منتدى الآصالةوالتاريخ حريب بيحان
ينتهي : 30-04-2025
عدد مرات النقر : 1,254
عدد  مرات الظهور : 28,016,294

عدد مرات النقر : 4,100
عدد  مرات الظهور : 72,036,651
عدد  مرات الظهور : 67,752,620
قناة حريب بيحان " يوتيوب "
عدد مرات النقر : 2,279
عدد  مرات الظهور : 72,037,453مركز تحميل منتديات حريب بيحان
ينتهي : 19-12-2025
عدد مرات النقر : 3,928
عدد  مرات الظهور : 68,253,380
آخر 10 مشاركات
ورد يومي صفحه من القرآن الكريم (الكاتـب : - المشاركات : 93 - المشاهدات : 788 - الوقت: 06:53 AM - التاريخ: 03-23-2024)           »          شهرمبارك كل عام وأنتم بخير (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 3 - المشاهدات : 42 - الوقت: 04:06 AM - التاريخ: 03-18-2024)           »          تدمير دبابة ميركافا الإسرائيلية (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 2 - المشاهدات : 104 - الوقت: 06:53 AM - التاريخ: 03-17-2024)           »          قراءة في سورة البقرة (الكاتـب : - المشاركات : 0 - المشاهدات : 25 - الوقت: 06:45 AM - التاريخ: 03-17-2024)           »          صـبـــاحكم سكــر // مســـاؤكم ورد معطر (الكاتـب : - المشاركات : 2379 - المشاهدات : 165117 - الوقت: 05:12 AM - التاريخ: 03-15-2024)           »          بقايا الذكريات (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 18 - المشاهدات : 454 - الوقت: 06:13 AM - التاريخ: 03-10-2024)           »          بيت شعر تهديه لمن يعز عليك (( (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 1316 - المشاهدات : 110014 - الوقت: 02:18 AM - التاريخ: 03-04-2024)           »          سجل حضورك بأجمل بيت شعر يروق لك (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 1602 - المشاهدات : 161838 - الوقت: 02:15 AM - التاريخ: 03-04-2024)           »          الحمدلله عدنا والعود أحمد بعد غياب طويل (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 1 - المشاهدات : 72 - الوقت: 04:35 AM - التاريخ: 02-26-2024)           »          التصعيد في المنطقه (الكاتـب : - المشاركات : 0 - المشاهدات : 71 - الوقت: 12:05 PM - التاريخ: 02-24-2024)


الإهداءات



الأخبار العربية والعالمية على مدار الساعة الأخبار على المستوى العربي والعالمي


آلان مينارغ : أسرار وخفايا حرب لبنان

على مدار الساعة الأخبار على المستوى العربي والعالمي


آلان مينارغ : أسرار وخفايا حرب لبنان

خلال توقيع الاتفاق اللبناني ــ الإسرائيلي عام 1983 (أرشيف) مطلع عام ١٩٨٣، كانت إسرائيل قد بدأت تراهن على الطوائف اللبنانيّة الأخرى، فيما الرئيس أمين الجميّل مصرّ على نشر الجيش

الرد على الموضوع
 
LinkBack خيارات الموضوع
قديم 09-26-2012, 11:46 PM   #1


جار القمر غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 110
 تاريخ التسجيل :  Sep 2011
 أخر زيارة : 02-27-2018 (10:49 AM)
 المشاركات : 1,129 [ + ]
 تقييم العضوية :  10
 مشاهدة أوسمتي
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
الإفتراضي آلان مينارغ : أسرار وخفايا حرب لبنان




آلان مينارغ أسرار وخفايا لبنان p08_20120927_pic1.jpg
خلال توقيع الاتفاق اللبناني ــ الإسرائيلي عام 1983 (أرشيف)
مطلع عام ١٩٨٣، كانت إسرائيل قد بدأت تراهن على الطوائف اللبنانيّة الأخرى، فيما الرئيس أمين الجميّل مصرّ على نشر الجيش اللبناني في بيروت الشرقيّة، معيداً «القوّات اللبنانيّة» إلى حجمها السابق كميليشيا حزبيّة، بعد أن تحوّلت جيشاً حقيقياً يعيش من الهيمنة على الحوض الخامس في مرفأ بيروت. في نهاية الجولة، سيستقيل فادي أفرام من قيادة «القوّات» لتبدأ صفحة جديدة ستشهد هزيمتها في حرب الجبل، وصعود نجم سمير جعجع. آلان مينارغ يواصل استعادة تلك المرحلة العكرة من التاريخ اللبناني المباشر
أوّل كانون الثاني/ يناير 1983 دعا وليد جنبلاط بعض الضيوف إلى الغداء في مطعم «المندارين» في بيروت الغربية، احتفالاً ببدء العام الجديد. حول المائدة الأميركيان موريس درابر وروبرت ديلون، ومستشاره مروان حمادة وصهر هذا الأخير غسان التويني، منسق المفاوضات الإسرائيلية اللبنانية مع أمين الجميّل. دار الحديث حول الحوار بين تل أبيب وبيروت الذي ستعقد جولته الثالثه في الغد في خلدة. وقد ألحّ الأميركيان على إجراء تقارب بين الزعيم الدرزي والرئيس اللبناني، لكن ظل جنبلاط ثابتاً لا يتزحزح. وأثناء تناول القهوة، أُحيطت سفارة الولايات المتحدة علماً بالقدوم المرتقب لشارون إلى بيروت حيث ينبغي أن يعقد مؤتمراً صحافياً.
لدى خروج وزير الدفاع من الاجتماع الأسبوعي للوزارة الإسرائيلية في الصباح ذاته، كرر هجومه على واشنطن، مؤكداً أن الولايات المتحدة مسؤولة عن الموقف الصلب الذي يعتمده لبنان، قبل أن يذكر أنه يعتبر أن الوفد الأميركي إلى المفاوضات الإسرائيلية ـــ اللبنانية هو مجرد مدعوّ، ثم أن يخلص إلى أن واشنطن تحرص على أن تتابع (عبر هذه المفاوضات) الأهداف المرسومة في مخطط ريغان.
فكّر موريس درابر أن الفرصة مناسبة للقاء شارون والإفادة من وجوده في العاصمة اللبنانية. نهض الرجال الخمسة عن المائدة في «المندارين». لقد توقف المطر، لكنّ ريحاً جليدية كانت تهب على بيروت. هنالك موجة من البرد تغطي لبنان منذ 24 ساعة. فطرقات الجبل مقطوعة بسبب الثلج، وطرقات الوادي غارقة تحت برك واسعة من المياه.
تبادل اللبنانيون والأميركان التحية على الرصيف، وحرسهم الشخصي يحيطون بهم، من غير أن ينتبهوا إلى سيارة حمراء فاقعة اللون، ملأى بالمتفجرات، مصفوفة أمام مدخل المطعم تماماً. أما الرجل الذي كان على سطح مجاور، وهو يمسك بيده جهاز التحكّم عن بعد لتفجير تلك الآلة الجهنمية، فقد راقب المجموعة تتفرّق، من دون أن ينفّذ الأمر. بعدها بسنوات اعترف إيلي حبيقة لوليد جنبلاط، أثناء عشاء المصالحة الذي أقامه وزير الخارجية السوري عبد الحليم خدام (حسب ما قاله وليد جنبلاط لآلان مينارغ): لقد ألغيت الأوامر في اللحظة الأخيرة لأن ديلون ودرابر خرجا معاً في الوقت ذاته. كذلك باح له قائد جهاز الأمن بأن اعتداءً آخر قد نظم ضدّه، بعد ذلك ببضعة أسابيع على شكل قذيفة مضادة للدبابات على مسار الدامور ــــ كفرحيم، لكنّه لأسباب مجهولة، نظام التفجير لم يعمل أثناء مرور سيارته. إن «نصائح» ميئير داغان قد جرى أُصغي إليها.
على الرغم من أن عناصر الميليشيا المسيحيين والدروز كانوا مشغولين في تلك الفترة، بالكفاح ضد الثلج والبرد، أكثر منهم بالقتال، فإن الوضع في الجبل ظل متوتراً. فصوت الأسلحة يسمع بانتظام في التجمعات السكنية مثل عاليه، أو على «خطوط الجبهة» كتلك التي تفصل بين سوق الغرب وعيتات.
لقد انجز قائد «القوات» في مطلع كانون الثاني/ يناير إعادة تنظيم الانتشار العسكري في الشوف. إنه يرتكز من الآن فصاعداً على الدفاع عن القرى المسيحية اعتماداً على سكانها.
وجرى إنشاء ثلاث مناطق. فتولى سمير جعجع إدارة المنطقة الشرقية (صوفر ـــ عاليه ـــ بيت الدين)، وأوغوستين تيغو (ولقبه تيتو) منطقة الوسط (عاليه ـــ سوق الغرب ـــ الشويفات). أما جو إده، وهو الرجل الذي تولى إدارة المقاومة في زحلة، فقد عين مسؤولاً عن المنطقة الجنوبية التي تبدأ من خلدة لتصل إلى صيدا.
إن المعضلة الأولى التي وجبت عليهم مواجهتها هي فقدان «الحافز» لدى المسيحيين المقيمين في الشوف. وقد كان عدد كبير منهم من أنصار كميل شمعون، وكانوا أعضاءً في الحزب الاشتراكي الديموقراطي. أما الصعوبة الثانية، وليست أقلّ أهميّة من سابقتها، فكانت تصميم أمين الجميّل المعلن من جديد، على إرغامهم على إخلاء بيروت الشرقية، وعلى استعادة الحوض الخامس من مرفأ بيروت. كان ذلك الرصيف البحري يقع مباشرة وراء مقر القيادة العامة للقوات اللبنانية، ما يتيح للتجار أن يستوردوا البضائع وأن يدفعوا للميليشيا المسيحية (ضريبة تقل بمقدار 40 في المئة عن رسوم الجمارك المحددة من قبل الدولة). وكان هذا «الاقتطاع» يشكل 80 في المئة من عائدات «القوات».
في 4 كانون الثاني/ يناير 1983 استدعى أمين الجميّل فادي أفرام، فتوجه هذا الأخير إلى القصر الرئاسي بصحبة أنطوان بريدي (توتو) وفؤاد أبو ناضر. كان بريدي المفتش العام للقوات اللبنانية، ويعتبر، بهذه الصفة الرجل الثاني في القوات، لكن بصورة غير رسمية. وجاءت تسميته في منصب المسؤول عن منطقة الاشرفية (خلفاً لجان نادر الذي قتل في الاعتداء على بشير)، فقد لتسبغ عليه هيبة سياسية واسعة لا جدال فيها. وكان المذكور على صلة وثيقة جدّاً بأفرام، إذ قام الاثنان، وسط سريّة تامة، بإعداد المخطط المخطط (م)، وهو الوجه اللبناني لعملية «سلام الجليل».
أما فؤاد أبو ناصر، قائد أركان الميليشيا، فهو زوج أخت فادي أفرام، وهو خصوصاً حفيد بيار الجميّل. كان أفرام يحرص حرصاً مطلقاً على إشراكه في المناقشات مع خاله أمين. يتمتع فؤاد، بوصفه عضواً في العائلة، بوزن لا ينكر ضمن صفوف القوات اللبنانية. وكان يعارض معارضة تامة كل تباعد بين حزب الكتائب والميليشيا المسيحية ويفعل كل شيء في سبيل تقاربهما.

آلان مينارغ أسرار وخفايا لبنان p08_20120927_pic2.jpg
فادي افرام

آلان مينارغ أسرار وخفايا لبنان p08_20120927_pic3.jpg
فؤاد أبو ناضر

استقبل أمين الجميّل ضيوفه بابتسامة عريضة، وباح لهم وهم يتناولون القهوة ـــ وأبو ناضر يشرب الشاي ـــ بأنه قد توصل إلى اتفاقية مكتوبة مع شارون في إشارة منه لأول مرة، للنص الذي تفاوض عليه سامي مارون في تشرين الثاني/ نوفمبر وكانون الأول/ ديسمبر 1982. وأكّد لهم قائلاً:
ـ كان لهذه الاتفاقية أن تظل سراً، لكن شارون أذاعها على الملأ فتعرضت لضغوط كبيرة من قبل العرب. لن أستطيع مواصلة النقاش معهم على الرغم من أن الأميركيين يدفعونني إلى ذلك.
وذكره فادي أفرام:
ـ حين جاء شارون إلى هنا في كانون الأوّل/ ديسمبر 1982، قال لنا إن عملية «سلام الجليل» ستجري بمشاركتنا أو من دوننا. ولقد أكّد بإصرار على أن هذه العملية ستفرض علينا بعض المسائل، وانه لن يعود بوسعنا اللعب على أكثر من حبل، وأن علينا أن نتخذ موقفاً واضحاً حيال اسرائيل.
استبعد أمين الجميّل الملاحظة بحركة من يده، ثم تصدى لموضوع انتشار الجيش اللبناني في بيروت الشرقية، وهو يوضح مطولاً أن هذا القرار صادر بناءً على «إلحاح دولي» من غير أن يذكر أيّة تفاصيل.
فسأله فادي أفرام:
ـ هل ينبغي للجيش أن ينتشر لاحقاً في مناطق أخرى، أم أن الهدف من هذه العملية مقتصر فقط على أن يحل محل القوات اللبنانية؟
هنا ثارت ثائرة الرئيس، من غير أن يجيب عن السؤال:
ـ لا تعاندوا لأنكم ستصبحون عائقاً كما كان الفلسطينيون.
ثم طالب بإيضاح مكتوب لمواقف القوات اللبنانية، ووضع حداً للقاء.
ما إن عاد قائد «القوات» إلى مكتبه، حتى طلب إلى إيلي حبيقة مضاعفة الاتصالات مع الضباط المسيحيين داخل الجيش، والحرص على تسمية المقربين إلى القوات اللبنانية في مناصب مفصلية.
في الأيام الأولى من كانون الثاني/ يناير 1983 وزع الإسرائيليون وحدات «ياكال» (اختصار لـ«يخيدا كيشوك ليبانون»، أي وحدات الاتصال الإسرائيلية في لبنان). لم يكن مساعد داغان سوى العقيد أريتس شايكي الذي يعرفه كوادر القوات اللبنانية حق المعرفة. فمعظمهم كان قد اتبع في مستعمرة شيفاييم، شمال تل أبيب على طريق حيفا، دورات القيادة العليا للعلوم العسكرية «بوم» التي كان شايكي يشرف عليها مباشرة، وهي دورات تدريب وتأهيل نسجت روابط وثيقة جداً بين قيادات الميليشيا المسيحيّة ومدرّبيهم. العقيد أريتس شايكي ناحل إلى حد الهزال، أشيب الشعر، ذو قيافة شرقية مضحكة، تزيدها اكتمالاً لغته العربية الممتازة. ولقد ترك أطيب الأثر في نفوس كل من مرّ تحت إمرته من كوادر القوّات.
كان الـ«ياكال» يتألّف من قسمين: جنوب لبنان، وهو القطاع ذو الحساسية الخاصة بالنسبة إلى الإسرائيليين، وقطاع الشوف. وكان ذلك التقطيع يعتمد على واقع دقيق جداً بالنسبة إلى تل أبيب. أما وأن الجنوب ذو أكثرية شيعية، فكان منهج «ياكال» قد وضع في الحسبان ترجيح الإبقاء على «منطقة أمنية» حدوديّة، يؤدي فيها «جيش لبنان الجنوبي» بقيادة سعد حداد، دوراً خاصاً في حال فشل المفاوضات. علماً بأن ثقة الإسرائيليين بفضائل الحوار، كان قد ضعفت بشكل ملحوظ. أما الشوف، فكان من ناحيته ورقة سياسية حيال السلطة اللبنانية، ولم كان في نية الإسرائيليين البقاء فيه بأي ثمن. كان مسؤول «ياكال» في الشوف، هو العقيد الركن إميل شربيط، وهو رجل شديد السمرة، يتقن العربية والفرنسية اتقاناً تاماً. وقد أقام هيئة أركانه في قرية ضهور العبادية.
وإذا كان قادة القوات اللبنانية قد استقبلوا بتفاؤل نبأ تعيين داغان وشايكي على رأس ذلك التنظيم، قد غيروا رأيهم بسرعة قصوى، بدءاً من يوم 6 كانون الثاني/ يناير. في ذلك التاريخ، استقبل فادي أفرام وهيئة أركانه في «الكرنتينا»، كلاً من داغان وشايكي وشربيط وأمنون، وهو ضابط الاتصال التابع للموساد، والمكلف تدوين محضر الاجتماع. أعلن الجنرال الإسرائيلي:
ـ سوف أقول لكم بعض الأشياء التي تروقكم، ثم نناقشها.
وشرح لمحاوريه المصعوقين، طوال عشرين دقيقة، أن إعادة النظر في دور وليد جنبلاط في الشوف، لم يعد مطروحاً على جدول الأعمال. وإذا كان الهدف الأوّل للزعيم الدرزي يتمثل في تغيير النظام السياسي اللبناني، اعتماداً على الحزب التقدمي الاشتراكي، فإن الإسرائيليين غير معنيين بالأمر على الإطلاق.
وأضاف داغان:
ـ ومن جهة أخرى، فإن هذا الحزب يتوافر لديه المال. وإذا استمر الوضع الراهن على حاله، فإن الدروز سوف يتفاهمون مع الشيعة، وذلك ما ينبغي تفاديه بأي ثمن.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن أوري لوبراني بذل كنوزاً لا تقدّر بثمن من الأناة والدبلوماسية، لإقامة اتصال بين مسؤولي «ياكال» والدروز اللبنانيين، فالتقريب ما بينهم. وكان أوري لوبراني، الرجل الذي «تفاوض» مع سامي مارون حول اتفاقية 13 كانون الأول/ ديسمبر 1982، والذي «لا يفكر إلا في مصالح إسرائيل، حتى لو اضطره الأمر إلى أن يطأ جسد أبيه أو أخيه»، كما قال أحد أعضاء الوفد الإسرائيلي لآلان مينارغ، كان قد بدأ يعمل في الظلّ، منذ قرابة شهرين، على الملف اللبناني.
ثم واصل ميئير داغان القول:
ـ لقد توصلنا إلى تحالف مع الدروز. واستدرك مخفّفاً من وقع كلامه: صحيح أنه ليس على الدرجة ذاتها من قوة تحالفنا مع الموارنة! كما فعلنا كل ما وسعنا، صادقين، لتقريبكم منهم أيضاًَ. لكن ما من فائدة ترتجى في هذا السياق! لو كان أمين أكثر تعقلاً… لو أن الأميركيين لم يمضوا الوقت في دسّ أنوفهم هنا وهناك… لكان الأمر مختلفاً. فالدروز يعتبرون في الوقت الراهن، أنكم عازمون على مواصلة المعارك، وتسمية سمير جعجع قد أقلقتهم. أما بعد، فأنا أكلمكم بوصفي ممثلاً لدولة إسرائيل: لا تسحبوا قواتكم من الشوف! بل لا تفكروا في ذلك! لقد أخذناكم إلى هناك، لتبقوا هناك. لكنني أقترح عليكم أن تبادروا إلى رفع مراكز مراقبتكم كافة عن الطرق. وأوقفوا سريعاً كل ما من شأنه أن يكون سلبياً بالنسبة إلى الدروز. إن أوامر حكومتنا بسيطة: ينبغي إعادة الهدوء إلى الشوف.
أما إميل شربيط، مسؤول «ياكال» في منطقة الشوف، المعروف بقربه الشديد من الدروز، فأضاف قائلاً من غير أن يرفّ له جفن:
ـ لا ينبغي للدروز أن يدلوا بتصريحات ضدّنا، فنحن نسعى إلى أن نجعل منهم أصدقاء. لا أعتقد أن ذلك ممكن تماماً في الوقت الحاضر، غير أننا نقوم بتهدئتهم على الأقلّ.
كان محدثوه مصعوقين ومذهولين، فلم يبدر عنهم أي ردّ فعل. قام أبو ناضر بمحاولة فقال:
ـ جعلنا ممثلكم في إسرائيل نسمع، بصورة غير رسمية، أن المفاوضات بين بلدينا إذا لم تنجح، فسوف يكون هنالك سلام متقطع يؤدي إلى إقامة كانتون درزي وكانتون مسيحي وكانتون شيعي.
فقاطعه ميئير داغان بجفاء:
ـ لا أذكر أن مناقشة من هذا النوع جرت بحضوري.
ثم انتقل، دونما تمهيد، إلى ذلك الوضع في جنوب لبنان، حيث صار الشيعة أكثر فأكثر تقبلاً للأفكار التي طورتها الحركات الإسلامية الأصولية المدعومة من إيران. أكد الجنرال الإسرائيلي:
ـ إن حركة أمل تعتقل الأصوليين وتسلمنا إياهم.
فعلق إيلي حبيقة بارتياب:
ـ أشك في أن تكون لديهم القدرة اللازمة على القيام بعمل مجدٍ. (…)
بدأت «القوات» تعي شيئاً فشيئاً أنها أمام خطر كبير، قد تدفع ثمن سلام بين بيروت وتل أبيب. ذلك أن الصلات بين الحكومتين سوف تحكم عليها بتهميش دائم، وبالتالي بنهاية علاقاتها مع إسرائيل. وفضلاً عن ذلك، فإن توقيع تلك الوثيقة ستجعل لبنان يخسر، بحكم الأمر الواقع، جزءاً من أرضه لا يزال تحت الرقابة السورية، أي البقاع الذي سيصير، بردّ فعل، «ملحقاً» من قبل دمشق. وكانوا يعرفون، بخلاف ذلك، أن المفاوضات إن لم تؤد الى نتيجة، فإن الميليشيا لا تعود تمثل ورقة رابحة بيد الإسرائيليين. ولسوف يفضلون الالتفات نحو «شركاء» من شأنهم ان يقدموا لهم دعماً مجدياً في «المنطقة الأمنية» في جنوب لبنان». (…)
وخرجت المفاوضات الاسرائيلية اللبنانية من الطريق المسدود كأنما بسحر ساحر. ووضع جدول أعمال بسهولة مدهشة، كذلك نظمت المقترحات الإسرائيلية واللبنانية كافة، بما فيها النقاط المتنازع عليها، تنظيماً بسيطاً ضمن الوثيقة ذاتها. وكانت تلك هي «المخلوطة» التي اقترحها أنطوان فتّال.
وفي 17 كانون الثاني/ يناير 1983 أقبل أفنير أزوالي رئيس فرع الموساد في لبنان، ليبلغ فادي أفرام بتغيير جذري في موقف تل أبيب حيال أمين الجميّل. إن الإسرائيليين، بعد التدخل السوفياتي إلى جانب دمشق، يقبلون بمرور الاتصالات مع الرئيس اللبناني عبر الأميركيين فقط، بل يقبلون فوق ذلك بالتخلي عن صيغة اتفاقية سلام لمصلحة صيغة «انهاء حالة الحرب» بين لبنان واسرائيل. (في نهاية المطاف) قرّر فادي أفرام، أن يستقيل من وظائفه كافة. واعتبر أن بوسع شخص آخر أكثر قرباً إلى بيار الجميّل أن يتمكّن من العثور على حلّ (بشأن مستقبل «القوّات»). ولم يشأ على كل حال أن يتحمل المسؤولية عن حل القوات اللبنانية، في حين أنه قبل أقل من أربعة أشهر انتُخب على رأس هذا التنظيم من أجل ذلك تحديداً.

من «أسرار حرب لبنان (٢)»، (بالفرنسيّة والعربيّة، المكتبة الدوليّة ـــ بيروت). يوقّع المؤلّف آلان مينارغ كتابه في مقرّ المكتبة في بيروت، مبنى الجيفينور (القسم D)، مساء الجمعة ٢٨ الجاري ابتداءً من السادسة مساء.
يوم راهن أوري لوبراني على الورقة الشيعية
لئن كانت القوات اللبنانية قد حافظت، عاطفياً، على كامل الودّ حيال «العائلات الشيعية التقليدية القديمة» التي دعمت بشير الجميّل أثناء الانتخابات الرئاسية، فإن الإسرائيليين، ولا سيما أوري لوبراني، وهم الأكثر براغماتية، قد قرروا من جانبهم المراهنة على الورقة الشيعية الجديدة. ذلك أن «أمل»، من ناحية أولى، حركة حسنة البناء، ولا سيما في الجنوب. ولأنها لم تكن، من ناحية أخرى، معادية للدولة العبرية، من غير أن تقول ذلك بصورة حاسمة، فضلاً عن أن بعض سكان الجنوب استقبلوا الجنود الإسرائيليين استقبال محررين، ناثرين عليهم الرز والأزهار في الأيام الأولى من عملية «سلام الجليل». وأن بعض أبناء هذه الطائفة كانوا يقيمون أحسن العلاقات التجارية سراً مع إسرائيل. ولقد بدا لهم بري «قابلاً للكسب»، رغم أن تأثيره في الجنوب لم يكن كافياً للسماح بمراقبته. كانت ملاحظات التقويم المتعلقة به توضح أنه خدم في الجيش الأميركي، وأن زوجته الأولى وأولاده يقيمون في الولايات المتحدة، حيث له مصالح مالية. كذلك فإن محمد غدار، وهو أحد المسؤولين العسكريين في حركة «أمل»، قد خضع في الفترة الأخيرة، لدورة مشاة في «فورت بيننغ»، ولم يكن وحيداً. إذاً كان بوسع الميليشيات الشيعية في حركة «أمل» أن يصبحوا حلفاء، لكن الصعوبة الوحيدة تمثلت في التوصل إلى التفريق «بين القمح والزؤان». فقد كان الموالون لإيران والخمينيون، يعادون إسرائيل عداءً شرساً، وهم بقيادة منشق عن حركة أمل، اسمه حسين الموسوي، الذي احتفظ لنفسه برصيد أكيد داخل حركته الأصلية.


Nghk ldkhvy : Hsvhv ,othdh pvf gfkhk [vf



 


الرد باقتباس
قديم 09-26-2012, 11:51 PM   #2


جار القمر غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 110
 تاريخ التسجيل :  Sep 2011
 أخر زيارة : 02-27-2018 (10:49 AM)
 المشاركات : 1,129 [ + ]
 تقييم العضوية :  10
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
الإفتراضي




من المفاوضات اللبنانية ـ الاسرائيلية في خلدة
الوفد القواتي إلى تل أبيب، أواخر عام ١٩٨٢، ضمّ فؤاد أبي ناضر، وفادي أفرام، وجوزيف أبو خليل. جاء هؤلاء لإقناع وزير الدفاع الصهيوني أرييل شارون، بمساعدتهم في حرب الجبل. لكنّ الأخير تلقّف ضيوفه بحزم: إلى متى نقاتل من أجلكم؟ ماذا أخذنا في المقابل؟ لماذا ننحاز إليكم لا إلى الدروز؟ قبل أن يقترح الحلّ السحري:« لو صرح الرئيس أمين الجميّل علناً بأنه مع إسرائيل، لتغيّر الموقف كله». أما المذكور، فكان مشغولاً بقرار نشر الجيش في بيروت الكبرى، وكيفيّة فرضه على القوات اللبنانيّة. هنا تتمّة الفصل السادس من كتاب آلان مينارغ الصادر باللغتين الفرنسيّة والعربيّة، الذي يوقّعه الصحافي الاستقصائي يوم الجمعة في بيروت («المكتبة الدوليّة»، مبنى الجيفينور، ابتداءً من السادسة)
وصل وزير الدفاع بابتسامة عريضة إلى فندق هيلتون في حدود السادسة والنصف مساءً، يتبعه أوري دان. فاتخذ مكاناً على المائدة القائمة وسط الصالون وتوجه إلى أفرام:
ـ كيف حالكم؟
ـ خيتسي، خيتسي («بين بين» بالعبرية).
شنّ وزير الدفاع هجوماً فورياً، ومدّ يده إليهم بوثيقة من سبع صفحات مطبوعة بالإنكليزية، ومرفقة بخريطة عليها بعض الملاحظات.

قال:
ـ أرى ضرورياً أن تكون المفاوضات قد بدأت، وأن تعلموا إلى أين وصلت المناقشات المباشرة مع الشيخ أمين. هاكم هذه الوثيقة. إن كان الشيخ أمين يريد الوصول إلى نتيجة، فينبغي أن يتعهّد العمل وفق هذا النص غير الرسمي، ما دام قد رفض توقيعه في اللحظة الأخيرة. ينبغي له توجيه وفده وفقاً لبنودها. من الأهمية بمكان أن تتصلوا مباشرة بأمين، حتى تعرفوا كيف ينوي التقدم في التفاوض. إن في ذلك مصلحة للجميع من إسرائيليين ولبنانيين وأميركيين، ولا سيما أن هؤلاء لا يدركون حقيقة ما يجري. وأحرص من ناحية أخرى على أن أكرر على مسامعكم أننا لن نغيّر سياستنا حيال المسيحيين والموارنة والقوات اللبنانية. لكن لدينا مشكلة داخلية خطيرة جداً. كان رأينا العام ينتظر النتائج؛ إذ وعدناه بأن هنالك اتفاقية مكتوبة. وما لم تتجسّد عملياً فسوف تكون متاعبنا كبيرة جداً.
فردّ عليه أفرام قائلاً:
ـ يسعدنا أنكم توصلتم إلى اتصال مباشر مع الشيخ أمين، وإن لم يكن من خلالنا. أما بشأن الوضع على الأرض، فإن حلفاء منظمة التحرير الفلسطينية والسوريين يعيدون تشييد البنى التحتية في بيروت، ويستخدمون الصدامات في الجبل لممارسة ضغوط سياسية. نحن على علم بأنكم تواجهون صعوبة في التدخل هناك بسبب الطائفة الدرزية الإسرائيلية. لكن ينبغي أن تعلموا أن مصادر إطلاق مدفعيتهم تقع في حمّانا التي يشرف عليها السوريون، وقد التقى مروان حمادة بياسر عرفات للحصول على دعم بالرجال والسلاح والذخائر...
لم يمتنع شارون عن إبداء ملاحظة مرفقة بابتسامة:
ـ ذهب الشيخ أمين إلى المغرب ليلتقي بأبو إياد وقد عانقه.
فقاطعه فادي أفرام قائلاً:
ـ هذه مسألة أخرى، وأنتم تعلمون ذلك جيداً. إن موقفنا السياسي يزداد كل يوم ضعفاً. أقترح عليكم دراسة مخططات تضع جنبلاط وأصدقاءه خارج نطاق القدرة على الإزعاج. لقد كان ذلك موضوعاً ضمن مخططاتنا في العام الماضي. لقد لاحظ المسيحيون أنّنا لم نعد نمسك بالوضع.
فقال وزير الدفاع بمرارة:
ـ ينبغي لي في سبيل حل هذه المعضلة أن أرسل جنود الاحتياط إلى لبنان. ولا يسعني القيام بذلك، فيما يقوم التويني وصائب سلام بمهاجمتنا دونما توقّف.
وهنا بادر فادي أفرام إلى القول:
ـ نحن لا نطلب إليكم القدوم للقتال. لكن لنتصرّف معاً على الأرض...
فقاطعه مناحيم نافوت:
ـ يسعنا أن نطوّر سياسة مشتركة، وأن نخطط للدفاع عن مصالحنا. لكن لن يكون هنالك من نتائج ما لم تتقدّم المفاوضات.
ومن جديد كانت الصفقة واضحة. لكن لم يشأ اللبنانيون سماعها، كأن تلك الكلمات عاجزة عن الدخول إلى أذهانهم. واستأنف فادي أفرام الكلام متجاهلاً ملاحظة نافوت تماماً:
ـ فلنفعل شيئاً ما يبرهن على أننا متضامنون معاً. حينئذٍ يسعنا أن نمارس ضغوطاً عكسية على مروان حمادة وصهره غسان التويني والآخرين.
هنا قاطعه شارون:
ـ أعتقد، في البداية، بضرورة إقامة صلة بأسرع ما يمكن مع زاهي بستاني لمقاتلة الإرهابيين الذين رجعوا إلى بيروت. فهل جرى تدعيم الجيش اللبناني؟
ـ يلزمه بعض الوقت. هنالك مشروع قانون دفاعي ينبغي أن يركّز سلطات القرار بيد القائد العام.
وتدخل جوزيف أبو خليل:
ـ إن وضع المسيحيين في لبنان هو الذي ينبغي تدعيمه. والقوات اللبنانية لم تعد تؤدي الدور الذي كانت تؤديه قبل شهرين فقط. فهي لم تعد تتمتع بالوزن السياسي ذاته، وذلك بسبب أحداث الشوف التي لا تملك حرية التصرف بها وفق ما تريد. وهي تفقد يومياً ما بين أربعة إلى خمسة عناصر. فقدنا حتى الآن 85 قتيلاً في الكمائن.
ردّ شارون:
ـ وكم عدد الدروز؟ ما من أحد يعدّهم! لو صرح الرئيس أمين الجميّل علناً بأنه مع إسرائيل، لتغيّر الموقف كله!
وعقّب أبو خليل مغتاظاً:
ـ لنكن واقعيين. لا بد للشيخ أمين، كي يصبح قادراً على الإدلاء بمثل هذا التصريح، من أن يتخلص بادئ الأمر من الضغوط التي يتعرض لها. وينبغي أن نكون أقوياء لكي ندعمه. وإذا ما خرجت القوات اللبنانية منتصرة من معركة الجبل فسوف تلقي بوزنها على الرئيس، فيستطيع فادي حينذاك أن يذهب ليراه ويطلب منه ما يشاء.
ضرب وزير الدفاع الإسرائيلي بقبضته على الطاولة، وقال:
ـ ينبغي للمفاوضات أن تتقدم. ينبغي للرئيس الجميّل على الأقل أن يعترف بالاتفاقية التي أقمناها معه وأن يوقّعها. عليه أن يعطي توجيهات للوفد اللبناني؛ فليس من حلول أخرى. لقد وصلنا إلى خط أحمر.
ـ تقولون إنكم وصلتم إلى خط أحمر، والشيخ أمين يؤكد الشيء ذاته. هنالك إذاً سوء تفاهم بين شعبينا.
فقال شارون بصوت خافت:
ـ لم يعد بوسعنا أن نفعل شيئاً. سنخسر كل شيء بسبب تصرفات أمين. فماذا طلبنا إليه باستثناء فتح الحدود والتطبيع؟ عليه أن يصرح بأنه مؤيد للاتفاقية، وسوف نزيح الدروز في 24 ساعة. الرأي هنا لا يشمل الخلافات القائمة بين المسيحيين. سعد حداد مسيحي، وفرنجية مسيحي، وشمعون والجميّل مسيحيّان. ينبغي أن أقول لكم بصراحة إن هناك في إسرائيل مَن يرى أن علينا التعاون مع الدروز. فوليد جنبلاط يبعث إليّ برسائل طالباً أن أقابله. لكني لم أفعل ذلك.
وتدخّل أبو خليل في محاولة توفيقيّة:
ـ نحن نفهم أنكم تتعرضون لضغوط، لكن الشيخ أمين عندنا يتعرض لضغوط المسلمين والاحتلال السوري والاحتلال الفلسطيني وبقايا الإرهابيين ورواسب الدولارات السعودية والليبية. ولئن كانت حكومة بيغن لديها حدود لا تستطيع تجاوزها، فإن حكومة الشيخ أمين لها حدودها أيضاً. إذا ما استمرت الأشياء على هذا النحو فسوف نصل إلى القطيعة. وينبغي أن نتجنبها.
فقال شارون ساخراً وهو يلمّح إلى طلب القوات اللبنانية الدائم:
ـ ماذا تقترحون؟ نزع سلاح الدروز؟
فردّ أبو خليل متجاهلاً الملاحظة:
ـ ينبغي دراسة الوسائل لتوسيع حقل عمل الرئيس الجميّل وعملكم. ولئن لم نتوصل إلى استعادة الأمن في الشوف وعاليه، ولم يشعر المسيحيون بأن القوات اللبنانية مدعومة دوماً من إسرائيل، فإننا ماضون نحو النكسة.
وعاد شارون بإلحاح:
ـ الأولوية هي الرئيس! طالبوا بالوصول إلى اتفاقية. أبعدوا المسلمين من حوله. لا تخافوا من الدروز؛ فنحن هنا. المشكلة هي التفاوض وكل شيء يغدو سهلاً بعد ذلك.
قال فادي أفرام:
ـ كان بعض المسيحيين قد وضعوا في الحسبان القدوم لتمضية عيد الميلاد في القدس، فلم يستطيعوا القدوم. وهنالك شعور بالمرارة...
فصاح وزير الدفاع:
ـ أية مرارة؟ إلى متى يريدوننا أن نقاتل من أجلهم؟ بودّنا أن نسمع الرئيس يقول إننا سنصل إلى السلام. وعمّا تكلم أنطوان فتّال؟ عن هدنة 1949! نحن في كانون الأول/ ديسمبر 1982! اقرأوا صحف اليوم لتروا. لا نريد أن يقول الرئيس سوى جملة واحدة: سوف يحل السلام مع إسرائيل ذات يوم، والمفاوضات سوف تقود إلى التطبيع. جئتم لتقولوا لنا إن علينا أن نفعل شيئاً كي تكونوا أقوياء، وبعد ذلك تتكلمون مع الرئيس. هذا مستحيل! على الرئيس أن يفهم أنّا إذا ما انسحبنا فسوف تواجهون حداد في الجنوب، والسوريين في البقاع وحمّانا والجبل، وإرهابيي جبهة التحرير الفلسطينية في بعلبك وطرابلس، والدروز في الشوف. وأنتم في جونية وبعبدا. بيروت سوف تقسّم. وستحتاجون إلى مراكب للذهاب إلى الدامور، لأن الطريق سوف تنقطع. هذا ما سيؤول إليه لبنان. كل شيء بين أيديكم الآن، فإلامَ تظنون أن بوسعنا البقاء حول بيروت؟ لشهرين أو ثلاثة؟ سوف يجب علينا الانسحاب فتصبحون محاصرين. صدقوني أنه سيستلزم الانتظار طوال جيلين لكي نتمكن من القيام مجدداً بما قمنا به.
فالتفت أبو خليل نحو مواطنيه قائلاً بصوت متشائم:
ـ إن الجنرال يريد أن يقنعنا بما نحن مقتنعون به، فلنواصل المفاوضات ولنرَ إلى أين ستؤدي. وليكن ما سوف يكون! لسنا وحدنا المسؤولين عن مستقبل المسيحيين! سندرس إمكانية سحب قواتنا من الجبل، وليتولَّ أمين الجميّل المسؤولية. نحن لسنا بآلهة. هنالك شمعون وبيار الجميّل والآباتي بولس نعمان. فليأخذ كل واحد نصيبه من العبء. وسيؤدي ذلك إلى كارثة لأن الشيخ أمين سيرتمي في أحضان المسلمين والفلسطينيين والسوريين.
ثم استدار صوب شارون ليضيف:
ـ كنّا مُخفّف الصدمة بينكم وبين أمين. لكن هذا العازل انكسر. فالقرار السياسي اليوم بين يدي أمين، وإذا ما خسر فادي المعركة في الجبل... فلست أدري... قد يكون ذلك ما يتمناه أمين...
قال مندي على عجل:
ـ لم تضع الفرصة بعد. وعليكم الاستمرار مع داغان. إن تكن لديكم مطالب محددة فأعطونا إيّاها لنتمكن من دراستها. سنواصل عمليات التدريب لكي يفهم اللبنانيون أننا معكم. الدروز يعرفون من ناحيتهم تمام المعرفة أن الأسلحة تأتي من هنا.
ـ هذا الكلام غير دقيق، فنحن نشتريها الآن من البرتغال.
في لحظة الانصراف، طلب فادي أفرام الاجتماع على انفراد بوزير الدفاع الإسرائيلي، فانعزل الرجلان في زاوية من الصالون.
قال قائد القوات اللبنانية معاتباً:
ـ أنتم تضعوننا مع أمين في السلة ذاتها. نحن نتعهد تحقيق مشروع بشير. لقد وقّعتم اتفاقية مع أمين، وهذا حسن جداً، لكن ما الذي سيحصل إن وجدتم أنفسكم في طريق مسدود، ما قد يؤدي إلى صراع؟ لقد وقع خيارنا عليكم أنتم لا على أمين. فأنتم ضمانة المسيحيين، وإذا كان لديكم محططات محددة للمستقبل، فنحن نتمنّى أن نكون جزءاً منها.
فسأله شارون:
ـ والشيخ بيار؟
ـ تساوره على الصعيد المسيحي مخاوفنا نفسها. لقد قال إنكم ضمانتنا، ولا تنسوا أن رئيس الجمهورية ابنه. وسنكون معكم حين تحين الساعة.
في المساء ذاته، وفيما كانت ريح وزخات من المطر تهزّ المروحيّة الإسرائيلية التي حملت اللبنانيين الثلاثة، وهي لا تزال على ربع ساعة من الزوق، كان فؤاد أبو ناضر رئيس قيادة القوات اللبنانية يدخل البهو الكبير للقصر الرئاسي. فقد طلب إليه خاله، أمين الجميّل، أن يحضر اجتماعاً يضم من حوله كلاً من الجنرال إبراهيم طنوس وبطرس خوند (بيدرو) رئيس مجلس الأمن في حزب الكتائب.
كان خوند الموظف السابق في مصرف «كريديه ليونيه» رجلاً أربعينياً قصير القامة، أجعد الشعر، وجهه مدموغ كوجه مغامر مقدام. وكان، وهو الكتائبي القديم، مطلق الوفاء لبيار الجميّل، وبالتالي لابنه أمين. وقد ورث منصبه في «القوات» عن بشير الجميّل في 13 أيلول/ سبتمبر 1982، يوم انتخب فادي أفرام قائداً عاماً للقوات اللبنانية، ولم يشأ الجمع بين المنصبين اللذين كان يشغلهما سلفه بشير.
ـ أنا منزعج بسبب تعطيل السلطة الناجم عن مشكلة انتشار الجيش في بيروت الكبرى، وأنتم تعرفون مشاعري، فأنا مرتبط بكم، كحزب وكقوات لبنانية، على المستوى الأخلاقي وبحكم أخوّة السلاح.
فردّ فؤاد أبو ناضر مستغرباً:
ـ قيل لي إن هذا الاجتماع سوف يتناول صعود الجيش إلى الشوف وعاليه، وأنا مندهش جداً، إذ نتعرض لموضوع بيروت الشرقية.
فردّ الجميّل قائلاً بجفاء:
ـ لن يذهب الجيش إلى الجبل، قبل دخوله إلى بيروت. فالأمر يتعلق بطلب دولي لا بطلب محلي فقط.
هنا تدخل بطرس خوند بعد أن تنحنح:
ـ يا شيخ أمين، طلبنا إليك مراراً وبإلحاح أن تتبنانا وتكون قائدنا العسكري، وأن تفعل ما تعتبره ضرورياً. أصدِر أمراً! ادخل إلى المنطقة الشرقية! في المقابل نريد ذخائر وطريقاً إلى الشوف وضمانات. وبوصفنا مقاومة مسيحية فأنت زعيمنا...
فقاطعه أمين بصوت قوي:
ـ أنا لست ضعيفاً! وأنا قادر تماماً على اتخاذ قرار! وإضافة إلى ذلك أعتبر نفسي قائدكم العسكري. أنا رئيس الجمهورية وأستطيع أن أعلن نفسي زعيماً للكتائب.
فقال أبو ناضر:
ـ سيُطرَد المسيحيون من الجبل ما لم ينتشر فيه الجيش.
وقال الرئيس مؤكداً:
ـ لديّ مخطط للجبل. ولسوف تصعد في ما بعد وحدات خاصة إلى الشوف وعاليه.
فرد قائد هيئة أركان القوات اللبنانية بحذر:
ـ سوف ندرس ذلك.
وعلّق خوند مستدركاً كلامه الذي لم يفهم جيداً:
ـ أنا لن أعارض ذلك. استخدم القوات اللبنانية غطاءً بالطريقة التي تريد. أنا، قائد مجلس أمن الكتائب، أقول لك: أصدر الأوامر التي تبدو لك ضرورية.
انتهى النقاش بموعد شكلي ضربه أبو ناضر وطنّوس لدراسة التبعات المترتبة على اقتراحات الرئيس.
وسط هذا الارتباك، شعر فؤاد أبو ناضر بأنه وقع في الفخ. ها هي القوات اللبنانية التي أعيدت إلى حجم ميليشيا حزبيّة، وإن كان ذلك الحزب هو الكتائب، قد بلّغت رسميّاً، وبمباركة خوند، بأن الجيش سينتشر في المنطقة المسيحية.
لدى وصول فادي أفرام إلى مكتبه، وجد على طاولته تقريراً شاملاً مقدماً من جهاز الاستخبارات في القوات اللبنانية، تحت عبارة «سري جداً»، ويتعلق ببيروت الكبرى:
«لقد انصبّت دراسات مخطط الانتشار كلها على وحدة من الجيش اللبناني: إنها الكتيبة الثامنة المجهّزة بوحدات من القوة العسكرية الفرنسية (...) ويرمي هذا المخطط إلى تدعيم السلطة المركزية انطلاقاً من العاصمة لكي ينتشر في ما بعد انتشاراً تدريجياً في مختلف الأراضي اللبنانية. وسوف تكون مهمته الحفاظ على الأمن، طرق المواصلات بين المدن، وجمع الأسلحة الفردية الخفيفة. أما الأسلحة الثقيلة والمظاهر المسلحة، فينبغي أن تختفي وتنسحب خارج حدود «بيروت الكبرى». وهذا المشروع ينبغي أن يتبناه المكتب السياسي لحزب الكتائب يوم 31/ 1/ 1983 المقبل».
كان التقرير يقدّر أيضاً النتائج المترتبة، على المدى القصير والمتوسط، على نشر الجيش في بيروت الشرقية:
«سوف تغدو القوات اللبنانية منذ ذلك الحين محرومة رئتها الأساسية على الرغم من الإبقاء على المجلس العسكري في الكرنتينا».
1 ــ على الصعيد المالي: إلغاء الأرباح الصادرة عن الحوض الخامس في ميناء بيروت الواقع ضمن الانتشار. ثم لاحقاً شطب الضرائب التي تُجنى من بيروت وضاحيتها، وهي تمثل ثلاثة أرباع المصادر، نظراً إلى الكثافة السكانية والأعمال التجارية والمكاتب والصناعات والمؤسسات من الأصناف كافة.
ــ إذا ما تناقصت الموارد المالية، فإن المناطق الأخرى من نهر الكلب إلى جسر المدفون سوف تخضع لفرض ضرائب إضافية، ما سيؤدي إلى تذمّر السكان، إذا لم يجرِ التقليل من الأجور بالنسبة ذاتها. وبالتالي التقليل إلى حدٍ كبير من كتلة القوى المقاتلة التي يجب الحفاظ عليها.
ــ إذا جرى تقليص حجم القوات اللبنانية، فلن تعود موضع صدقية ولن تبقى قوة رادعة على الأرض، إضافة إلى التذمّر الذي ستضاعفه خيبة أمل العناصر.
2 ــ إن القوات اللبنانية، بانسلاخها عن الشوف وحرمانها الخصوم، سوف تفقد الشرعية التي تراكمت وخرجت بها من الحرب الأهلية في عامي 1975 ـــ 1976، ومن المواجهات ضد قوى الاحتلال السورية.
3 ــ إن استحالة التواصل على الصعيد العسكري بين مناطق كسروان ومنطقتي عاليه والشوف، سوف تقلّل إلى حد كبير قدرتنا على المناورة، سياسياً وعسكرياً.
بعد ظهر اليوم التالي، وهو يوم عيد رأس السنة، استدعى القائد العام لـ«القوات» قادة الميليشيا كافة. فكانوا جميعاً حاضرين في الساعة المحددة: فادي أفرام، أنطوان بريدي (توتو)، إيلي وزّان (عباس)، أنطون نجم (نبتون)، أسعد سعيد (هابّي)، كريم بقرادوني، نازار ناجاريان (نازو)، ألفراد ماضي، بطرس خوند (بيدرو)، سمير جعجع (الحكيم)، مسعود الأشقر (بوسي)، روجيه ديب، إيلي الزايك، إيلي حبيقة (H.K)، أسعد شفتري (آسو).
وقد أكد أفرام بصورة قاطعة:
ــ مشكلة بيروت الشرقية واضحة بالنسبة إليّ، فما من أحد يطلب انتشار الجيش في منطقتنا كما يزعم الشيخ أمين. لا على الصعيد الدولي ولا على الصعيد المحلي. إنه يريد فقط أن يضيف هذه العملية إلى رصيده الشخصي. لو كان من شأن هذا الإجراء أن يساعده حقاً، أو أن يكون نافعاً للمسيحيين لوافقت عليه. لكن ينبغي أن نعرف أن نشر الجيش في الأشرفية يعني اجتثاث جزء كبير من قدرتنا على التحرك، ولا أستطيع القبول بذلك، آخذاً في الاعتبار انعكاس النتائج على المسيحيين.
وأضاف إيلي حبيقة قائلاً:
ــ إني أعارض انتشار الجيش، فهو من ناحية سينتشر بكل قوته ووسائله، ولسوف يستحيل عليه فعل ذلك في مكان آخر، ومن ناحية أخرى فإن سبعين في المئة من عناصره معارضة لنا.
وسأل أنطوان نجم:
ــ وإذا ألحّ أمين الجميّل؟
فطمأنه أفرام قائلاً:
ــ لن يكون هنالك انتشار بالقوة في بيروت الشرقية.
فقال كريم بقرادوني:
ــ أنا أيضاً أعارض ذلك. إن أمين يتصرف على الدوام على خلفية خلافاته مع بشير، وهو يعمل الآن على تصفية حساباته. لا يتصرف بوصفه رئيساً مسؤولاً عن دولة وعن الشعب المسيحي. ولا طائل وراء مناقشة هذه المسألة بعمق معه. علينا التذرّع بالصبر وكسب الوقت. فأنا أتوقّع أن يمارس ضغوطاً مختلفة لمحاولة تفتيتنا.
وهنا تدخل إيلي الزايك، وكان أحد المقرّبين من الرئيس أمين الجميّل:
ــ آسف لكون كريم يظلم الشيخ أمين، فأنا مقتنع بأن لديه مخططاً.
هكذا قرّر المجتمعون أن يرفضوا الطلب الرئاسي، وأن يحاولوا استمالة بيار الجميّل وحزب الكتائب إلى موقفهم. ثم مضى كل منهم ليحتفل برأس السنة مع رجاله.
في هذا اليوم الأخير من عام 1982 كانت عملية «سلام الجليل» قد كلّفت الجيش الإسرائيلي 368 قتيلاً و2383 جريحاً، فيما تكلفت إسرائيل 3 مليارات دولار في حربها على لبنان.

تأريخ الحرب اللبنانيّة من خارجها
قبل كتاب آلان مينارغ، لم تظهر أي محاولة جديّة على هذا القدر من التوثيق، لرواية الأيّام المظلمة التي عاشها لبنان، بين أيلول ١٩٨٢، وشباط ١٩٨٤، أي بين المجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بمساعدة ميليشيات القوات اللبنانيّة في المخيّمات الفلسطينيّة في بيروت، وقيام الرئيس أمين الجميّل بأوّل زيارة رسميّة لدمشق، طاوياً لفترة صفحة رهان بعض اللبنانيين على إسرائيل.
يروي المؤلّف بدقّة الصراعات حول السلطة في الداخل اللبناني، وتراجع النفوذ الإسرائيلي في بلاد الأرز، ودور الدول العربيّة، وتردد المجتمع الدولي. كذلك يتناول مينارغ شخصيات أساسيّة، أدت دوراً حاسماً خلال تلك المرحلة، وما زال بعضها في موقعه اليوم، مع ما طبع سلوكها وعلاقاتها آنذاك من طموحات، وضربات دنيئة، وأكاذيب، وتلاعبات.
ويأتي هذا المجلّد الثاني والأخير من «أسرار حرب لبنان»، ليستكمل ما بدأه المؤلف قبل ثماني سنوات، من خلال استعادة سرديّة للأحداث والوقائع، في نص مرجعي يشكّل مدخلاً مهمّاً لفهم معطيات أساسيّة في المرحلة الراهنة. مستفيداً من كنوز الأرشيف التي أتيح له الوصول إليها، وتتعلّق بمختلف الأطراف المعنيّة، يروي مينارغ المقلب الآخر من المشهد السائد.
صدر «أسرار حرب لبنان (٢)» عن «المكتبة الدوليّة» في بيروت، بالفرنسيّة لغته الأصليّة، ومترجماً إلى العربيّة. كذلك أعيد إصدار طبعة جديدة باللغتين من الجزء الأوّل، وكان عنوانه الفرعي «من انقلاب بشير الجميّل إلى حرب المخيّمات». ويوقّع آلان مينارغ كل هذه المجلّدات في مقرّ المكتبة في بيروت، مبنى الجيفينور (القسم D)، وذلك مساء الجمعة ٢٨ الجاري ابتداءً من السادسة مساءً.



 


الرد باقتباس
قديم 09-26-2012, 11:55 PM   #3


جار القمر غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 110
 تاريخ التسجيل :  Sep 2011
 أخر زيارة : 02-27-2018 (10:49 AM)
 المشاركات : 1,129 [ + ]
 تقييم العضوية :  10
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
الإفتراضي



أولاد بشير يقاومـون الشيخ أمين


دورية من جيش الاحتلال الإسرائيلي في بيروت عام 1982 (أرشيف)

أخيراً يصل الجزء الثاني من كتاب آلان مينارغ إلى أيدي القرّاء الذين انتظروا ثماني سنوات لمعرفة المزيد من «أسرار حرب لبنان»، من زاوية التدخّل الإسرائيلي في مسارها، والدور الذي أدته بعض الأطراف اللبنانيّة في رهانها الانتحاري على العدوّ لترجيح كفّة مشروعها السياسي الداخلي. ويوقّع الكاتب والصحافي الاستقصائي الفرنسي، بعد غد في بيروت، النسختين الفرنسيّة والعربيّة الصادرتين عن Librairie Internationale، ماضياً في مشروعه الماراتوني لسبر الدور الاسرائيلي في الحرب الأهليّة. تمتدّ أحداث الجزء الثاني بين مجازر صبرا وشاتيلا عام 1982، وزيارة أمين الجميّل، رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة آنذاك، إلى دمشق عام 1984. ننشر هنا مقتطفات من فصول الكتاب، بإذن من المؤلّف ومن ناشره اللبناني «المكتبة الدوليّة» (بيروت)
نظر فادي افرام بابتسامة إلى ميئير داغان الجالس قبالته، وهو يشعل سيجاراً. فقبل فترة قصيرة تولّى داغان، الذي رُقّي إلى رتبة جنرال قبل بضعة أسابيع، إدارة البنية الإسرائيلية الجديدة في لبنان: الـ «ياكال»، التي سوف تناط بها العلاقات الإسرائيلية مع مختلف الطوائف اللبنانية. و«ياكال» اختصار لـ «يخيدا كيشوك ليبانون» (وحدات الاتصال الإسرائيلية في لبنان)، كانت مكلفة إجراء الاتصالات والتعامل مع المدنيين في منطقة الاحتلال الإسرائيلية، وكان مديرها ميئير داغان أشبه بحاكم عسكري، وكان معاونه المقدم إيرتس شايكي، أما ممثل جهاز آمان في الياكال، فكان روفن إيرليخ.
الجنرال ميئير داغان، الذي مارس حياته في ظل أرييل شارون، ثم عيّن على رأس الموساد بعد انتخاب الأخير رئيساً للوزراء عام 2000)، كان قد عرض أمام افرام في الجولان، في شهر آذار/ مارس 1982، مناورة قامت بها كتيبته المدرعة بعد تجهيزها بالدبابة الحديثة جداً، الميركافا. وطوال فترة العرض، وداغان يدخن سيجاراً تلو الآخر، مع نوع رخيص الثمن، يسمّم الجوّ. وفي شهر حزيران/ يونيو أخبر داغان أفرام بأنه يخضع لعلاج الوخز بالإبر كي يتوقف عن التدخين. ومن الجليّ أن ذلك لم يحقق النتيجة المرجوّة.
كان داغان بقامته القصيرة مربوعاً جداً، ومنطلقاً، يحب المزاح ويتكلم العربية بطلاقة، فيمثل في نظر القوات اللبنانية النموذج الأمثل للضابط الإسرائيلي. ولقد شارك في العديد من الوفود العسكرية التي جاءت إلى لبنان قبل 6 حزيران/ يونيو للإعداد لعملية «سلام الجليل»، فربطته علاقات ودية مع العديد من كوادر الميليشيا. ومن بين هؤلاء فادي أفرام وفؤاد أبو ناضر وإيلي حبيقة. وضمن هذه الصفات، ظنّت كوادر الميليشيا المسيحية أن تعيينه بهذه الصفة إنما يمثل متنفّساً حقيقياً. فرأى فيه القادة المسيحيين ذاك الذي سوف يعيد إلى الأشياء توازنها، لكنهم وقعوا في خطأ فادح.
قدّم فادي أفرام إلى داغان، أثناء اجتماع في 22 كانون الأول/ ديسمبر 1982، شرحاً مقتضباً للوضع كله، وللمواقف المبدئية للقوات اللبنانية. وعاد فأوضح أن مشكلة الجبل سياسية أكثر مما هي عسكرية، وأن السوريين والفلسطينيين إنما يستخدمون الدروز «غطاءً».
قال عامير دروري الذي كان يحضر الاجتماع:
ـ نحن متفقون مع نظرتكم، لكن المشكلة أن الدروز مسلحون ومنظّمون.
فقال أفرام موجهاً كلامه إلى داغان:
ـ سوف يستمرون ما داموا يملكون حرية العمل. وسوف يستكينون حين نقوم بقمعهم. ينبغي أن يفهموا أنكم إلى جانبنا.
حين خرج قائد القوات اللبنانية من المقر الإسرائيلي، توجه إلى القصر الرئاسي في بعبدا، فاستقبله الرئيس أمين الجميّل على الفور، وكان لطيفاً معه، ثم أعلن بلهجة فرحة عن قراره بإنشاء غرفة سوداء، أي مجموعة عمل تضم أصحاب قرار من «القوات» تعمل في ظل كرسي الرئاسة. قبل أفرام بحماسة، فهذه «الغرفة السوداء» فكرة متكررة لدى «القوات». ومنذ انتخاب أمين الجميّل راودهم الأمل في أن يحيطوه بالمستشارين، ولا سيما الذين كانوا يعملون مع أخيه. ثم أعلن الرئيس باللهجة ذاتها:
ـ ينبغي للجيش أن ينتشر في القطاعين الإسلامي والمسيحي من بيروت، ضمن إطار تولّي شؤون المدينة من الدولة. ولسوف يؤدي ذلك إلى انسحاب القوات اللبنانية، لكن يمكن أن تظل ثكنها ومراكز قيادتها في مكانها.
فرد عليه أفرام بجفاء:
ـ ذلك يعني نهاية القوات اللبنانية، ليس في ذلك ضربة قاصمة فقط لمعنويات عناصرنا، بل سيسهم ذلك أيضاً في تضييق حرية تنقّلنا.
طمأنه الجميّل بلهجة واثقة:
ـ لا، فالجيش لن ينتشر إلا لمدة خمسة عشر يوماً.
فأجابه قائد القوات اللبنانية:
ـ لا مجال للحديث في ذلك.
فقال الرئيس بلهجة مصالحة:
ـ إنْ رفضتم فالجيش لن ينتشر. أنا لن أثير نزاعاً مسيحياً داخلياً.
كان فادي أفرام مرتاباً. فما إن خرج من القصر حتى اتصل بقائد الجيش. فوعد الجنرال طنوس بمحاولة إقناع الجميّل بالتخلي عن المشروع، أو بتحديد الطلب الرئاسي، ليقتصر على الأكثر على انسحاب وهمي للميليشيا المسيحية من بيروت الشرقية. ثم مضى أفرام مندفعاً بعد ذلك إلى بيت بيار الجميّل. فنصحه رئيس الكتائب، مع اعترافه بأن وجود القوات اللبنانية حيوي في بيروت الشرقية، «بالتفاهم مع أمين»، وتفادي الدخول في نزاع مع الدولة. كذلك طلب رئيس الجمهورية، في الساعات التي تلت، العون من أبيه. فتلقّى الجواب ذاته:
ـ أنا مع مبدأ انتشار الجيش، لكن هنالك القوات اللبنانية، فتفاهم مع فادي.
وازداد أمين إلحاحاً، واضعاً في المقدمة «الضغوط الدولية والإسلامية»، لكن بيار الجميّل لم يعدّل موقفه.
كانت القوات مقتنعة بأن «تلك الضغوط» ليست سوى اختلاق. فقبل ذلك بأيام التقى ألفريد ماضي، الرئيس السابق لمكتب الكتائب والقوات اللبنانية في واشنطن، صائب سلام، الذي لم يشر إلى المسألة قط. أما مركز وكالة الاستخبارات الأميركية في بيروت، فقد أعرب من جانبه، قبل ذلك بأيام، عن أنه يعتبر وجود القوات اللبنانية في بيروت «مهمّاً جداً».
التقى رئيس فرع المركز الأميركي، كينيث هوسّ، وهو خلف جاك أوجينو (الصيني) إيلي حبيقة. كان ذلك الاستئناف للحوار بين مركزَي الاستخبارات، بعد فترة طويلة من الصمت، ذا دلالة بحد ذاته. ومضى كينيث هوس إلى ما هو أبعد:
ـ طلبنا من الرئيس الجميّل عدم نشر الجيش في بيروت الشرقية وعدم إضعاف قدرة القوات اللبنانية.
وبعد ذلك الإيضاح، عرض على إيلي حبيقة العون، بدعم عن طريق تزويدهم بالعتاد وتدريب الكوادر.
يضاف إلى ذلك أن هذا المشروع الرئاسي بإعادة نشر الجيش اللبناني في المنطقة المسيحية، جاء في بداية نموّ تقارب سني شيعي ودرزي في بيروت الغربية. وقد أقلق ذلك الرئيس الجديد للأمن العام زاهي بستاني، فقال لفادي أفرام:
ـ إذا ما استمر ذلك، فلن يعود أحد قادراً على مواجهته. ولديّ انطباع بأننا لن نعود قادرين، في غضون أسبوعين، على التوجه إلى ذلك الجزء من المدينة.
كان انتشار الجيش في منطقتهم، يعني بالنسبة إلى القوات، تحدياً إضافياً يضعهم على المحك. فقرروا معارضته بالسبل كافة. أما مشروع شرعنتهم، فقد سقط نهائياً في غياهب التاريخ.
دعا الإسرائيليون أفرام وأبو ناضر عشية عيد الميلاد. كان الجنرال دروري قد أقام مقر هيئة أركانه في دارة فخمة تعود إلى أمير سعودي، مقابل كلية اليسوعيين في الدامور، حيث يمكن الإشراف منها على بيروت كلها. فأبلغهما ميئير داغان، أثناء الاجتماع، أن كتيبة مدرعة تمركزت على طول طريق دمشق.
ـ لا بد من تهدئة الوضع في فترة الأعياد على الأقلّ. ولقد طردت واحداً من ضباطي كان يتعاون مع الدروز، ويجتمع بهم على الدوام.
فأجابه فادي أفرام:
ـ نحن لا نقوم حتى الآن بغير الرد، وهذا ما لا يروقني. بوسعنا أن نكون مرغمين على اتخاذ زمام المبادرة، فضلاً عن أنكم أنتم الذين علّمتمونا هذا النهج. لا يسعنا قبول أن نظل محاصرين فلا نقوم بغير الرد. علينا أن نسحق رأس الأفعى. فإلى جانبهم الآن عناصر من عند محسن إبراهيم ومن الإرهابيين.
ـ ماذا يسعنا أن نفعل لتهدئة الوضع؟
فقال اللبناني:
ـ أن تسحقوا الرأس.
فسأل داغان:
ـ رأس مَن على سبيل المثال؟
سوف يعطيكم حبيقة التعليمات اللازمة، زدْ أنه يريد أن يراكم.
فأوضح الجنرال حقيقة الوضع قائلاً:
ـ يسعني أن أمارس ضغوطاً عليهم، لكن لست بقادر على وضعهم في السجن. ولن يسمح لي أحد بذلك، ما لم يكن لدينا براهين على أنهم يعملون ضد إسرائيل. فمَن ذا الذي يدفع بهم، حسب رأيك، إلى التصرف هكذا؟
فقال فادي أفرام:
ـ مروان حمادة هو الذي يقوم بدور الوسيط بين محسن إبراهيم ووليد جنبلاط. وقد عاد منير الصياد (زعيم «الاتحاد الاشتراكي العربي») إلى بيروت، كما أن إبراهيم قليلات لن يتأخر في ذلك. كذلك فإن الحزب القومي السوري يعمل من قبرص حيث تقع قاعدته. فقاطعه ميئير داغان بحركة من يده. ثم استدار صوب أمنون، ممثل الموساد الدائم الذي كان يدوّن وقائع الحديث، فطلب إليه مغادرة القاعة. وعلى الرغم من أن أمنون فوجئ بذلك الطلب، إلا أنه وضع القلم من يده وخرج. وحين أُغلق الباب التفت داغان محدقاً إلى وجه اللبنانيين الاثنين:
ـ ولمَ لا تتولّيان أمرهما. لو كنت مكانكما لقضيت على مروان حمادة ثم على وليد جنبلاط. لذا أقترح عليكما التفكير في ذلك.
«شالوم، سلام، أهلاً وسهلاً، مرحباً بخير الجيران». ربّما كان أنطوان فتّال، رئيس الوفد اللبناني والأعضاء المرافقون قد دُهشوا في 30 كانون الأول/ ديسمبر 1982، وهم يقرأون تلك اللافتات، لكنّهم لم يُظهِروا شيئاً. كانت اللافتات مرفوعة فوق المسار الواصل بين مكان هبوط مروحيّة PUMA التابعة للجيش اللبناني، التي أقلّتهم حتى المركز الثقافي بيت إدلشتاين في كريات شمونة، حيث من المقرر أن تجري الجولة الثانية من المفاوضات. كان تلاميذ صغار قد تجمعوا في طقس بارد على طريق العربات، ملوّحين بأعلام لبنانية وإسرائيلية، وهم يرددون: فلنسِر معاً نحو السلام. لقد استُقبل الوفد القادم من بيروت استقبالاً حاراً من سكان كريات شمونة. ولدى ترجّلهم من السيارة أقبل عليهم حاخام، فقدم إليهم الخبز والملح، وهو رمز الضيافة التقليدي، ثم استمطر البركة الإلهية على البلدين. وقام أطفال بإطلاق حمامات. لقد انقضت خمسة أعوام بالتمام والكمال على افتتاح الحوار الرسمي الذي انتهى بمعاهدة سلام مع القاهرة، وها هم مفاوضون من بلد عربي آخر يُستَقبلون في الدولة العبرية بحماسة، تتناقض مع الجو الذي ساد خلدة قبل ذلك بثلاثة أيام.
كانت بعثة تحضيرية قد جاءت قبل 48 ساعة إلى كريات شمونة، مؤلفة من ضباط لبنانيين، وكانت أول مرة تلامس فيها آلية عسكرية عربية الأرض الإسرائيلية. أما تلك المدينة، وهي رمز الهجمات الفلسطينية، فهي المدينة الرئيسة في إصبع الجليل، وكان اختيارها مقصوداً من الدولة العبرية للحديث فيها عن السلام. وجرى من أجل المناسبة إحضاء 600 أصّ من الأزهار من تل أبيب. ووضعت طاولة بيضاوية الشكل وسط قاعة الرقص في مركز بيت إدلشتاين الثقافي.
اغتاظ أنطوان فتّال بعض الشيء من تزاحم الصحافيين الذين «تجاوزوا» جهاز الأمن الإسرائيلي، فرفض الإدلاء بأي تصريح سياسي، واكتفى بالإشارة إلى أن إله إبراهيم وإسحق ويعقوب هو نفسه إله الجميع. كان أنطوان فتّال لزمن طويل سفير لبنان في الفاتيكان. وهو سرياني كاثوليكي، وصديق لعائلة الجميّل ومولود في مصر. إنه ذو وجه رصين، وقد عُرف بنزاهته ووطنيته واطلاعه على العالم العبري. فقد درس العبرية القديمة «كي يقرأ الكتب المقدسة بنصوصها الأصلية»، وهو صاحب كتاب عن وضع غير المسلمين في البلدان الإسلامية، يعد مرجعاً دائماً.
وقف ديفيد كيمحي ليعلن أمام الكاميرات والميكروفونات: لا كاتيوشا بعد اليوم على كريات شمونة. ثم استدار صوب فتّال مشدداً على الضرورة القصوى للتوصل إلى علاقات «طبيعية» مع لبنان. فالكلمة المحرّمة، قد جرى التلفّظ بها حتى قبل البدء بالمناقشات، والتعليمات التي أعطاه إيّاها مناحيم بيغن كانت إلزامية. لا يمكن التوصل إلى حل من دون تطبيع صريح وفعلي. ولم يكن رئيس الوزراء الإسرائيلي راغباً في تكرار «الخطأ» الذي ارتُكِب مع مصر. وهو يقدّر أن تعميةً ما قد وقعت عليه عن طريق الأميركيين، بسبب نقص في الاحتياطات أثناء المناقشات مع القاهرة. والواقع أن النص قد سمح للمصريين، لمجرد اختفاء أنور السادات، بالبقاء على مسافات فاصلة مع الدولة العبرية، وإحلال «سلام بارد»، يقتصر عملياً على المناقشات الدبلوماسية وحدها. فكانت تل أبيب تريد إذاً أن تعرف معرفة دقيقة ما العلاقات المحددة بدقة التي يريد لبنان إقامتها مع إسرائيل، قبل مناقشة انسحاب جيشها (هذا الموقف سوف تعتمده إسرائيل مجدداً أثناء المحاداثات مع سوريا في عامي 93 ـــ 94).
كان جدول الأعمال النقطة الوحيدة التي جرت مناقشتها في تلك الجلسة. عرض فتّال اعتماد «حزمة واحدة»، مقترحاً ترقيم نقاط المشكلة ومظاهرها المختلفة على قائمة، من دون إقامة أي اعتبار لتسلسلها، بحيث تغدو نوعاً من «مخلوطة» يجد أخيراً فيها كل طرف بغيته، لكن الاقتراح رُفِض من كيمحي، الذي أصرّ على الالتزام بالترتيب المثبت في الوثيقة التي تفاوض «المبعوث» بشأنها.
ودس الإسرائيليون ضمن وفدهم، كما هي عادتهم دوماً في ذلك النوع من المفاوضات، اختصاصيين في السلوك البشري وعلماء نفس، تكون مهمتهم رسم صور لمحاوريهم، وتحديد شكلهم السياسي وطرائق العمل ونقاط التباعد الفكرية أو السياسية في ما بينهم. ولدى الاجتماع الأول في خلدة، أدى مساعدو كيمحي دورهم بامتياز، فجلسوا وراء «المعلم»، وكانوا يمرّرون له بين وقت وآخر ورقة كتبوا عليها كلمة أو اسماً ليقوم بتسريبها ضمن كلامه، حتى يتمكنوا هم من ملاحظة ردود فعل اللبنانيين. لقد قرأ كيمحي، قبل التوجه إلى كريات شمونة، خلاصة الاجتماع الأول في خلدة. وكانت الملاحظة حول أنطوان فتّال مختصرة جداً: هذا الرجل قطعة حقيقية من الجليد. وما أمكن تكميلها في الجلسات التالية (العبارة قالها ديفيد كيمحي إلى آلان مينارغ).
كانت المحادثات مريرة تقطعها أحاديث على انفراد بين رئيسَي الوفدين ومشاورات هاتفية مع أمين الجميّل ومستشاريه. قُدّم الطعام إلى المتفاوضين ــ كان قوامَه طبق من الكبد والهليون ولحم اللسان المدخن والشرحات المشوية ـــ في حدود الواحدة بعد الظهر في فندق الشمال المواجه للمركز الثقافي. واستؤنفت المفاوضات بعد ذلك من دون إحراز أي تقدم، فظل كل طرف ثابتاً على مواقفه.
كان فادي أفرام وجوزيف أبو خليل ووليد فارس (وودي) يجتمعون مع إدارة الموساد في تل أبيب، التي وصلوا إليها مساء اليوم السابق في حوامة. أمضى اللبنانيون الثلاثة ليلتهم في فندق هيلتون، وكان لهم موعد مع أرييل شارون بعد الظهر. وجرت جلسة تحضيرية لذلك اللقاء في حدود الثالثة من بعد الظهر في أحد صالونات الفندق، مع ناحوم أدموني (بيتر) ومساعده مناحيم نافوت (مندي)، وأفنير أزوالي، المسؤول عن الملف اللبناني، وسيمون ييغال، المحلل الذي يشبه سيرج غينسبور.
قدم إليهم أفرام عرضاً عن الوضع في الشوف، وعن عودة الفلسطينيين والسوريين إلى حلفائهم في بيروت. ولقد أسف أسفاً مريراً للتغيير الذي طرأ على موقف الإسرائيليين حيال «القوات». قال لهم:
ـ كان لدينا قبل الحرب استراتيجية ومخططات مشتركة. كان لدينا في الواقع حلف حقيقي مقدس. أما اليوم، فلم يعد قائماً بيننا حتى التقويم المشترك، بل إننا لم نتوصل إلى إقناعكم بشأن مشكلة الجبل.
فرد عليه بيتر قائلاً:
ـ وهل من الممكن فصل الوضع في الجبل عن الوضع العام؟ ينبغي للرئيس الجميّل أن يتخذ قرارات، لكنه لا يفعل، أو أنه يغيّرها كل يوم.
طرح المسؤولون في الموساد على اللبنانيين أسئلة عدة عن تسلّح الدروز، وعن سلطات زاهي بستاني في وظائفه الجديدة، وعن الأمن العام وإعادة بناء الجيش اللبناني، قبل الرجوع إلى الشوف.
وتساءل ناحوم أدموني:
ـ هل تعتقدون أن مشاكل الجبل تتعلق بقرار مركزي؟
ـ تمام الاعتقاد!
فقال رئيس الموساد:
ـ يقدّر العسكريون أنها مشاكل محلية من دون أي تأثير خارجي.
فأقرّ أفرام بذلك:
هذا صحيح بالنسبة إلى بعض المشاكل. لكن أنتم تعلمون أنها موجهةً من الخارج. زد أن قواتكم أسرت عضواً من منظمة التحرير الفلسطينية!
ـ أنتم قابلتم ميئير داغان، فما رأيه في ذلك؟
ـ لا شيء حتى الآن، لكن ينبغي أن يدرك أنها مسألة سياسية.
فقال أدموني بإلحاح:
ـ من الأهمية بمكان أن يفهم داغان هذا، إذ لا ينظرون عندنا إلى الوضع في الشوف على ذلك النحو.
فقال قائد القوات اللبنانية بحدّة:
ـ لكن ما الذي ينبغي عمله لنجعلكم تفهمون؟
ـ ينبغي لكم أن تزوّدونا بمعلومات دقيقة عن منظمة التحرير الفلسطينية، وأن تستخدموا وسائل الإعلام. إن كان بوسعكم أسر عنصر من عناصر محسن إبراهيم، على ألا يكون درزياً، فسوف يكون ذلك ممتازاً، وعليكم أن تثبتوا أن هذا المسألة تستجيب لتوجيهات مركزية.
ـ أنا لا أفهم ذلك، فقبل يومين أوقف جنودكم مقاتلاً من منظمة التحرير الفلسطينية في الجبل، وإحدى دورياتكم وقعت في كمين... فقاطعه ناحوم أدموني (بيتر) قائلاً:
ـ ظنّ الدروز أننا من القوات اللبنانية.
فواصل أفرام قائلاً:
ـ ... إبراهيم قليلات سوف يعود من باريس. ووليد جنبلاط يدعم اتصالاته بالسفارة السوفياتية.
ـ هذه معلومات مهمة، وعلينا أن نضع مخططاً مع زاهي بستاني لمواجهتها.
فقال مناحيم نافوت:
ـ إن الوضع سيتحسن الآن ما دامت المفاوضات بدأت في كريات شمونة.
فرد أفرام باحتجاج:
ـ لا ينبغي أن تجعلوا تحالفكم مع المسيحيين مشروطاً بعلاقتكم مع الدولة اللبنانية.
فرد مندي متعجّباً:
ـ لكنها مسألة مترابطة. فحين تكون علاقاتنا سلبية مع الدولة اللبنانية، يظن الدروز أن لديهم حرية الحركة فيفعلون. لو كنّا نستطيع نحن وأنتم وأمين الجميّل أن نجتمع، لكان بوسعنا حيئنذٍ أن نحدد كيف نصد عناصر جنبلاط، وكيف نضربهم. وكان من شأن الوضع أن يكون مختلفاً تمام الاختلاف.
فتدخل جوزيف أبو خليل قائلاً:
ـ أنتم تريدون بهذه الطريقة ممارسة ضغط على السلطة اللبنانية، لكن ليس للسلطة اللبنانية من وجود! إن ما جرى في الشوف قد أضعفنا، وليس هناك مَن يحسب لنا حساباً، لأن إسرائيل قد تخلّت عنّا. بدأ المسلمون الذين قبلوا فكرة معاهدة سلام بالارتداد على أعقابهم. والخوف يخامر حلفاءنا في بيروت الغربية، فهم يشكّون في قوتنا. هل أنتم راغبون في التوصل إلى اتفاقية مع لبنان؟ ينبغي أن تعرفوا أن ذلك منوط بموقف المسيحيين. إن أمين بحاجة إلى دعم المسيحيين لمجابهة رئيس الوزراء شفيق الوزان.
فأكد ناحوم أدموني قائلاً:
ـ وبعض الأشخاص في إسرائيل مقتنعون بأنكم إذا انسحبتم من بيت الدين، فالوضع سوف يهدأ، لكن ما يشغلني شخصياً أنكم تعتبرون أنه لم يعد هنالك من تعاون بيننا.
فقال فادي أفرام:
ـ ذلك هو الواقع! ولدينا العديد من الأدلة عليه: الصدامات في الجبل، وتوقفنا عن تلقّي العتاد...
فقاطعه رئيس الموساد قائلاً:
ـ أما عن العتاد، فتلك حكاية أخرى. إنها مسألة الحالة السيئة للموازنة الإسرائيلية. سوف تلتقون بعد قليل أرييل شارون، فحدّثوه في الأمر، وينبغي أن يكرر أبو خليل على مسامعه ما قاله الآن.
(غداً جزء ثان)

22 عاماً لكتابة 1800 صفحة
عمل آلان مينارغ ٢٢ عاماً على مشروعه، الذي يكتمل اليوم مع صدور الجزء الثاني. في الكتاب السابق «أسرار حرب لبنان ـــ من انقلاب بشير الجميّل إلى حرب المخيّمات الفلسطينيّة»، بدأ الصحافي المعروف من عزم بشير الجميّل على الاستيلاء على السلطة، بعدما صفّى خصومه بالدم. وتوقف عند وصوله إلى الرئاسة بمساعدة إسرائيل سياسيّاً وعسكريّاً، على أمل أن تفتح باباً للسلام مع لبنان، ولتوقيع اتفاقيّة سلام معه بعد كامب دايفيد.
ويفصّل الجزء الأوّل كيف باشر بشير محادثاته مع الدول العربية، بعدما اعترفت به واشنطن طرفاً محاوراً، وكيف أقام تحالفاً عسكريّاً مع أرييل شارون ورفائيل إيتان، لطرد الفلسطينيين من لبنان. ويصل إلى اغتيال الرئيس الشاب بعد ٣ أسابيع على انتخابه، وما تلى ذلك من اجتياح اسرائيل للبنان، ثم مجازر صبرا وشاتيلا. عمل مينارغ مراسل حرب، واستقرّ لسنوات بين بيروت والقاهرة، قبل أن يصبح المدير العام المساعد لـ «راديو فرانس انترناسيونال» RFI، ونائب رئيس «راديو مونتي كارلو RMC ـــ الشرق الأوسط». في كتابه يكشف المقلب الآخر للرواية الرسميّة، بما يشتمله ذلك من حقائق مزعجة لجزء من الطبقة السياسيّة، وذلك بعد جهد سنوات درس خلالها آلاف الوثائق والتسجيلات غير المعروفة، مدققاً في المعلومات، مقارناً بين المصادر، ملتقياً أكثر من ٣٥٠ شخصيّة محوريّة في لبنان والولايات المتحدة وتونس والعراق وسوريا، مروراً بالكيان الصهيوني.



 


الرد باقتباس
قديم 09-27-2012, 03:31 AM   #4


الصورة الشخصية لـ النقي
النقي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 551
 تاريخ التسجيل :  May 2012
 أخر زيارة : 09-29-2022 (01:59 AM)
 المشاركات : 1,745 [ + ]
 تقييم العضوية :  30
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
الإفتراضي



[align=center][tabletext="width:70%;background-image:url('http://www.hreeb-bihan.com/vb/backgrounds/3.gif');border:1px solid green;"][cell="filter:;"][align=center]موضوع سياسي مهم وجميل

يعطيك الف عافية

لاعــــــــــــــد مـــــــــــــــنــــــــــــــــاك
[/align]
[/cell][/tabletext][/align]



 


الرد باقتباس
الرد على الموضوع

Bookmarks

الكلمات الدلالية (Tags)
آلان , لبنان , مينارغ , أسرار , جرب , وخفايا


Currently Active Users Viewing This Thread: 1 (0 members and 1 guests)
 
خيارات الموضوع

قوانين المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML مغلق
Trackbacks are متاح
Pingbacks are متاح
Refbacks are متاح


تصميم وتوزيع وتركيب  &الجنوبيه&♥ طموح ديزاين♥


جميع الأوقات GMT +3. الساعة الآن 11:48 PM.


.
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
.

Search Engine Friendly URLs by vBSEO