذا بالأمير دياب والأمير حسن والقاضي وقومهم كانوا قد سمعوا أن أبا زيد لحق الهصيص برجال قليلة، فتلملموا ولحقوه وكان السابق الأمير دياب، فقال أين الرجال يا أبا زيد؟ فقال هربوا فدونكم خيل أعدائكم، فقال دياب يا أبا زيد أنت طول عمرك تفرج عن بني هلال غمها، فقال كونوا على حذر لأن الذين حاربناهم نقطة من بحر لأن قوم الزناتي أربعة وعشرون سلطانا، وكل واحد منهم يحكم على مائة ألف والبوش يخاف عليه من العدا لئلا يأخذوه، ومرادنا نبعث معه أميرا، فقالوا من يروح مع البوش؟ فقالوا الشور للجازية أم محمد لأن لها ثلث الشور فأحضروها، ثم بعدما دارت القهوة وكاسات الشراب، التفت الأمير حسن نحو الجازية وقال لها قد أرسلنا وراك نشاورك في أمر البوش، فمرادنا نرسله لغير موضع، فشوري علينا من يروح مع البوش أبي زيد مالنا بعده تدبير وأنا لاأصلح لأني أمير، فيقولون أميرهم راع والقاضي بدير أصابعه مقطعة و لا يصلح الا دياب لأنه يحميه من الأعادي، فأخبرينا ما رأيك؟ فقال له هذا رأس الشور فأشار السلطان حسن ينخيه.

فعرف دياب أنها مكيدة من الجازية ولكن أخفى الكمد وأظهر الجلد وأشار يطيب خاطر حسن.
وكان الأمراء يسمعون كلامه فشكروه وقالوا له من يرد عنا القوم في كل غارة؟ فأشار أبو زيد يقول:

قال أبو زيد المسمى كلام أكيد من جدي خذ البوش وروح ارعاه وسير الى أقصى الجرد تسلم مال ملوك هلال، كذا الرعيان مع العبد مثلك من يحمي ذا البوش همام، مثلك ما حدى احفظ نفسك والرعيان من أبطال ومن يردي أخاف عليك من الغارات يجوكم ليلا في تعد، اياك بالليل تمان، خل النوم مع الرقد ومن يثبت منكم معنا ينال الخير والقصد عدا خليفة يلقانا وأكون له أنا الجندي أبو سعدا قرم مجرب وصوته مثل الرعد باكر يصبح يلقانا بالبولاد وفي الزرد ومعه جيش يأتينا على خيل ضمر يتحدى وأنا يا جواد أحضركم أبو زيد، أنا السند عدا أغنمكم منهم مكاسب لا تتعدى وتروح كل هوادجنا يفوح المسك مع الندي، أنا أوصيكم يا فرسان كونوا عصبة مشتدي، لتزعل يا أمير دياب، فكون بعزمك مشتدي، خذ البوش واسرح فيه بالك غلام تنعدي ألفين فارس خيالة وثلاثين ألف جندي اصبر عى الأهوال ولا تأتونا على البعد، اسما يا أبا وطفا دياب، يا ابن غانم اجتهد لولاك هلال ما سكنت بلاد الغرب ولا نجد المال تكفل فيه زغبي حولك كالأسد كم وقعة أشفيت هلال، أنت يا زكي الجد، فلما فرغ أبو زيد من كلامه أجابه دياب: يا أبا زيد أنت السيد وفيك الخير مع السعد.

فلما فرغ دياب من كلامه، ركب في قومه بني زغبي وهم تسعون ألف فارس، ولك ألف فارس راية بيضاء، وسار أبو زيد معه ليدله على وادي الغبا والغباين، وساق الرعيان وكانوا ستة آلاف راع، وساروا الى أن وصلوا الغبا والغباين، فوجدوا فيه أنواع الزهور والورود ورائحتها منتشرة في كل مكان، والمياه الصافية الباردة تجري وتنساب وتسقي الأشجار والزروع، والشلالات تصب من أعلى مكان الى ذلك الوادي فتشكل مناظر طبيعية جميلة، فانسروا بهذا المكان الذي كأنه جنة رضوان، فقال أبو زيد انزلوا في هذا الوادي واحذروا من كيد الأعادي، ثم أنه عاد لبني هلال، أما الأمير دياب فنصب صيوانه في الوادي، وأوقف رقباء على الجبال أربعة آلاف خوفا من العدا، ويرجع الكلام الى الزناتي، فانه لما علم في قتل أخيه غضب وأتى بجيش ونزل الى الميدان، فنزل اليه أبو زيد، فقال له هل أنت عبد المحابيس؟؟ قال نعم، فقال الزناتي أين المال؟ فقال معي ألف والباقي خلف، قال أنت رحت تجيب مال أو رجال؟

فالتقى بعد ذلك البطلان كأنهما جبلان وحان عليهما الحين وزعق فوق رأسيهما غراب البين، فاختلفت بينهما ضربتان قاطعتان، فكان السابق بالضربة أبو زيد، فأخذها الزناتي بطارقة البولاد فنزلت على رقبة الجواد، فبرتها كبري القلم، فوقع الزناتي على الأرض، فركضوا على بعضهم البعض وأقاموا الزناتي وخلصوه، والتقى الجيشان والتحم الفريقان وقاسوا الأهوال وبطل القيل والقال، حتى أقبل الزوال، ودقت طبول الانفصال وقعدوا الى الصباح، فاستعد بنو هلال ونزلوا الى الكفاح ونزل الزناتي مع قومه للميدان، فحملت الشجعان وطارت الرؤوس عن الأبدان، وبقوا على هذ الحال الى وقت الزوال، فدقوا طبول الانفصال وكل منهم طلب الأهل والأوطان، فلما عاد بنو هلال جلسوا في صيوان الأمير حسن ابن سرحان، فقال الأمير حسن لماذا يا أبو زيد تقاتل القومن أنت بنفسك وما تعطيني الخبر؟

فان كنت طائعا لله والأمير، فضع رجليك في هذا القيد، قال أبو زيد سمعا وطاعة، وحط القيد في رجليه وقعد في بيت الأمير حسن فلما أسبح الصباح دقت بنو هلال طبولهم ونزلوا الى الميدان، فنزل الزناتي فلم ير أبا زيد معهم، فطمع فيهم وغار عليهم مثل الأسد الضرغام وقتل منهم جملة من الفرسان وشتتهم بين الروابي والآكام وكسرهم حتى رحلهم سبعة مراحل، وأخذ الخيل والجمال والحريم والأطفال فراحوا الى عند أبي زيد وهو مقيد، فقالوا الى متى يا أبا زيد؟! قم فك القيد من رجليك!

وما لبث أن استعد أبو زيد للحرب ودق طبوله ونزل الى الميدان، فسمع الزناتي صوت الطبول، فنزل هو وقومه الى الميدان، فقال الزناتي لاينزل لي الا أبو زيد، فما أتم كلامه الا وأبو زيد صار قومه، فقال له أين كنت يا أبا زيد؟

فقال له كنت غايب واليوم جئتك محارب، فالتقى البطلان كأنهما أسدان ضرغامان وغنى فوق رأسيهما غراب البين حتى تعب منهما الساعدان وكل تحتهما الجوادان، وداما في قتال الى الزوال، فدقت طبول الانفصال ورجعت كل فرقة الى الأطلال، وباتوا يتحدثون، وفي الصباح ركب القومان واصطف الجيسان وصار قتال وأهوال وبقوا على ذلك سبعة أيام، وكلت منهم الزنود وذابت الكبود، فهرب الزناتي وقومه فغار عليهم أبو زيد بقومه وأرجعهم أربعة عشر مرحلة الى الوراء وأدخلهم البلد، فلما دخل الزناتي الى المدينة سكرها وراءه وقال أنا ما بقيت أقاتل أبا زيد، ثم جلس يكتب الى الأمير حسن يقول:

حلق الزناتي طارة يا معشر الخطارة من أجل قوم جونا، خلوا البلاد دمارا أنا الزناتي عندي أبطال ما تنعدي والحرب محكم عندي يشبه لهيب النار، يا أبو علي القاني في حومة الميدان أريك طعن الزان، يا ما قتلت امارة يابو علي في بالك أن الدهر يصفى لك لابد ما تشوف حالك وتشوف شي ما صار وتشوفني بالنوم، وتقول جاني قومي مرعوب دائم دومي، عقلك وذهنك طار ارحل بظعنك عادي مع جيشك والعتاد، هذي البلاد بلادي ما هي لغيري داره، واياك من أبو سعدة يجيك مثل الرعدة نجمة خدمه سعده نجمك عليه غبار وجاك الزناتي غاير من فوق أدهم طاير بيده حسام شاهر، ان صاب رأسك طاره والله أنا أفنيكم وبناتكم تنعيكم قصاب أعمل فيكم وأعمل بكم جزارة، يابوعلي أتهير للحرب لاتتغير عند اللقا تتحير في طعن البتارة، فلما فرغ الزناتي من كلامه طوى الكتاب وأرسله الى الأمير حسن، فأخذه وقرأه وعرف رموزه ومعناه.

ثم رد حسن بكتاب وأرسله الى الزناتي فلما وصل اليه قرأه وعرف معناه، مزقه ورماه وصاح على الفرسان وأمر بدق الطبول والركوب على الخيل، وأما الأمير حسن فبعد ما أرسل رد الجواب دق الطبول للكفاح وطلب النصر من الله الفتاح ونزل هو وقومه الى الميدان، فنزل الزناتي وعرض وبان وقال حسن لايبرز لي الا أمير العربان، فنزل اليه السلطان فقال له الزناتي أنت مثلي وأنا مثلك فعندها التقى البطلان كأنهما جبلان، وحان عليهما الحين وزعق فوق رأسيهما غراب البين، وداما في قتال حتى ولى النهار ودقت طبول الانفصال، وعاد كل الى مكانه، ولما أصبح الصباح نزل أبو زيد الى الميدان وطلب مبارزة الفرسان، فنزل اليه الزناتي وقال له أين السلطان حسن حتى أذيقه طعني وضربي؟ فقال أبو زيد أنا خصمك وقد جئتك، فعند ذلك التقى البطلان كأنهما أسدان أو جبلان وحان عليهما الحين وزعق فوق رأسيهما غراب البين حتى كل منهما الساعدان وبقيا على هذا الى وقت الزوال، وفي ثاني الأيام نزلا الى الحرب والكفاح، فأما أبو زيد فقد زاد في الحرب وأما الزناتي فأدار رأس جواده وهرب، فانكسر قومه فلحقه أبو زيد حت وصل الى مدينة تونس، ففتح البواب للزناتي حتى دخل وأغلق الباب في وجه أبي زيد فقال أبو زيد في عزم الركاب وضرب الرمح في الباب خرقه وعاد الى قومه والأصحاب من بعد ما فرق قوم الزناتي وقتل منهم كل قرم عاتي الى أن وصلت بنو هلال الى بيت الأمير حسن، ودار فيما بينهم الكلام وشكروا أبا زيد الهمام.

ثم قالوا: يا ويلنا من بعدك يابو شيبان يا حامي الأظعان، يرجع الكلام الى الزناتي لما قالوا له عن الضربة التي ضربها أبو زيد خربت الباب ثمانية كعاب، فعاد في حساب وأمور صعاب، أما أبو زيد ثاني يوم دق طبله واستعد للقتال وطلب اللقا، فدخل البواب الى عند الزناتي وقال له: من ينزل الى الميدان؟ فقال الزناتي: ومن ينزل الى عزرائيل قباض الأرواح ثم كتب الى أبي زيد كتابا وأرسله مع الوزير فلما وصل اليه أخذه وتوجه نحو صيوان الأمير حسن وأعطا الكتاب، فقرأه ثم قال حيث أن الزناتي خليفة ذل من حربنا، ابعث له أن يعتق أولادنا من الحبس ويرسلهم.

فلما وصل المرسال الى الزناتي وأعطاه الكتاب من أبي زيد حمد الله الذي رضوا في فكاك الأولاد، فبعث الزناتي الى بنته سعدة وقال لها أطلقي المحابيس حتى نرسلهم الى أهلهم، فلما وصل اليها الخبر، أرسلت سعدة الى أبيها تقول يا حيف عليك يا أبي أنت صدقت كلام العرب هؤلاء العرب ما بقوا يفارقوا هذه البلاد، فقال والله لقد صدقت ولو عدمنا الحياة ما عدنا نرسلهم، وكان مرعي عندها في تلك الساعة، فقال لها هكذا عملت وأبيت أن نذهب الى أهلنا، فقالت له يا حبيب القلب ألم تعلم أنني متى أطلقتكم تذهب روحي برفقتكم؟! ثم أشارت تسليه بهذه الأبيات:

تقول سعدة بنت أمير تونس
وجرح الهوى قد علقني حبايله

جرحني الهوى في قلبي أهانني
ومشعال نار الوجد أشعل فتايله

أنا ما ضناني غير مرعي وذلني
فيا رب تجمع شملنا بشمايله

طوله يشابه المرديني اذا مشا
متى تسمح الأيام وأنظر جمايله

أنا خايفة يطلقكم أبي وترحلوا
لأن سلامة كل يوم يزاعله

فان كان يرسلكم تروحوا لأهلكم
وينظركم حسن وتشفى نحايله

أنا خايفة يبطل حربنا مع قومكم
وتروحوا الى نجد العدية جمايله

ويأمر حسن بالشيل سرعة لأرضكم
يفرح بمرعي حين ينظر جمايله

مقالة سعدة الهوى قد أضامني
عمل حب مرعي في فؤادي عمايله




( قال الراوي ):

فلما فرغت سعدة من كلامها فأنشد مرعي يجاوبها ويقول:

يقول الفتى مرعي بعين وجيعة
لها بعد نوم الهاجعين ذراف

لأن حسنك يا مليحة ذابني
وجاني هواك والغرام صداف

ولكن أبوك يا مليحة أهاننا
بالحبس صرنا موجعين ضعاف

وان كان يطلقنا فلا تمنعيه
حتى نروح لأهلنا وسلاف

وأخبر حسن بما فعلتيه معنا
أبوك بين الملا عراف

ونرسل الى أبيك نخطبك منه
ونعطيك خيلا مع أموال ظراف

هذا مرادي يا مليحة ومنيتي
نريد الحلال وما نريد خلاف

وأما الخنا فلست فيه موافق
لأني أنا من نسل قوم أشراف

و لا بد من أرضكم وبلادكم
وآخذك حقا بغير خلاف



فلما فرغ مرعي من كلامه وسعدا تسمع نظامه، بقيا على ما كانا عليه، في النهار تنزله الى الحبس وفي الليل تأتي به وتنام واياه، وأما بنو هلال لما لقوا أولادهم ما طلعوا من الحبس، دق أبو زيد طبوله ونزل الى الميدان، فما أحد جاء اليه، فغار في جواده ودق باب تونس، فرد عليه البواب من تكون؟ فقال أبو زيد أريد سيدك حتى آخذ روحه من جسده، فراح البواب لعند سيده.

فلما فرغ خضر من كلامه والزناتي يسمع نظامه، فأعطاه درعا وسيفا وخوذة وقال له يا خضر ان قتلت أبا زيد، أعطيتك مدينة سعدة، فقال يا سيدي أنا أكفيك شره، فبرز الى أبي ز فقال له من تكون من الفرسان حتى تنزل الميدان؟ قال أنا خضر بن موسى، فضحك أبو زيد.

فانطبقا على بعضهما، فقام أبو زيد وحرك الجواد ولاطف خضر وطسه بالدبوس ورماه تحت الحصان، فقال خضر أنا بجيرتك يا ابن الأجاويد، فقال أبو زيد قم واشلح عدة الحرب ما تستاهل تقال، فصار يبكي البواب حتى وصل الى عند الزناتي، فقال كيف حالك مع أبي زيد؟ فقال يا ملك الزمان كأني رأيت مناما، أحسب الحرب مثل فتح الباب وغلقه، فسطر الزناتي كتابا وأرسله مع عبده الى أبي زيد، فأخذه وقرأه وعرف معناه، أخذه لعند الأمير حسن فقرأه وهم في الحديث الا وغازي عبد السلطان قد دخل وكان دار بلاد المغرب الجواني وتسمى الشقور وفيها سبعة ملوك، كل ملك يركب بمائة ألف خيال، فابتدأ يخبر الأسياد.

فلما فرغ من كلامه والامارة يسمعون نظامه، قال أبو زيد ارتاحوا أنا علي في جميعهم وحدي، ثم أنه نبه فرسانه وراح الى صيوانه، فقال السلطان حسن وراح لعنده وقال يا أبا زيد أنت ذاهب وأنا خايف من الزناتي يحاربنا، فقال أبو زيد أنا أحط لكم راية حمراء على باب تونس، فلا يطلع اليكم ما دام الهوى يلوح وتمشي بالليل، ولاتدق طبلا حتى نلاقي القوم ونرمي فيهم الوهم، فعاد الأمير حسن، وأما أبو زيد فصبر الى الليل وركب هو وقومه بنو زحلان ومشوا نحو ذلك العدوان مقدار سبعة أيام، حتى وصلوا الى موضع فيه ربيع مياه، فقال أبو زيد حولوا فحولوا، وفرشوا له الحرام فنعس ونام، فطلع ثعبان ولسع أبو زيد في فخذه ففاق أبو زيد من ضربة الثعبان وصاح من صميم الفؤاد، فركضوا اليه وقتلوا الثعبان وعاد في قلب أبي زيد لهيب النار، فحملوه الى البيت فقامت عياله بالبكاء والنواح على هذا الأسد المسموم، فعرف السلطان حسن وخاف من الزناتي لأنه عرف أن أبا زيد مسموم ودياب غائب، فقوي عزمه واستعد لحرب بني هلال وأشار يكتب الى السلطان حسن بالأمر، فرد عليه السلطان حسن، ثم طوى الكتاب وأعطاه الى النجاب، فأخذه الى مولاه وأعطاه اياه، فقرا÷ وعرف معناه، ولما أصبح الصباح دق طبله وركب وأطلق الغارة على بني هلال، فركب بنو هلال خيولهم ودقت الطبول، فالتقى الفريقان فبرز الزناتي الى الميدان وطلب مبارزة الفرسان، فبرز اليه السلطان حسن، والتقى البطلان كأنهما جبلان وطار من تحتهما الغبار حتى سد منافس الأقطار، وقدحت حوافر الخيل نارا وتكسرت بينهما الرماح والسيوف وكلت منهما الزنود والكفوف وبقيا على هذا الحال الى المساء، فافترقا على سلامة وباتوا الى الصباح يتحدثون، فلما أصبح الصباح وضاء بنوره ولاح، برز الزناتي للميدان فأراد السلطان أن يبرز اليه فمنعوه وقالوا نخاف عليك من الزناتي وأبو زيد ملسوع ودياب غائب وان صار لك حادث تشتت بنو هلال في الجبال، فقام الخفاجي عامر وطلب الزناتي فمنعه حسن وقال أنت نزيل عندنا والنزيل ما عليه حرب، فقام الخفاجي وأقسم يمينا أنه ان لم ينازل الزناتي عشرة أيام يرحل هو وقومه عن بني هلال، فتركوه فبرز الزناتي والتقى البطلان كأنهما جبلان وزعق فوق رأسيهما غراب البين وفي اليوم الثالث كل الزناتي وولى هاربا من الخفاجي، وكان عند الزناتي خطيب يسمى مطاوع، فقال للزناتي باكر أنت انزل اليه وأنا أتخبى، وان انكسرت أهرب قدامه فيلحقك حتى يفوتني فأجليه من الوراء وأطعنه من قفاه، وأما الخفاجي فانه رأى مناما أن قدام بيته شجرة طويلة أتاها نجار قطعها، فقام من منامه مرعوبا واستدعى بنته ذؤابة وامرأته.

ثم أن أبا ذؤابة قال لها: يا بنتي اذا ركب بنو هلال ماذا يكون الجواب؟ وأنا حالف يمين أني أحارب الزناتي عشرة ايام، فقال له تمارض يعذروك، أم بنو هلال فدقوا طبولهم وركبوا خيولهم وتفقدوا الخفاجي فما وجدوه، فسأل عنه حسن فقالت الجازية أنا أروح اليه، فراحت تلاقي ذؤابة تبكي، فسألتها عنه قالت مريض، فرجعت أخبرتهم، فقال حسن الخفاجي أقسم يمين يحارب الزناتي عشرة أيام وحاربه ثلاثة بقي عليه سبعة، فكان حاضرا أمير اسمه ظريف فقال أنا أروح اليه فراح اليه وسأله عن حاله فأشار الخفاجي يجيب سؤاله، ثم وثب كالأسد وشد على جواده وتقلد بالحرب والجلاد وسار مع ظريف، فعندها زغردت البنات ودقت العماريات.

وبعد ذلك التقى الفارسان في حرب وصدام الى أن انحل عزم الزناتي من شدة حربه، فولى هاربا وللنجاة طالبا، وحكم دربه نحو جناين الورد وكان الخطيب ماسكا السيف بيده واذا بالزناتي هارب والخفاجي لاحقه، فطلع لخطيب وطعن الخفاجي بين كتفيه، خرج يلمع من بين لوحيه، فرماه قتيلا وفي دمه جديلا، فغار الفريقان والتحمت الطائفتان وصاح على رؤوسهم غراب البين، أما ظريف صديق الخفاجي فلحق بالخطيب وطعنه، أصاب الجواد ورماه على الأرض، فرد الزناتي اليه وخلصه من بين يديه، ولا زال القتال بينهم حتنى ولى النهار فانفصلوا عن القتال وامتلأت الأرض من القتلى، وأخذ ظريف الخفاجي عامر الى بيته وهو بحالة النزاع، فلما رأته ذؤابة طار صوابها.

وافاق من صحوة الموت وكلمها ثم شهق شهقة واحدة وسلم الروح فقام عليه الصياح والتفت عليه العربان من كل ناحية حتى املوا الروابي والبطاح وكسروا عليه السيوف والرماح وغسلوه وكفنوه وواروه التراب.

يرجع قولنا الى الزناتي فانه دق الطبل ونزل الى الميدان وطلب مبارزة الفرسان، فما برز اليه أحد، فقام حسن وقال علامكم يا بني هلال ما أحد يبرز للزناتي؟ فما أحد رد له جواب.

فقال القاضي مرادي اكتب أوراقا نضعها في جراب، والذي تطلع ورقته ينزل للزناتي، فكتبوا الأوراق ووضعوها في الجراب ومد القاضي يده وشالها، فقال ورقتي فقالوا انزل اليه فقال احفروا لي قبرا جنب الخفاجي لأن أجلي قد دنا، فقالوا له اذا لزم الأمر مالها لا من زيد ولا من عمرو، فقام اشتد واعتد ونزل الميدان، فقال له الزناتي من أنت؟ قال أنا قاضي العربان، قال له أنت القاضي وتعرف الحق من الباطل وتجهل حربي وتنزل لمبارزتي ثم راح يهدد.

وسمع الزناتي تهديده فوقع فيما بينهما حرب شديد وضرب يقطع الزرد النضيد مقدار نصف ساعة، فقام الزناتي في عزم الركاب وضرب القاضي بدير على كتفيه الأيمن شقه نصفين الى الخاصرة، فوقع القاضي قتيلا وفي دمه جديلا، فلما رأى هلال أن قاضيهم قتل، التقت الرجال بالرجال حتى جرى الدم وسال وفاضت الروابي والتلال، ومازالوا على تلك الحال الى أن ولى النهار ودقت طبول الانفصال، فانفصلوا عن القتال وحملوا القاضي الى بيته وقاموا عليه الصياح وكثر النواح، فقال حسن ما ينفع الميت هذا التعديد لكونه شي لا يفيد، فغسلوه وكفنوه وفي التراب واروه، وعاد بنو هلال في حسرة على القاضي بدير ومد يده طلعت ورقته، لبس آلة حربه وبرز الى الزناتي والتطم الفارسان في حومة الميدان وبدءا في الحرب والطعان، وما زالا في كر وفر حتى طار عليهم الغبار وقدحت حوافر الجوادين نارا، وقد داما في الحرب والصدام مقدار خمسة عشر يوما، حتى انذهل الزناتي من حرب مفضل، فضرب ديوانا وقال لقومه من منكم يقتل الأمير مفضل يا فرسان؟

فقال الخطيب مطاوع: أنا أنزل اليه، وفي الصباح لبس آله الحرب والقتال وبرز الى الميدان، فنزل اليه مفضل وقال له أين الزناتي؟ فقال أنا جيت بالنيابة عنه، ثم هجم على مفضل ووقع بينهما الحرب والقتال واختلف بينهما ضربات شديدة، فكان السابق الخطيب، ضرب مفضل على هامه حط رأسه قدامه، فلما رأت بنو هلال أن مفضل قتل، التطم الجيشان وزعق فوق رؤوسهم غراب البين، أما بنو هلال فنبذوا مفضلا قتيلا بعدما راح منهم خلق كثير، وأما الزناتي فعاد في غاية الأفراح وزالت عنه الهموم، والأتراح، لكن بنته سعدة ما هان عليها بقتل أبطال بني هلال، وكان عند أبيها حكيم اسمه فتوح، فقالت له أريد منك دواء يبري السقيم من لسع الثعبان لأن عندي جارية انقرصت، فأعطني لها دواء يقطع آثار السم، فلما حصلت عليه أعطته عبدا من عبيدها وقالت له خذ هذا الوعاء وأعطه الى أبي زيد واياك أن تخلي أحدا يدري ما فيه ولك مني ما تريده، فأخذه العبد وأعطاه الى أبي زيد فشرب منه فبرئ لوقته، وفي الحال دقت الطبول وزعقت الزمور وذهبت عن بني هلال الهموم، فسمع الزناتي وعرف أن أبا زيد قد طاب، فقال من يبرز منكم له؟ فقال الخطيب أنا له والى ألف من أمثاله، فبرز الى الميدان وعرض وبان وطلب الفرسان، فبرز اليه أبو زيد والتقى البطلان كأنهما جبلان، وحان عليهما الحين وزعق على رأسيهما غراب البين مقدار ساعتين، فقال أبو زيد في عزم الركاب وضرب الخطيب بالسيف على هامه، حط رأسه قدامه، فلما رأى قوم الزناتي أن مطاوعا قتيل وفي دمه جديل، ولوا هاربين والى النجاة طالبين، فلحقهم أبو صبرو وبنو هلال، ودعوا منهم القتلى تلول تلول وجابوا خيلهم وعددهم وعادت بنو هلال بالعز والاقبال، وأما أهل الغرب فوقع فيها الذل، فعند ذلك أرسل الزناتي الأخبار الى ملوك الشقور، وكانوا سبعة ملوك وكل ملك يملك على ألف عنان، يقول لهم أنه قد أتانا عساكر وعربان ومعهم مكاسب لا يمكن وصفها، فبادروا الآن لنأخذهم في حد السيف والسنان، فلما وصل الخبر اليهم جاءوا بالحال، فوصلت أخبارهم الى بني هلال، فقال أبو زيد على فيهم وحدي بعون الواحد القهار.


[/align]
[/cell][/tabletext][/align]



 


الرد باقتباس
قديم 03-17-2013, 06:50 AM   #15


الصورة الشخصية لـ صدى الوجدان
صدى الوجدان غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 9
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 03-31-2014 (02:37 AM)
 المشاركات : 10,242 [ + ]
 تقييم العضوية :  570
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 5 مرة في 5 مشاركة
الإفتراضي



[align=center][tabletext="width:70%;background-image:url('http://www.hreeb-bihan.com/vb/backgrounds/20.gif');border:10px double indigo;"][cell="filter:;"][align=center]
الجزء السادس عشر
قصة عقل ابن هولا




فلما فرغ أبو زيد من كلامه، دعوا له بطول العمر والبقاء وركب في قومه بني زحلان وأخذ معه مخيمر وشيبان وأخذ معه من بني زغبة ألفين وساروا الى ملتقى الملوك ثلاثة أيام، حتى وصلوا الى وادي النسور وكمنوا للقوم في الليل، ولما أصبح الصباح أقبلت عليهم الجيوش مثل الغمام، فصاح أبو زيد بصوت مرعب، ومال فيهم على الميمنة وشيبان وباقي القوم على الميسرة، حتى أفنوا الجنود وقتلوا السبعة ملوك وجيوشهم وكسبوا خيولهم وأسلحتهم، وبعدها جمع أبو زيد عسكره ونزلوا ربطوا في الوادي خوفا من غيرهم، فلما بلغه الخبر دق طبله وبرز الى الميدان، فبرز اليه زيدان بن غانم شيخ الشباب، فقال الزناتي من أنت؟ فقال أنا الأمير زيدان بن غانم.
فلما فرغ خليفة من كلامه، وقع بينهما الحرب الشديد الى آخر النهار، دقت طبول الانفصال وثاني يوم جاء الأمير زيدان بالطراد، فولى الزناتي هاربا وزيدان وراءه الى باب المدينة، فقفلوا الأبواب في وجه زيدان وكانت خطيبة زيدان معه وهي بنت عمه اسمها ضيا، فلما تزاحم القومان جفل جملها فأخذها قوم الزناتي، ولما رجعوا من القتال أمر الزناتي سعدة أن تبقي ضيا عندها.

وللحال قامت سعدة بارسال ضيا لعند أهلها وأما خليفة فقال لقومه كيف رأيتم يا فرسان من منكم يلقى طراد زيدان، وكان للخليفة ابن أخت يسمى مطاوع، فقال يا خال أنا له، فقال خليفة أنت لست من رجاله، فقال صدقت يا خال، لكن دعني أعمل ما بدا لي، فأخذ مطاوع رجاله وحفر ثلاث حفر وغطاها، ثم دق الزناتي طبله وخرج الى الميدان، فخرج اليه زيدان فالتطم الاثنان كأنهما أسدان كاسران وحان عليهما الحين، وصاح فوق رأسيهما غراب البين، فأراد زيدان أن يضرب خليفة بالرمح، فولى خليفة وهرب نحو الحفائر، فجرى وراءه زيدان فوقع في الحفرة هو والحصان، فرجع له مطاوع وضربه على هامه، حط رأسه قدامه وأرسل رأسه ووضعه مع رؤوس الأمراء على سور تونس، فاشتبك القوم وأطبقوا على بعضهم الى أن ولى النهار ودقت طبول الانفصال، فرجع الفريقان وباتوا الى الصباح، وثاني يوم برز بدر فوقع بينهما ضربتان قاطعتان، وكان السابق بالضرب الأمير بدر، ضرب الزناتي بالرمح فخلا منه وثنى عليه بالسيف، فأخذها بطارقة البولاد وثلث عليه بالدبوس، فخلا عنه ببراعته، فاعتدل الزناتي على ظهر الحصان وضرب بدر بالسيف، فقطع رأسه وأرسله الى تونس، فوضعوه مع رأس أخيه زيدان، وكان لبدر ولدان، واحد اسمه عقل والثاني نصر، وكانا أفرس أهل الوقت وأجمل أهل العصر، فقال عقل لابد أن أقاتل الزناتي في غد، وكانت والدتهما أخت السلطان حسن، تسمى هولا، فسمعت عقل يقول ذلك الكلام فخافت عليه من الزناتي لأنه بطل مغوار، ومتى انغلب يدبر حيلة في قتل من نازله، فأشارت هولا تنهى عقل عن حرب الزناتي.

لكن هولا عرفت أن قولها لا يفيد، فذهبت الى الأمير حسن وعرفته أمرها، فأتى لعند عقل وصار ينهيه عن قصده فلم يرجع عن عزمه، فقال له الله ينصرك عليه، فلما أصبح لبس عقل آلة الحرب والكفاح وصار في الميدان وعرض وبان وطلب مبارزة الفرسان، فبرز اليه الزناتي خليفة وقال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم نقتل كبارهم يجونا صغارهم، فالتطم اىثنان كأنهما جبلان أو أسدان يزأران، حتى حمى عليهم الزرد فعرف الزناتي أن عقل فارس لا يطاق ومن صغر سنه خبير بطعن السنان وضرب اليمان، وصارت الزينات تنخى عقل وتقول يا حامي الزينات وعقل قد زاد حربه وأشبع الزناتي من ضربه، ولازالا في قتال وجدال لحين الشمس مالت للزوال، فدقوا طبول الانفصال، ولما أصبح الصباح ركب القومان والتحم الفريقان فبرزوا الى الميدان وصاح على رؤوسهم غراب البين، وأما أبو سعدة فكل وذل وضعفت قواه وانحل، فلوا عنان جواده وولى هاربا والى النجاة طالبا، فتبعه عقل وقذفه بالدبوس، رماه على الأرض فأدركه قومه وخلصوه، فانحدف عليهم عقل وبنو هلال وعظم الحرب والضرب، ولم يزالوا بالقتال حتى ولى النهار وأقبل الليل، فدقت طبول الانفصال، فعاد الزناتي منزعجا وصار يوصي فرسان قومه على قتل عقل، ويقول وعمر السامعين يطول:

يقول أبو سعدة الزناتي خليفة
ونيران قلبي زايدات ضرام

فمن منكم ينزل الى عقل يقتله
ويدعيه في وسط اللحود ينام

أعطيه سعدة تكون له حليلة
ويكون عندنا في اعز مقام

يشتفي مني الفؤاد بقتله
وأكيد العدا في حرب وصدام



فلما فرغ خليفة من كلامه وقومه يسمعون نظامه، فقام ابن أخته مطاوع وقال يا خال أنا له ان كان قتله يحرم علي نقل الرمح ما دمت حيا ويحرم علي الفرح والعز والهنا، فقال خليفة الله يعينك عليه، ولما أصبح الصباح ركب مطاوع جواده واعتدل في عدته وجلاده، ودقت طبول بني هلال وركبوا الخيول وركب عقل أولهم وهو ينادي اليوم ولا كل يوم، فلما رآه قوم الزناتي ولوا هاربين وفي أولهم مطاوع، فقال له خليفة لماذا انهزمت يا ابن أختي؟

فقال انهزمت قومنا وما بقي أحد، فلما وصل عقل تحت سور تونس فطلعت بنت الزناتي الثانية وكان اسمها بسمة، فنظرت الى عقل فوقع هواه في قلبها وملك فؤادها.

وتكلم عقل وكانت بسمة تسمع نظامه، فعاد مطاوع وبرز الى الميدان فاستقبله عقل وانعقد غبار القتال حتى سد منافس الأقطار وداما في حرب وصدام وافتراق والتحام، وقدحت حوافر الجوادين نارا، فيا لهما من أسدين ضرغامين وبحرين متلاطمين، أما مطاوع فرأى قدامه فارسا كرارا وأسدا مغوارا ورأى من عقل حربا حير عقول الأبطال، فعول على الهرب والفرار، فاشتلق عليه قوم الزناتي فغار على عقل ثلاثة منهم وأحاطوا به، فضرب واحدا منهم أرماه وغار على الذي قدامه، فهرب الباقون من أمامه، فغار على قوم الزناتي وكل فارس ثبت أماه زوره المقابر، فنزل اليه الزناتي ومطاوع والعلام وعلام ابن نجدة اثنين من قدام واثنين من وراءه، وغدره مطاوع في طعنة من ورائه، فقال الزناتي خذوه، فتزاحمت عليه الرجال، فراح جسم عقل تحت حوافر الخيل، ما بان له أثر، ودقت طبول الانفصال فرجع القومان الى الأطلال، وكان لعقل أخ اسمه نصر، فقال غدا أنزل الى الميدان آخذ ثاري من هؤلاء الأعداء الغادرين، فلما سمعت أمه هولا بكت بكاء شديدا وتحسرت على عقل تحسرا عظيما، لكن ولدها نصر طيب خاطرها وفي ثاني الأيام برز نصر الى الميدان، فبرز اليه الزناتي خليفة وظن أنه عقل، فقال لقد عاش عقل ورجع الى الحياة فصدمه الأمير نصر صدمة جبار، فالتقاه بقلب أقوى من الصوان والتطم البطلان كأنهما جبلان واختلف بينهما ضربتان قاطعتان، كان السابق نصر، فالتقى السيف بالدرقة فنزل على رقبة الجواد براها بري القلم، فوقع الزناتي على الأرض، فأدركه قومه في جواد وأركبوه ومالت المواكب وهاجت الكتائب، وما عاد يعرف العدو من الصاحب، وبقي السيف القرضاب يجز الرقاب، حتى مالت الشمس الى الغياب، فدقوا طبول الانفصال وباتوا يتحادثون الى الصباح، فركب نصر وبرز الى الميدان وطلب مبارزة الفرسان، فبرز اليه مطاوع والتحما بالحرب الشديد، فاختلف بينهما ضربتان كان السابق نصر، فشك رمحه في صدر مطاوع، فأطلع السنان يلمع من ظهره، فوقع قتيلا وفي دمه جديلا، فعندها غادرت قوم الزناتي وحملت على بني هلال وزادت المصائب والأهوال، والتحم الفريقان في المجال وأمر الزناتي في أناس تقاتل وأناس تحفر حفاير، ومازال الحرب والقتال حتى وقع نصر في حفرة، فغار عليه الزناتي وضربه بالسيف على هامه، حط رأسه قدامه، فغار القومان وتزاحم الفريقان وزعق فوق الرؤوس غراب البين، ولم يزالوا في القتال حتى ولى النهار وأقبل الليل، فرجعوا عن الحرب والصدام ودفنوا نصر بجانب أبيه ولحق بعمه وأخيه، وأما أمه وأخته وقريباته فقد قصصن شعورهن وأقمن الأحزان.

وطفقت أمه تندبه، وكذلك فعلت أخته فتنة، فلما فرغت فتنة من كلامها، أقاموا النواح على القبور وقال غانم أنا بعد أولادي لا أريد حياة، ومرادي أنزل للزناتي أما أقتله وآخذ بالثأر أو يقتلني وأستريح من الأحزان، فبرز الى الميدان وطلب مبارزة الفرسان، فبرز الزناتي وأنشد:

قال الزناتي ابن مهران صادق
ولي قلب أقوى من حجر صوان

أنتم علينا يا أمير اعتديتم
زرتم بلادي وخربتم البلدان

قتلت أولادك راحوا بزاتهم
بدر الفتى المسمى أخو زيدان

وأولادهم برزوا يريدوا قتالنا
عقل وأخوه زينة الشبان

قتلتهم وراحوا بغامض الثرى
وصفيت روس الكل على حيطان

تسعين أمير صاروا رؤوسهم عندي
ورملت من بعدهم ترى النسوان

ما عاد الا أنت يا أمير جيتنا
فأنت شايب بالكبر وزمان

فروح يا مسكين لا يقل عقلك
ما يلتقي حربي سوى المردان

فارجع روح صلي وأعبد ربك
واختم لهم في سورة الرحمن



فلما فرغ من كلامه التقى البطلان كأنهما جبلان، ولم يزالا في قتال وجدال حتى دقت طبول الانفصال، فرجعا عن الحرب والكفاح ولم يزالا على ذلك الحال مدة شهر، وبعد ذلك كل الأمير غانم وما عاد ينزل الى حربه ولا أحد غيره ينزل، فضرب الزناتي ديوانا وقال لقومه ما رأيكم؟ فتقدم ابـن عمـه العلام.

فقال الزناتي ما قتل دياب مع الذين قتلناهم، قال العلام دياب في وادي الغباين مع جيوش بني هلال، قال الزناتي: مرادنا نرسل له من يقتله ويجيب البوش منه، والتفت الى أخيه أبي خريبة وهو فارس صنديد، فأمره بالركوب الى وادي الغباين ويجيب البوش منه، فقال سمعا وطاعة، وركب من ساعته وأخذ معه عشرين ألف فارس قروم عوابس، ولم يزالوا سائرين حتى وصلوا الى وادي الغباين وغاروا على بوش بني هلال، وأرادوا أن يسوقوه بالعصي، فقامت الرعيان بالسياط والصراخ، فلما سمع دياب ركب جواده وطلعت فرسانه وراءه والتحم الحرب بينهم بطعن يقصف الأعمار، وصار بينهم ضرب مثل النار، فعندها قام دياب في عزم الركاب وضرب أبا خريبة بالسيف على هامه حط رأسه قدامه فوقع على الأرض يتخبط بدماه ولما رأى قومه أن أميرهم قتيل ولوا هاربين والى النجاة طالبين، فلحقهم بنو زغبة ومدوا السيف في أعناقهم، وما سلم منهم الا الذين وصلوا الى عند الزناتي وأخبروه عن قتل أخيه، فاستدعى أخاه الثاني وكان اسمه مكحول، وقال له: خذ قومك وامض الى دياب ابن غانم، خذ ثأرك منه وانهب بوش بني هلال، ومهما جبت من هؤلاء يكونوا هبة مني اليك، فركب بعسكر مقدار خمسين ألف همام، وسار الى أن وصل الى الوادي، وكان دياب وقومه في الصيد وما بقي عند البوش الا مقدار ألف فارس فغارت عليهم خيل مكحول وساقوا البوش جميعه، فراح الصوت الى دياب وأعلموه بالخبر، فعندها غار حتى وصل الى القوم وهجم على مكحول والتطموا في الخصام وتجرعوا شرب كاس الحمام، فضرب مكحول دياب في الرمح، فقام دياب رجله من الركاب وأخذها من تحت فخذه وطعن مكحول في الرمح،فاراد ان يخلي منها مثل دياب، فجاء الرمح في صدره طلع يلمع من ظهره، فوقع قتيلا وفي دمه جديلا، فاخذ درعه وجواده وغادر عاى قومه وبدأ يذبح فيهم حتى قتل مقدار عشرة آلاف فارس والباقون هربوا، فلما وصلوا عند الزناتي، أعلموه بقتل أخيه فغضب غضبا شديدا وبرز الى الميدان عرض وبان، وطلب مبارزة الفرسان، فما أحد رد عليه، واذا بغبار علا وطار حتى سد منافس الأقطار، وبان من تحته فرسان على خيول أخف من الغزلان، واذا هو الرياشي مفرج الذي كان مع أبو زيد في غزوة ملوك السفور، فحول وسلم عليهم، فسألوه عما جرى له، فصار يخبرهم في أول الكلام واذا ببيارق حمر قد طلعت وأبو زيد بأول الخيل، فلاقاه الأمير حسن وبنو هلال وهنؤوه بالسلامة وفرحوا في ملقاه، وطلعت النساء والأولاد وأهالي القتلى اللذين قتلهم الزناتي وقعدوا على المقابر لابسين السواد هاتكين الستور باكيات نائحات، ووصلت الخيل التي أتى بها أبو زيد من الأعداء والمكاسب والغنائم وأخبر السلطان أبا زيد بما فعل بهم الزناتي وكم أباد من الفرسان، فلما سمع أبو زيد قول حسن، صار الضياء في وجهه كالظلام، وحزن حزنا شديدا على من قتل من الفرسان، وعندها قام ومر على المقابر وشاهد النساء والبنات، فلما شاهدن أبو زيد رفعن أصواتهن في البكاء، فطيب خاطرهن وقال لهن أن أراد الله نأخذ لكن بالثأر ونترك ديار الزناتي خرابا، ثم دخل عند عليا وبات لثاني الأيام وقسم الأموال وأعطى حسن جزءا، وشال الى دياب قسما وثاني يوم برز أبو زيد الى الميدان وطلب مبارزة الفرسان وتعرض تحت أبواب تونس ونادى الزناتي يبرز الى الحرب وللطعان، فما أحد رد عليه، فوقف تحت الأبواب المسكوكة ولا أحد يخرج ولا يطلع سوى النسوان التي فوق الأسوار يتفرجن، فعندها صاح في البواب افتح أو أرسل مولاك، فسار البواب لعند الزناتي قال له قم كلم أبو زيد واقف بالباب يريد يواجهك، فقال له دير بالك وهات المفاتيح، فعند ذلك أخذ المفاتيح وقال أقعد خلف الباب واذا أحد سأل عن سيدك، فقل له لن يواجه أحد، فعاد البواب وأعلم الأمير أبا زيد بذلك.

يرجع الكلام الى الأمير حسن، التفت الى أبو زيد وقال له مادمت جيت ما بقي الزناتي يفتح الباب ولا يطلب حربا وفي غيبتك يا ما عمل من الأعمال، ثم أن الأمير أبو زيد قال لهم: قصدي أعمل حيلة تسوى قبيلة، اندهوا للجازية، فندهوا اليها فحضرت بين أيديهم، فقال لها أبو زيد مرادي أن تجمعي مائة بنت من أحسن بنات العرب وأحضريهن في الليل فأحضرت مائة بنت الى الأمير أبو زيد، فقام ولبس ثيابا بيضاء مثل النسوان ولبس درعه وتحزم بسيفه وسار هو والبنات والجازية، وكان نصف الليل الى أن وصلوا الى بوابة تونس، فقال أبو زيد اقرعي الباب، فنادى البواب: من يقرع أبواب تونس في هذا الليل؟ فقالت الجازية نحن من بنات العرب جئنا ومعنا بضائع لكي نبيع ونشتري من عندك على قدر احتياجنا. فقال لها البواب روحوا لن أفتح لكم الباب في الليل. ثم أنها تدخلت عليه فذهب الى الزناتي وأخبره بالبنات على الباب، فقال له اذهب أنا قرأت كتبهم قبل ما يحضروا الى هذه البلاد، لأن هذه حيلة من حيل أبي زيد، ثم أن البواب رجع اليهن وأخبرهن بما قال الزناتي، ثم أن الجازية ابتدأت بالمنادمة هي والبواب.

فلما فرغت الجازية هي والبواب من المنادمات والبنات يسمعون كلامهما، أخذهم الأمير أبو زيد ورجع الى ربعه.

يرجع الكلام الى مرعي وسعدا، فقال لها يا سعدا الى متى الانتظار وقد طال علينا المطال، وأبوك لايطلع الى محاربة أبي زيد ولا يفتح الباب، فضحكت سعدا وقالت أنا أفض هذا المشكل، لأن ما يقتل أبي الا الأمير دياب، لأنه عندي في الكتب، ولكن سأروح الليلة عند السلطان حسن وأدعيه يجيب دياب، فلما دخل الليل استدعت أربعين بنتا من بنات الأمراء مثل الأقمار، فلما حضرن قلن ما تريدين؟ فقال لهن أريد آخذكن معي لنتفرج على بنات هلال والأمير حسن أبو المحابيس الذي عندنا، ونرجع في هذا الليل، فقلن سمعا وألف وطاعة، ثم أمرت لهن بأربعين خلعة من خاص الحرير والديباج الملون وأمرت بأربعين جوادا من خيرة الجياد، وركبت سعدا أمامهن مثل البدر المنير لأنه ما كان في عصرها أحلى منها، وتقلدت البنات بأفخر السلاح الى أن وصلن الى باب البلد، وقالت للبواب افتح الباب، اياك أن تتكلم قدام أحد، فأعدمك الحياة، فقال لها يا ستي المفاتيح مع أبيك أخذهم مني، فقالت أنا لا أحتاج اليها معي مفاتيح، وفتحت الباب وخرجت هي والبنات وأمرت عبدها الطواشي يقعد على الباب لحين رجوعهن، فقعد ينتظر رجوعهن، فعند ذلك سارت سعدا والبنات حتى وصلن الى الحارس، فقال العبد ما هذه الخيل في الليل؟ فقالت سعدا ضيوف، فقال مرحبا بالضيوف الكرام، فقالت أين الأمير حسن؟ فقال لها نايم، فقالت قل له سعدا بنت الزناتي تريد تواجهك وترجع بالليل، فقال لها انتظري، ودخل لعند جارية اسمها مباركة، وقال لها اعلمي مولاك أن بنت سلطان تونس حضرت لعندنا، فدخلت وأعلمت مولاها حسن، فتعجب من حضورها بالليل، فخرج وقال لسالم ما الخبر؟ فأنشد يقول:

يا مير جانا سربة خطارة
ملوك كتقطرين قطارة

يا أمير جونا من بلاد بعيدة
وأنا بأمري يا ملك محتارة

ارتاع قلبي من منظرهم
شبهتهم يا أمير شعلة نار

ما راعني الا الخيول ولبسهم
وكلهم يا أبو علي عالمهارة

ولبسهم ديباج بلون واحد
من الذهب فوق الصدور زراره



فلما فرغ العبد من كلامه، فرح الأمير حسن، وقال للعبد اعزمهم، فرح العبد وعزمهم ونزلهم عن خيولهم وربطها ومشى قدامهم، فسلمت سعدى على السلطان، وعرفته بنفسها ورفيقاتها، فسلم عليهن وأما أم مرعي لاقتها وضمتها الى صدرها، وقالت لها دخلك مرعي كيف حاله؟ وسلمت عليها سلام الأحباب ثم قالت له: يا بو علي لا يكون عندكم افتكار نحو مرعي ورفاقه، لأنهم في أعز مكان، وانما الرأي عندي أن ترسلوا تجيبوا دياب ابن غانم، فشكرها الأمير حسن وأثنى عليها وأرسل الى أبي زيد يحضر عند سعدى فحضر وسلمت عليه وشرحت له الكلام وودعت حسن وأبا زيد وأكدت عليهم ليرسلوا وراء دياب، وذهبت هي والبنات معها حتى وصلن القصر، هذا ما كان من سعدى، ويرجع الكلام لحسن وأبي زيد، بعدما ذهبت سعدى قال حسن كيف يكون الرأي يا بو زيد؟ فقال أنا ان هلكت بنو هلال ما أرسلت وراء دياب، قال حسن وأنا كذلك، فقال أبو زيد أحضر البنات وامرهن أن يكتبن الى دياب ويطلبنه لأخذ الثأر، فأول ما تقدمت ذؤابة بنت الخفاجي عامر، كتبت مكتوبا وقصت شعرها ووضعته فيه وحطته قدام جدها غانم وقالت اكتب مكتوبا الى ولدك لكي يفرج همنا، فكتب غانم الى ولده كتابا وضمنه:

يقول الفتى غانم على ما جرى له
بدمع جرى فوق الخدود سكيب

ونيران قلبي كلما أقول تنطفي
يهب لها ضمن الضلوع لهيب

على ما جرى فينا وما قد أصابنا
وأمر جرى فينا تراه عجيب

يا من يودي الى دياب رسالتي
الى أمير بالوغى غريب

وقوله يا فارس الناس كلها
ويا عز من نقل القنا وقضيب

وأنا كبرت وما بقي لي حيل
وعزمي غدا من راح ذهيب

وعمك مسلم عم الشيب رأسه
ما عاد له عزم و لا ترتيب

وبدر وزيدان يا دياب اخوتك
قتلهم الخليفة أمس وقت المغيب

عقل ونصر أولد أخوك قتلوا
وقد دعاهم فوق الوطا عطيب

وخرب أبو سعدة جميع ديارنا
وما عاد لنا سامع ومجيب

الا يا دياب الخيل أسرع نحونا
واقتل خليفة يا أمير غصيب

وان كان ما تقتل خليفة برمحك
ترى البيض تلفظ كلام معيب

وتبقى الهلاليات جميعا مع العدا
يروحوا سبايا لكل ندل ورهيب

قتل خليفة ابن عمك زامل
وأخوك غدا ما عاد فيه نصيب

ضرب مفضل ضربة أباده
وراح على وجه التراب نحيب

ثمانين أميرا من هلال وعامر
ادعى دماهم على الوطى سكيب

ونزل معيقل للزناتي وحده
وقلنا معيقل بالطرود لبيب

انحدر على جمع الزناتي خليفة
تلقاه أبو سعدة كنار لهيب

ضرب معيقل ضربة عامرية
ألقاه على الوطا خلاه قليب



وقال لعبده خذ هذه المكاتيب الى مولاك دياب، ولا تجيني الا وهو معك، وان رجعت بلاه أعدمك الحياة، فعندها أخذ المكاتيب وسار طالب وادي الغباين، فوصل ووجد مولاه دياب والعرب على الطعام، فصب حتى رفعوا الطعام، فدخل على مولاه ووضع المكاتيب بين يديه، قال له يا سعد أرى وجهك أصفر فما عندك من الأخبار؟ وأشار يسأل العبد.

ثم بدأ يقرأ المكاتيب واحدا بعد واحد حتى انتهى، فقال اني أرى مكاتيب البنات وكتوب والدي، فأين مكاتيب الأمير حسن وأبي زيد؟

فقال: يا مولاي هذه ثمانون مكتوبا ألا تكفيك حتى يرسل لك حسن وأبو زيد؟؟ فقال دياب أنا جيت هذا المكان برأيهم، ما جيت بشور البنات، فكيف أروح على كلام البنات حتى يقول لي حسن وأبو زيد ومن أرسل وراك؟ فقال العبد أن البنات ما كتبن المكاتيب الا بأمر حسن وأبي زيد، فقال له ان رحت أنا على كلام البنات وقتلت الزناتي لايعدونها لي، وان تكلمت يقول حسن من بعث وراك؟ فماذا يكون جوابي لهم وهذه آخر الوقعات بيني وبين الزناتي؟ ومرادي أملكهم الغرب كما ملكتهم الشرق، فان كان مقصد بني هلال حضوري هات لي مكتوبين وحجتين من حسن وأبي زيد، ثم أنه أحرق مكاتب البنات، قال العبد أنا ان رحت وحدي فان البنات يقتلنني، قال له دياب أنا أكتب لك جواب.

ولما فرغ من تسطير الكتاب طواه وختمه وأعطاه للعبد فأخذه وسار طالبا بني هلال، فلما وصل الى غانم أعطاه الكتاب ففضه وقرأه، فاستدعى البنات وقرأ عليهن المكتوب وقال أنه لم يأت لأن حسن وأبا زيد لم يرسلا له مكاتيب، وان لم يرسلوا له لا يأتي ولو انقطع بنو هلال، فرجعت البنات عند حسن باكيات وقلن له يا حسن أرسل لنا وراءه في هذه الساعة، ليأخذ بالثأر ويكشف عنا العار، وان لم ترسل وراءه نروح كلنا لعنده، فعند ذلك استدعى أبا زيد وقال:

انظر هؤلاء البنات وما مرادهن واكتب لهن مثل ما يردن واسترنا معهن، فقال أبو زيد يا حسن أنا ما أكتب ولا أرسل وراءه، لأني لا أحبه ولا أطيق ذكره، فقال حسن وأنا كذلك، فأرسل خلف أبيه غانم ودعه يذهب خلفه، فعند ذلك أرسلا وراء غانم فحضر فقال حسن يا غانم مرادنا منك أن تذهب الى ابنك دياب تجيبه، فقال غانم يا حسن ابني لايأتي ما لم تكتبوا له أنت وأبو زيد، فلما أصبح الصباح عول والد دياب على السفر وحرر مكتوبين على لسان حسن وأبي زيد الى دياب، وأخذهما معه وركب هو وامرأته وسارا طالبين دياب، وأرسل عبد يعلم ابنه في قدومه اليه هو ووالدته، فلما وصل العبد الى دياب وأخبره بقدومهما اليه، ذهب لملاقتهما وتوجه الى أمه وأنزلها من الهودج وقبل رأسها وقال: ما الذي أتى بك الينا؟ فأجابت تقول:

تقول فتاة لوع البين قلبها
ارجع الى قومك واصل الزمايم

ونحن يا أمير جئنا لعندك
فما هذا الرجا منك يا ابن الأكارم

ضيعت حق من رباك والدك
وسفهت قولي يا قليل الحشايم

ولو كنت يا ابني حافظ مكانك
فما كان العدا دعونا هزايم

أغظت غانم يا أمير وغظتني
وعاد دمعي فوق الخدود سجايم

ترى الزناتي قد قتل من رجالنا
أخوتك وكبارنا راحت عدايم

وخالك بدير مع الخفاجي عامر
ومن غيرهم جملة أمارة أكارم

فقم بنا نرجع الى نجد أرضنا
نعيش بها من خير فضل ابن غانم




فلما فرغت الأم من كلامها، أشار دياب يقول:

يقول الفتى الزغبي دياب ابن غانم
غضبتم علينا يا وجوه الأكارم

أنا لأجلك أقتل خليفة بساعدي
وأدعي دماه فوق الأرض عايم

وآخذ لثأر زيدان بسيفي القنا
وأعدي خليفة عالثرى نايم

فلا بد أنصركم وأشفي قلوبكم
أنا جيتكم ما عاد فيها مراحم

وأنت يا أمي افرحي واستبشري
من فوق خضرا مثل طير الغمايم

وتعرفي الفرسان في حومة الوغى
اذا جيت للميدان ولو هزايم


فلا بد أن آخذ بثارات أخوتي
وثارات خالي والقروم الأكارم



فلما فرغ دياب من كلامه وأمه تسمع نظامه، طاب خاطرها وتوجهت الى الخيام واستقبل بعد ذلك أباه، فسلم عليه وقبل يديه، فقال لا تكلمني لا أنا والدك ولا أنت ابني أنا برئ منك لو كنت ابني كنت سمعت كلامي وأخذت لي بثأري من الزناتي الذي قتل أخوتك أولادي وأحرق فؤادي.

فلما فرغ غانم من كلامه وولده دياب يسمع نظامه، فقال لابيه اذا كنت لم تأت بمكاتيب ما أروح، ولو ما فضل احد من بني هلال، فاعطاه المكاتيب ففضها وقرأها وعزم على الحضور وأمر بذبح الأغنام وعمل الولائم والضيافة ثلاثة أيام، فاسرت أم دياب لولدها، يا ابني ابوك خرف وما عاد له عقل لانه دعا عليك قدامي وما هان علي، فقال يا أماه دعاه علي ما في بأس لانه من حزنه على أولاده ومقهور من الزناتي ومن فراقنا، ولكن ان اراد الله تعالى أروح معكم وأطلب رضاكم وآخذ لكم بالثأر بعون العزيز الجبار.

[/align]
[/cell][/tabletext][/align]



 


الرد باقتباس
قديم 03-17-2013, 06:52 AM   #16


الصورة الشخصية لـ صدى الوجدان
صدى الوجدان غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 9
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 03-31-2014 (02:37 AM)
 المشاركات : 10,242 [ + ]
 تقييم العضوية :  570
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 5 مرة في 5 مشاركة
الإفتراضي



[align=center][tabletext="width:70%;background-image:url('http://www.hreeb-bihan.com/vb/backgrounds/20.gif');border:10px double indigo;"][cell="filter:;"][align=center]
الجزء السابع عشر: قتل الزناتي خليفة


( قال الراوي ):

فلما فرغ دياب من كلامه وامه تسمع نظامه، فرحت وقالت يا غانم مرادنا نسير لان بني هلال في انتظارنا، فقال تأهبوا حتى نسير ونعلم بني هلال ان دياب يحضر يوم الأحد لعندهم، فركبوا وساروا حتى وصلوا الى بني هلال، فكانت ضجة قوية، فقالوا أين دياب؟ فقال غانم نهار الأحد يكون عندكم. أما دياب بعد ذهاب والديه أمر الرعيان بلم البوش من كل جانب ومكان وساروا قدامه طالبين بني هلال بابطاله وفرسانه الذين معه، ثم قلعوا الصيوان وأمر العكام بأن يسبقه وينصب سيفه على أبواب تونس في نصف الميدان، ثم دق طبوله ونشر اعلامه حتى بقي بينه وبين بني هلال يوم كامل، وكانوا جميعهم في انتظاره، وثاني يوم الأحد خرجت الاربع تسعينات الوف واستقبلوه بالطبول والنوبات وزالت الهموم والاتراح بقدوم دياب وادخلوه الى الحي بنوبة سلطانية عظيمة، وأما أهل القتلى فانهم اجتمعوا على التراب وهم في السواد واثواب الحداد، لكي يشكو الى دياب ما فعل الزناتي بهم، وأما حسن و أبو زيد فبقيا في الصيوان وما خرجا من الخيام، وأما دياب لما لم يجد حسن وأبا زيد، عرف المضمون وانما أخمد الكمد وأظهر الصبر والجلد، ولم يزل سائرا في الموكب العظيم حتى وصل الى تونس، فرجت منه الأرض وطلعت النساء على الأسوار للفرجة على الزينة، وارتعد الزناتي خليفة ومن عنده وقال الله يعيننا على حربه، واما دياب فرفع رأسه الى سور تونس، فوجد رؤوس الامراء وهم ثمانون رأسا مشكوكين على الرماح، فسألأ من هؤلاء؟ فقال له عمه عرندس هؤلاء رؤوس بني هلال الذي قتلهم الزناتي وهم اولاد عمك، فقال كل هذا يجري في غيابي؟ وظل سائرا الى التربة، فتقدم اهل القتلى والبنات وشالوا البراقع وحدفوها الى دياب فطيب خاطرهم وخاطر فتنة بنت خاله.

وسار مع الموكب حتى دخل البيوت، فمر على صيوان الامير حسن وابي زيد، فوجدهما يتفرجان، فدخل وسلم عليهما فقام له على الاقدام واكرماه غاية الاكرام، وبعدها قام دياب وركب الى بيته وتفرق كل واحد الى محله، واما فتنة فصارت تخبر اباها بما حدث.

فلما فرغت فتنة من كلامها وابوها يسمع نظامها، قال مرادنا احد يروح لعند دياب يروي لنا الخبر عن حربه للزناتي، فقامت داية الحريم وقالت انا اكشف لك عن ذلك وسارت للصيوان، واما وصلت اليه وجدته يلاعب بنتا صغيرة اسمها نجيبة، ويقول لها اين اطعن الزناتي؟ فقالت له اطعنه بعينه؟؟ فقال قولك مبارك، وحياتك ما اطعنه الا بعينه، فرجعت الداية الى عند الامير حسن واخبرته عما رات من دياب ثم افتكر واطرق رأسه الى الارض ساعة من الزمان ثم تنهد وانشد يقول:

يقول الفتى حسن الهلالي ابو علي
الاجواد تختبي ليوم النوائب

وما سندنا الا دياب ابن غانم
لانه صميدع من خيار القرائب

ونرجو من الرحمن يفرج همنا
لان العرب ذاقوا اعظم المصائب

عسى من الزغبي يجينا غاية
ويقتل خليفة بين جمع المواكب

دياب امير وابن امير وامير
ولا مثله في شرقها والمغارب

قال الفتى حسن الهلالي ابو علي
وقلبي فرح في ملتقى الحبايب



فلما فرغ حسن من كلامه وأمرأته تسمع نظامه، واسمها نافلة وهي أخت دياب، لحظت على حسن انه داخله الحسد من اخيها، فعند ذلك اشارت تقول:

مقالة التي قد نالت رجاها
ودمع عيني فوق خدي سجايم

سعدنا في بني زغبة دياب
شبيه البحر موجه جا يلاطم

فلما أقبلت خيلها علينا
ففرحت البيض داقات الوشايم

طبوله حوله يا أمير تنضرب
شبيه الرعد بوسط الجو قايم

وخافوا الأعادي حين شافوا
بني زغبي وهم نسل الأكارم

وقد قال الزناتي لأهل تونس
يصيروا أهلها لنا خدايم

قالت التي قد نالت رجاءها
نصرك يا حسن في ابن غانم



فلما فرغت من كلامها قال لها يا نافلة عسى الأمير دياب يقتل الزناتي ونملك تونس ونخلص بلادنا، هذا ما جرى للأمـير حسن ونافلة، فيرجع الكـلام لدياب، فانه قال لقومه في الصباح احضروا جميعكم، قالوا سمعا وطاعة، ولما أصبح الصباح نهض الأمير دياب وطلب مبارزة الفرسان ولاعب الخضرا في أربعة أركان الميدان، وسال وجال ولعب بالرمح حتى حير عقول الشيوخ والشباب، ثم تقدم الى أبواب تونس ودقها في عكاز الرمح فارتج السور، فقال البواب من؟ فقال: أنا دياب.

أعلم سيدك الزناتي يخرج لحربي لكي يوفي الناس ديونها وان سألك عني فقل له دياب قاتل أخويك أبو خريبة ومكحول، فابرز اليه وخذ بالثأر، فمضى البواب وأعلم الزناتي فضاقت في وجهه الدنيا، وما عاد يعي على حاله، فأرسل أحضر ابنته سعدى وقال لها: يا باغية ما أحد جلب لنا البلاء سواك، فلو كان من ألول تركتني أقتل المحابيس وابا زيد، كنا ارتحنا من بني هلال، لا أخاف الا من دياب، فقالت سعدى: يا أبي لاتخف منه أنا أرده عنك، ثم مشت على شراريف القصر فرأت دياب يلاعب الخضرا، فنظر اليها وكف وجهه عنها لحسنها، ما اسمك وما تريدين؟؟

قالت: أنا سعدى وأنت ما تريد؟؟ فأنشد وأنشدت بدورها ثم رد عليها دياب.

( قال الراوي ):

فلما فرغ الأمير دياب من كلامه، قالت له سعدى: قف عندك حتى أرسل لك ابي، وعادت لأبيها تحثه على حربه فركب الجواد وبـرز الى المـيدان، وأنشد:

اليوم يومك يا زناتي خليفة
فلا بد من سيفي تروح شلال

قال الفتى زغبي ابن غانم
حل الوفا واشتقت أنا للمال



فلما فرغ الأمير دياب من الكلام، والزناتي يسمع نظامه، فارتطم البطلان كأنهما جبلان، وتصادما صدام الأبطال وضربت في حربهما الأمثال وقلق الزناتي من حرب دياب ورأى منه أبوابا ما كانت تخطر له بحساب، رآه بحرا ما له قرار، وما زالا في الحرب والطعان وهما في أشد ضيق الى نصف النهار، فزاد الأمير دياب على الزناتي بحربه وعاد يفتل حوله على الخضرا مثل الصاعقة، فخاف الزناتي وانحل عزمه وولى من قدام دياب هاربا الى تونس، ودياب لاحقه مثل الأسد الكرار، فهجم دياب وعسكره على قوم الزناتي والتقت الرجال بالرجال وجرى الدم وسال فيا لها من وقعة تشيب رؤوس الأطفال، وذهب من الفريقين عدد كبير من الفرسان والشجعان، وكان لتونس ثلاثة أبواب داخلة في بعضها، باب( صارة ) وباب( منصور ) وباب( حسرة )، ففتحوا الأبواب حتى دخل الزناتي وسكروها، فضرب دياب الباب بالرمح فخرقه، فأطبقت قوم الزناتي على قوم دياب، فالتقاهم بسيفه القرضاب وهجم بنو زغبة وعظمت الأهوال وبطل القيل والقال الى أن ولت الشمس للغياب، ودقت طبول الانفصال فاختبأ قوم الزناتي من خارج السور ورجع الأمير دياب وقومه الى بني هلال، فهنأوه بالسلامة وأكلوا وشربوا وحضر الأمير حسن والأمير أبو زيد لعند دياب وعانقاه وهنأاه بالسلامة وجلسا معه للمنادمة والكلام، وأمر دياب في الذبائح وعمل الولائم فسألوه عن حرب الزناتي، فتبسم من قولهم وقال: أنا أكفيكم شره وأقصر عمره، فقالوا يا دياب غدا اقتل الزناتي وملكنا الغرب كما ملكتنا الشرق، فقال ان أراد الله تعالى، ولكن يا حسن الذي يقتل الزناتي يكون سلطان الغرب فقال الأمير حسن نحن أولاد عم وبين الأهل ما في فرق والرزق واحد والحكم واحد، ثم انصرفوا الى حالهم ولما أصبح الصباح برز دياب الى الميدان، فبرز الزناتي وانطبقا على بعضهما انطباق الغمام وطال بينهما الطعن والصدام، من شروق الشمس الى وقت الظلام، فدقت طبول الانفصال وانفصلا عن القتال، أما الزناتي فعاد في أسوأ حال وأيقن بالهلاك، فضاق صدره واحتار بأمره، فطلع الى قصره وارتمى على فراشه، ثم فتح شباك القصر ونادى ابنته سعدى فأتت وجلست مقابله في شباك آخر، فتنهد الزناتي وصار يعاتب سعدى.

فلما فرغ الزناتي من كلامه، قالت له سعدى يا أبي اني لم أنم الليل من أجلك، ودائما أطلب من الله أن ينصرك وينيلك مرامك وأنا أنثى لم أتعود على القتال والكفاح ومبارزة الأبطال، ثم أنها انصرفت والهوى غالب عليها، ولما أصبح الصباح طلعت بنو هلال من خيامها وركبت سوابقها، وأما الزناتي فأغلق أبواب تونس وما عاد يفتح ولا عاد له قلب للخروج الى الميدان لخوفه من الأمير ديبا الذي قام من نومه وتقلد سلاحه وركب الخضرا وبرز الى الميدان، فحين نظره الزناتي هانت المنية عليه، فبرز لدياب فصدمه صدمة الجبار، وهاج الزناتي كالجمل فتلقاه دياب بالسيف وطار فيما بينهما الغبار حتى سد منافس الأقطار وحجب عنان السماء الى الظلام، دقت طبول الانفصال وافترقا على سلامة، واستقاما على هذا الحال مدة شهرين، وفي آخر الأيام برز الاثنان الى الميدان، فغضب دياب وزاد به الغضب وضرب الزناتي بالسيف فأصاب جواده، فرمى نفسه على الأرض وقد أيقن بذهاب الروح، فأدركه قومه في جواد من الخيل، وأركبوه ومال عليهم دياب بالسيف القرضاب، وزاد نار الحرب التهاب وقطعت منهم الزنود والرقاب، وساقهم دياب سوق الغنم ودخلوا المدينة وسكروا أبوابها، فطلع الزناتي الى قصره فنام على فراشه وهو غارق في الأفكار لنصف الليل، فقام مرعوبا ونادى ابنته سعدى فأتت، ولما شاهدت حاله بكت وندمت، وصارت تشجع والدها على حرب دياب، وثاني الأيام برز الى الميدان فبرز اليه الأمير دياب، ثم التقى البطلان وكأنهما أسدان وما زالا في حرب وصدام الى وقت الظلام، دقت طبول الانفصال وثاني الأيام برز الاثنان الى الميدان. ولم يزالا في حرب وصدام الى وقت الظلام، فدقت طبول الانفصال، وثاني الأيام برز البطلان.

وأخذا في الحرب والصدام حتى أقبل الظلام، فدقت طبول الانفصال وثاني يوم برز دياب الى الميدان وطلب مبارزة الفرسان، فبرز اليه الزناتي وصار يقول:

يقول الزناتي أفرس الفرسان
في القلب مني زايدة نيراني

بليت فيكم يا هلال بلية
ربي بكم دون الملا أبلاني

قتلت منكم قوم ما لهم عدد
راحوا طعام الوحش والغربان

صافف رؤوس رجالكم أنظرها
على السور منشورة وفي الصيوان

انا خليفة يا دياب تحضر
يا ما قهرت ابطال مع شجعان

انزل عن الخضرا وبوس ركابي
واسلم بروحك لا تكون ندمان



فلما فرغ الزناتي من كلامه التقى البطلان في الحرب والصدام، فبقيا في قتال شديد حتى ولى النهار وأقبل الليل بالاعتكار، ودقت طبول الانفصال ورجع كل منهما الى قومه، وقد ذل الزناتي بعد عز، وبكى على أحواله وملكه، وبات تلك الليلة في هم وأتراح الى الصباح، كتب كتابا يطب فيه الصلح وأرسله الى دياب، وكان دياب قد برز الى الميدان، فلما وصل الرسول أعطاه الكتاب ففضه وقرأه وعرف رموزه ومعناه، فتوجه لعند السلطان حسن وعرض عليه كتاب الزناتي، فقرأه أبو زيد على الأمارة، فبهتوا جميعا مقدار ساعة، فقال أبو زيد ماذا تقولون؟ فقالوا الرأي عندك يا أبا زيد.

فقال أبو زيد: الرأي انكم تصالحوه، ومن أبا عن الصلح يسأل الجازية فالتفتت اليهم وقالت: أذل الله لحاكم يا بني العربان ذليتم عن حرب الزناتي ودياب أيضا ذل معكم وهو شاطر في ركوب الخضرا وتعريض الصدر، وحالا نادت النسوان وقالت دونكن والخيل، فنحن نقهر الزناتي ونأخذ ثأرنا والتفتت الى دياب، وقالت له: انزل عن الخضرا حتى أركبها واقاتل ازناتي وأنشدت تقول:

تقول فتاة الحي أم محمد
أنا أورد خليفة أقصى الموارد

أنا بنت سرحان الأمير بلا خفا
أخي حسن سلطان على القوم سايد

ألا بأعذاري شدوا الخيل واركبوا
على سوابق أصيلات فرايد

ونلبس خوذهم والدروع وخيلهم
ونحن نحارب في اللقا والمطارد



فلما فرغت الجازية من كلامها والأمراء يسمعون نظامها، فعند ذلك تبادرت البنات الى الخيل، وكل واحدة مسكت لجام فرس وقالت لراكبها انزل واركب موضعي في الهودج وأنا أركب جوادك، وأما الجازية فقالت الى دياب انزل وأنا أركب موضعك وأحارب، فغضب دياب وقال لها: كم مرة خلصتك من السبي، ولو صالحه كل بني هلال ما أفوت ثار أخوتي وأولادهم، ولا صالحت خليفة، فارجعي الى الوراء وردي البنات واتركي الحرب للرجال، ثم أنه رد على الخليفة وقال:

يقول الفتى الزغبي ولد غانم
وذم الفتى بعد الكمال حرام

وحمد الفتى بعد القبيح مذمة
وحمد الفتى بعد النضال لزام

أنا دوم ممدوح بفعل أكارم
بخير وجود بالفلا وخصام

كم فارس أنا بقناتي قتلته
وادعيته ضمن التراب عدام

فلا بد ما أملك بلادك كلها
وقومك يصيروا عندنا خدام




( قال الراوي ):

فلما فرغ دياب من كلامه، طوى الكتاب وأرسله الى الزناتي خليفة، فلما وصل اليه، فضه وقرأه وعرف رموزه ومعناه، انخمدت أنفاسه وزاد وسواسه، ولما أصبح الصباح دقت طبول بني هلال للحرب والكفاح، وبرز الأمير دياب الى الميدان، فنظر الزناتي فأشار يكتب الى دياب ويقول:

يقول أبو سعدة الزناتي خليفة
والهم قد جانا مع الوسواس

أيا دياب الخيل يا طيب الثنا
يا أمير حامي حومة البرجاس

فاصفح عن حربي وخذ ما تريد
أموال خذ مني وكل أجناس

أقسم عليك بجاه ربي تجيرني
وبحق اله العرش رب الناس

وبطل الحرب عني لا تلومني
وديني بقولي ما أنا دلاس



فلما فرغ خليفة من كلامه، طوى الكتاب وختمه وقدمه للأمير دياب فلما قرأه مزقه ورماه وصرخ في الخادم صرخة أرعبته، وقال له: لولاما يكون قتل الرسول حرام لقتلتك، ولكن ارجع لمولاك وقل له ما عنده جواب الا الحرب فرجع النجاب وأعلم مولاه بذلك، فلم يرد عليه جوابا، فعند ذلك عاد دياب الى بوابة تونس، فحكم طريقه على خندق كبير فنزل عن الخضرا وقاس الخندق، فطلع عمقه خمسة أرماح ووسعه ثلاثة، فعرف أن الخضرا تقفزه، فعند ذلك اعتلى ظهر الخضرا وأرجعها الى الوراء وصار يلاعبها حتى وصلت الى الخندق، فحثها بالركاب فقفزت الى الجانب الآخر وظل غايرا الى الباب لقي البواب نائما، فلكزه بكعب الرمح، ففاق فوجد فارسا فوق رأسه يقول له يا بواب اذهب الى سيدك وقل له أن ينزل الى الميدان، وان لم ينزل فقل له الأمير دياب قفز بالخضرا فوق الخندق، وغدا يقفزها فوق السور، فراح البواب وأعلم مولاه ورجع دياب الى قومه، فعند ذلك نزلت دموع الزناتي وصار يببكي على حاله وأرسل وراء سعدى ابنته لكي يودعها، وكان قصده قتلها ولكن لم يستطع الوصول اليها وكانت سعدة ضربت الرمل فعلمت أن منيته قد قربت، فأتت الى الشباك قباله وقالت له طب نفسا وقر عينا لأنه بان عندي في الرمل أنك منصور على دياب، فدق طبله وبرز الى الميدان فبرز اليه الأمير دياب فالتقى البطلان كأنهما جبلان وغنى فوق رأسيهما غراب البينن فوقع بينهما ضربتان قاطعتان، وكان السابق الزناتي، طعن دياب بالرمح فأخلى عنها فأضابت الخضرا، فوقعت على الأرض ووقه دياب كأنه طود من الأطواد، فطمع الزناتي فيه وسحب السيف من غمده وهجم عليه، فأدركه بنو هلال وقدموا له جوادا من الخيل الجياد، ركب وهجم على الزناتي في قلب لا يهاب الموت، ومازال السيف بينهما الى وقت الظلام، فانفصلا على سلامة من الحرب والقتال، أما دياب فانه حزن على الخضرا كثيرا، وأمر أن يغسلوها ويكفنوها بالحرير ويدفنوها، وبنى على قبرها قبة عظيمة وذبح على قبرها ألف ناقة، وفرقها على الفقراء زكاة عن سلايلها وأولادها، وثاني يوم نهض دياب واعتد في عدة جلاده وركب على ابن الخضرا، وكان مهرا رباعيا طويل الباع لين الطباع، وبرز الى الميدان كأنه فرخ جان وطلب مبارزة الزناتي، فبرز اليه لأنه فرح بقتل الخضرا وظن أنه يملك أربه من دياب ويقتله كما قالت سعدى وأما حسن وبنو هلال، تحقق عندهم أن دياب في هذه المبارزة يقتل الزناتي لا محال لأجل ثأر الخضرا، فركب الأمير حسن مع سائر بني هلال، وركبت العماريات الهوادج واصطفت العساكر أمام بعضها البعض، والتحم الزناتي ودياب في حرب شديد يقطع الزرد النضيد من الصباح الى الظهر، فثارت فر رأس دياب نخوة الرجال والهمة الكافية العلية، فسحب الدبوس من تحت فخذه وبرمه في يده وضرب الزناتي على رأسه، فطيرت جميع أضراسه فأدار رأس جواده وعول على الفرار من عظم الألم، وما عاد يدري كيف يتوجه، فلأجل نفوذ الأحكام قام دياب بعزم الركاب وأطلق عليه الرمح لأن الزناتي كان هاربا، فالتفت لكي ينظر الى دياب ان كان لاحقه فأصاب الرمح عينه ونفذت الحربة من قفاه، فتذكر الأمير دياب وقت قول ابنته نجيبة حين قالت له إطعنه بعينه، فمال أبو سعدى عن الجواد وعول على الوقوع، فسحب دياب السيف وضربه على هامه أرمى رأسه قدامه، فأخذ دياب الرأس على رأس السنان وغار هو ورجال وبني هلال على قوم الزناتي، فبدلوا أفراحهم بالكدر وولوا هاربين، وأما قرايب الزناتي فإنهم صاحوا الأمان ودخلوا واقعين على دياب، ورموا سلاحهم وطلبوا الأمان وأولهم كان العلام وطلبوا من دياب مكانا يقيمون فيه مع حريمهم، فأعطاهم مدينة الأندلس وما حولها، ورحل العلام وقومه والحريم والعيال، وقطنوا بذلك المكان، ورجع الأمير حسن والأمير أبو زيد وبنو هلال نحو تونس، أما دياب فإنه ملك تونس وأعطى عبده خليل الرمح، وأمره أن يضعه فوق تونس وينادي ـن الأمير دياب هو الملك وكل من لا يدخل تحت طاعته يقتل، ففعل العبد كما أمره مولاه، أما سعدى فقد لبست أفخر ملبوس وسارت تتمختر كأنها عروس، وأتت لعند الأمير مرعي وهو يتمشى بجناين القصر بالملابس الحريرية ومنتظر الفرج والتيسير فدخلت عليه سعدى وقالت له اعلم أيها الأمير أنه جاء الفرج وتعاهدت معه أن لا يأخذ غيرها ووعدته أن لاـاخذ غيره ولو قطعت بالسيوف، ثم ودعا بعضهما البعض وكل واحد ذهب الى حاله سبيله، أما الأمير دياب فأمر بتعليق رأس الزناتي على السور، وأمر بتنزيل رؤوس بني هلال ليدفنوهم وملك دياب تخت الزناتي وحاز الملك والمال والنوال وساق الخدم قدامه وأمر بإطلاق مرعي ويحيى ويونس وخلع عليهم وأرسلهم لعند أهلهم وجلس دياب على تخت الزناتي ولبس التاج وهو مصنوع من قديم الزمان ومرصع بالمرجان الأحمر والياقوت الأخضر ومنسوج بالدر والجواهر والذهب الأصفر واجتمعت حوله بنو زغبة، فلما سمعت سعدى بجلوس دياب على كرسي أبيها خافت وارتعدت فرائصها وخاب ظنها بمرعي وندمت حيث لا ينفعها الندم وتوجهت لعند الأمير دياب وترجته في دفن أبيها، فقبل طلبها وطيب خاطرها وأدخلها بين حريمه فأكرموها غاية الإكرام.

هذا ما جرى الى دياب وأما ما جرى الى الأمير حسن وأبو زيد وهما راجعان الى تونس، فقد سبقهما أناس وشاهدوا رمح دياب والمنادي ينادي بإسم دياب والعبد خليل حين رأى الأمير حسن وأبو زيد مقبلين، رجع شاور مولاه فقال له دياب إذهب وناد كما أمرتك، فرجع وصار ينادي لا سلطان الا دياب وكل من لا يدخل تحت رمحه يعدمه الحياة، فحين سمع حسن هذا الكلام قال كيف الرأي يا أبا زيد، فقال هينة يا حسن ندخل ولو ما شال الرمح فتقدم عبد الأمير حسن، وضرب الرمح قطعه نصفين، فضربه العبد خليل قطعه كما قطع الرمح، وأما حسن هجم على ديوان الزناتي، فوجد دياب جالسا على التخت وحوله أكابر بني زغبة والخدم والعبيد بين يديه والتاج على رأسه، فهجم عليه حسن وقال ما هذا يا دياب؟؟ أما كفاك مروري من تحت رمحك وتلبس التاج على رأسك وتريد أن ترثني وأنا حي وتعزلني من منصبي ورثة جدي وأبي؟! لا بد عن قتلك يا نحس! بعد هذا العمل، وإنحدف على دياب، فوقف أبو زيد والرجال بوجه حسن وقالوا يا مولانا إن دياب مخطئ ومنك المسامحة، فهذا كله جرى ودياب جالس على الكرسي غير عابئ به ولا بكلامه، فإزداد حسن حنقا وقال إتركوني حتى أقتل هذا الغاصب، فقال له دياب يا حسن أنت عندك هذه الشطارة، فلماذا ما قتلت الزناتي وملكت تخته؟ ولأي سبب أرسلت تتدخل علي أنت وأبو زيد وكل بني هلال حتى أنا قتلت الزناتي ومهدت لكم البلاد؟ فقال حسن: أنا والأمير أبو زيد ما أرسلنا وراك ولا أحد من جميع بني هلال إلا البنات وأبوك غانم، فقال دياب: المكاتيب عندي. فقال حسن: ليست المكاتيب مني، فتقدم أبو زيد وأنشد يقول:

يقول أبو زيد الهلالي سلامة
فمالك يا حسن سرحان هايش

تريد تقتل دياب يا بو علي
هو حامي ظعننا من كل طارش

لأنه جعل رمحد على باب تونس
الفعل يا أمير فعل طايش

حريمنا بعثوا البراقيع لإبن غانم
ليدعي أبو سعدة بدمه يشالش

جانا على خضرا وجندل عدونا
وأخذ بثارنا في ماضيات الطرايش

قوموا بنا نقسم بلاد الزناتي
ونادوا بالإطمئنان والكل عايش




فلما فرغ من كلامه تقدم إلى دياب وقال له: يا إبن العم العين لا تعلو على الحاجب، قم حتى نركب حسن على الكرسي ونقسم البلاد، فقام دياب مسك حسن مع أبي زيد وأجلسوه على التخت، ثم تقدم الأمير دياب وأشار يقول:

يقول الفتى الزغبي دياب إبن غانم
والنار من جوا الضلوع شجونها

يا أمير حسن لولا دياب إبن غانم
غدا ظعنكم بحرب الزناتي رهونا

ولما قتلت الهيدبي وأنت شاهد
وأبو زيد حاضر كيف تنكروها

طعنته رميته والقنا يقرع القنا
بيض العذارى شاخصات عيونها

وملكتم نجد العدية وأرضها
وقفت بها بيض العذارى بفتونها

تكاونت أنا والزناتي خليفة
وما تعلم الأرواح من هو زبونها

وقد راحت الخضرا وشت بها النيا
من طول عمري من العدا أصونها

وجاؤوني بنو هلال وعامر
وجاؤوني بنات هلال يندبونها

وجابوا القماش الحرير الغالي
وجاؤوا الى الخضرا يكفنونها

حفرت لها في الأرض قامة ومثلها
خايف وحوش البر ينهشوها

إن مت بالله إدفنوني جنبها
في وسط روضة موضع ما تدفنوها

عسى نلتقي يوم القيامة جميعنا
وأقبل الخضرا وأمسح عيونها


[/align]
[/cell][/tabletext][/align]



 


الرد باقتباس
قديم 03-17-2013, 06:53 AM   #17


الصورة الشخصية لـ صدى الوجدان
صدى الوجدان غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 9
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 03-31-2014 (02:37 AM)
 المشاركات : 10,242 [ + ]
 تقييم العضوية :  570
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 5 مرة في 5 مشاركة
الإفتراضي



[align=center][tabletext="width:70%;background-image:url('http://www.hreeb-bihan.com/vb/backgrounds/20.gif');border:10px double indigo;"][cell="filter:;"][align=center]
الجزء الثامن عشر من تغريبة بني هلال


( قال الراوي ):

فلما فرغ دياب من كلامه فإعتذر له الأمير حسن وقال: يا أمير دياب الخطأ يقع من قلب الصواب، والخضرا خذ عوضها مدينة تونس من غير حساب، وأقسم لك ثلث الغرب الذي تريده، وأنا مثلك وأبو زيد مثلي، فحضروا جميعهم في الديوان وتقاسموا الجميع بالسوية من دون تونس، فهي للأمير دياب، وانصرفوا على هذا الحال، أما الأمير مرعي فإنه اجتمع مع أبيه وسلم عليه وقامت الأفراح وذهبت الأحزان وعملوا الولائم وذبحوا الأغنام الى الخاص والعام ونادوا بالأمان في جميع البلدان وسلطنوا العلام على قابس ومكناس وتلك البلاد، وبعد ذلك أمر حسن ببناء قبة عظيمة على قبر الزناتي وأمر بإحضار الحفارين والنجارين والدهانين وجميع أرباب الصنائع أن يبذلوا المجهود في تزيين تلك القبة على قبر الزناتي، وأن يكتبوا عليها أسماء الله الحسنى، فزينوها بالفضة والذهب وصنعوا له مشهدا ومزارا وتقاسم البلاد حسن وأبو زيد ودياب، هذا ما جرى من أمراء بني هلال.

وأما ما كان من قوم الزناتي والأمراء وائل ومحمود وزائد وغيرهم من الحكام الذين يحكمون على سبعة تخوت بلاد الغرب والأربعة عشر قلعة، فلما سمعوا بتسلطن العلام وقتل الزناتي، هاجوا وماجوا واجتمعت القروم من جميع جزائر الغرب، وأتوا إلى ملكهم ناصر، وهو أخو خليفة، وكان حاكما على الأربعة عشر قلعة وعلى سبعة تخوت بلاد الغرب فدخلوا عليه وقبلوا الأرض بين يديه وأخبروه عن بني هلال وعن قتل خليفة أخيه، فهاج وماج واسودت الدنيا في عينيه وحالا أمر بتجهيز العساكر والأبطال وأرسلهم إلى العلام ليتهيأ إلى حرب العربان، فلما وصلوا اليه قبلوا الأرض بين يديه وبكوا على ملكهم خليفة وأظهروا له الحزن والهم والكدر، وقالوا يا ذلنا من بعده والله لنأخذ بالثأر ونكشف عنا العار ونرجع تونس بالسيف البتار، لأنه أرسلنا إليك الأمير ناصر أخو خليفة حتى تتهيأ للحرب والقتال، فكان جواب العلام أنني كيلت من الحروب وليس لي جلد على ملاقاة الأبطال والرجال، فافعلوا ما بدا لكم وأنا أمدكم بالأموال، فأرسلوا يعلمون ناصر أخو خليفة، ولما بلغه الجواب أخذ في تجهيز العساكر في الحال من الغرب الجواني، وما مضت مدة من الزمان حتى تجهز عنده ستمائة ألف مقاتل بين فارس وراجل، فأتى بهذا العسكر الجرار وقصد بني هلال، وما زال سائرا حتى قارب أطراف تونس.

هذا ما كان من هؤلاء، وأما ما كان من دياب فإنه دخل يوما على قصر خليفة فوجد سعدى تبكي وتنوح من فؤاد مجروح على فقد أبيها وعلى فراق مرعي لما كان عندها من الحب والهيام والشوق والغرام، فحياها بالسلام ومال إليها وزاد فيها غرامه وأراد أن يأخذها زوجة له، فقال له طيبي نفسا وقري عينا حيث أنك صرت في ملكي وتحت حكمي، وأريد أن آخذك لي زوجة، وأشار يقول:


يقول أبو موسى دياب بن غانم
ولي عزم في الهيجا كليث رهيس

ولي عزم أمضى من حسام إذا سطا
وماني ردي الأصل ولا خسيس

ألا فأبشري يا سعدا بإبن غانم
أنا صرت حاكم في دريد وقيس

ألا يا سعدا قري وافرحي
وأنا صرت بعلك دون كل رئيس

فلا تحزني من بعد خوفك وافرحي
أنا دياب الخيل بوم أنكيس



فلما فرغ من كلامه اغتاظت غيظا شديدا وأشارت تقول:

تقول سعدا بنت سلطان تونس
سطا البين وتعدى علينا ومال

يا زمان المضى وراح وانقضى
تعال الينا يا زمان تعال

أنا كنت أميرة بنت أمير وأميرة
وقصري على شرافتين طوال

ذنبي برقبتك يا دياب بن غانم
قتلت والدي بالصارم الفصال

تقتله وتريدني لك حليلة
فهذا منك يا دياب ضلال

فإن أخذتني يا أمير تعمى نواظري
فاني اعجل لروحي بشنق حبال

ولا الناس يقولوا أخذت عدوها
ولا أنسبك لي يا دياب رجال

ولا أريد الزغبي دياب بن غانم
الا مقطع فوق رؤوس جبال



فلما فرغت سعدى من كلامها، اسودت الدنيا في عينيه، وقال لها تتجاسرين علي في هذا الكلام يا بنت اللئام، وحينئذ أمر عبيده بضربها وأن يشغلوها الأشغال الشاقة ويلبسوها الملابس الخشنة ويطحنوها بالملح، ففعلوا ما أمرهم به مدة عشرة أيام، فدخلت عليها نافلة أخت دياب، فلما رأتها على هذا الحال سألتها عن حالها وما جرى لها، فأخبرتها سعدى عن ظلم الأمير دياب.

فما أتمت سعدى كلامها الا ودياب صار أمامها، وكان قد سمع منها الخطاب، لأنه كان واقفا خلف الباب، فأمر غلمانه أن يزيدوا عليها بالأشغال، ففعلوا كما أمر مدة خمسة عشر يوما وهي تبكي وتنوح، وكان أكثر بكاها على مرعي لأنه نسيها وما فكر فيها، وكان عندها عبد من عبيد أبيها، اسمه مرجان، قالت له مرادي أرسل كتابا الى السلطان، فقال لها على العين والرأس، فلما فرغت سعدى من الكتاب، طوته وأعطته للخادم فأخذه وسار به الى حسن، ففضه وقرأه، فحينئذ اغتاظ من دياب وأعلم أبا زيد بما حصل مع سعدى من الأول الى الآخر، فقال أبو زيد ما تقدر تجيب سعدى الا بواسطة قسمة البلاد، وفي اليوم الثاني ركب الأمير حسن وأبو زيد مع جماعة من الفرسان، وتوجهوا نحو دياب الى أن وصلوا اليه وسلموا عليه، فاستقبلهم بالترحاب والاكرام وأجلسهم بأعلى مقام، وصار يرحب بهم ويقول:

يقول الفتى الزغبي دياب بن غانم
أهلا وسهلا بأصحاب الدار

أهلا بمن قد شرفوا لمحلنا
أبو زيد والسلطان والأمار

أهلا بسلطان الأعارب جميعهم
مقري اليتامى في سنين سعار




( قال الراوي ):

فلما فرغ دياب من كلامه، شكروه على قوله ونظامه وبقوا في ضيافته ثلاثة أيام، وفي الوم الرابع قال حسن لدياب مرادنا نقسم بلاد الغرب، فقال دياب الأمر لأبي زيد، فقال أبو زيد: قدامكم مصاعب ومتاعب كثيرة، فانكم ملكتم تونس وهي من جملة ممتلكات، والباقي سبعة تخوت يجلس عليها سبعة ويحكمون على أربعة عشر قلعة.

فلما فرغ أبو زيد كلامه، تعجبوا من سعة اطلاعه وحسن نظامه، وبينما هم في الكلام اذ أقبل عليهم العبد مرجان ابن أبو القمصان مخضبا بالدماء ومهشم الأعضاء، فسألوه ما الخبر؟ فقال لهم أن الشباب قد هلكت وقد نزلت عليهم قوم الأمير ناصر أخو الزناتي الذي من تحت يده سلاطين، سبعة تخوت بلاد الغرب، فان لم تدركهم بسرعة ذاقوا الوبال، فلما سمعوا هذا الحديث اغتاظوا الغيظ الشديد، وفي الحال دقت طبول الحرب واجتمع عند الأمير حسن فرسان الطعن والضرب، فأخبروهم بما حصل، فهاجت الأبطال واستعظمت تلك الأحوال وركبت جموع بني هلال للحرب والقتال، وفي مقدمتهم الأمير دياب والأمير أبو زيد ليث الغاب، ومازالوا سائرين يقطعون البراري والقفار.


[/align]
[/cell][/tabletext][/align]



 


الرد باقتباس
قديم 03-17-2013, 06:55 AM   #18


الصورة الشخصية لـ صدى الوجدان
صدى الوجدان غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 9
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 03-31-2014 (02:37 AM)
 المشاركات : 10,242 [ + ]
 تقييم العضوية :  570
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 5 مرة في 5 مشاركة
الإفتراضي



[align=center][tabletext="width:70%;background-image:url('http://www.hreeb-bihan.com/vb/backgrounds/20.gif');border:10px double indigo;"][cell="filter:;"][align=center]
الجزء التاسع عشر
قصة الأمير صبرا





( قال الراوي ):

هذا ما كان من هؤلاء، وأما ما كان من شباب بني هلال وهم موسى بن دياب وصبرا ابن أبي زيد وأخواه شيبان ومخيمر، فانهم كانوا خرجوا للصيد والقنص ومعهم عشرة من أولاد الأمراء، وبقوا مدة ثلاثين يوما يجولون في البراري والقفار والسهول والأوعار، قتنصون من الوحوش والطيور، وبينما هم بالصيد اذ وصلوا الى عين توزر، فنزلوا عن الخيول لأنهم كانوا تعبانين وجلسوا على شاطئ النهر، فقام البعض منهم يوقد النيران والبعض يذبحون الغزلان وهم في أرغد عيش وأهنأ بال الا وقوم لأمير ناصر والعلام مقبلين عليهم وهم مثل الجراد المنتشر لا يعرف لهم أول من آخر، وكان السبب بقدوم ذلك العسكر هو أن الأمير ناصر والجايلي ابن مقرب أتوا ليأخذوا بثأر الزناتي، وأخذوا معهم العلام بالحيلة لأنه كان مختبرا تلك الأراضي ولسبب التقادير صادف طريقهم عين توزر، فالتقوا بشباب بني هلال، فأحاطوا بهم من كل جانب، صاحوا دونكم والخيل قبل ما تدركنا الأعداء، فحينئذ ركبوا ظهور المهارة وتقلدوا بالسيف والنصال، وهجموا على تلك الفرسان ونزلوا عليهم بضربات قاطعات تهد الجبال الراسيات، وفرقوا الميامن والمياسر حتى ما كان الواحد منهم يعرف الأول من الآخر، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة وبقوا على هذا الحال لحين الزوال.

فافترقوا عن بعضهم وتجمعوا في تلك الأرض، فوجدوا صبرا مجروحا وشيبان أخو صبرا مقتولا ومرجان بن أبي القمصان مفقودا، وبقوا يحرسون بعضهم حتى الصباح، رأوا عساكر الأعداء حايطينهم من كل جهة، فصاروا يشجعون بعضهم البعض الى الصباح، ركبوا ظهور الخيل وتقلدوا بالرماح والنصال وهجمت عليهم قوم الأمير ناصر، فالتقوا الأبطال والجنود كأنهم الأسود، ومازالوا في أخذ ورد قرب وبعد وضرب شديد مدة أيام، فاستقتل شباب بني هلال وهجموا على جيش الجابلي من كل جهة ومكان، وأبلوهم بالذل والهوان ونزلوا عليهم في طعنات قاطعات، فقتلوا من عساكر الأمير ناصر مقدار خمسة آلاف فارس، ثم كلت الشبان وقل عزمها واضمحلت قوتهم فأحاطت بهم عساكر الأمير ناصر من كل مكان، ونزلوا عليهم بالضرب الشديد وكانت وقعة عظيمة، لأن قوم الأمير ناصر كانت تأتيهم النجدات من العلام ومن السبع تخوت، وقتل بتلك الواقعة ثمانية من شبان بني هلال، وقبضوا على الأمير صبرا وقادوه بالسلاسل والأغلال وأحضروه قدام العلام، فلما رأى صبرا أمر باطلاقه لأنه كان تعاهد مع الأمير أبو زيد فلما لحظ الأمير الجابلي فعل العلام قال يا علام لماذا هذه المطاولة؟ اقتله بثأر ابن عمك من لحمك ودمك، وقد قتلوا منكم أضعاف ما قتلتم منهم، فسحب الجابلي الخنجر وضرب صبرا في صدره فقتله، وقال للفرسان الذين حواليه دونكم ورفاقه فوجد موسى ابن الأمير دياب مع جملة من الفرسان ونازلين عليه بضرب مثل زح المطر وهو يدافع عن نفسه من حلاوة الروح ويقول يا أبا زيد يا حامي الميدان، لو كنت حاضرا ويا دياب لو تراني تخلصني من هؤلاء الأنذال، وبينما هو في ذلك الحال وكادوا أن يقتلوه، الا والسيوف لمعت والعساكر تقدمت، وفي أولهم الأمير دياب في بني زغبة وخلفه الأمير أبو زيد في بني زحلان، وكان السبب في مجيئهم أن مرجان أبا القمصان أخبرهم بذلك الشأن، وعند وصولهم رأوا الأرض قد ملئت بالطول والعرض، وصاح الأمير دياب على الأبطال وهجم على الأعداء من الميمنة وأبو زيد من الميسرة، وبقية الرجال هجموا على العداء بقلوب قوية، وتقدم الأمير سرور ابن القاضي نشل الأمير موسى من بين الأعداء وهنأه بالسلامة، فأخبره عما حصل لهم وعن قتل صبرا وشيبان، ثم ارتدوا على الفرسان بالسيف والسنان والخيل غايرة والرؤوس طائرة والدماء فائرة، ودارت على قوم الأمير الجابلي الدوائر الى أن أقبل الزوال فبات بنو هلال رالأرض يحرسون بعضهم البعض الى أن أصبح الصباح وأضاء بنوره ولاح وأشرقت االشمس على الروابي والبطاح، فوجدوا الأعداء حايطينهم من كل جهة ومكان ومرادهم أن يكسبوهم لأنه قد أتتهم نجدات من جزائر الغرب وتلك الجهات، وسطوا على بني هلال من اليمين والشمال ونزلوا عليهم بطعنات قاضيات وكثرت الأهوال على بني هلال وشتتوهم في تلك الروابي والجبال حتى انكسرت بنو هلال سبعة مراحل الى الوراء، فلما أمسى المساء اجتمعت الفرسان عند الأمير دياب وقالوا له كيف الرأي يا أمير دياب؟ فقال لهم الرأي عند أبي زيد، فحينئذ تفكر أبو زيد بمقتل ابنه صبرا، فهاجت في رأسه نخوة العرب الجاهلية وصاح على الفرسان ان شاء الله، ننزل اليهم بالسيف البتار ونلحقهم بالدمار ونأخذ منهم ثأر الأمير صبرا، وصار يحثهم على قتل الأبطال ويقول:

يقول أبو زيد الهلالي سلامة
بدمع جرى فوق الخدود سيال

الآن طاب الطعن في سوق القنا
بضرب الشواكر وسيوف نصال

ألا فارجعوا ردوا الأعادي بعزمكم
بعزم قوي يهلك الأبطال

لاقوهم بالسيف وبيدوا جموعهم
وخلوا دما الأعدا كسيل سال

وخذوا بثار الأمار جميعهم
بضرب السيف وطعن النبال



فلما فرغ أبو زيد من كلامه، ثارت في رؤوس الأبطال نخوة الرجال، وفي الصباح اصطف الجيشان والتقى العسكران، فانحدر أبو زيد الى ساحة الميدان وطلب مبارزة الفرسان، فسقط اليه الأمير الجابلي كأنه قلة من القلل أو قطعة فصلت من جبل، وصدم أبا زيد صدمة تزعزع الجبال فأشار أبو زيد يقول:

على ما قال أبو زيد الهلالي
أنا ليث المعامع والنضال

أنما ليث الحروب بكل يوم
أفرجها اذا وقع القتال

ألا يا جابلي فاسمه لقولي
ورد على قصيدي مع مقالي

ستعلم أنني ليث قدير
مبيد الخيل هزام الرجال

ولي قلب كما الصوان ثابت
أكيد الخصم حقا لا أبالي

وحق الله خلاق البرايا
اله دائم في الملك عال

لأقطع جنسكم يا آل حمير
وأفي قومكم عند القتال

وآخذ ثار شيبا وصبرة
وأجري دمكم فوق الرمال



فلما فرغ أبو زيد من كلامه انحدف عليه الجابلي من غير رد جواب وداما في الحرب والصدام ساعة من الزمان، وكلما فتح أو زيد بابا من الحرب يسده الجابلي حتى سد عليه اثنين وسبعين بابا، وبقيا على هذا الحال الى وقت العصر، فصاح الجابلي على أبي زيد وضربه بالرمح راحت الضربة خائبة بعد أن كانت صائبة، فثنى عليه بالسيف، فأخذها بطاقة البولاد فانكسر السيف، فحينئذ تعدل أبو زيد على ظهر الحمرا وقال له خدها من الأمير أبي زيد، وضربه بالسيف، فحكم على الرقاب فأخذ الرأس والخاصرة وسقط السيف على الجواد فقطعه قطعتين، فمالت الأبطال عى الأبطال والفرسان على الفرسان من اليمين والشمال، حتى ضعفت رجال الجابلي، فحل بهم الدمار وركنوا الى الهزيمة والفرار، ولازالت بنو هلال تضرب فيهم بالسيف البتار الى أن أوصلوهم لقرب الديار، وكان قد ولى النهار وأقبل الليل فباتوا يحرسون بعضهم الى الصباح، فنزل الأمير دياب الى الميدان وعرض وبان وطلب مبارزة الفرسان، فانحدر اليه الأمير ناصر وأخذوا في الحرب والصدام الى نصف النهار فغار الأمير دياب على الأمير ناصر وضربه بالسيف، فخلا منه فأتت على رأس الجواد فبرته كما يبري الكاتب القلم، فوقع ناصر على الأرض، فانحدر العلام أمام الأمير دياب، بقلب لا يهاب، فنزل الأمير أبو زيد الى العلام خوفا من أن يقتله الأمير دياب، لأنه كان متعهدا هو واياه في سنة الريادة، فصار يتجاول هو واياه، فضرب الأمير أبو زيد رأس جواد العلام فأوقعه على الأرض فأتت قومه وأركبته جوادا آخر وصار يتجاول هو واياه الى وقت الغياب،وبقيا على هذا الحال عشرة أيام وكان كل يوم يقتل له جوادا في آخر النهار حتى ضجرت العرب من قتالهما، وحينما افترقا عن القتال، أتت الجازية الى الأمير أبي زيد، وقال له: لماذا هذه المطاولة أيها الأمير وصبرا قد قتل بواسطة العلام، وقد قتلوا منا تسعين أميرا؟ ثم أنشدت تقول:

تقول فتاة الحي الجازية أم محمد
ألا فاسمعوا لي يا هلال الأكابر

أبو زيد للعلام ينزل يحاربه
من الصبح لما الليل يسود عاكر

فينزل يحاربه ويقتل جواده
ويترك العلام بالأرض حاير

لأنه حالف عمره ما يخونه
ومتعاهد واياه والعهد ظاهر

ولو يحاربه مدى العمر في الوغى
لم يقتله أبدا ولا له خاطر

ولو مات منا كل يوم قبيلة
فما زال أبو زيد على العهد ساير

ألا فاسمعوا لي يا رجال جميعكم
غدا ان أتى العلام عالقا غاير

ورأيتم أبو زيد الهلالي يحاوله
فصيحوا على العلام وارموه شطاير

وادعوه على الغبرا قتيل مجندل
في ثأر صبرا عز قيس الأكابر



فلما فرغت الجازية من كلامها والأمراء يسمعون نظامها، انتبهوا الى ما كانوا عنه غافلين، فحينئذ اجتمع عشرة من بني هلال وضربوا الرأي مع بعضهم أنه في الغد اذا نزل أبو زيد للعلام، فليجتمعوا العشرة وليضربوا العلام بعشرة رماح سوى حتى لايقع اللوم من أبي زيد على أحد منهم، لأنه متعاقد هو والعلام، ففي ثاني الأيام برز العلام الى الميدان، فبرز اليه الأمير أبو زيد، فلما رأوا من أبي زيد هذه الأحوال، هجموا على العلام وضربوه بالعشرة رماح فوقع على الأرض، فحزن الأمير أبو زيد وتقدم اليه وقبله بين عينيه وكان قد أقبل الظلام، فدقت طبول الانفصال ورجع الأمير ناصر وقومه في حزن عظيم على فقد العلام، وأما أبو زيد فحمل العلام الى الخيام، فحينئذ أفاق من غشوته، وتنفس الصعداء وسلم الروح، فحزن أبو زيد عليه ثم دفنوه باحتفال عظيم إكراما لأبي زيد، فلما سمع قوم ناصر بموت العلام ولوا الأدبار وركنوا الى الهزيمة والفرار، فتبعهم بنو هلال مدة عشرة أيام حتى شتتوهم في البراري والقفار، وبعد ذلك اجتمع أبو زيد مع دياب وبقية الأمراء، فعملوا مشورة فقال أبو زيد لدياب أننا صرنا في نصف بلاد الغرب وقد كثرت أعداؤنا ومالنا معين على المغاربة، ونخاف أن يعملوا علينا بحيلة ويهلكونا لأننا وحدنا بهذه الديار وأمامنا أربعة عشر قلعة محصنة، فماذا يكون عندك من التدبير؟ فقال الرأي عندي أن نخبر الأمير حسن بهذا الشأن، ونوصيه في المال والعيال، فقال أبو زيد لابأس بذلك أيها الأمير، فحينئذ أرسل أبو زيد كتابا يعلم الأمير حسن بقتل بقتل ولده صبرا ورفاقه وقتل الجابلي، وأن العلام خان العهد والميثاق فقتلناه وعن الحروب التي حصلت لهم وسلم الكتاب للنجاب، فأخذه وسار حتى وصل الى حسن وسلمه الكتاب فقرأه وعرف معناه، وقال انا لله وانا اليه راجعون، وأحضر قلما وقرطاسا وجعل يقول:

يقول حسن الهلالي أبو علي
والنار في قلبي تهب وتشتعل

حركت عندي يا هلالي ساكنا
وأصبحت من هذا الكلام في وجل

فان احتجت لدياب بالعجل
تلقيه يجيلك مثل قطعة من جبل

وان احتاج اليك أنت فروح له
في عسكر من فوق خيل بالعجل

وأنتم سيروا يا سلامة فاني
داع لكم طول الزمان ولم أزل

ان شاء اله العرش أن ينصركم
ينجيكم باللطف وبلوغ الأمل

يا هل ترى عاد الزمان يلمنا
ونعود لمة وشمل مشتمل



فلما فرغ الأمير حسن من تحرير الكتاب، أرسله الى أبي زيد، فحين وصوله قرأه أبو زيد على الأمراء والفرسان، ثم قال لدياب أنت تتوجه نحو كويج وتلك القلاع، وأنا أتوجه نحو قابس وتلك القلاع، بشرط أن يكون علمكم معي وعلمي معكم، فان ملكت قابس لا أزحل حتى أعلمك ويكون الاتفاق على هذه الحال حتى نملك الأربعة عشر قلعة، فحينئذ أمر أبو زيد بدق الطبول ونفخ الزمور، فركبت الفرسان الخيول وتقلدت بالرماح والنصول فركب أبو زيد بتسعين ألف من بني الزحلان، وتوجه الى قابس، وركب دياب في بني زغبة وسارو الى كويج، فنصبوا الخيام ورفعوا الأعلام، فتب دياب الى وائل ملك كويج.

فلما فرغ دياب من تحرير الكتاب، أعطاه للنجاب وطلب منه رد الجواب، فتوجه النجاب نحو الأمير وائل، فلما وصل اليه أعطاه الكتاب، فأخذه الأمير وائل وقرأه وعرف مضمونه ومعناه، فاغتاظ الغيظ الشديد وكتب الى الأمير دياب:

يقول الفتى وائل بعين وجيعة
ونيران قلبي اشعلت بالضرائم

أيا غاديا مني على متن ضامر
سلم على الزغبي دياب بن غانم

وقل له وائل أرسل لك كتابه
بشعر ارتجالي وقول ملايم

أرسلت تهددنا بقتل جموعنا
والهلس بين الناس مثل العلاقم

نحنا أمارة عندنا خيل مثمنة
ودروع ثقيلة وسيوف صوارم

ونحمل على الفرسان في حومة الوغى
نخلي دما الأعداء كما بحر عايم

فكم أمير قد جاء يريد حروبنا
فيغدي قتيلا ويروح عادم

أما طلب منك ثأر خليفة
لأنه ابن عمي وأخذ الثأر لازم

غدا نلتقيكم في حومة الوغى
ونخلي الحرب ليل ونهار قايم

فان قتلناكم نلنا مرادنا
وأخذنا ثار خليفة والنصر قايم

وان كان كسرتونا فالسعد أتاكم
والأمر لله مالك كل العوالم



فلما فرغ الأمير وائل من نظامه، طوى الكتاب وأعطاه الى عبده، فسار لعند دياب وأعطاه الكتاب، ففتحه وقرأه ثم قال للعبد أخبر سيدك أنه ليس عندنا جواب غير الحرب، فتوجه العبد وأخبر سيد بما أجاب الأمير دياب، فلما سمع وائل ذلك الكلام أمر بدق طبله وتحصين بلده بالمدافع والأبطال، ولبس درعه المانع وتقلد بسيفه القاطع، وعلا ظهر الحصان كأنه فرخ جان، وركبت الفرسان ظهور الخيل، وتقلدت بالرماح وتأهبت للحرب والقتال، وانحدر الأمير وائل الى الميدان وطلب مبارزة الفرسان، قبرز اليه دياب فأشار الأمير وائل يقول:

يقول الفتى وائل على ما جرى له
ونيران قلبي أشعلت في لهيبها

أما فارس الفرسان في حومة الوغى
بيدي أسقي القوم كاس عطيبها

أنتم تعديتم وجيتم بلادنا
لأرض كويج قصدكم تملكونها

حولي فوارس يصدع الصخر عزمهم
تقول سباع واثبة عانصيبها

فارجع يا دياب والا قتلتكم
طعنات وائل مثل نار في لهيبها



فلما فرغ من كلامه أشار دياب يهدده فانطبق عليه وائل كأنه فرخ جان والضرب والقتال يشيب رؤوس الأطفال الى أن انتصف النهار، انطبقت الجيوش على بعضها البعض،وانتشب القتال والطعان، وجرى الدم وسال وصارت القتلى كالتلال، فكانت وقعة مهولة انتصر فيها قوم وائل، فانهم هجموا على قوم دياب وأبلوهم بأعظم مصاب وشتتوهم في تلك الأوعار، ولما ولى النهار ارتدت الفرسان عن بعضها ونزلت قوم دياب المنهزمين في جهة من الأرض، وصاروا يجتمعون، وقام دياب وجمع أكابر قومه ومن يعتمد عليهم وصار يحمسهم.

فلما فرغ دياب من كلامه هاجت برأس الأبطال نخوة الرجال وفي ثاني الأيام برزوا الى الميدان وهجموا على بعضهم، فكثرت الضجات وعلت الصيحات فما عدت تنظر الا رؤوسا طائرة ودماء فائرة والفرسان غائرة ودارت على قوم وائل الدائرة، فقتل منهم عشرة آلاف ثم ولوا هاربين والى النجاة طالبين، فتبعهم قوم دياب وشتتوهم في البراري والهضاب وأدخلوهم البلد وتقدم الوزير دهقان وقال غدا أنزل الى الميدان وأكفيك شر هؤلاء العربان، وأما قوم دياب فسألوه عن خصمه فقال لهم أنه فارس شديد وقرم عنيد ولكن غدا أنزل اليه وآخذ روحه من بين جنبيه، وفي الصباح تقلدت الجيوش بالرماح ونزلوا الى الميدان فانحدر الوزير دهقان وطلب مبارزة الفرسان فنزل اليه أمي من أمراء بني هلال اسمه المهاب، فقال له دهقان من أنت؟؟ فقال له أنا المهاب وصنعتي حداف الرقاب، فحينئذ انطبقا على بعضهما كالأسود وتجاولا حتى كلت منهم الزنود وحصل منهما ضربتان ماضيتان كان السابق دهقان فضرب المهاب على رأسه شقه الى تكة لباسه فنزل اليه فارس فقتله والثاني جندله والثالث محقه وما زال يجندل فارسا بعد فارس حتى جندل خمسين فارسا وأخيرا نزل اليه دياب فتجاولا ساعة من الزمان فلاصقه دياب وضايقه وضربه بالسيف على هامه رمى رأسه قدامه، وحينئذ دقت طبول الانفصال ورجع وائل حزينا.

فوقع الوهم في قوم وائل من دياب الذي لما رجع الى الخيام سألوه عن خصمه، فقال لهم بطل شديد وقرم عنيد، وفي الصباح دقت الطبول ونفخت الزمور وركبت الفرسان، وانحدروا الى ساحة الميدان، فالتقى دياب بوائل وانطبقا على بعضهما كأنهما جبلان، وتكسرت بأيديهما الرماح وتضاربا بالسيوف الصفاح ولعبا ألعابا حيرت الفرسان، وبعد ذلك ضرب وائل دياب الرمح، فغطس تحت بطن الشهبا، فراحت الضربة خايبة فتعدل دياب وضرب وائل بالسيف على هامه حط رأسه قدامه، فوقع وائل قتيلا وفي دمه جديلا، فلما رأت قوم وائل أن ملكهم قتيل ولوا الأدبار وركنوا الى الهزيمة والفرار، فتبعهم دياب بقومه الى أن دخل البلاد وجلس على كرسي المملكة، ثم كتب الى السلطان حسن يخبره بما جرى وصار، فلما وصل الخبر اليه، قرأ الكتاب على رؤوس الأمراء والسادات، ففرحوا فرحا شديدا وعملوا عراضة عظيمة لها قدر وقيمة، واكراما لدياب الذي جدد الهمة وتوجه من كويج الى ناحية برج الدمع، فأمر العسكر بالنزول ونصب الخيام ورفع السناجق والآعلام، وأشار يهدد الأمير بكار سلطان برج الدمع، وكان جالسا في الديوان، واذا بجملة فرسان من كويج دخلوا عليه وقبلوا يديه فسلم عليهم وأكرمهم وسألهم عن قدومهم فأجابه أحدهم يقول:

يقول الفتى قائد على ما جرى له
ونيران الحشا زادت شعالي

على ما صاب قلبي من هموم
وأمور ما رأيت لهما مثالي

أتانا قوم ما يحصى عددهم
يهزوا في الرماح وفي العوالي

ركبنا والتقيناهم جميعا
بطعن يورث الأعدا خبالى

كبير القوم يسمى ابن غانم
أمير دياب شيال الحمال

ضرب وائل وألقاه قتيلا
وقد أردى الوزير على الرمال

فولينا هزامى من لقاهم
ولا طفنا لهم أبدا قتال



فلما فرغ قائد من نظامه، حزن الأمير بكار على وائل ابن عمه واستعان بالله على قتل دياب، وبينما هم كذلك أقبل نجاب على بكار وسلمه الكتاب، ففضه وقرأه وفهم ما حواه أمر العساكر أن يكونوا تحت الطلب، وعند الصباح أمر بدق الطبول للحرب والقتال، فحضرت الفرسان وكبوا ظهور الخيول وسار بهم الى عساكر دياب، فلما وقعت العين على العين نزل الملك بكار فصال وجال ونادى بأعلى صوته:

هل من مبارز؟ هل من مناجز؟ لا يبرز لي كسلان ولا عاجز، فما أتم كلامه حتى دياب قدامه، فأشار الملك بكار يهدد دياب.

[/align]
[/cell][/tabletext][/align]



 


الرد باقتباس
قديم 03-17-2013, 06:57 AM   #19


الصورة الشخصية لـ صدى الوجدان
صدى الوجدان غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 9
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 03-31-2014 (02:37 AM)
 المشاركات : 10,242 [ + ]
 تقييم العضوية :  570
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 5 مرة في 5 مشاركة
الإفتراضي



[align=center][tabletext="width:70%;background-image:url('http://www.hreeb-bihan.com/vb/backgrounds/20.gif');border:10px double indigo;"][cell="filter:;"][align=center]
قصة السبع تخوت

فلما فرغ من كلامه هجم دياب على الملك بكار واصطدما صدام الأبطال، فانجرخ دياب ووقع على الأرض، فأراد أن يكمل عليه، فحصله الأمير محمود بن دياب وأسرع الرجال وحملوه من الميدان الى المضارب والخيام، وبقي محمود يقاتل الى قرب الزوال، فرجع الى أبيه فرآه قد أحضر الحكيم الهندي، فوضع المرهم وقطب الجرح وقال لقد زال الخطر، وفي الصباح نزل محمود للميدان فنزل اليه بكار ومازال هو واياه في حرب وصدام مدة سبعة أيام، وفي اليوم الثاني نزل الميدان فتطاعنا بالرماح وتضاربا بالسيوف الصفاح، حتى زهقت الأرواح، ومازالا في أخذ ورد وقرب وبعد، فتطاولت لهما الأعناق وشخصت لهما الأحداق، الى أن بدرت من الاثنين ضربتان قاطعتان، فكان السابق بكار فغطس الأمير محمود تحت بطن الجواد، فراحت الضربة خائبة بعد أن كانت صائبة، فاعتدل الأمير محمود على الجواد وضرب الأمير بكار بالسيف على رأسه، فشقه نصفين، فصاح دياب عليهم: أيها الأبطال؟

وهجم مع بني زغبة على الأعداء وأبلوهم بالذل والويل، ودخلوا البلد وجلس دياب على الكرسي واستلم الأموال، ثم أمر العساكر بدق الطبول وركب الخيول، فركبت الفرسان وسار قاصدا برنيجة وتلك الأقطار، فلما وصل برنيجة نصب الخيام ثم كتب يطلب عشر المال من الملك زايد.

فلما فرغ دياب من الكتاب، أرسله مع نجابه الى ملك برنيجة الذي رأى مناما مزعجا، فنهض مرعوبا وأمر باحضار الرمال مسرور، فلما حضر قال له أنني رأيت مناما مهولا، وأشار يقول:

يقول الملك زايد بقول صادق
كلاما يؤرخ في الكتب بسطور

رأيت مناما أبدل اللذة والهنا
بغم وحزن دائما وكدور

حلمت أني في واسع البر والفلا
ملقى طريحا ودمائي تفور

وفوقي دياب مثل سبع كاسر
وبقيت معه في الخلا مأسور

ضربني ضربة جاءت علي كأنها
مدفع خرج من وسط برج وسور

فرحت مرمي على الأرض منطرح
وأضحى دمي على التراب بحور

فاضرب يا رمال رملك بالعجل
وخبر كلام الصدق يا مسرور



فلما فرغ الملك زايد من كلامه والرمال مسرور يسمع نظامه، ففتح كتب الرمل وقال له أعطني الأمان يا ملك، قال عليك الأمان، فأشار الرمال يقول:

يقول الفتى الرمال فيما قد جرى
وعبرات عيني على الخدود حذور

تقول أنك كنت في البر والخلا
وسبع كاسر قد أتاك يزور

فارس عرمرم يقرع الخيل بالقنا
يخلي الدما تجري شبيه نهور

يسمى أبو موسى دياب بن غانم
فارس صميدع في اللقا مشهور

يجينا بقومه وينزلوا بأرضنا
ونبقى معاهم في بلا وشرور

تتكاون أنت وياه في حومة الوغا
وتمشي معه يا ملك مأسور

ويظفر علينا يا ملك برجاله
ويدعي الفوارس في عميق قبور

ويملك قلعتنا ويأخذ أموالنا
ويسبي حلايلنا وكل قصور

فهذا منامك يا أمير مؤكد
من يستطيع أن يدفع المقدور؟؟



فلما فرغ الرمال من كلامه، توجه الملك الى الديوان وأخبرهم بالمنام، وقال لهم كيف العمل؟؟ فقال الوزير ماجد أن هذا الفارس قتل الأمير وائل ملك كويج وقتل الملك بكار حاكم برج الدمع وهو قاصد الينا فالأوفق أن تسلم له المال والخيل والجمال والا يبيد عساكرنا ويهلك أبطالنا، لأن معه تسعين ألف فارس من بني زغبة، فلما سمع الملك زايد هذا الكلام، صاح به ويلك يا جبان، تخوفني من حرب دياب وتظن أن رجالنا وفرساننا جبناء، فوحق ذمة العرب وشهر رجب‍ ؛‍ ما أترك أحدا ينزل الى حربهم وقتالهم، بل أنا أنزل اليهم، ثم ضرب الأمير ماجد على هامه فقتله، فشالوه ودفنوه، وفيما هم في ذلم الحديث واذا بنجاب الأمير دياب دخل الى الديوان ووقف بين يدي الملك وناوله الكتاب، فلما فضه وقرأه اغتاظ الغيظ الشديد وقال للرسول قل لدياب ما عندي جواب سوى الحرب، فذهب الرسول وأخبر مولاه دياب، فاغتاظ الغيظ الشديد وأمر بدق الطبول، فاستعدوا للقتال وساروا قاصدين الميدان، وأما الملك زايد فتجهز الى الحرب والطعان وسار الى خارج البلد، واذا بفرسان الأمير دياب تظهر كأنها أسد الغاب، فلما التقت العين بالعين نزل الأمير زايد الى الميدان، فصال وجال وطلب مبارزة الفرسان، فانحدر اليه الأمير دياب فاشار الملك زايد يهدده، فقال له الأمير دياب: يا زايد خصمك لا يروعه كلام ولا يهزم من صدام.

بعد ذلك التقى البطلان كأنهما جبلان، وحان عليهما الحين وغنى على رأسيهما غراب البين، فكانا تارة يتباعدان وتارة يتقاربان الى وقت الظلام، دقت طبول الانفصال، وفي الصباح نزل الأمير دياب ‌الى الميدانِ، فبرز اليه الأمير زايد فانصب عليه دياب وقال خذها من يد دياب حداف الرقاب، وأطلق الضرب على رأسه، أخمد أنفاسه، فوقع على الأرض قتيلا، ثم صاح دياب بقومه، أهجموا على الأعداء ‍؛ فهجموا عليهم وارتمى الأمير دياب كأنه صاعقة نزلت من السماء على الجيش، فمزقه وقلب الميامن على المياسر والمياسر على الميامن، وظهرت أفعال الأمير ضرغام والأمير محمود ونكسوا الرايات والبنود وقتلوا الفرسان والجنود وفتكت بنو زغبي فتك الأسود والتقى الأمير دياب بوزير الملك وكان اسمه نافع، فتجاولا في ساحة الميدان وتطاعنا بالسنان الا أن الأمير دياب ضايقه ولاصقه وسد عليه طرقه ومد يده فاقتلعه من سرجه كأنه العصفور في يد الباشق وضربه بالأرض أدخل طوله بالعرض، فلما نظرت قوم الملك زايد هذه الأحوال ولوا الأدبار، فتبعهم قوم الأمير دياب وفتكوا بهم فتك الذئب بالأغنام، ودخل الأمير دياب الى البلد واستلم الأموال والذخائر وجلس على كرسي المملكة وأشار يخبر الأمير حسن يقول:

يقول الفتى الزغبي دياب بن غانم
وروحي كما البولاد طاير شرارها

ألا أيها الغادي بلغ رسالتي
لحسن الهلالي عز قوم هلالها

أخبرك يا بو علي فيما جري
بأرض المغارب من عظيم هوالها

أتينا برنيجة ونبغي أخذها
تاري بها زايد كشعلة نارها

أتانا الى الميدان يا أمير أبو علي
كما برج مبني فوق عالي سوارها

تلاقيت أنا وياه في حومة الوغى
عشرين يوم أتعبوني مجالها

ضربني بيده يا أمير بالعمد
لو جاء على قلعة لهد حجارها

ضيعتها وخليت عنها بهمتي
فراح عمده من يمينه وطارها

أخذت أنا للعمد حالا وجئته
وسديت عليه يمينها وشمالها

ضربته على رأسه فراح مجندلا
ودعيته ملقى بأوشم حالها

ملكنا أموالهم وحصونهم
وأخذنا قلعتها وكل عمارها



فلما فرغ دياب من كلامه، طوى الكتاب وأعطاه الى النجاب، أخذه وراح الى الأوطان، فدخل على السلطان حسن وسلمه اياه، ففضه وقرأه على الأمراء والسادات، فشكروا فعل دياب ودعوا له بالنصر، وأما الأمير حسن فاستدعى الأمير رضوان وقلده وظيفة قائم مقام على قلعة برنيجة، فأخذ الأمير رضوان مائة أمي من عشيرته وودع الأمير حسن، فأعطاه كتابا الى دياب.

فأخذ الأمير رضوان وتوجه الى برنيجة، فدخل على الأمير دياب فاستقبله وأكرمه غاية الاكرام وأجلسه على كرسي المملكة وأمر المنادي أن ينادي بالبلاد باسم الأمير رضوان ويكون حاكما عليها، ثم سلمه الأموال وأمر بدق طبل الرحيل، ثم توجه الى القلعة فضرب الخيام وأشار يكتب الى الملك محمود يطلب منه عشر المال.

وطوى الكتاب وأعطاه للنجاب، فأخذه وسار حتى وصل لعند الملك محمود وسلمه الكتاب، فأخذه وقرأه فقلبت الدنيا في عينيه كالظلام والتفت الى الرسول وقال له اذهب الى ولاك وقل له ماله جواب الا السيف القرضاب ورمي الرقاب، فرجع الرسول لعند الأمير دياب وأخبره بما قاله محمود، ولما أصبح الصباح ضربت طبول الحرب والكفاح من الفريقين، ولما وقعت العين بالعين حملت على بعضها الطائفتان، فقام الحرب على ساق وقدم وجرى للقوم وقعو عظيمة تشيب الأطفال وتقصر الأعمار، وكان قد هلك من الفريقين عساكر ما لها عدد، حتى دارت على قوم محمود الدائرة، فدخلوا البلد وسكروا الأبواب والأمير دياب وقومه حاصروهم من خارج السور، فجمع الملك محمود أكابر الديوان وقال لهم مرادي أطلب منهم الأمان، فقالوا نحن طائعون لأواملاك، فجعل يكتب الى الأمير دياب ويطلب منه الصلح:

يقول محمود من قلب وجيع
لهبات قلبي زايدات نيران

اسمه كلامي يا ابن غانم يا دياب
يا عز قيس وجملة العربان

اني أتيت طائعا يا سيدي
فاقبل خضوعي وأعطني الأمان

ونبقى عندك يا أمير على المدى
ونعيش بظلك بكل أمان

فاعفو عنا يا دياب وسامح
فاني أتيتك طائعا رضيان



فلما فرغ محمود من الكتاب أرسله للأمير دياب، فلما قرأه أمر بالأمان ودخل البلد واجتمعت اليه الأكابر، واستلم من محمود الخزائن والقصور وولاه على الملك، على شرط أن يدفع له الجزية في كل عام، ثم صار قاصدا قلعة طنجة الى أن اقترب منها فأمر بنصب الخيام، ثم أرسل من يكشف له خبر أهالي طنجة وقعد يتنظر الى أن رجع الرسول، فقال له ان ملك طنجة يقال له نابل وهو فارس شجاع، وأما أسوار المدينة فهي عالية وعساكره لا تعد ولا تحصى، وقد علم بخبر وصولنا من الرعيان فجهز عساكره للقتال، فلما سمع دياب هذا الكلام دق الطبول وركبت الفرسان الى ساحة الميدان ونظر الملك نايل قوم الأمير دياب، فأمر بدق طبوله، فنزل الأمير ضرغام ابن الأمير زيدان وطلب مبارزة الفرسان، فما أتم كلامه حتى صار الملك نايل أمامه وقال له من أنت؟؟
فقال له أنا الأمير ضرغام. ومن أنت؟؟ قال أنا حاكم مدينة طنجة الملك نايل، ثم التقى البطلان كأنهما أسدان وقام الحرب وزاد الضرب ورجع نايل على خصمه، فلاصقه وضايقه ثم اقتلعه من بحر سرجه وحذفه الى الوراء، فأخذه قوم نايل وقيدوه بالجنازير، فبرز اليه الأمير فواز فالتقاه نايل وأخذا في ضرب الصفاح وطعن الرماح حتى زهقت الأرواح، فضربه بالرمح فقلبه وسلمه لقومه، فبرز اليه آخر أرداه وثان أعدمه الحياة وثالث بدد أمعاه ورابع غرقه بدماه، ومازال يقتل حتى قتل عشرين فارسا وأسر ثلاثين ودقت طبول الانفصال، فبات الأمير دياب وهو غائب عن الصواب من عظم ما جرى على فرسانه، فلما أصبح الصباح ضربوا طبول الحرب والكفاح، فبرز نايل الى ساحة الميدان ونادى هل من مبارز؟ هل من مناجز؟ فما أتم كلامه حتى صار الأمير دياب قدامه وقال أبشر بالهلاك فقد أتاك الأمير دياب، وانطبقا على بعضهما انطباق الغمام فراح بينهما ضربتان قاطعتان وكان السابق الأمير دياب، فوقعت الضربة في صدر الأمير نايل، أرمته قتيلا وفي دمه جديلا، فولى قومه هاربين والى النجاة طالبين، فدخل الأمير دياب البلد وخلص الأسرى وجلس على تخت طنجة واستلم الأموال والذخائر واستولى على الملك ثم استدعى الأمير عقل وأجلسه نائبا على البلد، وخرج قاصدا مدينة طنجة، فوصل الى سهل واسع الجنبات فيه العيون جاريات، فسرحوا الأغنام وأقاموا يستريحون من عناء الحروب، فسمع بهم الملك مزيد، فلم يمهلهم لأخذ الراحة، فأمر بدق الطبول فتحضرت العساكر عنده والفرسان وبرزت الطائفتان للحرب والكفاح، واصطفت الصفوف واذا الملك مزيد برز الى ساحة الميدان وطلب مبارزة الفرسان، فبرز اليه دياب وهو راكب على الشهبا وقال له من تكون أيها الفارس؟ فأجابه أنا الملك مزيد فارس عشيرته وحامي قبيلته، وأنت من تكون من الفرسان؟ فقال له أنا الأمير دياب ابن غانم فارس الأعارب والأعاجم، عند ذلك حمل البطلان كأنهما جبلان وغنى عليهما غراب البين مدة سبعة أيام وفي اليوم الثامن، زاد دياب على خصمه الدرهم قنطار وجذب الحسام وضربه على رأسه فهوى السيف الى بطن الجواد فألقاه على الأرض أربعة أقسام وحمل على العساكر مع بني زغبة ورياح، وفتكوا بهم فتك الذئاب بالغنم، ودخلوا البلد وجلس دياب على الكرسي وضبط الأموال وجمع الغلال ووضع عليها أمير يسمى الأمير خليل، وقال له أنت تكون نائبا على مدينة طنجة وتقوم مقامنا بالأحكام وترسل لنا الجزية في كل عام، وحينئذ أمر دياب بدق طبول الرحيل وجد المسير الى القلعة الحائجة، وكان الملك عليها سامه سليمان، فعندما علم بقدوم دياب أمر حالا بتجهيز العساكر للحرب، فبينما هم في الانتظار واذا بجيش الأمير دياب يتقدم الى الأمام، فهجمت الفرسان على الفرسان واصطدم الفريقان وتضاربا بالسيوف وتطاعنا بالسنان لمدة عشرة أيام، وفي اليوم الحادي عشر، برز الأمير دياب الى الميدان، فبرز اليه الملك سليمان، فطلع من الاثنين ضربتان قاطعتان، وكان السابق الأمير دياب طعن الملك سليمان بالرمح في صدره، فطلع يلمع من ظهره فوقع على الأرض قتيلا، فلما نظرت عساكر الملك سليمان الى ملكها ولت الأدبار، فتبعها أبطال بني زغبة يضربون أقفيتهم حتى شتتوهم، وجلس الأمير دياب على كرسي المملكة واستلم زمامها وأموالها، فعند ذلك ولى عبد الجليل الرياحي نائبا وأوصاه بأحكام البلاد وراحة العباد، وبعد ذلك حضرت عند الأمير دياب جميع بني زغبة وذبحوا الذبائح وعملوا الولائم والأفراح واستراحوا من الحرب والكفاح، وقد انقادت لطاعته العباد وسكان تلك البلاد، فهذا ما كان من أمر الأمير دياب في تلك السبعة قلاع وبلاد الغرب قسمته.

[/align]
[/cell][/tabletext][/align]



 


الرد باقتباس
قديم 03-17-2013, 06:59 AM   #20


الصورة الشخصية لـ صدى الوجدان
صدى الوجدان غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 9
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 03-31-2014 (02:37 AM)
 المشاركات : 10,242 [ + ]
 تقييم العضوية :  570
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 5 مرة في 5 مشاركة
الإفتراضي



[align=center][tabletext="width:70%;background-image:url('http://www.hreeb-bihan.com/vb/backgrounds/20.gif');border:10px double indigo;"][cell="filter:;"][align=center]

الجزء العشرون
حرب الأمير أبي زيد




واسمع ما جرى للأمير أبو زيد بعدما غادر الأمير دياب حينما توجه كل واحد لأجل أن يملك قسمته، فسار أبو زيد قاصدا بلاد قابس حتى وصل اليها ونصب خيامه وأحاط البلد من جميع الجهات، فلما أصبح الصباح قامت أهالي البلد ونظرت عساكر بني زحلان كأنها مردة الجان، فأخبروا الملك فياض وكان شديد البأس قوي المراس، فصاح على الفرسان وأمرهم بالخروج الى الحرب والقتال، فركبوا الخيل وركب الملك فياض بمقدمتهم وخرجوا خارج البلد وصاحوا على الدشمان ونزلوا عليهم بطعن كما لسع الثعبان، فالتقاهم أبو زيد بالعساكر وصاروا يمددون الفرسان بالعرض والطول، وبينما هم في حروب متينة التقى الأمير أبو زيد بالأمير فياض، ووقع بينهما القتال وأخذا في الحرب والطعان ولله درهما من بطلين ضرغامين وأسدين كاسرين!

فشخصت لهما الأحداق وتطاولت اليهما الأعناق، وتعلمت منهما الفرسان أبواب الحرب والطعان، فضرب الأمير فياض الأمير أبو زيد، فخلى عنها فراحت خائبة بعدما كانت صائبة، واعتدل الأمير أبو زيد على ظهر الحصان كأنه فرخ الجان، وضرب الأمير فياض بالسيف على هامه حط رأسه قدامه وهجم هو وقومه على الدشمان وارتمى عليهم كأنه صاعقة نزلت من السماء، فولت عسكر الملك فياض الأدبار وركنت الى الهزيمة والفرار، فتبعهم قوم الأمير أبو زيد حتى دخلوا البلد، وملك الأمير أبو زيد القلعة واستلم ذخائرها وأموالها وطاعت لهم جميع سكانها وجلس على كرسي السلطنة وأحضر أميرا من بني زحلان اسمه الأمير حمزة، وولاه على تخت قابس، ثم ودعه وسار قاصدان قلعة سوت، وكان الحاكم عليها ملك عظيم الشأن ذو جند وأعوان يقال له البهلوان، وكانت قد وصلت له الأخبار بما جرى للملك فياض من الهوال، فجمع العساكر والأبطال ونصب خيامه خارج البلد، واذا بالخيلا أقبلت فاستقبلهم البهلوان بالعساكر والجنود، فالأبطال حملت والرجال زحفت والرماح للصدور خرقت والسيوف للرماح قطعت الدماء دفقت وضربات أبي زيد للفرسان محقت، حتى أهلك الأبطال وأفناهم بضرباته بحملاته، فبينما هو يصول ويجول، اذ التقى بالبهلوان وتجاولا في ساحة الميدان وصاح أبو زيد على خصمه وضربه بحسامه، فبدد أمعاءه وأعدمه الحياة،فلما نظرت عساكر البهلوان ملكها تمدد على الرمال، ولوا الأدبار وركنوا الى الهزيمة والفرار، فتبعهم أبو زيد ودخل البلد وملك أبراجها وأسوارها وولى عليها أمير يقال له همزان، وأجلسه على كرسي المملكة، أما المنهزمون من قوم الأمير بهلوان، فانهم ما زالوا سائرين حتى وصلوا مغوارة، فدخلوا على ملكها وأخبروه أن هؤلاء العربان هم الذين قتلوا الزناتي وملكوا البلاد وسبوا العباد، فلما سمع الملك منهم هذا الكلام، قال لهم الرأي عندي أن نترك لهم البلد ونذهب الى مدينة القيروان لعند الملك زهير، لأن أراضينا لا تحميها العساكر، فذهبوا وتركوا البلد وقصدوا مدينة القيروان، فلما وصلوا اليها دخلوا على ملكها الأمير زهير وأخبروه بواقعة الحال، فقال لهم أن هذه الأرض لا تكفينا، فالأوفق أن نذهب الى الأندلس، لأنها واسعة حصينة وبها قلعة متينة، فاستصوبوا رأيه وسارت الرجال والأحمال الى الأندلس لعند الأمير حماد، وأخبروه بواقعة الحال وما جرى لهم، فاستقبلهم بالاكرام وأنزلهم بأحسن مقام وأمر بتحصين البلد، وجلسوا بانتضار الأمير أبي زيد.

هذا ما كان من أمرهم وأما ما كان من أمر أبي زيد فانه سار الى قلعة مغوارة، فخرج أهالي البلد رابطين محارم الأمان في رقابهم، فسألهم أبو زيد عن ملكهم، فقالوا له ما سمع بقدومك خرج هو والعساكر من البلد، وهربوا الى مدينة القيروان لعند الملك زهير، وحينئذ أعطاهم الأمان ودخل البلد وضبط الأموال وولى الأمير مروان على تخت القلعة، ورحل طالبا مدينة القيروان، فلما وصل اليها استقبله الأهالي وفي رقابهم المحارم، فسألهم عن ملكهم فقالوا ذهب الى الأندلس، فحينئذ أعطاهم الأمان وضبط أموال القلعة وولى عليها الأمير مسعود، وأوصاه بالأحكام ورحل طالبا قلعة الأندلس، فلما وصل اليها رأى العساكر كأنها قطع الغمام، فأمر بنصب الخيام، وكان قد أقبل الليل، فبات الفريقان يتحادثان تحت مشيئة الرحمن، الى أن أصبح الصباح وضربوا طبول الحرب والكفاح واعتقلوا بالسيوف والرماح، فبرز الأمير حما د الى ساحة الميدان ولعب بالسيف والسنان حتى حير عقول الفرسان، ثم طلب مبارزة الأبطال فبرز اليه الأمير أبو زيد.

وصاح على خصمه وضربه بالسيف على رأسه شقه لتكية لباسه، فلما رأى قوم الملك حماد ملكهم قتيلا، ولوا هاربين ورجعوا الى البلد، وهجم الأمير أبو زيد وهجمت وراءه بنو زحلان الشجعان، وتبعوا الدشمان حتى دخلوا البلد، فجردوا بهم السيف البتار حتى صار الدم في المدينة كالأنهار، وبعد ذلك رجعت عنهم الفرسان وجلس أبو زيد على كرسي المملكة وحينئذ طلبت الأهالي الأمان، فأعطاهم الأمان وطاب لهم مكان الأندلس والقيروان، وحينئذ ولى الأمير أبو زيد طوي بن مالك تلك القلعة ووصاه بالأحكام، وساروا قاصدين مدينة مراكش، فلما وصلوا إليها نصبوا الخيام، فلما بلغ مالك قدوم العربان، جمع أكابر دولته وسألهم عن سبب قدومهم، فقال أحدهم أنهم قوم بني هلال الذين قتلوا الزناتي خليفة والعلام، وملكوا جميع البلاد وهم رفقاء الذين تملكوا السبعة قلاع ناحية الشرق، وقد أتوا إلينا ليملكوا أرضنا، وبينما هم في الحديث وإذا برسول وقف بين يدي الملك وقال له أن سيدي الأمير أبو زيد يقرئك السلام ويقول لك أن تسلم البلد، وإلا يحل بك الدمار كما حل بغيرك من الملوك، فلما سمع الملك هذا الكلام خاف وارتعب والتفت الى أكابر البلدان وقال لهم ما عندكم من الرأي؟ فقالوا الرأي عندنا أن نصالحهم ونسلمهم البلد، فقال لهم خذوا الرسول الى بيت الضيافة، ثم جهزوا حالهم وخرجوا الى ملتقى الأمير أبو زيد، فلما رآهم بنو هلال مقبلين بدون سلاح، عرفوا أنهم سلموا البلد، فلاقوهم أحسن ملاقاة وأضافهم قوم مالك، ثم قدموا له الدفاتر والأموال فاستلمها الأمير أبو زيد وأجلس الأمير مالك على كرسيه، بشرط أن يدفع الجزية في كل عام، وبعد ذلك ودعوهم وساروا الى أن وصلوا الى مدينة حصينة فيها أبراج وأنهار وأطيار تسبح الملك الغفار واسمها قلعة زوارة، وكان يحكم عليها ملك عظيم الشأن ذو جند وأعوان يدعى الأمير كامل، وكان قوم مالك المنهزمون قد أخبروه بما جرى عليهم من الحروب، فبالحال أمر بتجهيز العساكر والمهمات والذخائر الى الحرب والقتال، وأشار يتهدد بني هلال ويقول:

يقول الفتى كامل على ما جرى له
نيران قلبي زايدات الضرايم

فيا أيها الغادي توصل رسالتي
الى حسن سلطان قيس الأكارم

وقول له الملك كامل يقول لك
بأي سبب لأرضنا جيت قادم

فان كنت تطلب السلامة فارتجع
وهد خيامك ثن ارتد سالم

مرادكم قلعة زوارة وملكها
فيها قروم ليس يخشوا الصوارم

وان كان لا بد عن القتال والقنا
أجيك كما السبع للصيد هاجم



فلما فرغ الأمير كامل من نظامه، أرسل الكتاب لعند الأمير أبي زيد فقرأه وعرف ما حواه، فأمر بدق طبول الحرب، فلما سمع الأميركامل صوت الطبول أمر بدق طبوله، وتحضرت الفرسان الى الميدان، فلما التقت الطائفتان ووقعت العين على العين، برز الأمير كامل الى الميدان وكأنه الأسد الغضبان، فبرز اليه أبو زيد فتقاتلا بالميدان وتفننا في أبواب الحرب والطعان، وما زالا في حرب شديد يفك الزرد النضيد مدة عشرة أيام، ثم برز أبو زيد الى الميدان فصال وجال وطلب مبارزة الأبطال، فبرز اليه الأمير كامل فالتقى البطلان كأنهما قلعتان حصينتان وابتدرا بضرب السيوف وطعن الرماح، حتى تمكن منه أبو زيد وضربه بالسيف على هامه، حط رأسه قدامه، وحينئذ هجمت من ورائه الفرسان وغاروا على الأعداء بطعن يشيب الأطفال، وضرب يكسر الصوان الى أن أدخلوهم البلد وجلس أبو زيد على كرسي المملكة وأحضر الأمير هادي ووضعه حاكما على قلعة زوارة، وبعد ذلك جهز أبو زيد الأموال وحملها على الجمال وأمر بدق طبل الرحيل، وسارت الجيوش والمواكب والفرسان والكتائب ومعهم الأغنام والمكاسب حتى وصلوا الى عين تورز وهي بنصف الطريق، فجلس أبو زيد لأجل الراحة وأمر بذبح الأغنام وشرب المدام، وبينما هم على هذا الحال اذ طلعت عساكر الأمير دياب من ناحية الغرب الجنوبي، فلما التقى أبو زيد والأمير دياب هنأوا بعضهم بالسلامة وحكوا عما قاسوه من الحروب والأهوال وجلسوا ثلاثة أيام ثم جدوا بالمسير حتى وصلوا تونس، فلما علم الأمير حسن بقدومهم خرج لإستقبالهم بالنساء والرجال، وعند ملتقاهم هنأهم بالسلامة ودخلوا بموكب عظيم ودارت البشائر في نجوع بني هلال، وفرحت في قدومهم النساء والرجال، وبعدما استراحوا سألهم الأمير حسن عن الأحوال التي جرت لهم، فأخبروه عما حصل معهم وبما قاموا به من الحروب والأهوال في تملك السبعة تخوت، وحينئذ أمر حسن بعمل وليمة كبيرة وبذبح الأغنام وترويق المدام ودعا اليها الخاص والعام، ثم قسموا بلاد الرب بينهم بالسوية بين أبي زيد وحسن ودياب، لكل واحد الثلث، لأنها عوض عن الخضرا، ثم رحل الأمير حسن الى القيروان وجعلها عاصمته، وأبو زيد جعل الأندلس له عاصمة، حينئذ جلس كل واحد بمملكته بكل أمان.


[/align]
[/cell][/tabletext][/align]


 


الرد باقتباس
الرد على الموضوع

Bookmarks

الكلمات الدلالية (Tags)
تغربية , بني , هلال , كاملة


Currently Active Users Viewing This Thread: 1 (0 members and 1 guests)
 
خيارات الموضوع

قوانين المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML مغلق
Trackbacks are متاح
Pingbacks are متاح
Refbacks are متاح



شات تعب قلبي تعب قلبي شات الرياض شات بنات الرياض شات الغلا الغلا شات الود شات خليجي شات الشله الشله شات حفر الباطن حفر الباطن شات الامارات سعودي انحراف شات دردشة دردشة الرياض شات الخليج سعودي انحراف180 مسوق شات صوتي شات عرب توك دردشة عرب توك عرب توك


جميع الأوقات GMT +3. الساعة الآن 07:50 AM.


.
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
.

Search Engine Friendly URLs by vBSEO