دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

علي مختار محفوظ

الدرعية زمن الشيخ محمد بن عبد الوهاب

تناولنا في الحلقة الأولى أن الله تعالى يكرمعباده، و يبعث لهذه الأمة من يجدد لها أمر دينها، ومن هؤلاء المجددين الإمام محمد بن عبدالوهاب مجدد القرن الثاني عشر الذي قام بجهود مباركة في الدعوة إلى الله تعالى، والعودة بالمسلمين إلى التمسك بعقيدة الأولين، والعمل بكتاب الله تعالى، والسير على سنة رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم.
وقد تعرفنا باختصار في الحلقة الأولى على الدعوة، وتعرفنا على مؤسسها، من حيثنسبه، وولادته، ونشأته، ورحلاته، وكيف بدأ الدعوة، ووصلنا إلى فقرة انتقاله للدرعية.

الانتقال إلى الدرعية:
وصل الشيخ إلى الدرعية، وقصد إلى بيت تلميذه محمد بن سويلم العريني. وقد أوضح المؤرخ عثمان بن بشر أنه لما وصل إلى الدرعية علم به بعض أهلها وزاروه خفية، ودرسوا عليه التوحيد، ثم أقنعوا محمد بن سعود أمير الدرعية عن طريق زوجته بنصرة الشيخ، فاقتنع الأمير بذلك(4).
فتعاهد الشيخ والأمير على نصرة التوحيد وجهاد أعدائه، ووعد الأمير الشيخ بأنه سيحميه كما يحمي أهله، ووعد الشيخ بأن لا يرحل عن بلدته وكان ذلك سنة 1157هـ(5).
وبهذا بدأت الدعوة تدخل في طور عملي جديد، توفرت له مقومات النجاح من قيادة دينية راشدة مجددة، وقيادة سياسية مؤمنة بنصرة العلماء المصلحين، وظهرت آثار هذا التلاحم الإيماني العميق في قيام الدولة السعودية الأولى عام 1157هـ، وفي استمرار الدعوة السلفية الإصلاحية الفتية، واستمرت هذه المدرسة المتلاحمة في عطائها المتجدد عبر الأجيال المتلاحقة.
شيوخه:
1 - والده: عبدالوهاب بن سليمان كان قاضي العيينة وعالمها الديني، وقد تأثر به الشيخ منذ نشأته، فحفظ القرآن على يديه ولم يبلغ العاشرة من عمره.
وظهر أثر الأسرة العلمية في حبه للعلم وتعلقه به، وقرأ على والده أبواب الفقه على مذهب الإمام أحمد.
2 - الشيخ عبدالله بن سالم البصري (ت 1134هـ): وهو من علماء الحديث المشهورين بمكة المكرمة، تلقى الإمام عنه العلم في الحرم المكي الشريف.
3 - الشيخ عبدالله بن إبراهيم بن سيف الشمري (توفي بالمدينة سنة 1140هـ): كان عالماً بالفقه الحنبلي والحديث الشريف، لازمه الإمام ملازمة طويلة في المدينة النبوية، وأخذ عنه كثيراً من العلم، وقد أحبه الشيخ ابن سيف، واحتفى به، وأجازه بكتب السنة، وأرشده إلى قراءة مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية، كما عرَّفه على علامة المدينة ومحدثها الأشهر وفقيهها الفذ الشيخ محمد حياة السندي.
4 - الشيخ محمد حياة بن إبراهيم السندي (توفي بالمدينة سنة 1163هـ): وهو العلامة المحدث حامل لواء السنة بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، اشتهر عنه إنكاره للبدع والشركيات ومعاداته للتعصب ودعوته للاجتهاد. ولمس الشيخ السندي في تلميذه أنه على عقيدة صافية تتوق نفسه لنشرها؛ فأحبه وقربه إليه، وأصبح الإمام محمد بن عبدالوهاب من أخص تلاميذه، وورثه الشيخ المنهج السلفي، وأبعده عن التعصب المذهبي، ونهاه عن التقليد الأعمى، فتأثر به الإمام تأثراً كبيراً واستفاد منه فوائد عديدة.
5 - شيوخه في البصرة:
ارتحل الإمام إلى البصرة، وأقام بها والتقى بعلمائها، وأخذ عنهم وتتلمذ لعالم البصرة الكبير الشيخ محمد المجموعي، وقد حرص الإمام على القيام بواجب النصح والوعظ والإرشاد والإنكار بلطف وذلك لكثرة المخالفات في البصرة، فحقد عليه أنصار البدع وعلماء السوء، فأخرجوه منها في وقت الهجيرة في يوم صائف شديد الحر، وأشرف على الهلاك، وأدركه رجل من بلدة الزبير، فمكث بها أياماً، وكان يريد السفر إلى الشام فلم يستطع لضياع نفقته فعاد إلى نجد، ومر في طريقه ببلدة الأحساء.
6 - شيوخه في الأحساء:
كانت الأحساء في ذلك الوقت مركزاً علمياً يفد إليه الطلاب من نجد وغيرها، وذكر المؤرخ ابن بشر أن الإمام نزل على الشيخ العالم عبدالله بن محمد بن عبداللطيف الشافعي الأحسائي القاضي، وبحثا معاً بعض المسائل العلمية وضرورة التمسك بما كان عليه سلف الأمة عقيدة وعملاً، وكان ذلك قبل ظهور معارضة أهل الأحساء للشيخ ومنهم الشيخ المذكور.
وذكر البسام وعثمان بن سند أن الإمام التقى بالشيخ محمد بن عفالق (توفي بالأحساء سنة 1163هـ) وهو ممن عادى دعوة الشيخ.
ولقي الشيخ عبدالله بن فيروز أبي محمد الكفيف (توفي بالأحساء سنة 1175هـ) وكان سلفي العقيدة، ووجد الإمام عنده من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم ما سُرَّ به، فمكث في الأحساء مدة ثم عاد إلى نجد مقتنعاً بصواب الطريق الذي سلكه، وبدأ دعوته في حريملاء(6).
أعماله:
ظل الشيخ محمد يعمل بإخلاص وعزم، وينشر الدعوة بأساليب متنوعة، فكان يعلم الناس التوحيد، وأصول الدين وأحكام الشريعة، ويؤلف الرسائل ويبعثها إلى البلدان المختلفة، كما كان يرسل الدعاة، ويراسل العلماء وأعيان البلاد ليناصروا دعوته الإصلاحية وينضموا إلى الدولة السعودية الفتية التي أيدتها لرفع راية التوحيد وترسيخ مبادئ الإسلام ودعائمه، وكان خلال هذه المدة المرجعَ للناس في الإفتاء والقضاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما كان موجهاً ومرشداً لقادة آل سعود لمدة خمسين عاماً، وكان لمؤلفاته وتدريسه ورعايته الحركة العلمية الأثر الكبير في ازدهار تلك الحركة.
مؤلفاته:
تنوعت مؤلفات الشيخ وكتاباته في أكثر العلوم الشرعية، وكان يركز في التأليف على موضوع التوحيد والعقيدة؛ لانتشار مظاهر الشرك، وحاجة العصر لنشر مظاهر الإسلام والتوحيد. وتتميز مؤلفات الشيخ - رحمه الله - بكثرة الاستدلال بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، وعدم الخوض في التفريعات، والإرشاد للدروس المستفادة مع سهولة العبارة ودقة الاستنباط.
كثرة مؤلفاته:
كانت حياة خصبة مثمرة بالعلوم والمعارف، فقد تَرَكَ للمسلمين ثروة علمية من أهمها:
1 - (كتاب التوحيد) الذي هو حق الله على العبيد وهو أول مؤلفاته في العقيدة.
2 - (كشف الشبهات).
3 - مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد.
4 - (ثلاثة الأصول) أو (الأصول الثلاثة) وأدلتها.
5 - كتاب مسائل الجاهلية.
6 - أربع قواعد للدين.
7 - تفسير كلمة التوحيد.
8 - فضل الإسلام.
9 - أصول الإيمان.
10 - كتاب الكبائر.
11 - كتاب فضائل القرآن.
12 - كتاب مجموع الحديث على أبواب الفقه.
13 - كتاب الكبائر.
14 - مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
15 - مختصر زاد المعاد.
16- آداب المشي إلى الصلاة.
17 - مختصر الإنصاف والشرح الكبير.
18 - أحاديث الفتن والحوادث.
19 - تفسير آيات من القرآن الكريم.
20 - كتاب فضائل الإسلام.
وقد جمعت مؤلفات الشيخ وطبعت فجاءت في اثني عشر مجلداً (طبعة جامعة الإمام).
وفاته:
انتقل الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى رحمة الله - تعالى - عام 1206هـ = 1791م بعد أن قارب الحادية والتسعين سنة قضاها في خدمة الدعوة للتوحيد الخالص، وتطبيق الشريعة الإسلامية الغراء، وشاء الله - سبحانه - ألا يفارق الدنيا إلا بعد أن قرت عينه بانتشار دعوته وقيام الدولة السعودية الأولى التي جمعت شَمْلَ البلاد النجدية تحت راية واحدة(7).

جزأك ألله خير أخي الكريم ؛؛؛

بارك الله فيك اخي الغالي بيحان
وجزاك ربي جنة الخلد