منتدى الآصالةوالتاريخ حريب بيحان
ينتهي : 30-04-2025
عدد مرات النقر : 1,254
عدد  مرات الظهور : 27,995,350

عدد مرات النقر : 4,100
عدد  مرات الظهور : 72,015,707
عدد  مرات الظهور : 67,731,676
قناة حريب بيحان " يوتيوب "
عدد مرات النقر : 2,279
عدد  مرات الظهور : 72,016,509مركز تحميل منتديات حريب بيحان
ينتهي : 19-12-2025
عدد مرات النقر : 3,928
عدد  مرات الظهور : 68,232,436
آخر 10 مشاركات
ورد يومي صفحه من القرآن الكريم (الكاتـب : - المشاركات : 93 - المشاهدات : 788 - الوقت: 06:53 AM - التاريخ: 03-23-2024)           »          شهرمبارك كل عام وأنتم بخير (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 3 - المشاهدات : 42 - الوقت: 04:06 AM - التاريخ: 03-18-2024)           »          تدمير دبابة ميركافا الإسرائيلية (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 2 - المشاهدات : 104 - الوقت: 06:53 AM - التاريخ: 03-17-2024)           »          قراءة في سورة البقرة (الكاتـب : - المشاركات : 0 - المشاهدات : 25 - الوقت: 06:45 AM - التاريخ: 03-17-2024)           »          صـبـــاحكم سكــر // مســـاؤكم ورد معطر (الكاتـب : - المشاركات : 2379 - المشاهدات : 165037 - الوقت: 05:12 AM - التاريخ: 03-15-2024)           »          بقايا الذكريات (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 18 - المشاهدات : 454 - الوقت: 06:13 AM - التاريخ: 03-10-2024)           »          بيت شعر تهديه لمن يعز عليك (( (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 1316 - المشاهدات : 110002 - الوقت: 02:18 AM - التاريخ: 03-04-2024)           »          سجل حضورك بأجمل بيت شعر يروق لك (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 1602 - المشاهدات : 161814 - الوقت: 02:15 AM - التاريخ: 03-04-2024)           »          الحمدلله عدنا والعود أحمد بعد غياب طويل (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 1 - المشاهدات : 71 - الوقت: 04:35 AM - التاريخ: 02-26-2024)           »          التصعيد في المنطقه (الكاتـب : - المشاركات : 0 - المشاهدات : 71 - الوقت: 12:05 PM - التاريخ: 02-24-2024)


الإهداءات



الخيمة الرمضانية (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)


رجال حول الرسول

(مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)


الرد على الموضوع
 
LinkBack خيارات الموضوع
قديم 07-02-2014, 02:30 AM   #11


الصورة الشخصية لـ ابو هادي
ابو هادي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1682
 تاريخ التسجيل :  Apr 2013
 أخر زيارة : 06-23-2015 (06:50 AM)
 المشاركات : 637 [ + ]
 تقييم العضوية :  10
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
الإفتراضي رد : رجال حول الرسول



سعد بن أبي وقاص - الأسد في براثنه



أقلقت الأنباء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، عندما جاءته تترى بالهجمات الغادرة التي تشنها قوات الفرس على المسلمين.. وبمعركة الجسر التي ذهب ضحيتها في يوم واحد أربعة آلاف شهيد.. وبنقض أهل العراق عهودهم، والمواثيق التي كانت عليهم.. فقرر أن يذهب بنفسه لبقود جيوش المسلمين، في معركة فاصلة ضد الفرس.

وركب في نفر من أصحابه مستخلفا على المدينة علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه..

ولكنه لم يكد يمضي عن المدينة حتى رأى بعض أصحابه أن يعود، وينتدب لهذه الهمة واحدا غيره من أصحابه..


وتبنى هذا الرأي عبد الرحمن بن عوف، معلنا أن المخاطرة بحياة أمير المؤمنين على هذا النحو والاسلام يعيش أيامه الفاصلة، عمل غير سديد..


وأمر عمر أن يجتمع المسلمون للشورى ونودي: _الصلاة جامعة_ واستدعي علي ابن أبي طالب، فانتقل مع بعض أهل المدينة الى حيث كان أمير المؤمنين وأصحابه.. وانتهى الرأي الى ما نادى به عبد الرحمن بن عوف، وقرر المجتمعون أن يعود عمر الى المدينة، وأن يختار للقاء الفرس قائدا آخر من المسلمين..

ونزل أمير المؤمنين على هذا الرأي، وعاد يسأل أصحابه:

فمن ترون أن نبعث الى العراق..؟؟

وصمتوا قليلا يفكرون..

ثم صاح عبد الرحمن بن عوف: وجدته..!!

قال عمر: فمن هو..؟

قال عبد الرحمن: الأسد في براثنه.. سعد بن مالك الزهري..


وأيد المسلمون هذا الاختيار، وأرسل أمير المؤمنين الى سعد بن مالك الزهري سعد بن أبي وقاص وولاه امارة العراق، وقيادة الجيش..

فمن هو الأسد في براثنه..؟

من هذا الذي كان اذا قدم على الرسول وهو بين أصحابه حياه وداعبه قائلا:

هذا خالي.. فليرني امرؤ خاله.!!

انه سعد بن أبي وقاص.. جده أهيب بن مناف، عم السيدة آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم..

لقد عانق الاسلام وهو ابن سبع عشرة سنة، وكان اسلامه مبكرا، وانه ليتحدث عن نفسه فيقول:
. ولقد أتى علي يوم، واني لثلث الاسلام..!!

يعني أنه كان ثالث أول ثلاثة سارعوا الى الاسلام..


ففي الأيام الأولى التي بدأ الرسول يتحدث فيها عن الله الأحد، وعن الدين الجديد الذي يزف الرسول بشراه، وقبل أن يتخذ النبي صلى الله عليه وسلم من دار الأرقم ملاذا له ولأصحابه الذين بدءوا يؤمنون به.. كان سعد ابن أبي وقاص قد بسط يمينه الى رسول الله مبايعا..

وان كتب التارييخ والسير لتحدثنا بأنه كان أحد الذين أسلموا باسلام أبي بكر وعلى يديه..

ولعله يومئذ أعلن اسلامه مع الذين أعلنوه باقناع أبي بكر اياهم، وهم عثمان ابن عفان، والزبير ابن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله.

ومع هذا لا يمنع سبقه بالاسلام سرا..

وان لسعد بن أبي وقاص لأمجاد كثيرة يستطيع أن يباهي بها ويفخر..

بيد أنه لم يتغن من مزاياه تلك، الا بشيئين عظيمين..

أولهما: أنه أول من رمى بسهم في سبيل الله، وأول من رمي أيضا..

وثانيهما: أنه الوحيد الذي افتداه الرسول بأبويه فقال له يوم أحد:

ارم سعد فداك أبي وأمي


أجل كان دائما يتغنى بهاتين النعمتين الجزيلتين، ويلهج يشكر الله عليهما فيقول:

والله اني لأول رجل من العرب رمى بسهم في سبيل الله

ويقول علي ابن أبي طالب:

ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفدي أحدا بأبويه الا سعدا، فاني سمعته يوم أحد يقول: ارم سعد.. فداك أبي وأمي..

كان سعد يعد من أشجع فرسان العرب والمسلمين، وكان له سلاحان رمحه ودعاؤه..


اذا رمى في الحرب عدوا أصابه.. واذا دعا الله دعاء أجابه..!!

وكان، وأصحابه معه، يردون ذلك الى دعاء الرسول له.. فذات يوم وقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم منه ما سره وقر عينه، دعا له هذه الدعوة المأثورة..
اللهم سدد رميته.. وأجب دعوته


وهكذا عرف بين اخوانه وأصحابه بأن دعوته كالسيف القاطع، وعرف هو ذلك نفسه وأمره، فلم يكن يدعو على أحد الا مفوضا الى الله أمره.

من ذلك ما يرويه عامر بن سعد فيقول:

رأى سعد رجلا يسب عليا، وطلحة والزبير فنهاه، فلم ينته، فقال له: اذن أدعو عليك، فقال ارجل: أراك تتهددني كأنك نبي..!!

فانصرف سعد وتوضأ وصلى ركعتين، ثم رفع يديه وقال: اللهم ان كنت تعلم أن هذا الرجل قد سب أقواما سبقت لهم منك الحسنى، وأنه قد أسخطك سبه اياهم، فاجعله آية وعبرة..

فلم يمض غير وقت قصير، حتى خرجت من احدى الدور ناقة نادة لا يردها شيء حتى دخلت في زحام الناس، كأنها تبحث عن شيء، ثم اقتحمت الرجل فأخذته بين قوائمها.. وما زالت تتخبطه حتى مات..

ان هذه الظاهرة، تنبىء أول ما تنبىء عن شفافية روحه، وصدق يقينه، وعمق اخلاصه.


وكذلكم كان سعد، روحه حر.. ويقينه صلب.. واخلاصه عميق.. وكان دائب الاستعانة على دعم تقواه باللقمة الحلال، فهو يرفض في اصرار عظيم كل درهم فيه اثارة من شبهة..

ولقد عاش سعد حتى صار من أغنياء المسلمين وأثريائهم، ويوم مات خلف وراءه ثروة غير قليلة.. ومع هذا فاذا كانت وفرة المال وحلاله قلما يجتمعان، فقد اجتمعا بين يدي سعد.. اذ آتاه الله الكثير، الحلال، الطيب..

وقدرته على جمع المال من الحلال الخالص، يضاهيها، قدرته في انفاقه في سبيل الله..


في حجة الوداع، كان هناك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصابه المرض، وذهب الرسول يعوده، فساله سعد قائلا:

يا رسول الله، اني ذو مال ولا يرثني الا ابنة، أفأتصدق بثلثي مالي..؟

قال النبي: لا.

قلت: فبنصفه؟

قال النبي: لا.

قلت: فبثلثه..؟

قال النبي: نعم، والثلث كثير.. انك ان تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وانك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله الا أجرت بها، حتى اللقمة تضعها في فم امرأتك.

ولم يظل سعد أبا لبنت واحدة.. فقد رزق بعد هذا أبناء آخرين..


**


وكان سعد كثير البكاء من خشية الله.
وكان اذا استمع للرسول يعظهم، ويخطبهم، فاضت عيناه من الدمع حتى تكاد دموعه تملؤ حجره..

وكان رجلا أوتي نعمة التوفيق والقبول..


ذات يوم والنبي جالس مع أصحابه، رنا بصره الى الأفق في اصغاء من يتلقى همسا وسرا.. ثم نظر في وجوه أصحابه وقال لهم:

يطلع علينا الآن رجل من أهل الجنة..

وأخذ الأصحاب يتلفتون صوب كل اتجاه يستشرفون هذا السعيد الموفق المحظوظ..

وبعد حين قريب، طلع عليهم سعد بن أبي وقاص.

ولقد لاذ به فيما بعد عبد الله بن عمرو بن العاص سائلا اياه في الحاح أن يدله على ما يتقرب الى الله من عمل وعبادة، جعله أهل لهذه المثوبة، وهذه البشرى.. فقال له سعد:

لا شيء أكثر مما نعمل جميعا ونعبد..

غير أني لا أحمل لأحد من المسلمين ضغنا ولا سوءا.


هذا هو الأسد في براثنه، كما وصفه عبد الرحمن بن عوف..

وهذا هو الرجل الذي اختاره عمر ليوم القادسية العظيم..

كانت كل مزاياه تتألق أما بصيرة أمير المؤمنين وهو يختاره لأصعب مهمة تواجه الاسلام والمسلمين..

انه مستجاب الدعوة.. اذا سأل الله النصر أعطاه اياه..

زانه عف الطعمة.. عف اللسان.. عف الضمير..

وانه واحد من أهل الجنة.. كما تنبأ له الرسول..

وانه الفارس يوم بدر. والفارس يوم أحد.. والفارس في كل مشهد شهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم..

وأخرى، لا ينساها عمر ولا يغفل عن أهميتها وقيمتها وقدرها بين لخصائص التي يجب أن تتوفر لكل من يتصدى لعظائم الأمور، تلك هي صلابة الايمان..


ان عمر لا ينسى نبأ سعد مع أمه يوم أسلم واتبع الرسول..

يومئذ أخفقت جميع محاولات رده وصده عن سبيل الله.. فلجأت أمه الى وسيلة لم يكن أحد يشك في أنها ستهزم روح سعد وترد عزمه الى وثنية أهله وذويه..

لقد أعلنت أمه صومها عن الطعام والشراب، حتى يعود سعد الى دين آبائه وقومه، ومضت في تصميم مستميت تواصل اضرابها عن الطعام والسراب حتى أوشكت على الهلاك..

كل ذلك وسعد لا يبالي، ولا يبيع ايمانه ودينه بشيء، حتى ولو يكون هذا الشيء حياةأمه..



 


الرد باقتباس
قديم 07-02-2014, 02:31 AM   #12


الصورة الشخصية لـ ابو هادي
ابو هادي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1682
 تاريخ التسجيل :  Apr 2013
 أخر زيارة : 06-23-2015 (06:50 AM)
 المشاركات : 637 [ + ]
 تقييم العضوية :  10
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
الإفتراضي رد : رجال حول الرسول



وحين كانت تشرف على الموت، أخذه بعض أهله اليها ليلقي عليها نظرة وداع مؤملين أن يرق قلبه حين يراها في سكرة الموت..


وذهب سعد ورأى مشهد يذيب الصخر..

بيد أن ايمانه بالله ورسوله كان قد تفوق على كل صخر، وعلى كل لاذ، فاقترب بوجهه من وجه أمه، وصاح بها لتسمعه:

تعلمين والله يا أمه.. لو كانت لك مائة نفس، فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا لشيء..

فكلي ان شئت أو لا تأكلي..!

وعدلت أمه عن عزمهت\ا.. ونزل الوحي يحيي موقف سعد، ويؤيده فيقول:

(وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما) ..

أليس هو الأسد في براثنه حقا..؟؟


اذن فليغرس أمير المؤمنين لواء القادسية في يمينه. وليرم به الفرس المجتمعين في أكثر من مائةألف من المقاتلين المدربين. المدججين بأخطر ما كانت تعرفه الأرض يومئذ من عتاد وسلاح.. تقودهم أذكى عقول الحرب يومئذ، وأدهى دهاتها..

أجل الى هؤلاء في فيالقهم الرهيبة..خرج سعد في ثلاثين ألف مقاتل لا غير.. في أيديهم رماح.. ولكن في قلوبهم ارادة الدين الجديد بكل ما تمثله من ايمان وعنفوان، وشوق نادر وباهر الى الموت والى الشهادة..!!

والتقى الجمعان.

ولكن لا.. لم يلتق الجمعان بعد..

وأن سعدا هناك ينتظر نصائح أمير المؤمنين عمر وتوجيهاته.. وها هو ذا كتاب عمر اليه يأمره فيه بالمبادرة الى القادسية، فانها باب فارس ويلقي على قلبه كلمات نور وهدى:

يا سعد بن وهيب..

لا يغرنك من الله، أن قيل: خال رسول الله وصاحبه، فان الله ليس بينه وبين أحد نسب الا بطاعته.. والناس شريفهم ووضيعهم في ذات الله سوء.. الله ربهم، وهم عباده.. يتفاضلون بالعافية، ويدركون ما عند الله بالطاعة. فانظر الأمر الذي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ بعث الى أن فارقنا عليه، فالزمه، فانه الأمر.

ثم يقول له:

اكتب الي بجميع أحوالكم.. وكيف تنزلون..؟

وأين يكون عدوكم منكم..

واجعلني بكتبك الي كأني أنظر اليكم..!!


ويكتب سعد الى أمير المؤمنين فيصف له كل شيء حتى انه ليكاد يحدد له موقف كل جندي ومكانه.

وينزل سعد القادسية، ويتجمع الفرس جيشا وشعبا، كما لم يتجمعوا من قبل، ويتولى قيادة الفرس أشهر وأخطر قوادهم رستم.

ويكتب سعد الى عمر، فيكتب اليه أمير المؤمنين:

لا يكربنك ما تسمع منهم، ولا ما يأتونك به، واستعن بالله، وتوكل عليه، وابعث اليه رجالا من أهل لنظر والرأي والجلد، يدعونه الى الله.. واكتب الي في كل يوم..

ويعود سعد فيكتب لأمير المؤمنين قائلا:

ان رستم قد عسكر ب ساباط وجر الخيول والفيلة وزحف علينا

ويجيبه عمر مطمئنا مشيرا..

ان سعد الفارس الذكي المقدام، خال رسول الله، والسابق الى الاسلام، بطل المعارك والغزوات، والذي لا ينبو له سيف، ولا يزيغ منه رمح.. يقف على رأس جيشه في احدى معارك التاريخ الكبرى، ويقف وكأنه جندي عادي.. لا غرور القوة، ولا صلف الزعامة، يحملانه على الركون المفرط لثقته بنفسه.. بل هو يلجأ الى أمير المؤمنين في المدينة وبينهما أبعاد وأبعاد، فيرسل له كل يوم كتابا، ويتبادل معه والمعركة الكبرى على وشك النشوب، المشورة والرأي

...



ذلك أن سعدا يعلم أن عمر في المدينة لا يفتي وحده، ولا يقرر وحجه.. بل يستشير الذين حوله من المسلمين ومن خيار أصحاب رسول الله.. وسعد لا يريد برغم كل ظروف الحرب، أن يحرم نفسه، ولا أن يحرم جيشه، من بركة الشورى وجدواها، لا سيما حين يكون بين أقطابها عمر الملهم العظيم..


**


وينفذ سعد وصية عمر، فيرسل الى رستم قائد الفرس نفرا من صحابه يدعونه الى الله والى الاسلام..

ويطول الحوار بينهم وبين قائد الفرس، وأخيرا ينهون الحديث معه اذ يقول قائلهم:

ان الله اختارنا ليخرج بنا من يشاء من خلقه من الوثنية الى التوحيد

...

ومن ضيق الدنيا الى سعتها، ومن جور الحكام الى عدل الاسلام..

فمن قبل ذلك منا، قبلنا منه، ورجعنا عنه، ومن قاتلنا قاتلناه حتى نفضي الى وعد الله..

ويسأل رستم: وما وعد الله الذي وعدكم اياه..؟؟

فيجيبه الصحابي:

الجنة لشهدائنا، والظفر لأحيائنا

ويعود لبوفد الى قائد المسلمين سعد، ليخبروه أنها الحرب..

وتمتلىء عينا سعد بالدموع..


لقد كان يود لو تأخرت المعركة قليلا، أو تقدمت قليلا.. فيومئذ كان مرضه قد اشتد عليه وثقلت وطأته.. وملأت الدمامل جسده حتى ما كان يستطيع أن يجلس، فضلا أن يعلو صهوة جواده ويخوض عليه معركة بالغة الضراوة والقسوة..!!

فلو أن المعركة جاءت قبل أن يمرض ويسقم، أولوأنها استأخرت حتى يبل ويشفى، اذن لأبلى فيها بلاءه العظيم.. أما الآن.. ولكن، لا، فرسول الله صلى الله عليه وسلم علمهم ألا يقول أحدهم: لو. لأن لو هذه تعني العجز، والمؤمن القوي لا يعدم الحيلة، ولا يعجز أبدا..


عنئذ هب الأسد في براثنه ووقف في جيشه خطيبا، مستهلا خطابه بالآية الكريمة:

(بسم الله الرحمن الرحيم..

ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) ..

وبعد فراغه من خطبته، صلى بالجيش صلاة الظهر، ثم استقبل جنوده مكبرا أربعا: الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر..

ودوى الكن وأوب مع المكبرين، ومد ذراعه كالسهم النافذ مشيرا الى العدو، وصاح في جنوده: هيا على بركة الله..


وصعد وهو متحاملا على نفسه وآلامه الى شرفة الدار التي كان ينزل بها ويتخذها مركزا لقيادته..وفي الشرفة جلس متكئا على صدره فوق وسادة. باب داره مفتوح.. وأقل هجوم من الفرس على الدار يسقطه في أيديهم حيا أو ميتا.. ولكنه لا يرهب ولا يخاف..

دمامله تنبح وتنزف، ولكنه عنها في شغل، فهو من الشرفة يكبر ويصيح.. ويصدر أوامره لهؤلاء: أن تقدموا صوب الميمنة.. ولألئك: أن سدوا ثغرات الميسرة.. أمامك يا مغيرة.. وراءهم يا جرير.. اضرب يا نعمان.. اهجم يا أشعث.. وأنت يا قعقاع.. تقدموا يا أصحاب محمد..!!

وكان صوته المفعم بقوة العزم والأمل، يجعل من كل جندي فردا، جيشا بأسره..

وتهاوى جنود الفرس كالذباب المترنح. ز وتهاوت معهم الوثنية وعبادة النار..!!

وطارت فلولهم المهزومة بعد أن رأوا مصرع قائدهم وخيرة جنودهم، وطاردهم كالجيش المسلم عتى نهاوند.. ثم المدائن فدخلوها ليحملوا ايوان كسرى وتاجه، غنيمة وفيئا..!!


**


وفي موقعة المدائن أبلى سعد بلاء عظيما..

وكانت موقعة المدائن، بعد موقعة القادسية بقرابة عامين، جرت خلالهما مناوشات مستمرة بين الفرس والمسلمين، حتى تجمعن كل فلول الجيش الفارسي ويقاياه في المدائن نفسها، متأهبة لموقف أخير وفاصل..

وأدرك سعد أن الوقت سيكون بجانب أعدائه. فقرر أن يسلبهم هذه المزية.. ولكن أنى له ذلك وبينه وبين المدائن نهر دجلة في موسم فيضانه

هنا موقف يثبت فيه سعد حقا كما وصفه عبد الرحمن بن عوف الأسد في براثنه..!!


ان ايمان سعد وتصميمه ليتألقان في وجه الخطر، ويتسوران المستحيل في استبسال عظيم..!!

وهكذا أصدر سعد أمره الى جيشه بعبور نهر دجلة.. وأمر بالبحث عن مخاضة في النهر تمكن من عبور هذا النهر.. وأخيرا عثروا على مكان لا يخلو عبوره من المخاطر البالغة..


وقبل أن يبدأ الجيش الجيش عملية المرور فطن القائد سعد الى وجوب تأمين مكان الوصول على الضفة الأخرى التي يرابط العطو حولها.. وعندئذ جهز كتيبتين..

الأولى: واسمها كتيبة الأهوال وأمر سعد عليها عاصم ابنعمرو والثانية: اسمها الكتيبة الخرساء وأمر عليها القعقاع ابن عمرو..


وكان على جنود هاتين الكتيبتين أن يخوضوا الأهوال لكي يفسحوا على الضفة الأخرى مكانا آمنا للجيش العابر على أثرهم.. ولقد أدوا العمل بمهارة مذهلة..

ونجحت خطة سعد يومئذ نجاحا يذهل له المؤرخون..

نجاحا أذهل سعد بن أبي وقاص نفسه..

وأذهل صاحبه ورفيقه في المعركة سلمان الفارسي الذي أخذ يضرب كفا بكف دهشة وغبطة، ويقول:

ان الاسلام جديد..

ذللت والله لهم البحار، كما ذلل لهم البر..

والذي نفس سلمان بيده ليخرجن منه أفواجا، كما دخلوه أفواحا..!!

ولقد كان.. وكما اقتحموا نهر دجلة أفواجا، خرجوا منه أفواجا لم يخسروا جنديا واحدا، بل لم تضع منهم شكيمة فرس..


ولقد سقط من أحد المقاتلين قدحه، فعز عليه أن يكون الوحيد بين رفاقه الذي يضيع منه شيء، فنادى في أصحابه ليعاونوه على انتشاله، ودفعته موجة عالية الى حيث استطاع بعض العابرين التقاطه..!!


وتصف لنا احدى الروايات التاريخية، روعة المشهد وهم يعبرون دجلة، فتقول:

[أمر سعد المسلمين أن يقولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل.. ثم اقتحم بفرسه دجلة، واقتحم الناس وراءه، لم يتخلف عنه أحد، فساروا فيها كأنما يسيرون على وجه الأرض حتى ملؤا ما بين الجانبين، ولم يعد وجه الماء يرى من أفواج الفرسان والمشاة، وجعل الناس يتحدثون وهم يسيرون على وجه الماء كأنهم يتحدون على وجه الأرض؛ وذلك بسبب ما شعروا به من الطمأنينة والأمن، والوثوق بأمر الله ونصره ووعيده وتأييده] ..!!


ويوم ولى عمر سعدا امارة العراق، راح يبني للناس ويعمر.. كوف الكوفة، وأرسى قواعد الاسلام في البلاد العريضة الواسعة..

وذات يوم شكاه أهل الكوفة لأمير المؤمنين.. لقد غلبهم طبعهم المتمرد، فزعموا زعمهم الضاحك، قالوا: ان سعدا لا يحسن يصلي..!!

ويضحك سعد من ملء فاه، ويقول:

والله اني لأصلي بهم صلاة رسول الله.. أطيل في الركعتين الأوليين، وأقصر في الأخريين..

ويستدعيه عمر الى المدينة، فلا يغضب، بل يلبي نداءه من فوره..

وبعد حين يعتزم عمر ارجاعه الى الكوفة، فيجيب سعد ضاحكا:

اأتمرني أن أعود الى قوم يزعمون أني لا أحسن الصلاة.؟؟

ويؤثر البقاء في المدينة..


وحين اعتدي على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وأرضاه، اختار من بين أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، ستة رجال، ليكون اليهم أمر الخليفة الجديد قائلا انه اختار ستة مات رسول الله وهو عنهم راض.. وكان من بينهم سعد بن أبي وقاص.

بل يبدو من كلمات عمر الأخيرة، أنه لو كان مختارا لخلافة واحدا من الصحابة لاختار سعدا..

فقد قال لأصحابه وهو يودعهم ويوصيهم:

ان وليها سعد فذاك..

وان وليه غيره فليستعن بسعد


**


ويمتد العمر بسعج.. وتجيء الفتنة الكبرى، فيعتزلها بل ويأمر أهله وأولاده ألا ينقلوا اليه شيئا من أخبارها..

وذات يوم تشرئب الأعناق نحوه، ويذهب اليه ابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، ويقول له:

يا عم، ها هنا مائة ألف سيف يروك أحق الناس بهذا الأمر.

فيجيبه سعد:

أريد من مائة ألف سيف، سيفا واحدا.. اذا ضربت به المؤمن لم يصنع شيئا، واذا ضربت به الكافر قطع.!!

ويدرك ابن أخيه غرضه، ويتركه في عزلته وسلامه..

وحين انتهى الأمر لمعاوية، واستقرت بيده مقاليد الحكم سأل سعدا:

مالك لم تقاتل معنا..؟؟

فأجابه:

اني مررت بريح مظلمة، فقلت: أخ.. أخ..

واتخذت من راحلتي حتى انجلت عني.

فقل زعاوية: ليس في كتاب الله أخ.. أخ.. ولكن قال الله تعالى:

)وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا، فأصلحوا بينهما، فان بغت احداهما على الأخرى، فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى أمر الله) .



 


الرد باقتباس
قديم 07-02-2014, 02:32 AM   #13


الصورة الشخصية لـ ابو هادي
ابو هادي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1682
 تاريخ التسجيل :  Apr 2013
 أخر زيارة : 06-23-2015 (06:50 AM)
 المشاركات : 637 [ + ]
 تقييم العضوية :  10
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
الإفتراضي رد : رجال حول الرسول



وأنت لم تكن مع الباغية على العادلة، ولا مع العادلة على الباغية.

أجابه سعد قائلا:

ما كنت لأقاتل رجلا قال له رسول الله: أنت مني بمنزلة هرون من موسى الا أنه لا نبي بعدي.


**


وذات يوم من أيام الرابع والخمسين للهجرة، وقد جاوز سعد الثمانين، كان هناك في داره بالعقيق يتهيأ لقاء الله.

ويروي لنا ولده لحظاته الأخيرة فيقول:

[كان رأس أبي في حجري، وهو يقضي، فبكيت وقال: ما يبكيك يا بني..؟؟

ان الله لا يعذبني أبدا وأني من أهل الجنة] ..!!

ان صلابة ايمانه لا يوهنها حتى رهبة المةت وزلزاله.

ولقد بشره الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو مؤمن بصدق الرسول عليه الصلاة والسلام أوثق ايمان..ز واذن ففيم الخوف..؟

[ان الله لا يعذبتي أبدا، واني من أهل الجنة] .

بيد أنه يريد أن يلقى الله وهو يحمل أروع وأجمل تذكار جمعه بدينه ووصله برسوله.. ومن ثم فقد أشار الى خزانته ففتوحها، ثم أخرجوا منها رداء قديما قي بلي وأخلق، ثم أمر أهله أن يكفنوه فيه قائلا:

[لقد لقيت المشركين فيه يوم بدر، ولقد ادخرته لهذا اليوم] ..!!


اجل، ان ذلك الثوب لم يعد مجرد ثوب.. انه العلم الذي يخفق فوق حياة مديدة شامخة عاشها صاحبها مؤمنا، صادقا شجاعا!!

وفوق أعناق الرجال حمل الى المدينة جثمان آخر المهاجرين وفاة، ليأخذ مكانه في سلام الى جوار ثلة طاهرة عظيمة من رفاقه الذين سبقوه الى الله، ووجدت أجسامهم الكادحة مرفأ لها في تراب البقيع وثراه.


**


وداعا يا سعد..!!

وداعا يا بطل القادسية، وفاتح المدائن، ومطفىء النار المعبودة في فارس الى الأبد..!!



 


الرد باقتباس
قديم 07-03-2014, 01:50 AM   #14


الصورة الشخصية لـ ابو هادي
ابو هادي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1682
 تاريخ التسجيل :  Apr 2013
 أخر زيارة : 06-23-2015 (06:50 AM)
 المشاركات : 637 [ + ]
 تقييم العضوية :  10
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
الإفتراضي رد : رجال حول الرسول



خباب بن الأرت رضي الله عنه
( أستاذ فن الفداء )

خرج نفر من القرشيين، يغدون الخطى، ميممين شطر دار خباب ليتسلموا منه سيوفهم التي تعاقدوا معه على صنعها..

وقد كان خباب سيافا، يصنع السيوف ويبيعها لأهل مكة، ويرسل بها الى الأسواق..

وعلى غير عادة خباب الذي لا يكاد يفارق بيته وعمله، لم يجده ذلك النفر من قريش فجلسوا ينتظرونه..

وبعد حين طويل جاء خباب على وجهه علامة استفهام مضيئة، وفي عينيه دموع مغتبطة.. وحيا ضيوفه وجلس..

وسألوه عجلين: هل أتممت صنع السيوف يا خباب؟؟

وجفت دموع خباب، وحل مكانها في عينيه سرور متألق، وقال وكأنه يناجي نفسه: ان أمره لعجب..

وعاد القوم يسألونه: أي أمر يا رجل..؟؟ نسألك عن سيوفنا، هل أتممت صنعها..؟؟

ويستوعبهم خباب بنظراته الشاردة الحالمة ويقول:

هل رأيتموه..؟ هل سمعتم كلامه..؟

وينظر بعضهم لبعض في دهشة وعجب..

ويعود أحدهم فيسأله في خبث:

هل رأيته أنت يا خباب..؟؟

ويسخر خباب من مكر صاحبه، فيرد عليه السؤال قائلا:

من تعني..؟

ويجيب الرجل في غيظ: أعني الذي تعنيه..؟

ويجيب خباب بعد اذ أراهم أنه أبعد منالا من أن يستدرج، وأنه اعترف بايمانه الآن أمامهم، فليس لأنهم خدعوه عن نفسه، واستدرجوا لسانه، بل لأنه رأى الحق وعانقه، وقرر أن يصدع به ويجهر..


يجيبهم قائلا، وهو هائم في نشوته وغبطة روحه:

أجل

...

رأيته، وسمعته.. رأيت الحق يتفجر من جوانبه، والنور يتلألأ بين ثناياه..!!

وبدأ عملاؤه القرشيون يفهمون، فصاح به أحدهم:

من هذا الذي تتحدث عنه يا عبد أم أنمار..؟؟

وأجاب خباب في هدء القديسين

ومن سواه، يا أخا العرب.. من سواه في قومك، من يتفجر من جوانبه الحق، ويخرج النور بين ثناياه..؟!

وصاح آخر وهب مذعورا:

أراك تعني محمدا..

وهز خباب رأسه المفعم بالغبطة، وقال:

نعم انه هو رسول الله الينا، ليخرجنا من الظلمات الى االنور..

ولا يدري خباب ماذا قال بعد هذه الكلمات، ولا ماذا قيل له..

كل ما يذكره أنه أفاق من غيبوبته بعد ساعات طويلة ليرى زواره قد انفضوا.. وجسمه وعظامه تعاني رضوضا وآلاما، ودمه النازف يضمخ ثوبه وجسده..!!


وحدقت عيناه الواسعتان فيما حوله.. وكان المكان أضيق من أن يتسع لنظراتهما النافذة، فتحمل على آلامه، ونهض شطر الفضاء وأمام باب داره وقف متوكئا على جدارها، وانطلقت عيناه الذكيتان في رحلة طويلة تحدقان في الأفق، وتدوران ذات اليمين وذات الشمال..انهما لا تقفان عند الأبعاد المألوفة للناس.. انهما تبحثان عن البعد المفقود

...

أجل تبحثان عن البعد المفقود في حياته، وفي حياة الناس الذين معه في مكة، والناس في كل مكان وزمان..

ترى هل يكون الحديث الذي سمعه من محمد عليه الصلاة والسلام اليوم، هو النور الذي يهدي الى ذلك البعد المفقود في حياة البشر كافة..؟؟

واستغرق خباب في تأملات سامية، وتفكير عميق.. ثم عاد الى داخل داره.. عاد يضمد جراح جسده، ويهيءه لاستقبال تعذيب جديد،

وآلام جديدة..!!


ومن ذلك اليوم أخذ خباب مكانه العالي بين المعذبين والمضطهدين..

أخذ مكانه العالي بين الذين وقفوا برغم فقرهم، وضعفهم يواجهون كبرياء قريش وعنفها وجنونها..

أخذ مكانه العالي بين الذين غرسوا في قلوبهم سارية الراية التي أخذت تخفق في الأفق الرحيب ناعية عصر الوثنية، والقيصرية.. مبشرة بأيام المستضعفين والكادحين، الذين سيقفون تحت ظل هذه الراية سواسية مع أولئك الذين استغلوهم من قبل، وأذاقوهم الحرمان والعذاب..

وفي استبسال عظيم، حمل خباب تبعاته كرائد..

يقول الشعبي:

لقد صبر خباب، ولم تلن له أيدي الكفار قناة، فجعلوا يلصقون ظهره العاري بالرضف حتى ذهب لحمه.!!


أجل كان حظ خباب من العذاب كبيرا، ولكن مقاومته وصبره كانا أكبر من العذاب..

لقد حول كفار قريش جميع الحديد الذي كان بمنزل خباب والذي كان يصنع منه السيوف.. حولوه كله الى قيود وسلاسل، كان يحمى عليها في النار حتى تستعر وتتوهج، ثم يطوق بها جسده ويداه وقدماه..

ولقد ذهب يوما مع بعض رفاقه المضطهدين الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا جوعين من التضحية، بل راجين العافية، فقالوا: يا رسول الله.. ألا تستنصر لنا..؟؟ أي تسأل الله لنا النصر والعافية

...



ولندع خبابا يروي لنا النبأ بكلماته:

شكونا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد ببرد له في ظل الكعبة، فقلنا: يا رسول الله، ألا تستنصر لنا..؟؟

فجلس صلى الله عليه وسلم، وقد احمر وجهه وقال:

قد كان من قبلكم يؤخذ منهم الرجل، فيحفر له في الأرض، ثم يجاء بمنشار، فيجعل فوق رأسه، ما يصرفه ذلك عن دينه..!!

وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء الى حضرموت لا يخشى الله الله عز وجل، والذئب على غنمه، ولكنكم تعجلون..!!


سمع خباب ورفاقه هذه الكلمات، فازداد ايمانهم واصرارهم وقرروا أن يري كل منهم ربه ورسوله ما يحبان من تصميم وصبر، وتضحية.

وخاض خباب معركة الهول صابرا، صامدا، محتسبا.. واستنجد القرشيون أم أنمار سيدة خباب التي كان عبدا لها قبل أن تعتقه، فأقبلت واشتركت في حملة تعذيبه..

وكانت تأخذ الحديد المحمى الملتهب، وتضعه فوق رأسه ونافوخه، وخباب يتلوى من الألم، لكنه يكظم أنفاسه، حتى لا تخرج منه زفرة ترضي غرور جلاديه..!!


ومر به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، والحديد المحمى فوق رأسه يلهبه ويشويه، فطار قلبه حنانا وأسى، ولكن ماذا يملك عليه الصلاة والسلام يومها لخباب..؟؟

لا شيء الا أن يثبته ويدعو له..

هنالك رفع الرسول صلى الله عليه وسلم كفيه المبسوطتين الى السماء، وقال:

اللهم أنصر خبابا

ويشاء الله ألا تمضي سوى أيام قليلة حتى ينزل بأم أنمار قصاص عاجل، كأنما جعله القدر نذيرا لها ولغبرها من الجلادين، ذلك أنها أصيبت بسعار عصيب وغريب جعلها كما يقول المؤرخون تعوي مثل الكلاب..!!

وقيل لها يومئذ لا علاج سوى أن يكوى رأسها بالنار..!!

وهكذا شهد رأسها العنيد سطوة الحديد المحمى يصبحه ويمسيه



 


الرد باقتباس
قديم 07-03-2014, 01:52 AM   #15


الصورة الشخصية لـ ابو هادي
ابو هادي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1682
 تاريخ التسجيل :  Apr 2013
 أخر زيارة : 06-23-2015 (06:50 AM)
 المشاركات : 637 [ + ]
 تقييم العضوية :  10
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
الإفتراضي رد : رجال حول الرسول



كانت قريش تقاوم الايمان بالعذاب.. وكان المؤمنون يقاومون العذاب بالتضحية.. وكان خباب واحدا من أولئك الذين اصطفتهم المقادير لتجعل منهم أساتذة في فن التضحية والفداء..

ومضى خباب ينفق وقته وحياته في خدمة الدين الذي خفقت أعلامه..

ولم يكتف رضي الله عنه في أيام الدعوة الأولى بالعبادة والصلاة، بل استثمر قدرته على التعليم، فكان يغشى بيوت بعض اخوانه من المؤمنين الذين يكتمون اسلامهم خوفا من بطش قريش، فيقرأ معهم القرآن ويعلمهم اياه..


ولقد نبغ في دراسة القرآن وهو يتنزل آية آية.. وسورة، سورة حتى ان عبد الله بن مسعود، وهو الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أراد أن يقرأ القرآن غصا كما أنزل، فليقراه بقراءة ابن أم عبد..

نقول:

حتى عبد الله بن مسعود كان يعتبر خبابا مرجعا فيما يتصل بالقرآن حفظا ودراسة..


وهو الذي كان يدرس القرآن لـ فاكمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد عندام فاجأهم عمر بن الخطاب متقلدا سيفه الذي خرج به ليصفي حسابه مع الاسلام ورسوله، لكنه لم يكد يتلو القرآن المسطور في الصحيفة التي كان يعلم منها خباب، حتى صاح صيحته المباركة:

دلوني على محمد

...

!!

وسمع خباب كلمات عمر هذه، فخرج من مخبئه الذي كان قد توارى فيه وصاح:

يا عمر..

والله اني لأرجوا أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه صلى الله عليه وسلم، فاني سمعته بالأمس يقول: اللهم أعز الاسلام بأحب الرجلين اليك.. أبي الحكم بن هشام، وعمربن الخطاب.

وسأله عمر من فوره: وأين أجد الرسول الآن يا خباب:

عند الصفا، في دار الأرقم بن أبي الأرقم..

ومضى عمر الى حظوظه الوافية، ومصيره العظيم..!!


**

شهد خباب بن الأرت جميع المشهد والغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم، وعاش عمره كله حفيظا على ايمانه ويقينه

....


وعندما فاض بيت مال لمسلمين بالمال أيام عمر وعثمان، رضي الله عنهما، كان خباب صاحب راتب كبير بوصفه من المهاجرين لسابقين الى الاسلام..

وقد أتاح هذا الدخل الوفير لخباب أن يبتني له دارا بالكوفة، وكان يضع أمواله في مكان ما


من الدار يعرفه أصحابه ورواده.. وكل من وقعت عليه حاجة، يذهب فيأخذ من المال حاجته..

ومع هذا فقد كان خباب لا يرقأ له جفن، ولا تجف له دمعة كلما ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه الذين بذلوا حياهم للله، ثم ظفروا بلقائه قبل أن تفتح الدنيا على المسلمين، وتكثر في أيديهم الأموال.

اسمعوه وهو يتحدث االى عواده الذين ذهبوا يعودونه وهو رضي الله عنه في مرض موته.

قالوا له:

أبشر يا أبا عبد الله، فانك ملاق اخواتك غدا..

فأجابهم وهو يبكي:

أما انه ليس بي جزع.. ولكنكم ذكرتموني أقواما، واخوانا، مضوا بأجورهم كلها ام ينالوا من الدنيا شيئا..

وانا بقينا بعدهم حتى نلنا من الدنيا ما لم نجد له موضعا الا التراب..

وأشار الى داره المتواضعة التي بناها.

ثم أشار مرة أخرى الى المكان الذي فيه أمواله وقال:

والله ما شددت عليها من خيط، ولا منعتها من سائل.!

ثم التفت الى كنفه الذي كان قد أعد له، وكان يراه ترفا واسرافا وقال ودموعه تسيل:

أنظروا هذا كفني..

لكن حمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم لم يوجد له كفن يوم استشهد الا بردة ملحاء

....

اذا جعلت على رأسه قلصت عن قدميه، واذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه..!!


**


ومات خباب في السنة السابعة والثلاثين للهجرة..

مات أستاذ صناعة السيوف في الجاهلية..

وأستاذ صناعة التضحية والفداء في الاسلام..!!


مات الرجل الذي كان أحد الجماعة الذين نزل القرآن يدافع عنهم، ويحييهم، عندما طلب بعض السادة من قريش أن يجعل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، وللفراء من أمثال: خباب، وصهيب، وبلال يوما آخر.

فاذا القرآن العظيم يختص رجال الله هؤلاء في تمجيد لهم وتكريم، وتهل آياته قائلة للرسول الكريم:

(ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ما عليك من حسابهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين

وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا: أهؤلاء من الله عليهم من بيننا؟! أليس الله بأعلم بالشاكرين واذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا، فقل سلام عليكم، كتب ربكم على نفسه الرحمة) ..


وهكذا، لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يراهم بعد نزول الآيات حتى يبالغ في اكرامهم فيفرش لهم رداءه، ويربت على أكتافهم، ويقول لهم:

أهلا بمن أوصاني بهم ربي..

أجل.. مات واحد من الأبناء البررة لأيام الوحي، وجيل التضحية

...



ولعل خير ما نودعه به، كلمات الامام علي كرم الله وجهه حين كان عائدا من معركة صفين، فوقعت عيناه على قبر غض رطيب، فسأل: قبر من هذا..؟

فأجابوه: انه قبر خباب..

فتملاه خاشعا آسيا، وقال:

رحم الله خبابا..

لقد أسلم راغبا.

وهاجر طاءعا..

وعاش مجاهدا..



 


الرد باقتباس
قديم 07-03-2014, 02:14 AM   #16


الصورة الشخصية لـ حسين دحه
حسين دحه غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 74
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 10-09-2022 (11:14 AM)
 المشاركات : 1,022 [ + ]
 تقييم العضوية :  40
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 3 مرة في 2 مشاركة
الإفتراضي رد : رجال حول الرسول



احسنت وبارك فيك وكتب الله اجرك ورفع قدرك

موضوع جميل جدا اسال الله ان ينفع به


وكل عام وانتم بخير



 


الرد باقتباس
قديم 07-03-2014, 11:53 PM   #17


الصورة الشخصية لـ ابو هادي
ابو هادي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1682
 تاريخ التسجيل :  Apr 2013
 أخر زيارة : 06-23-2015 (06:50 AM)
 المشاركات : 637 [ + ]
 تقييم العضوية :  10
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
الإفتراضي رد : رجال حول الرسول



أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه
أمين هذه الأمة




من هذا الذي أمسك الرسول بيمينه وقال عنه:

ان لكل أمة أمينا وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح؟

من هذا الذي أرسله النبي في غزوة ذات السلاسل مددا اعمرو بن العاص، وجعله أميرا على جيش فيه أبو بكر وعمر..؟؟

من هذا الصحابي الذي كان أول من لقب بأمير الأمراء..؟؟

من هذا الطويل القامة النحيف الجسم، المعروق الوجه، الخفيف اللحية، الأثرم، ساقط الثنيتين..؟؟

أجل من هذا القوي الأمين الذي قال عنه عمر بن الخطاب وهو يجود بأنفاسه:

لو كان أبو عبيدة بن الجراح حيا لاستخلفته فان سالني ربي عنه قلت: استخافت أمين الله، وأمين رسوله..؟؟

انه أبو عبيدة عامر بن عبد الله الجراح..

أسلم على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الأيام الأولى للاسلام، قبل أن يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم دار الرقم، وهاجر الى الحبشة في الهجرة الثانية، ثم عاد منها ليقف الى جوار رسوله في بدر، وأحد، وبقية المشاهد جميعها، ثم ليواصل سيره القوي الأمين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في صحبة خليفته أبي بكر، ثم في صحبة أمير المؤمنين عمر، نابذا الدنيا وراء ظهره مستقبلا تبعات دينه في زهد، وتقوى، وصمود وأمانة.


**


عندما بايع أبو عبيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أن ينفق حياته في سبيل الله، كان مدركا تمام الادراك ما تعنيه هذه الكلمات الثلاث، في سبيل الله وكان على أتم استعداد لأن يعطي هذا السبيل كل ما يتطلبه من بذل وتضحية..


ومنذ بسط يمينه مبايعا رسوله، وهو لا يرى في نفسه، وفي ايامه وفي حياته كلها سوى أمانة استودعها الله اياها لينفقها في سبيله وفي مرضاته، فلا يجري وراء حظ من حظوظ نفسه.. ولا تصرفه عن سبيل الله رغبة ولا رهبة..

ولما وفى أبو عبيدة بالعهد الذي وفى به بقية الأصحاب، رأى الرسول في مسلك ضميره، ومسلك حياته ما جعله أهلا لهذا اللقب الكريم الذي أفاءه عليه، وأهداه اليه، فقال عليه الصلاة والسلام:

أمين هذه الأمة، أبو عبيدة بن الجراح.



ان أمانة أبي عبيدة على مسؤولياته، لهي أبرز خصاله.. ففي غزوة أحد أحس من سير المعركة حرص المشركين، لا على احراز النصر في الحرب، بل قبل ذلك ودون ذلك، على اغتيال حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، فاتفق مع نفسه على أن يظل مكانه في المعركة قريبا من مكان الرسول..

ومضى يضرب بسيفه الأمين مثله، في جيش الوثنية الذي جاء باغيا وعاديا يريد أن يطفئ نور الله..


وكلما استدرجته ضرورات القتال وظروف المعركة بعيدا عن رسول الله صلى اله عليه وسلم قاتل وعيناه لا تسيران في اتجاه ضرباته.. بل هما متجهتان دوما الى حيث يقف الرسول صلى الله عليه وسلم ويقاتل، ترقبانه في حرص وقلق..

وكلما تراءى لأبي عبيدة خطر يقترب من النبي صلى الله عليه وسلم، انخلع من موقفه البعيد وقطع الأرض وثبا حيث يدحض أعداء الله ويردهم على أعقابهم قبل أن ينالوا من الرسول منالا..!!

وفي احدى جولاته تلك، وقد بلغ القتال ذروة ضراوته أحاط بأبي عبيدة طائفة من المشركين، وكانت عيناه كعادتهما تحدقان كعيني الصقر في موقع رسول الله، وكاد أبو عبيدة يفقد صوابه اذ رأى سهما ينطلق من يد مشرك فيصيب النبي، وعمل سيفه في الذين يحيطون به وكأنه مائة سيف، حتى فرقهم عنه، وطار صواب رسول الله فرأى الدم الزكي يسيل على وجهه، ورأى الرسول الأمين يمسح الدم بيمينه وهو يقول:

كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم، وهو يدعهم الى ربهم.؟

ورأى حلقتين من حلق المغفر الذي يضعه الرسول فوق رأسه قد دخانا في وجنتي النبي، فلم يطق صبرا.. واقترب يقبض بثناياه على حلقة منهما حتى نزعها من وجنة الرسول، فسقطت ثنية، ثم نزع الحلقة الأخرى، فسقطت ثنية الثانية..

وما أجمل أن نترك الحديث لأبي بكر الصدسق يصف لنا هذا المشهد بكلماته:

لما كان يوم أحد، ورمي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلت في وجنته حلقتان من المغفر، أقبلت أسعى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانسان قد أقبل من قبل المشرق يطير طيرانا، فقلت: اللهم اجعله طاعة، حتى اذا توافينا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واذا هو أبو عبيدة بن الجراح قد سبقني، فقال: أسألك بالله يا أبا بكر أن تتركني فأنزعها من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم..

فتركته، فأخذ أبو عبيدة بثنية احدى حلقتي المغفر، فنزعها، وسقط على الأرض وسقطت ثنيته معه..

ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنية أخرى فسقطت.. فكان أبو عبيدة في الناس أثرم. !


وأيام اتسعت مسؤوليات الصحابة وعظمت، كان أبو عبيدة في مستواها دوما بصدقه وبأمانته..



فاذا أرسله النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخبط أميرا على ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا من المقاتلين وليس معهم زاد سوى جراب تمر.. والمهمة صعبة، والسفر بعيد، استقبل ابو عبيدة واجبه في تفان وغبطة، وراح هو وجنوده يقطعون الأرض، وزاد كل واحد منهم طوال اليوم حفنة تملا، حتى اذا أوشك التمر أن ينتهي، يهبط نصيب كل واحد الى تمرة في اليوم.. حتى اذا فرغ التمر جميعا راحوا يتصيدون الخبط، أي ورق الشجر بقسيهم، فيسحقونه ويشربون عليه الامء.. ومن اجل هذا سميت هذه الغزوة بغزوة الخبط..

لقد مضوا لا يبالون بجوع ولا حرمان، ولا يعنيهم الا أن ينجزوا مع أميرهم القوي الأمين المهمة الجليلة التي اختارهم رسول الله لها..!!


**


لقد أحب الرسول عليه الصلاة والسلام أمين الأمة أبا عبيدة كثيرا.. وآثره كثيرا

...


ويوم جاء وفد نجلاان من اليمن مسلمين، وسألوه أن يبعث معهم من يعلمهم القرآن والسنة والاسلام، قال لهم رسول الله:

لأبعثن معكم رجلا أمينا، حق أمين، حق أمين.. حق أمين..!!

وسمع الصحابة هذا الثناء من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتمنى كل منهم لو يكون هو الذي يقع اختيار الرسول عليه، فتصير هذه الشهادة الصادقة من حظه ونصيبه..

يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

ما أحببت الامارة قط، حبي اياها يومئذ، رجاء أن أكون صاحبها، فرحت الى الظهر مهجرا، فلما صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، سلم، ثم نظر عن يمينه، وعن يساره، فجعلت أتطاول له ليراني..

فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجراح، فدعاه، فقال: أخرج معهم، فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه.. فذهب بها أبا عبيدة؟..!!

ان هذه الواقعة لا تعني طبعا أن أبا عبيدة كان وحده دون بقية الأصحاب موضع ثقة الرسول وتقديره..

انما تعني أنه كان واحدا من الذين ظفروا بهذه الثقة الغالية، وهذا التقدير الكريم..

ثم كان الواحد أو الوحيد الذي تسمح ظروف العمل والدعوة يومئذ بغيابه عن المدينة، وخروجه في تلك المهمة التي تهيئه مزاياه لانجازها..

وكما عاش أبو عبيدة مع الرسول صلى الله عليه وسلم أمينا، عاش بعد وفاة الرسول أمينا.. بحمل مسؤولياته في أمانة تكفي أهل الأرض لو اغترفوا منها جميعا..


ولقد سار تحت راية الاسلام أنذى سارت، جنديا، كأنه بفضله وباقدامه الأمير.. وأميرا، كأن بتواضعه وباخلاصه واحدا من عامة المقاتلين..


وعندما كان خالد بن الوليد.. يقود جيوش الاسلام في احدى المعارك الفاصلة الكبرى.. واستهل أمير المؤمنين عمر عهده بتولية أبي عبيدة مكان خالد..


لم يكد أبا عبيدة يستقبل مبعوث عمر بهذا الأمر الجديد، حتى استكتمه الخبر، وكتمه هو في نفسه طاويا عليه صدر زاهد، فطن، أمين.. حتى أتم القائد خالد فتحه العظيم..

وآنئذ، تقدم اليه في أدب جليل بكتاب أمير المؤمنين!!

ويسأله خالد:

يرحمك الله يا أبا عبيدة. ز ما منعك أن تخبرني حين جاءك الكتاب.؟؟

فيجيبه أمين الأمة:

اني كرهت أن أكسر عليك حربك، وما سلطان الدنيا نريد، ولا للدنيا نعمل، كلنا في الله اخوة.!!!


**


ويصبح أبا عبيدة أمير الأمراء في الشام، ويصير تحت امرته أكثر جيوش الاسلام طولا وعرضا.. عتادا وعددا..

فما كنت تحسبه حين تراه الا واحدا من المقاتلين.. وفردا عاديا من المسلمين..

وحين ترامى الى سمعه أحاديث أهل الشام عنه، وانبهارهم بأمير الأمراء هذا.. جمعهم وقام فيهم خطيبا..

فانظروا ماذا قال للذين رآهم يفتنون بقوته، وعظمته، وأ/انته..

يا أيها الناس..

اني مسلم من قريش..

وما منكم من أحد، أحمر، ولا أسود، يفضلني بتقوى الا وددت أني في اهابه..

حياك الله يا أبا عبيدة..

وحيا الله دينا أنجبك ورسولا علمك..

مسلم من قريش، لا أقل ولا أكثر.

الدين: الاسلام..

والقبيلة: قريش.

هذه لا غير هويته..

أما هو كأمير الأمراء، وقائد لأكثر جيوش الاسلام عددا، وأشدها بأسا، وأعظمها فوزا..

أما هو كحاكم لبلاد الشام، أمره مطاع ومشيئته نافذة..

كل ذلك ومثله معه، لا ينال من انتباهه لفتة، وليس له في تقديره حساب.. أي حساب..!!


**


ويزور أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الشام، ويسأل مستقبليه:

أين أخي..؟

فيقولون من..؟

فيجيبهم: أبو عبيدة بن الجراح.

ويأتي أبو عبيدة، فيعانقه أمير المؤمنين عمر.. ثم يصحبه الى داره، فلا يجد فيها من الأثاث شيئا.. لا يجد الا سيفه، وترسه ورحله..

ويسأله عمر وهو يبتسم:

ألا اتخذت لنفسك مثلما يصنع الناس..؟

فيجيبه أبو عبيدة:

يا أمير المؤمنين، هذا يبلغني المقيل..!!


وذات يوم، وأمير المؤمنين عمر الفاروق يعالج في المدينة شؤن عالمه المسلم الواسع، جاءه الناعي، أن قد مات أبو عبيدة..

وأسبل الفاروق جفنيه على عينين غصتا بالدموع..

وغاض الدمع، ففتح عينيه في استسلام..

ورحم على صاحبه، واستعاد ذكرياته معه رضي الله عنه في حنان صابر..

وأعاد مقالته عنه:

لو كنت متمنيا، ما تمنيت الا بيتا مملوءا برجال من أمثال أبي عبيدة.


**


ومات أمين الأمة فوق الأرض التي طهرها من وثنية الفرس، واضطهاد الرومان..

زهناك اليوم تحت ثرى الأردن يثوي رفات نبيل، كان مستقرا لروح خير، ونفس مطمئنة..

وسواء عليه، وعليك، أن يكون قبره اليوم معروف أو غير معروف..

فانك اذا أردت أن تبلغه لن تكون بحاجة الى من يقودك اليه..

ذلك أن عبير رفاته، سيدلك عليه..!!



 


الرد باقتباس
قديم 07-05-2014, 09:49 PM   #18


الصورة الشخصية لـ ابو هادي
ابو هادي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1682
 تاريخ التسجيل :  Apr 2013
 أخر زيارة : 06-23-2015 (06:50 AM)
 المشاركات : 637 [ + ]
 تقييم العضوية :  10
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
الإفتراضي رد : رجال حول الرسول



سعد بن معاذ رضي الله عنه
هنيئا لك يا أبا عمرو




في العام الواحد والثلاثين من عمره، أسلم..

وفي السابع والثلاثين مات شهيدا..

وبين يوم اسلامه، ويوم وفاته، قضى سعد بن معاذ رضي الله عنه أياما شاهقة في خدمة الله ورسوله..


**


انظروا..

أترون هذا الرجل الوسيم، الجليل، الفارع الطول، المشرق الوجه، الجسيم، الجزل.؟؟

انه هو..

يقطع الأرض وثبا وركضا الى دار أسعد بن زرارة بيرى هذا الرجل الوافد من مكة مصعب بن عمير الذي بعث به محمدا عليه الصلاة والسلام الى المدينة يبشر فيها بالتوحيد والاسلام..

أجل.. هو ذاهب الى هناك ليدفع بهذا الغريب خارج حدود المدينة، حاملا معه دينه.. وتاركا للمدينة دينها..!!


**


ولكنه لا يكاد يقترب من مجلس مصعب في دار ابن خالته أسيد بن زرارة، حتى ينتعش فؤاده بنسمات حلوة هبت عليه هبوب العافية..

ولا يكاد يبلغ الجالسين، ويأخذ مكانه بينهم، ملقيا سمعه لكلمات مصعب حتى تكون هداية الله قد أضاءت نفسه وروحه..

وفي احدى مفاجآت القدر الباهرة المذهلة، يلقي زعيم الأنصار حبته بعيدا، ويبسط يمينه مبايعا رسول الله صلى الله عليه وسلم..

وباسلام سعد بن معاذ تشرق في المدينة شمس جديدة، ستدور في فلكها قلوب كثيرة تسلم مع حمد لله رب العالمين..!!

أسلم سعد.. وحمل تبعات اسلامه في بطولة وعظمة..

وعندما هاجر رسول الله وصحبه الى المدينة كانت دور بني عبد الأشهل قبيلة سعد مفتحة الأبواب للمهاجرين، وكانت أموالهم كلها تحت تصرفهم في غير من، ولا أذى.. ولا حساب..!!


**

وتجيء غزوة بدر..

ويجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه من المهاجرين والأنصار، ليشاورهم في الأمر.

وييمم وجهه الكريم شطر الأنصار ويقول:

أشيروا علي أيها الناس..

ونهض سعد بن معاذ قائما كالعلم.. يقول:

يا رسول الله..

لقد آمنا بك، وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا..

فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك..

ووالذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، وما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا..

انا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء..

ولعل الله يريك ما تقر به عينك

...


فسر بنا على بركة الله

...



**


أهلت كلمات سعد كالبشريات، وتألق وجه الرسول رضا وسعادة وغبطة، فقال للمسلمين:

سيروا وأبشروا، فان الله وعدني احدى الطائفتين.. والله لكأني أنظر الى مصرع القوم.

وفي غزوة أحد، وعندما تشتت المسلمون تحت وقع الباغتة الداهمة التي فاجأهم بها جيش المشركين، لم تكن العين لتخطئ مكان سعد بن معاذ..

لقد سمر قدميه في الأرض بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم، يذود عنه ويدافع في استبسال هو له أهل وبه جدير..


**


وجاءت غزوة الخندق، لتتجلى رجولة سعد وبطولته تجليا باهرا ومجيدا..

وغزوة الخندق هذه، آية بينة على المكايدة المريرة الغادرة التي كان المسلمون يطاردون بها في غير هوادة، من خصوم لا يعرفون في خصومتهم عدلا ولا ذمة..

فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يحيون بالمدينة في سلام يعبدون ربهم، ويتواصون بطاعته، ويرجون أن تكف قريش عن اغارتها وحروبها، اذا فريق من زعماء اليهود يخرجون خلسة الى مكة محرضين قريشا على رسول الله، وباذلين لها الوعود والعهود أن يقفوا بجانب القرشيين اذا هم خرجوا لقتال المسلمين..

واتفقوا مع المشركين فعلا، ووضعوا معا خطة القتال والغزو..

وفي طريقهم وهم راجعون الى المدينة حرضوا قبيلة من أكبر قبائل العرب، هي قبيلة غطفان واتفقوا مع زعمائها على الانضمام لجيش قريش..

وضعت خطة الحرب، ووظعت أدوارها.. فقريش وغطفان يهاجمان المدينة بجيش عرمرم كبير..

واليهود يقومون بدور تخريبي داخل المدينة وحولها في الوقت الذي يباغتها فيه الجيش المهاجم..




ولما علم النبي عليه الصلاة والسلام بالمؤامرة الغادرة راح يعد لها العدة.. فأمر بحفر خندق حول المدينة ليعوق زحف المهاجمين.

وأرسل سعد بن معاذ وسعد بن عبادة الى كعب بن أسد زعيم يهود بني قريظة، ليتبينا حقيقة موقف هؤلاء من الحرب المرتقبة، وكان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يهود بني قريظة عهود ومواثيق..

فلما التقى مبعوثا الرسول بزعيم بني قريظة فوجئا يقول لكم:

ليس بيننا وبين محمد عهد ولا عقد.!!


**


عز على الرسول عليه الصلاة والسلام أن يتعرض أهل المدينة لهذا الغزو المدمدم والحصار المنهك، ففكر في أن يعزل غطفان عن قريش، فينقض الجيش المهاجم بنصف عدده، ونصف قوته، وراح بالفعل يفاوض زعماء غطفان على أن ينفضوا أيديهم عن هذه الحرب، ولهم لقاء ذلك ثلث ثمار المدينة، ورضي قادة غطفان، ولم يبق الا أن يسجل الاتفاق في وثيقة ممهورة..

وعند هذا المدى من المحاولة، وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ لم ير من حقه أن ينفرد بالأمر، فدعا اليه أصحابه رضي الله عنهم ليشاورهم..

واهتم عليه الصلاة والسلام اهتماما خاصا برأي سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة.. فهما زعيما المدينة، وهما بهذا أصحاب حق أول في مناقشة هذا الأمر، واختيار موقف تجاهه..


**


قص رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما حديث التفاوض الذي جرى بينه وبين زعماء غطفان.. وأنبأهما أنه انما لجأ الى هذه المحاولة، رغبة منه في أن يبعد عن المدينة وأهلها هذا الهجوم الخطير، والحصار الرهيب..

وتقدم السعدان الى رسول الله بهذا السؤال:

يا رسول الله..

أهذا رأي تختاره، أم وحي أمرك الله به؟؟

قال الرسول:

بل أمر أختاره لكم..

والله ما أصنع ذلك الا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم الى أمر ما.

وأحس سعد بن معاذ أن أقدارهم كرجال ومؤمنين تواجه امتحانا، أي امتحان..

هنالك قال:

يا رسول الله..

قد كنا وهؤلاء على الشرك وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا من مدينتنا تمرة، الا قرى، أي كرما وضيفة، أ، بيعا..

أفحين أكرمنا الله بالاسلام، وهدانا له، وأعزنا بك وبه، نعطيهم أموالنا..؟؟

والله ما لنا بهذا من حاجة..

ووالله لا نعطيهم الا السيف.. حتى يحكم الله بيننا وبينهم.!!

وعلى الفور




عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رأيه، وأنبأ زعماء غطفان أن أصحابه رفضوا مشروع المفاوضة، وأنه أقر رأيهم والتزم به..


**


وبعد أيام شهدت المدينة حصارا رهيبا..

والحق أنه حصار اختارته هي لنفسها أكثر مما كان مفروضا عليها، وذلك بسبب الخندق الذي حفر حولها ليكون جنة لها ووقاية..

ولبس المسلمون لباس الحرب.

وخرج سعد بن معاذ حاملا سيفه ورمحه وهو ينشد ويقول:

لبث قليلا يشهد الهيجا الجمل ما أجمل الموت اذا حان الأجل

وفي احدى الجولات تلقت ذراع سعد سهما وبيلا، قذفه به أحد المشركين..

وتفجر الدم من وريده وأسعف سريعا اسعافا مؤقتا يرقأ به دمه، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يحمل الى المسجد، وأن تنصب له به خيمة حتى يكون على قرب منه دائما أثناء تمريضه..

وحمل المسلمون فتاهم العظيم الى مكانه في مسجد الرسول..

ورفع سعد بصره الى السماء وقال:

اللهم ان كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها

...

فانه لا قوم أحب الي أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك، وكذبوه، وأخرجوه..

وان كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فاجعل ما أصابني اليوم طريقا للشهادة..

ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة..!


**


لك الله يا سعد بن معاذ..!

فمن ذا الذي يستطيع أن يقول مثل هذا القول، في مثل هذا الموقف سواك..؟؟

ولقد استجاب الله دعاءه..

فكانت اصابته هذه طريقه الى الشهادة، اذ لقي ربه بعد شهر، متأثرا بجراحه..

ولكنه لم يمت حتى شفي صدرا من بني قريظة..

ذلك أنه بعد أن يئست قريش من اقتحام المدينة، ودب في صفوف جيشها الهلع، حمل الجميع متاعهم وسلاحهم، وعادوا مخذولين الى مكة..

ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ترك بني قريظة، يفرضون على المدينة غدرهم كما شاؤوا، أمر لم يعد من حقه أن يتسامح تجاهه..

هنالك أمر أصحابه بالسير الى بني قريظة.

وهناك حاصروهم خمسة وعشرين يوما..

ولما رأى هؤلاء ألا منجى لهم من المسلمين، استسلموا، وتقدموا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم

برجاء أجابهم اليه، وهو أن يحكم فيهم سعد بن معاذ.. وكان سعد حليفهم في الجاهلية..


**


أرسل النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه من جاؤوا بسعد بن معاذ

من مخيمه الذي كان يمرض فيه بالمسجد..

جاء محمولا على دابة، وقد نال منه الاعياء والمرض..

وقال له الرسول:

يا سعد احكم في بني قريظة.

وراح سعد يستعيد محاولات الغدر التي كان آخرها غزوة الخندق والتي كادت لبمدينة تهلك فيها بأهلها..

وقال سعد:

اني أرى أن يقتل مقاتلوهم..

وتسبى ذراريهم..

وتقسم أموالهم..

وهكذا لم يمت سعد حتى شفي صدره من بني قريظة..


**


كان جرح سعد يزداد خطرا كل يوم، بل كل ساعة..

وذات يوم ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعيادته، فألفاه يعيش في لحظات الوداع فأخذ عليه الصلاة والسلام رأسه ووضعه في حجره، وابتهل الى الله قائلا:

اللهم ان سعدا قد جاهد في سبيلك، وصدق رسولك وقضى الذي عليه، فتقبل روحه بخير ما تقبلت به روحا..!

وهطلت كلمات النبي صلى الله عليه وسلم على الروح المودعة بردا وسلاما..

فحاول في جهد، وفتح عينيه راجيا أن يكون وجه رسول الله آخر ما تبصرانه في الحياة وقال:

السلام عليك يا رسول الله..

أما اني لأشهد أنك رسول الله..

وتملى وجه النبي وجه سعد آن ذاك وقال:

هنيئا لك يا أبا عمرو


**


يقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه:

كنت ممن حفروا لسعد قبره..

وكنا كلما حفرنا طبقة من تراب، شممنا ريح المسك.. حتى انتهينا الى اللحد.

وكان مصاب المسلمين في سعد عظيما..

ولكن عزاءهم كان جليلا، حين سمعوا رسولهم الكريم يقول:

لقد اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ..



 


الرد باقتباس
قديم 07-08-2014, 09:38 AM   #19


الصورة الشخصية لـ ابو هادي
ابو هادي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1682
 تاريخ التسجيل :  Apr 2013
 أخر زيارة : 06-23-2015 (06:50 AM)
 المشاركات : 637 [ + ]
 تقييم العضوية :  10
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
الإفتراضي رد : رجال حول الرسول



قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنه
أدهئ العرب لولاء الاسلام


كان الأنصار يعاملونه على حداثة سنه كزعيم..

وكانوا يقولون: لو استطعنا أن نشتري لقيس لحية بأموالنا لفعلنا..

ذلك أنه كان أجرد، ولم يكن ينقصه من صفات الزعامة في عرف قومه سوى اللحية التي كان الرجال يتوجون بها وجوههم.

فمن هذا الفتى الذي ود قومه لو يتنازلون عن أموالهم لقاء لحية تكسو وجهه، وتكمل الشكل الخارجي لعظمته الحقيقية، وزعامته المتفوقة..؟؟

انه قيس بن سعد بن عبادة.

من أجود بيوت لعرب وأعرقها.. البيت الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام:

ان الجود شيمة أهل هذا البيت..

وانه الداهية الذي يتفجر حيلة، ومهارة، وذكاء، والذي قال عن نفسه وهو صادق:

لولا الاسلام، لمكرت مكرا لا تطيقه العرب..!!

ذلك أنه حاد الذكاء، واسع الحيلة، متوقد الذهن.


ولقد كان مكانه يوم صفين مع علي ضد معاوية.. وكان يجلس مع نفسه فيرسم الخدعة التي يمكن أن يؤدي بمعاوية وبمن معه في يوم أو ببعض يوم، بيد أنه يتفحص خدعته هذه التي تفتق عنها ذكاؤه فيجدها من المكر السيء الخطر، ثم يذكر قول الله سبحانه:

(ولا يحيق المكر السوء الا بأهله) ..

فيهب من فوره مستنكرا، ومستغفرا، ولسان حاله يقول:

والله لئن قدر لمعاوية أن يغلبنا، فلن يغلبنا بذكائه، بل بورعنا وتقوانا..!!

ان هذا الأنصاري الخزرجي من بيت زعامة عظيم، ورث المكارم كابرا عن كابر.. فهو ابن سعد بن عبادة، زعيم الخزرج الذي سيكون لنا معه فيما بعد لقاء..

وحين أسلم سعد أخذ بيد ابنه قيس وقدمه الى الرسول قائلا:

هذا خادمك يا رسول الله..

ورأى لرسول في قيس كل سمات التفوق وأمائر الصلاح..

فأدناه منه وقربه اليه وظل قيس صاحب هذه المكانة دائما..




يقول أنس صاحب رسول الله:

كان قيس بن سعد من النبي، بمكان صاحب الشرطة من الأمير.

وحين كان قيس، قبل الاسلام يعامل الناس بذكائه كانوا لا يحتملون منه ومضة ذهن، ولم يكن في المدينة وما حولها الا من يحسب لدهائه ألف حساب.. فلما أسلم، علمه الاسلام أن يعامل الناس باخلاصه، لا بدهائه، ولقد كان ابنا بارا للاسلام، ومن ثم نحى دهاءه جانبا، ولم يعد ينسج به مناوراته القاضية.. وصار كلما واجه موقعا صعبا، يأخذه الحنين الى دهائه المقيد، فيقول عبارته المأثورة:

لولا الاسلام، لمكرت مكرا لا تطيقه العرب

...

!!


**


ولم يكن بين خصاله ما يفوق ذكائه سوى جوده.. ولم يكن الجود خلقا طارئا على قيس، فهو من بيت عريق في الجود والسخاء، كان لأسرة قيس، على عادة أثرياء وكرام العرب يومئذ، مناد يقف فوق مرتفع لهم وينادي الضيفان الى طعامهم نهارا

...

أو يوقد النار لتهدي الغريب الساري ليلا.. وكان الناس يومئذ يقولون: من أحب الشحم، واللحم، فليأت أطم دليم بن حارثة

...


ودليم بن حارثة، هو الجد الثاني لقيس..

ففي هذا البيت العريق أرضع قيس الجود والسماح..

تحث يوما أبا بكر وعمر حول جود قيس وسخائه وقالا:

لو تركنا هذا الفتى لسخائه، لأهلك مال أبيه..

وعلم سعد بن عبادة بمقالتهما عن ابنه قيس، فصاح قائلا:

من يعذرني من أبي قحافة، وابن الخطاب.. يبخلان علي ابني..!!

وأقرض أحد اخوانه المعسرين يوما قرضا كبيرا..

وفي الموعد المضروب للوفاء ذهب الرجل يرد الى قيس قرضه فأبى أن يقبله وقال:

انا لا نعود في شيء أعطيناه.!!


**


وللفطرة الانسانية نهج لا يتخلف، وسنة لا تتبدل.. فحيث يوجد الجود توجد الشجاعة..

أجل ان الجود الحقيقي والشجاعة الحقيقية توأمان، لا يتخلف أحدهما عن الاخر أبدا.. واذا وجدت جودا ولم تجد شجاعة فاعلم أن هذا الذي تراه ليس جودا.. وانما هو مظهر فارغ وكاذب من مظاهر الزهو الأدعاء

...

واذا وجدت شجاعة لا يصاحبها جود، فاعلم أنها ليست شجاعة، انما هي نزوة من نزوات التهور والطيش

...



ولما كان قيس بن سعد يمسك أعنة الجود بيمينه فقد كان يمسك بذات اليمين أعنة الشجاعة والاقدام..


لكأنه المعني بقول الشاعر:


اذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين

تألقت شجاعته في جميع المشاهد التي صاحب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حي..

وواصلت تألقها، في المشاهد التي خاضها بعد أن ذهب الرسول الى الرفيق الأعلى..

والشجاعة التي تعتمد على الصدق بدل الدهاء.. وتتوسل بالوضوح والماوجهة، لا بالمناورة والمراوغة، تحمل صاحبها من المصاعب والمشاق من يؤوده ويضنيه..

ومنذ ألقى قيس وراء ظهره، قدرته الخارقة على الدهاء والمناورة، وحمل هذا الطراز من الشجاعة المسفرة الواضحة، وهو قرير العين بما تسببه له من متاعب وما تجلبه من تبعات

...


ان الشجاعة الحقة تنقذف من اقتناع صاحبها وحده..

هذا الاقتناع الذي لا تكونه شهوة أو نزوة، انما يكونه الصدق مع النفس، والاخلاص للحق

...



وهكذا حين نشب الخلاف بين علي ومعاوية، نرى قيسا يخلوبنفسه، ويبحث عن الحق من خلال اقتناعه، حتى اذا ما رآه مع علي ينهض الى جواره شامخا، قويا مستبسلا..

وفي معارك صفين، والجمل، ونهروان، كان قيس أحد أبطالها المستبسلين..

كان يحمل لواء الأنصار وهو يصيح:

هذا اللواء الذي كنا نخف به

مع النبي وجبريل لنا مدد

ما ضر من كانت الأنصار عيبته

ألا يكون له من غيرهم أحد

ولقد ولاه الامام علي حكم مصر..

وكانت عين معاوية على مصر دائما

...

كان ينظر اليها كأثمن درة في تاجه المنتظر

...



من أجل ذلك لم يكد يرى قيسا يتولى امارتها حتى جن جنونه وخشي أن يحول قيس بينه وبين مصر الى الأبد، حتى لو انتصر هو على الامام علي انتصارا حاسما..

وهكذا راح بكل وسائله الماكرة، وحيله التي لا تحجم عن أمر، يدس عند علي ضد قيس، حتى استدعاه الامام منمصر..


وهنا وجد قيس فرصة سعيدة ليستكمل ذكاءه استعمالا مشروعا، فلقد أدرك بفطنته أن معاوية لعب ضده هذه اللعبة بعد أن فشل في استمالته الى جانبه، لكي يوغر صدره ضد الامام علي، ولكي يضائل من ولائه له.. واذن فخير رد على دهاء معاوية هو المزيد من الولاء لعلي وللحق الذي يمثله علي، والذي هو في نفس الوقت مناط الاقتناع الرشيد والأكيد لقيس بن سعد بن عبادة..

وهكذا لم يحس لحظة أن عليا عزله عن مصر.. فما الولاية، وما الامارة، وما المناصب



كلها عند قيس الا أدوات يخدم بها عقيدته ودينه.. ولئن كانت امارته على مصر وسيلة لخدمة الحق، فان موقفه بجوار علي فوق أرض المعركة وسيلة أخرى لا تقل أهمية ولا روعة..


**


وتبلغ شجاعة قيس ذروة صدقها ونهاها، بعد استشهاد علي وبيعة الحسن..

لقد اقتنع قيس بأن الحسن رضي الله عنه، هو الوارث الشرعي للامامة فبايعه ووقف الى جانبه غير ملق الى الأخطار وبالا..

وحين يضطرهم معاوية لامشاق السيوف، ينهض قيس فيقود خمسة آلاف من الذين حلقوا رؤوسهم حدادا على الامام علي..

ويؤثر الحسن أن يضمد جراح المسلمين التي طال شحوبها، ويضع حدا للقتال المفني المبيد فيفاوض معاوية ثم يبايعه..


هنا يدير قيس خواطره على المسألة من جديد، فيرى أنه مهما يكن في موقف الحسن من الصواب، فان لجنود قيس في ذمته حق الشورى في اختيار المصير، وهكذا يجمعهم ويخطب فيهم قائلا:

ان شئتم جالدت بكم حتى يموت الأعجل منا، وان شئتم أخذت لكم أمانا:..

واختار جنوده الأمر الثاني، فأخذ لهم الامام من معاوية الذي ملأ الحبور نفسه حين رأى مقاديره تريحه من أقوى خصومه شكيمة وأخطرهم عاقبة

...


وفي المدينة المنورة، عام تسع وخمسين، مات الداهية الذي روض الاسلام دهاءه..

مات الرجل الذي كان يقول:

لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ب\يقول:

المكر والخديعة في النار، لكنت من أمكر هذه الأمة..

أجل.. ومات تاركا وراءه عبير رجل أمين على كل ما للاسلام عنده من ذمة، وعهد وميثاق



 


الرد باقتباس
قديم 07-08-2014, 01:13 PM   #20


الصورة الشخصية لـ الوافـــــي
الوافـــــي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2798
 تاريخ التسجيل :  Jul 2014
 أخر زيارة : 07-15-2019 (11:13 PM)
 المشاركات : 3,510 [ + ]
 تقييم العضوية :  33
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره مرة واحدة في مشاركة واحدة
الإفتراضي رد : رجال حول الرسول



بارك الله فيك على ما تقدمه


 


الرد باقتباس
الرد على الموضوع

Bookmarks

الكلمات الدلالية (Tags)
الرسول , حول , رجال


Currently Active Users Viewing This Thread: 1 (0 members and 1 guests)
 
خيارات الموضوع

قوانين المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML مغلق
Trackbacks are متاح
Pingbacks are متاح
Refbacks are متاح


تصميم وتوزيع وتركيب  &الجنوبيه&♥ طموح ديزاين♥


جميع الأوقات GMT +3. الساعة الآن 03:53 PM.


.
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
.

Search Engine Friendly URLs by vBSEO