همسه في زمن الهرج ..

.. , الهرج , زمن , في , همسه

همسه في زمن الهرج ..

همسة في زمن الهرج



صاحب الفضيلة الشيخ: فؤاد بن يوسف أبو سعيد*حفظه الله تعالى



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى من اهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:



أحيِّيْكم جميعًا كلٌّ باسمه ولقبه، ومكانته بين أهله وأقاربه، وبين إخوانه الدعاة، وأيضًا في هذه الجمعيَّة المباركة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفِّقَ الجميعَ إلى ما يحبه ويرضاه، وأسأل الله سبحانه وتعالى وأشكره أنْ هيأَ لنا مثلَ هذا اللقاء لنجتمع على طاعته سبحانه وتعالى، كما وأشكر بعد ذلك الذين كانوا سببا في ذلك؛ وهم المسئولون عن هذه الجمعية، وعلى رأسهم الشيخ:*عبد الله المصري (أبو محمد)*حفظه الله تعالى، وإخواننا في الدائرة العلمية، وعلى رأسهم الأخ:*محمد اللحام (أبو إسماعيل)،*جزاهم الله خيرا، والبقية كلهم من أولهم إلى آخرهم الناسِ الطيبين الصالحين،*أسأل الله*لنا ولهم جميعا الإخلاص في القول والعمل،*وأسأل الله*القبول، آمين يارب العالمين.



العنوان الذي وضع بين أيديكم:*(همسة في زمن الهرج)،*والهمسة تحتاج إلى آذان قريبةٍ حتى يهمسَ الإنسانُ فيها، وآذانُكم هي إن شاء الله هي آذان قلوبٍ أقربُ من آذان الرؤوس إن شاء الله سبحانه وتعالى.



فكلمةُ الهرْج؛*أولا من ناحية اللغة؛ معناه الاختلاط، أي اختلاط الأمور، فكما يقولون: الهرْج والمرْج، وفي الشرع يطلق الهرج بنصِّ النبي صلى الله عليه وسلم على أمرين:*على القتل،*كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري وغيره، عشرات الكتب، وعشرات الأحاديث ورد فيها:*"ويكثر الهرج"،*أي يأتي زمان على الناس يكثر فيهم القتل، والعياذ بالله.



والقتل هذا ليس هو المقصود بقتل المشركين للمسلمين، ليس المقصود ما يحدث في إفريقيا الوسطى، أو في بورما أو ما شابه ذلك، بل ما يحدث من قتل المسلم للمسلم، يقتل المسلم أخاه، يقتل المسلم أباه وعمَّه وقريبه، ويتقربُ إلى الله بذلك، لا حول ولا قوة إلا بالله، هذا نوع من الهرْج الشديد، هذا الهرج هو الذي نصحَنا دينُنا أن نبتعدَ عنه وأن نعتزله، فقد ثبت أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ»*م (2948)، أن يعبدَ اللهَ سبحانه وتعالى والناس في هرْجٍ ومرْجٍ، تكون هذه العبادة كأنك هاجرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، هذا فيه حثٌّ شديدُ على اعتزال أماكن الهرج، فضلا عن المشاركة فيها، وهناك نوع آخر أو معنى آخر في الحديث معنى آخر للهرج وهو الجماع، وهو جماع النساء، والمقصود فيه الزنا والعياذ بالله، كما ورد في الحديث:*"وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ، يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ"*م (2937)، أي في الطرقات والشوارع وغيرها تهارج الحمر، حتى الآن ما رأينا مثل هذه الأمور، ربما التهارج يكون في أماكنَ مشبوهةٍ، أو أوضاعٍ موبوئة، أو أمور خفية عندنا في بلاد المسلمين، لكن سيأتي وقت -والعياذ بالله- كما يفعل الحمار في الطريق لا يخشى، ولا يستحي ولا يخجل، وتكون منه هذه الأمور،*فهل الناس يشاركون في مثل هذه؟*المؤمنون لن يشاركوا إن شاء الله.



فبالأولى*ألاَّ يشاركوا في مثل تلك الأمور من التي هي سببٌ في سفك الدماء، والهجرةُ أو تركُ الهرْج، خصوصًا الذي سبَبُه الدماء ليس قصده، وهذا للناس جميعا أن يبقى في بيته ولا يخرج خارج بيته، هذا نوع من الأنواع، أو معنى من المعاني، لكنَّ الداعيَ إلى الله عزَّ وجلَّ والخطيب والمرشد والموجِّه، الذي نصَّب نفسه، أو نُصِّب لهداية الناس، فلا يعتزل ببدنه فقط، بل يعتزل بلسانه، حِفْظ اللسان في أوقات الهرْج مهمٌّ جدًّا لكلِّ مسلم ومؤمن؛ لأنَّ الفتن وقْعُ اللسان فيها أشدُّ من وقع السنان، كيف يكون ذلك؟ فتوى واحدة قد تبيحُ سفكُ دماءِ العشرات ٍأو المئاتِ أو الألوف بكلمة.



إذن؛*سيف اللسان هذا أشد من سيف السنان، الذي يقطِّع الأعضاء والرقاب وما شابه ذلك، وهذا سبب لهذا، فما الذي يجري في بلاد المسلمين اليوم إلا بالكلمة، كلمة صدرت من إنسان سواء هذا الإنسان عالمٌ ضلَّ عن الهُدى مثلا فهوى، أو إنسانٌ لا يعلم شيئا فهو جاهلٌ نصّبَ نفسَه، وصارت الأصابع تشير إليه، فلا يسمعون في مشارق الأرض ومغاربها إلا منه، فتجده يفتي بالكلمة، وتكون كلمته حتى فوق كلام الله عزَّ وجلَّ، يؤوَّل لأجلها القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وحديثه تؤوّل، وتلوَى أعناق النصوص، حتى يسير هذا الأمر الذي يريده،*فهل يُقرُّ قتلَ الإنسان للإنسان عاقلٌ فضلا عن أن يكون مسلمٌ مؤمن؟!*مسلمٌ؛ امرأةٌ أو رجل كبير في السن أو طفلٌ صغير، أو إنسانٌ عاديٌّ، يبيع ويشتري، عاميٌّ يقتل بأي ذنب، سبحان الله، فهذه نَقول عنها مسألة مسخٍ لشخصية الإنسان، مسخٍ للعقل، مسخٍ لعقل الإنسان، العقل وقف عن التفكير، إنما يفكر بغيره، فإنما هو كالببغاء ليس عنده كلام ولكنه يردد،*للأسف؛*يسمع الكلام ولا يردده فقط؛ بل يقوم بالفعل دون مناقشة، فيقع فيما حرم الله عز وجل، ويقتل أباه عمه أخاه، وقريبه يقتله، ويتقرب إلى الله بذلك، هؤلاء الناس محسوبون على الإسلام والمسلمين، ليس منا لهم إلا الدعاء؛ لأن الله يهديه فإن لم يعلم فيه هداية أن يزيله بما شاء، وكيفما شاء، ويرفع شرَّهم عن هذه الأمة.



"ويكثر الهرج"،*والعجيب أني وجدت من الروايات أن كلمة الهرج تأتي في غضون الحديث، أو في آخره، وتكون قبلها علامات أخرى الجهل، فشو الجهل، هذا شيء مهم جدا، فينتج عنه الهرج، وهو القتل وما شابه ذلك، والعجيب الذي رأيته أيضا قبلها مباشرة في إحدى الروايات أن في جزيرة، يعني لا تقوم الساعة حتى ترجع جزيرة العرب مروجا وأنهارا بعدها، قال: ويكثر الهرج.



جزيرة العرب قالوا عنها:*هي البلاد التي بين البحر الأبيض المتوسط، وبحر العرب والخليج مع نهري دجلة الفرات، هذه اسمها جزيرة العرب، ومن غرب البحر الأحمر، فهذه الجزيرة ستمتلئ مروجا وأنهارا، بعدها قال:*"ويكثر الهرج"،*فهل هذا الترتيب جاء توافقيا؟*أم هناك أمر قصده النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر؛*إنه بعد ما يكون للعرب رفعة ومكانة وما شابه ذلك أمن وأمان، أمن اقتصادي وأمن زراعي، وثروات في هذه الجزيرة القاحلة، أن يكون قتال، نحن نرى الآن أشياء لكن لا نوقع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عليها، فقد تتغير الأحوال، وقد يأتي أمر من الأمور، وحادثة من الحوادث،*نقول:*قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي ما يكذبها، فنكذب حديث النبي صلى الله عليه وسلم هذا؛ لا،*ولكن نقول:*هنالك علامات، هنالك أمارات، يعني ما يحدث في بلاد المسلمين، وربما بعض الناس يخالفني وله رأيه؛ ويسمى بالربيع العربي، أنا لا أسميه بذلك هذه مخططات غربية وشرقية، وما شابه ذلك؛ للإيقاع بالعرب والمسلمين، في كل مكان، حتى يتناسوا القضية الأصلية،*وأهم شيء عند العرب عموما، والمسلمين وأول ما يتناسون؛*دينهم وتوحيدهم، ثم ينسَون فلسطين والأرض المقدسة؛ الأقصى وما شابه ذلك، وبدؤوا بالزحف على دول المغرب العربي؛ وليبيا وغيرها، ثم جاءوا إلى اليمن ومصر وسوريا، وسَمِّ ما شئت مما ينتظر البلاد الأخرى، إن لم تتداركْنا رحمةُ الله سبحانه وتعالى، فينقذنا الله جل جلاله من هذا الخريف القاحل، وهذا الصيف الحارق الذي لا يترك ولا يذر.



النصيحة في مثل هذه الأمور؛*أنت مسلم مؤمن ما أعلم واحدا فيكم -والله أعلم ولا أتألّى على الله،*ممن يسمعون كلامي الآن؛*أنه في تهارج الحمر يشارك فيها، لا والله، تهارج الحمر، الهرج بمعنى الجماع علَنًا أمام الناس علنا، حتى مع زوجته، لا يفعلها أمام الناس، لكن لا ننجو جميعا أن نشارك جميعا في الهرج بمعنى القتل، ولو بالكلمة تأييد أو مخالفة، أو عدم بيان وعدم عرض السنةِ والتوحيد، وقول أهل السلف، كما سمعنا قبل قليل كلاما طيبا جدا، يعني يريح النفوس، كلام يدخل البشر والسرور على القلب، وكلام يحزن ويبكي على حالنا الذي نحن فيه في هذا الزمان، كما قال الشيخ الفاضل أبو بكر بارك الله فيه، وبعض الإخوة أثروا فينا جدا، وبعضنا كان يستحث فينا الهمم، بمعصية هذا الشيطان الليطان كما قال أخونا، وتجد هذه الأمور كلها مجتمعة لا ينجو اللسان من أن يقع في الهرج فيها، لكننا ننجو بأمر الله من الهرج بمعنى الجماع، فهذا الأمر الخطير وهو أمر اللسان، فيجب علينا أن نأخذ بالحيطة والحذر منه؛ لأن اللسان كما قالوا: ثعبان،*(لسانك حصانك، إن صنته صانك)،*كما في المثل العامي،*(وإن هنته هانك، وإن خنته خانك)،*أو كما قال القائل،*فلذلك علينا أن نحفظ،*ويا ليتنا جئنا بالنصوص، وجئنا بشروحات العلماء في خطبة أو موعظة.



أما الرأي الذي نريده ونقوله؛ نبين أنه من رأينا، فلا نجبر الناس على الرأي الذي نأخذ به، فهذا ربما يكون خطأ، فهذه النصوص وهذه الآيات وهذه الأحاديث وهذا شروح العلماء وأقوالهم وتفاسيرهم، وأنا أرى -والله أعلم- أن المقصود كذا وكذا، وأن الواقع كذا وكذا والله أعلم.



كما قال بعض العلماء، وأنا أرددها:*(هذا رأيي أعرضه ولا أفرضه)،*لذلك بعض الناس قد يخالفني، وقد أتفق معه، لكن هذا الخلاف -إن شاء الله- ما دام الهدف واحد، التوحيد كما قال الأخ، والاتباع والتزكية، وما شابه ذلك، إذا كان الهدف واحدًا؛ وهو رفعة الدعوة إلى الله عز وجل، إن الخلاف لا يفسد للودِّ قضية، لا يفسد أبدا، ليس معنى إني اختلفت معك أني أطعن فيك، أو أخاصمك، أو كلمة تسمعونها أسقطوه، أو يسقطوا هذا الشخص أو ذاك، هذا انتهينا منه، لا يا أخي فيه خير،*فالخير في الأمة،*والمشكلة أن يكون في بعض ممن ينتسبون إلى المنهج الواحد في التوحيد، منهج واحد في العبادة، منهج واحد في السنة، ومع ذلك يقع بينهم مثل هذه الأمور، لو وقع بين بعض الناس من أهل البدع مثل هذه الأمور من البدع والخزعبلات، من أهل الأحزاب والتحزب، والتعصب ربما يكون هناك وجه للبيان والتوضيح، لكن يكون بين العائلة الواحدة، في البيت الواحد، أصحاب المنهج الواحد، الذين سيكونون يوم القيامة بمشيئة الله -سبحانه وتعالى- إخوانا على سرر متقابلين، يكون هذا بيننا، ما ينبغي.



احفظ لسانك*يا عبد الله، لأنه كما ورد في أحاديثَ كثيرةٍ جدا، وآيات قرآنية، وشروح علماء، وكلام للسلف الصالح، تبين مدى خطورة اللسان، ووقوعه في الأعراض كما قال ابن القيم رحمه الله في بعض كتبه: إن بعض الناس يتعففُ عن الحرام، ولقمة الحرام، لكن لسانه يفري في الأحياء والأموات،*يفري فريا،*يخاف من اللقمة ولا يخاف من الكلمة.



فنسأل الله*سبحانه وتعالى أن يؤلّف قلوبنا، وأن يزيلَ الحقدَ والغلَّ والحسدَ والبغضاء من صدورنا، ويجعلنا يدا على من سوانا، وأن يوفقنا دائما وأبدا لما يحبه ويرضاه، ويجعلنا إخوانا على سرر متقابلين.



بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا

هل بالاخ الكريم

وجزاك الجنة ونفع بك وغفر الله لك ولوالديك

واسال الله ان يرفع الهم والغم عن المسلمين في مشارق الارض ومغاربها


خالص الود والتقدير