منتدى الآصالةوالتاريخ حريب بيحان
ينتهي : 30-04-2025
عدد مرات النقر : 1,276
عدد  مرات الظهور : 28,943,831

عدد مرات النقر : 4,121
عدد  مرات الظهور : 72,964,188
عدد  مرات الظهور : 68,680,157
قناة حريب بيحان " يوتيوب "
عدد مرات النقر : 2,301
عدد  مرات الظهور : 72,964,990مركز تحميل منتديات حريب بيحان
ينتهي : 19-12-2025
عدد مرات النقر : 3,941
عدد  مرات الظهور : 69,180,917
آخر 10 مشاركات
قراءة في سورة البقرة (الكاتـب : - المشاركات : 2 - المشاهدات : 56 - الوقت: 05:34 AM - التاريخ: 04-20-2024)           »          صـبـــاحكم سكــر // مســـاؤكم ورد معطر (الكاتـب : - المشاركات : 2384 - المشاهدات : 168520 - الوقت: 05:30 AM - التاريخ: 04-20-2024)           »          الاذكار اليوميه في الصباح والمساء (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 542 - المشاهدات : 33600 - الوقت: 08:30 PM - التاريخ: 04-19-2024)           »          عيدكم مبارك ،، (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 1 - المشاهدات : 73 - الوقت: 08:45 AM - التاريخ: 04-10-2024)           »          تحدي المليوووون رد ،، (الكاتـب : - المشاركات : 2049 - المشاهدات : 122955 - الوقت: 05:27 PM - التاريخ: 04-08-2024)           »          ماذا ستكتب على جدران (منتديات حريب بيحان) (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 3179 - المشاهدات : 232140 - الوقت: 05:26 PM - التاريخ: 04-08-2024)           »          تعزية للاخ يمني بوفاة اخيه (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 5 - المشاهدات : 88 - الوقت: 05:53 AM - التاريخ: 04-05-2024)           »          ورد يومي صفحه من القرآن الكريم (الكاتـب : - المشاركات : 93 - المشاهدات : 944 - الوقت: 06:53 AM - التاريخ: 03-23-2024)           »          شهرمبارك كل عام وأنتم بخير (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 3 - المشاهدات : 68 - الوقت: 04:06 AM - التاريخ: 03-18-2024)           »          تدمير دبابة ميركافا الإسرائيلية (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 2 - المشاهدات : 133 - الوقت: 06:53 AM - التاريخ: 03-17-2024)


الإهداءات




ذاكرة الفصول في تراث الساحل السوري


ذاكرة الفصول في تراث الساحل السوري

اعتمد أهالي القرية الساحلية منذ عصور خلت على فراستهم وذكائهم الفطري في تدبر شؤون حياتهم وقد تعمقت خبراتهم في شتى المجالات بما فيها تلك التي يستمر العمل حتى اليوم في

الرد على الموضوع
 
LinkBack خيارات الموضوع
قديم 09-07-2011, 12:44 AM   #1


الصورة الشخصية لـ علاء الدين بشير
علاء الدين بشير غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 48
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 11-05-2017 (06:05 AM)
 المشاركات : 1,119 [ + ]
 تقييم العضوية :  10
 مشاهدة أوسمتي
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
الإفتراضي ذاكرة الفصول في تراث الساحل السوري



اعتمد أهالي القرية الساحلية منذ عصور خلت على فراستهم وذكائهم الفطري في تدبر شؤون حياتهم وقد تعمقت خبراتهم في شتى المجالات بما فيها تلك التي يستمر العمل حتى اليوم في تقصيها اعتماداً على مجموعة من القوانين والظواهر العلمية لتظهر العديد من نتائج هذه البحوث والدراسات الحديثة نتائج مدهشة في تطابقها مع الخبرات الحياتية التي قامت أساسا على فعل الملاحظة والاستقراء لدى الإنسان التقليدي.

وطالت هذه الخبرات أحوال الطقس الساحلي وتقلباته والظواهر الطبيعية المرافقة على مدار العام وهي خبرات أفضت بدورها إلى مجموعة من العلوم الأخرى في مجالات عدة كالزراعة والصيد والرعي وكانت جميعها تقوم على تجارب بسيطة متوارثة من جيل إلى آخر لخصت أحوال الجو والطقس على مدى الفصول الأربعة في السنة.


سُميت هذه التجارب التي أثبتت صحتها على مر السنين بـ الآبيات وقد اعتمدها أهل الساحل في سورية للتنبؤ بما سيكون عليه الطقس في العام التالي فإحدى هذه التجارب كانت تجري تحديدا بعد الثالث عشر من شهر آب من كل عام وفقاً للتقويم الشرقي وتستمر لستة أيام بين الرابع عشر وحتى العشرين منه.

تقابل هذه الأيام الأشهر الستة المقبلة بعد هذا التاريخ فالرابع عشر من آب ينبئ بما سيكون عليه أيلول والخامس عشر يؤشر في طقسه على تشرين الأول والسادس عشر يلخص طقس تشرين الثاني وهكذا حتى نهاية الشهور الستة فإذا كان 14 آب على سبيل المثال ممطرا فهذا يعني أن آب سيكون كذلك وإذا كان 15 آب حاراً فسيكون تشرين الأول مثله والأمر نفسه في بقية الأيام.


هذه التجربة اتخذت شكلاً مختلفا لدى مجموعة أخرى من الناس وإن كانت تقوم على المبدأ ذاته فكان يعمد في الرابع عشر من آب إلى وضع حفنة من الملح على حجر جاف خارج المنزل و تركها حتى اليوم الثاني ليفحص الملح فإذا كان مبتلاً بفعل الندى فهذا يعني أن أيلول وهو الشهر المقابل لهذا اليوم سيكون ماطراً وإذا كان الملح جافا فهي إشارة إلى جفاف طقس أيلول.

وتدوم هذه العملية ستة أيام متتالية تقاس خلالها درجة رطوبة أو جفاف الملح ليستدل منها على طقس الشهر المقابل لكل من هذه الأيام.

وأشارت مصادر أخرى إلى أن الأيام السبعة الأولى من آب الشرقي تعطي فكرة عامة عن طقس الشتاء التالي فإذا كانت حارة جدا فهذا يعني أن الشتاء سيكون ممطرا وإذا كانت معتدلة الحرارة فهي إشارة إلى شتاء معتدل في برودته كذلك عمد الريفيون في الساحل السوري إلى مراقبة حيواناتهم التي كانت تبدي سلوكيات وردود فعل متغايرة يدل كل منها على طقس قادم ما فما إن تنتصب أذان بعض الدواب او يفلي الدجاج ريشه أو يلجأ الذباب للاختباء داخل المنازل حتى يكون المطر قاب قوسين أو أدنى من الهطول والأمر نفسه عندما تسارع أكثرية الطيور إلى التقاط الدهن بمناقيرها من غدة تعلو ذيلها لتدهن بها ريشها فلا يبتل بالمطر.

أما عندما يبدأ النحل بزم أجنحته وتحريكها بسرعة داخل الخلية أو خارجها فهي دلالة على ارتفاع درجة حرارة الجو والأمر نفسه عندما تبرق السماء من جهة البحر فإن الناس تستبشر انبلاج الشمس وانحسار البرد وبالتالي القدرة على إنجاز بعض الأعمال خارج المنزل.


وعمد أهل الريف الساحلي إلى استقراء الرياح والأهوية جمع هواء وملاحظتها وتفسير وجهاتها وما يترافق مع كل منها من أحوال جوية فخرجوا بمجموعة من القواعد والخبرات التي يتم تناقلها والاعتماد عليها بصورة كبيرة حتى اليوم فالهواء الشرقي حسب أسلافنا غالبا ما يكون جافا قاسيا يقود السنابل إلى التلاطم بعضها ببعض فتنفرط حبوبها ويخرب الزرع.. ولذلك فإن الهواء الشرقي هو من الرياح غير المستحبة لا سيما عند المزارع إذ يغدو الحصاد مهمة عسيرة في ظله لأنه يتطلب من الحاصود الكثير من الانحناء نظرا لأن الهواء الشرقي يدفع السنابل إلى جهة واحدة فتميل بشدة على بعضها ويصبح حصادها بالمنجل أمراً بالغ الصعوبة ويقال انه يشقق الأرض وينشفها ويجعل الحب قاسياً كما يجفف الشجر ويرمي ثمارها وأوراقها حتى لينكسر العود اليابس من جراء نفسه.

أما الهواء الغربي أو البحري فهو يجعل الطقس لطيفاً ندياً تطول فيه وتنمو النباتات والحشائش والأزهار وتعقد الثمار وهو يمنح المخلوقات كافة رطوبة لأجسامها واعتدالاً في حرارتها وهناك الهواء القبلي أو الجنوبي الذي ينبئ بقدوم المطر وبالعواصف الشديدة فما أن يهب هذا الهواء حتى يمتنع الصيادون عن الإبحار إذ يضطرب البحر وتثور أمواجه فتتكسر الزوارق الصغيرة وتقتلع أشرعتها.


ودرج العرف الساحلي لدى هبوب الهواء البحري على تفادي ما يسمى بالتنين وهو العواصف الشديدة المصحوبة بالمياه وقيل قديماً إن التنين يتكون من غيوم كثيفة جداً تلتف مع الهواء الشديد فتسحب معها الرمال والأصداف والطحالب والأسماك في قاع البحر.

كما تستطيع حركة التنين الدائرية القوية أن تقتلع في طريقها أشجاراً لها من العمر ثلاثون عاماً إلى جانب اقتلاع البيوت ورمي حجارتها بعيداً وفي ما يتصل بالهواء الشمالي فما أن يهب حتى يتوقف سقوط المطر وتطيب السماء لكن رياحه تبقى جافة فيتشقق الجلد ويقال إن الجروح لا تجف ولا تندمل بسرعة وقت هبوب الهواء الشمالي من شدة جفافه حتى أن أعواد الدبق التي تستعمل لصيد الطيور تجف فلا يعلق الطير عليها.


وقد صنف أهل الساحل السوري منذ القدم مجموعة الظواهر والأحوال الجوية المتكررة عاما بعد عام وأطلقوا عليها الأسماء والصفات التي تشي بطبيعتها وما يترافق فيها من عوامل جوية قاسية تستدعي الحيطة والحذر والتزام ما يمكن من تدابير لتفادي آثارها السلبية فعرفت مربعانية الشتاء ومربعانية الصيف.

وتشير الأولى إلى الفترة الأشد برودة خلال العام حيث تنخفض فيها الحرارة إلى مستوياتها الأدنى على طول الساحل السوري وتمتد من الحادي والعشرين من كانون الثاني وحتى أول شباط من كل عام وتشير مربعانية الصيف بالمقابل إلى الفترة الزمنية التي يكون فيها الحر على أشده وتمتد من أول تموز من كل عام وحتى العشرين من آب وهناك السعودات التي تأتي في العشر الأخيرة من شباط وأولها سعد دابح الذي سمي كذلك لشدة برده وزمهريره ثم سعد بالع الذي تشتد فيه الأمطار وتبتلع الأرض مياهها ثم سعد الأخبية وتخرج فيه الناس من بيوتها والزواحف من أوكارها والحيوانات من مخابئها بعد البيات الشتوي الطويل ليأتي بعد ذلك سعد السعود وهو كناية عن سعادة الناس وفرحها بقدوم الربيع وحلول الدفء.

أماالمستقرضات وهي الأيام الثلاثة الأخيرة من شباط حسب التقويم الشرقي وتسمى العجاز أو العجوز لأنها تأتي في عجز الشتاء تليها الشيوخ أو الحسوم وهي الأيام الأربعة الأولى في آذار ويقال إن شباط يقترض من آذار هذه الأيام التي يشتد فيها المطر والبرد وتهطل الثلوج وتشير الخبرة التقليدية إلى أن أيام العجاز هي الأفضل للزراعة حيث يثمر الشجر بغزارة وتثبت ثماره في حين انه في الأيام الشيوخ فإن الشجر يزهر ولا يثمر مهما امتد به العمر ، وأخيرا ما يسمى بـ جمرة السخنة وهي أطول فترة في السنة تمتد من بداية آذار إلى أوائل تشرين الأول ويسود فيها الدفء فتظهر أول إشاراتها عندما يخرج دود الربيع بوبره البني المخملي المنقط بالأصفر من غلالاته الشفافة اللامعة ليتجول في أشعة الشمس في إشارة إلى بداية الربيع.


`h;vm hgtw,g td jvhe hgshpg hgs,vd



 


الرد باقتباس
قديم 09-07-2011, 12:45 AM   #2


الصورة الشخصية لـ علاء الدين بشير
علاء الدين بشير غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 48
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 11-05-2017 (06:05 AM)
 المشاركات : 1,119 [ + ]
 تقييم العضوية :  10
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
الإفتراضي



تداول أهل الساحل السوري منذ قرون طويلة العلوم الفلكية بمفهومها التقليدي البسيط وما انطوت عليه من أخبار الأبراج والنجوم والقمر والجهات وكانت هذه العلوم بشكلها البسيط البعيد عن البراهين والتفسيرات العلمية آنذاك جزءا لا يتجزأ من حياتهم اليومية فلا يقومون بعمل مهم ما سواء كان تجاريا أو زراعيا أو اجتماعيا دون دراسة نتائجه المتوقعة ومدى صوابه حسب العرف الفلكي التقليدي السائد.

ويعتبر القمر سيد الأيقونات الفلكية سواء في العلوم الحديثة أو في العرف التقليدي لأهل الساحل في سورية وسواهم فترتبط به الكثير من الظواهر والسلوكيات الإنسانية والحياتية والطبيعية ويستدل بواسطته على العديد من الأقدار والمستقبليات المتوقعة في حياة الناس على مختلف أجناسهم.

أهل الساحل استرشدوا بالقمر في تأدية الكثير من أعمالهم وإدارة شؤونهم الحياتية فساد لديهم إعتقاد قوي بما يسمى الأيام البيض أو الأيام الطيبة وهذه الأيام هي السابع والثامن والتاسع والسابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر والسابع والعشرون والثامن والعشرون والتاسع والعشرون من كل شهر قمري وتعد هذه الأيام الأفضل لإنجاز الأعمال المهمة فيستحب فيها الزواج والخطبة والسفر والبناء والزراعة والانتقال إلى مسكن جديد.


ومن الأيام الطيبة الخاصة هناك أيضا أيام اكتمال القمر أي الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر من كل شهر إلا أن هذه الأيام في المعتقدات الساحلية ورغم أنها مباركة إلى حد كبير إلا أنها تستوجب كما يقال أن يكون الإنسان أديبا تجاهها فلا يصح في أي منها الاحتفال بالمناسبات الاجتماعية أو السفر أو الغسيل أو شراء الخيول أو جني المواسم بل يجب تأجيل هذه الأعمال إلى وقت آخر.


لطالما لجأ الفلاحون إلى الزراعة في أول الهلة أي عند طلوع القمر ولاسيما في أيام الأول والثالث والسابع والتاسع من الشهر القمري فهي تنجح في هذا الوقت نظرا لأن الأرزاق كما يقال تنمو وتكتمل بنمو القمر واكتماله والأمر نفسه لدى جلب العروس إلى المنزل حيث يتم اختيار أحد هذه الأيام لهذا الغرض وأيضا في الانتقال إلى منزل جديد فلا يدخل إليه كما درج العرف الساحلي حتى لو كان مقبيا بسبع قبب إلا في يوم طيب.

وعرف أهل الساحل ما يسمى أيام النقصة وهي الأيام التي يبدأ فيها القمر بالتراجع والنقصان وقد عرفت مواليد هذه الأيام بالذكاء والحكمة وقوام السلوك وكانت صفات الشخص وطبائعه تدرس بناء على يوم مولده كما يحدث اليوم في أحدث العلوم والدراسات الفلكية حيث تربط حالة المواليد بالقمر وتحولاته من زيادة ونقصان.


وفي أيام النقصة هذه تصح أعمال ويتم تجنب القيام بأخرى فعادة ما يقوم أهل الريف في هذه الأيام بتجفيف كل ما يلزم من خضروات للمؤونة الشتوية كالبامياء والفاصولياء والبانجان واليقطين واللوبياء والأمر نفسه بالنسبة لجرش البرغل وسلقه وتجفيفه وحفظ الليمون الحامض في الرمل وقطف الزيتون وجمعه وكل ما قد يتسرب الدود إليه أو يرجح تلفه.


واعتمادا على هذه القاعدة لا تقطع الأشجار التي ستستعمل لسقف البيوت إلا في النقصة أي بعد سبعة عشر يوما من عمر القمر لئلا يتسرب الدود إليها من ناحية ولأن الخشب الذي يقطع في النقصة يغدو كالحديد حسب اعتقاد الساحليين في سورية لأن المياه في نسغ النباتات تكون قليلة في هذه الأيام وهي كما هو معروف مصدر التسوس.

من هذا المنطلق يعمد الناس إلى قلع البصل والثوم في الفترة الممتدة ما بين الثامن عشر من أول هلة للقمر وحتى التاسع والعشرين منه حيث يكون الماء آخذا بالتراجع والنقصان.


وكان محبذا في هذه الفترة ممارسة أعمال وتدابير معينة كقص الشعر الذي غدا ضعيفا ومتقصفا كي يعاود النمو تبعا لسريان الماء في الطبيعة في الفترة التالية للنقصة وأيضا كي الجروح وتطبيق الحجامة ومداواة أمراض باطن الفم كالقلاع وزهرة الحليب التي تصيب الرضع.. و بالطبع قابلت الأيام البيض أيام محظورة أو كما تسمى بالعامية الريفية المحدرة وعددها سبعة وفيها يتم التوقف عن فعل أي من الأعمال المهمة تحديدا في الثالث والخامس والثالث عشر والسادس عشر والحادي والعشرين والرابع والعشرين والخامس والعشرين من الشهر القمري.


وعمد أهل الساحل السوري منذ آلاف السنين إلى ربط الإنسان ومصائره المختلفة بحركة النجوم والأبراج والأجرام الفلكية فعرفوا الكواكب والأبراج الإثني عشر وأسماءها موردين إياها بالشكل التالي.. الحمل..الثور..الجوزاء..السرطان..الأسد..العذراء..سن بلة..ميزان ..عقرب..جدي..دلو..حوت ومنهم من أوردها بترتيب مختلف.

وقد وضعوا للحروف المعجمية قيما عددية مشكلين ما يسمى فلكيا بـ الجمل الصغير .

بعد ذلك كانت هذه الأرقام كما تطبق على اسم الإنسان ونسبه وفق عملية حسابية معينة لاكتشاف طالع الشخص وربط مجريات حياته بالنجوم وقد اعتمدت هذه الطريقة ولا تزال من قبل أهل الساحل السوري وغيرهم لتقويم أعمالهم وأحوالهم الحياتية وطبقت بشكل واسع في أمور كثيرة كالزواج والتجارة والسفر والمرض عن طريق ما يسمى شرح البرج لاكتشاف ما إذا كان هوائيا أو ناريا أو مائيا ودراسة صفاته واقتراح ما ساد الاعتقاد بقدرته على حل ما هو مستعص.

ورغم ما يراه كثيرون من أن هذه السلوكيات هي مجرد بدع وهرطقات لا أساس لها من الصحة والعلم إلا أن العلوم الحديثة تؤكدها يوما بعد يوم وقد رأى أسلافنا الساحليون منذ أمد بعيد أن كل ما يقومون به في هذا المجال هو نوع من التواصل مع القدرة العليا وإيمانا منهم بأن الكون كله وحدة متصلة يؤثر كل من عناصرها في الآخر.


إن هذه المعارف التقليدية قد تجسدت في حياة أهل المنطقة الساحلية وتعمقت حتى صارت مفرداتها جزءا من التراث الفني الساحلي فترددت أسماء النجوم والكواكب والأشهر القمرية والجهات الأربع في زجلهم وأشعارهم وفي أغاني ومواويل العتابا والميجانا والزلف والبيا.. ودخلت كذلك إلى صلب أمثالهم الشعبية ومصطلحاتهم وأوصافهم وتعابيرهم الكلامية ترسيخا لعمق هذه المعارف والخبرات.

فذكروا الشمس والقمر في الزغرودة التالية يا عروسنا شوفي القمر خجل منك.. ويا ورد فتح عا خدك وعا تمك.. والشمس أخدت نورها منك.. بيك بيفرح والهنا لأمك وأوردوا الهلة والأشهر القمرية في الموال ومنه هلي يا دموع العين هلي.. حتى تنقضي تسعين هلة وبالله يا دموع العين هلي.. وابكي عالصباح وعالمسا .

ووردت النجوم والكواكب في العتابا كما في آه يا خي شوف قوم يا خي شوف.. لبست للدهب سبع تمان صفوف.. علوا يالمحبوب تنظرها وتشوف.. خدا نجم سهيل الغرار بينا أما عن الجهات فقد غنى أهالي الساحل و قالوا يا زين يا زين أهلك رابطين شمالا.. تا روح قبلي وقلبي ملتفت لشمال .

وفي الأيام المحظورة قالوا شعرا توقى من الأيام سبع كوامل.. لا تبتغي فيهن بيع ولا سفر ولا تحفرن بيرا ولا دار تشترى..ولا تقرب السلطان فالحذر الحذر فثالث وخامس ثم ثالث عشر.. وسادس عشر جاء يا صاحب الحشر .. والواحد وعشرين احذر شره.. ورابع وعشرين والخامس في الأشهر ..فاحذر ما استطعت منهم لأنهم.. كأيام عاد لا تبقي و لا تذر .



 


الرد باقتباس
قديم 09-07-2011, 12:47 AM   #3


الصورة الشخصية لـ علاء الدين بشير
علاء الدين بشير غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 48
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 11-05-2017 (06:05 AM)
 المشاركات : 1,119 [ + ]
 تقييم العضوية :  10
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
الإفتراضي



يحتل البحر مكانة روحية عميقة في وجدان أهل الساحل السوري وتعبق ذاكرة الناس في هذه المنطقة بقصص البحر و حكاياه وأخباره من تلك التي عايشوها أو تناقلوها جيلاً بعد جيل حتى صار هذا الأزرق بكل شطآنه و موجه و مراكبه متنا لحياة الناس وأعمالهم و أرزاقهم و ملتقى لأهله و حاضناً لهم و حاملاً لجملة واسعة من الطقوس والعادات و المفاهيم المرتبطة به.

ويعتبر الصيادون أبناء البحر الأكثر علما بخباياه و أسراره وأحواله بين ساعة و أخرى فطالما كان مصدراً لأرزاقهم و لقمة عيشهم و حائلاً بينهم و بين العوز و الجوع و الحاجة ما جعلهم يحفظون خارطته على اتساعها و يدركون لغته على كثرة أبجدياتها فلا يفوتهم من أحاديثه أو أخباره أو أحواله من شيء.


يطيب للبحار الهواء القبلي لأنه غالباً ما يكون دافئاً يعيد الصياد إلى المكان الذي انطلق منه و لو انقطع في عرض البحر و هو مناسب للصيد لأن الطقس يكون فيه لطيفاً معتدلاً أما الهواء الشمالي ويسميه الصيادون الأرماني أو التحتاني فهو هواء قوي و جاف شتاء و إذا حدث و رافقه المطر فإن السماء غالباً ما تثلج فلا يصلح هذا الهواء للصيد لأن السمك حسب قولهم لا يتحرك في الماء لشدة برودته.

والأمر ذاته لدى هبوب الهواء الشرقي الذي يسميه أهل الساحل بارد شلوق حيث يتعذر الصيد فيه لأن الأمواج كما يقول الصيادون تتراقص علواً و هبوطاً ما يؤرق البحارة و يزعجهم خلال الصيد أما الهواء الغربي فيسمى "البوغاظ" و كان القباطنة يحسبون له كثير حساب فيما مضى إذ تهتز سفنهم و زوارقهم البدائية الصنع لدى هبوبه.

ولأن البحر يقع في الجهة الغربية من مدينة اللاذقية فقد سمي ميناء اللاذقية القديم بـ باب البوغاظ و مازالت تلاحظ حتى اليوم في ذلك المكان الحلقات الحديدية الكبيرة التي كانت تستعمل لرسو السفن من أيام الفينيقيين وقد جاء الموال الساحلي في سورية على ذكر الهواء الغربي فغنى أهل الساحل..نسم يا هوا الغربي تحرك..لطم في جانبك يا بحر حرك .. يا شهر الصيف فارقنا ما حلك ..تغير لون حبيبي من التعب.. وقد عرف البحارة منذ القدم أماكن الصيد في البحر كما يعرف الإنسان كف يده فهناك ما أسموه المحجر و حرف السنارة و الضهر والجون و عرفوا أيضاً أحوال البحر كافة و منها النو التحتاني وهو الموج غير المتلاطم الذي يسبب إزعاجاً كبيراً للبحارة لأن حركته تكون داخلية و هو يحدث غالباً عندما يهيج البحر و ترتفع أمواجه.


وعندما يحدث هذا النوء يلجأ الصيادون إلى ما يعرف بـ تحصيل الفلايك أي رفع القوارب من الماء حتى لا تتحطم من جراء ارتطام الموج القوي و الهواء الجامح.. فكان البحارة يجتمعون لهذا الغرض و يقومون بدفع الزورق رويداً رويداً و على خمس دفعات يقفون في كل واحدة منها و يغنون..هيه..ليه..يد الله..هيه ليه.. يا مسعود.. يدك معنا..هيه ليه يا خضر.. هيه ليه.. يا بطرلي..

وفي النوء تتوقف البواخر في عرض البحر كما تضيف الشويكي ويرسو السمك إلى القاع فيستحيل صيده و تزداد وطأة الطقس و شدته على البحارة فيما يسمى بفرتونة آذار و هي فترة يحسب لها الصيادون كثير حساب لما تشهده من عواصف و أعاصير قوية فيسارعون فيها إلى تحصيل الفلايك و رفع زوارقهم من الماء كي لا تحطمها الأمواج و تأتي الفرتونة في السابع عشر من شهر آذار حسب التقويم الشرقي و ربما تقدم أو تؤخر أسبوعاً من الزمن.

ويتعذر الصيد أيضاً في القريات و هي حال تظهر فيها الغيوم من الشرق و ترتفع الأمواج و كذلك عندما يرتسم قوس القزح في السماء قبلة و شمالاً ما ينبئ بأمطار و ريح لكن الفترة الأخطر في الصيد البحري تكون عندما يبدأ ما يدعى السيكا و هو تيار بحري يبدأ من عرض البحر متجهاً إلى الشاطئ و يعود بشكل دائري وهي حركة بحرية تتسم بالخطورة العالية على الصيادين و أصحاب الفلايك وكل من يحاول السباحة أما في الغلينة فتهدأ الريح ويهدأ معها البحر و يسكن و تعتبر وقتاً مثالياً للصيد.

وتكثر العواصف كذلك فيما يسمى باللغة البحرية بأيام الحصون وهي أيام العجاز أي الأيام الأربعة الأخيرة من شباط و الثلاثة الأولى من آذار و يغني فيها الصيادون في دلالة على صعوبة الصيد في هذه الفترة الدلعونا التالية ..البحر يخابط .. البحر يخابط ..مركب حبيبي بالمينا رابط..ليرة مجيدي مني للضابط..يوصل مكتوبي للي يحبونا..

وهناك كذلك التنين حيث العواصف الشديدة المصحوبة بالأمطار.

ويُقال أن التنين حمل مرة معه زورقاً يزن أربعة أطنان ليرميه في مكان آخر و كان يتحرك بشدة رافعاً معه كل ما يحويه قاع البحر و الموج و الهواء حيث شوهدت الأسماك في إحدى هذه المرات مرمية على الأرض في محلة الشيخ ضاهر في اللاذقية بعد أن رفعها التنين من عرض البحر إلى هناك.

ومن قصص الصيادين قديماً أيضاً أنهم كانوا يتصارعون و يتسابقون مع كلب البحر للفوز بالسمك عندما يتم الصيد بواسطة الديناميت فكان كلب البحر يحضر بسرعة البرق إلى مكان الصيد و يلتهم السمك المصاب قبل أن يجمعه الصيادون فيحصل على النصيب الأكبر و تروى العديد من الحكايات عن صيادين فقد واحدهم يداً أو أحد أعضاء جسده وهو يحاول التصارع مع كلب البحر لتحصيل حقه من السمك المصاب.

ويروى كذلك أنه منذ ما يقرب من خمس و عشرين سنة ألقى البحر على شاطئ رأس البسيط في اللاذقية سمكة نافقة من نوع السفرنة يصل طولها إلى خمسة عشر متراً و تقدر شوكتها الظهرية البيضاء بحجم شراع زورق و صادف هناك وجود أحد المصطافين من حلب فطلب إلى أحد الأشخاص من المنطقة أن يجردها من اللحم ليأخذ عظامها مقابل مبلغ مجز من المال و كانت النتيجة أربعاً و أربعين فقرة كل منها باتساع قاعدة كرسي خيزران حولها المصطاف الحلبي لاحقاً إلى طقم كراسي و طاولات فريد من نوعه وصل سعره نقلاً عن أحد الذين شهدوا الحادثة إلى 600 ألف ليرة سورية آنذاك و يقال إن رائحة السمكة بقيت عالقة في المكان لما يزيد عن ستة أشهر.


و تتنوع قصص البحر التي تروي صيد أسماك اكتشف في جوفها لدى تفريغ أحشائها أعضاء بشرية لأشخاص قضوا غرقاً في البحر إثر السباحة أو من جراء غرق سفينة من السفن كما يشاهد في جوف الأسماك ولاسيما القرش الكثير من الأشياء الغريبة أو من حمولات السفن التي ترمي ما ينفق من حيوانات على متنها أثناء الإبحار و تحتفظ ذاكرة الصيادين بقصة البحار الذي اهتزت صنارته بقوة شديدة عندما علقت بها سمكة ضخمة فلم يطق انتظاراً حتى يرفعها من الماء خوفاً من هروبها و رمى نفسه في الماء محتضناً إياها بكل ما أوتي من قوة و عزيمة.. و ظل يتصارع معها لساعات في البحر مبتعداً عن زورقه إلى عرض البحر حتى جزم رفاقه على متن المركب بغرقه و عادوا أدراجهم ليلتقطه و صيده الثمين بعد ساعات مركب آخر و كان قد أضناه التعب إنما دون أن تفلت السمكة من عناقه الطويل حتى تلك اللحظة ليحكي لاحقاً بفخر و حماس عن انتصاره الكبير في صيد السمكة التي بلغ وزنها خمسة و خمسين كيلوغراماً و كانت بالنسبة له كما تروي الشويكي قصة انتصار على البحر و موجه الهادر و طعام الأولاد و كسوتهم ما دفعه للمجازفة بحياته كي لا تلفت منه..

ويقول الصيادون إن البحر و الصيد يوحد بين رجاله بشكل لافت ولاسيما عندما يبتعدون لساعات في عرضه فيمد واحدهم يد العون إلى الآخر عند الحاجة حتى لو كان بينهم عداوة على اليابسة والصيد في نظرهم متعة و هواية و مصدر رزق لكنه يغدو أحياناً عملاً شاقاً لما يعتمل فيه من متاعب و مخاطر خاصة عندما يكون الطقس رديئاً وغير آمن حتى درجت في العرف الساحلي مقولة ..إذا كرهت إنساناً أرسله للصيد.


ومن العادات القديمة المرتبطة بالبحر أن الفتاة التي تأخرت في الزواج تذهب إلى شاطئ البحر وتردد .. يا بحر جيتك زايره .. وأنا بأمري حايره.. كل البنات تخطبوا.. و أنا لساني بايره.. في إشارة لما يتسم به البحر و ما يدل عليه من أنه كان و مازال كاتماً لأسرار أهله و مفرغاً لأحزانهم و أوجاعهم وقت الضيق.

وكان الفنار أو المنارة من أهم المفردات البحرية في البيئة الساحلية حيث يشاهد في الأماكن المرتفعة على ساحل البحر كبرج عال يهدي السفن من خلال قنديل من الزيت أو الشمع يضاء فيه خلال الليل و لم يتبق من تلك الأبراج اليوم سوى البرج الذي يجاور الطريق تحت قلعة المرقب قبيل مدينة بانياس و قد ذكر الفنار كثيراً في الدلعونا الساحلية و منها في محاورة طويلة بين السمراء و الشقراء ينهيها القاضي بقوله..بعق القاضي أنا المحتاري .. السمرا و البيضا ضيعوا أفكاري.. حدك يا بيضا يا ضو فناري و ريقك يا سمرا ورد المشموما.



وفي الأمثال التي تداولها أهل الساحل السوري و استقت محتواها من عالم البحر و أحواله يقال ..البحر إذا أعطى بهر و إذا أخذ بحر.. في دلالة على كرمه إذا أعطى و غدره إذا أخذ.



ويقال أيضاً .. اللي بيشرب البحر ما بتغصصو الساقية في إشارة إلى عزيمة من يقوم بالأعمال الكبيرة فلا تفتر همته عن الصغيرة منها و قيل أيضاً لمن ينتظر شيئاً لن يأتي ..مثل اللي ناطر سمك ببحر.. و في الدعوة إلى العمل قال أهل الساحل .. ياللي بدو ياكل سمك لازم يبل جسمو.

وقالوا أيضاً في وصف طبائع الأشخاص .. فلان بحر ما لو قرار .. فلان بحر علم .. فلان موجة بتاخدو و موجة بتجيبو.. فلان طلع على دفة من البحر..فلان نشف البحر.. فلان بياخدك عالبحر وبيرجعك عطشان .. فلان ما بيجي نقطة ببحر فلان.. فلان عنده البحر للخلخال.. و هناك كذلك .. البحر خزانة الفقير .. وزع البحر سواقي و شوف شو بتلاقي..لا تخاف إلا من البحر الجامد.. ومن أسماء البحر كما يرد في البيئة الساحلية و في سواها .. اليم و الجواد و القاموس والنوفل .. ويقال عن ساحل البحر السيف و جمعه أسياف و يدعو الكثيرون المرفأ البحري في الساحل بالسيف .. و تعددت الأغاني في وصف البحر و عوالمه السحرية فقالوا في الليا عن المراكب.. قومي العبي ما بلعب .. من كتر شغالك بتعب ..بيك رايح عالمركب ..حطي الخشب عالمياً.. و من الدلعونا نذكر..يا حب الآسي يا حب الآسي..مركب حبيبي بالمينا راسي..يوما يا يوما بيوجعني راسي.. صايبني هوا فطيما وأمونا.



 


الرد باقتباس
قديم 09-07-2011, 12:49 AM   #4


الصورة الشخصية لـ علاء الدين بشير
علاء الدين بشير غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 48
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 11-05-2017 (06:05 AM)
 المشاركات : 1,119 [ + ]
 تقييم العضوية :  10
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
الإفتراضي



تنوعت الخبرات التقليدية لدى أهل الساحل السوري لتشمل الجوانب الحياتية بما فيها تلك التي تتعلق بالحكمة الشعبية والتداوي من الأمراض المختلفة وكان من تلك العلوم ما سبق عصره بمراحل متعددة ليؤرخ لأساليب وطرق علاجية عادت لتوضع قيد الاستخدام في العصر الحديث بعد سلسلة من الدراسات والتجارب التي قامت على أسس علمية أثبتت عمق تلك المعارف وصحتها ولازال الكثير من الأهالي يلجؤون اليوم إلى الكثير من هذه العلوم للاستشفاء من أمراض عديدة.

الحكيم كان يحتل مكانة اجتماعية رفيعة في الحياة الشعبية إذ كان ملاذاً للمرضى وكل من أعياه السقم وطول المعاناة من وجع ما و قد استخدم الأجداد الساحليون من الحكماء أكثر من طريقة للمداواة فبرزت الحجامة كواحدة من الأساليب الناجعة في معالجة عدد كبير من الأمراض ولا سيما الصدرية منها.




الحجامة التي هي عبارة عن مجموعة من الكؤوس الزجاجية الرقيقة ذات الفوهة الضيقة و النهاية المنتفخة والتي عاد الطب البديل ليسلط الضوء عليها اليوم كانت شائعة الاستعمال آنذاك خاصة في فصل الشتاء حيث البرد و كثرة الأمراض الصدرية التي ترافقه فكان يؤتى بهذه الكؤوس لتوضع في كل منها ورقة صغيرة مشتعلة يسارع قبل انطفائها إلى وضع فوهتها بإحكام على ظهر المريض فتلتصق به من جراء الجيب الهوائي الصغير الذي خلفته النار المشتعلة.

وبعد انفصال الكؤوس عن الجلد المحمر يعمد إلى إحداث جرح بسيط في كل من المناطق التي تحدبت بفعل الحجامة ليسيل الدم الذي يعتقد أنه يخفف الاحتقان وهناك من كان يستخدم هذه الكؤوس دون إحداث جروح أو تشطيبات في الظهر فيكتفي بعد انفصال الكؤوس بتدليك الظهر لتنشيط الدورة الدموية فيه في الجهة المقابلة للصدر وكانت الحجامة تستخدم لمعالجة أمراض الرشح والسعال والتهاب الرئتين والأمراض القلبية.

أما الطريقة الثانية التي كانت تتبع أيام زمان فهي الكي ولا سيما في أمراض المفاصل والروماتيزم وتستخدم لهذا الغرض قطع قطنية صغيرة متطاولة الشكل يتم إشعالها ووضعها على الجلد مباشرة لتحدث حرقا متفاوت العمق توضع عليه فلقة من الحمص المنقوع مسبقا و تعمد حبة الحمص هذه إلى امتصاص إفرازات الجلد المحروق على مدى فترة من الزمن قد تطول لأسابيع عدة حيث يعتقد أن هذا الإجراء يفرغ المكان المنشود من آلامه.

وبالنسبة للتجبير لمعالجة الكسور كان الحكيم يحضر الجبيرة من خلال مزج الصابون المبشور بالبيض و النشاء لوضعها على العضو المكسور بعد إسناده إلى خشبة و تثبيت طرفي الكسر إلى بعضهما البعض وبعد اكتمال الشفاء تزال الجبيرة بالماء الفاتر وكانت تعالج الرضوض بتدليكها بقطعة من صابون زيت الزيتون بعد تمريرها عدة مرات على المكان المقصود ثم تطبق عليه لصقة من النشاء أو يتم لفه بقطعة من القماش القطني بعد تثبيته إلى قطعة خشبية.

الوشم العلاجي كان أحد الطرق المتبعة أيضا للتداوي من أمراض عرق النسا وأمراض المفاصل والرأس عامة ويتم الحصول على المسحوق المستخدم للوشم من هباب زيت الزيتون الكثيف المشتعل بعد تجميعه في قدر من الفخار ثم تؤخذ مجموعة من الإبر الدقيقة بعد حرق رؤوسها بالنار لتعقيمها ثم تربط بإحكام إلى بعضها البعض بواسطة خيط ثم تغمس نهاياتها بالهباب بعد دهن المنطقة المراد علاجها بالزيت لتغرز ويبدأ المعالج بتطبيقها في المكان المعين غارزاً الإبر في الجلد بعمق بسيط جدا ليتخلله الهباب الأسود.

كان يعمد كذلك إلى العلاج بالرقية والقرآن الكريم في العديد من الأمراض وكان يختار لهذه الطريقة أحد الشيوخ الصالحين ممن ذاع عنه حفظه القرآن عن ظهر قلب وعلمه الواسع بالرقية النبوية و الأدعية التي تردد فيها و استخدمت هذه الطريقة لعلاج أمراض بعينها ولا سيما أمراض العيون وأمراض التنفس وآلام الولادة والأمراض النفسية التي كانت غالباً ما ترد في العرف التقليدي إلى الحسد أو ما يسمى بـ النضرة.

ودرج أيضاً على استخدام العسل في التداوي التقليدي كما أوضح أبو غازي سواء عن طريق الأكل أو الدهن و قد استخدم العسل على نطاق واسع لمداواة أمراض الحنجرة و الأذن والأمراض الصدرية والجروح على أنواعها كما استخدم زيت الزيتون لأغراض علاجية عن طريق الأكل أو الدهن أيضا ولا سيما في علاج التشنجات العضلية وآلام المغص والداحس.

كما استخدم الطين لعلاج لسعات النحل و العقارب أما في لسعات الأفاعي فكان يعمد إلى ربط العضو المصاب من الجهة القريبة من القلب لتقليل سرعة تدفق الدم إليه خوفا من انتقال السم بينما يتم مص السم في مكان اللسعة من قبل أحد العارفين بهذه الطريقة بواسطة الفم.


أكثر الطرق سهولة وتداولاً في الاستشفاء الشعبي كانت باستخدام الأعشاب والنباتات ذات الفائدة الطبية والتي عادت اليوم إلى الاستخدام على نطاق واسع من قبل كبريات شركات تصنيع الأدوية وأهمها الزعتر لعلاج آلام الصدر والحنجرة والاحتقان والسعال وعرق التين لتخفيف أوجاع الأسنان وعصير الطيون لعلاج القرع والزوفا للرشح وزهر الزعرور للربو والسكري والطيون لتقبيلة السخونة والديس للعيون والقريص للقلاع وأوراق التوت للدمامل والبثور.


أهم ما وصلت إليه الحكمة الشعبية في الساحل السوري كان يتصل باللقاحات التقليدية لعدد من الأمراض في زمن كانت تنتشر فيه أنواع كثيرة من العدوى ومنها عدوى الجدري الذي استخدم حكماء الساحل طريقة مدهشة تقي أبناءهم الدرجة المتقدمة من المرض.. فكانت الأمهات ولدى علمهن بإصابة أحد الأطفال بالمرض يهرعن إليه فتأخذ الواحدة منهن شيئا من إفرازات البثور التي تنتشر على جسد الطفل باستخدام إبرة نظيفة وجمع هذه الإفرازات في قطعة قطنية صغيرة لتعود إلى أطفالها وتبدأ بوخزهم بشكل خفيف بالإبرة الملوثة في مكان يتم انتقاؤه مخفياً كجلدة الرأس أو بين الأصابع و بالتالي فإن المرض يظهر بعد وقت على شكل بقعة حمراء صغيرة في المكان الذي تم نقل العدوى إليه دون أن ينتشر على باقي أنحاء الجسم و بهذا تكون الأم قد جنبت طفلها الجدري الحاد وما يرافقه من أعراض مزعجة و آثار لاحقة ووفرت له مناعة دائمة من المرض.


أساليب كثيرة أخرى كانت تتبع للاستشفاء كالاستحمام بماء البحر لمعالجة الأمراض الجلدية أو الحبوب التي تسببها الحرارة والحميات المترافقة مع بعض الأمراض واستخدام العلق للتخلص من الأورام الدموية الناتجة عن الجروح والرضوض المختلفة والحبر لعلاج أبو كعب ورفع اللوزتين المتضخمتين بواسطة الأصابع وعجائن الزيت للصلع ونشارة الصنوبر للحروق والنشاء للطفح الجلدي وزيت الغار لتقوية بصلات الشعر الضعيف و الكحل لأمراض العين.



 


الرد باقتباس
قديم 09-07-2011, 12:50 AM   #5


الصورة الشخصية لـ علاء الدين بشير
علاء الدين بشير غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 48
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 11-05-2017 (06:05 AM)
 المشاركات : 1,119 [ + ]
 تقييم العضوية :  10
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
الإفتراضي



الملاحة البحرية في سورية بين الماضي والحاضر


عرف سكان الساحل السوري الملاحة البحرية منذ القدم حيث كان السفر عبر البحر مهنة للعديد من أبنائه الذين تعلموا أصولها وورثوها لأبنائهم إلا أنه ورغم المتعة التي يقدمها البحر لملاحيه من خلال إتاحة الفرصة لهم للسفر والتعرف على أرجاء مختلفة من العالم واكتساب خبرات ومهارات جديدة فإن مخاطر هذه المهنة توازي محاسنها رغم التطور الملحوظ الذي دخل في تقنياتها وأعرافها إضافة لوجود أكاديميات باتت تعلم أصول الملاحة البحرية بطريقة علمية حديثة ومتطورة.

البواخر أو البوابير كما اعتاد البحارة القدماء تسميتها كانت مصنوعة من الخشب ويتم تحريكها بواسطة المجاديف والأشرعة الهوائية التي تفرد خارج المياه الإقليمية في البحر المفتوح أي على بعد 50 ميلا عن الشاطىء حيث كانت السفن تسير لمدد يمكن ان تطول أو تقصر حسب الظروف الطبيعية المحيطة كما يمكن أن تمر على الربان والطاقم البحري أوقات لا يستطيعون فيها تحديد مكانهم في عرض البحر بسبب عدم وجود اتصالات مع البر سوى بالإشارات الضوئية.

وكان يصعب معرفة الوقت بدقة فالموج يمكن أن يغير اتجاه البوصلة إذا كان عاليا جدا وأحيانا تمر أوقات تضيع فيها السفينة وتنحرف عن مسارها وهنا كان الاعتماد الأول والأخير على الفلك لمعرفة تحديد موقع السفينة من خلال معرفة المجموعات النجمية وطرق انتظامها في السماء وتمييز النجوم الملاحية وهي الألمع غالبا إضافة إلى تحديد أوقات الرصد الصباحية والمسائية والمعروفة بفترات الشفق البحري أي أن الإلمام بطرق الحسابات والجداول الفلكية هو الطريقة الوحيدة لتسيير أمورنا في عرض البحر لكن في حال كانت السماء ملبدة وغير صافية ترتبك الأمور بشكل اكثر لعدم فاعلية الفلك في مثل هذه الظروف.

لاتوجد أي إجراءات سلامة متخذة للحفاظ على صحة البحارة فالبحار يعتمد على شكله الخارجي وقوة بدنه لقبوله في الطاقم المسافر وكان هناك خوف كبير من الإصابة بالأمراض لأن الملاحين يرسون في كل أنحاء العالم ويتعرفون على بشر من كل الأعراق والألوان وأي التقاط لمرض أو عدوى يمكن أن يصيب الطاقم بأكمله ويؤدي إلى كارثة حقيقية إضافة إلى رعبهم من خطر الموت غرقا لأن البحر غدار كما يقولون والرحلة يمكن أن تستمر لأكثر من ستة أشهر يكون فيها البحار بعيدا عن أهله ووطنه لكن ما كان يعزيه هو الخبرات التي يتعلمها ووصفه كرمز للشجاعة ومواجهة المخاطر إضافة للمكسب المادي الوفير الذي يعيده البحر عليه فالأجر لم يكن قليلا ولكل مهنة سلبياتها وإيجابياتها.


الملاحة البحرية باتت أسهل في أيامنا الحالية وخاصة مع دخول التكنولوجيا الحديثة لهذه المهنة حيث بات من المستحيل أن تضيع السفينة بسبب وجود اتصالات بين السفن أو مع البر بواسطة موجات الراديو والاقمار الصناعية والهاتف ويمكن تحديد مكان السفينة بسهولة عند الغرق عن طريق صندوق أسود صغير يتعامل مع الاقمار الصناعية عبر إشارات معينة دون حدوث أي لبس أو لغط.

البواخر السورية سواء المخصصة لنقل البضائع أو الركاب أصبحت مصنوعة من الحديد الصلب وتعمل بواسطة محركات الديزل وهي تقنية مقبولة وتؤمن السرعة للسفينة رغم وجود تقنيات أحدث في العالم كالعنفات البخارية العائدة بقوة إلى عالم السفن لكفاءتها الملحوظة إضافة لحركة التحول إلى الطاقة النووية السلمية في تسيير البواخر ونلاحظ في البواخر السورية حركة العودة لاستخدام الأشرعة في تسييرها كشكل من أشكال توفير الطاقة.

هناك توجيهات حكومية لكل طاقم بعدم إحداث تلوث في البيئة البحرية فكما هو معروف أن السفن تستخدم وقودا ثقيلا لتسييرها وهذا أمر ضار لكن التعليمات تكون بعدم رمي الأوساخ المحظور دوليا في البحر المتوسط إضافة لتوجيهات بتجميع نفايات السفينة ضمن صناديق تصرف على المرفأ في شاحنات مأجورة ما يخفف بأكبر قدر ممكن من احتمال التلوث.

والجدير بالذكر أهمية التطور الحاصل في القوانين الناظمة للملاحة في سورية وخاصة مع القدرة حاليا على الاكتفاء برفع العلم السوري وحده على ظهر السفينة بعد أن كان من الضروري رفع علم أجنبي على السارية للتعريف بهوية السفينة الداخلة إلى الميناء وهذا يشكل بحد ذاته خطوة جيدة للاعتراف بالأسطول السوري على المستوى العالمي.

وبخصوص الإجراءات المتخذة لضمان السلامة فإنه يتم تحضير الباخرة للسفر بتجهيز أوراقها بالتعاون ما بين القبطان والوكيل الملاحي والمرفأ الذي ستنطلق منه السفينة إضافة إلى إجراءات فحص الدفة وغرف القيادة والاتصالات والتأكد من جاهزية الأدوات الاحتياطية وتكون إجراءات السلامة أعلى إذا كانت السفينة مخصصة للركاب والطاقم البحري.

إيجابيات الملاحة البحرية الحديثة المتمثلة بالرواتب العالية قياسا مع مهن البر إلا أن المخاطر تبقى كبيرة رغم كل التقنيات الحديثة لأن الملاح يتعامل مع البحر المزاجي الطبع والذي يمكن أن يكون يوما معك ويوما ضدك بعواصفه ومفاجآته الكثيرة إضافة للأمراض التي يمكن أن تصيب البحار عند السفر بسبب الأمواج المغناطيسية التي تعكسها السفينة لأنها مصنوعة من الصلب وتؤثر على المخ مستقبلاً ومن هنا على البحار ألا يسافر لفترة تفوق الستة أشهر خوفاً على سلامته البدنية.

يشار إلى أنه في عام 2006 ووفقا للقانون رقم 20 تم احداث غرفة الملاحة البحرية التي قامت بعد إصدارها لنظامها الداخلي بالاجتماع مع مالكي السفن في القطاعين العام والخاص للاطلاع على رأيهم وملاحظاتهم ووعدتهم أن يكون نظامها مثاليا قدر الأمكان ومرضيا لكل الأطراف.


غرفة الملاحة البحرية تعمل بشكل دائم على استصدار القوانين والأنظمة التي تزيد من فاعلية الأسطول السوري وتحفظ سلامة طاقمه باعتباره قطاعاً حيوياً وفاعلاً في الاقتصاد السوري والتي كان آخرها إصدار القانون 27 الذي ينظم عملية تشطيب وبناء السفن في سورية موضحا أن ذلك سيحدث قفزة نوعية في زيادة فاعلية الأسطول السوري للنقل البحري لأنه سيقدم الكثير من الخدمات ومنها أن السفن السورية لم تعد مضطرة لرفع علم آخر عليها وإنما الآن وبموجب هذا القانون تستطيع أن تجوب العالم رافعة العلم السوري.


بخصوص السلامة : باتت هناك إجراءات مشددة للداخلين والخارجين على المرافىء السورية سواء من السفن المحلية او الأجنبية وخاصة مع موجة الأوبئة الدارجة في العالم والتي يعتبر أي إهمال في المراقبة سببا لحصول كوارث نحن في غنى عنها.



وكانت سورية أعادت إطلاق سفينة فينيقيا من جزيرة أرواد في العاشر من شهر آب الماضي في رحلة تستمر عاماً حول إفريقيا وبنفس وسائل الملاحة التي عرفها الفينيقيون سابقاً بهدف إحياء الحضارة الفينيقية وتوجيه رسالة سلام إلى العالم كما أنها ستقوم برحلة أخرى هذا الصيف لتعرض في المتحف البريطاني.



وتعد فينيقيا من أقدم سفن العالم والتي يعتبر إطلاقها من جديد رمزاً حقيقياً لكون سورية بحضارتها الفينيقية من البلدان القديمة التي عرفت البحر وسبرت أغواره.



 


الرد باقتباس
قديم 09-07-2011, 12:50 AM   #6


الصورة الشخصية لـ علاء الدين بشير
علاء الدين بشير غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 48
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 11-05-2017 (06:05 AM)
 المشاركات : 1,119 [ + ]
 تقييم العضوية :  10
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
الإفتراضي



مواويل الفلاحين تغزل قصص الحصاد في الساحل السوري


لم يزل الكثير من أهل الساحل السوري ورغم دخول التقنية الحديثة إلى شتى مناحي الحياة اليومية يتبعون الطرق التقليدية في الزراعة والحصاد وتحضير المؤونة السنوية من الحبوب التي تشكل عنصرا أساسيا في النظام الغذائي لأهل الريف الساحلي حيث أن شهر تموز أحد شهور العمل الشاق الذي تتضافر فيه جهود أفراد العائلة بأكملها لإنهاء الأعمال الصعبة التي تعقب انقضاء مواسم الحصاد.

وذكر الباحث التراثي ابراهيم حيدر أن الطقوس التالية لنقل المحاصيل إلى البيادر كالتذرية والتتبين والتسليق وقشر القمح وطحنه وسواها مما يصار إلى إنجازه في هذا الشهر بمثابة محافل اجتماعية يلتئم فيها شمل العائلة لتقاسم العمل وفق طبيعته بين الرجال والنسوة و الأطفال على حد سواء وهو عمل يماثل في صعوبته جهد الفلاح في الحصاد الذي طالما اعتبر أحد الأعمال الأكثر مشقة حتى وصفته العديد من الأغاني الشعبية وتغنى به الموال الساحلي كما في المقطع:

محلا هالعصفور و محلا تغريدو .. ومحلا الحاصود المشمر زنوده علجبينو العرقان اللولو والمرجان .. وعاتمو الموال و عالمنجل إيدو قوم نلم الزرع ونغني بيدرنا .. ونسرح نحو الكرم الحلوي عناقيدو.

الجهد المبذول في الحصاد كان أيام زمان يختلف حسب نوع الحبوب المراد حصدها فقطف عرانيس الذرة هو الأسهل بين هذه الأعمال يليه حصاد القمح الذي يعتبر رغم صعوبته أقل مشقة من حصاد الشعير الذي يقل ارتفاع سوقه عن القمح ما يضطر الفلاح لمزيد من الانحناء و الحرص وخاصة أن لسنابل الشعير أشواكا حادة في نهايتها غالبا ما تعلق بالثياب وتجرح الأيادي التي تتخللها.

الفلاح كان يضطر للزحف أرضا ليتمكن من اقتلاع العدس والحمص لا للانحناء وحسب وكان هذا العمل يجري في شهري حزيران وتموز حيث أشعة الشمس الحارقة ومعها رطوبة المناخ الساحلي في المناطق السهلية القريبة من البحر.

وتصف أغنية السكابا التالية هذا العناء في العديد من المواويل ومنها:

شوف الزين يمرط بعديسو .. انكسر ضهري و لا خلص عديسو .. يا ريتني كون شي فجة بقميصو بشهور الصيف و العب يا هوايا.


عقب انتهاء الحصاد ودراسة القمح يصبح المحصول عبارة عن تلال من القمح و القش المختلطين ببعضهما البعض وهنا تبدأ عملية فصل الحبوب والتي تسمى "التذرية" و هي من صلب أعمال الرجال في القرية وتبدأ هذه العملية لدى هبوب الريح الخفيفة فتملأ المذراة بكمية من المزيج الذي اختلطت فيه الحبوب والقش وتقذف بقوة إلى الأعلى فيتطاير القش بفعل الهواء وتسقط الحبوب إلى الأسفل وتستمر هذه العملية حتى تنتهي الكومة.

التذرية هي عمل مرهق و يحتاج إلى عدد كبير من الرجال و لذلك فقد جرت العادة على استئجار عدد من شباب القرية ورجالها للمساعدة على إتمام هذه المهمة ولاسيما في البيادر الكبيرة التي تضم محاصيل وافرة .. و عقب انتهاء التذرية تبدأ عملية تجميع الحبوب في كومة منفصلة تجاورها كومة مماثلة من القش المدروس أو التبن.

وتقول إحدى الأغنيات الشعبية التي كانت تردد أيام التذرية:

كنا ندري بيدرنا .. و بالبيدر ما تأملنا من حميد قطعنا أملنا..سافر عاليمن لبعيد دمعي يبكي و دمعي يفيض..عذبوني على حميد.

عملية التتبين التي تلي التذرية تتمثل في تعبئة التبن في أكياس خاصة لتنقل بعد ذلك إلى الأماكن المخصصة لها في المنازل و قد كانت بيوت القرية القديمة والمصنوعة من الحجارة والطين تضم غرفة خاصة لحفظ التبن فيها تسمى المتبن حيث يتم تفريغ الأكياس فيها عبر فتحة في السقف تسمى الروزنة.

أما في البيوت العصرية اليوم و حيث لم يعد من وجود للمتبن وللروزنة فقد بات التبن يخزن في إحدى زوايا الحظيرة المخصصة للدواب.. ويشبه الموال الشعبي الإنسان المتسرع متقلب المزاج والأهواء بذرات التبن المتطايرة لخفة وزنها كما في العتابا التالية:

بعدك يا حبيب القلب تبنا .. عن درب الهوى و الحب تبنا حسبتك دهب تاري قش تبنا.. خفيف و تطيرك نسمة هوا.


بدورها تقول الباحثة التراثية فريال سليمة إنه و بمجرد دخول الحبوب إلى المنزل يبدأ عمل النسوة في تصويل القمح وسلقه وقشره وطحنه مع التأكيد على أن هذه الأعمال مازالت تمارس حتى اليوم بأدق تفاصيلها في العديد من البيوت الريفية وإن على نطاق ضيق فيعمد إلى تصويل هذه الحبوب وغسلها بالماء لإزالة الشوائب التي تعلق بها أثناء العمليات السابقة ولاسيما التراب والحجارة.

وقد وصفت الأغنية الشعبية هذه المرحلة من العمل كما في العتابا القائلة:

شوفا بتصول حبا.. قلبي من جوا حبا.. ليش خلقنا يا ربا ..كله تعب عاشاني.. و يقول موال آخر:

شوفا عالبير بتصول..عزمتني و قالت حول..يا ربي العشرة تطول..أنا و ريم الغزلاني.


السلق يتم بواسطة دست كبير كان فيما مضى يرفع على موقد من الحطب ويستمر السلق ليلة بأكملها يتم فيها إشعال النار كلما خبت و تجديد كميات الحبوب التي يفترض بها أن تكفي لعام كامل .. بعد ذلك توضع الحبوب المسلوقة في سلال كبيرة مصنوعة من أعواد الريحان وتترك حتى تبرد و يصفى ماؤها لتفرش بعد ذلك على مصاطب إسمنتية مفروشة بقماش قطني نظيف في مكان تأتيه الشمس من كل صوب وغالبا ما يختار سطح البيت لهذا الغرض وتقلب الحبوب المفروشة بين الحين و الآخر حتى تجف بشكل كامل.

و بعد أن تجف الحبوب تماما تبدأ عملية التقشير باستخدام جرن حجري كبير يوجد عادة في إحدى ساحات القرية ليتمكن كافة أهل الضيعة من استخدامه و تجري هذه العملية برش كمية من الحبوب المسلوقة في الجرن الحجري وتدق بواسطة قطعة خشبية أسطوانية الشكل عادة ما تتواجد في كل منزل في القرية وتسمى "المجنة" وهي عبارة عن هراوة غليظة مصنوعة من خشب السنديان و تزن حوالي الكيلوين.

دق الحبوب المسلوقة بشكل متواصل يؤدي إلى انفصال القشر الرطب عن اللب و عندما يحدث هذا تجمع الكمية المقشورة لتستبدل بأخرى وكانت بعض القرى تعمد إلى استخدام الباطوس المستعمل لطحن حبوب الزيتون لقشر القمح في حال توفره في القرية بعد ترطيب الحبوب بقليل من الماء و تدوير الحجر العلوي له بواسطة الإنسان أو أحد الدواب المتوافرة.

عادة ما كان يشترك أكثر من شخص في عملية قشر الحبوب من العائلة نفسها أو من الجيران و الأقارب نظرا لما يتطلبه هذا العمل من وقت و جهد كبيرين ولو أن النصيب الأكبر من العمل كان يقع على عاتق الرجال و كانت النساء تساعد في هذه العملية كل حسب استطاعتها ويعتمد عدد الأشخاص على مساحة الجرن الحجري الموجود في القرية.

وبعد عملية التقشير تبدأ مرحلة تجفيف البرغل و طحنه كما أوضحت سليمة حيث يعاد نشر الكميات المقشورة من الحبوب و فرشها تحت أشعة الشمس و بعد تمام جفافها من الماء تقوم النساء عادة بإعادة ذريها مرة أخرى للتخلص من القشر العالق بها و الذي يكون قد انفصل تماما عن اللب بعد تجفيفه ثم يعبأ في أكياس وينقل إلى ما كان يسمى في البيت الطيني التقليدي بـ "العنبر" المخصص لحفظ الحبوب سواء من القمح أو البرغل أو الحمص أو الذرة أو العدس.

أما مرحلة طحن البرغل أو ما يسمى بـ الجرش فقد جرت العادة على أن تقوم ربة المنزل بطحن كمية البرغل المعدة للطهي يوما بيوم سواء للحصول على مطحون ناعم أو خشن على حد سواء و ذلك بواسطة الطاحونة المنزلية المسماة بـ الرحية .. و تصف الأغنية الشعبية هذه المرحلة من العمل فتقول.. شوفا تجرش برغل جرش..جرشت لحمي و عظمي جرش .. لمن صاحوا ديوك العرش ..كنت بحدا غفياني.



 


الرد باقتباس
قديم 09-08-2011, 04:20 AM   #7


الصورة الشخصية لـ بيحان
بيحان غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 02-11-2020 (09:01 PM)
 المشاركات : 9,692 [ + ]
 تقييم العضوية :  159
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 13 مرة في 13 مشاركة
الإفتراضي





مرور سريع ..
لم اكمل قرأة جميع ما كتب ،

سأعود له لاحقاً بكل نهم

ولكن من خلال هذا الموضوع ابعث برسلة للأخ حيدرة بإن كلي رجاء فيه وأمل أن ينزل هنا جميع الموروث الشعبي السوري من عادات ومواوييل وما الى ذلك
حيث وانا من محبيين مثل هذه المواضيع ويشاطرني الكثير هنا ما اقول

كل الشكر والتقدير اخي حيدرة



 


الرد باقتباس
قديم 09-08-2011, 06:30 AM   #8


الصورة الشخصية لـ علاء الدين بشير
علاء الدين بشير غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 48
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 11-05-2017 (06:05 AM)
 المشاركات : 1,119 [ + ]
 تقييم العضوية :  10
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
الإفتراضي



كل التحية لك أخي بيحان
ممتن لحضورك الغني ولطافتك الملفتة
لك ما تريد أيها الإنسان الجميل
وسأسمعك أغاني ومواويل من تراث الساحل السوري ومن تراث المجتمع السوري ككل ومن تأليفي أيضا" ما رأيك ؟
سورية بلد مترامي الأطراف وفيه عادات وموروثات شعبية متنوعة جدا"
فترى فيه موروث أهل الساحل وخصوصياته وموروث أهل حلب الشهباء وخصوصياته وموروث أهل دمشق وخصوصياته وأيضا" لحمص وحماة موروث رائع وخصوصيات رائعة ولا نستطيع أن ننسى الجولان الحبيب و موروث درعا والسويداء
وعندما نعرج شرقا" نرى الموروث الفراتي الرائع في الرقة ودير الزور والحسكة بأبهى الحلل
هناك مزيج من ألوان جميلة جدا" تشكل قوس قزح رائع يبهج القلوب والنفوس ويمتع الروح
سأحاول قدر الإمكان أن أضيف هنا من تلك الأطياف الجميلة
لكن عندي مشكلة مع تنزيل الصور ولا أدري ما سبب أن الصور لا تنزل



 


الرد باقتباس
قديم 09-08-2011, 06:50 AM   #9


الصورة الشخصية لـ علاء الدين بشير
علاء الدين بشير غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 48
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 11-05-2017 (06:05 AM)
 المشاركات : 1,119 [ + ]
 تقييم العضوية :  10
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
الإفتراضي



يا بيحان بالعين حلاك منتظر

والفكر إلا بأمر حسنك ما نظر

أشغالنا كلها عندك وقفت

وبعدك يا بيحان شغل شاغل للنظر


مع ودي



 


الرد باقتباس
قديم 09-09-2011, 03:36 AM   #10


الصورة الشخصية لـ بيحان
بيحان غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 02-11-2020 (09:01 PM)
 المشاركات : 9,692 [ + ]
 تقييم العضوية :  159
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 13 مرة في 13 مشاركة
الإفتراضي



إقتباس:
إقتباس من مشاركة حيدرة مشاهدة المشاركة
كل التحية لك أخي بيحان
ممتن لحضورك الغني ولطافتك الملفتة
لك ما تريد أيها الإنسان الجميل
وسأسمعك أغاني ومواويل من تراث الساحل السوري ومن تراث المجتمع السوري ككل ومن تأليفي أيضا" ما رأيك ؟
والله أن كلي شوق وتلهف لكل ما تأتي به في هذا القسم لأني استمتع بمواضيع كهذه

سورية بلد مترامي الأطراف وفيه عادات وموروثات شعبية متنوعة جدا"
فترى فيه موروث أهل الساحل وخصوصياته وموروث أهل حلب الشهباء وخصوصياته وموروث أهل دمشق وخصوصياته وأيضا" لحمص وحماة موروث رائع وخصوصيات رائعة ولا نستطيع أن ننسى الجولان الحبيب و موروث درعا والسويداء
وعندما نعرج شرقا" نرى الموروث الفراتي الرائع في الرقة ودير الزور والحسكة بأبهى الحلل
هناك مزيج من ألوان جميلة جدا" تشكل قوس قزح رائع يبهج القلوب والنفوس ويمتع الروح
سأحاول قدر الإمكان أن أضيف هنا من تلك الأطياف الجميلة
لكن عندي مشكلة مع تنزيل الصور ولا أدري ما سبب أن الصور لا تنزل

الاخ حيدرة أنا منتظرك دوماً هنا في كل موضوع عن سوريا الحبيبة بكل مناطقها واهلها بكافة اطيافهم الجميلة ،

وفي تلهف اكثر لما لديك أنت من مواوييل خاصة بك ،

وبالنسبة للصور ،
غريبه ان يحدث هذا خصوصاً أن الاغلبية هنا ليست لديهم مشكله ويضبط معنا النسخ واللصق في الصور
ولكن ربما انت تتصفح المنتدى من قوقل كروم !! لانه لا تضبط عن طريقه الصور ؟

ليست عندي خلفية كبيرة

ولكن من عيوني لم يشرفنا التقني احدثه بموضوع مشكلتك


كل التقدير اخي حيدرة


 


الرد باقتباس
الرد على الموضوع

Bookmarks


Currently Active Users Viewing This Thread: 1 (0 members and 1 guests)
 

قوانين المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML مغلق
Trackbacks are متاح
Pingbacks are متاح
Refbacks are متاح



شات تعب قلبي تعب قلبي شات الرياض شات بنات الرياض شات الغلا الغلا شات الود شات خليجي شات الشله الشله شات حفر الباطن حفر الباطن شات الامارات سعودي انحراف شات دردشة دردشة الرياض شات الخليج سعودي انحراف180 مسوق شات صوتي شات عرب توك دردشة عرب توك عرب توك


جميع الأوقات GMT +3. الساعة الآن 07:41 AM.


.
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
.

Search Engine Friendly URLs by vBSEO