رحــلـة في ديوان الـعـرب

الـعـرب , ديوان , رحــلـة , في

رحــلـة في ديوان الـعـرب

.

رحلة في ديوان العرب...
المحطة (1)


""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""

الشعر ديوان العرب عبارة قالها ابن عباس، وقيل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، وأياً كان قائلها فقد كان صادقاً ودقيقاً فيما قال. وهذه العبارة رغم بساطتها تحمل من الدلالات والمعاني ما لا تستطيع حصره مجلدات؛ ذلك أن الشعر سجل حافل بآثار العرب وأخبارهم وسفر جامع لأنسابهم وأيامهم ووقائعهم وحروبهم وأحداثهم وآمالهم وأشواقهم، ويعد بحق وثيقة تاريخية هامة يمكن الاعتماد عليها في التعرُّف على أحوالهم وأوضاعهم وبيئاتهم وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وحياتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والفكريّة.

ومصطلح الديوان فيه دلالة على معنى الكتاب الذي يدون فيه ومعنى المكان المخصص للجلوس، فدلالته على الكتاب أنه حفِظ الأنسابَ وأثبت الأحساب، وأصّلَ الشمائل وأشاد بالمكارم. أما دلالته على المكان فالديوان مكان يجتمع فيه الناس للمشاورة وإبداء الرأي وتدارس الأوضاع التي تهمهم والتباحث في الأمور التي تعنيهم، وكذلك تتم فيه المنادمة والمفاخرة، والمجادلة والمناظرة.









يتبع...

تابع...

رحلة في ديوان العرب...
المحطة (2)


""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""

فكما أن الشِّعر ديوان العرب فهو ترجُمان الأدَبِ، نظم فيه أصحابه عصارة بيانهم وصفوة بلاغتهم، وهو تاريخ وثيق الصلة بكل ما يمت إلى العربي الأول، حوى دقائق لم يتطرق إليها التاريخ ولا فطن إليها المؤرخون، ولا يستطيعون الإحاطة بها كما أحاط بها الشعراء بما دونوه في هذا السجل الضخم الواسع، بل إن الشعر تعدى مهمة التاريخ إلى أبعد مدى وبدا أكثر من كونه تاريخا، فهو يؤرخ للتاريخ نفسه، فكم حادثة أو واقعة عرفناها عن طريقه لا عن قراءة التاريخ. وفي هذا يقول أمير الشعراء أحمد شوقي في كتابه المنظوم: (دول العرب وعظماء الإسلام) في حديثه عن التاريخ:

ومن كريم الشعر والبيان
عينان في التاريخ تجريان

وتدل الشواهد الشعرية العديدة على أن القبائل اهتمت بتقييد أشعار شعرائها، وبعض هذه القبائل كانت تسجل أيضا أخبار حروبها ووقائع أيِامها ومفاخرها ومآثرها وحكمها. قال ابن الرومي:

وما المجد لولا الشعر إلا معاهد
وما الناس إلا أعظم نخرات








يتبع...

تابع...

رحلة في ديوان العرب...
المحطة (3)

"""""""""""""""""""""""""""""""

وعن الشعر قال - صلى الله عليه وسلم -، وهو لا ينطق عن الهوى: «إِنَّ مِنَ البَيَانِ سِحرًا، وَإِنَّ مِنَ الشِّعرِ حُكمًا». وفي رواية: «إِنَّ مِنَ الشِّعرِ حِكمَة». وقد سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - الشعر، وأثنى على من أجاد فيه، فعَن عَمرِو بنِ الشَّرِيدِ عَن أَبِيهِ قَالَ: رَدِفتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَومًا فَقَالَ: «هَل مَعَكَ مِن شِعرِ أُمَيَّةَ بنِ أَبِى الصَّلتِ شَيئًا». قُلتُ نَعَم، قَالَ: «هِيهِ». فَأَنشَدتُهُ بَيتًا، فَقَالَ: «هِيهِ». ثُمَّ أَنشَدتُهُ بَيتًا، فَقَالَ: «هِيهِ». حَتَّى أَنشَدتُهُ مِائَةَ بَيتٍ. رواه مسلم.

وكان - صلى الله عليه وسلم - يهتم بالشعر الجميل ويعجب به ويحب الاستماع إليه ويشيد بقائله، روى ابن حبان في صحيحه عدداً من الأحاديث تبين اهتمام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالشعر، منها: عَن جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ - رضي الله عنه، قَالَ: جَالَستُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَكثَرَ مِن مِائَةِ مَرَّةٍ، فَكَانَ أَصحَابُهُ يَتَنَاشَدُونَ الشِّعرَ وَيَتَذَاكَرُونَ أَشيَاءَ مِن أَمرِ الجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ سَاكِتٌ، وَرُبَّمَا تَبَسَّمَ مَعَهُم.

وعَن أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - أن رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « أَشعَرُ بَيتٍ قَالَتهُ العَرَبُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ: (أَلاَ كُلُّ شَيءٍ مَا خَلاَ اللَّهَ بَاطِلٌ)، وَكَادَ أُمَيَّةُ بنُ أَبِي الصَّلتِ أَن يُسلِمَ».

وأول من بين أهمية الشعر ودوره في تحريك الهمم والحرب النفسية رسول الله، فعَنِ البَرَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِحَسَّانَ: «إِنَّ رُوحَ القُدُسِ مَعَكَ مَا هَاجَيتَهُم».

وعَن عَائِشَةَ – رضي الله عنها - أَنَّهَا قَالَت: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ لِحَسَّانَ بنِ ثَابِتٍ: «إِنَّ رُوحَ القُدُسِ لاَ يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ مَا نَافَحتَ عَنِ اللهِ، وَعَن رَسُولِهِ».

وعَن عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ كَعبِ بنِ مَالِكٍ، عَن أَبِيهِ - رضي الله عنه، قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَد أُنزِلَ فِي الشِّعرِ مَا قَد أُنزِلَ – يعني قوله تعالى: {وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الغَاوُونَ}[الشعراء: 224] فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ المُؤمِنَ يُجَاهِدُ بِسَيفِهِ وَلِسَانِهِ، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَكَأَنَّمَا تَرمُونَهُم نَضحَ النَّبلِ».








يتبع...

تابع...

رحلة في ديوان العرب...
المحطة (4)
""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""

وقال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه:

"علموا أولادكم العوم والرماية، ومروهم فليثبوا على الخيل وثباً، ورووهم ما يجمل من الشعر".

وذكر أنه كتب إلى الأمصار:

"أما بعد، فعلموا اولادكم العومَ والفروسية، ورووهم ما سار من المثل وحَسُنَ من الشعر".

ذلك أن الشعر حافل بوظيفتي الإمتاع والنفع، فهو يطرب ويشجي من جهة، ويربي ويهذب ويثبِّت القيم، ويدعو إلى الأخلاق الكريمة وينفر من أضدادها من جهة أخرى.

قال أبو تمام:

ولولا خلال سنها الشعر ما درت
بغاة العلى من أين تؤتى المكارم










يتبع...