اسئلة حول قضايا تكدر الفيزياء

الفيزياء , اسئلة , تكدر , حول , قضايا

اسئلة حول قضايا تكدر الفيزياء

أسئلة حول قضايا تُكدّر الفيزياء(*)
عالِم الفيزياء <لورنس كراوس> يتحدث عن بعض القضايا المعلقة في الفيزياء.

يُعرف <M .L. كراوس> [وهو رئيس قسم الفيزياء في جامعة Case Western Reserve] بين زملائه الباحثين باقتراحه النافذ بأن الطاقة الخفية(1) dark energy، التي لايزال أمرها غامضا علينا، قد تكون مفتاح فهم بداية الكون. كما أنه ناقد اجتماعي مُجاهر(2)، وقد كان واحدا من ستين باحثا مرموقا ممن وقَّعوا في الشهر 2/2004 عريضة عنوانها «إعادة الأمانة العلمية في القرار السياسي إلى ما كانت عليه» متذمرين من سوء استخدام إدارة <بوش> للعلوم. لكن الجمهور قد يعرفه على نحو أفضل باعتباره كاتب صفحة رأي ومؤلف كتب شعبية تلقى رواجا واسعا. فكتابه «فيزياء Star Trek» الذي نُشر عام 1995 تصدر حينذاك قائمة أكثر الكتب مبيعا، كما تُرجم إلى خمس عشرة لغة. وهو ينهي الآن كتابه الشعبي السابع «الاختباء في المرآة: الافتتان الغامض بالأبعاد الإضافية» الذي يصفه بأنه استكشاف لحكاية شغفنا الأدبي والفني والعلمي بفكرة وجود أكوان خفية في الفضاء. وقد ناقش <M .L. كراوس> مؤخرا اهتماماته العلمية والاجتماعية العديدة مع الكاتبة <C. درايفوس>.

ساينتفيك أمريكان: ما هي حاليا أهم الأسئلة التي تشغل الفيزياء؟

<M .L. كراوس>: لقد وجدتُ أن هناك ثلاثة أسئلة مثيرة للاهتمام: ماهية طبيعة الطاقة الخفية، وكيفية إمكان الموافقة بين تلاشي الثقوب السوداء والميكانيك الكمومي، وأخيرا هل هناك أبعاد إضافية؟ وهذه الأسئلة يرتبط بعضها ببعض، وهي تتطلب ـ جميعها ـ نوعا جديدا من إعمال الفكر في الثقالة الكمومية(3)، ولكن علينا الإتيان بفكرة خلاقة وجديدة تماما. ومن الصعب توقع موعد حدوث ذلك، فمثلا لم يكن بالإمكان في عام 1904 التوقع بأن <A. آينشتاين> سيطرح فكرته الجسور عام 1905.

أعتقد أن حل هذه الأسئلة قد يكون نظريا وليس تجريبيا، فمن المرجح أن الأدلة التجريبية المباشرة التي قد ترشدنا إلى المناحي النظرية لهذه المجالات تقع خارج نطاق التجارب الجارية، كما أني أراهن بأن حل هذه الأسئلة لن يشبه أي شيء حتى الآن، بما في ذلك نظرية الأوتار.

ساينتفيك أمريكان: هل تُعد نظرية الأوتار في الفيزياء كالإله الذي أخفق، كما اعتاد بعض الناس القول عن العقيدة الشيوعية؟

كراوس: ليس ذلك صحيحا تماما، لكني أعتقد أن زمنها قد انقضى. ينبثق كل من نظرية الأوتار والنظرية الفيزيائية الرائجة حاليا، وهي نظرية الثقالة الكمومية العروية(4) loop quantum gravity، عن فكرة أساسية: ثمة مشكلة رياضياتية في النسبية العامة.

والمعضلة أنه كلما حاولنا تفحص الظواهر الفيزيائية عند مقاييس أصغر فأصغر ازدادت صعوبة حساب مفعول الثقالة أكثر فأكثر، وفي المآل نحصل على لانهايات infinities. وتحاول معظم الأبحاث التي تسعى إلى الوصول إلى نظرية كمومية للثقالة فهم هذه اللانهايات. وتقوم نظريتا الأوتار والثقالة الكمومية العروية بالالتفاف حول هذه النهايات وعدم تصغير الأبعاد لأقل من قدر معين، وإلا فستتصرف الأشياء على نحو مختلف. وكلتا النظريتين مبنيتان على أساس أنه لا يمكن أن تصغر أبعاد الجسيمات النقطية point particle إلى الصفر. وهذه إحدى طرائق التخلص من اللانهايات الرياضياتية. وفي اعتقادي أن الفرق بين النظريتين يكمن في كون نظرية الأوتار أكثر غنى من الناحية الفكرية والرياضياتية.

لم تحقق نظرية الأوتار الكثير في مجال حل المشكلات الفيزيائية المطروحة، لكنها توصلت إلى اكتشافات رياضياتية عديدة مهمة، ومن هنا ينبع سحرها. أما نظرية الثقالة الكمومية العروية فلم تحقق ذلك ـ في تصوري على الأقل.

ساينتفيك أمريكان: هل تعني أن نظرية الأوتار لم توصلنا إلى أي حل للمشكلات الفيزيائية المطروحة؟

كراوس: لم تخبرنا أي من نظريتي الأوتار أو الثقالة الكمومية العروية كثيرا عن المشكلات الرئيسية غير المحلولة ـ وأهمها، لماذا يحتوي الكون على طاقة خفية؟ وهذا يُعد أهم سؤال في الوقت الحالي. وقد نتجت فكرة الأكوان المتعددة أو الأبعاد الإضافية من نظرية الأوتار، وهذه مبنية على الأبعاد الإضافية. فنظرية الأوتار المتساوقة الوحيدة لها في الأصل 26 بُعدا، ثم خُفضت لاحقا إلى 10 أبعاد. ولكن الكون الذي نعيش فيه رباعي الأبعاد (ثلاثة للمكان إضافة إلى الزمن)، ولذلك تُطرح مناقشات كثيرة لإيضاح كيف أن هذه الأبعاد الإضافية غير مرئية. ومؤخرا حاول بعض الباحثين تحويل ذلك العيب إلى مزية عبر اقتراح إمكان كشف الأبعاد الإضافية.

ساينتفيك أمريكان: لقد أنهيتَ لتوِّك كتابا عن الأكوان المتوازية، فهل تعتقد أنها موجودة حقا؟

كراوس: دعيني أُجِبْ عن ذلك على النحو التالي: إنه مجال مثير ورائع لطلبة الدراسات العليا. وأحد طلبتي السابقين في الدكتوراه مسؤول عن تزايد الاهتمام بهذه الفكرة مؤخرا. غير أن هذه الأبعاد الإضافية تبدو، في اعتقادي، غير صحيحة؛ إذ يشير ما نتعلمه من فيزياء الجسيمات الأولية عن توحيد مجمل قوى الطبيعة إلى اتجاه مختلف عما تقترحه نماذج الأكوان المتوازية الكبيرة. ورغم جمال وإثارة الأفكار المتعلقة بالأبعاد الإضافية العديدة، فإنه إن قُدِّر لي المراهنة عليها فسأراهن على عدم صحتها، وسيرينا المستقبل ذلك.

ساينتفيك أمريكان: كيف أتتك فكرة كتابك «فيزياء Star (5)Trek»؟

كراوس: في الحقيقة لقد بدأتْ كنكتة، ربما في عام 1993، فقد كنت أنهيت للتو كتاب «خوف من الفيزياء(6)»، وكنت أتسامر مع محررة كتابي هذا عن موضوع يمكن أن أكتب فيه لاحقا، وأثناء المحادثة ذكرتْ شيئا عن أن ابنتها من محبي مسلسل «Trekker» وأردفت ضاحكة: «ماذا عن فيزياء Star Trek»؟

بدأتُ تلك الليلة بالتفكير في «الناقل» the transporter الذي هو جهاز يفرق ذراتك وينقلها في الوقت نفسه إلى مكان ما ثم يعيد تجميعها في ذلك المكان. ما هي متطلبات بناء ناقلٍ كهذا؟ هذا ما قادني إلى وضع قائمة بجميع ظواهر Star Trek المصممة بدقة وإحكام، بحيث يمكن استخدامها لجذب الناس للتفكير بالفيزياء. واعتقدتُ أنه إن أحب الناس ذلك الأمر الخيالي فالأوْلى بهم محبة العلوم الحقيقية، التي تعتبر أكثر مدعاة للدهشة بآلاف المرات.

لقد كنت صريحًا دون تجملّ بالنسبة إلى أشياء الرحلة التي لا يمكن تطبيقها. لكنني أيضًا وجهت القراء صوب الإمكانيات المدهشة في الكون الحقيقي. فالعلوم الحقيقية تطرح أفكارا لا يجرؤ أي كاتب خيال علمي على اقتراحها. فإذا فكرنا مثلا في الثقالة الكونية المضادة(7)، وهي ما أعمل عليه في الوقت الحالي، فسنرى أننا لا نفهم سبب احتواء الفضاء الخالي على الطاقة. إنها أغرب فكرة في العالم!

<M .L. كراوس> رجل متعدد الآراء، يقول أحدها إن نظرية الأوتار فشلت في تسليط الضوء على طبيعة الطاقة الخفية.

ساينتفيك أمريكن: لماذا؟

كراوس: إذا سألتِ طفلا عن مقدار الطاقة الموجودة في الفضاء الخالي فسيجيب «لا شيء»، لأن ذلك هو الجواب المعقول. ولكننا تعلَّمنا أن ذلك غير صحيح؛ فمهما تخلصنا من كل شيء، فسيبقى هناك حتما شيء ما.

والأسوأ من ذلك أنه عندما نضع كمية قليلة من الطاقة في الفضاء الخالي فكل ما تعلمناه من قوانين الفيزياء يخبرنا أنه سيكون بالإمكان إضافة كمية كبيرة من الطاقة إليه؛ فحالما نفتح الحاجز ونسمح للفضاء الخالي باحتواء طاقة، فسنتساءل عن مقدار الطاقة التي يمكن أن يحتوي عليها بشكل طبيعي؟ وفقا للفهم الحالي للثقالة والميكانيك الكمومي يجب أن يحتوي الفضاء الخالي على طاقة تزيد بمقدار 120 مرتبة كبر(8) على كمية الطاقة التي يحتوي عليها وفقا للقياسات، فكيف ننقص الكمية التي يحتوي عليها بهذا القدر الهائل من دون أن نجعلها تساوي الصفر تماما، ذلك لغز تام. ويعد الفيزيائيون هذا الأمر أسوأ معضلة في الفهم الدقيق للفيزياء.

عندما نحل هذه المعضلة علينا تفسير سبب كون العدد المقيس أصغر بمقدار 120 مرتبة كبر مما نتوقعه. ولا يملك أحد فكرة عن كيفية القيام بذلك، ولهذا فهي أكثر الأشياء إثارة في الفيزياء. فالغرابة تجعل الأشياء مثيرة.

ساينتفيك أمريكان: إنك أحد الفيزيائيين القلائل المرموقين والمعروفين أيضا كمفكرين بالشأن العام. كان هذا النشاط معروفا لدى الباحثين في منتصف القرن الماضي، فمثلا كان <A. آينشتاين> ذا شهرة عالمية، وكانت أفكاره الشخصية عن كل شيء ابتداء من نزع السلاح النووي ووصولا إلى الصهيونية تجتذب الصحافة. لماذا تعتقد أنك تتفرد بهذا الأسلوب الآن؟

لست ضد تدريس الأفكار القائمة على الإيمان في صفوف التربية
الدينية؛ لكنني ضد تدريسها وكأنها علوم.
كراوس: أنا لا أستطيع التحدث عن الآخرين. فإضافة إلى أبحاثي أرى أن جزءا من مهمتي هو محاولة تقريب الهوَّة بين العلم وباقي الثقافة. إننا نعيش اليوم في مجتمع لا يعيب على الأذكياء أمّيتهم العلمية. ولكن ذلك لم يكن صحيحا دائما؛ إذ لم يكن بالإمكان اعتبار الفرد مثقفا في بداية القرن العشرين إلا إذا كان بوسعه مناقشة الموضوعات العلمية المطروحة حينذاك. أما الآن فيمكننا اختيار مجلة ثقافية رصينة لنجد فيها عرضا لكتاب علمي من مُراجع لا يتورع عن القول «لقد كان هذا ولكني لم أفهمه،» ولو راجعوا عملا للاقتصادي <K .J. گالبريث> فلن يتباهوا بجهلهم بالاقتصاد.

ساينتفيك أمريكان: كيف أصبح الجهل العلمي مقبولا اجتماعيا؟

كراوس: نعلم جميعا مدى سوء تدريس العلوم في كثير من المدارس. فليس لدى العديد من مدرِّسي المرحلة المتوسطة وحتى بعض مدرِّسي المرحلة الثانوية خلفية في العلوم. عندما دخلت ابنتي في الصف الثاني ذهبتُ إلى مدرستها فأذهلني عدم تمكن معلمتها من تدريس أبسط المفاهيم العلمية. وأعتقد أن هذا شيء عام. وأن ثمة حقيقة وهي أن العلوم أصبحت محصورة بشكل متزايد في النخبة، مما يجعل فهمها أكثر صعوبة بين عامة الناس.

والحقيقة، وأنا لست أول من يقول ذلك، هي أن الباحثين العلميين الأمريكيين صاروا بعد الحرب العالمية الثانية نخبة معزولة عن المجتمع. فالأسرار التي سمحت لهم بتغيير العالم دعتهم أيضا إلى التنصل من مسؤولياتهم الوطنية، فأصبح الباحثون العلميون طبقة فوق المجتمع وليست جزءا منه.

ولذلك ـ ولزمن طويل، وحتما حتى سبعينات القرن العشرين ـ لم يكن في اعتقاد العديد من الباحثين أن التواصل مع الجمهور أمر مهم. وكانت تلك فترات طيبة سَهُلَ فيها تمويل المشروعات. وقد أتى نداء اليقظة عام 1993 عندما وأد مجلس الشيوخ مشروع المصادم الفائق ذي الموصلية الفائقة Superconducting Super Collider، وكانت هذه إشارة حقيقية إلى أن الفيزيائيين ليسوا على جادة الصواب.

فقد قصّرنا في إقناع الجمهور، وكذلك في إقناع جميع زملائنا، بجدوى إنفاق البلايين. وأصبح واضحا منذ ذلك الحين أنه للحصول على تمويل لما نقوم به يجب علينا شرح جدوى ذلك للجمهور. ومن أجل ذلك أرى وجوب ربط الأفكار المثيرة في العلوم بالحياة اليومية للناس.

ساينتفيك أمريكان: إن أكبر قضية عامة عُرفتَ بها هي صراعك ضد تدريس نظرية خلق العالم في المدارس، فقد قضيت وقتك خلال العامين الماضيين بالسفر وبمحاورة المعتقدين بالخلق creationists حول التغيرات المقترح إدراجها ضمن مناهج المدارس الثانوية في ولاية أوهايو، فهل كان ذلك أمرا يبعث على الارتياح؟

<M .L. كراوس> (واقفا) يخاطب لجنة المعايير في هيئة التربية بولاية أوهايو في11/3/2002، وذلك في محاولة لإقصاء التدريس الديني عن مناهج العلوم في المدارس العامة. ومع أن الهيئة وافقت على ذلك، إلا أن المؤمنين بنظرية الخلق لم يستسلموا.

كراوس: كان أقل مدعاة للارتياح من أي شيء فعلته في حياتي. فإقناع الناس بمدى الإثارة التي يتضمنها العلم أمر سهل، ولكن محاولة تفادي الهجوم على العلم هي مضيعة للوقت بشكل لا يصدق، حتى وإن كانت هذه المحاولة ضرورية.

لقد انجررتُ إلى ذلك بعد تعيين عدد من أتباع نظرية الخَلق في «لجنة المعايير في هيئة التربية بولاية أوهايو». فقد اقترحوا معايير جديدة لإدخال جدل زائف حول فكرة التطور وذلك من خلال عرض فكرة طُرحت خصيصا لهذا الغرض، تدعى «التصميم الذكي» intelligent design، في المناهج العلمية بالمدارس الثانوية.

لقد وجدتُ نفسي وسط ما يشبه الحملة السياسية لمدة عام تقريبا، وعندما انتهى كل شيء ربحنا وخسرنا في آن معا. فقد ربحنا لأننا نجحنا في منع إدراج «التصميم الذكي» في مناهج المقررات العلمية؛ وخسرنا لأن الهيئة ـ من باب «الإنصاف» ـ أضافت عبارة إلى تلك المعايير تقول: «يجب على الطلبة تعلُّم كيف يواصل الباحثون تمحيصهم الناقد لنظرية التطور». وقد عارضتُ تلك الإضافة بشدة؛ فقد أردت أن يقولوا «إن الباحثين مستمرون في تفحصهم الناقد لكل شيء.»

وكما خمنتُ، فتحتْ هذه العبارة الباب لادعاء المؤمنين بنظرية الخلق بأن هناك جدلا حول صحة نظرية التطور. وهكذا عدنا إلى ما كنا عليه في البداية. ومنذ عدة أسابيع اضطررتُ لتنحية عملي جانبا، لأن المؤمنين بنظرية الخلق عادوا إلى خططهم القديمة ثانية في ولاية أوهايو؛ إذ كان أحد الدروس النموذجية خطبة تمجيد للتصميم الذكي. وفي الواقع مرروا الفكرة برمتها من جديد عبر باب موارب. وقد صار هذا الأمر متعبا إلى حد أني أوشكت أن أقول لنفسي «انس الأمر واستمر في حياتك،»؛ لكني أدركت عندها أن هذا هو بعينه ما اقترحه منذ البداية المحامي <P. جونسون> (وهو أول من عرض استراتيجية التصميم الذكي) عندما قال «سنستمر في عرض تلك الفكرة إلى أن نتغلب على التطوريين.»

ساينتفيك أمريكان: هل يوقع العلماء أنفسهم في فخ عندما يحاولون أن يكونوا «منصفين» و«يعطُون وقتا متكافئا» في نقاشهم مع أعداء النظرية الداروينية؟

كراوس: أجل، فالعلم ليس منصفا، لأنه عرضة للاختبار. ففي العلم نبرهن على الأشياء مستخدمين طرائق تجريبية ونستبعد أشياء ثبت خطؤها، وبهذا النحو نحرز تقدمًا.

وأنا لا أمانع في تدريس الأفكار المبنية على العقيدة في مناهج التربية الدينية؛ لكني لا أوافق على تدريسها كعلوم. ويقلقني أن شخصا مثل <بيل گيتس> الذي أُعجَبُ بهباته الخيرية قد قدم هبة لمؤسسة فكرية محافظة تدعى «معهد الاكتشاف»، وهي من مروجي فكرة التصميم الذكي. صحيح إن الهبة التي حصلوا عليها والتي تبلغ نحو 10 ملايين دولار (وهي الثانية من مؤسسة <گيتس>) لا تؤيد التصميم الذكي لكنها تضيف مصداقية إلى جملة أهداف المؤسسة ونشاطاتها المشبوهة فكريا، بحسب خبرتي معهم. فخلال مناقشة معايير العلوم في أوهايو حاول الناشطون في هذا المعهد باستمرار الإيحاء بوجود جدل حول صحة نظرية التطور مع أنه لا وجود لهذا الجدل، وأدخلوا النقاش في إطار قضية إنصاف، في حين أنه بعيد عن ذلك الإطار. [ملاحظة المحرر: صرحت <A. لو> مسؤولة الإعلام لدى مؤسسة <M & .B. گيتس>، بأن المؤسسة «لا تود التعليق على ملاحظات الدكتور كراوس.»]

ساينتفيك أمريكان: لماذا تعتقد أن هذه الهبة مقلقة إلى درجة أنك ذكرتها دون غيرها؟

كراوس: لأننا نعيش في زمن تتحول فيه العديد من الأسئلة العلمية إلى حملات علاقات عامة، حيث يُنحّى بالحقيقة جانبا لصالح العبارات الرنانة والجدل المصطنع. وهذا خطر على العلم والمجتمع، فلا يمكن أن يخضع ما نتعلمه من الملاحظة والاختبار للمفاوضات أو المناورات، كما هي الحال في السياسة.

يطعن المؤمنون بنظرية الخلق بمصداقية العلم عندما يشكّون في وسائلنا. وعندما يقومون بذلك، يجعلون من السهل تشويه نتائج الأبحاث العلمية في ميادين سياسية مختلف عليها.

ونرى أن ذلك يحدث الآن في قضايا مثل الخلايا الجذعية (الأرومية)(9) stem cells، والإجهاض، والاحترار العالمي، والدفاع الصاروخي. فعندما أظهرت اختبارات منظومة الدفاع الصاروخي المقترحة عدم كفاية عملها، كان جواب الپنتاگون: «لن نجري عليها المزيد من الاختبارات قبل أن نبنيها.»

إننا نعيش في مجتمع لا يعيب كون الأذكياء جهلة علميا.
ساينتفيك أمريكان: بين كتاباتك في مجال تبسيط العلوم وعملك السياسي متى تقوم بأبحاثك العلمية؟

كراوس: أقوم بذلك خلال ساعات الليل الهادئة وبين هذه الأعمال، وأيضا عندما تسنح لي الفرصة للجلوس مع الطلبة ومع باحثي ما بعد الدكتوراه. والغريب أنه عندما نقوم بذلك فإننا ننجز الكثير، وأنا أعتمد كثيرا على ذلك في الفترة الأخيرة.

قد تمر أشهر وأنا أعمل على أمور أخرى وينتابني الاكتئاب إلى حد بعيد. فالكلام عن العلوم مهم ولعله أهم شيء أقوم به، لكني أشعر أني كالمخاتل إن لم أقم بأعمال علمية. ومن جهة أخرى، إذا لم أتابع الكتابة في الأمور العامة أشعر أيضا بأني مخاتل.

ساينتفيك أمريكان: لماذا مخاتل؟

كراوس: لأن العلوم لا تمارس في فراغ، بل في نطاق اجتماعي؛ ولأن لنتائج العلوم تداعيات مهمة على المجتمع، حتى وإن اقتصر ذلك على فهم عام للكيفية التي نتلاءم بها نحن بني البشر مع الكون.

ولذلك لا يكفي إنتاج معرفة جديدة من دون القيام بأي محاولة لشرحها وتوضيحها. وأعتقد أنه ليس على كل باحث أن يعمل على تبسيط العلوم، ولكن من المهم جدا أن ينبري أحدٌ ما للدفاع عن العلم في مجتمع تأخذ فيه العلوم أهمية حيوية، وبوجود قوى عديدة فيه تحاول تشويه نتائج هذه العلوم.