قصة الأعشى مع المحلق الكلابي

مع , المحلق , الأعشى , الكلابي , قصة

قصة الأعشى مع المحلق الكلابي

كان الشِّعر ديوانُ العرَب وسجلُّهم النفيسُ يحفِظَ تراثهم وتاريخَهم وآدابَهم وأخلاقَهم , ومُتحَفُهم الناطقُ الذي دوَّنوا فيه أخبارَ أبطالهم ووقائعَ بطولاتهم وما تفرَّدت به قرائحُ حكَمائهم . ومن الأخبار الطريفة التي تدل على مكانة الشعر والشعراء عند العرب،قصة الأعشى مع المحلق الكلابي الواردة في عدة كتب ومنها (العمدة في محاسن الشعر وآدابه )لابن رشيق القيرواني و(المحاضرات في اللغة والأدب) لليوسي .‏
والقصة كما وردت في كتاب (الأغاني) للأصفهاني أن الأعشى كان يوافي سوقَ عكاظ في كل سنة، وكان المحلَّق الكلابي مِِئناثا مُمْلقاً , أي عنده بنات كثر، وكان فقيرا .‏
فقالت امرأة المحلَّق الكلابي له: يا أبا كلاب ما يمنعك من التعرُّض لهذا الشاعر؟ فما رأيتُ أحداً اقتطعه إلى نفسه إلا وأكسبَه خيرا .‏
قال :ويحكِ ما عندي إلا ناقتي وعليها الحمل.‏
قالتِ اللهُ يخلفها عليك.‏
قال :فهل له بُدٌ من الشراب والمسوح ؟‏
قالت :إن عندي ذخيرةً لي ولعلي أن أجمعها .‏
فخرج المحلق وتلقاه قبل أن يسبِق إليه أحدٌ , وابنه يقوده فأخذ الخطام.‏
فقال الأعشى : من هذا الذي غلبنا على خطامنا ؟‏
قال المحلَّق, قال شريف كريم .‏
ثم سلَّمه إليه , فأناخه فنحرَ له ناقتَه وكشَطَ له عن سنامها وكبدها ثم سقاه , وأحاطت بناتُه به يغمِزنه ويمسحْنه.‏
فقال الأعشى :ما هذه الجواري حولي ؟‏
قال المحلق: بناتُ أخيك وهنَّ ثمان شريدتُهن قليلة.‏
وخرج الأعشى من عنده ولم يقل فيه شيئاً , فلما وافى سوقَ عكاظ إذا هو بسَرْحةٍ قد اجتمع الناسُ عليها وإذا الأعشى ينشدهم:‏
أرقتُ وما هذا السُّهادُ المؤرِّقُ‏
وما بيَ منْ سقمٍ وما بيَ معشقُ‏
وَلَكِنْ أرَاني لا أزَالُ بِحَادِثٍ‏
أغادى بمات لمْ يمسِ عندي وأطرقُ‏
ومنها أيضا :‏
لَعَمرِي، لَقد لاحَتْ عُيُونٌ كَثيرَة‏
إلى ضَوءِ نَارٍ في يَفَاعٍ تُحَرَّقُ‏
تُشَبّ لمَقْرُورَيْنِ يَصْطَلِيَانِهَا‏
وَبَاتَ عَلى النّارِ النّدَى وَالمُحَلَّقُ‏
رضيعيْ لبانٍ ثديَ أمًّ تحالفا‏
بِأسْحَمَ داجٍ عَوْضُ لا نَتَفَرّقُ‏
يداكَ يدا صدقٍ فكفٌّ مفيدة وأخرى‏
إذا ما ضنّ بالزّادِ، تنفقُ‏
ترَى الجُودَ يَجرِي ظاهراً فوْقَ وَجهه‏
كمَا زَانَ مَتنَ الهِندُوَانيّ رَوْنَقُ‏
طويلُ اليدينِ، رهطهُ غيرُ ثنية ٍ‏
أشمُّ كريمٌ جارهُ لا يرهَّقُ‏
كذلكَ فافعلْ ما حييتَ إليهمً‏
وَأقْدِمْ إذا ما أعيُنُ النّاسِ تَبْرَقُ‏
فما أتم الأعشى قصيدته إلا والناس ينسلون إلى المحلق يهنئونه، ثم أتى المحلق الأعشى فسلم عليه.‏
فقال الأعشى: مرحباً بسيد قومه, ثم نادى: يا معشر العرب: هل منكم مذكار ـ عنده شباب ذكور ـ يزوج ابنه إلى الشريف الكريم؟‏
فتسابق الأشراف إليه جرياً يخطبون بناته، فما قام من مقعده وفيهن مخطوبة إلا وقد زوجها، ولم تمس واحدة منهن إلى في عصمة رجل خير من أبيها وأفضل.‏