منتدى الآصالة والتاريخ حريب بيحان

منتدى الآصالة والتاريخ حريب بيحان (https://www.hreeb-bihan.com/vb/)
-   شواطئ الحرف والمقالة الادبية " بأقلام الاعضاء " (https://www.hreeb-bihan.com/vb/forums/hreeb50/)
-   -   وفاء أرملة ! (https://www.hreeb-bihan.com/vb/threads/hreeb13078/)

نايف مناع 09-12-2012 08:46 PM

وفاء أرملة !
 



( 1 )


ما إنّ جاءها من ينوب عنها وتقوم دائماً بإرساله لإستلام مُرتّب زوجها المتوفي من مكتب البريد بالمدينة ، حتَّى ناولته مبلغاً من المال ليأتي لها بأشياء تقوم بتوزيعها إحساناً وبِرّاً إلى روح بعلها الذي فارق الحياة وتركها وحيدة تُصارع الحياة ، وتقتات الوحدة ، وتقضي ما تبقى لها من أيامها كأرملة وحيدة تنتظر ساعة الرحيل واللحاق به ...

أحتارت في نوع الأشياء التي تُريدها كثيرة لتشمل الكثير من الناس لتحصل على دعواتهم لزوجها بالرحمة والمغفرة ، أشياء كثيرة ، وأنُاس القرية كثيرون ، والمال الذي قدّمته لإبن جيرانها لايكفي لشراء الكثير والوصول إلى أيادي غفيرة ، أشار عليها إبن جارها الصغير بشراء فاكهة الموز ، إنها وفيرة ، وفاكهة الأسر الغنية والفقيرة ، ثم إنّهم ياخالتي يُطلقون عليها فاكهة الفُقراء ، وإن شراءها يفي بالوصول إلى منازل عديدة ، بل سيشمل جميع منازل القرية ، أطرقتْ برأسها قليلاً ، ثم وافقته الرأي بإشارة من رأسها ، وكذلك يدها شاركتها الموافقة والمباركة له فيما أقترح عليها به ...

عمَّتْ الفرحة جميع الأطفال في بيوت القرية لإلتهامهم حبّات الموز التي جاءت بها أيادي الصغار الذين تبرعوا بتوزيع تلك الفاكهة خدمة تطوعية لتلك الأرملة الطيِّبة ، وطمعاً في الحصول على حبة موز يأكلونها قبل حلول موعد إفطار الصائمين من الكبار الذين كُتب عليهم الصيام ، لهج الكبار بالدعاء لزوجها بالغفران والعتق والنجاة من النيران ولها بالبركة وطول العمر عند رؤيتهم السعادة التي غمرتْ صغارهم عند حصول كل واحد منهم على نصيبه من الموز ...

جلستْ وحيدة كعادتها تنتظر سماع صوت المؤذن لصلاة المغرب لينتهي معه صيام يوم من أيام رمضان التي أنقضى جُلّها ، تجتر في تلك اللحظات ذكرياتها ، يحدوها الحنين لأيام سالفة أنقضت من عُمرها ، يتجلّى لها حضور المرحوم الذي تعددت زيجاته ، وغادرته زوجاته ، لتشاء الأقدار إجتماعهما ، بعد مرور عام من زواجهما ، أفصح لها عن ما يدور في داخله من ألم وحُزن يعتصره تجاهها ، هاهو ذا عام ينقضي بأكمله منذُ أن وطأتِ هذا البيت الذي لم يستقر فيه أي إمرأة قبلك بسبب عدم إنجابهن ، وهاهو الحول يحول علينا ولم يتضح لنا أي مؤشر يدل على انّكِ حُبلى ، لقد كُنتْ أظن ان السبب وراء ذلك هو تلك الزوجات السابقات اللائي بنيت عليهن ، بيدْ أنني معك أيقنتُ أنني عقيمٌ لا أنُجبُ عيالاً ، أمتلأت عيناهما جميعاً بالدموع ليدخلا في نوبة بُكاء صامت مصحوباً بعناق حار أطفأ مابهما من آلام وأحزان مشتعلة تحرقهما دون هسيس وضجيج يُسمع ...


( 2 )



ذات مساء طويل لم يطرق النوم أجفانه فيه لشدة الحرّ ، وكذلك النار التي تتأجج بداخله ، بعد رؤيته إبنة إحدى زوجاته التي فارقها ، وسماعه من زوجته أن أخرى حُبلى بعد زواجها بشهرين من زوجها الجديد الذي عقد قرانه عليها بعدما ظلَّتْ في بيت أبيها عامان مُطلَّقة منه ، أيقظها من نومها وصارحها بعد تردد طويل ، أنَّهُ لايُريد أن يظلمها طيلة حياتها ببقائها على ذمته ، وخيَّرها بين البقاء معه كزوجة ، أو الطلاق منه لتجد لها زوجاً يهب لها أطفالاً يملأون حياتها صخباً وسعادة ، طلب منها إرجاء الجواب حتّى يتم التفكير في ما قاله لها ، فمصيرها مرتبط بقرارها ...

طلبتْ منه السماح لها بالذهاب إلى عند أهلها ، فكان لها ذلك ، هُناك وجدتْ لها مكاناً في قلوب ذويها ، قضتْ أيامها الأولى من تلك الزيارة تعلو وجهها علامات الحُزن دون أن تجد الإلتفات لحزنها الذي يقطر دماً من قلبها ، وأسىً مرسوماً على وجهها ، وفرحةٍ مفقودة رغم أجواء الفرح التي تعم البيت الصغير بجدرانه ، الكبير بسُكانه ، دعاها أبوها ذات ضُحى يريد منها مُساعدتهُ في تنظيف مكانه الذي يفترشه ، هبَّتْ مُسرعة نحوهُ لتبكي بين يديه ، وتشكو ما بداخلها من حريق لاينطفئ تجاه مصيرها المحتوم مع زوجها الذي لم يرفضوه رغم معرفتهم انّه لا يُنجب أبداً ...

شاركها أبوها حُزنها ، و واساها في مصابها بقَدَرَهَا الذي تعيشهُ ، هدأتْ النفوس ، وتشاركتْ القلوب العزاء ، ليبدأ الأب الحنون ، بسكب سيل كلماتهُ على مسامع إبنتهُ الثكلى ، أخبرها أنّ الأمر بيدها وحدها ، دون السماح لأحد من قاطني البيت بالتدخل في شأنها ، إنّ الصبر نعمة يجهلها الكثير من الناس ، لانعرف قيمة الصبر إلا عند حُلول المصائب ، ونُزول الشدائد ، من شهامة ومروءة زوجكِ إخبارهُ لكِ بالمصير الذي كُتِبْ عليه من السماء ، وترك لكِ الخيار ، فاختاري ما ترينهُ يُناسبكِ ، إمَّا أنّ تواصلين حياتكِ بالعيش برفقته ، وإمَّا البقاء هُنا ، في البيت الذي فيه ولدتِ ، وفيه نشأتِ ، ومنه خرجتِ إلى بيت الزوجية ، وإليه تعودين في حال قلّ النصيب ، إنّ مُشاركة الآخر في السرَّاء والضرَّاء ، والصبر والتحمُّل ، والرضى بالقدر والمصير ، حتى يسترد الله أمانته ، والوفاء للآخر حتى اللحاق به ، كُلّ ذلك يُعَدّ من أسمى وأرفع الصفات التي يتمنى إنسان وجودها في شريكه الذي أختاره دون سواه ، ما ضرّ الخليل إبراهيم – عليه السلام وزوجته سارة إرتزاقهما إبنهما إسحاق – عليه السلام – بعد أنّ أرهقتهما الشيخوخة ، وذهب العُمر دون فُقدان الأمل والرجاء بالله ، الذي جعل البشارة لهما على لسان ضيف خليل الرحمن من ملائكته المُرسلين إلى قوم لوط – عليه السلام - ، كذلك رَحِمْ الله زكريا – عليه السلام – أنّ وهب لهُ يحيى ، بعد إكثارهُ من الدُعاء لربِّه عزّ وجلّ ، لا أقول لكِ يا بُنيتي سوى الإعتصام بحبل الله ، وتسليم أمركِ له ، فعدالته لا تظلِم أحداً من عباده ...

غادرتْ الإبنة المُتزوجة مخدع أبوها ، لتختلي بنفسها فوق سطح المنزل ، سارحة الفكر ، شاردة الذهن ، تنظر إلى مُستقبلها برفقة الزوج دون أمل في إنجاب أولاد يملأون قلبها فرحاً ، والبيت شغباً وصياحاً ، لقد أحببتهُ ، إنَّهُ الرجل الأول الذي أقتحم أسوار قلبي بعد زواجنا ، قبل الزواج به لم يتعلق قلبي بأحدٍ سواه ، تتذكر كلماتها لأبيها وإخوتها التي يضحكون عليها لصِدقْ ما تقوله ، وتكذيب الواقع لكلماتها ، لن أبُارح البيت أبداً كزوجة ، إنني لا أرُيد بعلاً ، يأخذني بعيداً عن المنزل الذي يوجد فيه أجمل هدية وهبتها السماء ، لن أجد من يُعوضني والداي ، ويملأ حياتي مثل إخوتي ...

تهمس لنفسها ، يقول والدي إنّ الوفاء مع الشريك جميل ، ولكن كيف يكون ذلك ؟ ، هل على حساب الحرمان من الأمومة الذي سيرافقني طيلة حياتي ؟ ، ليس هُناك رجال أوفياء أبداً ، ما إن يواري البعض منهم زوجتهُ الثرى ، حتَّى يبدأ رحلة البحث عن إمرأة أخرى يجد فيها حياة مُختلفة عن الحياة السابقة ، بينما المرأة تبقى ما يتبقَّى لها من عُمر أرملة ، ستُحاسب حساباً غير يسير ، على تفكيرها ونواياها – غير المُعلنة – في العيش تحت مِظلَّة رجل آخر بلغ من العُمر عِتيا ، بل يتجرَّأ البعض بالزواج على من أهرقتْ أجمل أيام حياتها برفقته ، دونما سبب يستدعي الزواج عليها ، لن أنسى ذلك الأحمق الذي بَنَى على أخُرى ، بذريعة إنجاب زوجته الأولى بنات دون وجود ولد واحد يحمل إسمهُ من بعده ، من حماقات الرجال في علاقاتهم الدائمة برفقة الزوجات ، أو المؤقتة بصُحبة العشيقات ، يسعون بغباء مُعلن نابع عن الإستحواذ ، وحُبُّ التملُك ، في أن يكونون الوحيدون في سبق التربع على عرش قلب هذه الزوجة ، وتلك العشيقة ، لن أنسى طمع وجشع الكثير من النسوة ، في مُشاركة أولئك الرجال حماقاتهم ، بالسعي الدؤوب لإحتلال قلب الرجل ، والسيطرة على حياته ، بأنانية ساذجة ، بغضّ الطرف عن النساء اللآئي عَبَرَنْ صحراء قلبه القاحلة ، دون إمكانية التنقيب والبحث عن سُبل البقاء والعيش الدائم ، إنّ بعض الزوجات يمقُتنْ فكرة التعدُّد ، يصل التفكير ببعض السُذَّح منهن ، بالتمنِّي للزوج بالموت ، على أن يجلب ضُرَّة لها تُقاسمها إيَّاه ، بل يزداد السُخف لديهن في عدم مُمانعتهن ذهاب البعل إلى بنسيونات الدعارة ، و أوكار البغاء ، بدلاً من بناء بيته الجديد بالطُرق الحلال التي شرَّعتها السماء ...

ياربْ ، ما حيلتي ؟ ، قدْ لايكون زوجي وفيَّاً معي ! ، لا ، لا ... ، ربما يكون ذلك إبراءً لذمتهُ بعدما أيقنْ أنّ السماء لن تهب له أبناء ، إلا بحدوث مُعجزة ، والمُعجزات ولَّتْ بغياب أنبياء ورسل السماء ، سأكون أوفى منهُ ، وسأرتضي بحياتي ومصيري معه طيلة حياتنا ، ماذا سيقول الناس عنِّي ؟ ، ومعي الحق في حال أخترت فكّ الإرتباط به ، فمن سترتضي بالحرمان من الأمومة وعاطفتها التي لاتنضب ؟ ، إنني على يقين لو أنّ عدم الإنجاب ، سببهُ أنا ، لكان الأمر أختلف تماماً عمَّا أنا بصددهُ ، ولربما كان مصيري الطلاق قبل إكمال العام الأول من زواجنا ، بَيَدْ أنّ الأقدار شاءت أن يكون الخلل والعطب مصدرهُ الرجُلْ ...




( 3 )



أنقضى أسبوعان على مُغادرة الزوجة عُشْ زوجها إلى بيت أهلها ، تنتظر قُدومهُ لترجع برفقته بعد قرارها العودة إليه والبقاء معهُ ، بعد إحتسابها الأمر لله ، وسلاحها الصبر والحُبُّ الذي أحاطته به مُنذُ أول يوم أنتقلت فيه إلى منزلها الجديد ، لتبقى على ذمّة الزوج الذي ضحَّتْ بأغلى ما تمتلكه الأنثى ، من حُلمْ إحتضانها مولود يرضع من لبنها ، وينام في حجرها ، تسهر عليه إذا مرض ، وتقلق إنّ غاب عنها ، وتلبي له كل رغباته صغيراً كان أم كبيراً ...

دارتْ عجلة الزمن سريعاً ، ليرحل عنها زوجها ، تاركاً إيّاها أرملة ، تقتات الوحدة والعزلة في غيابه ، وتجترّ الذكريات لتلك الأيام التي غدتْ ماضياً لن يعود ، وفي حاضرها لاتعيش واقعها بقدر ما تعيش ذلك الماضي الذي تستعيد أحداثه التي كانت سبباً في ما آل إليه حالها الذي تبثهُ وتشكوه إلى ربّ السماء ، الذي دائماً ما تسألهُ في كُلّ سجود صلاة اللحاق بزوجها الذي لم تعُد الحياة بعدهُ لها طعم يستحق التذوق ...

لم يتبقّ لها من وراء زوجها المتوفَّى سوى المنزل الذي تقطنه ، والراتب الذي يأتي به إليها إبنْ جارها نهاية كُل شهر من مكتب البريد ، من ذلك المُرتَّبْ القليل تقوم بإنفاق بعضاً منه إلى روح بعلها الميِّت في كل مناسبة وفاءً له ، بينما أقاربه لم يجفّ قبرهُ حتَّى تنازعوا ما هو لهم من ميراث ، أخذْ كُل منهم نصيبه ، وأتبعهُ بلعنات لذلك القريب الذي غادر الحياة دون أن يجد في الوصيّة له حصة أكثر من غيره من الأقارب ...



12/9/2012م




بيحان 09-12-2012 10:06 PM


عيشتنا تفاصيل القصة بهمومها واحزانها


كل التقدير اخي نايف مناع

ملامح انسان 09-21-2012 10:40 PM

سرد القصه من اروع ماقرأت

سلمت اخي نايف على هذا الابداع النقطع النظير

أبو علي 09-21-2012 10:56 PM

سرد قصصي جميل وأحداث محزنة
كاتبنا الغالي نايف مناع
كل الود والتقدير


النقي 09-21-2012 11:02 PM

سملت يداك اخى نايف لتقديم قصة مولمه ومعبرة عن الوفاء ببلاغة قويه انسجمت لقراتها الى اخر حرف
يعطيك العافية
لك خالص الشكر والتقدير

نايف مناع 09-23-2012 08:11 PM



بيحان


ملامح انسان


ابو علي


النقي


مرحباً بكم جميعاً في رحاب متصفحي الذي استنار وتألق وتأنق بتواجدكم العذب البهي فيه ...


شكراً بحجم السماء لكم ...


عظيم ودي



جميع الأوقات GMT +3. الساعة الآن 11:40 AM.

.
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
.


Search Engine Friendly URLs by vBSEO

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66