الدّيك ديك والفرخة فرخة: داعية إسلامي يؤجّج احتقان المشهد السياسي التونسي

الدّيك ديك والفرخة فرخة: داعية إسلامي يؤجّج احتقان المشهد السياسي التونسي

حظى الداعية الإخواني المروّج لختان البنات، وجدي غنيم، باستقبال "تاريخي" من آلاف التونسيين والتونسيات الذين احتشدوا الأحد تحت قبة "المنزه"بالعاصمة، لكنه تسبب في مزيد من التّوتّر بين التّيّار الإسلامي والتّيّار الحداثي.
ويؤكد الداعية المصري الذي يعيش بماليزيا في العديد من محاضراته أن ختان البناتمكرمة هو بمثابة عملية تجميل، مستندا في ذلك بقول الرسول صل الله عليه وسلم "الْفِطْرَةُ خَمْسٌ أَوْ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ الْخِتَانُ، وَالاسْتِحْدَادُ وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ" .
"الصواريخ العلمانية"
لكن الشيخ غنيم خصّص هذه المرّة محاضرته، بعنوان "الغزو الفكري"، لمحاربة العلمانيين والليبراليين بأسلوب التهكّم.
واتّهمهم بـ"تكريس الكفر" من خلال وسائل الإعلام التي "توجّه صواريخها في أدمغة المسلمين، فتحلّل الحرام وتحرّم الحلال".
ودعّم الشيخ أقواله بالعديد من الأمثلة، مشفوعة بطرائف من حياته الخاصة ونكت صفّق وكبّر لها الجمهور طويلا.
فتحدّث الشّيخ "عما يسمّيه العلمانيون بالمساواة بين الرجل والمرأة" وردّ بالقول "الرجل رجل والستّ ستّ ... والدّيك ديك والفرخة فرخة".
وسخر طويلا من ظاهرة تقديم النشرات الإخبارية في بعض التلفزيونات العربية من طرف "رجل وستّ" جالسين جنبا لجنب وليست بينهما علاقة زوجية.
وحلّل الشيخ الرياضة النسائية، لكنه حرّم "تعرّي" السبّاحات ولاعبات التّنس. تحدّث عن شرب الخمر والحجاب والجهاد والشّهادة في سبيل الله.
"غـزوة خيبر"
لكن الشيخ الدّاعية لم يتطرّق لمسألة ختان البنات، نظرا لأن الجهة المنظّمة، "جمعية الايثار والدعوة الاسلامية"، أشارت إليه باختصار المحاضرة. ولم يتّضح سبب قطع المحاضرة قبل موعد الانتهاء الأصلي.
وبينما أكّد أحد المنظّمين أن ذلك كان لتفاديا لاحتكاك محتمل بين الجمهور الغفير، والمقدّر من 7 إلى 10 آلاف شخص، مع مجموعة من عشرات الأفراد من قوى المجتمع المدني تواجدوا خارج الملعب للاحتجاج على انعقاد مثل هذا التجمّع.
لكن بعض المواقع الإلكترونية وروّاد الفيسبوك رجّحوا أن يكون السّبب هو "هتافات معادية للسّامية أطلقها الجمهور في مدرّجات المركّب الرياضي" بالمنزه.
وكان الشيخ غنيم قد استقبل السبت استقبالا وصف بـ"التاريخي" في مطار تونس قرطاج الدولي وكذلك لحظة دخوله لقبة المنزه، حيث دوّت صيحات التكبير "التي ترهب قلوب أعداء الإسلام وأعداء شريعة الرحمن"، كما ورد في العديد من صفحات الفيسبوك.
وسيلقي الشيخ غنيم سلسلة من المحاضرات في عدّة مدن تونسية أخرى خلال الأسبوع الجاري. وقالت عيشة برهان من الجزائر "من فضلك يادكتور، شرّفنا بحضورك".
إلا أن العديد من التونسيين والتونسيات عبّروا عن سخطهم من "هذا '‏الدّاهية'‏ الذي يدعو إلى عادة لا تمتّ للإسلام بصلة وليست من عاداتنا"، كما كتبت "تونسية حرّة".
وتساءل اسكندر برغوثي "لماذا لا توجّه الدعوات لعلماء في الذرّة والإقتصاد والتكنولوجيا لزيارة بلادنا، بدل شيوخ الجهل وضرب المرأة والتكفير والنقاب؟"
وقال زكريا "من المؤسف أن يتعلّم التونسيون تعاليم دينهم من وجدي غنيم وعمرو خالد ويتركون '‏التحرير والتنوير'‏ للعلّامة محمّد الطاهر بن عاشور على رفوف المكتبات!"
وكان الداعية المصري عمرو خالد، الذي زار تونس مؤخّرا قد قُوبل بردود فعل مختلفة وجاءت كثير من التساؤلات على الانترنت فيما إذا كانت هذه الزيارة مفيدة في ظل توتّر الوضع الاجتماعي في بلاد سجلت فيه نسبة البطالة ارتفاعا ملحوظا وصل، حسب إحصائية رسمية، إلى 27 في المائة، مقارنة بـ14 في المائة خلال فترة حكم الرئيس السابق.
ويعتبر عمرو خالد ـ الذي كان له توصيفا سيئا للمرأة التونسية ـ ممن يسمّون بـ"الدعاة الجدد" الذين ليسوا من علماء الدين ويعرفون خاصة من خلال القنوات الفضائيات الإسلامية.
وزيرة المرأة: نعم للنقاب، لا للتعدّي على الحرية

وكان قد سبق لوزيرة المرأة سهام باديالتي استقبلت عمرو خالد التّأكيد على أن لقائها به كان "كرجل أعمال جاء في إطار إمكانية التعامل مع الجمعيات التي يُشرف عليها لإبرام عقود تهُم المرأة الريفية التونسية". وأضافت في مقابلة مع "الصحافة" "ولست على علم بمواقفه السابقة من المرأة التونسية".
وفي سؤال عن "التهديد السّلفي من المسّ بحرية المرأة"، ردّت الوزيرة المنتمية لحزب المؤتمر من اجل الجمهورية (المشارك في الحكم) بأن "وسائل الاعلام هوّلت كثيرا هذا الموضوع (...) حتى تلهي الرأي العام عن القضايا الصحيحة والمصيرية ومنها استحقاق الشغل".
وسُئلت الوزيرة عن موقفها من المنقبات في كلية الآداب بمنوبة، فقالت "احترم اختيارهن للباس النقاب".
لكنها أضافت "أما أن نجد طالبتين او ثلاث طالبات يعطلن سير الدروس والامتحانات ويسيطرن على حرم جامعي بالكامل من أجل فرض لباس معين، فهذا اعتبره تعدّ على حرية الأغلبية في الجامعة".
"الهيئة" تدخل على الخط
وفي لقاء مع صحيفة "التونسية"، أبدى رئيس "هيئة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" المحلّية، عادل العليمي، اعتدالا "ملائكيا" يتناقض مع التطرف الذي يصدر بين فترة وأخرى من اطراف تعتقد أنها تمتلك الحقيقة.
فقد قال العليمي "نحن لسنا ضد ‏القانون الوضعي ما دام لا يتعارض مع الشريعة الاسلامية".
وأضاف "لسنا اوصياء على أحد (...) وكما اننا ضد العنف بشقّيه اليساري واليميني".
وكان المحلل السياسي التونسي صلاح الدين الجورشي قد حذّر بعد الثورة أن المشهد السياسي في بلاده قد "يتدحرج سريعا ‏نحو الاستقطاب الثنائي بين مشروع يقال بأنه تمثله حركة النهضة ومشروع ثان يقال بأنه تمثله قوى ‏اليسار والنخبة الحديثة".‏
وأضاف الجورشي "هذا الاستقطاب الثنائي، الذي سبق وأن وتّر الحياة السياسية منذ مطلع الثمانينات من القرن الماضي، نخشى أن يشكل حاليا عنصر إضعاف لعملية الانتقال الديمقراطي".‏

لكن الرئيس التونسي منصف المرزوقي، الذي نفى "وجود أي خطر سلفي يتهدد تونس"، صرح ليلة الأحد في حوار مع البي بي سي أنه مع منح التأشيرة لـ"حزب التحرير" الغير مرخص له، مشيراً إلى أنه "يجب وضع هذا الحزب في اطاره القانوني لأنه الشيء الوحيد الذي سيعطي فكرة واضحة اساسها إن كان هذا الأخير سيلتزم بالقواعد الديمقراطية أم العكس".