هل داعش نبته سلفية

داعش , سلفية , هم , نبته

هل داعش نبته سلفية

مشاركــة تغريــد جوجــل+ إرســال
بعد أحداث سبتمبر، طُرح سؤال الإرهاب، واتهم ضمنًا الاتجاه السلفي الوهابي، وأُلقي عليه مسؤولية نشر ثقافة الإرهاب والقتل والتكفير، وكان مصدر هذه الاتهامات حينها الدوائر الغربية التي اتهمت السعودية بأنها الداعم الرئيس لتنظيم القاعدة. ومع نشأة تنظيم الدولة الإسلامية واحتلالها أجزاء من العراق والشام، عاد السؤال مجددًا، لكن هذه المرة من خلال التفكير بالإرث السلفي الوهابي، ودوره في تكوين وانتشار ثقافة الإرهاب والقتل، ممثلًا بتصرفات وأفعال تنظيم الدولة.
فتحت عنوان: “هل داعش نبتة
مشاركــة تغريــد جوجــل+ إرســال
بعد أحداث سبتمبر، طُرح سؤال الإرهاب، واتهم ضمنًا الاتجاه السلفي الوهابي، وأُلقي عليه مسؤولية نشر ثقافة الإرهاب والقتل والتكفير، وكان مصدر هذه الاتهامات حينها الدوائر الغربية التي اتهمت السعودية بأنها الداعم الرئيس لتنظيم القاعدة. ومع نشأة تنظيم الدولة الإسلامية واحتلالها أجزاء من العراق والشام، عاد السؤال مجددًا، لكن هذه المرة من خلال التفكير بالإرث السلفي الوهابي، ودوره في تكوين وانتشار ثقافة الإرهاب والقتل، ممثلًا بتصرفات وأفعال تنظيم الدولة.
فتحت عنوان: “هل داعش نبتة سلفية؟”، يرى الباحث منصور الهجلة أن داعش هي نسخة سلفية وهابية، لكن تختلف مع الوهابية فقط في تحقيق المناطات، وبتعبير عاميّ: الخلاف فقط في أن داعش “وسيعة ذمة” أكثر من ناقديها من الوهابيين والسلفيين وتياراتهم الجهادية والحركية.

وفي مقالة بعنوان: “جدل التشابه بين داعش والوهابية”، يشير الكاتب خالد بن صقر إلى علاقة بين داعش والوهابية لجهة التوسع في القتال والتكفير، وفيها رد على بعض ممّن نفى تهمة علاقة الوهابية بداعش مثل الباحث إبراهيم السكران وحمود العمري .

كذلك تناول هذا الموضوع الباحث عبد الله المالكي من خلال مقالة بعنوان: “داعش وإخوان من طاع الله”، ولا ننسى ردود الأفعال التي نتجت على خلفية مقال للشيخ حاتم العوني والتي دعا فيها إلى مراجعة إرث الوهابية من خلال المدونة الرسمية للمذهب “الدُّرر السنية”، ممذا أدى إلى قيام رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالرد على مقال الشيخ ورد أفكار تنظيم داعش إلى الإخوان المسلمين من خلال مفهوم “الحاكمية” لسيد قطب .

من يدافع عن الوهابية بالمقابل يبدأ دفاعه بالحديث عن الوهابية كحركة سلفية نقيّة نشأت لمحاربة البدع والشركيات، ولم تخرج عن أدبيات وفتاوى أئمة السلف المعتبرين في نشر العقيدة الصحيحة، وأن ثقافة التكفير واستحلال الدماء هي ثقافة أتت من خلال حركة الإخوان المسلمين، ولو كانت الوهابية منظومة تكفيرية؛ فهل علماء المملكة المعاصرين كابن باز وابن عثيمين تكفيريون؟

وبين الاتهام ودفع الاتهام تغيب بعض الأمور التي يجب التركيز عليها في سياق البحث عن ظاهرة الحركات الجهادية وطبيعة نشأتها وسياقاتها التربوية والفكرية، التي لا يمكن إهمال مرجعياتها، ومن ضمنها فتاوى أئمة الدعوة النجدية، وهي واضحة وجليّة. وإن كانت الوهابية لا تتحمل وحدها مسؤولية التفكير والقتل الممارس من قبل تنظيم داعش، فكما أشار الباحث نواف القديمي في مقالة بعنوان: “كيف تشكلت داعش؟”؛ فإنّ حركات التكفير والقتال في المنطقة تختلف فيما بينها لجهة مصادر التأسيس بين الإرث الوهابي، وتراث سيد قطب، وأخيرًا تراث المذهب المالكي الذي شكّل مصدرًا ومرجعيّة للحركات الجهادية في المغرب العربي .

من ضمن النقاط الهامة في بحث علاقة داعش بالوهابية، التفريقُ بين الهدف العام للحركة، والمتمثل هنا بنشر العقيدة الصحيحة والسلوك القويم والتزام النظام كأصول ثلاثة تشكّل أهدافًا رئيسة للحركة الوهابية، وبين علاقة الوهابية بسياقها الزمني المتغير الذي بدأ واضحًا من خلال قراءة لتاريخ الحركة تأثرها بتطورات الوضع السياسي وانعكاساته على الطرح الفقهي، وهذا ما يفسر اختلاف الباحثين في قضية التكفير والجهاد بين من يرى أنّ أئمة الدعوة النجدية لديهم غلو في هاتين المسألتين، وبين من يرى عكس ذلك، وكلا الفريقين يدعم قوله بفتاوى وآراء وتقريرات أئمة الدعوة .

فالوهابية مرّت بمراحل مختلفة بين قوة وضعف، لكن ما يجمع بين هذه المراحل أن الحركة كانت تتأثر وجودًا وعدمًا بالدولة السعودية، فنلاحظ أنّ الدعوة قبل حملة محمد علي كانت تَنْحَى باتجاه المسالمة والدعوة بالحسنى، وهذا ما بدا واضحًا في رسائل محمد بن عبد الوهاب إلى العلماء وتوضيح منهجه ودعوته، أهم هذه الرسائل رسالة وجّهها إلى من يصل إليه من المسلمين وفيها: “فأنا أكفر من عرف دين الرسول ثم بعدما عرفه سبه ونهى الناس عنه وعادى من فعله فهذا هو الذي أكّفرُ، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك .

وأما القتال فلم نقاتل أحدًا إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة وهم الذين أتونا في ديارنا ولا أبقوا مكانًا، ولكن نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة وجزاء سيئة سيئة بمثلها”؛ وهي الرسالة التي تتعارض مع نص عقد الدرعية بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود الذي يحتوي على إرادة غزو وقتال، لكن هذه اللغة ستتغير بعد حملة محمد علي من خلال تبني عقيدة الولاء والبراء، من خلال فتاوى عبد الرحمن بن حسن وحمد بن عتيق وعبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، وذلك في عز انتصار الدولة السعودية الثانية، وتكفير الدولة العثمانية، وتحريم السفر إليها باعتبارها ديارَ شركٍ.

ومع انتشار فتاوى التكفير، إلّا أنّ ذلك لم يمنع من تبني سياسية اللوم بمودة اتجاه من اتصل بالقوات العثمانية من أفراد الأسرة المالكة، ولم يستخدموا سلاح التكفير بحقّه لإدراك الأئمة باستحالة استمرار المذهب بدون التحالف مع الدولة، لكن لم يتردد الأئمة في استخدام هذا السلاح في تكفير القبائل المتحالفة مع الدولة العثمانية مثل قبيلة آل رشيد والعجمان والدويش أو المناطق التي أعلنت العصيان ضدّ الدولة كحائل والأحساء، أو حتّى تكفير المعين من العلماء مثل الدهينة والخضري وولد فيصل بن حميد .

ومع ضعف الدولة السعودية الثانية، ولجوء بعض أمراء آل سعود للاستعانة بالدولة العثمانية، هدأت حدّة التكفير الموجهة إليها؛ فنجد عالمًا مثل عبد اللطيف بن عبد الرحمن يتخذ موقفًا مغايرًا لفتواه بحظر كل اتصال معها ليتخذ في مرحلة أخرى موقفًا يشجع على الاتصال بالعثمانيين على أمل التمكُّن من هدايتهم .

في عهد الملك عبد العزيز، استمرّ شكل المشاركة بين السلطة الدينية والسلطة السياسية طوال فترة تأسيس الدولة في ظل نظام عالميّ بدأ يتشكل ويتخذ شكل التنظيم المؤسسي والعلاقات الدولية، ممّا أدى إلى تصادم النظام السياسي الوليد ممثلًا بدولة أصبح لها حدود دولية وعلاقات مع دول غير مسلمة مع الإخوان الذين تشربوا التعاليم الوهابية وبين سلطة الملك، فماذا كان موقف السلطة الدينية ممثلةً بعلماء الوهابية من هذا الصراع؟

من أشهر المحطات الكاشفة لتأثُّر المؤسسة الوهابية بتطورات السياسة، حادثتان: الأولى، الردود على جملة ملاحظات أبداها قادة الإخوان الوهابيين أمام الملك وهي اعتراضات تستند على فتاوى ومواقف أئمة الدعوة في الدولة السعودية الأولى؛ والثانية، فيما يتعلّق بالعلاقة مع الكفار والسفر إلى ديارهم، ومع ذلك لم تتردد المؤسسة الدينية برد معظم هذه الملاحظات إلى إرادة الملك وقراره. صحيحٌ أنّ العلماء قدّموا مصلحة الاستقرار، إلا أنهم بالمقابل لم يتخذوا موقفًا تجاه فتوى الولاء والبراء والسفر إلى بلاد الكفار الذي تجلى من خلال سفر ابنيْ الملك إلى بلاد الكفار؛ أي مصر وإنكلترا.

أما الحادثة الأخرى، فهي الموقف من العلماء المناوئين للحركة الوهابية، ففي الوقت الذي تمّ تصفية بعضهم بحجة اتصالهم مع أعداء الدولة، مثل العالم عبد الله بن عمرو تمّ تبني سياسة العفو وتذويبهم في مؤسسات الدولة في حق علماء آخرين أيضًا خدموا في ظل دول أخرى لكن لم يعارضوا الدولة السعودية .

في عهد الملك عبد العزيز، ومع استقرار الدولة ودخولها ضمن النظام العالمي الجديد، تقلص دور الحركة في الشأن العام، الذي أصبح يدار بأدوات السياسة الدولية ومصالح الدول، وغابت فتوى الولاء والبراء التي تمس بصورة مباشرة العلاقات مع الدولة غير المسلمة، واقتصار تطبيق هذه الفتوى على الأفراد والحديث العام عن الشرك والبدع إلا من حوادث قليلة كان لصوت العلماء كلمة الفصل على غرار فتوى بدعة الاحتفال بعيد العرش عام 1930م، إلّا أنّ حرب الخليج الثانية أوضحت ارتباكًا في المؤسسة الدينية تجاه الاستعانة بالقوات الأجنبية، وموقف علماء الدعوة الواضح والصريح بعدم جواز الاستعانة بالكفار مثل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن .

فقضية عدم علاقة العلماء المعاصرين بالتكفير يفسّرها حدود السلطة الممنوحة لعلماء الدعوة الوهابية وفق متطلبات السياسة التي تختلف عن شكل الدولة في الدولة السعودية والثانية التي كانت تعيش وفق معادلة حرب الإمارات ودولة المدينة، كما يرى الدكتور خالد الدخيل في كتابه: “الوهابيّة بين الشرك وتصدُّع القبيلة”.

وأخيرًا، مع التأكيد على ضرورة إجراء مراجعات في الفكر الوهابي، إلّا أن ارتباط الحركة بالسلطة السياسية، أدى إلى وقوعها في دائرة البراجماتية التي تتعارض مع دعوة تقدّم نفسها على أنها الإسلام الصافي. وبالتالي، فإنّ تجديد الطرح السياسي لا يقل أهمية عن إجراء المراجعات بعض فتاوى التكفير والولاء والبراء وهي الفتاوى التي تستند عليها داعش في خطابها المعاصر، فهما قبل داعش وأسباب النشأة ومصادر التمويل، إلّا أن القاسم المشترك في تفسير حركات العنف في المنطقة يعود في جزء كبير منه إلى حالة الاستبداد وانسداد أفق العمل السياسي، وهنا تكمن أهمية إجراء مراجعات في الفكر السياسي الوهابي يهتم بتأسيس الحديث حول المشاركة الشعبية ودولة المؤسسات، والحكم الديمقراطي، بعيدًا عن فتاوى التكفير والقتال تحت ظلّ السلطة السياسية.

Print Friendly
يندرج هذا الخبــر ضمن التصنيف: كتابـــات
لهذا الخبر علاقة بــ: إبراهيم المبرك, الوهابية, تنظيم الدولة الاسلامية داعش”، يرى الباحث منصور الهجلة أن داعش هي نسخة سلفية وهابية، لكن تختلف مع الوهابية فقط في تحقيق المناطات، وبتعبير عاميّ: الخلاف فقط في أن داعش “وسيعة ذمة” أكثر من ناقديها من الوهابيين والسلفيين وتياراتهم الجهادية والحركية.

وفي مقالة بعنوان: “جدل التشابه بين داعش والوهابية”، يشير الكاتب خالد بن صقر إلى علاقة بين داعش والوهابية لجهة التوسع في القتال والتكفير، وفيها رد على بعض ممّن نفى تهمة علاقة الوهابية بداعش مثل الباحث إبراهيم السكران وحمود العمري .

كذلك تناول هذا الموضوع الباحث عبد الله المالكي من خلال مقالة بعنوان: “داعش وإخوان من طاع الله”، ولا ننسى ردود الأفعال التي نتجت على خلفية مقال للشيخ حاتم العوني والتي دعا فيها إلى مراجعة إرث الوهابية من خلال المدونة الرسمية للمذهب “الدُّرر السنية”، ممذا أدى إلى قيام رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالرد على مقال الشيخ ورد أفكار تنظيم داعش إلى الإخوان المسلمين من خلال مفهوم “الحاكمية” لسيد قطب .

من يدافع عن الوهابية بالمقابل يبدأ دفاعه بالحديث عن الوهابية كحركة سلفية نقيّة نشأت لمحاربة البدع والشركيات، ولم تخرج عن أدبيات وفتاوى أئمة السلف المعتبرين في نشر العقيدة الصحيحة، وأن ثقافة التكفير واستحلال الدماء هي ثقافة أتت من خلال حركة الإخوان المسلمين، ولو كانت الوهابية منظومة تكفيرية؛ فهل علماء المملكة المعاصرين كابن باز وابن عثيمين تكفيريون؟

وبين الاتهام ودفع الاتهام تغيب بعض الأمور التي يجب التركيز عليها في سياق البحث عن ظاهرة الحركات الجهادية وطبيعة نشأتها وسياقاتها التربوية والفكرية، التي لا يمكن إهمال مرجعياتها، ومن ضمنها فتاوى أئمة الدعوة النجدية، وهي واضحة وجليّة. وإن كانت الوهابية لا تتحمل وحدها مسؤولية التفكير والقتل الممارس من قبل تنظيم داعش، فكما أشار الباحث نواف القديمي في مقالة بعنوان: “كيف تشكلت داعش؟”؛ فإنّ حركات التكفير والقتال في المنطقة تختلف فيما بينها لجهة مصادر التأسيس بين الإرث الوهابي، وتراث سيد قطب، وأخيرًا تراث المذهب المالكي الذي شكّل مصدرًا ومرجعيّة للحركات الجهادية في المغرب العربي .

من ضمن النقاط الهامة في بحث علاقة داعش بالوهابية، التفريقُ بين الهدف العام للحركة، والمتمثل هنا بنشر العقيدة الصحيحة والسلوك القويم والتزام النظام كأصول ثلاثة تشكّل أهدافًا رئيسة للحركة الوهابية، وبين علاقة الوهابية بسياقها الزمني المتغير الذي بدأ واضحًا من خلال قراءة لتاريخ الحركة تأثرها بتطورات الوضع السياسي وانعكاساته على الطرح الفقهي، وهذا ما يفسر اختلاف الباحثين في قضية التكفير والجهاد بين من يرى أنّ أئمة الدعوة النجدية لديهم غلو في هاتين المسألتين، وبين من يرى عكس ذلك، وكلا الفريقين يدعم قوله بفتاوى وآراء وتقريرات أئمة الدعوة .

فالوهابية مرّت بمراحل مختلفة بين قوة وضعف، لكن ما يجمع بين هذه المراحل أن الحركة كانت تتأثر وجودًا وعدمًا بالدولة السعودية، فنلاحظ أنّ الدعوة قبل حملة محمد علي كانت تَنْحَى باتجاه المسالمة والدعوة بالحسنى، وهذا ما بدا واضحًا في رسائل محمد بن عبد الوهاب إلى العلماء وتوضيح منهجه ودعوته، أهم هذه الرسائل رسالة وجّهها إلى من يصل إليه من المسلمين وفيها: “فأنا أكفر من عرف دين الرسول ثم بعدما عرفه سبه ونهى الناس عنه وعادى من فعله فهذا هو الذي أكّفرُ، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك .

وأما القتال فلم نقاتل أحدًا إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة وهم الذين أتونا في ديارنا ولا أبقوا مكانًا، ولكن نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة وجزاء سيئة سيئة بمثلها”؛ وهي الرسالة التي تتعارض مع نص عقد الدرعية بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود الذي يحتوي على إرادة غزو وقتال، لكن هذه اللغة ستتغير بعد حملة محمد علي من خلال تبني عقيدة الولاء والبراء، من خلال فتاوى عبد الرحمن بن حسن وحمد بن عتيق وعبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، وذلك في عز انتصار الدولة السعودية الثانية، وتكفير الدولة العثمانية، وتحريم السفر إليها باعتبارها ديارَ شركٍ.

ومع انتشار فتاوى التكفير، إلّا أنّ ذلك لم يمنع من تبني سياسية اللوم بمودة اتجاه من اتصل بالقوات العثمانية من أفراد الأسرة المالكة، ولم يستخدموا سلاح التكفير بحقّه لإدراك الأئمة باستحالة استمرار المذهب بدون التحالف مع الدولة، لكن لم يتردد الأئمة في استخدام هذا السلاح في تكفير القبائل المتحالفة مع الدولة العثمانية مثل قبيلة آل رشيد والعجمان والدويش أو المناطق التي أعلنت العصيان ضدّ الدولة كحائل والأحساء، أو حتّى تكفير المعين من العلماء مثل الدهينة والخضري وولد فيصل بن حميد .

ومع ضعف الدولة السعودية الثانية، ولجوء بعض أمراء آل سعود للاستعانة بالدولة العثمانية، هدأت حدّة التكفير الموجهة إليها؛ فنجد عالمًا مثل عبد اللطيف بن عبد الرحمن يتخذ موقفًا مغايرًا لفتواه بحظر كل اتصال معها ليتخذ في مرحلة أخرى موقفًا يشجع على الاتصال بالعثمانيين على أمل التمكُّن من هدايتهم .

في عهد الملك عبد العزيز، استمرّ شكل المشاركة بين السلطة الدينية والسلطة السياسية طوال فترة تأسيس الدولة في ظل نظام عالميّ بدأ يتشكل ويتخذ شكل التنظيم المؤسسي والعلاقات الدولية، ممّا أدى إلى تصادم النظام السياسي الوليد ممثلًا بدولة أصبح لها حدود دولية وعلاقات مع دول غير مسلمة مع الإخوان الذين تشربوا التعاليم الوهابية وبين سلطة الملك، فماذا كان موقف السلطة الدينية ممثلةً بعلماء الوهابية من هذا الصراع؟

من أشهر المحطات الكاشفة لتأثُّر المؤسسة الوهابية بتطورات السياسة، حادثتان: الأولى، الردود على جملة ملاحظات أبداها قادة الإخوان الوهابيين أمام الملك وهي اعتراضات تستند على فتاوى ومواقف أئمة الدعوة في الدولة السعودية الأولى؛ والثانية، فيما يتعلّق بالعلاقة مع الكفار والسفر إلى ديارهم، ومع ذلك لم تتردد المؤسسة الدينية برد معظم هذه الملاحظات إلى إرادة الملك وقراره. صحيحٌ أنّ العلماء قدّموا مصلحة الاستقرار، إلا أنهم بالمقابل لم يتخذوا موقفًا تجاه فتوى الولاء والبراء والسفر إلى بلاد الكفار الذي تجلى من خلال سفر ابنيْ الملك إلى بلاد الكفار؛ أي مصر وإنكلترا.

أما الحادثة الأخرى، فهي الموقف من العلماء المناوئين للحركة الوهابية، ففي الوقت الذي تمّ تصفية بعضهم بحجة اتصالهم مع أعداء الدولة، مثل العالم عبد الله بن عمرو تمّ تبني سياسة العفو وتذويبهم في مؤسسات الدولة في حق علماء آخرين أيضًا خدموا في ظل دول أخرى لكن لم يعارضوا الدولة السعودية .

في عهد الملك عبد العزيز، ومع استقرار الدولة ودخولها ضمن النظام العالمي الجديد، تقلص دور الحركة في الشأن العام، الذي أصبح يدار بأدوات السياسة الدولية ومصالح الدول، وغابت فتوى الولاء والبراء التي تمس بصورة مباشرة العلاقات مع الدولة غير المسلمة، واقتصار تطبيق هذه الفتوى على الأفراد والحديث العام عن الشرك والبدع إلا من حوادث قليلة كان لصوت العلماء كلمة الفصل على غرار فتوى بدعة الاحتفال بعيد العرش عام 1930م، إلّا أنّ حرب الخليج الثانية أوضحت ارتباكًا في المؤسسة الدينية تجاه الاستعانة بالقوات الأجنبية، وموقف علماء الدعوة الواضح والصريح بعدم جواز الاستعانة بالكفار مثل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن .

فقضية عدم علاقة العلماء المعاصرين بالتكفير يفسّرها حدود السلطة الممنوحة لعلماء الدعوة الوهابية وفق متطلبات السياسة التي تختلف عن شكل الدولة في الدولة السعودية والثانية التي كانت تعيش وفق معادلة حرب الإمارات ودولة المدينة، كما يرى الدكتور خالد الدخيل في كتابه: “الوهابيّة بين الشرك وتصدُّع القبيلة”.

وأخيرًا، مع التأكيد على ضرورة إجراء مراجعات في الفكر الوهابي، إلّا أن ارتباط الحركة بالسلطة السياسية، أدى إلى وقوعها في دائرة البراجماتية التي تتعارض مع دعوة تقدّم نفسها على أنها الإسلام الصافي. وبالتالي، فإنّ تجديد الطرح السياسي لا يقل أهمية عن إجراء المراجعات بعض فتاوى التكفير والولاء والبراء وهي الفتاوى التي تستند عليها داعش في خطابها المعاصر، فهما قبل داعش وأسباب النشأة ومصادر التمويل، إلّا أن القاسم المشترك في تفسير حركات العنف في المنطقة يعود في جزء كبير منه إلى حالة الاستبداد وانسداد أفق العمل السياسي، وهنا تكمن أهمية إجراء مراجعات في الفكر السياسي الوهابي يهتم بتأسيس الحديث حول المشاركة الشعبية ودولة المؤسسات، والحكم الديمقراطي، بعيدًا عن فتاوى التكفير والقتال تحت ظلّ السلطة السياسية.

Print Friendly
يندرج هذا الخبــر ضمن التصنيف: كتابـــات
لهذا الخبر علاقة بــ: إبراهيم المبرك, الوهابية, تنظيم الدولة الاسلامية داعش