منتدى الآصالةوالتاريخ حريب بيحان
ينتهي : 30-04-2025
عدد مرات النقر : 1,281
عدد  مرات الظهور : 29,296,799

عدد مرات النقر : 4,127
عدد  مرات الظهور : 73,317,156
عدد  مرات الظهور : 69,033,125
قناة حريب بيحان " يوتيوب "
عدد مرات النقر : 2,309
عدد  مرات الظهور : 73,317,958مركز تحميل منتديات حريب بيحان
ينتهي : 19-12-2025
عدد مرات النقر : 3,947
عدد  مرات الظهور : 69,533,885
آخر 10 مشاركات
تحدي المليوووون رد ،، (الكاتـب : - المشاركات : 2050 - المشاهدات : 123528 - الوقت: 07:27 PM - التاريخ: 04-25-2024)           »          صـبـــاحكم سكــر // مســـاؤكم ورد معطر (الكاتـب : - المشاركات : 2386 - المشاهدات : 169625 - الوقت: 06:40 AM - التاريخ: 04-24-2024)           »          تعزية للاخ يمني بوفاة اخيه (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 6 - المشاهدات : 108 - الوقت: 09:46 PM - التاريخ: 04-22-2024)           »          قراءة في سورة البقرة (الكاتـب : - المشاركات : 2 - المشاهدات : 69 - الوقت: 05:34 AM - التاريخ: 04-20-2024)           »          الاذكار اليوميه في الصباح والمساء (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 542 - المشاهدات : 33701 - الوقت: 08:30 PM - التاريخ: 04-19-2024)           »          عيدكم مبارك ،، (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 1 - المشاهدات : 84 - الوقت: 08:45 AM - التاريخ: 04-10-2024)           »          ماذا ستكتب على جدران (منتديات حريب بيحان) (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 3179 - المشاهدات : 233632 - الوقت: 05:26 PM - التاريخ: 04-08-2024)           »          ورد يومي صفحه من القرآن الكريم (الكاتـب : - المشاركات : 93 - المشاهدات : 982 - الوقت: 06:53 AM - التاريخ: 03-23-2024)           »          شهرمبارك كل عام وأنتم بخير (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 3 - المشاهدات : 80 - الوقت: 04:06 AM - التاريخ: 03-18-2024)           »          تدمير دبابة ميركافا الإسرائيلية (الكاتـب : - آخر مشاركة : - المشاركات : 2 - المشاهدات : 140 - الوقت: 06:53 AM - التاريخ: 03-17-2024)


الإهداءات



الاسلام ديننا و حياتنا واحة إسلامية لحصد الحسنات وتكفير السيئات


محاضرات اسلامية ( مكتوبة )

واحة إسلامية لحصد الحسنات وتكفير السيئات


الرد على الموضوع
 
LinkBack خيارات الموضوع
قديم 05-24-2016, 10:48 PM   #11


الصورة الشخصية لـ أبو سامي
أبو سامي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2140
 تاريخ التسجيل :  Aug 2013
 أخر زيارة : 03-09-2024 (11:53 PM)
 المشاركات : 5,725 [ + ]
 تقييم العضوية :  5380
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 119
تم شكره 366 مرة في 243 مشاركة
الإفتراضي رد : محاضرات اسلامية ( مكتوبة )



اسم المادة : اللـسـان
للشيخ / خالد الجبير


في يوم الجمعة وقبل الصلاة اتصل بي استشاري القلب وقال يادكتور عندنا حالة مستعجلة
ونبيك تسوي لها عملية الآن , قلت هاللحين ولابعد الصلاة قال لا ممكن تنتظر بعد الصلاة
فقلت خلاص وعزمت وتوكلت على العزيز المنان الكريم وصليت في مسجد المستشفى
وبعد الصلاة أتيت مسرعاً إلى غرفة العمليات رقم 1

دخلت فماذا أرى .. رجل النظر إلى وجهه عباده الجلوس معه تنسيك كل شئ في الدنيا إلا ربك
رجل في الثمانين من عمره وجهه يتلألأ لحية كفة قد حناها حمراء ما أجملها
دخلت فإذا بهي يقابلني بدعاءِ وثناء ثم يدعوا لهذا ويسبح ويهلل ثم يدعوا لهذا ثم يدعوا لهذا
ثم يسبح ويهلل ويدعوا ثم يسبح ثم يدعوا ثم يسبح ثم يدعوا ويدعوا ثم يدعوا ويسبح
فقلب غرفة العمليات في 15 دقيقة إلى مجلس علمِ عظيم تود لو انها تطول
فقال له المخدر وهذهي عادة مخدرينا أغلب مخدريننا في مركز الامير سلطان جزاهم الله خيرا
يذكرون من سيعطونه الأبره بالشهادة

فقال له ياخال بعطيك أبره التخدير فقل أشهد أن لا إله إلاَّ الله و أشهد أن محمد رسول الله
فقالها كبير السن هذا وما ان اخذ أبرة التخدير الا وتوقف قلبه بدأنا بالتدليك وبعد 45 دقيقة
لم يكتب الله له الحياة فمات على لا إله إلاَّ الله والسنه
أسأل الله ان تكون لي ولكم آجمعيين ومن نحب من المسلمين

في يوم الأثنين كنت أبحث عن زميل بعد ثلاثة أيام من هذه الحادثة كنت أبحث عن زميل قيل لي
هو في غرفة رقم 3 غرفة العمليات رقم 3
ذهبت إليه فماذا أرى ... وجدت رجل مغايراً للأول يشتم هذا ويلعن هذا ويسب هذا ويكيل الشتم
ياخال أتق الله انقلع ياخال أتق الله يلعن يشتم يلعن يشتم يشتم يلعن بكل ألوان الشتم واللعن
إلى ان قال له دكتور التخدير ياخال بعطيك أبرة التخدير قل أشهد أن لا إله إلاَّ الله و أشهد أن محمد رسول الله
قال انقلع ماني بقايلها قل يابن الحلال قال انقلع خدرني بس فما زال يراوده فرفض فخدرة فمات

أخواني استشرت في هذا المسجد عن ماذا اتكلم فقال اللسان فو الله ما اعددت لها وقد اعددت لموضوع آخر
ورأيت تنهداته وهو يقول اللسان فعلاً يا اخوان انه اللسان
اللسان الذي يقول ربي فيه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) (الأحزاب:70)

أذن الأصل عندي وعندكم ان نتكلم الأصل ان نتكلم ومن قال السكوت اذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب
وهذه لاتصح فرب العالمين يقول قولوا وهذا يقول السكوت من ذهب لا والله ماتصح
أذن ماذا نقول ربي يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً)

أذن آمرني ربي أن اتكلم كيف يا اخوان أخواني مشكلتي ومشكلة المقصرين امثالي هذا اللسان ماذا اعمل به
هذا اللسان والله أرأيتم هذه الاعمال التي نقوم بها والامور التي نقوم بها قد تذهب في زلة لساننا
عَنْ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، ‏ عَنِ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ: "‏مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ
وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ".

أخواني أخواني أخواني هذا اللسان
أتصل بي طالب علم قال انت قريب ولابعييد قلت له انا قريب قال تعال امي تحتضر دخلت عليها في غرفتها رحمها الله
وما ان دخلت الا وشممت رائحة عجيبة المسك نعم والله لكنه ليس مسك الدنيا العنبر نعم ولكن ليس عنبر الدنيا
عنبراً ومسك لم اشم مثلهما دخلت قربت منها رحمها الله وكلما اقرب منها تزداد الرائحه وكلما اقرب تزداد الرائحه

وكلما اقرب تزداد الرائحه الى ان قالت أشهد أن لا إله إلاَّ الله و أشهد أن محمد رسول الله
وخرجت روحها وجلست تلك الرائحه في الغرفة يومان يومين في الغرفة سألت ابنها ما أمك على اي شئ امك
قال امي عندها امرين ماهم ..
الاول اني لم اشهد عليها في حياتي قط انها اغتابت مرا واحده في حياتها
والثانية وهي الشاهد لي في كلمتي هذه ويجب ان نتعلم منها وهي انها شغلتها بس تمدح اذا سب احد عندها مدحت
مدحت مدحت مدحت مدحت فقط فيسكت الذي يسب وتعلو لا إله إلاَّ الله
أخواني لنعود انفسنا بهذا اللسان على امور منها
الاول ذكر وشكر وعباده وثناء تسبيح وتهليل
جاني احد الاخوة قال يادكتور انا عجزت اتوب من الغيبه قلت صادق في توبتك قال والله اني صادق اني
ارى الاعمال اللي اسويها ثم اضيعها خارج المسجد هذي عظيمه قلت طيب امسك يدك فقلت له التسبيح والتهليل
وقلت له الثانيه التي سأقولها لكم الأستغفار قلت له خل كلمة الأستغفار ذي على خاص
أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه
طول عمرك امش رح جاي رايح نايم قايم هنا هناك تبي تغير ربي اغفر لي وتب علي انك انت التواب الرحيم
هذي مرا وهذي مرا قل مائتين مرا هذيك وهذي مائة مرا تروح تجيب زوجتك من المدرسه قلها وانت في الطريق قلها
وانت رايح تتوضأ قلها وانت جاي للمسجد قلها وانت منا قلها قلي ليش قلت لأمرين اما الأول
فـ محمد صلى الله عليه وسلم يقول طُوبَى طُوبَى طُوبَى لمن ملئت صحائفهم بالأستغفار
فوا الله رجل قد بشره محمد بـ طُوبَى لايغتاب
والثاني ان هذا الأستغفار والذكر مثل الفرشاة تنظف الاسنان تنظف اللسان تنظيفاً عجيباً فوا الله لن تغتاب بعدها
قابلته بعد مده قلت له وش سويت قال سبحان من قلب غيبة عظيمه إلى تسبيح وتهليل واستغفار صارت تلازمني
حتى أقوم بعض المرات أستغفر أقوم من النوم وانا أستغفر أي نعمة نحن فيها أي نعمة نتركها طُوبَى هذه الثانية

أما الثالثة أخواني لسان لايأمر بمعروف ولاينهي عن منكر اللحين السيارة اذا قعدتها وماشغلتها تخرب
اللسان لم يخلق الا للذكر والشكر والأستغفار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإذ لم تشغله وتعمله فيه ماخلق له
يخرب يستعمل في اشياء لاتريدها فأعمله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لاترى منكراً
إلا ولو اني لم اقل 15 لأوردت لكم قصتان عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم أرى مثلهما ولكني أقول

أخواني والله اننا مسئولون ولعلي اضرب بـالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يصلي صف بالمسجد
الفجر والباقوون إين هم المفروض 10 صفوف 5 صفوف من المسئول عن الخمسة الباقيين انا الذي حضرت
والله اني مسئول والله اننا مسئولون لو كل واحد يا اخوان التزم جار من جيرانه وقعد وراه في صلاة الفجر
لأصبح الصف صفان ثم الصفان اربعه ثم الاربعه ثمانيه فوا الله ما رأيتم الآمه ضعيفة كما ترونها الآن
لكن يا اخوان حنا نفرح ان نجي نصلي الفجر وماندري اننا قد نكون آثمين في تركنا لجارنا اللي ماكلمناه
أخواني لن تزل هذه القدم الا وهي مسئوله عن الجار الذي لم يأتي يصلي لاتقول لي جوال ارسل له رساله
اكتب له كتاب كلمه حب راسه كلما شفته كلمه بعض الاخوة إذا جاره مايصلي مايسلم عليه مايصلي الفجر
قال لي احد الأطباء انصحني لصلاة الفجر قال والله ياخي نقلت لحارة جديده وقد تكون حارتكم نعم حارتكم
هذه المكان نقلت لها وفي الصيف ستة اسابيع ماخذ اجازة اصلي الفجر جاري وجيراني يسلمون علي
يوم بدا الدوام ماعاد اني اصلي الفجر مافيهم واحد يسلم علي جتى جاري اللي جنبي اسلم عليه مايرد
ليش واحد كلمك قال لا بس ماعاد يسلمون علي ماعاد يكلموني اخواني الهروب ليس الحل
أذن يا اخوان الرابع لابد ان اعمل هذا اللسان في الأمر بالمعروف
وأهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو هذهي الصلاة واهم مافيها الفجر فيجب ان نعمل
لايكفي اني انا آتي خالد الجبير أو غيري إلى المسجد وماتعهدت واحد والله لو اتعهد واحد قليل
ما لان السنه ذي السنه اللي بعدها على الاقل اطلع إذا قابلت ربي ما أمرت الا والله ياربي
أمرت فلان وفلان جيراني اللي على اليمين واللي على يساري انا لا اهدي قد أبرئت ذمتي

أخواني مرا انا سكنت في حارة في الشارع ذاك 12 بيت مايصلون منه إلا 2 مايصلي إلا 2 الفجر
والله اعلم بحال العشرة هل انهم يصلون في الوقت او خارج الوقت أخواني الأمر عظيم
أما الرابع وهو يجب ان نعود انفسنا عليه وسأختم به

أخواني الرابع أختي أختي انتبهي لي أخوي انتبه إذا اردنا ان نشيل الغيبه من السنتنا عود نفسك انك تمدح بس
قال فلان قل ونعم قال مافيه قل والله والنعم يصلي الصلوات الخمس بالمسجد قال قل ممتاز
فلان الفلان ممتاز اشوفه والله راعي خير
واحد قال لي من الاخوان امدح وانا كاذب قلت معقولة الآمة واحد مخلوق مافيه خير أبد كل الآمة فيها خير
دور على خيرها لاتدور على سلبياتها

قالوا لك الشارع الفلاني كلوا فيه قروش كثيرة قل ياخي وش يدريك المدير حق اللي قايم على المشروع ممتاز
وهذا ان شاء الله فيه خير والوزير فيه خير وفلان فيه خير وذا فيه خير
وامدح امدح امدح امدح ستجد ثـلاث فوائد فيها في المدح هذا ثلاث فوائد

1- نهيت عن منكر وهي الغيبة واحد جاي بيسب عطه مدح ويفش مالقاله حد معه
يدور ويحمر وجهه الا انت ماتعرف قل الا انا اعرف شد وسم بالله وشد وسم بالله وشد
وادعوا يالله ثبتني وانت لاتاخذك العزه بالأثم وتطاق انت وياه لكن أطلب القوة من الله وبيفش هذي وحده

2- سلمت نفسك من غيبه نعمه

3- دافعت عن عرض أخيك في مجلس ليس هو فيه وأنتم تعلمون الأجر سيدافع عنك يوم القيامة
وستبعد عن جهنم والاجر طويل والحديث طويل ولكني أقول يا اخوان هذا اللسان إذ لم نأدبه
ونجره ونأدبه لاقدر الله سيجرنا إلى قاع جهنم


اللهم ياربي ياكريم ربي ياكريم ربي يارحيم أرحم الراحمين
اللهم من هم ً منا في هذا المجلس أن يتوب من الغيبه
نساء أو رجال رجال أو نساء
اللهم ربي ارفع قدره ويسر امره واشرح صدره أعلي ذكره
احفظ لسانه من كل غيبه ونميمه اللهم املئ قلبه بالعلم والأيمان
وافرغه من الشك والحقد وزين النكران اللهم اجعل قلبي اللهم اجعل لساني والسنتكم السنة حق
تقول حق تصدع بالحق لاتقول الا حق

سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك



 


الرد باقتباس
قديم 05-24-2016, 10:51 PM   #12


الصورة الشخصية لـ أبو سامي
أبو سامي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2140
 تاريخ التسجيل :  Aug 2013
 أخر زيارة : 03-09-2024 (11:53 PM)
 المشاركات : 5,725 [ + ]
 تقييم العضوية :  5380
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 119
تم شكره 366 مرة في 243 مشاركة
الإفتراضي رد : محاضرات اسلامية ( مكتوبة )



اسم المادة : غثاء الألسنة
للشيخ / إبراهيم الدويش


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .... أما بعد ..أحبتي في الله ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... هذه محاضرة بعنوان " غثاء الألسنة ".
والغثاء بالمد والضم : ما يجيء فوق السيل مما يحمله من الزبد والوسخ وغيره , وغثاء الألسنة من أراذل الناس وسقطهم , والغث هو الرديء من كل شيء، وغث حديث القوم أي فسد وردئ , وأغث فلان في الحديث أي جاء بكلام غث لا معنى له.
وما أكثر الكلام الفاسد الذي يدور في مجالس المسلمين أياً كانوا , كباراً أم صغاراً , رجالاً أو نساءً , إن غثاء الألسنة اليوم يزكم الأنوف ويصم الأذان ويصيبك بالدوار والغثيان , وأنت تسمع حديث المجالس اليوم لا نقول ذلك في مجالس العامة ودهماء الناس فقط , بل وللأسف وأقولها بكل أسى حتى في مجالس الصالحين ومجالس المعلمين والمتعلمين.
غثاء الألسنة في الكذب والغش والخداع والنفاق.
غثاء الألسنة في الغيبة والنميمة والقيل والقال.
غثاء الألسنة في أعراض الصالحين والمصلحين والدعاة والعلماء في الوقت الذي سلم فيه أعداء الإسلام من اليهود والنصارى والرافضين والمنافقين.
غثاء الألسنة في التدليس والتلبيس وتزييف الحقائق وتقليب الأمور.
غثاء الألسنة في التجريح والهمز واللمز وسوء الظن.
غثاء الألسنة في الدخول في المقاصد والنيات وفقه الباطن.
غثاء الألسنة في كل ما تحمله هذه الكلمة من غثائيةٍ وغث وغثيثٍ وغثيان , وما هي النتيجة ؟
النتيجة هي بث الوهن والفرقة والخصام والتنازع بين المسلمين وقطع الطريق على العاملين , وإخماد العزائم بالقيل والقال , إنك ما إن ترى الرجل حسن المظهر و سيماه الخير وقد تمسك بالسنة في ظاهره إلا وتقع الهيبة في قلبك والاحترام والتقدير في نفسك , وما أن يتكلم فيجرح فلان ويعرّض بعلان و ينتقص عمراً ويصنف زيداً , إلا وتنـزع مهابته من قلبك ويسقط من عينيك وإن كان حقاً ما يقول , وإن كان صادقاً فيه فلا حاجة شرعية دعت لذلك , وإن دعت الحاجة فبالضوابط الشرعية والقواعد الحديثية.
فإن لم تعلمها أخي المسلم فلا أستطيع أن أقول إلا "أمسك عليك لسانك" , إن المصنفات في الجرح والتعديل مئات المجلدات , لكن اقرأ فيها وتمعن فيها , وكيف كان الجرح فيها ؟ فشتان بين الجرحين .
لقد كان خوف الله عز وجل ميزاناً دقيقاً لألسنتهم رحمهم الله تعالى,وكان هدفهم هو تمييز صحيح السنة من سقيمها, ولكن ما هو الهدف اليوم ؟
نعوذ بالله من الهوى ومن الحسد ومن الشقاق والنفاق ومساوئ الأخلاق.
أيها الأخ المسلم .. إلى متى ونحن نجهل أو نتجاهل أو نغفل أو نتغافل عن خطورة هذا اللسان ؟ مهما كان صلاحك ومهما كانت عبادتك ومهما كان خيرك ومهما كان علمك ومهما كانت نيتك ومهما كان قصدك.
فرحم الله ابن القيم رحمة واسعة يوم أن قال في "الجواب الكافي " :
(من العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والظلم والسرقة وشرب الخمر والنظر المحرم وغير ذلك , ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه !! حتى ترى الرجل يُشار إليه بالدين والزهد والعبادة وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يلقي لها بالاً , يزل بالكلمة الواحدة أبعد مما بين المشرق والمغرب والعياذ بالله).
وقال أيضاً في الكتاب نفسه :
( إن العبد ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها , ويأتي بسيئات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله تعالى وما اتصل به ).
وما أجمل ذلك الكلام !! ولذلك أقول أيها الأخ الحبيب احذر لسانك وانتبه للسانك واحبس لسانك وأمسك عليك لسانك وهو جزء من حديث نبوي أخرجه الترمذي في سننه وأحمد في مسنده وابن المبارك والطبراني وغيره من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال :
( قلت : يا رسول الله ما النجاة ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " املك عليك لسانك وليسعك بيتك وابكِ على خطيئتك " وفي لفظ : " أمسك عليك لسانك ) والحديث صحيح بشواهده.
وأنا هنا لا أدعوك للعزلة وإنما أقول أمسك عليك لسانك إلا من خير , كما في الحديث الآخر:
( فإن لم تطق فكف لسانك إلا من خير) والحديث رواه أحمد وابن حبان وغيرهما .
وحفظ اللسان على الناس أشد من حفظ الدراهم والدنانير كما يقول محمد بن واسع رحمه الله تعالى , ولأن كثرة الكلام تذهب بالوقار ومن كثر كلامه كثر سقطه ولأننا نرى الناس قد أطلقوا العنان لألسنتهم فأصبح ذلك اللسان سلاحاً لبث الفرقة والنـزاع والخصام وفي مجالات الحياة كلها وبين النساء والرجال على السواء ولكثرة الجلسات والدوريات والاستراحات , ولأن الكلام فاكهة هذه الجلسات , كان لا بد من وضع ضابط ولا بد من تحذيرٍ وتذكيرٍ للناس في مثل هذه الجلسات ولأنك ستسمع الكثير إن شاء الله من الأسباب التي جعلتني أختار مثل هذا الموضوع من خلال هذه العناصر :
- خطر اللسان.
- أدلة من السنة والكتاب.
- السلف الصالح مع اللسان.
- صور من الواقع.
- النتيجة النهائية.
واسمع قبل ذلك كلاماً جميلاً جداً للإمام النووي رحمه الله في كتاب الأذكار يوم أن قال فصل:
( اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلام تظهر المصلحة فيه ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة ). انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
اسمع للفقه، اسمع لفقههم رحمهم الله تعالى " ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة " يعني كان قول الكلام أو تركه بمصلحةٍ واحدة، فالسنة الإمساك عنه لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه , بل هذا كثير وغالباً في العادة والسلامة لا يعدلها شيء.
خطر اللسان :- أدلة من الكتاب والسنة :

هل قرأت القرآن ومرّ بك قوله عز وجل : ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (قّ:18)
هل تفكرت في هذه الآية ؟ إنها الضابط الشرعي ( لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (قّ:37).
أسمعت أيها الإنسان ؟ أسمعت أيها المسكين ؟ إنها رقابة شديدة دقيقة رهيبة تطبق عليك إطباقاً شاملاً كاملاً , لا تـُغفل من أمرك دقيقاً ولا جليلاً , ولا تفارقك كثيراً ولا قليلاً , كل نفَس معدود , وكل هاجسة معلومة وكل لفظ مكتوب وكل حركة محسوبة في كل وقت وكل حال وفي أي مكان , عندها قل ما شئت وحدث بما شئت وتكلم بمن شئت ولكن اعلم أن هناك من يراقبك , اعلم أن هناك من يسجل وأنه يعد عليك الألفاظ :
( إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيد * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (قّ:17- 18).
إنها تعنيك أيها الإنسان إنها تعنيك أنت أيها المسلم , ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) هذه الآيات والله إنها لتهز النفس هزاً وترجها رجاً وتثير فيها رعشة الخوف,الخوف من الله عز وجل , قال ابن عباس :
( يكتب كل ما تكلم به من خير وشر حتى أنه ليكتب قولك : أكلتُ , شربتُ , ذهبت, جئت, رأيت .. حتى إذا كان يوم الخميس عُرض قوله وعمله فأقِر منه ما كان من خير وشر وألقي سائره ).
واسمع للآيات من كتاب الله عز وجل تقرع سمعك وتهز قلبك إن كان قلباً مؤمناً يخاف الله عز وجل:
( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) (الانفطار: 12)
( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (الأحزاب:58).
( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الاسراء:36).
( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النور:24).
وأخيرا قوله تعالى: ( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) (الفجر:14). فربك راصد ومسجل لكلماتك ولا يضيع عند الله شيء.
أما أنت أيها المؤمن , أما أنت يا من يقال عنك ويدور عنك الحديث في المجالس , أما أنت أيها المظلوم فإن لك بهذه الآية تطميناً فلا تخف ولا تجزع فإن ربك بالمرصاد لمن أطلقوا العنان لألسنتهم في أعراض العباد , بالمرصاد للطغيان والفساد والشر , فلا تجزع بعد ذلك أيها الأخ الحبيب.
ولتـزداد بيّنة في خطر هذا اللسان الذي بين لحييك فاسمع لهذه الأحاديث باختصار:
فعن بلال بن حارث المزني رضي الله عنه وأرضاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله بها رضوانه إلى يوم يلقاه , وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم القيامة )." والعياذ بالله .. والحديث أخرجه البخاري.
وكان علقمة يقول كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث)، أي هذا الحديث، اسمع لحرصهم رضي الله عنهم وأرضاهم، كما ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره فأين أنت يا علقمة من الذين يلقون الكلمات على عواهلها فلا يحسبون لها حساباً , كم نلقي أيها الأحبة , كم نلقي أيها المسلم من كلمات نظن أنها ذهبت أدراج الرياح وهي عند ربك في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى فاحسب لهذا الأمر حسابه حتى تعلم أن كل كلمة مسجلة عليك أيها الأخ الحبيب.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق) والحديث أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
وفي رواية مسلم ( إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب).
أسألك العفو يا إلهي .. إن شغلنا الشاغل في مجالسنا اليوم أيها الأحبة هو بث الكلمات ونشر الشائعات وكم من كلمة قصمت ظهر صاحبها وهو لا يعلم , ولا شك أن فساد المجالس بسبب قلة العلم والاطلاع , إذ لو وُجد أو أوجد هذا العلم لاستغلت المجالس أحسن استغلال ولسمعت النكت العلمية والفوائد الشرعية والمسائل الفقهية بدلاً عن القيل والقال والغرائب والعجائب ولكن فاقد الشيء لا يعطيه.
وهذا أثر من آثار الجهل الذي يتفشى اليوم بين كثير من الناس , إسهال فكري وإسهال كلامي أصاب مجالس المسلمين اليوم إنك تجلس الكثير من المجالس وربما لم يمر عليك يوم من الأيام وليلة من الليالي إلا وجلست مجلساً فبماذا خرجت من هذه المجالس؟
ما هي النتيجة ؟
ما هي الثمرة من هذه المجالس التي جلستها ؟
أيها الأخ الحبيب , لا شك أن هذا أثر من آثار الجهل الذي يتفشى في صفوف المسلمين اليوم وقلة البركة حيث أصبح العلم مصدر رزق الكثير من الناس ولذلك تجد في المجلس الواحد عشرات المدرسين والمتعلمين ومع ذلك يذهب المجلس هباءً بدون فائدة , بل ربما ذهب والعياذ بالله بالآثام وجمع السيئات.
وفي حديث معاذ الطويل قال رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم:
( ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟" قال معاذ : بلى يا رسول الله , فأخذ بلسانه ثم قال).
انظر الوصية .. أخذ بلسانه ثم قال :
( "كف عليك هذا" قلت : يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟)
بعض الناس قد يجهل أنه سيؤاخذ بكل كلمة تكلم بها سواءً خير أو شر.
(وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟" قال النبي صلى الله عليه وسلم :"ثكلتك أمك يا معاذ , وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟" والحديث أخرجه الترمذي في سننه وقال حسن صحيح.
وفي حديث سهل بن سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة) والحديث أخرجه البخاري في صحيحه.
وفي آخر حديث سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال في آخره قلت يا رسول الله , ما أخوف ما تخاف عليّ ؟ فأخذ بلسان نفسه وقال :"هذا" ) والحديث أخرجه مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده والترمذي في سننه وقال الترمذي حديث حسن صحيح.
ثم يوجه المصطفى صلى الله عليه وسلم لأمته تلك القاعدة الشرعية والمعيار الدقيق ولمن اختلطت عليه الأوراق وليقطع الشك باليقين وليسلم من الحيرة والتردد فيقول كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:
( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).
قاعدة شرعية تربوية منهجية نبوية ميزان معيار دقيق لك أيها المسلم ولكِ أيتها المسلمة يوم تجلس مجلساً "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر" انظر للتربية ربط هذه القلوب باليوم الآخر "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت" .. ولأن النفوس اليوم غفلت عن اليوم الآخر وتعلقت بالدنيا وشهواتها ولذاتها غفلت عن هذه القاعدة الشرعية النبوية ونسيت الحساب والعذاب ونسيت الجنة والنار وغفلت عنها .. وبالتالي انطلق اللسان يفري في لحوم العباد فرياً بدون ضوابط وبدون خوفٍ ولا وجل .. لماذا هذه القاعدة ؟
لأنه لا يصح أبداً أن يؤذي المسلم إخوانه بلسانه ولأن المسلم الصادق المحب الناصح هو من سلم المسلمون من لسانه ويده (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) كما في حديث أبي موسى الأشعري المتفق عليه.
والأحاديث في الباب كثيرة مستفيضة.
وكم نحن بحاجة لمن يردد هذه الأحاديث على مسامع الناس , كم نحن بحاجة أيها الأخيار , يا طلبة العلم , أيها الصالحون , كم نحن بحاجة أيتها الصالحات , يا أيتها القانتات الخائفات العابدات الساجدات , كم نحن بحاجة إلى من يردد على المسلمين والمسلمات أمثال هذه الأحاديث ليتذكروها ويعوها وليفهموها جيداً , حتى تتذكر النفس كلما أراد اللسان أن ينطلق بكلمة يحسب لها حسابها قبل أن يخرج لسانه بهذه الكلمات.
واسمع لرواة هذه الأحاديث من السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم يوم أن سمعوها علماً وعملاً وامتثالاً للمصادر الشرعية "الكتاب والسنة" .. وإليك الأدلة من حياتهم العملية رضوان الله عليهم.

السلف الصالح مع اللسان :

أسوق إليك أيها الأخ الحبيب مواقف قليلة جداً عن حال السلف مع ألسنتهم:
ذكر الإمام مالك في الموطأ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه دخل على أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه وهو يجبذ لسانه أي يجره بشدة، فقال عمر: ( مَـه !! غفر الله لك " فقال أبو بكرٍ رضي الله عنه : "إن هذا أوردني الموارد"). من القائل ؟ الرجل الأول بعد الأنبياء والرسل رضي الله عنه وأرضاه , القائل أبو بكر , انظر إلى حرصه على لسانه رضي الله عنه وأرضاه ..
قال رجل : رأيت ابن عباس آخذاً بثمرة لسانه وهو يقول: ( ويحك , قل خيراً تغنم واسكت عن شرٍ تسلم. قال : فقال له الرجل : يا ابن عباس , مالي أراك آخذاً بثمرة لسانك وتقول كذا وكذا ؟ .. قال ابن عباس : بلغني أن العبد يوم القيامة ليس هو على شيءٍ أحنق منه على لسانه، يعني لا يغضب على شيءٍ من جوارحه أشد من غضبه على لسانه)، والأثر أخرجه ابن المبارك وأحمد وأبو نعيم وأيضاً أخرجه أحمد في كتاب الزهد , والمتن بجميع طرقه حسن والله أعلم.
وقال عبد الله بن أبي زكريا: ( عالجت الصمت عشرين سنة – انظر للحساب .. انظر محاسبة النفس – عالجت الصمت عشرين سنة فلم أقدر منه على ما أريد )، وكان لا يدع يعاتب في مجلسه أحد , ويقول : ( إن ذكرتم الله أعنـّاكم , وإن ذكرتم الناس تركناكم )، انظر للضابط " إن ذكرتم الله أعناكم وإن ذكرتم الناس تركناكم.
وكان طاووس بن كيسان رضي الله عنه يعتذر من طول السكوت ويقول: ( إني جربت لساني فوجدته لئيماً راضعاً). هؤلاء هم رضي الله عنهم .. فماذا نقول نحن عن ألسنتنا ؟!
وذكر هناد ابن السري في كتابه الزهد بسنده إلى الحسن أنه قال : ( يخشون أن يكون قولنا "حميد الطويل" غيبة لأنهم بينوه ونسبوه أنه طويل ). حميد الطويل يخشون أن تكون غيبة, رحمة الله عليهم أجمعين.
وأخرج وكيع في الزهد وأبو نعيم في الحلية من طريق جرير بن حازم قال : ( ذكر ابن سيرين رجلاً فقال : ذلك الرجل الأسود .. يريد أن يعرّفه .. ثم قال : أستغفر الله , إني أراني قد اغتبته).
وكان عبد الله بن وهب رحمه الله يقول : ( نذرت أني كلما اغتبت إنساناً أن أصوم يوماً فأجهدني – يعني تعبت – فكنت أغتاب وأصوم أغتاب وأصوم .. فنويت أني كلما اغتبت إنساناً أن أتصدق بدرهم، فمن حب الدراهم تركت الغيبة)، جرب هذا , كلما اغتبت أحداً أو ذكرته بسوءٍ فادفع ولو ريالاً واحداً .. الله أعلم بحالنا .. في آخر الشهر لن يبقى من الراتب ولو ريال واحد .. لأنا أعرف بأنفسنا في المجالس أيها الأحبة، والله المستعان !
قال النووي في الأذكار : بلغنا أن قس بن ساعدة وأكثم بن صيفي اجتمعا , فقال أحدهما لصاحبه : (كم وجدت في ابن آدم من العيوب ؟ فقال : هي أكثر من أن تحصى , والذي أحصيته ثمانية آلاف عيب, فوجدت خصلة إن استعملتها سترت العيوب كلها .. قال : ما هي ؟ قال : حفظ اللسان !!)
قال إبراهيم التيمي : (أخبرني من صحب الربيع بن خثيم عشرين عاماً ما سمع منه كلمة تعاب).
وقيل للربيع : ( ألا تذم الناس ؟ قال : والله إني ما أنا عن نفسي براضٍ فأذم الناس ؟ إن الناس خافوا الله على ذنوب الناس , وأمنوه على ذنوبهم)، وصدق رحمه الله , صدق.
ألا ترون أيها الأحبة في مجالسنا نقول : نخشى عذاب الله من فعل فلان , ونخاف من عقاب الله من قول علان , ولا نخشى الله من قولنا وفعلنا .. وهذا ظاهر في مجالسنا نقول : نخشى من عذاب الله من عمل فلان وعلان , ولكننا ننسى أن نخاف على أنفسنا من عذاب الله من ذنوبنا وأفعالنا وأقوالنا.
ارجع لنفسك وانظر لعيوبها قبل أن تنظر لعيوب الآخرين وتتكلم فيهم.
وقال حماد بن زيد : ( بلغني أن محمد بن واسع كان في مجلس فتكلم رجل فأكثر الكلام , فقال له محمد : ما على أحدهم لو سكت فتنقى وتوقى). أي اختار كلماته وحسب لها حسابها.
وقال بكر بن المنير سمعت أبا عبد الله البخاري يقول ( أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحداً )، اسمع للثقة، والبخاري له كتب في الجرح والتعديل، ويقول الذهبي في السير معلقاً على قول البخاري هذا صدق رحمه الله .. ومن نظر في كلامه في الجرح والتعديل علم ورعه في الكلام في الناس وإنصافه في من يضعفه فإن أكثر ما يقول – يعني أشد ما يقول البخاري إذا أراد أن يجرح رجلاً – يقول : منكر الحديث , سكتوا عنه , فيه نظر , ونحو هذا، وقلّ أن يقول فلان كذاب , أو كان يضع الحديث ,حتى أنه قال : إذا قلت "فلان في حديثه نظر" فهو متهم واهن , وهذا معنى قوله " لا يحاسبني الله أني اغتبت أحداً " وهذا هو والله غاية الورع ) انتهى كلام الذهبي.
هذا موقف السلف الصالح رضوان الله عليهم مع اللسان , والآن تعال إلى صورٍ من الواقع وهي عبارة عن مواقف مبعثرة وأحداثٍ متعددة تتكرر في مجالسنا كثيراً , اخترت منها عشرة مشاهد , أسوقها إليك فأصغ لي سمعك وفهمك وأحسن الظن فيّ فلعلي لا أحسن التصوير أو ربما خانني التعبير , ما أريد يعلم الله إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله.

ومن الصور المشاهدة في مجالسنا:

وأولى هذه الصور :
حديث العامة أن فلاناً فيه أخطاء، وفلان آخر فيه تقصير، والثالث فيه غفلة، والرابع لا يسلم من العيب الفلاني .. وهكذا .. أقاموا أنفسهم لتقييم الآخرين وجرحهم ولمزهم .. فيا سبحان الله !!
نسينا أنفسنا , نسينا عيوبنا وتقصيرنا وغفلتنا وكثرة أخطائنا , ولو أعمل عاقل فكره في الجالسين أنفسهم لوجدنا فيهم البذاءة وسوءاً في المعاملة والأخلاق , فهو إن حدث كذب وإن وعد أخلف , أو باع واشترى فغش وخداع، وإن جاء للصلاة نقرها نقر غراب مقصر في الفرائض مهمل في النوافل , في وظيفته تأخر وهروب وإهمال واحتيال، وفي بيته وسائل الفساد وضياع الأولاد وعقوق للأرحام , كل هذه النقائص والمصائب عميت عليه فنسيها في نفسه وذكرها في إخوانه فلم يسلم منه حتى ولا الصالحون المخلصون.
فيا أيها الأخ , والله إني عليك لمشفق ولك محب فأمسك عليك لسانك وكف عن أعراض الناس وإذا أردت أن تذكر عيوب صاحبك فاذكر عيوبك، كما قال ابن عباس، وقال أبو هريرة: ( يبصر أحدكم القذى في عين أخيه وينسى الجل في عينه ).
وقال عون بن عبد الله : ( ما أحسب أحداً تفرغ لعيوب الناس إلا من غفلةٍ غفلها عن نفسه).
وقال بكر بن عبد الله المزني إذا رأيتم الرجل مولعاً بعيوب الناس ناسياً لعيوبه – أو لعيبه – فاعلموا أنه قد مـُكـِر به ).
إذا رمت أن تحيا سليماً من الردى ........ ودينك موفور وعرضك صيّن
فلا ينطقن منك اللسان بسوءةٍ ........... فكلك سوءاتٍ وللناس ألسن
وعينك إن أبدت إليك معائباً ............ فدعها وقل يا عين للناس أعين
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى ...... ودافع ولكن بالتي هي أحسن
صورة ثانية من الصور التي تقع في واقعنا :
جلسوا مجلسهم فبدأ الحديث فذكروا زيداً وأن فيه وفيه ثم ذكروا قول عمرو فأتقنوا فن الهمز واللمز , والعجيب أن معهم فلاناً العابد الزاهد القائم الصائم والأعجب أن من بينهم طالب العلم فلاناً الناصح الأمين , والحمد لله لم يتكلما وسكتا , ولكنهما ما سلما لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس , ولأن المستمع شريك للقائل ما لم يتبع المنهج الشرعي: ( من ردّ عن عرض أخيه بالغيبة كان حقاً على الله أن يعتقه من النار )، هذا هو المنهج الشرعي والحديث أخرجه أحمد والترمذي وغيرهما من حديث أبي الدرداء والحديث حسن.
فيا أيها المسلم إذا وقع في أحدٍ وأنت في ملأ فكن له ناصراً وللقوم زاجراً وانصر أخاك ظالماً أو مظلوماً وقل للمتحدث "أمسك عليك لسانك" فإن استجابوا وإلا فقم عنهم : ( أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (الحجرات:12).
واسمع لكلام ابن الجوزي الجميل في تلبيس إبليس قال رحمه الله تعالى : ( وكم من ساكت عن غيبة المسلمين , إذا اغتيبوا عنده فرح قلبه وهو آثم من ذلك بثلاثة وجوه :- أحدها : الفرح فإنه حصل بوجود هذه المعصية من المغتاب , والثاني : لسروره بثلب المسلمين , والثالث : أنه لا ينكره) انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
ويقول ابن تيمية رحمه الله تعالى في الفتاوى : ( ومنهم من يخرج الغيبة في قوالب شتى - انتبه إلى هذا الكلام الجميل النفيس – تارة في قالب ديانة وصلاح فيقول : لي ليس عادة أن أذكر أحداً إلا بخير ولا أحب الغيبة ولا الكذب وإنما أخبركم بأحواله , ويقول : والله إنه مسكين أو رجل جيد ولكن فيه كيت وكيت وربما يقول : دعونا منه الله يغفر لنا وله .. وإنما قصده استنقاصه وهضم لجنابه .. ويخرجون الغيبة في قوالب صلاح وديانة يخادعون الله بذلك كما يخادعون مخلوقاً وقد رأينا منهم ألواناً كثيرة من هذا وأشباهه) انتهى كلامه رحمه الله.
صورة ثالثة : اتهام النيات والدخول في المقاصد من أخطر آفات اللسان , يتبعه تبديع الخلق وتصنيف الناس وتقسيمهم إلى أحزاب وهم منها براء وقد يتبع ذلك أيمان مغلظة وأقسام وأحلاف أنه العليم بفلان والخبير بأقواله .. فياسبحان الله !! أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم قصده ومبتغاه ؟
أين أنت من قول القدوة الحبيب صلى الله عليه وسلم : ( إني لم أؤمر أن أنقب قلوب ولا أشق بطونهم)، والحديث أخرجه البخاري ومسلم.
ورحم الله ابن تيمية يوم أن قال في الفتاوى : (وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة وإما لآيات فهموا منها ما لم يُرد منها , وإما لرأي رأوه وفي المسألة نصوص لم تبلغهم , وإذا اتقى الرجل ربه ما استطاع دخل في قوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (البقرة:286)وفي الصحيح قال : "قد فعلت") والحديث عند مسلم في كتاب الإيمان.



فيا أخي الحبيب , أمسك عليك لسانك والزم الورع والتقى ومراقبة الله عز وجل وأشغل نفسك في طاعة الله أنفع لك عند الله , فعن البراء رضي الله عنه قال : جاء أعرابي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( دلني على عمل يدخلني الجنة – انظر للحرص – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أطعم الجائع واسقِ الظمآن وأمر بالمعروف وانهَ عن المنكر فإن لم تطِق فكف لسانك إلا من خير) والحديث أخرجه أحمد وابن حبان وغيرهما وهو صحيح.
وعند مسلم قال تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك). سبحان الله ! انظر لفضل الله جل وعلا على عباده , إن كفك شرك عن الناس صدقة تكتب لك عند الله عز وجل.
فيا أيها الأخ الكريم إن أبواب الخير كثيرة وأعمال البر عديدة فأشغل نفسك فيها، فإن عجزت فكف لسانك إلا من خير , وإن أبيت إلا أن تكون راصداً لأقوال الناس حارساً لألسنتهم فقيه ببواطنهم , فحسبنا وحسبك الله.
صورة أخرى : سمع ذلك المتحدث أو بعضاً من كلماته دون أصغاءٍ جيد المهم أنه فهم فحوى الكلام وعرف قصد المتكلم أو هكذا زعم , وانتبهوا لهذه الصورة لأنها تحصل لكثير منا , قرأ ذلك الكتاب أو الخبر وهاهو يلتهم الأسطر ونظراته تتقافز بسرعة بين الكلمات التي تساقط الكثير منها من فرط السرعة المهم كما يزعم أنه فهم فكرة الكاتب وعرف قصده , ثم انتقل للمجالس ليؤدي ما تحمله ويزكي علمه , هكذا سولت له نفسه .. فذكر حديث فلان وخبر علان وأنه قال كذا وكذا , فشرّق وغرّب , وأبعد وأقرب , فقلّب الأقوال وبدّل الأحوال وما أُتي المسكين إلا من سوء فهمه والتسرع في نقله، سوء الفهم والتسرع في النقل أو القراءة، قوّل الآخرين ما لم يقولوه وقديماً قيل : وما آفة الأخبار إلا رواتها.
وكم من عائبٍ قولاً صحيحاً ........ وآفته من الفهم السقيمِ
ولكن تأخذ الأذهان منه ............. على قدر القرائح والفهومِ
صورة أخرى : أننا نغفل أو نتغافل فنتكلم في المجالس ونذكر العشرات بأسمائهم , فإذا ذكّرنا مُذكّر أو حذرنا غيور بأن هذه غيبة , قلنا هذا حق وما قلنا فيه صحيح، وقد يسرد لك الأدلة والبراهين على ما يقول فيزيد الطين بلة .. فيا سبحان الله !! أليس النص واضح وصريح ؟ ألم يقل الصحابي للرسول صلى الله عليه وسلم :
( أرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال عليه الصلاة والسلام : "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته , وإن لم يكن فيه فقد بهته ) أخرجه مسلم
إذاً فلا مفر , فإذا كان ما ذكرته صحيحاً فهذه هي الغيبة , وإذا كان ما ذكرته كذباً فهذا ظلم وبهتان , فكلا الأمرين ليس لك خيار فأمسك عليك لسانك !
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لما عرج بي مررت بقوم لهم أظافر من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم , فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم ) أخرجه أحمد في مسنده وأبو داوود في سننه وإسناده صحيح .
وعن عائشة رضي الله عنها أنها ذكرت امرأة – اسمع يا أيها المسلم , اسمع يا من في قلبك خوف من الله عز وجل- ذكرت امرأة فقالت إنها قصيرة – وفي رواية أنها أشارت إشارة أنها قصيرة – فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "اغتبتيها" وفي رواية "اغتبتها" .. والحديث صحيح عند أبي داوود في سننه وأحمد في مسنده.
إذاً ما بال نسائنا اليوم يجلسن في المجالس فيعرضن لعشرات النساء , فلانة وعلانة , فتلك فيها والأخرى فيها وهكذا , ألا يخشين الله عز وجل ؟ ألا يخفن يوم أن تقف المرأة أمام الله عز وجل ويسألها عن قولها ؟ يا سبحان الله ! ألهذا الحد وصلت الغفلة في نساء المسلمين أن يغفلن أن مثل هذا القول سيجزين عليه أمام الله سبحانه وتعالى ؟ تذكري وقوفك بين يدي الله عز وجل , احرصي أيتها المسلمة , لنحرص على أنفسنا , إننا ابتلينا بقلة الأعمال الصالحة في مثل هذا الزمن، ابتلينا في هذا العصر بكثرة الذنوب والتقصير في حق أنفسنا وحق ربنا أيها الأحبة، فلماذا إذن نزيد الطين بلة ؟ ونجمع على ذلك ذنوب الآخرين في غيبتهم وتنقـّصهم وغير ذلك ؟
وليس معنى هذا السكوت عن الأخطاء، إنني لا أطالب أن نسكت عن أخطاء الآخرين , أو حتى نتغاضى عن العصاة والمجاهرين والفاسقين, وليس معنى ذلك ألا نحذر منهم ولا نفضحهم , لا بل هذه أمور كلها مطالب شرعية، مطالبون بها شرعاً، ولكن بالمنهج الشرعي وبالقواعد العلمية كما جاءت عن السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، ولكني على يقين أن أكثر ما يقال في مجالسنا لمجرد التحدث والتفكه , وربما الهوى وأحقاد وأضغان عافانا الله وإياكم منها، ورحم الله عبداً قال خيراً فغنم , أو سكت عن سوءٍ فسلم.
صورة أخرى : قلت لبعض إخواني : الزم الأدب , وفارق الهوى والغضب أو أمسك عليك لسانك وابكِ على خطيئتك وانظر حالك وردد ما قلته لك على أمثالك، وقد كنت سمعت منه قيلاً وقال وجرح وثلب وهمز ولمز في أناس ما سمعنا عنهم إلا خيراً وهم من أهل الفضل , فما رأيناهم إلا يعملون الخير ويدعون له ويسعون للبر وينهون عن الإثم، فما استجاب لي وما سمع مني، فرأيت أن ألزم الصمت معهم وفيهم ولهم وعليهم، فأقبلت على واجباتي أيما إقبال وأرحت قلبي من الأحقاد والأغلال وذهني من الهواجس والأفكار , ثم جاء بعض الفضلاء وقال يقولون فيك كيت وكيت , يعلم الله ما التفت إليهم ولا تأذيت , وقلت لهم : رب كلام جوابه السكوت , ورب سكوت أبلغ من كلام، وعلمتني الحياة أن الصفح الجميل من أحسن الشيم.
قالوا سكت وقد خـُصِمت فقلت لهم .......... إن الجواب لباب الشر مفتاحُ
الصمت عن جاهل أو أحمق شرف .............. أيضاً وفيه لصون العرض إصلاحُ
أما ترى الأُسد تـُخشى وهي صامتة .......... والكلب يَخشى لعمري وهو نباحُ
ونقل الإمام الشاطبي عن أبي حامد الغزالي رحمة الله تعالى عليهما كلاماً متيناً يغفل عنه بعض الناس فقال : ( أكثر الجهالات إنما رسخت في قلوب العوام بتعصب جهلة أهل الحق , أظهروا الحق في معرض التحدي والإذلال , ونظروا إلى ضعفاء الخصوم بعين التحقير والازدراء , فثارت من بواطنهم دواعي المعاندة والمخالفة , ورسخت في قلوبهم الاعتقادات الباطلة وتعذر على العلماء المتلطفين محوها مع ظهور فسادها) انتهى كلامه رحمه الله تعالى من كتاب الاعتصام للشاطبي.
صورة أخرى من صور الواقع مع اللسان في مجالسنا اليوم: جلس مع صاحب له أو أصحاب فتكلموا وخاضوا , ولم يكن له من الأمر شيء إلا أنه شريك في المجلس , ومن باب المشاركة قالها كلمة أو كليمات لم يحسب لها حسابها ولم يتبين خطرها , ظنها حديث مجالس , كان يسمع ثم يهز رأسه علامة للرضا ثم قالها لم يظن نه يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب، اسمع للنصوص الشرعية واستجب لها فإن فيها حياتك ونجاتك فقوله صلى الله عليه وسلم "ما يتبيّن" أي لا يتأملها بخاطره ولا يتفكر فيها ولا في عواقبها ولا يظن أنها ستؤثر شيئاً , وهو من نحو قوله تعالى: (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) (النور:15) ،هكذا يلقي بعض الناس هذه الكلمات , فيا أخي الكريم انتبه للسانك إن خطر اللسان عظيم وآفاته كثيرة فأمسك عليك لسانك.
صورة أخرى : كثير من الجلساء إذا ذكِر له صديقه أثنى عليه ولو كان يعلم أنه لا يستحق ذلك الثناء , وإذا ذكِر له خصمه ذمه ولو كان يعلم أنه خلاف ما يقول , فيا أيها المؤمن أسألك بالله هل تستطيع ذكر العيوب الموجودة في أقرب الناس إليك عند لحاجة الشرعية لذلك ؟ اسأل نفسك، وهل تستطيع أن تثني بصدق على إنسان تختلف معه في بعض الأمور ؟ أنا لا أريد الإجابة، ولكن الواقع يشهد أن أكثر الناس يجورون على خصومهم فيذمونهم بما ليس فيهم , ويجورون أيضاً على أصدقائهم فيمدحونهم بما ليس فيهم.
فإن من أثنى عليك بما ليس فيك فقد ذمك , نعم , لأن الناس يطلبون هذه الخصلة التي ذكرها فيك يطلبونها منك فلا يجدونها فيذمونك على فقدها , لا بل الأمر أدهى من ذلك وأشد فإن الحقيقة أنه كثيراً ما تنسينا العيوب القليلة المحاسن الكثيرة , انتبهوا لهذه الكلمة أيها الأحبة , وننسى القاعدة الشرعية : إذا كان الماء قلّتين لم يحمل الخبث , أفلا نتقي الله عند الجرح والتعديل وننزل الناس منازلهم؟
أليس قد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي ووصفه بأنه ملك لا يظلم عنده أحد مع أنه – أي النجاشي – حينها كان كافراً لم يسلم بعد .. فيا أيها الأحبة , أسمعت رعاك الله ؟ أنصف الناس وأنصف نفسك، فإن غلب عليك الهوى فأمسك عليك لسانك لا أبا لك ..
صورة أخرى : تناظر اثنان في مجلس أي تجادلا وتناقشا , فارتفعت أصواتهما وانتفخت أوداجهما وتقاذفا بالسب والشتم , قلت : إن التشنج والانفعال ليس هو الأسلوب الأمثل لنصرة الحق أبداً، ولكن كم من هادئ عف اللسان حليم كاظم الغيظ أقدر على نصرة الحق من غيره، وقد قال أبو عثمان ابن الإمام الشافعي رحمة الله عليهما أجمعين : (ما سمعت أبي يناظر أحداً قط فرفع صوته).
وبعض الأخوة غفر الله للجميع يظن أن من تمام غيرته على المنهج وعظيم نصرته للحق لا بد أن يقطب جبينه ويحمر عينيه ويرفع صوته وتتسارع أنفاسه وهذا لا يصح أبداً، إن اختلاف الآراء ووجهات النظر لا يدعو للأحقاد والأضغان فإن المرجو البحث عن الحق وطلبه وليس التشفي والانتقام فينطلق اللسان بالسباب والشتائم ومقاطعة الكلام , فما من الناس أحد يكون لسانه على بال إلا رأيت صلاح ذلك في سائر عمله.
واسمع للأدب الجم والخلق الرفيع عند الحوار والمناقشة , قال عطاء بن أبي رباح : (إن الشاب ليتحدث بالحديث فأسمع له كأني لم أسمعه ولقد سمعته قبل أن يولد ومع ذلك أسكت كأني لم أسمع الكلام إلا الساعة)، هكذا يكون الأدب عند الحوار وعند المناظرة.
وأخيراً : من أعظم الصور في مجالسنا ومن أخطرها على كثير من الناس إطلاق العنان للسان في التحليل والتحريم والسخرية والاستهزاء بالدين , هذه من أخطر الصور التي نرى أنها تفشت في مجالس المسلمين أياً كانوا , رجال أو نساء كبار أو صغار , وخاصة بين الشباب والعوام.
إنك لتسمع وترى تسرع فئات من الناس في إطلاق ألفاظ التحليل والتحريم وقد نهى الله تعالى عن ذلك ونهى عن المسارعة في إصدار التحريم والتحليل فقال وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) (النحل:116).
وكان السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم مع سعة علمهم وفقههم لا يكثرون من إطلاق عبارات التحليل والتحريم وهذا من شدة ورعهم ومحاسبتهم لأنفسهم.
يقول الإمام مالك رحمة الله تعالى عليه : (لم يكن من أمر الناس ولا من مضى من سلفنا ولا أدركت أحداً أقتدي به يقول في شيء هذا حلال وهذا حرام، ما كانوا يجترئون على ذلك وإنما كانوا يقولون : نكره هذا , ونرى هذا حسناً , ونتقي هذا ولا نرى هذا , ولا يقولون حلال ولا حرام) انتهى كلامه من جامع بيان العلم وفضله.
أما نحن فنسمع عبارات التحليل والتحريم على كل لسان وخاصة من العامة , بدون علم ولا ورع ولا دليل مما أثار البلبلة عند الناس والتقوّل على الله بغير علم , بل المصيبة أن بعض الناس يسخر ببعض أحكام الدين ويهزأ بالصالحين والناصحين , وربما سخر باللحية أو سخر بالثوب القصير أو سخر ببعض سنن المرسلين والعياذ بالله , وهؤلاء والله إنهم على خطر عظيم , ألم يسمع هؤلاء قول النبي صلى الله عليه وسلم وإن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب).
ألم يسمع هؤلاء قول الحق عز وجل : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) (الهمزة:1)، الهمزة هو الطعان في الناس , واللمز الذي يأكل لحوم الناس.
ألم يسمع هؤلاء قول الحق عز وجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الحجرات:11).
ألم يسمع هؤلاء قول الحق عز وجل : ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (قّ:18).
سبحان الله ! غابت عليهم هذه النصوص من القرآن والسنة , غفلوا عن خطر ما يتقولون بالليل والنهار في السخرية والاستهزاء بالدين , وربما خرج بعضهم والعياذ بالله من الدين بسبب كلمة يقولها وهو لا يشعر , فحق على العاقل أن يكون عارفاً بزمانه حافظاً للسانه مقبلاً على شانه.
النتيجة النهائية لإطلاق العنان للسان .
أقول أيها الحبيب المسلم أنك أحوج ما تكون للعمل الصالح، أحوج ما نكون إلى الحسنات , وأراك تحرص على مجاهدة النفس لعلها أن تعينك على القيام بعمل صالح، من صلاة أو صيام أو صدقة وقد تنتصر عليها وقد لا تنتصر , وإن انتصرت عليها وقمت بالعمل فلا يسلم من شوائب كثيرة مثل الرياء والنقص وحديث النفس وغيرها من مفسدات الأعمال , ومع ذلك كله فإني أراك تبث هذه الحسنات في المجالس وتنثرها في المنتديات.
ماذا تراكم تقولون أيها الأخيار في رجل أخرج من جيبه عشرات الريالات ثم نثرها في المجلس و بددها ؟
ماذا نقول عنه ؟ أهو عاقل أم مجنون ؟
إن من جلس مجلساً ثم أطلق للسانه العنان فهذه علامة أكيدة على إفلاسه في الدنيا والآخرة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أتدرون ما المفلس ؟ " قالوا : المفلس منا من لا درهم له ولا متاع .. فقال :"إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة , ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا , فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته , فإذا فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار ) والعياذ بالله والحديث أخرجه مسلم في صحيحه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لتـُأدّن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء) رواه مسلم، حتى البهائم يفصل بينها يوم القيامة!!
فاحفظ حسناتك فأنت أحوج لها، واسمع لفقه الحسن البصري رحمه الله يوم أن جاء رجل فقال: ( إنك تغتابني , فقال : ما بلغ قدرك عندي أن أحكّمك في حسناتي).
وعن ابن المبارك رحمه الله قال : ( لو كنت مغتاباً أحداً لاغتبت والديّ لأنهما أحق بحسناتي).
ففقها رضي الله عنهما أن آفات اللسان تأتي على الحسنات وقد لا تبقي منها شيئاً، فضياع الحسنات نتيجة أكيدة لإطلاق العنان للسان.
نتيجة ثانية لإطلاق العنان للسان:
فضحه وبيان عواره وهتك أستاره، ذلك الذي أطلق لسانه وأصبح يتكلم بلا ورع في المجالس والمنتديات وربما أصبح بذيء اللسان والجزاء من جنس العمل، وعن أبي بردة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه , لا تتبعوا عورات المسلمين ولا عثراتهم فإنه من يتبع عثرات المسلمين يتبع الله عثرته , ومن يتبع الله عثرته يفضحه وإن كان في بيته ) والحديث صحيح بمجموع طرقه.
والواقع يشهد بذلك فكم فضح الله حقيقة أولئك الذين آذوا إخوانهم بألسنتهم حتى عرفهم الناس وانكشف أمرهم.
وأيضاً من نتائج إطلاق العنان للسان أنه يعد من شرار الناس فيجتنبه الناس ويحذرونه اتقاء فحشه وإن ضحكوا له وجاملوه، هذه حقيقة نشاهدها في مجالسنا كثيراً , إن من أطلق للسانه العنان يعد من شرار الناس فلذلك تجد الناس يجتنبونه ويحرصون على الابتعاد عنه وإن ضحكوا له وجاملوه فاتقاءً لفحشه، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة : ( إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه أو تركه الناس اتقاء شرّه) البخاري ومسلم.
رابعاً : من النتائج أيضاً وهي الأخيرة :
البلاء موكل بالقول , فيُبلى المتكلم بما كان يذكره في أخيه , و احذر أيها الحبيب أن تظهر الشماتة بأخ أو أخت لك فيعافيه الله ويبتليك بما كان فيه فالبلاء موكل بالقول، قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تظهر الشماتة بأخيك فيرحمه الله ويبتليك ) أخرجه الترمذي0.
وقال إبراهيم التيمي: ( إني لأجد نفسي تحدثني بالشيء فما يمنعني أن أتكلم به إلا مخافة أن أبتلى ب).
وقال ابن مسعود : ( البلاء موكل بالقول , ولو سخرت من كلب لخشيت أن أحوّل كلباً).
هذه نتائج أربع من نتائج إطلاق العنان للسان.
وأخيراً أقول أيها المسلم هذه شذرات حول اللسان، وأظن أن الجميع بحاجة ماسة للتذكير فيها , فالعاقل يحرص والغافل يتنبه والمبليّ يحذر , يا أيها السامع كن المستفيد الأول.
ثم اعلم أنك تجالس كثيراً من الناس من أحبابك وخلانك وأصدقائك , ولا تخلو مجالس من غثاء قلّ أو كثر , فمن حقهم عليك أن يسمعوا مثل هذا الكلام وأن يذكّروا بهذه الآيات والأحاديث , فإن القلب يغفل والنفس تسلو فاسمع وسمّع واستفد وأفِد , والدال على الخير كفاعله.
أسأل الله عز وجل أن يكون خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع به الجميع وأن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى.
اللهم طهّر قلوبنا من النفاق وعيوننا من الخيانة وألسنتنا من الكذب والغيبة النميمة والمراء والجدال وجنبنا الوقوع في الأعراض.
اللهم اجعل ألسنتنا حرباً على أعدائك سلماً لأوليائك.
اللهم إنا نسألك سكينة في النفس وانشراحاً في الصدر.
اللهم اجعلنا من الصالحين المصلحين ومن جندك المخلصين وانصر بنا الدين واجعل لنا لسان صدق في الآخرين.
اللهم انفعنا وانفع بنا.
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.
وصلّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..

( تم تفريغ الشريط من قبل إحدى الأخوات جزاها الله الفردوس وجعل ذلك في موازين حسناتها).


تم بحمد الله وتوفيقه.
أخي الحبيب – رعاك الله
لا نقصد من نشر هذه المادة القراءة فقط أو حفظها في جهاز الحاسب، بل نأمل منك تفاعلا أكثر من خلال:
- إبلاغنا عن الخطأ الإملائي كي يتم التعديل.
- نشر هذه المادة في مواقع أخرى قدر المستطاع على الشبكة.
- مراجعتها ومن ثم طباعتها وتغليفها بطريقة جذابة كهدية للأحباب والأصحاب.
- الاستئذان من الشيخ لتبني طباعتها ككتيب يكون صدقة جارية لك إلى قيام الساعة.
في اقتراحاتك وتوجيهاتك لأخيك يمكن أن تساهم في هذا العمل الـجـليل.
اللهم اجعل هذا العمل خالصا لوجهك الكريم.
أخي الحبيب لا تحرمنا ومن شارك في هذا الجهد من دعوة صالحة في ظهر الغيب..



 


الرد باقتباس
قديم 05-24-2016, 10:52 PM   #13


الصورة الشخصية لـ أبو سامي
أبو سامي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2140
 تاريخ التسجيل :  Aug 2013
 أخر زيارة : 03-09-2024 (11:53 PM)
 المشاركات : 5,725 [ + ]
 تقييم العضوية :  5380
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 119
تم شكره 366 مرة في 243 مشاركة
الإفتراضي رد : محاضرات اسلامية ( مكتوبة )



اسم المادة : بوابة الجنان
للشيخ / إبراهيم الدويش


إخوة الإيمان
! في تقلبات الدنيا وصروفها أجلُّ دروس وعبر وفي أيامها وحوادثها أعظم عظة لمن اتعظ وأعمل الفكر نعم هي الدنيا جَمة المصائب مُرة المشارب لا تمتع صاحبًا بصاحب يزول سريعًا حبورها ولن يدوم مع أحد سرورها من سره فيه زمن ساءته أزمان ولو دامت الحياة لدامت لأعظم إنسانعليه الصلاة والسلام
للهِ موتُ المصطفى إنهُ *** رزءٌ عظيم لا يُضاهي العظام
فموتهُ الخطب الجليل الذي *** حان به رزء الجيادِ الكرام
إخوة الإسلام ~
هذهِ هي دُنيانا وهذهِ هي نهاية كل واحدٍ منا عجباً للموت فكأسهُ مُشرعة مُترعة فمن لم يشرب منها اليوم فسيشرب منها بالتأكيدِ غدا
الموتُ كأسٌ على كلِ الورى جاري
وليس يبقى بلا موت سوى الباري
ولكن العجب العُجاب هو غفلتنا عنه ~ إي والله ~ غفلتنا عن الموت غفلتنا عن الموتِ ياعباد الله غفلتنا عنه مع قربه~ منا
كُل أمرئ مُصبحٌ في أهلهِ
والموتُ أدنى من شراكِ نعله
ومع أننا نراهُ كل يومٍ يتخطانا إلى غيرنا وسيأتي يوم يتخطى غيرنا إلينا
كل إبن أنثى وإن طالت سلامتهُ
يوماً على آلة حدباء محمولُ
فيا الله يااالله ~
لقلوبنا كيف نغفلُ عن الموت كيف نغفلُ عن الموت وهو مُفرقٌ الجماعات وهادمُ اللذات والدٌ بين أولادهِ يٌضاحكهم ويُداعبهم وفجأةً وإذا بالإفراحِ تنقلبُ أحزاناً ويبقى الأولادُ أيتاماً وأمٌ تملاُ البيتَ بحنانها سروراً وحبوراً وفجأةً غااااب الحنااان وذاك الإنسان فلا إله إلا الله ماأجل حكمته وما أعظمَ تدبيره تلك هي الدنيا خداعةٌ غدارة فتانةٌ غرارة تُضحكُ وتُبكي وتجمعُ وتُشتت شدةٌ ورخاء وسراءٌ وضراء والعاقلُ من إتعظَ وإعتبر فالأيات درر تملأُ السور (كلٌ نفسٍ ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاعُ الغرور )
مالأمرُ في ذي الدار إلا منام ~ كل سيدري حين يأتي الحمام
~ يقولُ ياليت وأنى لهُ ~ والموتُ قد أطلق فيهِ السهام ~
يودُ لو أنهُ أمهللهُ لحظةً يتوبُ فيها عن ركوب الحرام أنى لهُ التوبُ وقد حشرجت في الصدر منهُ للإصطلام يااانائمين انتبهوا طالما غرالأولا الماضين طول المقام بينما هم في غفلة اذ اتى ماكفهم عن فعلهم والكلام واسكنوا في حفرة ابت لحومهم تبقي غير العظام كفى بالموت واعظا
اكثروا ذكر هادم اللذات كما يقول حبيبكم كما يقول العالم صلى الله عليه وسلم كما يقول الحبيب الشفيق اكثروا ذكر هادم اللذات فانه لم يذكره احد في ضيق العيش الا وسعه ولا يذكره في سعة الا ضيقها عليه وكان صلى الله عليه وسلم في جنازة فجلس على شفير القبر فبكى حتى بل الثرى ثم قال يااخواني لمثل هذا فاعدوا لمثل هذا فاعدوا
يااخواني
لمثل هذا فاعدوا وسال صلى الله عليه وسلم رجل أي المؤمنين اكيسُ يارسول الله فقال عليه الصلاة والسلام اكثرهم للموت ذكراً وأحسنهم لما بعدهُ إستعداداً أولئك الأكياس أولئك الأكياس ورحم الله عمر ابن عبد العزيز اذ قال لو فارق ذكر الموت قلبي ساعة لفسد ساااعة ياعباد الله
وسئل احد السلف
لماذا نكرهُ الموت لماذا نكرهُ الموت لماذا نكرهُ الموت فقال لانكم عمرتم دنياكم وخربتم اخراكم لانكم عمرتم دنياكم وخربتم اخراكم فانتم تكرهون النقلة من العمران الى الخراب ورغم ذالك كله فاننا كثيرا بنو الانسان مانحاول الهروب من مجرد ذكر الموت نتظاهر بالتغافل والتشاغلِ عنهُ واللهُ يحذرُ ويقول (وجاءت سكرة الموت بالحق ذالك ماكنت منهُ تحيد )
إي والله نحيدُ عن مجرد ذكره حتى وإن بلغنا من العمر عتيا نحيد وحتى إن أنشب المرض مخالبه وعظ علينا بأنيابه ولكنها الحقيقة القرآنية (قل إن الموتَ الذي تفرون منه فإنهُ ملاقيكم )
ولقد لقيتهُ خلالِ الأيام الماضية ~ كنتُ معهُ في غرفةٍ واحدة كنتُ أعلمُ أن الموت حق وأن المؤمن راضٍ بما كتب الله له ~ لكنها بشرية الإنسان فإن كان موت القريبِ لقريبهِ مُصيبة فإن موت الوالدين أو أحدهما من أشد المصائب ~ وأوجع الموااااجع فكيف إذا كان الفقد لذالك القلبِ الحنون أغلى إنسان وأرحمُ إنسان وأحبُ إنسان وأوفى إنسان ~ أمك ثم أمك ثم أمك ~ ياالله ~ عندما يموتُ الحنان ~ ياالله ~ عندما يموتُ الحنان بواابة الجنآن أقرب وأكرمُ وأحبُ إنساانأمهاتٌ نحنُ ثمار قلوبهن أمهاتٌ نحنُ قطعٌ من أفئدتهن أمهاتٌ نُصبحُ ونمسي في أحضانهن أمهاتٌ لن ننعم في الدنيا بوسادة أنعم من صدورهن أمهات لن نلثم أجمل من ثغورهن أمهاتٌ لن نسمع أرق وألطف من كلامهن أمهاتٌ هن وهن وهن فلن نجد لهن مثيلاً ~ حنو وشفقة وعطفاً ورحمة وصبراً وتضحية فلا تلوموه يومَ تتفجرُ الأحزان عندما يبقى الحناان فالرجل طفل مهما تراكمت الاعواام ~ وعندما يموتُ الحناان يشيخُ فجأة ذالك الطفل وكأن شيئاً لم يكون وكأن شيئاً ماكااان رغم ان الموت حقٌ والله المستعااان
شربتُ الحزن كأساً بعد كأسٍ ~~ فما نفذ الشرابُ وما رويتُ
إنها مصيبةُ كل إنسانٍ بأمه ليس لها مثييل بعد المصااب بحبيب الامة صلوات الله وسلامه عليه انها لحظات عصيبة تمر بكل انسان ذكراً كان أو أنثى صغيراً كان أو كبيراً ~ عندما يموتُ الحنان ~ عندما يفقدُ أمه ~ تلقي بظلالها الكئيبة على كل من فقد والده أو أمه ياحسن ماكنا جميعا فمذ ترحلوا عنا اقاام الغرام وكلما مر حديث لهم تضاعف الشوق وزاد الهياام لله هذا الموت لم يبقي ذا تقوى لتقواه ولاذ اجترام ~ نحزن وندمع ونبكي ونتوجع على جناان في الدنيا فقدناها جنانٍ كنا نعيشُ فيها جناان كنا نتفيئوا بظلالها جنان نجني ثمارها صباح مساء فالام جنة الدنيا جنة يد المنية تغتالها مناااااا ~ وتبعدها عناا جنةٌ في الدنيا توصلنا إلى جنةِ الآخرة ~ مااذكرٌ انني لقيتُ أمي إلا وأخرج من عندها وأن والله أشدُ قوةً على فعلِ الخيراات وأكثرُ عزماً على القيامِ بالطاعات والعبادات ~ إنها الأم ورائدة دربنا عنوانُ سعادتنا سببُ نجاحنا رمزُ توفيقنا بعد الله جل علاه ~ إنها الأم ~ أعظمُ كتاابٍ قرأتهُ في حيآتي ~ إنها أم ~ أعلمُ أستاذ تخرجتُ على يديه
وكآنت لي من حياتك عظاتٌ ** وأنتي اليوم أوعظُ منكِ حيا
من منكم سينسى من منكم ينسى كيف كانت توقظهُ للصلوات كيف كانت تلقنهُ الآداب والمُكرماات كيف كانت تسهرُ تنتظرهُ سااعات كيف كانت تتجرعُ المُر ليهنأ في الحياة كيف كنت تؤذيها وتعقها وتصيبها بالضرر فيناديك قلبها الحنون وهو معفر ولدي حبيبي هل أصابك من ضرر ~ إنهن الأمهاات إنهن الأمهاات
معاشر الشباب والفتيات ~
إنهن الأمهات معشر الشباب والفتيات قلوبهن من روائع وعجاائب المخلوقاات
فكم مرة جااعت وأعطتك قوتها ~حنو وإشاقُ وأنت صغيرُ
فضيعتها لما أسأت جهالةً ~ وطاال عليك الأمر وهو قصيرُ
فأسمعوها ياشباااب
سااارعوا قبل أن تُغلق الأبوااب سااارعوا قبل أن تغلق الأبواب إننا مدينون لأمهاتنا ولن نذوق طعم السعادة في حياتنا إلا حينما نحني لنقبل يديها ونسكب دموع خضوعنا على خديها ونستجدي نظرررات الرضا من عينيها ~ إنها الأم فقط حين نشعرُ بالسعادة والرضى ويكونُ التوفيقُ والنجاح ندخل جنة الفلاح والإرتياح تنجلي همومنا تنفرجُ كروبنا تزولُ أتراحنا فهل بعد هذا أحدٌ يلومنا ؟؟ إذا أسينا أو حزنا على أمهاتنا أي عاقلٌ لا يبكي وقد أغلق عنهُ بابان أي عاقلٌ لا يبكي وقد أغلق عنهُ بابان ؟؟؟ ~ بابٌ من أبواب الجنة وبابٌ من أبواب الجهاد فلما ماتت أم القاضي إيااس بكى فقال مايبكيك ياأبا واثلة ؟؟ قال كان لي بابان مفتوحاان من الجنة فأغلق أحدهما وأما بابُ الجهاد فقد روي عن أنسٍ رضي الله عنهُ قال أتى رجلٌ النبي صلى الله عليه وسلم فقال ؛إني أشتهي الجهاد وإني لا اقدرٌ عليه قال هل بقي أحدٌ من والديك قال أمي قال فأبلي الله عذراً في برها فإنك إذا فعلت ذالك فأنت حاجٌ ومعتمرٌ ومجاهد
إذا رضيت عنك أمك فأتقِ الله في برها
رواه الطبراني وحسنهُ العراقي
فأتقوا الله ياشباب إتقوا الله يافتيات إتقوا الله في أمهاتكم وأبائكم إتقوا الله في أمهاتكم وأبائكم وعجلوا قبل أن تحين لحظاتُ الفراق تمرغوا في سعادة البر والصلةِ لهما والخدمة لهما إنها سعادةُ الدنيا والله إنها بوابة الجنة فلا تفوتكم عباد الله كان مذهبُ إبن عباسٍ رضي اللهُ عنهما أن بر الأم أفضلُ الأعماال وقال إني لا أعلمُ عملاً أقربُ إلى اللهِ عز وجل من بر الوالدة وهو مذهب جماعة من السلف
وقال إبن عمر رضي اللهُ عنهما لرجلٍ عندهُ أمه واللهِ لو ألنت لها الكلام واطعمتها الطعام لتدخلن الجنة ماإجتنبت الكبائر واللهِ لو ألنت لها الكلام واطعمتها الطعام لتدخلن الجنة ماإجتنبت الكبائر
وقال الإمامُ أحمد ~
بر الوالدين كفارة الكبائر فآه للموت كيف أغلق وأوصد أبواب الخيرِ هذه ولو أن هذا الموت يقبلُ فدية فديناه أمولاً كراماً وأنفساً إي والله لو كان يقبلُ فديةً لفديتُ أمـــــــــــــــي بنفسي وروحي ~
فآهٍ ماأضعف الإنساان ماأوهن حبله مأشد غفلته عن النعم التي يتقلب فيها إي والله وجودُ الأبوين أو أحدهما نعمةٌ من أعظمِ النعم عند العبد نعمة من أعظمِ النِعمِ ياشباب نعمةٌ من أعظمِ النعم يافتيات نعمة وجود الوالدين نعمة عظيييمة لا يعرف قدرها إلا من فقدها كم من النعم لا ندرك قدرها الا عند فقدها
فأسمعوها ياشباب سااارعوا قبل أن تغلق الأبواب
\إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ولا نقولُ إلا مايرضي ربنا
وإنا على الفراق لمحزنون ~ فإنا للهِ وإنا إليه رااجعون
قيثارتي مُلئت بأنآتِ الجوى ** لا بد للمكبوتِ من فيضانِ
صعدت إلى شفتي خواطرُ مُهجتي *** ليبين عنها منطقي ولساني
أنا ماتعديتُ القناعة والرضى *** لكنها هي قصة الأشجان
يشكوا لك اللهُ قلباً لم يعش *** إلا لحمدِ علاك في الأكوان
فالحمدُ للهِ على جنة الرضا الحمدُ لله على نعمة الإيمان الحمدُ لله على نعمة اليقين والصبر الحمد لله على نعمة ِ الإيمان التي تجري بعروقِ الإنسان لتمتص الآلام والأحزان فالحمدُ لله ورضينا بقضاء الله خيرهِ وشره وحلوه ومره فما من عبدٍ تصيبهُ مصيبة فيقولُ إنا للهِ وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وإخلفي خيراً منها إلا آجرهُ اللهُ في مصيبته وأخلف لهُ خيراً منها فاللهم أجرنا اللهم أجرنا في مصيبتنا وأخلف لنا خيراً منها
أبيتُ على الذكرى وأصحوا بمثلها ** وإن نمت لم يبرح خيالكُ زائلِ
أحبك ياأمي على القرب والبعد ** أحبك ياأمي ولو كنت في اللحدِ
أحبكِ حبآ لو مجزتُ رحيقهُ **ببحرٍ لصار البحرُ أحلى من الشهدِ
أحبك حباً لو سقيتُ بمائه ** فيافي نجد أورق الشيح في نجدِ
أحبكِ حباً فاق حب أحبتي ** فليس لحب الام في القلب من ند
سلام على الدنيا تناثر عقدها **وقد كنت يااماااه واسطة العقد
وكيف لا احب امي كيف لا احب ابي كيف لا تحبون امهاتكم ولا ابائكم والنبي صلى الله عليه وسلم يقول
(رضا الرب في رضا الوالد وسخط الرب في سخط الوالد)ويقولُ عليه الصلاة والسلام
(رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه قيل من يارسول الله قال من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة
رواه مسم واحمد
نسأل الله الجنة كيف لا احب أمي و أحب ابي كيف لا تحبون أمهاتكم أو أبائكم ونحن نقرأ ويتكررُ على مسامعنا قول الحق عزو جل (وقضى ربك أن لا تعبدوا الا اياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلاتقل لهما اف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما وإخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربِ ارحمهما كما ربياني صغيراً )
وأخيراً عباد الله
فالموتُ ليس نهاية البر كم من ولدٍ صالح زااد حبه وتضاعف بره بأبويه بعد الموت وكأنهُ يقول للموت لن تغلق الباب وسأزدادُ من الأجر والثواب فبعد الموت تبدأ قصة أخرى مع البر والصلة للأبوين إي والله بعد الموت تبدأ قصةً أخرى مع البر والصلة للأبوين فقد روي عن إبن أسيد مالك ابن ربيعة قال بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم اذ جاءه رجل من بني سلمة فقال :يارسول الله ابقي من بر ابوي شيء ابرهما به بعد موتهما قال عليه الصلاة والسلام نعم الصلاة عليهما والإستغفار لهما والإفاء بعهودهما من بعد موتهما واكرام صديقيهما وصلة الرحم التي لا توصل الا بهما
وروى مالكٌ في الموطأ وأخرجه البخاري في الادب المفرد بسندٍ حسنهُ الألباني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :ترفع للميت بعد الموتِ درجته فيقول أي رب أي شيء هذا فيقال ولدك استغفر لك
فاللهم نستغفرك لأبائنا وأمهاتنا اللهم نستغفرك لأبائنا وأمهاتنا اللهم إرزقنا ب آبائنا وأمهاتنا أحياء وأمواتاً اعتذرُ إخوة الإيمان إنها أشجان ودروسٌ الزمان ليتذكر الغافل وينشطٌ اليقظان فيذكرُ من يخشى ويجنبها الأشقى إنها نفثةُ مصدور وآنااات مكرووب فما ارهف العاقل اللبيب ليرهف سمعهُ لهمساتِ المكروبين وآناتِ المحزونين فهي عِبر هي عبـــــــــــــــــــــــــــــر هي عبرٌ وعظاتٌ للباقين
قالوا بعينك عبرةٌ ** قلتُ الآسى دمعٌ ودم
قالوا بقلبك حرقةٌ **قلتُ المواجع تضطرم
قالوا حروفك لوعةٌ **قلتُ الصبابة والألم
لا تسألوني فالجوابُ **يزيد في قلبي الالم
اللهم إرحم آبائنا وأمهاتنا اللهم إرحم آبائنا وأمهاتنا اللهم إرحم آبائنا وأمهاتنا اللهم من كان منهم حيا فأطل بعمره وأصلح عمله وإرزقه الصحة والعافية ومن كان منهم ميتاً فأغفر له وارحمه وتولاه برعايتك وعنايتك أنت مولاهم أنت مولاهم وأنت الرحيم اللهم إغسلهم بالثلج والماء والبرد اللهم إغسلهم بالثلج والماء والبرد
ونقهم من الذنوب والخطايا وارفع درجاتهم في عليين برحمتك ياارحم الراحمين اقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم
ولسائر المسلمين فأستغفره إنه هو الغفور الرحيم



 


الرد باقتباس
قديم 05-24-2016, 10:54 PM   #14


الصورة الشخصية لـ أبو سامي
أبو سامي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2140
 تاريخ التسجيل :  Aug 2013
 أخر زيارة : 03-09-2024 (11:53 PM)
 المشاركات : 5,725 [ + ]
 تقييم العضوية :  5380
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 119
تم شكره 366 مرة في 243 مشاركة
الإفتراضي رد : محاضرات اسلامية ( مكتوبة )



اسم المادة : طريقنا الى القلوب
للشيخ / إبراهيم الدويش


وطريقنا -أعني كل مسلم ومسلمة - يحبُ أن تشيع الألفة والمحبة بين أفراد المجتمع الإسلامي.
وكل مسلم ومسلمة يحب الخير والبر والمعروف والإحسان ومكارم الأخلاق.
أما القلوب فهي قلوبنا جميعا، فنحن بحاجة لفن التعامل مع بعضنا البعض.
بحاجة إلى تعميق روابط الأخوة الإسلامية ومعانيها، نحن بحاجة -أيها الأحبة- إلى تحقيق القاعدة الشرعية:
(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) كما في حديث أنس المتفق عليه.
بحاجة إلى الحوار الهادئ والتعامل المهذب والاحترام المتبادل إلى أن نظهر محاسن هذه العقيدة لنصبح نحن المسلمين قدوات لبعضنا، ومفاتيح خير لغيرنا من أهل الملل والنحل.
بحاجة إلى أن نكسب قلوب بعضنا وأن نكسب قلوب أهل الأديان الأخرى بصدق التوحيد وحسن المعاملة وجميل الأخلاق لتذوق طعم الإيمان ولتعرف حقيقة الإسلام.
نريد أن نكسب القلوب ليس بالمجاملة ولا بالمداهنة ولا بتمييع ديننا ولا بتمزيقه ولا بالتنازل عن المبادئ والأهداف.
وإنما بمكارم الأخلاق، كما قال صلى الله عليه وسلم :
(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) والحديث عند أحمد في المسند.
ولماذا كسب القلوب؟
ليس من أجل الدنيا، ولا متاعها ولا زخرفها ولا من أجل أنفسنا وإظهار محاسنها وتواضعها، لا والله.
بل ولا من أجل تملق الناس وطلب محامدهم وثنائهم.
إنما من أجل ربنا تعبدا وتقربا، فإن الله يحب معالي الأخلاق، ويبغض سفسافها.
واتباعا لحبيبنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم فقد كان أحسن الناس خلقا.
وكسب لحب وقرب نبينا يوم القيامة كما قال صلوات الله وسلامه عليه :
(إن من أحبكم إلى وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا). حسنّه الترمذي.
وتطبيقا لتعاليم شرعنا وآداب ديننا قولا وعملا، وسرا وعلنا، فقد قال صلى الله عليه وسلم:
(وخالق الناس بخلق حسن).
وشوقا للجنان وتثقيلا للميزان يوم أن نلقى الله فقد قال صلى الله عليه وسلم:
(فأكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق) صححه الترمذي وقال غريب.
وما من شئ أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلقٍ حسن،
وتخلقا وتأدبا وإيمانا فأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا.
والله عز وجل يقول عن رسوله صلى الله عليه وسلم:
( ولو كنتَ فضاً غليظَ القلبِ لنفضوا من حولِك).
إذا فهذه الفضائل وأمثالها مما يحثنا ويشجعنا على اكتساب محاسن الأخلاق وتطبيع نفوسنا عليها، إخلاصا لوجه الله، وطلبا لرضاه فهي عبادة عظيمة وقربة من أجل القُربات فإن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم.
كما في حديث عائشة وصححه الألباني *رحمه الله*.
إذا فهذا طريقنا للقلوب، هذا هو طريقنا للقلوب خططته لكثرة شكاية الناس بعضهم من بعض.
فالزوج يشكو من سوء تعامل زوجه.
والطالب يتظلم من أخلاق أستاذه.
والموظف يتسخط من رئيسه ومديره.
والمكفول يئن ويتوجع من سوء تصرف كفيله.
حتى الصاحب لم يسلم من صاحبه وخليله.
فبحثت عن العلاج فكان هذا الموضوع. إذا فهو رسالة إلى كل مسلم ومسلمة.
إلى كل الطيبين والطيبات، إلى كل المعلمين والمعلمات.
إلى كل الأزواج، إلى كل موظف.
إلى كل مسلم يسافر خارج البلاد.
إلى كل أحد يحب أن يرى الألفة والمحبة ترفرف على المجتمع الإسلامي.
أيها المسلمون لنحرص على مكارم الأخلاق والتحلي بها وذلك بالصبر ومجاهدة النفس وترويضها هذا أولا.
وثانيا بصحبة الصالحين والنظر في سيرهم وأخلاقهم.
وثالثا بمداومة القراءة والإطلاع في كتب الأخلاق.
"كالأدب المفرد" للبخاري
و"مكارم الأخلاق" لأبن أبي الدنيا وللخرائطي
وكتب الشمائل وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
ومن أجمل الكتب المعاصرة التي وقفت عليها في هذا الموضوع "الأخلاق الفاضلة" للرحيلي وهو كتاب جميل
و"هذه أخلاقنا" للخازن دار و"سوء الخلق" للحمد وغيرها كثير.
إذا فلنحرص على التحلي بالأخلاق ومن يتصبر يصبره الله.
فإن أردت الوصول للقلوب، بل وإلى رضاء علام الغيوب سبحانه وتعالى فتنبه لهذه النقاط الثلاث الماضية، ثم أحرص على سماع هذا الموضوع وإسماعه مرات ومرات فإنما العلم بالتعلم وأستعن بالله وأكثر الدعاء والتضرع إليه:
(أن كما أحسنت خلَقي فأحسن خُلقي) كما كان صلى الله عليه وسلم يقول، كما عند أحمد وصححه الألباني.
وقل (اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء) كما في الترمذي وهو صحيح.
وقل أيضا بل وردد في كل وقت (اللهم أهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وأصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت) كما في صحيح مسلم.
فهذا أحسن الناس خلقا والذي أثنى الله عليه فقال:
(وإنك لعلى خلقٍ عظيم) لا يترك صلى الله عليه وآله وسلم الدعاء والتضرع إليه أن يعينه على تهذيب نفسه والتحلي بأحسن الأخلاق، فكيف بي وبك؟ بل كيف بنا جميعا؟ فإنه لا حول لنا ولا قوة إلا بالله جل وعلا.

* العقيدة والأخلاق:
للأخلاق صلة وثيقة بالإيمان والعقيدة، قال أبن القيم يرحمه الله :
(الدين كله خُلق، فمن زاد عليك في الخُلقِ زاد عليك في الدين).
يقول صاحب رسالة جميلة بعنوان "صلة الأخلاق بالعقيدة والإيمان" :
(إن المتمعن في أحوال الناس يجد كثيرا من المسلمين يغفل عن الاهتمام والاحتساب في هذا الجانب، وقد يجهل الصلة الوثيقة بين محاسن الأخلاق وقضية الإيمان والعقيدة، فبينما تجد الشخص يظن أنه قد حقق التوحيد ومحض الإيمان تراه منطويا على ركام من مساوئ الأخلاق والنقائص التي تخل بإيمانه الواجب أو تحرمه من الكمال المستحب، كالكبر والحسد وسوء الظن والكذب والفحش والأثرة وغير ذلك، وقد يكون مع ذلك جاهلا بضرر هذه الأمور على عقيدته وإيمانه أو غافلا عن شمولية هذا الدين لجميع مناحي الحياة، كما قال تعالى (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين)، إن تحقيق التوحيد -الكلام لا زال لصاحب الرسالة- إن تحقيق التوحيد وتكميل الإيمان ليس باجتناب الشرك الأكبر فحسب بل باجتناب كل ما ينافي العقيدة وكل ما يخل أو يقدح في كمال التوحيد والإيمان… إلى أخر كلامه هناك)).
إذا فليست العقيدة متون تردد، ونصوصا تحفظ بل لا بد أن تتحول إلى واقع عملي في الحياة، والتعامل بين الناس ولما حصل هذا التصور عند بعض الناس ظهر انفصام نكد وازدواجية بين مفهوم الإيمان ومقتضياته يأتي الحديث عنها إن شاء الله تعالى.

* واقعنا ومكارم الأخلاق:
إن الناس اليوم في عرض الأرض وطولها بحاجة إلى من يقف معهم ويعينهم وإلى من يزيل عنهم الهم والقلق، إلى من يدلهم إلى طريق السعادة والراحة النفسية، بحاجة إلى من يأخذ بأيديهم إلى طريق النجاة والأمان.
حتى وإن قامت الحضارات، وصنعت المخترعات، وتوالت الإنجازات فكل ذلك من أجل سعادة الإنسان وتكريمه، لكن مع الأسف البشرية اليوم تغرق في بحر الدنيا، يلهث الكثيرُ منهم وراء المال والتجارة، وراء الشهوات والملذات، وراء الرياسة والريادة بأي طريق وبأية صورة ومهما كان الثمن، المهم الوصول للمراد، وهذا هو الواقع الغالب على الناس اليوم -إلا ما شاء الله-.
في خضم هذا اللهثان وفي وسط هذا الإغراق يتلفت البعض ليبحث عن المثل وعن المبادئ وعن الأخلاق والآداب في صفوف الناس، ربما سمع عن التبشير وهو شعار أعلنه المنصرون وتسموا به بل وتمثلوه وللأسف.
يقول أحد الأخوة :
(في يوم من الأيام كنت أراجع طبيبا في أحد المستشفيات، وكنت أرى حسن تعامله وإظهار حرصه بالمريض وحالته، تبادر إلى ذهني أنه أحد المنصرين فقد كنت أقرأ وأسمع عن وسائلهم وأساليبهم، يقول: لكني قطعت هذا الخاطر أخذا بحسن الظن خاصة وأنه عربي، وفي بلد مسلم، لكني عرفت فيما بعد أنه يدين بالنصرانية وربما كان منصرا أو مبشرا كما يقولون) انتهى كلامه.
أيها الأخوة والأخوات:
أليس المسلمون أولى بهذه التسمي "التبشير"؟ وبهذه الأخلاق؟
ألم يقل الحق عز وجل :
(وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين)؟
ألم يقل صلى الله عليه وسلم :
(يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا)؟
ألسنا كمسلمين أولى بهذا التلطف والتودد للناس؟
ألسنا أولى بالتحلي بالأخلاق وبث الأمل في النفوس؟
لماذا هذا الجفاء والإعراض؟ وهذا التنفير والانقباض عند بعض المسلمين؟
لقد أثرت الماديات والحضارات على أخلاقنا وتعاملنا مع بعضنا بشكل كبير، حتى ظن البعض أنه لا يمكن الجمع بين التقدم الحضاري والكسب المادي وبين التحلي بالأخلاق والآداب، حتى قال أحدهم:
لإن كانت الدنيا أنالتك ثروةً*****وأصبحت منها بعد عسرٍ أخا يسرِ
لقد كشف الإثراء عنك خلائقا*****من اللؤم كانت تحت سترٍ من الفقرِ
فإننا لا نكاد نسمع عن ذي شرف أو تاجر أو منصب وقد تحلى ببعض الأخلاق والآداب إلا ويتذاكره الناس إطراء ومدحا وتعجبا أن يكون بمثل هذا المكان ويتمتع بمثل هذه الأخلاق.
أيها الأخوة:
إن من ينظر ويقرأ عن دين الإسلام خاصة في باب الآداب والأخلاق والمعاملات ليعجب أشد العجب من عظمة هذا الدين ودقة مراعاته للمشاعر والعواطف، وحرصه على نشر المحبة والمودة.
أسمعوا لهذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت، قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(إذا أحدث أحدكم في صلاته فليأخذ بأنفه ثم لينصرف) صحيح عند أحمد.
لماذا يأخذ بأنفه، وما علاقة الأنف بما صنع؟
إنها عظمة هذا الدين ودقة العناية بمشاعر النفس، والحفاظ على أحاسيسها، يأخذ بأنفه ليوهم من بجواره أن به رعافا فلا يفتضح أمره فيُحرج ويخجل.
قال الخطابي في بذل المجهود شرح سنن أبي داوود قال إنما أمره أن يأخذ بأنفه ليوهم القوم أن به رعافا، وفي هذا الباب من الأخذ بالأدب في ستر العورة وإخفاء القبيح والتورية بما هو أحسن وليس داخلا في باب الرياء والكذب، وإنما هو من باب التجمل واستعمال الحياء وطلب السلامة من الناس.
أرضى للناس جميعا مثل ما ترضى لنفسك
إنما الناس جميعا كلهم أبناء جنسك
غير عدل أن توخى وحشة الناس بأنسك
فلهم نفس كنفسك ولهم حس كحسك
من ينظر للواقع يرى العجب في الإفلاس الأخلاقي الذي تعيشه كثير من المجتمعات الإسلامية اليوم، بل هناك من انبهر بالحضارة الغربية فنقلها للمسلمين بقضها وقضيضها وإيجابها وسلبها، ونحن مع دعاة التقدم والحضارة في الاستفادة من التكنولوجيا والصناعة وكسب المهارات والخبرات.
لكننا وعلى لسان كل مسلم صادق وغيور، لا وآلف لا لاستيراد العادات والتقاليد الغربية الانحلال الخلقي بإسم الحرية وحقوق المرأة، أما إقحام الفضيلة والستر والعفاف ومكارم الأخلاق في التقدم والتخلف المزعوم فخدعة مكشوفة لا تنطلي إلا على غافل ساذج في فكره دخل أو في قلبه مرض.
إن في أخلاقنا وآدابنا كمسلمين بل وعادتنا وتقاليدنا كعرب ما يملئ قلوبنا بالفخر والاعتزاز والرفعة والسيادة، فالله أختار لنا مقاما عزيزا ومكانا شريفا فقال جل وعز :
(وكذلك جعلناكم أمة وسطاء لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيدا).
فأسألكم بالله هل هذا المقام يناسب ما يفعله بعض الغافلين والغافلات من تشب وتقليدا بأهل الكفر والشرك في عاداتهم ولباسهم وسيئ أخلاقهم؟
فأنت أيها المسلم يجب أن تكون متبوعا لا تابعا، وقائدا لا منقادا بصفاء عقيدتك وثبات مبدئك، وتعاليم دينك السمحة، وحسن أخلاقك.
فلما لا نعتز بالشخصية الإسلامية؟
ولما لا نعلن للعالم كله أننا أهل دين وخُلق؟ وأن لنا صبغة خاصة تميزنا عن ما سوانا؟ هي :
(صبغة الله، ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون).

* الدعاة الصامتون
إننا نملك كنزا عظيما هو كنز الإيمان، لكنه الإيمان حقيقة لا صورة، الإيمان الذي لامست حلاوته شغاف القلوب فظهرت تلك الحلاوة على جوارح ذلك المسلم، أقواله وأفعاله وصفاته، فيوم ذاق طعم الإيمان عرف حقيقة الاستقامة والالتزام فأثر ذلك في سلوكه وصدقه ومعاملته.
يذكر التاريخ لنا أن الإسلام وصل إلى جنوب الهند وسيلان وجزر المالديف وسواحل الصين والفلبين وإندونيسيا وأواسط أفريقيا عن طريق تجار مسلمين لكنهم مسلمون بحق، لم يؤثر عليهم بريق ولمعان الدينار والدرهم، بل تجسد الإسلام في سلوكهم وأمانتهم وصدقهم، فأعجب الناس بهذه الأخلاق، فبحثوا وسألوا عن مصدرها، فدخلوا الإسلام عن رغبة واقتناع.
إن من أكبر وسائل التأثير على النفوس هو التميز في الأخلاق المتمثل في القدوة الصالحة، بل هو أعظم وسيلة لنشر الإسلام في كل مكان.
ومن تتبع سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام وجد أنه كان يلازم الخلق الحسن في سائر أحواله، وخاصة في دعوته إلى الله تعالى، فأقبل الناس ودخلوا في دين الله أفواجا، بفضل الله تعالى ثم بفضل خُلقه عليه الصلاة والسلام.
فكم دخل في الإسلام بسبب خُلقه العظيم؟ فهذا يسلم ويقول :
(والله ما كان على الأرض وجه أبغض علي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي).
وذاك يقول:
(اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحد) تأثر بعفو النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يتركه على تحجير رحمة الله التي وسعت كل شئ بل قال له :
(لقد تحجرت واسعا).
والأخر يقول :
(فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه)
والرابع يقول:
( يا قومي أسلموا، فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة)
والخامس يقول :
( والله لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إلي، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي)
والسادس يقول بعد عفو النبي صلى الله عليه وسلم عنه قال:
( جئتكم من عند خير الناس) ثم يدعو قومه للإسلام فأسلم منهم خلق كثير.
والأمثلة كثيرة في سيرته صلى الله عليه وسلم.
كلُ الأمور تزول عنك وتنقضي…….إلا الثناءُ فإنه لك باقي
ولو أنني خيرتُ كلَ فضيلةٍ…….. ما اخترت غير محاسن الأخلاقِ
ذكر لي أحد الأخوة:
( أن شبابا من العرب في إحدى الدول الغربية استأجروا غرفا من عجوز غربية، فلما انتهت مدت الإيجار رفضوا التسديد، وهربوا بحجة أنها كافرة، وأنهم أي الكفار هم الذين نهبوا أموالنا كعرب )
سبحان الله بأي منطق وأي عقلية يتعاملوا هؤلاء؟ إنه الهوى والجهل بتعاليم وآداب هذا الدين، ألم يعقد العلماء أبوابا في كتب العقيدة والفقه في معاملة المسلم لغير المسلم؟
ومعاملة المحارب للمسلمين وغير المحارب؟
كيف نريد أن نفخر بالإسلام ونحن أول من جهل أحكامه وتخلف عن آدابه؟
قال محدثي :
( وكنت أرغب الإيجار من هذه العجوز فرفضت، خاصة عندما علمت أنني مسلم، وقالت أنتم أيها المسلمون لصوص، يقول وسألتها عن سبب هذا الاتهام؟ فحدثتني بقصتها مع هؤلاء الشباب، قال فحرصت على تغيير هذه الصورة عنا كمسلمين، وبعد محاولات وإغراءات وتعهدات بالدفع مقدما وافقت على تأجيري ووافقت رغم ارتفاع السعر، وسكنت ولا زلت أقدم لها العون وأظهر لها آداب الإسلام وأجاهد نفسي على التحلي بالفضائل مع تذكيرها في بعض الأحيان بأن هذا من آداب الإسلام، وأن ديننا يحثنا على هذه الأخلاق.
يقول فلما حان رحيلي وعند لحظة الوداع فإذا بها تقول لي ودمعتها على خدها:
(يا بني وصية لك أن لا تموت إلا على هذا الدين).
رحم الله علي ابن أصمع لما حضرته الوفاة جمع بنيه فقال:
( يا بني عاشروا الناس معاشرة إن عشتم حنوا إليكم، وإن متم بكوا عليكم).
أيها الأخ إنما الدنيا حديث فإن استطعت أن تكون منها حديثا حسنا فأفعل، إننا بحاجة إلى من يجسدون مبادئ الإسلام في سلوكهم، ويترجمون فضائله وآدابه في حركاتهم وسكناتهم حتى مع الكفار.
فمن أهم مظاهر علاقة المسلم بالكافر غير المحارب للمسلمين كف الأذى والظلم وعدم التعدي عليه وعلى حقوقه، والتزام مكارم الأخلاق معه من الصدق والأمانة وغيرها من أخلاق الإسلام الحميدة، وجواز إيصال البر والمعروف إليه.
ففي صحيح البخاري أن عمر ابن الخطاب أهدى حلة له إلى أخ له مشرك بمكة كانت قد جاءته من النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي البخاري أيضا أن ابن عمر ذبحت له شاة في أهله فلما جاء قال:
(أهديتم لجارنا اليهودي؟ )
وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
( مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه).
وإنما الإشارة لها لارتباطها بالأخلاق، لكن تنبه وأحذر كل الحذر أن تختلط عليك الأمور.
ففرق بين حسن المعاملة ومكارم الأخلاق والبر والإحسان للكافر غير المحارب وبين الموالاة والمحبة والمودة له، أو تفضيله على أحد من المسلمين أو مجاملته على حساب دينك وعقيدتك كتهنئتهم أو إهدائهم بمناسبة أعيادهم أو نحو ذلك، فإن ذلك كله حرام لا يجوز، وضابط ذلك النصوص من الكتاب والسنة، وأقول أئمة السلف رضوان الله عليهم أجمعين، فإن ما عنيت بهذا الموضوع معاملة المسلم للمسلمين، أما معاملته للآخرين من أهل الملل والنحل فله أصوله وضوابطه.
* الأخلاق تصنع الأعاجيب:
إن النفس أيا كانت ومهما بلغت من الانحلال والفساد والتجبر والعناد فإن فيها خيرا كثيرا قد لا تراه العيون أول الأمر،
فقط شئ من العطف على أخطائهم،
شئ من الود الحقيقي لهم، شئ من لعناية به،
لنحاول - أيها الأخوة - تلمس الجانب الطيب في نفوسهم،
إبداءهم بالسلام، ابتسم لهم، أثني على الخير الذي فيهم،
وقبل ذلك كن صادقا ومخلصا غير متصنع ولا مجامل، عندها ستتفجر ينابيع الخير في نفوسهم، وسيمنحوك حبهم وثقتهم مقابل القليل الذي أعطيتهم إياه من نفسك، لقد جرب ذلك كثيرا.
أذكر أنني قابلت أحد هؤلاء فسلمت وابتسمت وأثنيت على صفة طيبة فيه، وأنا صادق، فلن يعدم إنسان مزية حسنة تكون مفتاحا لقلبه، فأنكشف لي قلب لين رقيق سرعان ما سالت دمعات على وجه تلطخ بسواد المعصية والشهوة، وكان قد شكا جفاء بعض الناصحين وتعجلهم عليه.
أيها الأخوة، كم نخطئ عندما نحكم على الآخرين بمجرد النظر للظاهر، فهذا عمرو ابن العاص يحدث عن نفسه فيقول (لقد رأيتني وما أحد أشد بغض لرسول الله مني، ولا أحب إلى أن أكون قد استمكنت منه فقتلته).
وبعد أن أسلم وعرفه عن قرب انقلب الحال فقال:
( وما كان أحد أحب إلي من رسول الله، ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملئ عيني منه إجلالا له، ولو سألت أن أصفه ما أطقت، لأني لم أكن أملئ عيني منه) كما في صحيح مسلم.
إننا نظلم أنفسنا ونظلم الآخرين عندما نحقد على هؤلاء ونتخوف منهم، والحل هو أن تنمو في نفوسنا بذرة الحب والعطف على الآخرين، والصبر عليهم.
وباختصار إنها الأخلاق وفن التعامل مع الناس.
يا أهل القرآن، ألم نقرأ في القرآن قول الحق عز وجل :
( وقولوا للناس حسنا).
ألم نقرأ قول الحق ( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن، إن الشيطان ينزغ بينهم).
في الآية الأولى قولُ حسن، وفي الثانية أحسن.
فأين نحن من قول الحسن فضلا على قول أحسن الحسن.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
( إن الله كتب الإحسان على كل شئ، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) كما في صحيح مسلم.
فإذا كانت الرحمة والإحسان تصل إلى هذه الدرجة من الرفق وحسن التعامل حتى مع الحيوان، فكيف بالرحمة والإحسان مع بني الإنسان؟
قال أحد الأخوة "
( في موسم للأمطار وأنا على سيارتي مررت بغدير ماء لم أنتبه له، فتراشقت المياه على الجانبين، كان النصيب الأكبر منها لشباب جلسوا على عتبة أحد الأبواب، ويا ليت شعري لو رأيت حالهم قد تبدلت، فالثياب البيضاء كأنها سوداء، والشعرات السوداء خضبت بالطين والماء، فرجعت إليهم فلم أنتبه إلا على أصوات السب واللعان ومناداتي للرفس والطعان، يقول فرجعت إليهم مسلما معتذرا متأسفا، فيا سبحان مقلب القلوب، تحول السب واللعان إلى ترحيب وسلام، ودعوة إلى الطعام بل إلى إخاء ووئام) انتهى كلامه.
فيا أيها الأحبة، أقول باختصار إنها الأخلاق تصنع الأعاجيب، نخطئ كثيرا عندما نعتزل بعض الناس لأننا نشعر أننا أطهر منهم روحا، أو أطيب منهم قلبا، أو أذكى منهم عقلا.
قال رجل لعبد الله ابن المبارك عظني، قال ابن المبارك:
(إذا خرجت من منزلك فلا يقعن بصرك على أحد إلا رأيت أنه خير منك).
وليس معنى هذا أن نتخلى عن مبادئنا ومُثلنا السامية، أو نتملق أو نجامل، لا ولكنها الحكمة والموعظة الحسنة وفن التعامل مع الآخرين. هذا مقتبسُ من رسالة بعنوان " أفراح الروح.
أيها المحب، أنظر لفن التعامل ومحاسن الأخلاق ماذا تفعل.
هذا عكرمة ابن أبي جهل ورث عداوة الإسلام عن أبيه وقاتل المسلمين في كل موطن، وتصدى لهم يوم فتح مكة ثم فر إلى اليمن، بعد أن أهد النبي صلى الله عليه وسلم دمه.
فتأتي زوجه أم حكيم بع إسلامها لرسول الله تطلب الأمان لزوجها فيقول لها - بابي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم :
( هو آمن، ويقول لأصحابه يأتيكم عكرمة ابن أبي جهل مؤمنا مهاجرا، فلا تسبوا أباه، فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت).
فيأتي عكرمة بين يدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيقول عكرمة أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله، وأنت أبر الناس وأصدق الناس، وأوفى الناس، أما والله يا رسول الله لا أدع نفقة كنت أنفقها في الصد عن سبيل الله إلا أنفقت ضعفها في سبيل الله، ولا قاتلت قتالا في الصد عن سبيل الله إلا أبليت ضعفه في سبيل الله.
لمسة حانية من نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم نقلت أبن فرعون هذه الأمة إلى صف أولياء الرحمن، وجعلته يندم هذا الندم ويعزم هذا العزم، ويتحول هذا التحول. إنها الأخلاق تصنع الأعاجيب.

*همسة في أذن موظف
أيها الموظف، أين كان موقعك، وفي أي مكان كنت
إنك لم تجلس على هذا الكرسي الذي أنت عليه إلا من أجل خدمة الناس، وقضاء حوائجهم وأداء الأمانة التي تحملتها، أفلا ترى أنك بحسن الاستقبال والابتسامة وإظهار الاهتمام بالمراجع وحاجته تملك قلوب الآخرين حتى وإن لم تقضي حاجتهم، وربما خرجوا من عندك بنفس راضية ولسان يلهج بالثناء والدعاء بل ربما أثنوا عليك ورفعوا ذكرك بكل مجلس، كل هذا وأنت لم تقضي حاجتهم، بل ملكتهم بحسن الأخلاق، فكيف لو استطعت قضاء حاجتهم وتيسير أمرهم.
أيها الحبيب، أنظر إلى هذه النتيجة التي وصلت إليها كسبت القلوب، والذكر الحسن، وقبل ذلك كله كسبت رضاء الله تعالى عز وجل،
ألم يقل صلى الله عليه وسلم :
( ابتسامتك في وجه أخيك صدقة)،
ألم يقل صلى الله عليه وسلم:
(والكلمة الطيبة صدقة)،
ألم يقل صلى الله عليه وسلم :
(من كان في حاجة أخي كان الله في حاجته)،
ألم يقل صلى الله عليه وسلم:
( والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)،
ألم يقل صلى الله عليه وسلم:
(خير الناس أنفعهم للناس).
إذا فأنت أيها الموظف في عبادة وأنت على مكتبك، فقط استعن بالله وأخلص النية الله، وأتصف بمكارم الأخلاق، وأحرص على نفع الناس وستجد التوفيق في الدنيا والآخرة. ذكر حسن وجميل وحب وتقدير هذا في الدنيا، وأجر كبير من العليم الخبير في الآخرة، كل هذا من خلال عملك ووظيفتك، أجر وغنيمة والموفق من وفقه الله.
وربما قلت الناس لا يرضيهم غلا تلبية رغباتهم، وتنفيذ ما يريدون، بل ربما قلت أن ميزان الناس اليوم في الحكم على الآخرين هو مصالحهم الشخصية.
فأقول لك نعم هذه هو واقع الحال، ونحن لا نبرأ أنفسنا ولكن أخي الحبيب هب أنك بذلت لهم ما استطعت وتخلقت معهم بأحسن الأخلاق ولم يرضوا عنك، أليس حسبك أن يرضى الله عنك، فإنه يعلم أنك قدمت وبذلت ما بوسعك، إذا فأجرك على الله.
وإن لم يرضى الناس فتذكر دائما أن من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس. فأحرص على فضائل الأخلاق وفن التعامل مع لناس فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول :
( خياركم أحاسنكم أخلاقا ) كما في البخاري ومسلم.
يا من رزقه الله مكانة ووجاهة اعلم أن زكاتها الشفاعة والإعانة للمحتاجين على أن لا يبخس بها حق الآخرين، فإن الشفاعات من أعظم العبادات إذا قصد بها وجه الله.
كتب الحسن ابن سهل كتاب شفاعة فجعل الرجل يشكره، فقال الحسن يا هذا علاما تشكرنا إنا نرى الشفاعات زكاة مروءتنا، ثم أنشد يقول:
فرضت علي زكاة ما ملكت يدي ……. وزكاة جاهي أن أعين وأشفع
فإذا ملكت فجد فإن لم تستطع ……. فأجهد بوسعك كله أن تنفع

* همسة إلى المعلمين والمعلمات
أيها المعلمون والمعلمات:
( إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها ليصلون على معلم الناس الخير)، كما في الترمذي.
( ومن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا)،كما في صحيح مسلم.
وإني لأظنك أيها المعلم وأنتي أيتها المعلمة من معلمي الناس الخير، وممن يدعو إلى الهدى، فأنتم تجلسون الساعات بل الأيام والشهور والسنوات مع أولاد وبنات المسلمين، ولله در ابن المبارك وهو يقول :
(نحن إلى قليل من الأدب، أحوج منا إلى كثير من العلم).
وأفضل وأيسر وأحسن طريق عرفته في التعليم هو التواضع وفن التعامل ومكارم الأخلاق مع الطلاب والطالبات، ولا يستطيعه إلا من رزقه الله الإخلاص بعلمه وتعليمه، نسأل الله الكريم من فضله.
احترام الطلاب والطالبات وإشعارهم بالحب والاهتمام بمشاكلهم وهمومهم والتجاوز عن أخطائهم والابتسامة والصبر والرفق بالتوجيه مع قوة المادة العلمية، كلها من علامات الشخصية الناجحة للمعلم والمعلمة.
أما الشدة وكتم الأنفاس وشد الأعصاب ورفض المناقشة والتمسك بالرأي وعدم التنازل عنه بحجة قوة الشخصية أمام الطلاب والطالبات فهي أوهام لا تزيد الطين إلا بله. فإن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف كما في صحيح مسلم.
أيها المعلمون والمعلمات، رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
( من يحرم الرفق يحرم الخير كله) كما في صحيح مسلم.
والقلوب التي تجلس أمامكم كل نهار مهما بلغت من الغفلة والقسوة فهي أحوج مل تكون إلى الرفق والعطف، فإن الرفق وحسن الأخلاق واللمسات الحانية والكلمات العذبة مفاتيح عجيبة في التأثير والتوجيه، فكم عبرة أجهشتها ودمعت أسالتها، ولكنه - وأقوله مرة وثالثة وعاشرة- الإخلاص لله، فمن يؤته فقد أوتي خيرا كثيرا، فليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة واللبيب بالإشارة يفهم.

* هل يمكننا تغيير أخلاقنا
ربما يقول البعض لقد شببت على الشيء فلا أستطيع أن أغير أخلاقي، وهناك من يرى أن الأخلاق ثابتة في الإنسان لا تتغير فهي غرائز فطر عليها، وطبائع جبل عليها، وهناك من يرى أنها تتغير فليس ذلك صعبا ولا مستحيلا.
والحق أن الأخلاق على نوعين:
فمنها ما هو غريزي فطري ومنها ما يكتسب بالممارسة والمجاهدة، ولو كانت الأخلاق لا تتغير لبطلت الوصايا والمواعظ، ولما قال الله عز وجل :
(قد افلح من تزكى).
وقال (قد أفلح من زكاها).
ولما قال صلى الله عليه وسلام:
(إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحرى الخير يعطه، ومن يتوقى الشر يوقه).
ومن نظر إلى الحيوان وحاله قبل التدريب وبعده أدرك أن الأخلاق عند الإنسان سعلة التغيير لمن رزق الهمة والعزيمة، وحمل نفسه على مكارم الأخلاق وفضائلها.
يقول ابن حزم رحمه الله متحدثا عن تجربته مع نفسه وعن محاولاته في التخلص من عيوبه وعن النتائج التي حصل عليها من جراء ذلك يقول :
( كانت في عيوب فلم أزل بالرياضة والإطلاع على ما قالت الأنبياء صلوات الله عليهم، والأفاضل من الحكماء المتأخرين والمتقدمين في الأخلاق وآداب النفس أعاني مداواتها حتى أعان الله عز وجل على أكثر ذلك بتوفيقه ومنه، وتمام العدل ورياضة النفس والتصرف بالأمور هو الإقرار بها -أي الإقرار بالعيوب- ليتعظ بذلك متعظ يوما إن شاء الله)
ثم أخذ رحمه الله يعدد بعض العيوب في نفسه، ولولا خشية الإطالة لذكرتها لعظيم الفائدة، من أرادها فلينظر في كتابه " الأخلاق والسير في مداواة النفوس ".
ثم قال ومنها - أي العيوب - حقد مفرط قدرت بعون الله تعالى على طيه وستره، وغلبته على إظهار جميع نتائجه وأما قطعه البتة فلم أقدر عليه، وأعجزني أن أصادق من عادني عداوة صحيحة أبدا. انتهى كلامه يرحمه الله.
ويقول أحد الأخوة:
(وقع في قلبي شيء عظيم على أحد أخواني لخير أعطاه الله إياه، فما زال الشيطان بي ونفسي الضعيفة وكنت أهتم وأغتم وأكثر التفكير والخواطر خاصة وأنني كنت متهيئا لهذا الخير الذي آتاه الله أكثر منه.
يقول فما زلت مع نفسي أدفع الخواطر والأفكار الرديئة تارة، و أُنبها تارة، وأذكّرها بفضل سلامة الصدر وتمني الخير للآخرين، وأني أحب لهم ما أحب لنفسي تارة أخرى.
وتارة أذكّرها بخطر الحسد وأضراره وما زلت أستعين بالله وأدعوه حتى انتصرت عل نفسي واستطعت ترويضها، وما زلت مع نفسي بكثيرٍ من هذه المواقف حتى وجدت أنها اعتادت على سلامة الصدر وحسن الظن بالآخرين وتمني الخير لهم. عندها شعرت بسعادة ولذة عجيبة وأقبلت على شئوني وأعمالي بقلب سليم، وفتح الله علي بأمور كثيرة فتحا عجيبا ولله الحمد والمنة، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.) انتهى كلامه.
إذا فلا بد من رياضة النفس وتدريبها أيها الأحبة، وذلك بالمجاهدة والصبر وقوة الملاحظة والنظر في عواقب الأمور قبل الإقدام وطلب النصح من الآخرين ونحو ذلك مما يعين على تغيير الأخلاق والطبائع للأحسن، هداني الله وإياك لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو.

* سهام للصيد:
أي صيد القلوب، أعني تلك الفضائل التي تستعطف بها القلوب، وتستر بها العيوب وتستقال بها العثرات، وهي صفات لها أثر سريع وفعال على القلوب، وإلا فإن فضائل ومكارم الأخلاق كثيرة، إليك أيها المحب سهاما سريعة ما أن تطلقها حتى تملك بها القلوب فأحرص عليها وجاهد نفسك على حسن التسديد للوصول للهدف وأستعن بالله.
• السهم الأول الابتسامة
قالوا هي كالملح في الطعام، وهي أسرع سهم تملك به القلوب وهي مع ذلك عبادة وصدقة:
( فتبسمك في وجه أخيك صدقة ) كما في الترمذي.
وقال عبد الله ابن الحارث:
( ما رأيت أحدا أكثر تبسم من رسول الله صلى الله عليه وسلم) عند أحمد بسند حسن.
• السهم الثاني البدء بالسلام
سهم يصيب سويداء القلب ليقع فريسة بين يديك لكن أحسن التسديد ببسط الوجه والبشاشة، وحرارة اللقاء وشد الكف على الكف، وهو أجر وغنيمة فخيرهم الذي يبدأ بالسلام، قال عمر الندي:
(خرجت مع ابن عمر فما لقي صغيرا ولا كبيرا إلا سلم عليه).
وقال الحسن البصري:
(المصافحة تزيد في المودة).
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:
(لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق).
وعند مالك بالموطئ أنه صلى الله عليه وسلم قال:
(تصافحوا يذهب الغل، وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء).
قل ابن عبد البر هذا يتصل من وجه حسان كلها.
• الهدية سهم ثالث لصيد القلوب
ولها تأثير عجيب فهي تذهب بالسمع والبصر والقلب، وما يفعله الناس من تبادل الهدايا في المناسبات وغيرها أمر محمود بل ومندوب إليه على أن لا يكلف نفسه إلا وسعها، قال إبراهيم الزهري:
(خرجت لأبي جائزته فأمرني أن أكتب خاصته وأهل بيته ففعلت، فقال لي تذكر هل بقي أحد أغفلناه، قلت لا قال بلى رجل لقيني فسلم علي سلاما جميلا صفته كذا وكذا، اكتب له عشرة دنانير) انتهى كلامه.
انظروا أثّر فيه السلام الجميل فأراد أن يرد عليه بهدية ويكافئه على ذلك.
• سهم رابع الصمت وقلة الكلام إلا فيما ينفع
وإياك وأرتفع الصوت وكثرت الكلام في المجالس، وإياك وتسيد المجالس وعليك بطيب الكلام ورقة العبارة:
(فالكلمة الطيبة صدقة) كما في الصحيحين، ولها تأثير عجيب في كسب القلوب والتأثير عليها حتى مع الأعداء فضلا عن إخوانك وبني دينك، فهذه عائشة رضي الله عنها قالت لليهود:
( وعليكم السام واللعنة) فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(مهلا يا عائشة فإن الله يحب الرفق في الأمر كله).
والحديث متفق عليه، وعن أنس رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(عليك بحسن الخلق وطول الصمت فو الذي نفسي بيده ما تجمل الخلائق بمثلهما) أخرجه أبو يعلى والبزار وغيرهما.
قد يخزنُ الورعُ التقي لسانه …… حذر الكلام وإنه لمفوه
• السهم الخامس حسن الاستماع وأدب الإنصات
وعدم مقاطعة المتحدث فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقطع الحديث حتى يكون المتكلم هو الذي يقطعه، ومن جاهد نفسه على هذا أحبه الناس وأعجبوا به بعكس الأخر كثير الثرثرة والمقاطعة، وأسمع لهذا الخلق العجيب عن عطاء قال ( إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأني لم أسمعه وقد سمعته قبل أن يولد).
• السهم السادس حسن السمت
وجمال الشكل واللباس وطيب الرائحة، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول:
( إن الله جميل يحب الجمال ) كما في مسلم.
وعمر ابن الخطاب يقول:
( إنه ليعجبني الشاب الناسك نظيف الثوب طيب الريح).
وقال عبد الله ابن أحمد ابن حنبل:
( إني ما رأيت أحدا أنظف ثوبا وأشد تعهدا لنفسه وشاربه وشعر رأسه وشعر بدنه، ولا أنقى ثوبا وأشده بياضا من أحمد ابن حنبل)
• السهم السابع بذل المعروف وقضاء الحوائج
سهم تملك به القلوب وله تأثير عجيب صوره الشاعر بقوله:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم …….. فطالما أستعبد الإنسانَ إحسانُ
بل تملك به محبة الله عز وجل كما قال صلى الله عليه وسلم :
( أحبُ الناس إلى الله أنفعهم للناس).
والله عز وجل يقول:
( وأحسنوا إن الله يحب المحسنين).
إذا أنت صاحبت الرجال فكن فتى …….. مملوك لكل رفيق
وكن مثل طعم الماء عذبا وباردا ……… على الكبد الحرى لكل صديق
أيها الأخوة والأخوات:
عجبت لمن يشتري المماليك بماله كيف لا يشتري الأحرار بمعروفه، ومن انتشر إحسانه كثر أعوانه.
• السهم الثامن بذل المال
فإن لكل قلب مفتاح، والمال مفتاح لكثير من القلوب خاصة في مثل هذا الزمان، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:
(إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلى منه خشية أن يكبه الله في النار) كما في البخاري.
صفوان ابن أمية فر يوم فتح مكة خوفا من المسلمين بعد أن استنفذ كل جهوده في الصد عن الإسلام والكيد والتآمر لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيعطيه الرسول صلى الله عليه وسلم الأمان ويرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب منه أن يمهله شهرين لدخول في الإسلام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بل لك تسير أربعة أشهر، وخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين والطائف كافرا، وبعد حصار الطائف وبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر في الغنائم يرى صفوان يطيل النظر إلى وادٍ قد امتلئ نعما وشاء ورعاء، فجعل عليه الصلاة والسلام يرمقه ثم قال له يعجبك هذا يا أبا وهب؟ قال نعم، قال له النبي صلى الله عليه وسلم هو لك وما فيه، فقال صفون عندها، ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبي، اشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أيها الأحبة، لقد استطاع الحبيب صلى الله عليه وسلم بهذه اللمسات وبهذا التعامل العجيب أن يصل لهذا القلب بعد أن عرف مفتاحه.
فلماذا هذا الشح والبخل؟
ولماذا هذا الإمساك العجيب عند البعض من الناس؟ حتى كأنه يرى الفقر بين عينيه كلما هم بالجود والكرم والإنفاق.
• السهم التاسع إحسان الظن بالآخرين والاعتذار لهم
فما وجدت طريقا أيسر وأفضل للوصول إلى القلوب منه، فأحسن الظن بمن حولك وإياك بسوء الظن بهم وأن تجعل عينيك مرصدا لحركاتهم وسكناتهم، فتحلل بعقلك التصرفات ويذهب بك كل مذهب، وأسمع لقول المتنبي:
إذا ساء فعل المرءِ ساءت ظنونه …… وصدق ما يعتاده من توهم
عود نفسك على الاعتذار لإخوانك جهدك فقد قال ابن المبارك:
( المؤمن يطلب معاذير إخوانه، والمنافق يطلب عثراتهم ).
ومن علامات شقاء الأمة أن تشغل بنفسها عن أعدائها.
• أعلن المحبة والمودة للآخرين
فإذا أحببت أحدا أو كانت له منزلة خاصة في نفسك فأخبره بذلك فإنه سهم يصيب القلب ويأسر النفس ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:
( إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته بمنزله فليخبره أنه يحبه) كما في صحيح الجامع.
وزاد في رواية مرسلة (فإنه أبقى في الألفة وأثبت للمودة)، لكن بشرط‍ أن تكون المحبة لله، وليس لغرض من أغراض الدنيا كالمنصب والمال، والشهر والوسامة والجمال، فكل أخوة لغير الله هباء، وهي يوم القيامة عداء:
(الأخلاء يوم إذا بعضهم لبعض عدو إلا المتقين).
والمرء مع من أحب كما قال صلى الله عليه وسلم - يعني يوم القيامة -، إذا فاعلان المحبة والمودة من أعظم الطرقِ للتأثير على القلوب. فإما مجتمع مليء بالحب والإخاء والائتلاف، أو مجتمع مليء بالفرقة والتناحر والاختلاف.
لذلك حرص صلى الله عليه وسلم على تكوين مجتمع متحاب فآخاء بين المهاجرين والأنصار، حتى عرف أن فلانا صاحب فلان، وبلغ ذلك الحب أن يوضع المتآخيين في قبر واحد بعد استشهادهما في إحدى الغزوات.
بل أكد صلى الله عليه وسلم على وسائل نشر هذه المحبة ومن ذلك قوله صلوات الله وسلامه عليه:
(لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تأمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) كما في مسلم.
أيها الأخوة، المشاعر والعواطف والأحاسيس الناس منها على طرفي نقيض وللأسف، فهناك من يتعامل مع إخوانه بأسلوب عقليا جامد جاف مجرد من المشاعر والعواطف، وهناك من يتعامل معهم بأسلوب عاطفي حساس رقيق ربما وصل لدرجة العشق والإعجاب والتعلق بالأشخاص.
والموازنة بين العقل والعاطفة يختلف بحسب الأحوال والأشخاص، وهو مطلب لا يستطيعه كل أحد لكنه فضل الله يأتيه من يشاء.
• السهم الحادي عشر المداراة
فهل تحسن فن المدارات؟ وهل تعرف الفرق بين المداراة والمداهنة؟ روى البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها :
( أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما راءه قال بئس أخو العشيرة، فلما جلس تطلق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وأنبسط إليه، فلما أنطلق الرجل، قالت له عائشة يا رسول الله حين رأيت الرجل قلت كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يا عائشة متى عهدتني فاحشا؟ إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس لقاء فحشه) قال ابن حجر في الفتح ( هذا الحديث أصل في المداراة) ونقل قول القرطبي (الفرق بين المداراة والمداهنة أن المداراة بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معا، وهي مباحة وربما استحبت، والمداهنة ترك الدين لصلاح الدنيا).
إذا فالمداراة لين الكلام والبشاشة للفساق وأهل الفحش والبذاءة، أولا اتقاء لفحشهم.
وثانيا لعل في مداراتهم كسبا لهدايتهم بشرط عجم المجاملة في الدين، وإنما في أمور الدنيا فقط، وإلا انتقلت من المداراة إلى المداهنة فهل تحسن فن المداراة بعد ذلك؟ كالتلطف والاعتذار والبشاشة والثناء على الرجل بما فيه لمصلحة شرعية، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
( مداراة الناس صدقة) أخرجه الطبراني من حديث جاب.
وقال أبن بطال:
(المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح للناس، وترك الإغلاظ لهم في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة)
إذا هذه أسهم للصيد فأحسن التسديد وهي على سبيل المثال، وذكرت منه ما أشرت إليه أنفا وإلا فهي كثيرة.
* الازدواجية في الأخلاق:
لقد شكا الكثير من التقلب والمزاجية والازدواج في الشخصية التي يعيشه بعض الناس اليوم، فمثلا الزوجة المسكينة تسمع عن أخلاق زوجها، وسعة صدره وابتسامته وكرمه، ولكنها لم ترى من ذلك شيئا.
فهو في بيته سيئ الخلق ضيق الصدر عابس الوجه صخاب لعان بخيل ومنان، أين هذا وأمثاله من قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
( خيركم خيرُكم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) كما عند ابن ماجة وابن حبان والحاكم.
وأين هو عن قول النبي صلى الله عليه وسلم:
(أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خيارُكم لنسائهم) كما عند الترمذي بسند صحيح.
قال سلمة أبن دينار:
( السيئ الخلق أشقى الناس به نفسه التي بين جنبيه، هي منه في بلاء، ثم زوجته ثم ولده حتى أنه ليدخل بيته وإنهم لفي سرور فيسمعون صوته فينفرون منه فرقا منه أي خوفا منه، حتى أن دابته تحيد مما يرميها بالحجارة، وإن كلبه ليراه فينزو على الجدار، حتى أن قطه ليفر منه) انتهى كلامه.
وقل مثل ذلك مع الوالدين، فكم أولئك الذين نسمع عن حسن أخلاقهم وكرمهم وابتسامتهم وجميل معاشرتهم للآخرين، أما مع اقرب الناس إليهم وأعظم الناس حقا عليهم الوالدين فجفاء وهجر وبعد ويكفي بلاغة وقوة ورقة قول الحق عز وجل:
( ولا تقل لهما أف).
ومن نظر لحالنا مع آبائنا وأمهاتنا علم ضعف إيماننا وتقصيرنا بأعظم الحقوق علينا بعد توحيد الله والله المستعان.
ومن الازدواجية أيضا، ربما ترى المرأة مثقفة متعلمة جميلة، بل ربما حرصت على صفاء وجهها وبياض أسنانها وتبذل الغالي والنفيس من أجل جمالها وأناقتها، فإذا عرفتها عن قرب وعاشرتها فإذا هي سيئة الأخلاق سريعة الغضب تتذمر وتتسخط، ترفع صوتها على زوجها وتعبس في وجه أختها.
آه لو حرصت النساء على أخلاقهن كحرصهن على جمالهن،
فليس الجمال بأثواب تزيننا ….. بل الجمال جمال العلم والأدب
اعلمي اخيتي في الله أن الجمال الحقيقي هو جمال الأخلاق والأدب، فأفٍ ثم تفٍ لجمال اللباس والشكل مع قلة الحياء والتكشف والعري وضياع القيم والمبادئ،
مررت على المروءة وهي تبكي ……. فقلت علاما تنتحب الفتاة
فقالت كيف لا أبكي وأهلي …….. جميعا دون خلق الله ماتوا
أيتها الأخت، إن الله جعل للإنسان عورتين، عورة الجسم وعورة النفس، وجعل للأولى سترا هو اللباس، وللثانية سترا هو الأخلاق ونبه على الأهم وهو الثاني لأن لباس الإنسان لا يغني عن أخلاقه ألبّته فقال عز وجل:
( يا بني آدم إنا أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا، ولباس التقوى ذلك خير).
اخيتي، إن المرأة العاقلة إذا نطقت جاءت بكل ملاحة وإن سكتت جاءت بكل مليح، فأتقي الله أيتها المرأة واستري عورة النفس بلباس التقوى والحياء ومكارم الأخلاق.
ومن الازدواجية في الأخلاق ما نراه من بعض الناس من حسن الكلام وسعة الصدر والابتسامة، فإذا جاء البيع والشراء والتعامل بالدينار والدرهم تراه مماطلا مماكسا، يجادل ويخاصم وربما تلاشت معاني الأخوة وحقوقها.
قيل لمحمد ابن الحسن ألا تصنف كتابا في الزهد قال:
(صنفت كتابا في البيوع).
يعني رحمه الله أن الزاهد هو من يتحرز عن الشبهات والمكروهات في التجارات وفي سائر المعاملات، وهذا من فقه وذكاء محمد رحمة الله عليه.
يروى أن مسروقا عليه دين ثقيل وكان على أخيه خيثمة دين فذهب مسروق فقضى دين خيثمة وهو لا يعلم، وذهب خيثمة فقضى دين مسروق وهو لا يعلم.
وقال مطرف ابن عبد الله لبعض إخوانه:
( يا أبا فلان إذا كانت لك حاجة فلا تكلمني وأكتبها في رقعة فإني أكره أن أرى في وجهك ذل السؤال).
إذا أعسرتُ لم يعلم رفيقي …… وأستغني فيستغني صديقي
حيائي حافظ لي ماء وجهي ……. ورفقي في مطالبتي رفيقي
ولو أني سمحت بماء وجهي ……. لكنت إلى العلاء سهل الطريق
عن رباح ابن الجراح قال:
( جاء فتح الموصلي إلى منزل صديق له يقال له عيسى التمار فلم يجده، فقال للخادم أخرجي لي كيس أخي فأخرجته فأخذ منه درهمين، وجاء عيسى فأخبرته الخادم، فقال إن كنت صادقة فأنتي حرة، فنظر فإذا هي صادقة فعتقت).
وعن جميل أبن مرة قال:
(مستنا حاجة شديدة، فكان مورق العجلي يأتينا بالصرة فيقول أمسكوا هذه لي عندكم، ثم يمضي غير بعيد فيقول إن احتجتم إليها فأنفقوها)
وقال سفيان ابن عيينه سمعت مساورا الوراق يقول:
( ما كنت لأقول لرجل إني أحبك في الله فأمنعه شيء من الدنيا). مواقف اغرب من الخيال لكنها مكارم الأخلاق عند سلفنا الصالح رضوان الله تعالى عليهم، وصدق الأخوة والمحبة في الله.
نسأل الله الكريم من فضله، ونسأل الله عز وجل حسن التأسي بهم رضوان الله عليهم.
ومن مظاهر الازدواجية أيضا أن ترى بعض الشباب يعجبك حسن مظهره، ويجذبك سحر عطره، وتصفيف شعره، ولولا الحياء لأطنبت في الوصف مما يرى ويشاهد على بعض شبابنا هذه الأيام من حرص على المظاهر والأشكال، ومع ذلك انحراف في السلوك والأخلاق فلا مانع لديه أن يكذب وأن يلعن ويشتم وربما يزني ويسرق أو يغش ويخدع، لا مانع لديه أن يتخلى عن دينه وأخلاقه من أجل شهوة، فأفسد المسكين جمال الظاهر وجمال الباطن.
أيها الشاب ليس الإنسان إنسانا بجسمه وصورته لا والله، ولا بثيابه ومظهره، بل هو إنسان بروحه وعقله وخُلقه وخَلقِه،
يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته ……. أتعبت نفسك في ما فيه خسرانُ
أقبل على النفس وأستكمل فضائلها …….فأنت بالنفس لا بالجسم إنسانُ
أيها الشاب، هل ينفه الفتيان حسن وجههم إذا كانت الأخلاق غير حسان، إن في قلبك فطرة الخير ففتش عنها وأشعل جذوة الخير فيها.
أيها الشاب، إن من تمام سعادتنا أن نتمتع بمباهج الحياة وشهواتها، لكن في حدود الشرع:
( وأبتغي فيما آتاك الله الدار الآخرة، ولا تنسى نصيبك من الدنيا).
أيها الشاب، كن رحلاً رجلَه في الثرى وهامة همتَه في الثريا، وتجمل بمكارم الأخلاق والآداب فإنها زينة الرجال.
ومن الازدواجية في الأخلاق أولئك الذين نرى عليهم أثر الصلاح وسيما الخير:
ثم نراهم في أفعالهم وتصرفاتهم يناقضون تلك السمات والآثار، حتى أصبحوا فتنة لغيرهم فأنت لا تسيء لنفسك فقط، بل لنفسك ولغيرك بل وربما لدينك، فإن من يرى سوء الأخلاق منك فسيقول هذه أخلاق الصالحين، وهذا هو الالتزام الذي يذكرون، فعلى هذا وأمثاله أن يراجعوا صلاحهم فقد لا يكون لهم من الصلاح إلا الاسم والرسم.
مدحوا عند القيل ابن عياض رجلا وقالوا إنه لا يأكل الخبيص، فقال رحمه الله:
(وما ترك أكل الخبيص؟ انظروا كيف صلته للرحم، انظروا كيف كضمه للغيظ، انظروا كيف عطفه على الجار والأرملة والمسكين، انظروا كيف حسن خلقه مع إخوانه) انتهى كلامه.
قلي بربك أيها القدوة هل الاستقامة مظهر فقط؟ أم هي حسن تعامل مع فئة من الناس فقط؟
أم أنها سلوك منك وحسن تعامل مع الناس في كل شيء وفي جميع الأحوال، ففي الحديث الصحيح:
( أعظم ما يدخل الناس الجنة تقوى الناس وحسن الخلق) أخرجه الترمذي وابن ماجة.
قال ابن القيم في الفوائد :
(جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين تقوى الله وحسن الخلق في هذا الحديث لأن تقوى الله يصلح ما بين العبد وبين ربه، وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقِه، فتقوى الله توجب له محبة الله، وحسن الخلق يدعو الناس إلى محبته) انتهى كلامه رحمه الله.
ويجب التنبه هنا لأمر مهم اختلط على كثير من الناس إما جهلا وهو الغالب أو بقصد من قلب في دخن ودغل وهو قليل جدا إن شاء الله.
أيها الأخوة إن تخلى المسلمون عن أخلاقهم ومبادئ عقيدتهم فليس معنى هذا أن نتهم الإسلام، أو نتردد بالالتزام بتعاليمه وشرائعه، وإلا فما معنى أن يحكم أناس مسلمون على الإسلام وعلى أهل الصدق منه بالغلو والتطرف والغلظة والفظاظة وسوء الخلق لمجرد أن منتسبا للإسلام أخطئ في تصرفه أو قوله أو تلبس لباس الصادقين من المسلمين؟
إن من أشنع أنواع الظلم أن يؤاخذ الإنسانُ بخطأ غيره فإن الله عز وجل يقول:
(ولا تزر وازرة وزر أخرى )،
أين الإنصاف وأين العدل ؟
والله عز وجل يقول:
(ولا يجرمنكم شنأن قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى).
لماذا نتسرع بالحكم على الجميع ونعمم الأخطاء لمجرد أخطاء فردية؟
أين هؤلاء الشانئون من مئات وآلاف من المسلمين والمسلمات ممن نبلت أخلاقهم وعزت نفوسهم.
إنني أعرف وتعرف وأسمع وتسمع وأرى وترى أعدادا ليست بالقليلة ممن ملكوا القلوب بجمال ألفاظهم وأسروا النفوس بحسن أفعالهم، قلوب صافية وأيد حانية وألسن عفيفة، علم وعمل وحب للدين والوطن.
فلماذا لا يذكر هؤلاء ويشهر أمرهم ويتحدث عن نبلهم؟ لماذا ننظر بعين واحدة ونقع على الجروح فقط؟
انظر لنفسك أيها الحبيب، أيها الأخ الشاب وأنت تشكو من هؤلاء، ألست مسلما؟
أولست تخطئ؟ ألست تزل؟
فلربما شكا منك الناس، فأنت تشكو وأنت تُشكى.
ولكن ما أجمل أن بعذر بعضنا بعضا، وأن نعفوا عن الزلات ونستر السيئات ونشهر الحسنات، تناصح وتغافر يطفئ نار الفرقة والاختلاف.
عامل الناس جميعا على أنهم بشر يصيبون ويخطئون، غُض الطرف وتغافل وأصبر فليس الغبي بسيد في قومه…….لكن سيد قومه المتغابي.
ولك أن تسرح بخيالك لترى المجتمع يعيش بهذه المعاني الجميلة فهي من أعظم مكارم الأخلاق، فإن أبيت فأتهم ذلك الشخص ولا تعمم وأتقي الله فإن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان.

* أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
مكارم الأخلاق تشعر الجميع أنك تحبهم بل كل واحد يشعر أنه أحب الناس إلى قلبك، فهل تستطيع هذا، إنك تملك القلوب بأيسر الطرق وأفضلها، هكذا كانت أخلاق قدوتنا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم.
فعن عمرو ابن العاص قال:
( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل بوجهه وحديثه علي حتى ظننت أني خير القوم فقلت يا رسول الله أنا خير أو أبو بكر؟ فقال أبو بكر، فقلت يا رسول الله أنا خير أم عمر؟ فقال عمر، فقلت يا رسول الله أنا خير أم عثمان؟ فقال عثمان. يقول عمرو فلما سألت رسول الله فصدقني فلوددت أني لم أكن سألته) كما في الشمائل لترمذي.
إذا فعمرو ابن العاص ظن أنه أحب الناس وأقرب الناس لقلب رسول صلى الله عليه وسلم.
أخي الحبيب لعلك تسال كيف استطاع النبي صلى الله عليه وسلم كسب القلوب إلى هذا الحد؟ بل كسب حتى قلوب أعدائه.
إليك شيئا من شمائله وأخلاقه بإيجاز، رزقني الله وإياك حسن الإقتداء والتأسي به صلى الله عليه وسلم.
كان أشد الناس حياء، (أنا أشد الناس حياء).
لا يثبت بصره على أحد، لا يجفو على أحد، يقبل معذرة المعتذرين إليه،
يمزح ولا يقول إلا حقا، يضحك من غير قهقهة، ترفع الأصوات عليه فيصبر،
لا يحتقر مسكينا لفقره، ما ضرب بيده أحدا قط إلا في سبيل الله،
وما أنتقم من شيء صنع إليه قط إلا أن تنتهك حرمة الله،
ما كان يجزي بالسيئةَ السيئة ولكن يعفو ويصفح،
كان يبدأ من لقيه بالسلام، كان إذا لقي أحدا من أصحابه بدأه بالمصافحة ثم أخذ بيده فشابكه ثم شد قبضته عليها،
كان يجلس حيث انتهى به المجلس، كان يكرم من يدخل عليه حتى أنه ربما بسط ثوبه ليجلس عليه، كان يؤثر الداخل عليه بالوسادة التي تحته، فإن أبا أن يقبلها عزم عليه حتى يفعل،
كان يعطي كل من جلس إليه نصيبه من وجهه وسمعه وبصره وحديثه،
كان يدعو أصحابه بكناهم إكراما لهم واستمالة لقلوبهم،
كان أبعد الناس غضبا وأسرعهم رضاء،
كان أرأف الناس بالناس وخير الناس للناس، فعن أنس رضي الله عنه:
( أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له إن لي إليك حاجة، فقال أجلسي في أي طريق المدينة شئت أجلس إليك) متفق عليه.
وبكلمة جامعة مانعة كان خلقه القرآن، ولذلك أثنى الله عليه فقال:
(وإنك لعلى خلق عظيم).
إذا فمن أراد أن يرى هدي هذا الدين واقعا يعاش فلينظر في سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم،وليدرسها دراسة فهم وتدبر بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، يكفي أن كل أحد يقول يوم القيامة نفسي نفسي وهو يقول أمتي أمتي.
يا من يذكرني بعهدِ أحبتي…… طاب الحديثُ بذكرهم ويطيبُ
أعد الحديثَ علي من جنباته…… إن الحديثَ عن الحبيبِ حبيبُ
ملئ الضلوعَ وفاض عن أجنابها……. قلبُ إذا ذكرَ الحبيبُ يذوبُ
ما زال يخفقُ ضاربا بجناحه……… يا ليت شعري هل تطيرُ قلوبُ

* خلاصة الدرس بهذه النقاط:
- ليس مراد المسلم الصادق من حسن تعامله وأخلاقه ولإحسان للناس هو كسب القلوب أو رضاء المخلوقين، أو انتزاع صيحات الإعجاب والمدح والثناء منهم، فمن القبيح أن نتحلى بالأخلاق من أجل كسب القلوب فقط، فلا يظن ظان عند سماعه لعنوان الدرس هذا الظن.
بل هدفنا دائما هو رضاء الله، والله هو الذي أنزل القرآن وأرسل الوحي اللذان منهما نستمد الأخلاق والآداب، ومن أرضى الله، رضي الله عنه وأرضى عنه الناس.
فتقدير الناس وحبهم له حاصل بحرصه على رضاء الله وإخلاص الأمر له، وقليلون أولئك الذين يحرصون على كسب القلوب لنشر المحبة والإخاء وجمعها على حب الله، وكثير أولئك الذين يحرصون على كسب القلوب ومودة الآخرين من أجل مصالح الدنيا والشفاعات وتسهيل المهام، وهذا النوع من الكسب تبتذل فيه النفوس، ويذبح الحياء وربما يباع الدين بالدنيا من أجله، نعوذ بالله من حال هؤلاء.
- إن لم تكن الأخلاق أصيلة في نفسك تحرص على اكتسابها والتحلي بها وتداوم على تزكية النفس وتهذيبها، ولن تتصنع الأخلاق أبدا فإن فاقد الشيء لا يعطيه، وإن نجحت مرة أو مرتين فسرعان ما تسفر الأحداث والمواقف عن زيوف النفس وتصنعها وما تخفيه من نوايا ومأرب وأغراض، أما بحثنا عن طريق القلوب فمن أجل علام الغيوب من عفو وصفح ونفع وصبر وطلاقة وجه وطيب وطيبِ كلام ليصبح البعيد قريبا والعدو صديقا فيحبك الناس ومن أحبه الناس ملك قلوبهم وأثر في أفعالهم وإلا فكيف نريد أن يقبل الناس منا وفي قلوبهم لنا جفوة وف نفوسهم نفره.
- أيها الأخوة والأخوات، لا يمكننا التأثير على نفوس الناس أبدا وكسب قلوبهم إلا بتلمس الخير فيهم، والحرص على مكارم الأخلاق معهم، إذا لنملك القلوب لتحبنا القلوب وحينها سترون النتيجة والتأثير فإن من أحبه الناس ملك قلوبهم، وليس معنى هذا أن نترك النصح للآخرين والإنكار عليهم ولا أن نجاملهم في معاصيهم وأخطائهم.
معاشر الأخوة، اسمعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول:
(إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخُلق) أخرجه البزار بسند حسن من حديث أبي هريرة.
- قد لا يستطيع أحدنا أن يملك قلوب الناس بماله ولا بجاهه، وإن تملق الناس له وتصنعوا، فربما أن قلوبهم تمقته، بينما أنت يا صاحب الأخلاق تملك الناس بحسن الأخلاق، يحبك الناس، يرفعونك ويقدرونك، فقط وخالق الناس بخلقٍ حسن كما وصى بذلك النبي صلى الله عليه وسلم معاذ أبن جبل.
قال ابن المبارك (والخُلق الحسن هو بسط الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى)
وقال الإمام أحمد ( الخُلق الحسن أن لا تغضب ولا تحقد)
وقيل (حسن الخُلق بذل الندى وكف الأذى واحتمال الأذى)
وقيل ( هو بذل الجميل وكف القبيح)
وقيل (هو التحلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل)
ويكفي في هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم :
(البر حسن الخلق) كما في صحيح مسلم.
قال ابن القيم رحمه الله (وهذا يدل على أن حسن الخُلق هو الدين كله، وهو حقائق الإيمان وشرائع الإسلام ولهذا قابله بالإثم في الحديث) انتهى كلامه.
- لا تغتر بحسن أخلاقك في الرخاء، بل جرب نفسك في أوقات الشدة والغضب، وكل الأحوال التي يحتاج فيها للأخلاق فعلا، فالإيثار عند قلة الزاد، والحلم عند الغضب، والعفو عند المقدرة، أما في الرخاء فلا فخر ولا فضل.
- انظر للناس فما كرهته فيهم من أخلاق فأبتعد عنه، فإنهم يكرهون منك ما تكرهه منهم.
- أسال نفسك هل أنت كالنحلة لا تقع إلا على الورود والأزهار، أم أنت كالذباب لا يقع إلا على الأوساخ والأقذار.
- مدار الموضوع كله في آية في كتاب الله تعالى وهي قاعدة في فن التعامل والإحسان للخلق هي قوله تعالى:
( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم).
لكن هل كل أحد يوفق لهذا؟ لا فإن الله تعالى يقول:
( وما يلقاها إلا الذين صبروا، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم)
وقد جمع الله مكارم الأخلاق في آية أخرى فقال:
( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين).
- الأخلاق الإسلامية معك في كل زمان ومكان، مع ربك ومع الناس وفي بيتك، وفي عملك، وفي البيع والشراء، وفي الجلوة والخلوة، مع الكبير والصغير، والرئيس والمرؤوس، فهي أصيلة في نفسك في كل الأحوال ومع كل الأشخاص في كل مكان.
- حسن الخُلق أركانه أربعة، الصبر والعفة والشجاعة والعدل. وسوء الخلق أركانه أربعة الجهل والظلم والشهوة والغضب.
- ونحن نطالب الناس بمكارم الأخلاق لا ننسى أنهم بشر ومهما جهدوا فلا بد من الهنات والغفلات، فلا نطالب بالمثاليات، خاصة في مثل هذه الأوقات، ولكن أنظر إلى نفسك وعامل الناس كما تحب أن يعاملوك.
يقول أبن المقفع في الأدب الصغير هذه الجملة الجميلة:
( وعلى العاقل أن يحصي على نفسه مساوئها في الدين وفي الأخلاق وفي الآداب، فيجمع ذلك كله في صدره أو في كتاب، ثم يكثر عرضه على نفسه ويكلفها إصلاحه، ويوظف ذلك عليها توظيفا من إصلاح الخلة والخلتين والخلال في اليوم أو الجمعة أو الشهر، فكلما أصلح شيئا محاه، وكلما نظر إلى محو أستبشر، وكل ما نظر إلى ثابت أكتئب) انتهى كلامه.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسِنها إلا أنت، وأصرف عنا سيئها لا يصرفُ عنا سيئها إلا أنت، اللهم إنك ترى مكانَنا وتسمع كلامَنا وتعلم سرنا وعلانيتنا، ولا يخفى عليك شيءُ من أمرنا، نحن البؤساء الفقراء المستغيثون المستجيرون، والوجلون المشفقون، المقرون المعترفون، نسألُك مسالةَ المساكين، ونبتهل إليك ابتهال المذنبين وندعوك دعاء الخائفين، دعاء من خشعت لك رقابُهم، وذلت لك أجسادهم، وفاضت لك عيونهم، ورغمت لك أنوفهم.
اللهم أصلح فساد قلوبِنا اللهم اصلح فساد قلوبنا وأرحم ضعفنا وحسن أخلاقنا
اللهم إنا لأنفسِنا ظالمون، ومن كثرةِ ذنوبِنا خائفون، ولا يغفر الذنوب إلا أنت يا أرحم الراحمين فأغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم.
اللهم أجمع كلمة المسلمين على التوحيد يا أرحم الراحمين
اللهم آلف بين قلوبهم……………
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.



 


الرد باقتباس
قديم 05-24-2016, 10:57 PM   #15


الصورة الشخصية لـ روح السراب
روح السراب غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1000
 تاريخ التسجيل :  Dec 2013
 أخر زيارة : 04-25-2024 (07:28 PM)
 المشاركات : 27,050 [ + ]
 تقييم العضوية :  32916
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Brown
شكراً: 3,898
تم شكره 2,683 مرة في 1,725 مشاركة
الإفتراضي رد : محاضرات اسلامية ( مكتوبة )



شكرا لك اخي العزبز على هذا الموضوع
يحتاج لأيام لكي نقرأه ونستفيد من محتواه

لي عودة أن شاء الله

تحياتي ،،



 
  مـواضـيـعـي


الرد باقتباس
قديم 06-04-2016, 03:49 PM   #16


الوطن غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2778
 تاريخ التسجيل :  Jun 2014
 أخر زيارة : 03-02-2022 (10:55 PM)
 المشاركات : 214 [ + ]
 تقييم العضوية :  10
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
الإفتراضي رد : محاضرات اسلامية ( مكتوبة )



موضوع مميز تقدير واحترامي لعطاءكم



 


الرد باقتباس
قديم 06-09-2016, 11:10 AM   #17


الصورة الشخصية لـ منار
منار غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3559
 تاريخ التسجيل :  Jun 2016
 أخر زيارة : 06-22-2017 (02:34 AM)
 المشاركات : 316 [ + ]
 تقييم العضوية :  20
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره مرة واحدة في مشاركة واحدة
الإفتراضي رد : محاضرات اسلامية ( مكتوبة )



شكراً لطرحك الهادف
وإختيارك القيّـــــــــم
أسأل الله لك كثرة الهبات
وتحقيق الأمنيات !



 


الرد باقتباس
قديم 06-14-2016, 02:49 PM   #18


احماد غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2788
 تاريخ التسجيل :  Jun 2014
 أخر زيارة : 07-04-2016 (12:25 PM)
 المشاركات : 87 [ + ]
 تقييم العضوية :  20
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره مرة واحدة في مشاركة واحدة
الإفتراضي رد : محاضرات اسلامية ( مكتوبة )



شكرا لموضوعكم يااخي



 


الرد باقتباس
قديم 06-21-2016, 05:24 PM   #19


امجاد غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2785
 تاريخ التسجيل :  Jun 2014
 أخر زيارة : 07-03-2016 (03:44 PM)
 المشاركات : 107 [ + ]
 تقييم العضوية :  10
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
الإفتراضي رد : محاضرات اسلامية ( مكتوبة )



بارك الله بكم وشكرا



 


الرد باقتباس
قديم 06-28-2016, 05:22 PM   #20


شارقة غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2786
 تاريخ التسجيل :  Jun 2014
 أخر زيارة : 07-08-2016 (08:04 PM)
 المشاركات : 201 [ + ]
 تقييم العضوية :  10
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
الإفتراضي رد : محاضرات اسلامية ( مكتوبة )



تقدبري لكم بارك بكم الله


 


الرد باقتباس
الرد على الموضوع

Bookmarks

الكلمات الدلالية (Tags)
محاضرات , مكتوبة , اسلامية


Currently Active Users Viewing This Thread: 1 (0 members and 1 guests)
 

قوانين المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML مغلق
Trackbacks are متاح
Pingbacks are متاح
Refbacks are متاح


مواضيع مشابهة
الموضوع الكاتب المنتدى المشاركات آخر مشاركة
منوعات اسلامية أبو سامي الاسلام ديننا و حياتنا 16 06-30-2016 09:34 PM
غامبيا دولة اسلامية قلب شبوه الأخبار العربية والعالمية 7 12-18-2015 05:01 PM
محاضرات دينيه حبيب المنتدى الاسلام ديننا و حياتنا 0 07-01-2014 01:58 AM
محاضرات رمضانيه حبيب المنتدى الخيمة الرمضانية 9 06-29-2014 12:05 AM
الحكم بعام سجن و300 جلده لحوزته على محاضرات الحادية لعدنان ابراهيم زين العابدين الأخبار العربية والعالمية 21 04-24-2013 05:07 PM


شات تعب قلبي تعب قلبي شات الرياض شات بنات الرياض شات الغلا الغلا شات الود شات خليجي شات الشله الشله شات حفر الباطن حفر الباطن شات الامارات سعودي انحراف شات دردشة دردشة الرياض شات الخليج سعودي انحراف180 مسوق شات صوتي شات عرب توك دردشة عرب توك عرب توك


جميع الأوقات GMT +3. الساعة الآن 03:39 PM.


.
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
.

Search Engine Friendly URLs by vBSEO