الصحفي باراك بارفي : الوجة الاخر للجيش الحر: سوريا

للجيش , الاخر , الحر: , الصحفي , النحت , باراك , بارفي , سوريا

الصحفي باراك بارفي : الوجة الاخر للجيش الحر: سوريا

كان ابراهيم الحلبي مضطرباً من اسئلتي لم يستطع ان يقول لي كيف انتهى به المطاف في السجن و لم يجبني على اي سؤال طرحته عليه و لا حتى نوع العمل الذي كان يمارسه هذا الشاب ابن ال 27 عشرون عاماً قد تم القاء القبض عليه على حاجز للثوار في مدينة حلب من قبل عناصر الجيش الحر التي تقاتل النظام عندما لم يستطع ابراز هويته و اوراق ثبوتية تقنعهم القوا القبض علبه و اودعوه في السجن
بالتأكيد لم تكن لغتي العربية ذات اللهجة المصرية هي السبب وراء عدم التواصل الجيد بيني و بين ابراهيم ذلك لأن زميله في الزنزانة قدم لي اجوبته على الاسئلة ذاتها لكن بالنسبة لإبراهيم كان كلامي يجعله يحدق بعينيه بذهول و يجول بهما في ارجاء الزنزانة دون توقف
في بعض اللحظات كنت اشعر انه يعود الي و كان حينها ينطق و يجيب بأجوبة تناقض ما قاله زميله تماماً
فهمت منه اخيراً انه كان عامل بسيط في معمل نسيج في حلب لكنه توقف عن العمل لاحقاً و اصبح عاطلاً
بدا على ابراهيم الخوف حين بدأ يتكلم و لم تتوقف يده اليسرى عن الرجفان و كأنه فقد التحكم بها بقع دماء حمراء انتشرت على جبينه و انفه غطت جروح بدت حديثة العهد اصابته نتيجة تعذيب معتقليه له
عندما كان ابراهيم يتكلم معي بصوت منخفض داخل الزنزانة صاح احد المسلحين من الثوار : كاذب شبيح كلب ثم اقترب و صفع ابراهيم على وجهه بقوة شديدة ارعبتني
بعد ساعة على هذه الحال و لا نتيجة اطولها شعرت بالاحباط و اليأس مع ابراهيم و تيقنت ان هذا الشاب الذي يتهمه الثوار بارتكاب اعمال شنيعة هو مجرد انسان بسيط مسالم يعاني من اضطراب عقلي ما يمنعه من التواصل مع البشر بشكل سليم لكن هذا القصور العقلي زاد من حدة تعذيب الثوار و لم يمنع مقاتلي الجيش الحر من ضربه
بالنسبة لي لم يبدو ابرهيم كشخص قادرعلى الامساك بكلاشينكوف فما بالهم بالظن انه قادرعلى استعمالها لقد كان هذا الشاب مذعورا لا يدري ما يجري حوله
بدت محنة ابراهيم مؤشر على اشتداد التعسف في المناطق التي يتواجد بها و يسيطر عليها الجيش الحر
في بلد يختفي فيه القانون شيئاً فشيئاً و تنهار فيه الدولة بات كل مسلح هو رجل امن او شرطة بنفسه و مدعي و قاضي ايضاً

بعضهم اعتبر ان السلاح الذي يحمله في يده تعطيه القوة و الصلاحية الكافية للقيام بكل هذه المهام دفعة واحدة و بدا لي ان كل من مارسها قد استبد بها
الاستغلال الذي يمارسه مقاتلو الجيش الحر قد قلل من شعبيتهم و نفر الناس من حولهم ربما للحظة خيل لبعض السكان في المناطق الشعبية ان دعمهم الجماعات الاسلامية سيكون خيار ثالث
رجل اثرى نفسه خلال الازمة و الحرب في حلب و يدعي احمد عفش قائد كتيبة في الجيش الحر من قرية عندان شمال حلب عندما يسمع اعضاء الثورة من المناطق المجاورة باسمه فقط يبدأون بشتمه و لعنه او يصمتون من الخجل و الشعور بالعار
يلومون هذا الرجل و رجال مثله انهم يستعملون السلاح لنزواتهم و شهواتهم و لمجدهم و ليس من اجل اهداف الثورة التي انضموا اليها
اسم احمد عفش كان يختزل السمعة السيئة و القميئة التي باتت عليها الثورة السورية و الجيش الحر و امتدت هذه السمعة المكروهة الى كل المناطق في محافظة حلب فهو متهم انه من سرق صوامع الحبوب و باعها الى تركيا و هو من سرق المعامل و باعها الى تركيا و قام بفرض الاتاوى و خطف اصحاب المنشآت و سرق السيارات و الشاحنات و الاثار و اصبح مليارديراً و صاحب ثراء فاحش خلال اشهر من بدء الثورة و تشكيل الجيش الحر و في ايام الصيف كان يقضي اوقاته في مسبح احدى المزارع الفاخرة في عندان و التي استولى عليها في حزيران من العام الماضي كما قال احد سكان المنطقة
عندما كان القتال منحصراً في المناطق الريفية بعيداً عن مدينة حلب احتار احد ابناء المناطق الشعبية في المدينة و يدعي حمدي قعقاع لاي طرف عليه ان ينضم لكن مع اقتراب الجيش الحر من المدينة و سماعه الفظائع التي يرتكبها احمد عفش و مقاتليه و كيف كانوا يسرقون و ينهبون و يهينون المواطنين و حتى الفقراء اعترف لي انه قال لنفسه : لما لا انضم الى الجيش الحر اذاً و اتقي شرهم ؟
لكن مع كل تجاوز رآهم يرتكبونه بحق المدينة و اهلها كان قعقاع يشعر بهبوط في النظرة التي ينظر بها الى الجيش الحر

عفش هذا يسبب اضرار كبيرة في معنى و مغزى الحرب التي تدور اكثر مما يسببه باستغلال و اضطهاد المواطنين و الناس
انه يخرب و يحبط مخطط قيادة الجيش الحر و استراتيجيتها

لعدة شهور مضت كان هدف " لواء التوحيد" اكبر لواء مقاتل في المحافظة مركّز على تحرير احياء مدينة حلب التي كانت تحت سيطرة جيش النظام ليخفف من قبضة النظام على سكان المدينة
لكن الهدف الاكبر لأحمد عفش كان "مبنى المخابرات الجوية" الواقع في الشريط الشمالي الغربي لمدينة حلب وقد وضعه نصب عينيه اكثر من اي هدف آخر
لقد اراد احمد عفش بمهاجمته مع كتيبته مبنى المخابرات الجوية العصي مراراً و تكراراً ان يستاثر بالاضواء و بالاعلام و يصبح بطلاً فعندها فقط ستنهال عليه الاموال من ممولي الحرب على سوريا و يغدقون عليه بها
يقول العفش :" لقد اجبروني على اتباع اساليب اخرى للحصول على المال انهم يدفعون لغيري اكثر مما احصل عليه و ما يدفعونه لا يكفي لتسليح كتيبتي بما يكفي لإنجاز المهام و لذلك كان علينا ان نجد طرقاً اخرى انهم من يجب لومهم "

يشرح لنا احد قادة المجلس العسكري التابع لقرية مجاورة :" من اجل ان تحصل على المال عليك ان تقوم بعملية يموت بها الكثيرون و لا يهم من يموت فالمهم ان يكون العدد كبيراً لتسرق الاضواء من غيرك وعليك ان تحدث في العملية اكبر قدر ممكن من التدمير كي يتصدر اسمك و اسم كتيبتك الاخبار و عليك ان تضع الفيديو الذي يثبت عمليتك على الانترنت و عليه يجب ان يبدو اسم مجموعتك حتى يسجل الانجاز بإسمك و ينتبه اليك الممولون من الخارج فيبادرون بالاتصال بك و الطلب منك القيام بعمليات ضد مواقع معينة و يمدونك بالمخططات التي لديهم و يرسلون الاموال الكثيرة و الاسلحة التي تلزم في حال تطلب الامر ذلك و قد يرسلون اشخاص اجانب و معهم مترجم للقاءك و لإعطاءك تفاصيل اكثر ان كانت الموقع المستهدف ذو اهمية استراتيجية لهم

لذلك كانت كل كتيبة او مجموعة تتسابق مع الاخرى للقيام بأعمال قتل و تخريب في حلب و مهاجمة المواقع العسكرية و تتسابق في رفعها على الانترنت كي يظهر كل منها نفسه و مجموعته انه الاكثر عدداً او الاكفأ او الاكثر قدرة على انجاز المهام الصعبة و بالتالي توكل اليه مهمات اكثر من الخارج او من قيادة المجلس العسكري و نحصل على اموال اكثر و اهتمام اكبر من قبل الاعلام
كان يحدث تخبط حين تشترك اكثر من مجموعة في الهجوم فتسارع كل منها لتبنيه لوحدها دون الاخرى وهذا يعني انها ستستأثر بالمال القادم و بالجائزة الموضوعة ما دفع الكتائب للقتال فيما بينها
ظننا ان الامر قد تم حله حين تم انشاء المجلس العسكري الذي يقوم بإعطاء المال لمن يستحقه لكن قادة المجلس العسكري بدأو بإنشاء كتائب خاصة بهم و بالاستئثار بالعمليات ذات السعر الاعلى لأنفسهم و مجموعاتهم و هذا ليس عدلاً

عندما عرض لواء التوحيد مساعدة العفش في الهجوم على مبنى المخابرات الجوية في حلب حصلت مشادة وتحول الى قتال بينهم و بين مسلحي مجموعة العفش سرعان ما تم اخماده لكن بالنهاية تمكن العفش ان يضع الجميع امام مفهوم ان المنطقة تتبع له و لمجموعته التي تقدر بخمسمئة مسلح و لا يريدون لأي مجموعة اخرى ان تشاركهم في الهجوم على مبنى المخابرات الجوية كي لا يتقاسموا مع احد شرف اسقاطه او تحريره امام الاعلام و امام دافعي الاموال و يريدون ان يحتكروا كل شيئ لأنفسهم لأن الجائزة التي ستدفع لمن يسقطه كبيرة جداً جداً على حد قول احد قيادي لواء التوحيد و هذا ما اثار استياء و غضب و كره باقي الكتائب له و اعتبروه مجرد اناني يبحث عن مجد لنفسه و لا يتمتع بأخلاق الثورة
لكن تم وضع خطة لمعالجة الامر فبما ان المسلحون المنضمين للقتال في مجموعة احمد عفش هم من عندان ايضاً قامت مجموعة من الثوار من عندان ايضاً بتأسيس "لواء عندان" آملين ان يستقطبوا اتباع عفش اليهم و بذلك يضعفوا قبضته و يضطروه الى تقاسم النفوذ و المناطق و الاموال التي يتم تحصيلها من العمليات العسكرية و التفجير

يشرح ابو ضاهر احد اعضاء قيادة المجلس العسكري الذي بدوره يحاول الانشقاق و تأسيس مجموعته الخاصة و المستقلة : لقد بات تشكيل كتائب جديدة حاجة ملحة و خيار لا بد منه لإقصاء الثوار الذين يضرون بالثورة فحتى لواء التوحيد الذي يكن له الثوار بعض الاحترام انضم اليه الكثيرون من اجل السبب الخاطئ ظانين انهم سيصبحون اثرياء بين ليلة و ضحاها
يبدو ان المشكلة تتجاوز اشخاص مثل عفش

قد تذمر لي احد قادة الجيش الحر في حلب انه مع تقدم الجيش الحر من مدينة حلب الصيف الماضي انضم الينا كثيرون من اتباع النظام و هم الذين افسدوا الكثير من عناصر الجيش الحر و خلطوا في نفوسهم بين المصلحة الفردية و بين الدافع القومي الذي كان عليه مقاتلينا
فبات من الصعب علينا ان نعلم من هم الجيدون و من هم السيئون يقولها ابو ضاهر وهو مستاء

في حديث خاص لي مع احد موظفيه احد قادة لواءالتوحيد و يدعى عبد القادر صالح قّدر ان نسبته ما 25 بالمئة من مقاتلي الجيش الحر يمكن اعتبارهم "تفاح فاسد"
و هؤلاء المقاتلين الفاسدين هم من يخرب سمعة الجيش الحر فمثلاً منذ اشهر قام احد مقاتلين لواء التوحيد بصفع طبيب بشدة في مشفى دار الشفاء ثم انهال عليه ضرباً ما دفع العاملين في المشفى الذين يعتنون بجرحانا الى اعلان التوقف عن العمل ليوم كامل احتجاج على هذا التصرف انه لتصرف شنيع يقول عبد القادر

هذ الممارسات التي ترتكب تشرح لماذا يختار الثوار السوريين الانضمام الى الكتائب و الالوية الاسلامية كجبهة النصرة بعد ان كان انصارهم و اتباعهم قلائل كما قال لي رئيس مجلس احدى بلدات في ريف حلب و يدعى ابو عمر :ان اخطاء الجيش الحر هي من جعلت جبهة النصرة مشهورة ليكتشف من ينضم اليها ايضاً ان فساد مسلحي جبهة النصرة لا يقل بالكمية و لكن يختلف بالنوعية ان فسادهم هو من نوع لم نعتد عليه ابداً قالها و هو مطرق رأسه بالأرض و كأنه مُستحي
ذكر لي انهم اتاهم ملازم اسمه محمد طلاس اسمه يدلل انه و لا بد من اقرباء مرة كان وزير دفاع سوريا على عهد الاسد الاب الذي انشقت عائلته عن النظام منتصف العام الماضي
تساءلت مالذي اتى به من حمص الى ريف حلب ليتنقل بين كيليس التركية مروراً بتل رفعت الى اعزاز و حيان ؟ قيل لي انه يأتي بالاسلحة و شاحنات البيك آب التي يتم تنصيب رشاشات متوسطة عبر مكتب انشئ في تركيا و يديره شخص من حلب اسمه عمر و لقبه أبو احمد
الاموال لا بد منها لدفعها للمقاتلين و المسلحين و لا بد من محمد طلاس ليحسن ما امكن من صورة الجيش الحر في اذهان المدنيين

لقد شاهدت كثير من الثوار الذين سألوني بإلحاح و دهشة لماذا وضعت الولايات المتحدة الاميركية جبهة النصرة على لائحة الارهاب مع انها خدمت اهدافها و قدمت الكثير للمواطنين في حلب في سبيل تحريرهم من النظام و كانوا ينصحوني ان اوصل رسالة مفادها ان على الولايات المتحدة ان تعيد حساباتها بشأن جبهة النصرة ان ارادت اسقاط النظام

اعلم ان الولايات المتحدة الاميركية اعطت الاوامر للجيش الحر و للثورة السورية ان يبتعدوا عن جبهة النصرة و يفصلوا فيما بينهم ان ارادوا النجاح
عندما قلت هذا الكلام لأبو حسن او "ابو حسان" احد مقاتلي جبهة النصرة ابتسم لي مؤكداً: نعم لقد ضاق المدنيون ذرعاً بالجيش الحر فهناك الكثير من السرقة و يعاملون المدنيين بقسوة ثم افرد لي سبب شهرة جبهة النصرة و شعبيتها:
ان الجيش الحر يقتل من يظن انه شبيح بدون اي دليل لكننا نحتاج الى شاهدين يشهدا انه شبيح قبل ان نقطع رأسه

غادرت حلب عائداً الى تركيا عبر كيليس و انا افكر في طريق عودتي بالشاب المسكين ابراهيم السجين لدى الجيش الحر و تساءلت هل كان الحكم الاسلامي لينقذه ؟
تذكرت تلك الليلة التي قضيتها جانب السجن و انا اسمع صوت صراخه من الالم و هم يعذبونه و في رأسي صوت انينه

كم هو صعب ان تستمع لصوت رجل بالغ و هو يبكي من الالم و الاهانة من وراء ابواب فولاذية
بالنسبة لي بدا ان مصير ابراهيم ابن ال27 عاماً يختزل المستقبل الذي سيكون عليه حال السوريين في حال نجاح الثورة

لقد اجابت عينا ابراهيم الحلبي التائهة في جدران زنزانته عن كل الاسئلة التي كانت في ذهني.

اجرى اللقاءات الصحفي باراك بارفي الزميل في "مؤسسة اميركا الجديدة" و المتخصص في الشؤون العربية و الاسلامية و نشرت في عدد من الصحف الاميركية بنصوص مجتزأة و في صحيفة اتلانتا الاميركية و قد حصلنا على النص الكامل بعد بحث مضن

ترجمة تحت المجهر

الله محيي الجيش العربي السوري