منتدى الآصالة والتاريخ حريب بيحان - صياغة كما نريد ، لا كما يريدون !

لم يكن أمامه سوى السعي لتحقيق هدفه الذي استطاع تحديده بعد مُضي سنوات طويلة من حياته قضاها في التخبط والفوضى والتنقل من مكان إلى آخر بحثاً عن ما يُريد ان يكونه رغم عدم تمكنه من معرفة ماذا كان ؟ وماهو كائن ؟ وما سيكون عليه ؟ ، لم يعد يدري من يكون هو ؟ لذا عاش جُلْ أيامه في التقليد للغير دونما جدوى في الوصول إلى ما هو عليه ذلك الآخر ، يبتغي الإلمام بما هي عليه تلك الشخصيات في شخصية واحدة لم تعرف بعد ماذا تريد لتُصيغ شخصيتها المستقلة التي لاتُشبه غيرها ؟

نشأته في مجتمع يفتقد فيه لمن يقوم بتوجيههُ وإرشاده نحو ما يُريده ، كان سبباً رئيساً لجهله معالم الطريق الذي يبتغي السير فيه للوصول إلى مُبتغاه ، سلك دروب سلكها غيره من قبله ، في تلك الدروب وصل إلى نقطة النهاية التي توقف عندها الكثير من البشر الذين رضوا على أنفسهم بتلك النهاية التي لم تُرضي ما يصبوون الوصول إليه ، ولم يحاولوا تغيير دروبهم لعدم وجود فسحة من العمر تسمح لهم بالسير في طريق يُرضي طموحاتهم وأمانيّهم ...

في ذلك المُجتمع الذي يعيش فيه تم وصمه بالفاشل ، العاجز ، الضعيف ، المُتكاسل ، المُتردد ، الخوَّاف ، الذي لم يقدر على تحقيق ذاته ، وبناء نفسه ، بعدم ثباته في مكان واحد وسكب كل جهوده فيه كي يجني منه ثمار النجاح ، في مًحيطه لاتوجد خيارات متنوعة وبدائل كثيرة ، تجعل من المرء يختار منها ما تميل إليه نفسه ، وتشبع فيه رغباته التي تنبجس بداخله كنهرٍ متدفق مُهدّد بالإنحسار والجفاف لقلة الروافد التي تصب فيه ، وتجعله قوياً يشق طريقه إلى المصب الذي يتحد فيه مع ماء آخر بطعم آخر وحجم أكبر ...

ادرك هدفه بسلوكه درب لم يسلكه غيره من أبناء وسطه الذي ينتمي إليه ، ولكن بعدما ذهب ربيع العُمر ، وغادرتهُ قدراته ، وأصاب همِّتهُ الفتور ، وخارت قوى الطموح ، وأصاب عزيمته وإرادته الإنهيار ، حاول جمع أشلاءه المُتناثرة في خريف العُمر الذي تساقطت فيه أجمل أوراقه ، ولملمة أجزاءه المُبعثرة ، لتنظيم ماتبقى من العُمر الذي انفرطت أيامه دون أمل في إعادته إلى سابق عهده ، ورغم محاولاته تلك التي جعلته يخطو خطواته في الدرب الجديد متوكئاً عُكاز الأمل والإصرار والإرادة للوصول إلى هدفه الذي أضاعه بدايات حياته ، إلا ان عدم إمتلاكه الوقود الذي سيجعل منه ينال بعض هدفه وليس كله ، جعله يتوقف في بدايات الطريق الذي أهتدى إليه مُتأخراً ، ليس المهم ان نحقق كُل ما نُريده ، بل الأهم أن نصل إلى قناعات بها نُرضي ذواتنا أننا ركبنا الطريق الصحيح الذي لم نهتدي إليه بمساعدة الآخرين ، حتى إن لم نصل إلى نهاية الطريق التي تجعل منا راضين عن انفسنا تمام الرضى ...

جميل أن نجد من يقدمون لنا النصيحة ، ويأخذون بأيدينا نحو عوالم نلتمس فيها طريقنا المرسوم في بدايات مشوار حياتنا لنحقق إنتصاراتنا مُبكرّاً ، ونتحد مع ذواتنا لنعيش حياة يرافقنا فيها الشعور بالإنجازات ، الأجمل أن نصل إلى تلك الدروب بأنفسنا دون مساعدة من احد ، حتى وإن كان ذلك الوصول مُتأخراً ، فللتجربة حلاوتها ، لايستلذ بطعمها سوى من عاشها ،وليس شرط أن نصوغ شخصياتنا المستقلة في قوالب يرضى عنها الغير ، فلنُصيغها كما نريدها نحنُ لا كما يريدها الآخر ...

12/8/2012م

حريب