(قادة المستقبل) , كما أرادت (مؤسسة الفكر العربي).. !

(قادة المستقبل) , كما أرادت (مؤسسة الفكر العربي).. !

[ مؤسسة الفكر العربي , ذات مسمى كبير جدا , فهو يحوي ثلاث كلمات بالغة التأثير , (مؤسسة) لتعطينا دلالة العمل المشترك المنظم , و من ثم الاسم -المضاف إليه- (الفكر) مشيرة إلى البعد الحضاري و المنهجي المعتبر , و تليها الصفة و هي (العربي) مما يعني أنها محصورة على تلك العقلية ذات اللغة و العرق العربيين .

عقدت المؤسسة مؤتمرا عامرا بالحضور (النخبوي) بما يؤكد مصداقية ذلك الاسم المضاف إليه .

يتخلل المؤتمر استراحات من بينها استراحة الغداء , حيث اخترت إحدى الطاولات -بعد استئناس لها -لأحل عليها مزودتي , و بينما كنت أنتظر صديقا لي , إذ بشاب يقبل إليّ , و أومأ بأنه يحب أن يجاورني في الطاولة فرحبت به , و وضع أغراضا له في الكراسي المجاورة علامة على أنها محجوزة , و ماهي إلا دقائق حتى أتى رفقاؤه , و كانوا ثلاثة شبان , و فتاة , و رجل موقر , هو الوحيد الذي يلبس الثوب , وعلمت أنه من السعودية , فحييته , لكنهم منذ أن افتتحوا الحديث, خيّل إليّ أنني في مكان آخر خلا مؤتمر الفكر العربي , و وجدتهم يتحدثون لغة , ليست عربية صرفة و لا هي إنجليزية محضة , و إنما أقرب إلى اللغات الهجين , فثلاثة أرباعها إنجليزي و الآخير عربي , مما أثار فضولي , فسألت الشاب بجانبي عن هويته , هل هو عربي ؟ فرد علي: نعم !, فأتبعته السؤال :من أين ؟ فقال من أرامكو السعودية , لكنني لم أكتفِ , بل أتبعته : و هؤلاء ؟! : فرد : هؤلاء من السعودية أما الآنسة فمن لبنان ! , فما كان مني إلا الاستنكار , و قد اتقدت غيرتي العروبية , فساءلته : إذا كنتم عربا و من السعودية , فأنى لكم الحديث بغير العربية ؟! فنظر إلى من طرف ,و آثار التضجر بادية , و رد بتململ : هذه (Common Language ) و بهذا نحن نتحدث في سائر يومنا !

فاخترت حينها أن أكتفي بهز رأسي , و الاستماع مكرها لحديثهم , و مع أن إنجليزيتي متواضعة إلا أنها تكرمت علي بفهم شيء من حديثهم , ومن الجدير بالقول أنه كان حديثاً عادياً , لا علاقة له بشأن أكاديمي أو عملي , يدور عن أرامكو و بعض البرامج الترفيهية فيها , و شيء من قصص ذلك الرجل , أما الفتاة اللبنانية فحديثها حول نشأتها في أرامكو و أنها من مواليد السعودية , و ما إليه , مما لا يستدعي مطلقا أن يكون بالإنجليزية .!

هنا تكمن مشكلة , قطعا كبيرة , تستلزم النظر , و تبعث على القلق , فليست اللغة مجرد ألفاظ و كلمات و إنما هي هوية أمة , و مدار ثقافة , لا يجوز التعدي عليها أو إهمالها و التقليل من شأنها .

فهذه المجموعة من الشباب السعودي الذين نشأوا في أرامكو لا يتحدثون العربية كلغتهم ( الأم) , و نصيبهم من العربية ذلك الكم البسيط الذي يخلطون به الإنجليزية ,فأظهروها بصورة بشعة , فلا هي عربية ولاهي إنجليزية , و خطر مثل هذه اللغات الهجين أشد !

لاح في بالي عدد من التساؤلات , فمؤسسة الفكر اختارت هذه المجموعة لتمثل الشباب السعودي في ورشات عمل ترى أنها تهيئ جيلا قياديا ناجحا , لكن الحقيقة أنها لم توفق في الاختيار , و كان النموذج الذي اختارته بعيدا كل البعد عن المثال السعودي , فهؤلاء الشبيبة لا يشبهون شبابنا في لغتهم و لا ثقافتهم , أو حتى لباسهم , إلا إذا كان المقصود بـ(السعودي) كالمقصود بـ(العربي) في صفة هذه المؤسسة الرائدة , فمؤتمر البحرين كان مثالا على العربية المزعومة , خاصة حين نرى أغلب من يحاضر في هذا المؤتمر أو يتحدث باسم الفكر (العربي) و يناضل لإصلاحه , هم من خارج المنظومة العربية , و إن كانوا في أصلهم عربا فهم ليسوا من قطنة البلدان العربية , و كأن الفكر العربي ليس له إلا أن يكون مستورداً , و الشيء المحزن , أن يكون في الأمسيّة ضيف إنجليزي , و عرب كمتحدثين , إلا أنهم يختارون الإنجليزية – اجتهادا منهم - , ليعبروا عن الفكر العربي و يضربوا خير مثال على أصالته و عراقة أرومته .

أما شبابنا الأرامكيون , فكم أرأف لحالهم , و قد تنازعتهم اتجاهات و ميول , بين شرق و غرب , و لو فرضنا جدلا أن منهم من سيكون قياديا, يوضع في محل المسؤولية و يكلف بالرقي بالمجتمع (السعودي) , فكيف سيتمكن من التعامل مع مجتمع لم يعش حياته , و لم يختبر سيرته , بل ثقافته مستمدة من ثقافة قوم آخرين .!

حقا , أنى له أن يكون قياديا (عربيا) و لديه هنات في لغته و ثقافته , فهل فات ذلك على مؤسسة الفكر (العربي ) .. !