منتدى الآصالة والتاريخ حريب بيحان

منتدى الآصالة والتاريخ حريب بيحان (https://www.hreeb-bihan.com/vb/)
-   شواطئ الحرف والمقالة الادبية " بأقلام الاعضاء " (https://www.hreeb-bihan.com/vb/forums/hreeb50/)
-   -   فراق الأحبّة !! (https://www.hreeb-bihan.com/vb/threads/hreeb14673/)

نايف مناع 10-20-2012 11:22 PM

فراق الأحبّة !!
 




( 1 )



أستيقظتُ باكراً لأصُلّي ، ثم ذهبتُ إلى الحقل بعد إدارة مكنة نزع الماء من باطن الأرض لري الذرة البيضاء ، السماء صافية ، لم تُشرق الشمس بعد ، الماء في الجدول ينتقل من مسكبةٍ إلى أخرى ، نسمات خريفية باردة تبعث في النفس الإنتعاش ، طيور تنتقل من شجرة إلى أختها ، بعضها مُهاجر في اسراب تعبر سماء القرية ، هُناك طيور أسود ريشها العلوي ، أبيض زغبها الأسفل ، مع صفرة فاقعة تحتل بقعة في نهاية جسمها ، تلك الطيور تجوب حقل الذرة بتحليق فنّي يقارب مستوى الأرض ، تقوم بحركات رائعة تُشبه عروض الطائرات في معارض الطيران الدولية ، تلتقط رزقها من الحشرات الطائرة ، وتهبط فاتحة منقارها نحو المسكبة التي تحتفظ بماءها فتشرب دون توقف عن الطيران ، أشرقت الشمس ، لابد من سماع صوت فيروز الملائكي ، تمايل الزرع يمنة ويسرة طرباً على موسيقى رحبانية شهية ، غمرني إحساس أن النبات أستطال نمواً رغم العطش الشديد الذي يشكو منه ...

يوم جميل ، يستحق أن نتفاءل فيه ، ونشدو نشيد الحياة ببساطتها ، وسهولة التعايش فيها برفقة الحُبّ ، والخير ، وردم منابع الكراهية للغير مهما بلغ إختلافنا وخلافنا معهم ، الحياة جميلة بلا مُنغصات ، مثل إمرأة جميلة بلا عيوب ، أدركتُ بعد دروس تعلّمتها في مدرسة الحياة ، أنّ مِنْ المُستحيل خلو الحياة من مُكدّرات تُكدّر صفو العيش فيها ، ووجود حواء نقيّة نقاء البياض من دنس السواد ...

السماء عالية ، أشتاقُ التحليق في أجواءها كطائر يفرد جناحيه يذهب خلف السرب الذي ينتمي إليه إلى الوجهّة المُبتغاة ، لا أبتعدُ كثيراً بالتحليق في عوالمي الخاصة ، سُرعان ما تكتفي المسكبة بحاجتها من الماء ، أحني ظهري نحو التراب الذي يحجز مرور الماء في الجدول ، أمُسكهُ بكلتا يدي دافعاً إيّاهُ إلى الفتحة التي يندفع الماء عبرها إلى المسكبة ، يواصل الماء رحلته إلى المسكبة المُجاورة ، ما إن يصل الماء إلى طرفها ، تمتد يدي إلى الدلو الذي يحتوي على حبوب السماد البيضاء ، أملأ راحة يدي ، ناثراً له في المساحة التي تضمها المسكبة بين حاجزين تُرابيين متوازيين صغيرين يمثلان طول المسكبة ، وآخران أقصر قليلاً يُكملان شكلاُ مستطيلاً للمسكبة التي تتشابه معها جميع المساكب في الحقل ، لحظات وتأخذ حاجتها من الماء ، يمضي نهاري وأنا في الجدول أتُابع الماء فيه متنقلاً ، وأنثر السماد لينمو الزرع ...

أرتفعتْ الشمس ، الساعة تقترب من التاسعة ، أخي الصغير قادم من القرية التي تستقر بيوتها على مرمى البصر ، يحمل بيده اليمنى صحن خزفي فيه قرص خبز ووعاء صغير فيه زيت السمسم ، وفي يده الأخرى يتدلى إبريق الشاي ، أشرتُ له إلى المكان الذي سنتناول فيه طعامنا ، جَلَسْ ساكباً لنا الشاي في كأسين ، أقبلتُ عليه ، فجأة بدون مُقدمات ، سُمِعتْ أصوات طلقات نارية من الجهة الشرقية للقرية ، عسى أن يكون خيراً ، لحظات من الهدوء ، صوت رصاصات أخرى من نفس المكان ، من أين المصدر ؟ ، ربما القرية المجاورة لقريتنا ، لقد مات أحدهم ! من هو يا تُرى ؟ تساؤلات عديدة بيني وبين أخي ، عَلّتْ الأصوات بالصياح والبُكاء والعويل والنحيب ، أفرد رجليه للرياح ليستشف الخبر ، ويُجيب على تلك الأسئلة المُبهمة التي لم نحر لها جواباً ، وحدي مكثتُ برفقة الزرع والماء والسماد ، هاجمتني أفكار عن أشخاص بعينهم ربما داهمهم الموت أثناء نومهم ، ليكتشفوا الأهل موتهم عند حلول وقت إيقاظهم ، ضمن جملة أشخاص أستعرضتهم ، مرّ طيفهُ بخيالي ، علّه أسُتشهد ، سُرعان ما طردتُ الفكرة لبشاعتها ، همستُ لنفسي ، لن يأخذه الله إليه ووراءه تلك الأسرة الكبيرة ، من لهم بعدهُ ؟ ، رددتُ رُحماك يارب ، اللهم إنّا لانسألك رد القضاء ، ولكن اللُطف في القضاء ، إلطفُ بي يارب ...







( 2 )





لُقيمات سريعة تناولتها دون شهية ، لا زال أخي غائباً ، أنتظر عودته لُيشبع فضول أسئلتي بإجابة واحدة ليست شافية ، أرى بعض النساء يتوافدن من جهة قرية أخرى مجاورة صوب القرية ، لجأتُ إلى الهاتف ، ضربتُ أرقام هاتف أخي – ليس الذي غادرني للتو – المُغلق ، لم يكن أمامي سوى الإتصال بهاتف أبي ، جاءني صوتهُ حزيناً ، ليقذف على مسامعي الخبر المُحزنْ ، لقد مات ! نعم لقد غادر الحياة ، ذلك الذي طردتُ فكرة إستشهاده عني بعيداً ، لقد حلّ القضاء ، تمنّيتُ أجنحة للتحليق بعيداً في الفضاء الذي لم يعد يتسع لي ، فاجعة ، مُصيبة نزلت بساحتنا ، رحُماك ياالله ، لقد فارق الحياة مُستشهداً في سبيل القضية التي حملها بداخله حتّى قتلتهُ ، تلك القضية ليس سوى الوطن الكبير الذي يقسو على أبناءه الشُجعان ، ويُكافئهم بوفاءهم له وتضحيتهم من اجله بقبول من يمشون على تُرابه من المُندّسين ، خفافيش الظلام ، مصّاصين الدماء الطاهرة ، مُصادرين حياة الأبطال في جنح الظلام تحت مُسمّى العمالة لأمريكا ، والسفارة تضطجع في أحضان شيراتون ، وسعادة السفير يمرح ليل نهار على مرأى ومسمع قاطني صنعاء ، ألا لانامت أعين الجُبناء الخونة الذين يدّعون إسلامهم فيسلبون وينهبون ويقتلون ، لاتمت تلك الأعمال من الأديان السماوية والشرائع الأرضية بصلة قُربى البتّة ...

عَظُمتْ الرزية ، والمصابُ جلل ، والموت حقّ ، وجميعنا إلى الله راجعون ، آن للقلب الحزن ، وللدموع الإنهمار ، والإنتحاب بصمت ، لا مجال لمُغادرة الحقل ، فالبقاء فيه خير لي من الذهاب إلى البيت الذي فقد إنسانهُ العظيم ، كيف لي بمُقابلة من أصبحتْ أرملة ، ماذا سأقول لها ولبناتها السبع ؟ ، لا أجرؤ على النظر إليهن ، ليلة البارحة جاءتني مواسية في مولود لي بشهره الثامن مات في بطن أمُه ، ليغادر الحياة ، لتبقى أمُه على قيد الحياة ، فلله الحمد في كل حين ، مصابها أكبر ، ومصيبتها موجعة ، لا أستطيع الإقتراب من المنزل الذي خيّم عليه الحُزن ، أصواتهن تؤذيني ، نحيبهن يوجعني ، بُكاءهن يزيد الألم بداخلي ، عويلهن لن يدعني بحال مُستقرة ، ثلاثة أبناء ، وسبع بنات ، وتلك الأم الأرملة هي شقيقتي ، يحق لهم جميعاً النواح والبُكاء والعويل ، ليس لهم سواه ، بعد الله عزّ وجلّ ، له بنت كُبرى لإمرأة أخرى على ذمة رجل آخر ...

مُوجِع هو الموت ، موجعاً أكثر لأولئك الأحياء الذين يقتاتون الحُزن وألم الفراق والغياب بدون أمل في عودة الموتى ، فجيعة فكرة الموت لمن نُحب ، فاجعة كبرى حقيقة موتهم ، ما أعظم الخطب للمصيبة عند وقوعها ، رويداً رويداً نعتاد على غيابهم ، نؤطر صورهم في إطار مخملي فاخر يتم تعليقه على جدران ذاكرتنا ، تمتلئ المآقي بالدموع كلما أستوقفتنا تلك الإطارات التي تحوي ذكريات من لهم في قلوبنا مساحات شاسعة لايستطيع أحداً غيرهم إحتلالها ...

حاولتُ إلقاء القبض على لحظات كثيرة جمعتني بذلك البطل الذي أختار أن يموت بالطريقة التي أرادها لنفسه ، مُبقياً لنا صورة تستحق الإحتفاظ بها والنظر إليها بفخر وإعتزاز عند إستعراض شُهداء الوطن ، لم أستطيع الإمساك بملامح وجهه الذي لم تفارقه إبتسامته يوماً حتى في لحظات غضبه المكظوم ، جواداً كريماً رغم قلّة ما يملكه ، شُجاعاً هُماماً لا يخشى سوى الله وحده ، لا أستطيع إيفاءه حقه أبداً ، مهما أعتصرتُ الكلمات ، وحاولتُ تنسيقها وتنميقها وتنظيمها ، إنّها تهربُ مني ، لتجعلني وحيداً في مواجهة أحزاني وجهاً لوجه ...

رحم الله أبو سامي ، وأسكنه فسيح جنّاته ، ورفعه مكاناً عليّاً ...


20/10/2012م



روبن هود 10-21-2012 10:12 AM

رحمة الله واسكنة فسيح جناتة

جزاك الله الف خير نايف

نايف مناع 10-21-2012 07:34 PM

روبن هود


شكراً لك لحضورك البهي ، وكلماتك النابضة بالحب والخير ...


عظيم ودي

ابومتعب 10-21-2012 11:42 PM

نايف
كم كانت كلماتك لها الوقع الصادق كيف لا ونحنو عشناها معاك لحظه بلحظه نسال الله ان يلهمنا جميعاالصبر والسلوان وان يتغمد فقيدنا بالرحمه والغفران انه سميعا مجيب
دمت رمزا
ابومتعب

سام 10-22-2012 01:27 PM


مناع ايها المسافر علاما السفر ولمن تركت الديار وتركت ملاك وسامي اطفالا صغار ، مناع ايها الوعد ايها الرعد الجسور من ترانا حين نهتف وصدى الاحزان في الليل مجيب ، كيف ترحل ايها القاسي وانت تبتسم ، كيف تبتسم ودموع القلب تسقط كالمطر ، كيف تتركنا ابا سامي وكل جراحنا تبكي وكل حياتنا شريانها قلبك ، لا تقل انك لست تعلم بتلك المنزلة لا تقل اننا لم نعترف لك قط فاسمعها اذن ايها الفارس ، اشهد الله بانك انت اكرم من عرفت وانبل من شهدت واصدق من نطق واوفى من وعد وانك سيد الموقف حين ترتعد الصفوف ، فترفق ايها النسر وحلق في القريب ، كل اعيننا تراقب رحلتك تذرف الالم وتنتظر العناق ، نختبئ خلف الشجر وخلف بقايا الجدران نتحدث اليك ونتمنى ان يطول النهار فالليل يقتلنا حين لانراك محلقا ونتحلق نحن حول موائد الالام نقتسم الوجع وتتقاسمنا الاحزان فيذهب كل واحد منا نحوك لتمسح عن وجوهنا اثار الليل والذكرى وتغرس في اكفنا وعود اللقاء..





قلب شبوه 10-22-2012 08:47 PM

بكتنا مقالتك
في البدايه وانا اقراها قلت من خيالك
مدري انها حقيقه وصارت في واقعك ..

رحمه الله عليه وتقبله من الشهداء ..
فمن ضحى بنفسه في سبيل الوطن هو انسان يستحق كل الاحترام ولن ينسى وان مات ..


كـــــاتب مميز بحسه الصادق ...

ابن الجنوب 10-22-2012 09:32 PM

نايف كلماتك تعبر عن كبر المأساة التي لم تصيبكم وحدكم فالفاجعة كانت ضربة لكل الشرفاء الذين يعملون ويكدون ويدافعون على نياتهم وهناك من يتآمر في دمائهم من ناس انعدمت عندهم الرحمة بل وخرجوا من الدين الذي يتلبسون به وهم منه بعيد بل ابعد من السماء نسال الله ان يربط على قلوبكم وان ينتقم من كل ظالم ومن كل مجرم ومن كل قاتل .
قوله تعالى ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون.
فالشهيد قتل غدراً وهو من اصر ان ياكل راتبه حلال وليس كمن يستلمون مرتباتهم وهم جلوس في المنازل .
قال تعالى :
"وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون"

نايف مناع 10-22-2012 09:44 PM

يقول المرحوم الشاعر/ محمود درويش :



الموت لايوجع الموتى ، الموت يوجع الأحياء !!!



يوجد في حياتنا الكثير من الناس ، تتفاوت درجات العلاقة التي تربطنا بهم ، وتختلف نسب معرفتنا بهم وتواصلنا معهم من شخص إلى آخر ، البعض منهم يترك اثراً نديّاً في قلوبنا من اول لقاء ، البعض لانعرف حجم المساحات الشاسعة التي يحتلّها في قلوبنا ، ومقدار الحب له إلا بعد مُغادرته لنا ، ورحيله عنّا ، وقتها نعرف مكانته لدينا رغم سهونا عنه اثناء الحياة ...




ابو متعب



سام



قلب شبوة



ابن الجنوب




نعزي انفسنا ونحتسبه إلى الله سبحانه وتعالى ، وعظم الله لنا ولكم الأجر ، وأحسن العزاء ، وألهمنا الصبر والسلوان ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ، إنّه نعم المولى ونعم النصير ...



لا أرانا الله وإيّاكم مكروه في قريب او صديق او عزيز او حبيب ، وابعد عنّا وعنكم الشرور ...



شكراً لكم جميعاً أينما كنتم ...


عظيم ودي


جميع الأوقات GMT +3. الساعة الآن 02:52 AM.

.
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
.


Search Engine Friendly URLs by vBSEO

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66