توتر ايران من مسلسل عمر ( مهنا الحبيل
 

لم يكن هجوم جريدة كيهان الإيرانية على مسلسل عمر ودعوتها لمقاطعة من تعاون في الإعداد الفني للمسلسل إلا مقدمةً لجدل بدا أنه سيأخذ ابعادًا أوسع لتأثير البُعد الفكري للمسلسل وموقف الرأي العام التابع للجمهورية الايرانية داخلها أو في محيط اتباع مدرسة ولي الفقيه من مضامينه، في حين قدّمت قنوات طائفية متشددة او تكفيرية كقناة فدك برامج ومواد تطعن في عمر وتُسقط فقرات شخصيات المسلسل على حديثها في منهج واضح لمقاومة أفكار المسلسل الرئيسية عن سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الخليفة الثاني وثاني أبرز أئمة الإسلام من أصحاب النبي «صلى الله عليه وسلم».ومن الواضح أنّ الموقف المهاجم للمسلسل هنا يستهدف لدى إيران الدوائر التابعة لها من أبناء الطائفة الشيعية، حيث يطرح المسلسل رؤية تُناقض إحدى أهّم ركائز التشيع التكفيري الذي رعته الجمهورية الايرانية كمنهج تجديد وإحياء له وهو يعتمد بصورة كبيرة على ربط قيام فكرة المظلومية الطائفية وبعدها السياسي والاجتماعي التي عملت طهران من خلالها على تحزيب التحشد والتعصّب من حولها من الشيعة العرب وغيرهم طوال ثلاثة عقود بالعداء من الشيخين خاصةً عمر، وتجسيده خصمًا لهذه المظلومية وليس مجرم الحرب يزيد بن معاوية، كما يعتقد البعض، ولذلك حاصرت إيران كل مَن يمسّ أو يشكّك في هذه المرويات من مواقف الاعتدال الشيعي، ولا يُسمح لأي طرف سُنّي ممن تستقطبهم إيران في برامجها المزعومة للوحدة الاسلامية من أي تطرّق نقدي لهذه المفاهيم التحريضية على عُمر أو عرض السيرة الحقيقية لعظمة عمر ومواقفه ومواقف آل البيت منه.
حاصرت إيران كلّ من يمّس أو يشكّك في هذه المرويّات من مواقف الاعتدال الشيعي، ولا يُسمح لأي طرف سُنّي ممن تستقطبهم إيران في برامجها المزعومة للوحدة الاسلامية من أي تطرّق نقدي لهذه المفاهيم التحريضية على عُمر أو عرض السيرة الحقيقية لعظمة عمر ومواقفه ومواقف آل البيت منه.
ويأتي هذا المسلسل لطرح سيرة عمر الحقيقية بمنهج الدراما ذي التأثير الفكري أو الجدلي ضد التابوهات المغلقة للكراهية الطائفية، خاصةً أنّه يجمع أبناء الطائفة العرب الشيعة مع أقرانهم السُنة على طاولة المشاهد التليفزيونية التي تصل للكبير والصغير، الامر الثاني أنّه يطرح فكرة ضمن مسار فني له توثيقاته التاريخية وليس من خلال جدل عقائدي سواءً المنهج الذي يعتمد على سب الشيعة وقذفهم وممارسة الفحش الاخلاقي ثم إدراج ذلك ضمن دعوتهم للتحوّل المذهبي، فهذا المسلك لا تبدي منه إيران ومحيطها الايديولوجي قلقًا بل قد تبرزه وتضخمه؛ لأنه يحقق حركة تحريض نفسي ضد الانسان الشيعي المساء لكرامته الفردية او الاعتبارية كما تردد الأوساط الطائفية وبالتالي تتعزز دائرة استدعاء الروح العدائية لديه من الشريك المجتمعي الذي يُربط بالصدر الاول. هنا هذه الدراما تخرج من كل هذا الجدل وتعكس رسالة مهمة جدًا للمشاهد الشيعي حيث تنقله الى فكرة الرسالة الأولى وعظمة شخصياتها ومؤاخاة عمر وعلي العملية في العهد الاول وإن وجد خلاف بينهما بعد السقيفة لكنه لم يمنع تآخيهما واتحادهما، ولم يكن كما يصوره التشيّع التكفيري من بشاعة وصف ونقض لهذا الجيل المبهر، فكيف بعدالة عمر المذهلة للتاريخ العالمي، وقد هزّ عُمر الوجدان الإنساني لمفاهيم الإسلام الكبرى عن الحرية والكرامة والإنسان التي كما قررها الباحث العراقي حسن العلوي تربط الشيعي العربي بعمر رباطًا إيجابيًا حين يتحرر من اساطير الكذب المؤسسة في سياق صراع وهمي، بُني عليه مشروع مؤلم ومفجع من المفاصلة والكراهية للجيل الاول، وبالتالي يثور التساؤل المستقل للإنسان وجيل الشباب الجديد: علامَ أوقدُ معركتي مع عُمر وكراهيته بتطبيرٍ لا ينتهي من المواسم..؟، في حين كانت معركة عمر مع الاستبداد وانتزاع حرية الإنسان وقوامة الدين المجيد، كم عليَّ أن أُنفق من سنوات كراهية جديدة ولماذا لا أتعرّف على عمر الذي أوجده الله في التاريخ لا كُتب الاساطير. هذه القضية خطيرة جدًا على المشروع المركزي لفكرة ايديولوجية ولي الفقيه الإيرانية، وليس ما نقصده هو التحوّل المذهبي الأسمى.. كلا، فالله قد سمّى الامة أمة المسلمين والمعتقد هو ضمير وفكر وعمل، لن يُغيّره جدول التصنيف ما دام القلب والوجدان لم يهتدِ، لكن المقصود هنا في هذا المفصل السياسي الفكري هو أن خلاص الإنسان والشاب الشيعي من عداوة الشيخين والصدر الأول يعني بدء حياةٍ جديدةٍ لإنسانيته وشراكته تعتمد العقل والوحدة وتربطه اكثر بشريكه المجتمعي بل وبفكر الحضارة الإسلامي، وهذا يعني خسارة ايران فكرة فصل الاوطان والإنسان الذي تؤسس عليه طموحها السياسي من هنا نعرف ان تقريب عمر للسُنة والشيعة يزعجها حتى ولو جاء من مسلسل درامي.. إنه الفزع السياسي.