منتدى الآصالةوالتاريخ حريب بيحان
ينتهي : 30-04-2025
عدد مرات النقر : 1,255
عدد  مرات الظهور : 28,065,901

عدد مرات النقر : 4,101
عدد  مرات الظهور : 72,086,258
عدد  مرات الظهور : 67,802,227
قناة حريب بيحان " يوتيوب "
عدد مرات النقر : 2,281
عدد  مرات الظهور : 72,087,060مركز تحميل منتديات حريب بيحان
ينتهي : 19-12-2025
عدد مرات النقر : 3,929
عدد  مرات الظهور : 68,302,987
آخر 10 مشاركات
صـبـــاحكم سكــر // مســـاؤكم ورد معطر (الكاتـب : - المشاركات : 2380 - المشاهدات : 165273 - الوقت: 02:40 AM - التاريخ: 03-29-2024)           »          ورد يومي صفحه من القرآن الكريم (الكاتـب : - المشاركات : 93 - المشاهدات : 794 - الوقت: 06:53 AM - التاريخ: 03-23-2024)           »          شهرمبارك كل عام وأنتم بخير (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 3 - المشاهدات : 44 - الوقت: 04:06 AM - التاريخ: 03-18-2024)           »          تدمير دبابة ميركافا الإسرائيلية (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 2 - المشاهدات : 106 - الوقت: 06:53 AM - التاريخ: 03-17-2024)           »          قراءة في سورة البقرة (الكاتـب : - المشاركات : 0 - المشاهدات : 27 - الوقت: 06:45 AM - التاريخ: 03-17-2024)           »          بقايا الذكريات (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 18 - المشاهدات : 459 - الوقت: 06:13 AM - التاريخ: 03-10-2024)           »          بيت شعر تهديه لمن يعز عليك (( (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 1316 - المشاهدات : 110031 - الوقت: 02:18 AM - التاريخ: 03-04-2024)           »          سجل حضورك بأجمل بيت شعر يروق لك (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 1602 - المشاهدات : 161876 - الوقت: 02:15 AM - التاريخ: 03-04-2024)           »          الحمدلله عدنا والعود أحمد بعد غياب طويل (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 1 - المشاهدات : 74 - الوقت: 04:35 AM - التاريخ: 02-26-2024)           »          التصعيد في المنطقه (الكاتـب : - المشاركات : 0 - المشاهدات : 74 - الوقت: 12:05 PM - التاريخ: 02-24-2024)


الإهداءات



النقاش العام والمواضيع العامة للأخبار والمواضيع العامة


ابن خلدون .. و مقدمته الشهيرة

للأخبار والمواضيع العامة


ابن خلدون .. و مقدمته الشهيرة

ابن خلدون **************

الرد على الموضوع
 
LinkBack خيارات الموضوع
قديم 07-30-2012, 11:48 PM   #1


الصورة الشخصية لـ بيحان
بيحان غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 02-11-2020 (09:01 PM)
 المشاركات : 9,692 [ + ]
 تقييم العضوية :  159
 مشاهدة أوسمتي
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 13 مرة في 13 مشاركة
الإفتراضي ابن خلدون .. و مقدمته الشهيرة






ابن خلدون


**************










ولد ابن خلدون في تونس عام 1332م (732هـ) بالدار الكائنة بنهج تربة الباي رقم 34. أسرة ابن خلدون أسرة علم وأدب، فقد حفظ القرآن الكريم في طفولته، وكان أبوه هو معلمه الأول , شغل أجداده في الأندلس وتونس مناصب سياسية ودينية مهمة وكانوا أهل جاه ونفوذ، نزح أهله من الأندلس في منتصف القرن السابع الهجري، وتوجهوا إلى تونس، وكان قدوم عائلته إلى تونس خلال حكم دولة الحفصيين


قضى أغلب مراحل حياته في تونس والمغرب الأقصى وكتب الجزء الأول من المقدمة بقلعة أولاد سلامة بالجزائر، وعمل بالتدريس في جامع الزيتونة بتونس وفي المغرب بجامعة القرويين في فاس الذي أسسته الأختان الفهري القيروانيتان وبعدها في الجامع الأزهر بالقاهرة، مصروالمدرسة الظاهرية وغيرهم [ ابن خلدون، موقع كول بيدجس ]وفي آخر حياته تولى القضاء المالكي بمصر بوصفه فقيهاً متميزاً خاصة أنه سليل المدرسة الزيتونية العريقة وكان في طفولته قد درس بمسجد القبة الموجود قرب منزله سالف الذكر المسمى "سيد القبّة" . توفي في القاهرة سنة 1406 م (808هـ). ومن بين أساتذته الفقيه الزيتوني الإمام ابن عرفة حيث درس بجامع الزيتونة المعمور ومنارة العلوم بالعالم الإسلامي آنذاك.




يعتبر ابن خلدون أحد العلماء الذين تفخر بهم الحضارة الإسلامية، فهو مؤسس علم الاجتماع وأول من وضعه على أسسه الحديثة، وقد توصل إلى نظريات باهرة في هذا العلم حول قوانين العمران ونظرية العصبية، وبناء الدولة وأطوار عمارها وسقوطها. وقد سبقت آراؤه ونظرياته ما توصل إليه لاحقاً بعدة قرون عدد من مشاهير العلماء كالعالم الفرنسي أوجست كونت.


عدّدَ المؤرخون لابن خلدون عدداً من المصنفات في التاريخ والحساب و المنطق غير أن من أشهر كتبه كتاب بعنوان العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، وهو يقع في سبعة مجلدات وأولها المقدمة وهي المشهورة أيضاً بمقدمة ابن خلدون، وتشغل من هذا الكتاب ثلثه، وهي عبارة عن مدخل موسع لهذا الكتاب وفيها يتحدث ابن خلدون ويؤصل لآرائه في الجغرافيا والعمران والفلك وأحوال البشر وطبائعهم والمؤثرات التي تميز بعضهم عن الآخر.






اعتزل ابن خلدون الحياة بعد تجارب مليئة بالصراعات والحزن على وفاة أبويه وكثير من شيوخه إثر وباء الطاعون الذي انتشر في جميع أنحاء العالم سنة 749هجرية (1323 م) وتفرغ لأربعة سنوات في البحث والتنقيب في العلوم الإنسانية معتزلاً الناس في سنوات عمره الأخيرة، ليكتب سفره المجيد أو ما عرف بمقدمة ابن خلدون ومؤسسا لعلم الاجتماع بناء على الاستنتاج والتحليل في قصص التاريخ وحياة الإنسان. واستطاع بتلك التجربة القاسية أن يمتلك صرامة موضوعية في البحث والتفكير.


ابتكر ابن خلدون وصاغ فلسفة للتاريخ هي بدون شك أعظم ما توصل اليه الفكر البشري في مختلف العصور والأمم. أرنولد توينبي


إن مؤلف ابن خلدون هو أحد أهم المؤلفات التي انجزها الفكر الإنساني. جورج مارسيز


ان مؤلف ابن خلدون يمثل ظهور التاريخ كعلم، وهو أروع عنصر فيما يمكن أن يسمى بالمعجزة العربية. ايف لاكوست


انك تنبئنا بأن ابن خلدون في القرن الرابع عشر كان أول من اكتشف دور العوامل الاقتصادية وعلاقات الإنتاج. ان هذا النبأ قد أحدث وقعا مثيرا وقد اهتم به صديق الطرفين (المقصود به لينين) اهتماما خاصا. من رسالة بعث بها مكسيم غوركي إلى المفكر الروسي انوتشين بتاريخ 21/ايلول سبتمبر 1912.


تُرى أليس في الشرق آخرون من أمثال هذا الفيلسوف. لينين


ففي ما يتعلق بدراسة هيكل المجتمعات وتطورها فإن أكثر الوجوه يمثل تقدما يتمثل في شخص ابن خلدون العالم والفنان ورجل الحرب والفقيه والفيلسوف الذي يضارع عمالقة النهضة عندنا بعبقريته العالمية منذ القرن الرابع عشر. روجية غارودي


هذا غيض من فيض مما قاله بعض أقطاب الفكر الغربيين ناهيك عن المفكرين العرب والمسلمين وفيما يلي سنحاول حصر بعض المواضيع التي تناولها ابن خلدون بالبحث دون أن ندعي أننا سنوفيها حقها وكيف نستطيع ذلك وفي كل يوم نكتشف الجديد حول هذا العالِم.






منقول


*********


hfk og],k >> , lr]lji hgaidvm



 


الرد باقتباس
قديم 07-30-2012, 11:49 PM   #2


الصورة الشخصية لـ بيحان
بيحان غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 02-11-2020 (09:01 PM)
 المشاركات : 9,692 [ + ]
 تقييم العضوية :  159
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 13 مرة في 13 مشاركة
الإفتراضي



علم التاريخ لدى ابن خلدون
*************************




لقد تجمعت في شخصية ابن خلدون العناصر الأساسية النظرية والعملية التي تجعل منه مؤرخاً حقيقياً - رغم أنه لم يول في بداية حياته الثقافية عناية خاصة بمادة التاريخ - ذلك أنه لم يراقب الأحداث والوقائع عن بعد كبقية المؤرخين، بل ساهم إلى حد بعيد ومن موقع المسؤولية في صنع تلك الأحداث والوقائع خلال مدة طويلة من حياته العملية تجاوزت 50 عاما، وضمن بوتقة جغرافية امتدت من الاندلس وحتى بلاد الشام. فقد استطاع، ولأول مرة، (اذا استثنينا بعض المحاولات البسيطة هنا وهناك) أن يوضح أن الوقائع التاريخية لا تحدث بمحض الصدفة أو بسبب قوى خارجية مجهولة، بل هي نتيجة عوامل كامنة داخل المجتمعات الإنسانية، لذلك انطلق في دراسته للأحداث التاريخية من الحركة الباطنية الجوهرية للتاريخ. فعلم التاريخ، وان كان (لايزيد في ظاهره عن أخبار الايام والدول) انما هو في باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق، لذلك فهو أصيل في الحكمة عريق، وجدير بأن يعد في علومها وخليق(المقدمة). فهو بذلك قد اتبع منهجا في دراسة التاريخ يجعل كل أحداثه ملازمة للعمران البشري وتسير وفق قانون ثابت.
يقول: فالقانون في تمييز الحق من الباطل في الأخبار بالإمكان والاستحالة أن ننظر في الاجتماع البشري الذي هو العمران ونميز ما يلحقه لذاته وبمقتضى طبعه وما يكون عارضا لا يعتد به وما لايمكن أن يعرض له، وإذا فعلنا ذلك، كان ذلك لنا قانونا في تمييز الحق من الباطل في الأخبار، والصدق من الكذب بوجه برهان لا مدخل للشك فيه، وحينئذ فاذا سمعنا عن شيء من الأحوال الواقعة في العمران علمنا ما نحكم بقبوله مما نحكم بتزييفه، وكان ذلك لنا معيارا صحيحا يتحرى به المؤرخون طريق الصدق والصواب فيما ينقلونه .
وهكذا فهو وان لم يكتشف مادة التاريخ فانه جعلها علما ووضع لها فلسفة ومنهجا علميا نقديا نقلاها من عالم الوصف السطحي والسرد غير المعلل إلى عالم التحليل العقلاني والأحداث المعللة بأسباب عامة منطقية ضمن ما يطلق عليه الآن بالحتمية التاريخية، وذلك ليس ضمن مجتمعه فحسب، بل في كافة المجتمعات الإنسانية وفي كل العصور، وهذا ما جعل منه أيضا وبحق أول من اقتحم ميدان ما يسمى بتاريخ الحضارات أو التاريخ المقارن.إني أدخل الأسباب العامة في دراسة الوقائع الجزئية، وعندئذ أفهم تاريخ الجنس البشري في إطار شامل...اني ابحث عن الأسباب والأصول للحوادث السياسية. كذلك قوله هذا خلا من باب الأسباب على العموم على الأخبار الخصوص فاستوعب أخبار الخليقة استيعابا...وأعطي الحوادث علة أسبابا.



 


الرد باقتباس
قديم 07-30-2012, 11:49 PM   #3


الصورة الشخصية لـ بيحان
بيحان غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 02-11-2020 (09:01 PM)
 المشاركات : 9,692 [ + ]
 تقييم العضوية :  159
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 13 مرة في 13 مشاركة
الإفتراضي



مقدمة ابن خلدون
*********************

القسم الأول :


اعلم أن فن التاريخ فن عزيز المذهبجم الفوائد شريف الغاية إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم. والأنبياء في سيرهم. و الملوك في دولهم و سياستهم. حتى تتم فائدة الإقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين و الدنيا فهو محتاج إلى مآخذ متعددة و معارف متنوعة و حسن نظر و تثبت يفضيان بصاحبهما إلى الحق و ينكبان به عن المزلات و المغالط لأن الأخبارإذا اعتمد فيها على مجرد النقل و لم تحكم أصول العادة و قواعد السياسة و طبيعة العمران و الأحوال في الاجتماع الإنساني و لا قيس الغائب منها بالشاهد و الحاضر بالذاهب فربما لم يؤمن فيها من العثور و مزلة القدم و الحيد عن جادة الصدق و كثيراً ما وقع للمؤرخين و المفسرين و أئمة النقل من المغالط في الحكايات و الوقائع لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثاً أو سميناً و لم يعرضوها على أصولها و لا قاسوها بأشباهها و لا سبروها بمعيار الحكمة و الوقوف على طبائع الكائنات و تحكيم النظر والبصيرة في الأخبار فضلوا عن الحق و تاهوا في بيداء الوهم و الغلط و لا سيما في إحصاء الأعداد من الأموال و العساكر إذا عرضت في الحكايات إذ هي مظنة الكذب و مطية الهذر و لا بد من ردها إلى الأصول و عرضها على القواعد.


و هذا كما نقل المسعودي و كثير من المؤرخين في جيوش بني إسرائيل بأن موسى عليه السلام أحصاهم في التيه بعد أن أجاز من يطيق حمل السلاح خاصة من ابن عشرين فما فوقها فكانوا ستمائة ألف أو يزيدون و يذهل في ذلك عن تقدير مصر و الشام و اتساعهما لمثل هذا العدد من الجيوش لكل مملكة من الممالك حصة من الحامية تتسع لها و تقوم بوظائفها و تضيق عما فوقها تشهد بذلك العوائد المعروفة و الأحوال المألوفة ثم أن مثل هذه الجيوش البالغة إلى مثل هذا العدد يبعد أن يقع بينها زحف أو قتال لضيق مساحة الأرض عنها و بعدها إذا اصطفت عن مدى البصر مرتين أو ثلاثاً أو أزيد فكيف يقتتل هذان الفريقان أو تكون غلبة أحد الصفين و شيىء من جوانبه لا يشعر بالجانب الآخر و الحاضر يشهد لذلك فالماضي أشبه بالآتي من الماء بالماء.


و لقد كان ملك الفرس و دولتهم أعظم من ملك بني إسرائيل بكثير يشهد لذلك ما كان من غلب بختنصر لهم و التهامه بلادهم و استيلائه على أمرهم و تخريب بيت المقدس قاعدة ملتهم و سلطانهم وهو من بعض عمال مملكة فارس يقال إنه كان مرزبان المغرب من تخومها و كانت ممالكهم بالعراقين و خراسان و ما وراء النهر و الأبواب أوسع من ممالك بني إسرائيل بكثير ومع ذلك لم تبلغ جيوش الفرس قط مثل هذا العدد و لا قريباً منه و أعظم ما كانت جموعهم بالقادسية مائة و عشرين ألفاً كلهم متبوع على ما نقله سيف قال و كانوا في أتباعهم أكثر من مائتي ألف و عن عائشة و الزهري فأن جموع رستم الذين زحف بهم سعد بالقادسية إنما كانوا ستين ألفاً كلهم متبوع و أيضاً فلو بلغ بنو إسرائيل مثل هذا العدد لاتسع نطاق ملكهم و انفسح مدى دولتهم فإن العمالات و الممالك في الدول على نسبة الحامية والقبيل القائمين بها في قتلها و كثرتها حسبما نبين في فضل الممالك من الكتاب الأول و القوم لم تتسع ممالكهم إلى غير الأردن و فلسطين من الشام و بلاد يثرب و خيبر من الحجاز على ما هو المعروف.


و أيضاً فالذي بين موسى و إسرائيل إنما في أربعة آباء على ما ذكره المحققون فإنه موسى بن عمران بن يصهر بن قاهت بفتح الهاء وكسرها ابن لاري بكسر الواو و فتحها ابن يعقوب و هو إسرائيل الله هكذا نسبه في التوراة والمدة بينهما على ما نقله المسعودي قال دخل إسرائيل مصر مع ولده الأسباط و أولادهم حين أتوا إلى يوسف سبعين نفساً و كان مقامهم بمصر إلى أن خرجوا مع موسى عليه السلام إلى التيه مائتين و عشرين سنة تتداولهم ملوك القبط من الفراعنة و يبعد أن يتشعب النسل في أربعة أجيال إلى مثل هذا العدد و إن زعموا أن عدد تلك الجيوش إنما كان في زمن سليمان و من بعده فبعيد أيضاً إذ ليس بين سليمان وإسرائيل إلا أحد عشر أباً فإنه سليمان بن داود بن يشا بن عوفيذ و يقال ابن عوفذ ابن باعز و يقال بوعز بن سلمون بن نحشون بن عم ينوذب و يقال حميناذاب بن رم بن حصرون ويقال حسرون بن بارس و يقال ببرس بن يهوذا بن يعقوب و لا يتشعب النسل في أحد عشر من الولد إلى مثل هذا العدد الذي زعموه اللهم إلى المئتين و الآلاف فربما يكون و أما أن يتجاوز إلى ما بعدهما من عقود الأعداد فبعيد و اعتبر ذلك في الحاضر المشاهد والقريب المعروف تجد زعمهم باطلاً و نقلهم كاذباً.


و الذي ثبت في الاسرائيلياتأن جنود سليمان كانت اثني عشر ألفاً خاصة و أن مقرباته كانت ألفاً و أربعمائة فرسمرتبطة على أبوابه هذا هو الصحيح من أخبارهم و لا يلتفت إلى خرافات العامة منهم وفي أيام سليمان عليه السلام و ملكه كان عنفوان دولتهم و أتساع ملكهم هذا و قد نجد الكافة من أهل المصر إذا أفاضوا في الحديث عن عساكر الدول التي لعهدهم أو قريباً منه و تفاوضوا في الأخبار عن جيوش المسلمين أو النصارى أو أخذوا في إحصاء أموال الجبايات و خراج السلطان و نفقات المترفين و بضائع الأغنياء الموسرين توغلوا في العدد و تجاوزوا حدود العوائد و طاوعوا وساوس الأعراب فإذا استكشف أصحاب الدواوين عن عساكرهم و استنبطت أحوال أهل الثروة في بضائعهم و فوائدهم و استجليت عوائدالمترفين في نفقاتهم لم تجد معشار ما يعدونه و ما ذلك إلا لو لوع النفس يالغرائب وسهولة التجاوز على اللسان و الغفلة على المتعقب و المنتقد حتى لا يحاسب نفسه علىخطإ و لا عمد و لا يطالبه في الخبر بتوسط و لا عدالة ولا يرجعها إلى بحث و تفتيش فيرسل عنانه و يسيم في مراتع الكذب لسانه و يتخذ آيات الله هزءاً و يشتري لهو الحديث ليصل عن سبيل الله و حسبك بها صفقة خاسرة.


و من الأخبار الواهية للمؤرخين ما ينقلونه كافة في أخبار التبابعة ملوك اليمن و جزيرة العرب أنهم كانوا يغزون من قراهم باليمن إلى أفريقية و البربر من بلاد المغرب و أن أفريقش بن قيس بنصيفي من أعاظم ملوكهم الأول و كان لعهد موسى عليه السلام أو قبله بقليل غزا أفريقية و أثخن في البربر و أنه الذي سماهم بهذا الاسم حين سمع رطانتهم و قال ما هذه البربرة فأخذ هذا الاسم عنه و دعوا به من حينئذ و أنه لما انصرف من المغرب حجزهنالك قبائل من حمير فأقاموا بها و اختلطوا بأهلها و منهم صنهاجة و كتامة و من هذا ذهب الطبري والجرجاني والمسعودي و ابن الكلبي والبيلي إلى أن صنهاجة و كتامة من حمير وتاباه نسابة البربر و هو الصحيح و ذكرالمسعودي أيضاً أن ذا الإذعار من ملوكهم قبل أفريقش و كان على عهد سليمان عليه السلام غزا المغرب و دوخه و كذلك ذكر مثله عن ياسر ابنه من بعده وإنه بلغ وادي الرمل في بلاد المغرب و لم يجد فيه مسلكاً لكثرة الرمل فرجع و كذلك يقولون في تبع الآخر و هو أسعد أبو كرب و كان على عهد يستأنف من ملوك الفرس الكيانية أنه ملك الموصل و أذربيجان و لقي الترك فهزمهم و أثخن ثم غزاهم ثانية وثالثة كذلك و أنه بعد ذلك أغزى ثلاثة من بنيه بلاد فارس و إلى بلاد الصغد من بلاد أمم الترك وراء النهر و إلى بلاد الروم فملك الأول البلاد إلى سمرقند و قطع المفازة إلى الصين فوجد أخاه الثاني الذي غزا إلى سمرقند قد سبقه إليها ثم فأثخنا في بلادالصين و رجعا جميعاً بالغنائم و تركوا ببلاد الصين قبائل من حمير فهم بها إلى هذاالعهد و بلغ الثالث إلى قسطنطينية فدرسها و دوخ بلاد الروم و رجع.


و هذه الأخبار كلها بعيدة عن الصحة عريقة في الوهم و الغلط و أشبه بأحاديث القصص الموضوعة . و ذلك أن ملك التبابعة إنما كان بجزيرة العرب و قرارهم و كرسيهم بصنعاء اليمن . وجزيرة العرب يحيط بها البحر من ثلاث جهاتها فبحر الهند من الجنوب و بحر فارس الهابط منه إلى البصرة من المشرق و بحر السويس الهابط منه إلى السويس من أعمال مصر من جهة المغرب كما تراه في مصور الجغرافيا فلا يجد السالكون من اليمن إلى المغرب طريقاً منغير السويس و المسلك هناك ما بين بحر السويس و البحر الشامي قدر مرحلتين فما دونهما و يبعد أن يمر بهذا المسلك ملك عظيم في عساكر موفورة من غير أن يصير من أعماله هذه ممتنع في العادة. و قد كان بتلك الأعمال العمالقة و كنعان بالشام و القبط بمصر ثمملك العمالقة مصر و ملك بنو إسرائيل الشام و لم ينقل قط أن التبابعة حاربوا أحداً من هؤلاء الأمم. و لا ملكوا شيئاً من تلك الأعمال و أيضاً فالشقة من البحر إلى المغرب بعيدة و الأزودة و العلوفة للعساكر كثيرة فإذا ساروا في غير أعمالهم احتاجوا إلى انتهاب الزرع و النعم و انتهاب البلاد فيما يمرون عليه و لا يكفي ذلك للأزودة وللعلوفة عادة و إن نقلوا كفايتهم من ذلك من أعمالهم فلا تفي لهم الرواحل بنقله فلابد و أن يمروا في طريقهم كلها بأعمال قد ملكوها و دوخوها لتكون الميرة منها و إنقلنا أن تلك العساكر تمر بهؤلاء الأمم من غير أن تهيجهم فتحصل لهم الميرة بالمسالمة فذلك أبعد و أشد امتناعاً فدل على أن هذه الأخبار واهية أو موضوعة.


و أما وادي الرمل الذي يعجز السالك فلم يسمع قط في ذكره في المغرب على كثرة سالكه و من يقص طرقه من الركاب و القرى في كل عصر و كل جهة و هو على ما ذكروه من الغرابة تتوفرالدواعي على نقله. و أما غزوهم بلاد الشرق و أرض الترك و إن كان طريقه أوسع من مسالك السويس إلا أن الشقة هنا أبعد و أمم فارس و الروم معترضون فيها دون الترك ولم نقل قط أن التبابعة ملكوا بلاد فارس و لا بلاد الروم و إنما كانوا يحاربون أهل فارس على حدود بلاد العراق و ما بين البحرين و الحيرة و الجزيرة بين دجلة و الفراتو ما بينهما في الأعمال و قد وقع ذلك بين ذي الإذعار منهم و كيكاوس من ملوك الكيانية و بين تبع الأصغر أبي كرب و يستاسف معهم أيضاً و مع ملوك الطوائف بعد الكيانية و الساسانية في من بعدهم بمجاوزة أرض فارس بالغزو إلى بلاد الترك و التبتو هو ممتنع عادة من بعدهم أجل الأمم المعترضة منهم و الحاجة إلى الأزودة و العلوفات مع بعد الشقة كما مر فالأخبار بذلك واهية مدخولة و هي لو كانت صحيحة النقل لكان ذلك قادحاً فيها فكيف و هي لم تنقل من وجه صحيح و قول ابن إسحاق في خبر يثرب و الأوس و الخزرج أن تبعاً الآخر سار إلى المشرق محمولاً على العراق و بلاد فارس و أما بلاد الترك و التبت فلا يصح غزوهم إليها بوجه لما تقرر فلا تثق بما يلقى إليك من ذلك و تأمل الأخبار و أعرضها على القوانين الصحيحة يقع لكي يتم حيصها بأحسن وجه و الله الهادي إلى الصواب.



 


الرد باقتباس
قديم 07-30-2012, 11:52 PM   #4


الصورة الشخصية لـ بيحان
بيحان غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 02-11-2020 (09:01 PM)
 المشاركات : 9,692 [ + ]
 تقييم العضوية :  159
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 13 مرة في 13 مشاركة
الإفتراضي



القسم الثاني :



و أبعد من ذلك و أعرق في الوهم ما يتناقله المفسرون في تفسير سورة والفجر في قوله تعالى ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد فيجعلون لفظة إرم اسماً لمدينة وصفت بأنها ذات عماد أي أساطين و ينقلون أنهكان لعاد بن عوص بن إرم ابنان هما شديد و شداد ملكا من بعده و هلك شديد فخلص الملكلشداد و دانت له ملوكهم و سمع وصف الجنة فقال لأبنين مثلها فبنى مدينة إرم في صحارى عدن في مدة ثلثمائة سنة و كان عمره تسعمائة سنة و أنها مدينة عظيمة قصورها من الذهبو أساطينها من الزبرجد و الياقوت و فيها أصناف الشجر و الأنهار المطردة و لما تمبناؤها سار إليها بأهل مملكته حتى إذا كان منها على مسيرة يوم و ليلة بعث اللهعليهم صيحة من السماء فهلكوا كلهم. ذكر ذلك الطبري والثعالبي و الزمخشري و غيره ممن المفسرين و ينقلون عن عبد الله بن قلابة من الصحابة أنه خرج في طلب إبل له فوقع عليها و حمل منها ما قدر عليه و بلغ خبره معاوية فأحضره و قص عليه فبحث عن كعب الأخبار و سأله عن ذلك فقال هي إرم ذات العماد من سيدخلها رجل من المسلمين أحمرأشقر قصير على حاجبه خال و على عنقه خال يخرج في طلب إبل له ثم التفت فأبصر ابن قلابة فقال هذا و الله ذلك الرجل.


و هذه المدينة لم يسمع لها خبر من يومئذ في شيىء من بقاع الأرض و صحارى عدن التي زعموا أنها بنيت فيها هي في وسط اليمن و مازال عمرانه متعاقباً و الأدلاء تقص طرقه من كل وجه و لم ينقل عن هذه المدينة خبر و لاذكرها أحد من الإخباريين و لا من الأمم و لو قالوا أنها درست فيما درس من الآثارلكان أشبه إلا أن ظاهر كلامهم أنها موجودة و بعضهم يقول أنها دمشق بناء على أن قوم عاد ملكوها و قد ينتهي الهذيان ببعضهم إلى أنها غائبة و إنما يعثر عليها أهل الرياضة و السحر مزاعم كلها أشبه بالخرافات و الذي حمل المفسرين على ذلك ما اقتضته صناعة الإعراب في لفظة ذات العماد أنها صفة إرم و حملوا العماد على الأساطين فتعين أن يكون بناء و رشح لهم ذلك قراءة ابن الزبير عاد إرم على الإضافة من غير تنويون ثم وقفوا على تلك الحكايات التي هي أشبه بالأقاصيص الموضوعة التي هي أقرب إلى الكذب المنقولة في عداد المضحكات و إلا فالعماد هي عماد الأخبية بل الخيام و إن أريد بها الأساطين فلا بدع في وصفهم بأنهم أهل بناء و أساطين على العموم بما اشتهر من قوتهم لأنه بناء خاص في مدينة معينة أو غيرها و إن أضيفت كما في قراءة ابن الزبير فعلى إضافة الفصيلة إلى القبيلة كما تقول قريش كنانة و إلياس مضر و ربيعة نزار أي ضرورة إلى هذا المحمل البعيد الذي تمحلت لتوجيهه لأمثال هذه الحكايات الواهية التي ينزه كتاب الله عن مثلها لبعدها عن الصحة.

و من الحكايات المدخولة للمؤرخين ما ينقلونه كافة في سبب نكبة الرشيد للبرامكة من قصة العباسة أخته مع جعفر بن يحيى بن خالد مولاه و أنه لكلفه بمكانهما من معاقرته إياهما الخمر أذن لهما في عقد النكاح دون الخلوة حرصاً على اجتماعهما في مجلسه و أن العباسة تحيلت عليه في التماس الخلوةب ه لما شغفها من حبه حتى


واقعها زعموا في حالة السكر فحملت و وشي بذلك للرشيد فاستغضب و هيهات ذلك من منصب العباسة في دينها و أبويها و جلالها و أنها بنت عبدالله بن عباس و ليس بينها و بينه إلا أربعة رجال هم أشراف الدين و عظماء الملة منبعده. و العباسة بنت محمد المهدي ابن عبد الله أبي جعفر المنصور بن محمد السجاد ابن علي أبي الخلفاء ابن عبد الله ترجمان القرآن ابن العباس عم النبي صلى الله عليه و سلم ابنة خليفة أخت خليفة محفوفة بالملك العزيز و الخلافة النبوية و صحبة الرسول و عمومته و إقامة الملة و نور الوحي و مهبط الملائكة من سائر جهاتها قريبة عهد ببداوة العروبية و سذاجة الذين البعيدة عن عوائد الترف و مراتع الفواحش فأين يطلب الصون و العفاف إذا ذهب عنها أو أين توجد الطهارة و الذكاء إذا فقدا من بيتها أوكيف تلحم نسبها بجعفر بن يحيى و تدنس شرفها العربي بمولى من موالي العجم بملكة جدهمن الفرس أو بولاء جدها من عمومة الرسول و أشراف قريش و غايته أن جذبت دولتهم بضبع هو ضبع أبيه و استخلصتهم و رقتهم إلى منازل الأشراف و كيف يسوغ من الرشيد أن يصهر إلى موالي الأعاجم على بعد همته و عظم آبائه و لو نظر المتأمل في ذلك نظر المنصف و قاس العباسة بابنة ملك من عظماء ملوك زمانه لاستنكف لها عن مثله مع مولى من موالي دولتها و في سلطان قومها و استنكره و لج في تكذيبه و ابن قدر العباسة و الرشيد من الناس.


و إنما نكب البرامكة ما كان من استبدادهم على الدولة و احتجاف هم أموال الجباية حتى كان الرشيد يطلب اليسير من المال فلا يصل إليه فغلبوه على أمره وشاركوه في سلطانه و لم يكن له منهم تصرف في أمور ملكه فعظمت آثارهم و بعد صيتهم وعمروا مراتب الدولة و خططها بالرؤساء من ولدهم و صنائعهم و احتازوها عمن سواهم من وزارة و كتابة و قيادة و حجابة و سيف و قلم . يقال إنه كان بدار الرشيد من ولد يحيى بن خالد خمسة و عشرون رئيساً من بين صاحب سيف و صاحب قلم زاحموا فيها أهل الدولة بالمناكب و دفعوهم عنها بالراح لمكان أبيهم يحيى بن كفالة هارون ولي عهد و خليفة حتى شب في حجره و درج من عشه و غلب على أمره و كان يدعوه يا أبت فتوجه الإيثار من السلطان إليهم وعظمت الدالة منهم و انبسط الجاه عندهم و انصرفت نحوهم الوجوه و خضعت لهم الرقاب و قصرت عليهم الآمال و تخطت إليهم من أقصى التخوم هدايا الملوك و تحف الأمراء و تسربت إلى خزائنهم في سبيل التزلف و الاستمالة أموال الجباية و أفاضوا في رجال الشيعة و عظماء القرابة العطاء و طوقوهم المنن و كسبوا من بيوتات الأشراف المعدم و فكوا العاني و مدحوا بما لم يمدح به خليفتهم و أسنوا لعفاتهم الجوائز والصلات و استولوا على القرى و الضياع من الضواحي و الأمصار في سائر الممالك حتى أسفوا البطالة و أحقدوا الخاصة و أغصوا أهل الولاية فكشفت لهم وجوه المنافسة والحسد و دبت إلى مهادهم الوثير من الدولة عقارب السعاية حتى لقد كان بنو خطبة أخوالجعفر من أعظم الساعين عليهم لم تعطفهم لما وقر في نفوسهم من الحسد عواطف الرحم و لاوزعتهم أواصر القرابة و قارن ذلك عند مخدومهم نواشيء الغيرة و الاستنكاف من الحجر والأنفة و كان الحقود التي بعثتها منهم صغائر الدالة. و انتهى بها الإصرار على شأنهم إلى كبائر المخالفة كقصتهم في يحيى بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بنأبي طالب أخي محمد المهدي الملقب بالنفس الزكية الخارج على المنصور و يحيى هذا هوالذي استنزله الفضل بن يحيى من بلاد الديلم على أمان الرشيد بخطه و بذل لهم فيه ألف ألف درهم على ما ذكره الطبري و دفعه الرشيد إلى جعفر وجعل اعتقاله بداره و إلى نظره فحبسه مدة ثم حملته الدالة على تخلية سبيله والاستبداد بحل عقاله حرماً لدماء أهل البيت بزعمه و دالة على السلطان في حكمه. وسأله الرشيد عنه لما و شي به أليه ففطن و قال أطلقته فأبدى له وجه الاستحسان وأسرها في نفسه فأوجد السبيل بذلك على نفسه و قومه حتى ثل عرشهم و ألقيت عليهم سماؤهم و خسفت الأرض بهم و بدارهم و ذهبت سلفاً و مثلاً للآخرين أيامهم و من تأمل أخبارهم و استقصى سير الدولة و سيرهم وجد ذلك محقق الأسر ممهد الأسباب و انظر مانقله ابن عبد ربه في مفاوضة الرشيد عم جده داود بن علي في شأن نكبتهم و ما ذكره في باب الشعراء في كتاب العقد به محاورة الأصمعي للرشيد و للفضل بن يحيى في سمرهم تتفهم أنه إنما قتلتهم الغيرة و المنافسة في الاستبداد من الخليفة فمن دونه و كذلك ما تحيل به أعداؤهم من البطانة فيما دسوه للمغنين من الشعر احتيالاً على إسماعه للخليفة و تحريك حفائظه لهم و هو قوله:



ليت هنداً أنجزت ناما تعد و شفت أنفسنا مما نجد

و استبدت مرةً واحدةً إنما العاجز من لا يستبد


و إن الرشيد لما سمعها قال أي و الله إني عاجز حتى بعثوا بأمثالي هذه كامن غيرته و سلطوا عليهم بأس انتقامه نعوذ بالله من غلبة الرجال و سوء الحال.


و أما ما تموه له الحكاية من معاقرة الرشيد الخمر واقتران سكره بسكر الندمان فحاشا الله ما علمنا عليه من سوء و أين هذا من حال الرشيد و قيامه بما يجب لمنصب الخلافة من الدين و العدالة و ما كان عليه من صحابة العلماء و الأولياء و محاوراته للفضيل بن عياض و ابن السمك و العمري و مكاتبته سفيان الثوري و بكائه من مواعظهم و دعائه بمكة في طوافه و ما كان عليه من العبادة و المحافظة على أوقات الصلوات و شهود الصبح لأول وقتها . حكى الطبري و غيره أنه كان يصلي في كل يوم مائة ركعة نافلة و كان يغزو عاماً و يحج عاماً و لقد زجر ابن أبي مريم مضحكه في سمره حين تعرض له بمثل ذلك في الصلاة لما سمعه يقرأ وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون و قال و الله ما أدري لم ؟ فما تمالك الرشيد أن ضحك ثم التفت إليه مغضباً و قال يا ابن أبي مريم في الصلاة أيضاً إياك إياك والقرآن و الدين و لك ما شئت بعدهما و أيضاً فقد كان من العلم و السذاجة بمكان لقرب عهده من سلفه المنتحلين لذلك و لم يكن بينه و بين جده أبي جعفر بعيد زمن إنما خلفه غلاماً و قد كان أبو جعفر بمكان من العلم و الدين قبل الخلافة و بعدها و هو القائل لمالك حين أشار عليه بتأليف الموطإ يا أبا عبد الله إنه لم يبقى على وجه الأرض أعلم مني و منك و إني قد شغلتني الخلافة فضع أنت للناس كتاباً ينتفعون به تجنب فيه رخص ابن عباس و شدائد ابن عمر ووطئه للناس توطئة قال مالك فوالله . لقد علمني التصنيف يومئذ و لقد أدركه ابنه المهدي أبو الرشيد هذا و هو يتورع عن كسوة الجديد لعياله منب يت المال و دخل عليه يوماً و هو بمجلسه يباشر الخياطين في إرقاع الخلقان من ثياب عياله فاستنكف المهدي من ذلك و قال يا أمير المؤمنين على كسوة هذه العيال عامناً هذا من عطائي فقال له لك ذلك و لم يصده عنه و لا سمح بالإنفاق فيه من أموال المسلمين فكيف يليق بالرشيد على قرب العهد من هذا الخليفة و أبوته و ما ربي عليه من أمثال هذه السير في أهل بيته و التخلق بها أن يعاقر الخمر أو يجاهر بها و قد كانت حالة الأشراف من العرب الجاهلية في اجتناب الخمر معلومة و لم يكن الكرم شجرتهم وكان شربها مذمة عند الكثير منهم و الرشيد و آباؤه كانوا على ثبج من اجتناب المذمومات في دينهم و دنياهم و التخلق بالمحامد و أوصاف الكمال و نزعات العرب. وانظر ما نقلهالطبري والمسعودي في في قصة جبريل بن بخت يشوع الطبيب حين أحضر له السمك في مائدته فحماه عنه ثم أمر صاحب المائدة بحمله إلى منزله و فطن الرشيد و ارتاب به و دس خادمه حتى عاينه يتناوله فاعد ابن بخت يشوع للاعتذار ثلاث قطع من السمك في ثلاثة أقداح خلط إحداهما باللحم المعالج بالتوابل و البقول و البوارد و الحلوى و صب على الثانية ماءً مثلجاً و على الثالثة خمراً صرفاً و قال في الأول و الثاني هذا طعام أمير المؤمنين إن خلط السمك بغيره أو لم يخلطه و قال في الثالث هذا طعام ابن بخت يشوع و دفعها إلى صاحب المائدة حتى إذا انتبه الرشيد و أحضره للتوبيخ، أحضر الثلاثة الأقداح فوجد صاحب الخمر قد اختلط و أماع و تفتت و وجد الآخرين قد فسدا و تغيرت رائحتهما فكانت له في ذلك معذرة و تبين من ذلك أن حال الرشيد في اجتناب الخمر كانت معروفة عند بطانته وأهل مائدته و لقد ثبت عنه أنه عهد بحبس أبي نواس لما بلغه من انهماكه في المعاقرة حتى تاب و أقلع و إنما كان الرشيد يشرب نبيذ التمر على مذهب أهل العراق و فتاويهم فيها معروفة و أما الخمر الصرف فلا سبيل إلى اتهامه بها و لا تقليد الأخبار الواهية فيها فلم يكن الرجل بحيث يواقع محرماً من أكبر الكبائر عند أهل الملة و لقد كان أولئك القوم كلهم بمنحاة من ارتكاب السرف و الترف في ملابسهم و زينتهم و سائر متناولاتهم لما كانوا عليه من خشونة البداوة و سذاجة الدين التي لم يفارقوها بعد فما ظنك بما يخرج عن الإباحة إلى الحظر و عن الحلة إلى الحرمة و لقد اتفق المؤرخونالطبري والمسعودي و غيرهم على أن جميع من سلف من خلفاء بني أمية و بني العباس إنما كانوا يركبون بالحلية الخفيفة من الفضة في المناطق و السيوف و اللجم و السروج و أن أول خليفة أحدث الركوب بحلية الذهب هو المعتز بن المتوكل ثامن الخلفاء بعد الرشيد و هكذا كان حالهم أيضاً في ملابسهم فما ظنك بمشاربهم و يتبين ذلك بأتم من هذا إذا فهمت طبيعة الدولة في أولها من البداوة و الغضاضة كما نشرح في مسائل الكتاب الأول إن شاء الله و الله الهادي إلى الصواب. و يناسب هذا أو قريب منه ما ينقلونه كافة عن يحيى بن أكثم قاضي المأمون و صاحبه و أنه كان يعاقر الخمر و أنه سكر ليلة مع شربه فدفن في الريحان حتى أفاق و ينشدون على لسانه:



يا سيدي و أمير الناس كلهم قد جارفي حكمه من كان يسقيني

إني غفلت عن الساقي فصيرني كما تراني سليب العقل و الدين


و حال ابن أكثم و المأمون في ذلك من حال الرشيد و شرابهم إنما كان النبيذ و لم يكن محظوراً عندهم و أما السكر فليس من شأنهم و صحابته للمأمون إنما كانت خلة في الدين و لقد ثبت أنه كان ينام معه في البيت ونقل في فضائل المأمون و حسن عشرته أنه انتبه ذات ليلة عطشان فقام يتحسس و يتلمس الإناء مخافة أن يوقظ يحيى بن أكثم و ثبت أنهما كانا يصليان الصبح جميعاً فإن هذا من المعاقرة و أيضاً فإن يحيى بن أكثم كان من علية أهل الحديث و قد أثنى عليه الإمام أحمد بن حنبل و إسماعيل القاضيو خرج عنه التزمذي كتابه الجامع و ذكر المزني الحافظ أن البخاري روى عنه في غيرالجامع فالقدح فيه قدح في جميعهم و كذلك ما ينبزه المجان بالميل إلى الغلمان بهتاناً على الله و فرية على العلماء ويستندون في ذلك إلى أخبار القصاص الواهية التي لعلها من افتراء أعدائه فإنه كان محسوداً في كماله خلته للسلطان و كان مقامه من العلم و الدين منزهاً عن مثل ذلك وقد ذكرلابن حنبلما يرميه به الناس فقال سبحان اللهسبحان الله و من يقول هذا و أنكر ذلك إنكاراً شديداً وأثنى عليه إسماعيل القاضي فقيل له ما كان يقال فيه فقال معاذ الله أن تزول عدالة مثله بتكذيب باغ و حاسد و قال أيضاً يحيى بن أكثم أبرأ إلى الله من أن يكون فيه شيىء مما كان يرمى به من أمر الغلمان و لقد كنت أقف على سرائره فأجده شديد الخوف من الله لكنه كانت فيه دعابة و حسن خلق فرمى بما رمى به ابن حيان في الثقات و قال لا يشتغل بما يحكى عنه لأن أكثرها لا يصح عنه و من أمثال هذه الحكايات ما نقله ابن عبد ربه صاحب العقد من حديث الزنبيل في سبب إصهار المأمون إلى الحسن بن سهل في بنته بوران وأنه عثر في بعض الليالي في تطوافه بسكك بغداد في زنبيل مدلى من بعض السطوح بمعالق وجدل مغارة الفتل من الحرير فاعتقده و تناول المعالق فاهتزت و ذهب به صعداً إلى مجلس شأنه كذا و وصف من زينة فرشه و تنصيد ابنته و جمال رؤيته ما يستوقف الطرف و يملك النفس و أن امرأة برزت له من خلل الستور في ذلك المجلس رائقة الجمال فتانة المحاسن فحيته و دعته إلى المنادمة فلم يزل يعاقرها الخمر حتى الصباح و رجع إلى أصحابه بمكانهم من انتظاره و قد شغفته حباً بعثه على الإصهار إلى أبيها و أين هذا كله من حال المأمون المعروفة في دينه و علمه و اقتفائه سنن الخلفاء الراشدين من آبائه وأخذه بسير الخلفاء الأربعة أركان الملة و مناظرته العلماء و حفظه لحدود الله تعالى في صلواته، أحكامه فكيف تصح عنه أحوال الفساق المستهترين في التطواف بالليل و طروق المنازل و غشيان السمر سبيل عشاق الأعراب و أين ذلك من منصب ابنة الحسن بن سهل وشرفها و ما كان بدار أبيها من الصون و العفاف و أمثال هذه الحكايات كثيرة و في كتب المؤرخين معروفة و إنما يبعث على وضعها و الحديث بها الانهماك في اللذات المحرمة وهتك قناع المخدرات و يتعللون بالتأسي بالقوم فيما يأتونه من طاعة لذاتهم فلذلك تراهم كثيراً ما يلهجون بأشباه هذه الأخبار و ينقرون عنها عند تصفحهم لأوراق الدواوين و لو ائتسوا بهم في غير هذا من أحوالهم و صفات الكمال اللائقة بهم المشهورة عنهم لكان خيراً لهم لو كانوا يعلمون. و لقد عذلت يوماً بعض الأمراء من أبناء الملوك في كلفه بتعلم الغناء و ولوعه بالأوتار و قلت له ليس هذا من شأنك و لايليق بمنصبك فقال لي أفلا ترى إلى إبراهيم بن المهدي كيف كان إمام هذه الصناعة ورئيس المغنين في زمانه فقلت له يا سبحان الله و هلا تأسيت بأبيه أو أخيه أو ما رأيت كيف قعد ذلك بإبراهيم عن مناصبهم فصم عن عذلي و أعرض و الله يهدي من يشاء.


ومن الأخبار الواهية ما يذهب إليه الكثير من المؤرخين و الأثبات في العبيديين خلفاء الشيعة بالقيروان و القاهرة من نفيهم عن أهل البيت صلوات الله عليهم و الطعن فينسبهم إلى اسماعيل الإمام ابن جعفر الصادق يعتمدون في ذلك على أحاديث لفقت للمستضعفين من خلفاء بني العباس تزلفاً إليهم بالقدح فيمن ناصبهم و تفنناً في الشمات بعدوهم حسبما تذكر بعض هذه الأحاديث في أخبارهم و يغفلون عن التفطن لشواهد الواقعات و أدلة الأحوال التي اقتضت خلاف ذلك من تكذيب دعواهم و الرد عليهم.

فإنهم متفقون في حديثهم عن مبدأ دولة الشيعة أن أبا عبد الله المحتسب لما دعي بكتامة للرضى من آل محمد و اشتهر خبره و علم تحويمه على عبيد الله المهدي و ابنه أبي القاسم خشيا على أنفسهما فهربا من المشرق محل الخلافة و اجتازا بمصر و أنهما خرجا من الاسكندرية في زي التجار و نمي خبرهما إلى عيسى النوشري عامل مصر والاسكندرية فسرح في طلبهما الخيالة حتى إذا أدركا خفي حالهما على تابعهما بما لبسوابه من الشارة و الزي فأفلتوا إلى المغرب . و أن المعتضد أوعز إلى الأغالبة أمراء أفريقيا بالقيروان و بني مدرار أمراء سجل ماسة بأخذ الآفاق عليهما وإذكاء العيون فيطلبهما فعثر اليشع صاحب سجل ماسة من آل مدرار على خفي مكانهما ببلده و اعتقلهما مرضاة للخليفة



 


الرد باقتباس
قديم 07-30-2012, 11:52 PM   #5


الصورة الشخصية لـ بيحان
بيحان غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 02-11-2020 (09:01 PM)
 المشاركات : 9,692 [ + ]
 تقييم العضوية :  159
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 13 مرة في 13 مشاركة
الإفتراضي



القسم الثالث:


هذا قبل أن تظهر الشيعة على الأغالبة بالقيروان ثم كان بعد ذلك ما كان من ظهور دعوتهم بالمغرب و أفريقية ثم باليمن ثم بالاسكندرية ثم بمصر و الشام و الحجاز وقاسموا بني العباس في ممالك الإسلام شق الأبلمة و كادوا يلجون عليهم مواطنهم ويزايلون من أمرهم و لقد أظهر دعوتهم ببغداد و عراقها الأمير البساسيري من موالي الديلم المتغلبين على خلفاء بني العباس في مغاضبت جرت بينه و بين أمراء العجم و خطب لهم على منابرها حولاً كاملاً و مازال بنو العباس يغصون بمكانهم و دولتهم و ملوك بني أمية وراء البحر ينادون بالويل و الحرب منهم و كيف يقع هذا كله لدعي في النسب يكذب في انتحال الأمر و اعتبر حال القرمطي إذ كان دعياً في انتسابه كيف تلاشت دعوته و تفرقت اتباعه و ظهر سريعاً على خبثهم و مكرهم فساءت عاقبتهم و ذاقوا و بال أمرهم و لو كان أمر العبيد بين كذلك لعرف و لو بعد مهلة:

ومهما يكن عند امرىء من خليقة و إن خالها تخفى على الناس تعلم

فقد اتصلت دولتهم نحواً من مائين و ستين سنة و ملكوا مقام إبراهيم عليه السلام و مصلاه و موطن الرسول صلى الله عليه وسلم و مدفنه و موقف الحجيج و مهبط الملائكة ثم انقرض أمرهم وشيعتهم في ذلك كله على أتم ما كانوا عليه من الطاعة لهم و الحب فيهم و اعتقادهم بنسب الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق و لقد خرجوا مراراً بعد ذهاب الدولة و دروس أثرها داعين إلى بدعتهم هاتفين بأسماء صبيان من أعقابهم يزعمون استحقاقهم للخلافة ويذهبون إلى تعيينهم بالوصية ممن سلف قبلهم من الأيمة و لو ارتابوا في نسبهم لما ركبوا أعناق الأخطار في الانتصار لهم فصاحب البدعة لا يلبس في أمره و لا يشبه في بدعته و لا يكذب نفسه فيما ينتحله.
والعجب من القاضي أبي بكر الباقلاني شيخ النظار من المتكلمين كيف يجنح إلى هذه المقالة المرجوحة و يرى هذا الرأي الضعيف فأن كان ذلك لما كانوا عليه من الإلحاد في الدين و التعمق في الرافضية فليس ذلك بدافع في صدر دعوتهم و ليس إثبات منتسبهم بالذي يغني عنهم من الله شيئاً في كفرهم فقد قال تعالى لنوح عليه السلام في شأن ابنه إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم و قال صلى الله عليه وسلم لفاطمة يعظها يافاطمة إعملي فلن أغني عنك من الله شيئاً و متى عرف امرؤ قضيةً و استيقن أمراً وجب عليه أن يصدع به و الله يقول الحق و هو يهدي السبيل والقوم كانوا في مجال الظنون الدول بهم و تحت رقبة من الطغاة لتوفر شيعتهم وانتشارهم في القاصية بدعوتهم و تكرر خروجهم مرة بعد أخرى فلاذت رجالاتهم بالاختفاء و لم يكادوا يعرفون كما قيل:
فلو تسأل الأيام ما اسمي مادرت و أين مكاني ما عرفن مكانيا
حتى لقد سمي محمد بن إسماعيل الامام جد عبد الله المهدي بالمكتوم سمته بذلك شيعتهم لما إتفقوا عليه من إخفائه حذراً من المتغلبين عليهم فتوصل شيعة بني العباس بذلك عند ظهورهم إلى الطعن فينسبهم و ازدلفوا بهذا الرأي القائل للمستضعفين من خلفائهم و أعجب به أولياؤهم وأمراء دولتهم المتولون لحروبهم مع الأعداء يدفعون به عن أنفسهم و سلطانهم معرة العجز عن المقاومة و المدافعة لمن غلبهم على الشام و مصر و الحجاز من البربرالكتامين شيعة العبيد يين و أهل دعوتهم حتى لقد أسجل القضاة ببغداد بنفيهم عن هذاالنسب و شهد بذلك عندهم من أعلام الناس جماعة منهم الشريف الرضي و أخوة المرتضى وابن البطحاوي و من العلماء أبو حامد الأسفراييني والقدوري والصيمري و ابن الأكفاني و الأبيوردي وأبو عبد الله بن النعمان فقيه الشيعة و غيرهم من أعلام الأمة ببغداد في يوم مشهود و ذلك سنة ستين و أربعمائة في أيام القادر و كانت شهادتهم في ذلك على السماع لما اشتهر وعرف بين الناس ببغداد و غالبها شيعة بني العباس الطاعنون في هذا النسب فنقله الأخباريون كما سمعوه و رووه حسبما وعوه و الحق من ورائه. و في كتاب المعتضد في شأن عبيد الله إلى ابن الأغلب بالقيروان و ابن مدرار بسجلماسة أصدق شاهد و أوضح دليل على صحة نسبهم فالمعتضد أقعد بنسب أهل البيت من كل أحد و الدولة والسلطان سوق للعالم تجلب إليه بضائع العلوم والصنائع تلتمس في ضوال الحكم تحدى إليه ركائب الروايات و الأخبار و ما نفق فيها نفق عند الكافة فأن تنزهت الدولة عن التعسف و الميل و الأفن و السفسفة و سلكت النهج الأمم و لم تجر عن قصد السبيل نفق في سوقها الأبريز الخالص و اللجين المصفى و أن ذهبت مع الأغراض و الحقود و ماجت بسماسرة العرب البغي و الباطل نفق البهرج و الزائف و الناقد البصير قسطاس نظره و ميزان بحثه و ملتمسه.
و مثل هذا و أبعد منه كثيراً ما يتناجى به الطاعنون في نسب إدريس بن إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم الإمام بعد أبيه بالمغرب الأقصى و يعرضون تعريض الحد بالتظنن في الحمل المخلف عن إدريس الأكبر إنه لراشد مولاهم قبحهم الله و أبعدهم ما أجهلهم أما يعلمون أن إدريس الأكبر كان إصهاره في البربر و إنه منذ دخل المغرب إلى أن توفاه الله عز و جل عريق في البدو وأن حال البادية في مثل ذلك غير خافية لا مكامن لهم يتأتى فيها الريب و أحوال حرمهم أجمعين بمزأى من جاراتهن و مسمع من جيرانهن لتلاصق الجدران و تطافن البنيان و عدم الفواصل بين المساكن و قد كان راشد يتولى خدمة الحرم أجمع من بعد مولاه بمشهد من أوليائهم و شيعتهم و مراقبة من كافتهم و قد أتفق برابرة المغرب الأقصى عامة على بيعة إدريس الأصغر من بعد أبيه و آتوه طاعتهم عن رضى و إصفاق و بايعوه على الموت الأحمر و خاضوا دونه بحار المنايا في حروبه و غزواته و لو حدثوا أنفسهم بمثل هذه الريبة أو قرعت أسماعهم و لو من عدو كاشح أو منافق مرتاب لتخلف عن ذلك و لو بعضهم كلا و الله إنما صدرت هذه الكلمات من بني العباس أقتالهم و من بني الأغلب عمالهم كانوا بأفريقية و ولاتهم.
و ذلك إنه لما فر إدريس الأكبر إلى المغرب من وقعة بلخ أوعز الهادي إلى الأغالبة أن يقعدوا له بالمراصد و يذكوا عليه العيون فلم يظفروا به و خلص إلى المغرب فتم أمره و ظهرت دعوته و ظهر الرشيد من بعد ذلك على ماكان من واضح مولاهم و عاملهم على الاسكندرية من دسيسة التشيع للعلوية و إدهانه في نجاة إدريس إلى المغرب فقتله و دس الشماخ من موالي المهدي أبيه للتحيل على قتل إدريس فأظهر اللحاق به و البراءة من بني العباس مواليه فاشتمل عليه إدريس و خلطه بنفسه و ناوله الشماخ في بعض خلواته سماً استهلكه به و وقع خبر مهلكه من بني العباس أحسن المواقع لما رجوه من قطع أسباب الدعوة العلوية بالمغرب و اقتلاع جرثومتها ولما تأدى إليهم خبر الحمل المخلف لإدريس فلم يكن لهم إلا كلا و لا إذا بالدعوة قدعادت و الشيعة بالمغرب قد ظهرت و دولتهم بإدريس بن إدريس قد تجددت فكان ذلك عليهم أنكى من و وقع الشهاب وكان الفشل و الهرم قد نزلا بدولة العرب عن أن يسموا إلى القاصية فلم يكن منتهى قدرة الرشيد على إدريس الأكبر بمكانه من قاصية المغرب واشتمال البربر عليه إلا التحيل في إهلاكه بالسموم فعند ذلك فزعوا إلى أوليائهم من الأغالبة بأفريقية في سد تلك الفرجة من ناحيتهم و حسم الداء المتوقع بالدولة منقبلهم و اقتلاع تلك العروق قبل أن تشج منهم يخاطبهم بذلك المأمون و من بعده من خلفائهم فكان الأغالبة عن برابرة المغرب الأقصى أعجز و لمثلها من الزبون على ملوكهم أحوج لما طرق الخلافة من انتزاء ممالك العجم على سدتها و امتطائهم صهوة التغلب عليها و تصريفهم أحكامها طوع أغراضهم في رجالها و جبايتها و أهل خططها و سائر نقضهاو إبرامها كما قال شاعرهم

خليفة في قفص بين وصيف و بغا
يتوك ما قالا له كما تقول الببغا

فخشي هؤلاء الأمراء الأغالبة بوادر السعايات و تلوا بالمعاذير فطوراً باحتقار المغرب و أهله و طوراً بالإرهاب بشأن إدريس الخارج به ومن قام مقامه من أعقابه يخاطبونه بتجاوزه حدود التخوم من عمله و ينفذون سكته في تحفهم و هداياهم ومرتفع جبايتهم تعريضاً باستفحاله و تهويلاً باشتداد شوكته و تعظيماً لما دفعوا إليه من مطالبته و مراسه و تهديداً بقلب الدعوة إن ألجئوا إليه و طوراً يطعنون في نسب إدريس بمثل ذلك الطعن الكاذب تخفيضاً لشأنه لا يبالون بصدقه من كذبه لبعد المسافة وأفن عقول من خلف بن صبية بني العباس و ممالكهم العجم في القبول من كل قائل و السمع لكل ناعق و لم يزل هذا دأبهم حتى انقضى أمر الأغالبة فقرعت هذه الكلمة الشنعاء أسماع الغوغاء و صر عليها بعض الطاعنين أذنه و اعتدها ذريعة إلى النيل من خلفهم عندالمنافسة . و ما لهم قبحهم الله و العدول عن مقاصد الشريعة فلا تعارض فيها بين المقطوع و المظنون و إدريس ولد على فراش أبيه و الولد للفراش.
على أن تنزيهأهل البيت عن مثل هذا من عقائد أهل الإيمان فالله سبحانه قد أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ففراش إدريس طاهر من الدنس و منزه عن الرجس بحكم القرآن و من اعتقد خلاف هذا فقد باء بإثمه و ولج الكفر من بابه و إنما أطنبت في هذا الرد سداً لأبواب الريب و دفعاً في صدر الحاسد لما سمعته أذناي من قائله المعتدي عليهم القادح فينسبهم بفريته و ينقله بزعمه عن بعض مؤرخين المغرب ممن انحرف عن أهل البيت و ارتاب في الإيمان بسلفهم و إلا فالمحل منزه عن ذلك معصوم منه و نفي العيب حيث يستحيلالعيب عيب لكني جادلت عنهم في الحياة الدنيا و أرجو أن يجادلوا عني يوم القيامة ولتعلم أن أكثر الطاعنين في نسبهم إنما هم الحسدة لأعقاب إدريس هذا من منتهم إلى أهل البيت أو دخيل فيهم فإن ادعاء هذا النسب الكريم دعوى شرف عريضة على الأمم و الأجيال من أهل الآفاق فتعرض التهمة فيه.
و لما كان نسب بني إدريس هؤلاء بمواطنهم من فارس و سائر ديار المغرب قد بلغ من الشهرة و الوضوح مبلغاً لا يكاد يلحق و لا يطمع أحد في دركه إذ هو نقل الأمة و الجيل من الخلف عن الأمة و الجيل من السلف و بيت جدهم إدريس مختط فاس و مؤسسها من بيوتهم و مسجده لصق محلتهم و دروبهم و سيفه منتضى برأس المأذنة العظمى من قرار بلدهم و غير ذلك من آثاره التي جاوزت أخبارها حدود التواتر مرات و كادت تلحق بالعيان فإذا نظر غيرهم من أهل هذا النسب إلى ما أتاهم الله من أمثالها و ما عضد شرفهم النبوي من جلال الملك الذي كان لسلفهم بالمغرب واستيقن أنه بمعزل عن ذلك و أنه لا يبلغ مد أحدهم و لا نصيفه أ و أن غاية أمرالمنتمين إلى البيت الكريم ممن لم يحصل له أمثال هذه الشواهد أن يسلم لهم حالهم لأن الناس مصدوقون في أنسابهم و بون ما بين العلم و الظن و اليقين و التسليم فإذا علم بذلك من نفسه غص بريقه و ود كثير منهم لو يردونهم عن شرفهم ذلك سوقة و وضعاء حسداً من عند أنفسهم فيرجعون إلى العناد و ارتكاب اللجاج و البهت بمثل هذا الطعن الفائل والقول المكذوب تعللاً بالمساواة في الظنة و المشابهة في تطرق الاحتمال و هيهات لهم ذلك فليس في المغرب فيما نعلمه من أهل هذا البيت الكريم من يبلغ في صراحة نسبه ووضوحه مبالغ أعقاب إدريس هذا من آل الحسن.
و كبراؤهم لهذا العهد بنو عمران بفاس من ولد يحيى الخوطي بن محمد بن يحيى العوام بن القاسم بن إدريس بن إدريس و هم نقباء أهل البيت هناك و الساكنون ببيت جدهم ادريس و لهم السيادة على أهل المغرب كافة حسبما نذكرهم عند ذكر الأدارسة إن شاء الله تعالى و يلحق بهذه المقالات الفاسدة و المذاهب الفائلة ما يتناوله ضعفة الرأي من فقهاء المغرب من القدح في الإمام المهدي صاحب دولة الموحدين و نسبته إلى الشعوذة و التلبيس فيما أتاه من القيام بالتوحيد الحق و النعي على أهل البغي قبله و تكذيبهم لجميع مدعياته في ذلك حتى فيما يزعم الموحدون أتباعه من انتسابه في أهل البيت و إنما حمل الفقهاء على تكذيبه ما كمن في نفوسهم من حسده على شأنه فإنهم لما رأوا من أنفسهم مناهضته فيالعلم و الفتيا و في الدين بزعمهم ثم امتاز عنهم بأنه متبوع الرأي مسموع القول موطؤالعقب نفسوا ذلك عليه و غضوا منه بالقدح في مذاهبه و التكذيب لمدعياته و أيضاًفكانوا يؤنسون من ملوك المتونة أعدائه تجلةً و كرامةً لم تكن لهم من غيرهم لماكانوا عليه من السذاجة و انتحال الديانة فكان لحملة العلم بدولتهم مكان من الوجاهة و الإنتصاب للشورى كل في بلده و على قدره في قومه فأصبحوا بذلك شيعة لهم و حرباً لعدوهم و نقموا على المهدي ما جاء به من خلافهم و التثريب عليهم و المناصبة، لهم تشيعاً للمتونة و تعصباً لدولتهم و مكان الرجل غير مكانهم و حاله على غير معتقداتهم و ما ظنك برجل نقم على أهل الدولة ما نقم من أحوالهم و خالف اجتهاده فقهاؤهم فنادى في قومه و دعا إلى جهادهم بنفسه فاقتلع الدولة من أصولها و جعل عاليها سافلها أعظم ما كانت قوةً و أشد شوكة و أعز أنصاراً و حاميةً و تساقطت في ذلك من أتباعه نفوس لا يحصيها إلا خالقها و قد بايعوه على الموت و وقوه بأنفسهم من الهلكة و تقربوا إلى الله تعالى بإتلاف مهجهم في إظهار تلك الدعوة و التعصب لتلك الكلمة حتى علت على الكلم و دالت بالعدوتين من الدول و هو بحاله من التقشف و الحصر و الصبر على المكاره و التقلل من الدنيا حتى قبضه الله و ليس على شيىء من الحظ و المتاع في دنياه حتى الولد الذي ربما تجنح أليه النفوس و تخادع عن تمنيه فليت شعري ما الذي قصد بذلك إن لم يكن و جه الله و هو لم يحصل له حظ من الدنيا في عاجله و مع هذا فلو كان قصده غيرصالح لما تم أمره و انفسحت دعوته سنة الله التي قد خلت في عباده و أما انكارهم نسبه في أهل البيت فلا تعضده حجة لهم مع أنه إن ثبت أنه ادعاه و انتسب إليه فلا دليل يقوم على بطلانه لأن الناس مصدقون في أنسابهم و إن قالوا أن الرئاسة لا تكون على قوم في غير أهل جلدتهم كما هو الصحيح حسبما يأتي في الفصل الأول من هذا الكتاب والرجل قد رأس سائر المصامدة و دانوا باتباعه و الانقياد إليه و إلى عصابته من هرغة حتى تم أمر الله في دعوته فأعلم أن هذا النسب الفاطمي لم يكن أمر المهدي يتوقف عليه و لا اتبعه الناس بسببه و إنما كان اتباعهم له بعصبية الهريغة و المصمودية و مكانهم نها و رسوخ شجرته فيها و كان ذلك النسب الفاطمي خفياً قد درس عند الناس ليبقى عندهو عند عشيرته يتناقلونه بينهم فيكون النسب الأول كأنه انسلخ منه و لبس جلدة هؤلاء وظهر فيها فلا يضره الانتساب الأول في عصبيته إذ هو مجهول عند أهل العصابة و مثل هذا واقع كثيراً إذا كان النسب الأول خفياً . و انظز قصة عرفجة و جرير في رئاسة بجيلة وكيف كان عرفجة من الأزد و لبس جلدة بجيلة حتى تنازع مع جرير رئاستهم عند عمر رضي الله عنه كما هو مذكور تتفهم منه وجه الحق و الله الهادي للصواب و قد كدنا أن نخرج عن غرض الكتاب بالإطناب في هذه المغالط فقد زلت أقدام كثير من الأثبات و المؤرخين الحفاظ في مثل هذه الأحاديث و الآراء و علقت أفكارهم و نقلها عنهم الكافة من ضعفة النظر و الغفلة عن القياس و تلقوها هم أيضاً كذلك من غير بحث و لا روية و اندرجت في محفوظاتهم حتى صار فن التاريخ واهياً مختلطاً و ناظره مرتبكاً وعد من مناحي العامة فإذا يحتاج صاحب هذا الفن إلى العلم بقواعد السياسة و طبائع الموجودات و اختلاف الأمم و البقاع و الأعصار في السير و الأخلاق و العوائد و النحل و المذاهب و سائر الأحوال و الإحاطة بالحاضر من ذلك و مماثلة ما بينه و بين الغائب من الوفاق أو بون ما بينهما من الخلاف و تعليل المتفق منها و المختلف و القيام على أصول الدول والملل و مبادىء ظهورها و أسباب حدوثها و دواعي كونها و أحوال القائمين بها وأخبارهم حتى يكون مستوعباً لأسباب كل خبره و حينئذ يعرض خبر المنقول على ما عنده من القواعد و الأصول فإن وافقها و جرى على مقتضها كان صحيحاً و إلا زيفه و استغنى عنه و ما استكبر القدماء علم التاريخ إلا لذلك حتى انتحله الطبري و البخاري و ابن إسحاق من قبلهما و أمثالهم من علماء الأمة و قد ذهل الكثير عن هذا السر فيه حتى صارانتحاله مجهلة و استخف العوام و من لا رسوخ له في المعارف مطالعته و حمله و الخوض فيه و التطفل عليه فاختلط المرعي بالهمل و اللباب بالقشر و الصادق بالكاذب و إلى الله عاقبة الأمور و من الغلط الخفي في التاريخ الذهول عن تبدل الأحوال في الأمم والأجيال بتبدل الأعصار و مرور الأيام و هو داء دوي شديد الخفاء إذ لا يقع إلا بعد أحقاب متطاولة فلا يكاد يتفطن له إلا الآحاد من أهل الخليقة و ذلك أن أحوال العالم و الأمم و عوائدهم و نحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة و منهاج مستقر إنما هو اختلاف على الأيام و الأزمنة و انتقال من حال إلى حال و كما يكون ذلك في الأشخاص و الأوقات و الأمصار فكذلك يقع في الآفاق و الأقطار و الأزمنة و الدول سنة الله التي قد خلتفي عباده و قد كانت في العالم أمم الفرس الأولى و السريانيون و النبط و التبابعة وبنو إسرائيل و القبط و كانوا على أحوال خاصة بهم في دولهم و ممالكهم و سياستهم وصنائعهم و لغاتهم و اصطلاحاتهم و سائر مشاركاتهم مع أبناء جنسهم وأحوال اعتمارهم للعالم تشهد بها آثارهم ثم جاء من بعدهم الفرق الثانية و الروم و العرب فتبدلت تلكالأحوال و انقلبت بها العوائد إلى ما يجانسها أو يشابهها و إلى ما يباينها أويباعدها ثم جاء الإسلام بدولة مضر فانقلبت تلك الأحوال و أجمع انقلابة أخرى و صارت إلى ما أكثره فتعارف لهذا العهد بأخذه الخلف عن السلف ثم درست دولة العرب و أيامه مو ذهبت الأسلاف الذين شيدوا عزمهم و مهدوا ملكهم و صار الأمر في أيدي سواهم من العجم مثل الترك بالمشرق و البربر بالمغرب و الفرنجة بالشمال فذهبت بذهابهم أمم وانقلبت أحوال و عوائد نسي شأنها و أغفل أمرها و السبب الشائع في تبدل الأحوال والعوائد أن عوائد كل جيل تابعة لعوائد سلطانه كما يقال في الأمثال الحكمية الناس على دين الملك و أهل الملك و السلطان إذا استولوا على الدولة و الأمر فلابد من أن يفزعوا إلى عوائد من قبلهم و يأخذون الكثير منها و لا يغفلون عوائد جيلهم مع ذلك فيقع في عوائد الدولة بعض المخالفة لعوائد الجيل الأول فإذا جاءت دولة أخرى من بعدهم و مزجت من عوائدهم و عوائدها خالفت أيضاً بعض الشيىء و كانت للأولى أشد مخالفة ثم لا يزال التدريج في المخالفة حتى ينتهي إلى المباينة بالجملة فما دامت الأمم و الأجيال تتعاقب في الملك و السلطان لا تزال المخالفة في العوائد و الأحوال واقعة. و القياس و المحاكاة للإنسان طبيعة معروفة و من الغلط غير مأمونة تخرجه معالذهول و الغفلة عن قصده و تعوج به عن مرامه فربما يسمع السامع كثيراً من أخبارالماضين و لا يتفطن لما وقع من تغير الأحوال و انقلابها فيجريها لأول وهلة على ماعرف و يقيسها بما شهد و قد يكون الفرق بينهما كثيراً فيقع في مهواة من الغلط فمن هذا الباب ما ينقله المؤرخون من أحوال الحجاج و أن أباه كان من المعلمين مع أن التعليم لهذا العهد من جملة الصنائع المعاشية البعيدة من اعتزاز أهل العصبية والمعلم مستضعف مسكين منقطع الجذم فيتشوف الكثير من المستضعفين أهل الحرف و الصنائع المعاشية إلى نيل الرتب التي ليسوا لها بأهل و يعدونها من الممكنات لهم فتذهب بهم وساوس المطامع و ربما انقطع حبلها من أيديهم فسقطوا في مهواة الهلكة و التلف و لايعلمون استحالتها في حقهم و أنهم أهل حرف و صنائع للمعاش و أن التعليم صدر الإسلام و الدولتين لم كذلك و لم يكن العلم بالجملة صناعة إنما كان نقلاً لما سمع من الشارع و تعليماً لما جهل من الذين على جهة البلاغ فكان أهل الأنساب و العصبة الذين قاموا بالملة ثم الذين يعلمون كتاب الله و سنة نبيه صلى الله عليه و سلم على معنى التبليغ الخبري لا على وجه التعليم الصناعي إذ هو كتابهم المنزل على الرسول منهم و به هداياتهم و الإسلام دينهم قاتلوا عليه و قتلوا و اختصوا به من بين الأمم و شرفوا في حرصون على تبليغ ذلك و تفهيمه للأمة لا تصدهم عنه لائمة الكبر و لا يزغهم عاذل الأنفة و يشهد لذلك بعث النبي صلى الله عليه و سلم كبار أصحابه مع وفود العرب يعلمونهم حدود الإسلام و ما جاء به من شرائع الدين بعث في ذلك من أصحابه العشرة فمن بعدهم فما استقر الإسلام و وشجت عروق الملة حتى تناولها الأمم البعيدة من أيدي أهلها و استحالت بمرور الأيام أحوالها و كثر استنباط الأحكام الشرعية من النصوص لتعدد الوقائع و تلاحقها فاحتاج ذلك لقانون يحفظه من الخطإ و صار العلم ملكةً يحتاج إلى التعلم فأصبح من جملة الصنائع و الحرف كما يأتي ذكره في فصل العلم و التعليم واشتغل أهل العصبية بالقيام بالملك و السلطان فدفع لعلم من قام به من سواهم و أصبح حرفة للمعاش و شمخت أنوف المترفين و أهل السلطان عن التصدي للتعليم و اختص انتحاله بالمستضعفين و صار منتحله محتقراً عند أهل العصبية و الملك و الحجاج بن يوسف كان أبوه من سادات ثقيف و أشرافهم و مكانهم من عصبية العرب و مناهضة قريش في الشرف ماعلمت و لم يكن تعليمه للقرآن على ما هو الأمر عليه لهذا العهد من أنه حرفة للمعاش وأنما كان على ما وصفناه من الأمر الأول في الإسلام و من هذا الباب أيضاً ما يتوهمه المتصفحون لكتب التاريخ إذا سمعوا أحوال القضاة و ما كانوا عليه من الرئاسة في الحروب و قود العساكر فتترامى بهم و ساوس الهمم إلى مثل تلك الرتب يحسبون أن الشأن خطة القضاء لهذا العهد على ما كان عليه من قبل و يظنون بابن أبي عامر صاحب هشام المستبد عليه وابن عباس من ملوك الطوائف بإشبيلية إذاسمعوا أن آباءهم كانوا قضاة أنهم مثل القضاة لهذا العهد و لا يتفطنون لما وقع فيرتبه القضاء من مخالفة العوائد كما نبينه في فصل القضاء من الكتاب الأول و ابن أبي عامر و ابن عباد كانا من قبائل العرب القائمين بالدولة الأموية بالأندلس و أهل عصبيتها و كان مكانهم فيها معلوماً و لم يكن نيلهم لما نالوه من الرئاسة و الملك بخطة القضاء كما هي لهذا العهد بل إنما كان القضاء في الأمر القديم لأهل العصبية من قبيل الدولة و مواليه كما هي الوزارة لعهدنا بالمغرب و انظر خروجهم بالعساكر في الطرائف و تقليدهم عظائم الأمور التي لا تقلد إلا لمن له الغنى فيها بالعصبية فيغلط السامع في ذلك و يحمل الأحوال على غير ما هي و أكثر ما يقع في هذا الغلط ضعفاء البصائر من أهل الأندلس لهذا العهد لفقدان العصبية في مواطنهم منذ أعصار بعيدة بفناء العرب و دولتهم بها و خروجهم عن ملكة أهل العصبيات من البربر فبقيت أنسابهم العربية محفوظة و الذريعة إلى العز من العصبية و التناصر مفقودة بل صاروا من جملة الرعايا المتخاذلين الذين من تعبدهم القهر و رئموا للمذلة يحسبون أن أنسابهم مع مخالطة الدولة هي التي يكون لهم بها الغلب و التحكم فتجد أهل الحرف و الصنائع منهم متصدين لذلك ساعين في نيله فأما من باشر أحوال القبائل و العصبية و دولهم بالعدوة الغربية و كيف يكون التغلب بين الأمم و العشائر فقلما يغلطون في ذلك و يخطئون في اعتباره. و من هذا الباب أيضاً ما يسلكه المؤرخون عند ذكر الدول و نسق ملوكها فيذكرون اسمه و نسبه و أباه و أمه و نساءه و لقبه و خاتمه و قاضيه و حاجبه و وزيره كل ذلك تقليد لمؤرخي الدولتين من غير تفطن لمقاصدهم و المؤرخون لذلك العهد كانوايضعون تواريخهم لأهل الدولة و أبناؤها متشوفون إلى سير أسلافهم و معرفة أحوالهم ليقتفوا آثارهم و ينسجوا على منوالهم حتى في اصطناع الرجال من خلف دولتهم و تقليد الخطط و المراتب لأبناء صنائعهم و ذويهم و القضاة أيضاً كانوا من أهل عصبية الدولة و في عداد الوزراء كما ذكرناه لك فيحتاجون إلى ذكر ذلك كله و أما حين تباينت الدول و تباعد ما بين العصور و وقف الغرض على معرفة الملوك بأنفسهم خاصة و نسب الدولبعضها من بعض في قوتها و غلبتها و من كان يناهضها من الأمم أو يقصر عنها فماالفائدة للمصنف في هذا العهد في ذكر الأنباء و النساء و نقش الخاتم و اللقب والقاضي و الوزير و الحاجب من دولة قديمة لا يعرف فيها أصولهم و لا أنسابهم و لا مقاماتهم إنما حملهم على ذلك التقليد و الغفلة عن مقاصد المؤلفين الأقدمين و الذي هول عن تحري الأغراض من التاريخ اللهم إلا ذكر الوزراء الذين عظمت آثارهم و عمت على الملوك أخبارهم كالحجاج و بني المهلب و البرامكة و بني سهل بن نوبخت و كافورالأخشيدي و ابن أبي عامر و أمثالهم فغير نكير الالماع بآبائهم و الاشارة إلى أحوالهم لانتظامهم في عداد الملوك. و لنذكر هنا فائدة نختم كلامنا في هذا الفصل بها و هي أن التاريخ إنما هو ذكر الأخبار الخاصة بعصر أو جيل فأما ذكر الأحوال العامة للآفاق و الأجيال و الأعصار فهو أس للمؤرخ تنبني عليه أكثر مقاصده و تتبين به أخباره و قد كان الناس يفردونه بالتأليف كما فعله المسعودي في كتاب مروج الذهب شرح فيه أحوال الأمم و الآفاق لعهده في عصر الثلاثين و الثلاثمائة غرباً و شرقاً و ذكر نحلهم و عوائدهم و وصف البلدان و الجبال و البحار و الممالك و الدول و فرق شعوب العرب و العجم فصار إماماً لمؤرخين يرجعون إليه و أصلاً يعولون في تحقيق الكثير من أخبارهم عليه ثم جاء البكري من بعده ففعل مثل ذلك في المسالك و الممالك خاصة دون غيرها من الأحوال لأن الأمم والأجيال لعهده لم يقع فيها كثير انتقال و لا عظيم تغير و أما لهذا العهد و هو آخرالمائة الثامنة فقد انقلبت أحوال المغرب الذي نحن شاهدوه و تبدلت بالجملة و اعتاض من أجيال البربر أهله على القدم بما طرأ فيه من لدن المائة الخامسة من أجيال العرب بما كسروهم و غلبوهم و انتزعوا منهم عامة الأوطان و شاركوهم فيما بقي من البلدان لملكهم هذا إلى ما نزل بالعمران شرقاً و غرباً في منتصف هذه المائة الثامنة من الطاعون الجارف الذي تحيف الأمم و ذهب بأهل الجيل و طوى كثيراً من محاسن العمران ومحاها و جاء للدول على حين هرمها و بلوغ الغاية من مداها فقلص من ظلالها و فل من حدها و أوهن من سلطانها و تداعت إلى التلاشي و الاضمحلال أموالها و انتقض عمران الأرض بانتقاض البشر فخربت الأمصار و المصانع و درست السبل و المعالم و خلت الديار و المنازل و ضعفت الدول و القبائل و تبدل الساكن و كأني بالمشرق قد نزل به مثل مانزل بالمغرب لكن على نسبته و مقدار عمرانه و كأنما نادى لسان الكون في العالم بالخمول و الانقباض فبادر بالإجابة و الله وارث الأرض و من عليها و إذا تبدلت الأحوال جملة فكأنما تبدل الخلق من أصله و تحول العالم بأسره و كأنه خلق جديد ونشأة مستأنفة و عالم محدث فاحتاج لهذا العهد من يدون أحوال الخليقة و الآفاق وأجيالها و العوائد و النحل التي تبدلت لأهلها و يقف و مسلك المسعودي لعصره ليكون أصلاً يقتدي به من يأتي من المؤرخين من بعده و أنا ذاكر في كتابي هذا ما أمكنني منه في هذا القطر المغربي إما صريحاً أومندرجاً في أخباره و تلويحاً لاختصاص قصدي في التأليف بالمغرب و أحوال أجياله وأممه و ذكر ممالكه و دوله دون ما سواه من الأقطار لعدم اطلاعي على أحوال المشرق وأممه و أن الأخبار المتناقلة لا تفي كنه ما أريده منه والمسعوديإنما استوفى ذلك لبعد رحلته و تقلبه في البلاد كماذكر في كتابه مع أنه لما ذكر المغرب قصر في استيفاء أحواله و فوق كل ذي علم عليم ومرد العلم كله إلى الله و البشر عاجز قاصر و الاعتراف متعين واجب و من كان الله فيعونه تيسرت
عليه المذاهب و انجحت له المساعي و المطالب و نحن آخذون بعون الله فيما رمناه من أغراض التأليف و الله المسدد و المعين و عليه التكلان و قد بقي علينا أن نقدم مقدمة في كيفية وضع الحروف التي ليست من لغات العرب إذا عرضت في كتابنا هذا.
اعلم أن الحروف في النطق كما يأتي شرحه بعد هي كيفيات الأصوات الخارجة من الحنجرة تعرض من تقطيع الصوت بقرع اللهاة و أطراف اللسان مع الحنك و الحلق والأضراس أو بقرع الشفتين أيضاً فتتغاير كيفيات الأصوات بتغاير ذلك القرع و تجيء الحروف متمايزة في السمع و تتركب منها الكلمات الدالة على ما في الضمائر و ليست الأمم كلها متساوية في النطق بتلك الحروف فقد يكون لأمة من الحروف ما ليس لأمة أخرى و الحروف التي نطقت بها العرب هي ثمانية و عشرون حرفاً كما عرفت و نجد للعبرانيين حروفاً ليست في لغتنا و في لغتنا أيضاً حروف ليست في لغتهم و كذلك الإفرنج و الترك و البربر و غير هؤلاء من العجم ثم إن أهل الكتاب من العرب اصطلحوا في الدلالة على حروفهم المسموعة بأوضاع حروف مكتوبة متميزة بأشخاصها كوضع ألف وباء و جيم وراء و طأ إلى آخر الثمانية و العشرين و إذا عرض لهم الحرف الذي ليس من حروفلغتهم بقي مهملاً عن الدلالة الكتابية مغفلاً عن البيان و ربما يرسمه بعض الكتاب بشكل الحرف الذي يكتنفه من لغتنا قبله أو بعده و ليس بكاف في الدلالة بل هو تغيير للحرف من أصله. و لما كان كتابنا مشتملاً على أخبار البربر و بعض العجم و كان تتعرض لنا في أسمائهم أو بعض كلماتهم حروف ليست من لغة كتابنا و لا اصطلاح أوضاعناً اضطررنا إلى بيانه و لم نكتف برسم الحرف الذي يليه كما قلناه لأنه عندنا غير وافي الدلالة عليه فاصطلحت في كتابي هذا على أن أضع ذلك الحرف العجمي بما يدل على الحرفين اللذين يكتنفانه ليتوسط القارىء بالنطق به بين مخرجي ذينك الحرفين فتحصل تأديته و إنما اقتبست ذلك من رسم أهل المصحف حروف الإشمام كالصراط في قراءة خلف فإن النطق بصاده فيها معجم متوسط بين الصاد و الزاي فوضعوا الصاد و رسموا في داخلها شكل الزاي و دل ذلك عندهم على التوسط بين الحرفين فكذلك رسمت أنا الكاف حرف يتوسط بين حرفين من حروفنا كالكاف المتوسطة عند البربر بين الكاف الصريحة عندنا و الجيم أوالقاف مثل اسم بلكين فأضعها كافاً و أنقطها بنقطة الجيم واحدة من أسفل أو بنقطة القاف واحدة من فوق أو اثنتين فيدل ذلك على أنه متوسط بين الكاف و الجيم أو القاف وهذا الحرف أكثر ما يجيء في لغة البربر و ما جاء من غيره فعلى هذا القياس أضع الحرف المتوسط بين حرفين من لغتنا بالحرفين معاً ليعلم القارىء أنه متوسط فينطق به كذلك فنكون قد دللنا عليه و لو وضعناه برسم الحرف الواحد عن جانبه لكنا قد صرفناه من مخرجه إلى مخرج الحرف الذي من لغتنا و غيرنا لغة القوم فأعلم ذلك و الله الموفق للصواب بمنه و فضله.




منقول



 


الرد باقتباس
قديم 07-31-2012, 12:19 AM   #6


الصورة الشخصية لـ أبو علي
أبو علي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 184
 تاريخ التسجيل :  Nov 2011
 أخر زيارة : 12-02-2021 (04:09 PM)
 المشاركات : 14,068 [ + ]
 تقييم العضوية :  12120
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 723
تم شكره 762 مرة في 563 مشاركة
الإفتراضي



مجهود عظيم في شرح حياة وتاريخ
العالم الشهير ابن خلدون
تسلم يمناك بيحان على مجهودك



 


الرد باقتباس
الرد على الموضوع

Bookmarks

الكلمات الدلالية (Tags)
.. , مقدمته , الشهيرة , ابن , خلدون


Currently Active Users Viewing This Thread: 1 (0 members and 1 guests)
 
خيارات الموضوع

قوانين المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML مغلق
Trackbacks are متاح
Pingbacks are متاح
Refbacks are متاح


تصميم وتوزيع وتركيب  &الجنوبيه&♥ طموح ديزاين♥


جميع الأوقات GMT +3. الساعة الآن 10:56 AM.


.
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
.

Search Engine Friendly URLs by vBSEO